|
الصَعْقة
مرح البقاعي
الحوار المتمدن-العدد: 1020 - 2004 / 11 / 17 - 11:41
المحور:
الادب والفن
شعر" الصعقة" من انفراد المنابر إلى جادة العامّة سؤال الشعر:
هل بإمكان الشعر"أعزلا " أن يواجه التحديات التي يتعرض إليها الإنسان المعاصر وفي مقدمتها تحدي الحياة نفسها؟ وهل يستطيع الشاعر بأداته السحرية " الكلمة" أن يكشف عن ألوان العالم و أسراره، ويساهم تاليا في عملية تحويره باتجاه الأجمل؟ وكيف يسري الشعر، بعرفية طقسه الغرائزي، في عروق المدن التي توجهها آلة التقنية المفرطة في تناسلها البرمجي ــ النسقي، ابتداء من أبسط تفاصيل العيش اليومي، وصولا إلى اجتهادات فتح الكون، كما هو الحال في الولايات المتحدة الأميركية؟ للإجابة عن هذه الأسئلة قمت باستقصاء مسار أحدث الحركات الشعرية السائدة اليوم على الساحة الأمريكية وهي حركة "شعر الصعقة" أو Slam Poetry. توجهت إلى أحد شعراء هذا المذهب، الشاعر ديف لانكفورد ، وهو ممثل مسرحي وخبير في تكنولوجيا الكومبيوتر أيضا، سألته أن يعرفنا إلى هذا الضرب من الشعر، فأفاد: "شعر الصعقة هو منافسة بين عدد من الشعراء يقومون بأداء قصيدتهم على المسرح في فترة محددة بثلاث دقائق و ثانيتين فقط لكل قصيدة خلال الأمسية الواحدة. أما فريق المحكّمين فيتم اختيارهم، بشكل عشوائي، من قبل الجمهور ليعطوا لكل متسابق علامة تتراوح بين 1 إلى 10 موزعة بالتساوي بين لغة القصيدة من جهة، وقدرة الشاعرعلى أدائها "فراديا" كنص درامي و ترجمتها في رؤيا مسرحية حسية ملفتة، من جهة أخرى. و بالتالي يكون الهدف الرئيس من هذه المنافسة هو إشراك الكل، شعراء، جمهورا و محكّمين في هذه الحالة الشعرية، و النزول بالشعر من وحدانية المنابر إلى جادة العامة . والغانم العظم في نهاية طواف المناظرات الشعرية تلك ليسوا الشعراء، و لا الحضور فحسب، بل هو الشعر مترجلا عن عليائه إلى مشارب الحوار، و المداولة، و البهجة الغامرة.
في الجذور:
لا ريب أن جذور هذه المنافسة الشعرية تعود الى طقوس قديمة كان يمارسها الشعراء العرب، منذ الألفي عام و نيف، حين كانوا يجتمعون في مدن مختلفة من جزيرة العرب كالطائف ومكة المكرمة، وذلك في مواسم التبادل التجاري والثقافي كسوق عكاظ الذي لم يكن سوقا للاتجار فحسب بل ناديا للتحكيم والتشاور والمفاخرة بالشعر والخطابة. وكان من أبرز المحكّمين في الشعر هو الشاعر النابغة الذبياني، تنصب له خيمة من جلد أحمر في عكاظ حيث يتنافس الشعراء في إلقاء قصائد هم في مساجلات شعرية مطولة و مثيرة. وقد سطرت سبع من عيون الشعر الجاهلي، لعظمتها، بحروف من ماء الذهب و علقت إلى أستار الكعبة وأطلق عليها: المعلّقات. أما عن إرهاصات هذه الحركة في الولايات المتحدة فيقول لانكفورد إنها ظهرت عام 1985 في ولاية شيكاغو على يد الشاعر مارك سميث، وهو شاعر وعامل بناء أيضا. وكان هدف سميث المبكر هو إيجاد وسيلة يتفاعل بواسطتها الجمهور مع الشعر تماما كما يتفاعل مع الموسيقى. ومن هذا المبدأ ولدت المنافسات الشعرية"شعر الصعقة" لأول مرة في 25 يوليو /تموز عام 1986 في نادي"الطاحونة الخضراء" Green Mill لموسيقى الجاز في شيكاغو على يد سميث.
