أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوى - كلمة الثورة.. المستحيل الممكن














المزيد.....

كلمة الثورة.. المستحيل الممكن


نوال السعداوى

الحوار المتمدن-العدد: 3424 - 2011 / 7 / 12 - 09:06
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


الثورة مثل الحب والإبداع تحدث فى أى عمر، فى أى عصر، فى أى مكان وزمان، الثورة تتدفق مثل المطر ينهمر دون توقع، ٨ يوليو، يوم جديد، من أيام الثورة المصرية الممدودة من يناير إلى يوليو وأكثر، حتى تحقق أهدافها كلها دون تنازلات، العدالة كلها والحرية والكرامة كلها أو الموت الزؤام، الثورة لا تقف فى منتصف الطريق، لا تعرف الوسط، الثورة لا تؤمن بالممكن والمسكنات، لا تعرف المساومات، القانون الثورى يقوم على الحياة أو الموت، الكل أو لا شىء، الثورة هى المستحيل يتحقق، ولا شىء أقل من المستحيل.

ستة شهور متصلة لم تتوقف الملايين من النساء والرجال والشباب والأطفال عن الإبداع الثورى، رغم جهود الثورة المضادة، جسد النظام السابق يملك السلطة القانونية القديمة، يتمسك بالقانون الجائر القديم لتبرئة القتلة واللصوص، يتمسك بالقيم البالية المستبدة لهدم القيم الثورية الإنسانية، الثورة المضادة فى كل مكان من جهاز الدولة، تملك القوة السياسية الدينية الأخلاقية الإعلامية البوليسية التعليمية العائلية، الثورة المضادة تملك قصور الدنيا، وقصور الجنة بعد موتنا، تملك لقمة العيش وشربة الماء ونسمة الهواء،

تملك منح البراءة للقتلة ولصوص المال العام، تملك إعادة قتل المقتولين فى ميدان التحرير، وإعادة إصابة المصابين فى نور عيونهم وشغاف قلوبهم، ٨ يوليو مثل ١٠ فبراير الماضى، قوة الملايين المتحدة المخلصة تتغلب على كل القوى الأخرى، قوة الملايين لا تملك إلا أرواحها، تقهر جيوش العالم وأمواله وبوليسه وإعلامه، كلمة واحدة بصوت الملايين ترج الكون وتهزمه، كلمة الحق، كلمة الصدق، إسقاط النظام الفاسد كله، محاكمة علنية عادلة لرأس النظام قبل ذيله، الإفراج عن الثوار المحبوسين المضروبين، تعويض أمهات المقتولين بالمحاكمة العلنية العادلة وليس بالرشوة أو الدية أو شقة أو لقمة، أرواح الثوار لا يعوضها شىء إلا العدالة الكاملة والحرية والكرامة للشعب كله، للنساء والرجال والشباب والأطفال،

دستور ثورى جديد وقوانين ثورية جديدة تساوى بين كل المواطنين بصرف النظر عن الطبقة أو الجنس أو الدين، كلمة الملايين تشق الحجر تفلق الصخر: نريد أن نزرع ونصنع بأيدينا، نأكل ما ننتج، لا نتسول المعونات من هنا أو هناك، كلمة الثورة يهتز لها القلب والجسد والعقل والخيال، كلمة تنطلق كالسهم فى اللحظة الحاسمة، ليس بعد سقوط النظام، هى الكلمة الشجاعة تنطلق فى وقتها، الخط الفاصل بين الفجر والظلام، الشفق الأحمر بين الأسود والأبيض، بين الليل والنهار، شريط الدم الممدود فوق الرصيف حتى ميدان التحرير، الفارق بين الصدق والكذب والخيانة، بين هدير الملايين وطلقة قناص فى مقلة العين، بين ابتسامة طفلة تبيع الورد ورصاصة حية فى الظهر أو فى بؤرة الصدر.

الكلمة الفارقة الصاعقة المارقة تجعل القتلة واللصوص لا ينامون، يحملها الهواء إلى السماء، تخترق آذان الآلهة من واشنطن إلى تل أبيب والرياض، حتى سجن طرة ومنتجع شرم الشيخ، تتألق الكلمة الواضحة المباشرة كالنجم وسط ركام الكتابات الغامضة، وسط الكلمات المراوغة الحائرة بين حكام اليوم وحكام الأمس، كلمة الثورة تتجاوز الخطوط الحمراء والصفراء والزرقاء والرمادية، تكسر الحواجز، تتخطى الحدود، تحطم قيود الزمان والمكان، لا تنتظر سقوط النظام لتملأ الصفحات بالحبر، بالنفاق والتملق لكل من تربع على الحكم.

التقيت بها فى ٨ يوليو ٢٠١١، التقيت بها تحت الخيمة فى ميدان التحرير، قرص الشمس يضرب فلول النظام، الشعب والشمس يد واحدة، والقمر والنجوم تأتى أيضاً لتمشى إلى التحرير، طفل فوق صدر أمه يهبط إلى الأرض ويمشى، كهل يسترد شبابه ويمشى، شابة تتمرد على أبيها وتمشى، زوجة تثور فى وجه زوجها وتمشى، مريض يقهر المرض ويمشى، شاب فقد بصره يسترد نور عينه ويمشى، الملايين تمشى وتمشى، لا تتوقف الملايين فى منتصف الطريق، الكل أو العودة من جديد إلى أول الطريق.

رأيتها واقفة أمام الخيمة، قامتها منتصبة، رأسها يلامس السماء، مهرة جامحة غير مملوكة لأحد، لا رئيس لها إلا العقل فى رأسها، قالت لى أنا معتصمة هنا فى الميدان مع الآلاف والملايين، لن أعود إلى بيتى وأسرتى، أصبح الميدان بيتى، والمعتصمون أسرتى، أجمل أيام حياتى أقضيها هنا راقدة فوق الأرض والسماء فوق رأسى مرصعة بالنجوم، السقف الأسمنت فى بيتى يحجب عنى النجوم وضوء القمر، الجدران الأربعة تحجب عنى الهواء، أموت فى بيتى من القهر والاختناق، والضرب إن لم أطع، يغتصبنى زوجى جسدا وروحا وعقلا، أعمل النهار والليل، عائلة زوجى وعائلة أبى، سبعة وعشرون شخصا من الأطفال الرضع إلى الشيوخ، يعود العجوز طفلا لا يسيطر على نفسه، أغسل السراويل لأطفال صغار ومشايخ كبار، لا آخذ فى نهاية اليوم إلا صفعة أو كلمة توجع القلب، يفرغ كل منهم وجع قلبه فى قلبى الكبير، الجنة تحت أقدام الأمهات؟

ربما لا أعرف، لكن ما هو أكيد أن جحيم الدنيا فوق رأسى أحمله كالصليب وأمشى، سأمشى حاملة صليبى حتى النهاية، سأمشى حتى أحدق فى عين الشمس الحارقة، سأمشى حتى أكشف الغيب وأحطم الخوف، ولدت فى الخوف وعشت فى الخوف ولن أموت فى الخوف، سأحطم صنم المعبود من زمن العبيد، سأفتح حدقة عينى حتى آخرها وأحدق فى الموت، لو تحررنا من الخوف من الموت لما استطاع فرد واحد أن يحكم الملايين، لما استطاع زوجى أن يضربنى دون أن أرد له الضربة اثنتين.

فى الميدان، أعتصم تحت الخيمة فى الليل، من حولى رجال ونساء لم أعرفهم إلا اليوم، كأنما أعرفهم منذ الأزل وإلى الأبد، كيس نقودى إلى جوارى مفتوح لم تمتد له يد، جسدى يتعرى فى النوم تمتد يد لا أعرفها تغطينى، لم يحملق رجل فى ساقى العارية الممدودة أمامى، لم يرشقنى رجل بنظرة ذكر جائع، أنام وأغيب فى النوم، لا أخاف، لا يساورنى القلق، لأول مرة فى حياتى أعرف الأمان، والحنان، أصبح الحنان يبكينى أكثر مما أبكتنى القسوة، لا أريد الثورة أن تنتهى.



#نوال_السعداوى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة تُحارَب على كل الجبهات، العائلية والمحلية والعربية وا ...
- كما شق نهر النيل طريقه الوعر
- الورقة يا ورق وجوهر الأخلاق
- النساء والثورة والأحزاب الجديدة
- شىء عن الاتحاد النسائى المصرى
- مبارك.. زويل.. عماد أبوغازى؟
- الحنين لمن كان يضربه بالشومة
- أقول لكم أيها السادة والسيدات؟
- بلبلة الرأى العام فى كل عهد؟
- أين العدالة الاجتماعية أيها السادة؟
- الكبارى مع السلطة الحاكمة الجديدة
- لم ير واحد منهم له عين واحدة
- رجولة جديدة أرقى وذكورة قديمة أدنى
- هل تأخرت الثورة سبعين عاماً؟
- هل ينتصر النقاء الثورى على أخطبوط الفساد؟
- هل يمكنهم إجهاض الثورات الشعبية؟
- أخلاقيات الثورة الجديدة والقيم المزدوجة القديمة
- مليونية الشباب والشابات يوم المرأة العالمى
- نساء الثورة الشعبية ونساء النخبة الحاكمة
- الثورة المصرية مستمرة حتى تحقق أهدافها كلها (٢)


المزيد.....




- وزارة المالية : تعديل سن التقاعد للنساء في الجزائر 2024.. تع ...
- المرأة السعودية في سوق العمل.. تطور كبير ولكن
- #لا_عذر: كيف يبدو وضع المرأة العربية في اليوم العالمي للقضاء ...
- المؤتمر الختامي لمكاتب مساندة المرأة الجديدة “فرص وتحديات تف ...
- جز رؤوس واغتصاب وتعذيب.. خبير أممي يتهم سلطات ميانمار باقترا ...
- في ظل حادثة مروعة.. مئات الجمعيات بفرنسا تدعو للتظاهر ضد تعن ...
- الوكالة الوطنية بالجزائر توضح شروط منحة المرأة الماكثة في ال ...
- فرحة عارمة.. هل سيتم زيادة منحة المرأة الماكثة في البيت الى ...
- مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 % ...
- نيويورك تلغي تجريم الخيانة الزوجية


المزيد.....

- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوى - كلمة الثورة.. المستحيل الممكن