كاهنة القصيدة:
أما الشاعرة آبينا ديسرو مؤسسة نادي الشعر الذي يقع في الشارع الخامس من العاصمة واشنطن، و هي تعمل كمدرسة لمادة الأدب في المدارس الثانوية أيضا، فحدثتني عن تجربة " الصعقة"، قالت:" إن التنافس و المناظرات الشعرية جعلت الشعر يدخل الى كل مكان في المدينة. فالناس بطبيعتهم ميالون إلى المنافسة بهدف الفوز و ذلك في شتى النشاطات، الرياضية منها، أو العلمية، و حتى الشعرية كما هو حال في شعر الصعقة". و تضيف ديسرو:" إن هذا اللون من الشعر قد انتشر بشكل عريض في المدارس الأمريكية. أحبه الطلبة و تفاعلوا معه و بدأ الكثير منهم يلجؤون الى كتابة الشعر للتعبير عن مو قفهم، و موقعهم أيضا، من الحياة و العالم. و تضيف أن هذا اللون من الشعر انتشر على نطاق واسع في الولايات المتحدة و منها إلى العالم. و تعتقد أن عدد هؤلاء الشعراء المدرج رسميا في المسابقة الوطنية السنوية للشعر في الولايات المتحدة الأميركية قد يتجاوز 300 شاعر و شاعرة من مختلف الولايات، إضافة إلى الآلاف من الهواة من كل أنحاء العالم، ممن ينضمون إلى هذا اللون الشعري الجذاب و يمارسونه. و من الملفت أن ديسرو تخرج بشعرها الى الأمكنة العامة من مقاه و حدائق و أسواق وصولا إلى المشافي ، حيث تقوم، و بشكل منتظم،بقراءة الشعر في مشفى جامعة هاورد University Howard على مسمع الأطفال المصابين بمرض السرطان أثناء تلقيهم العلاج الكيميائي بمصاحبة عزف حي على آلة الـ" هارب" ، وهي تعتقد أن في هذا جرعة من التحفيز على الحياة ومقاومة الداء أيضا. حدثتني ديسرو، عن ابنتها آزانتيوا ديسرو، البالغة من العمر تسع سنوات، و قالت إنها بدأت تكتب الشعر و تشارك في المنافسات في واشنطن، كما تلبي دعوات توجه إليها من ولايات أخرى. و هي، إلى جانب اهتماماتها الشعرية، راقصة و ممثلة مسرحية و مصورة فوتوغرافية متقدمة عن أترابها في موهبتها المتعددة المرامي. تعتقد ديسرو، بعميق من اليقين، أن الشعر كبوتقة تلتقي عندها ثقافات الشعوب كافة بتمايز أصولهم و أعراقهم و ثقافاتهم ، باستطاعته حقا أن يغير العالم أو أن يساعد ، على أقل تقدير، في جعله مكانا أكثر سلاما ومحبة وجمالا ، لأنه ببساطة ، صوت الكل في واحد. آبينا ديسروالملقبة بكاهنة القصيدة، أطلقت مؤخرا مجموعتها الشعرية الجديدة على اسطوانة مدمجة CD تحمل عنوان " نوازع الشعر"Stimulations.
#مرح_البقاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دانتيللا الجهات
-
الكاوبوي مترجلا.. وشاعرا
-
الفيديرالية الإسلامية
-
شعـر: السـاجدة
-
الفن الرقمي بين مطرقة الأصولية الفنية وسندان التطرف التكنولو
...
-
الفن : تكنولوجيا الروح
-
حوار مع رئيس معهد الشرق الأوسط في واشنطن السفير إدوارد ووكر
-
شعـر: مستجدات الوطن.. والحب
-
الحليب الأسود
-
مقامات التنوير في موسيقى الغرب
-
شعر: نحن الذين لا ينتظرنا أحد
-
كونشرتو الكلمات
-
بيان الثقافة
-
شعر: أنثــى الســــؤال
-
هاجس البيئة في سلطة الإبداع
-
الهنود الحمر بين وهم الأسطورة و فعل المعاصرة
-
تهجين الثقافات
-
شعر قصيدة كواليس
-
التعددية الثقافية
-
المرأة.. ومحظور الفن
المزيد.....
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|