|
لا أنفى، لا أؤكد، ولكني أشك
محمد حسين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 3423 - 2011 / 7 / 11 - 09:16
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
وقف الاله أوزوريس أمام الرب آمون ومعهما ابنه حورس، لقد كان على الابن التضحية بعينه من اجل حياة الأب ( لازال المصريون يصنعون كعكا على هيئة عين حورس تسمى شوريك يتم توزيعه فى المدافن كقربان أو رحمة على روح الميت ) عندما نبه آمون حورس ألا يلتفت الى جهة معينة، لم يستطع الاله الشاب منع نفسه من النظر فوجد خنزيرا اسودا ضخما خرج من عينه شرار أتلف نظر حورس.. الرب الغاضب آمون لعن الخنزير ومن يربى الخنزير أو يأكل لحمه، وهكذا توقف المصريون عن أكل لحم الخنزير وتبعهم فى ذلك اليهود وأخذ عنهم المسلمون. الأسطورة هكذا تعنى ان التحريم قد حدث لأسباب مثيولوجية، فالخنزير كان الحيوان الذى اختاره اله الشر ( ست ) لكى يؤذى غريمه إله الخير ( حورس ) فى لحظة التضحية والفداء لصالح حياة ابدية للأب المغتال.. ولا أعرف بالضبط لماذا اختار الكهنة المصريون هذا الحيوان المسكين ليعاقبوه هذا العقاب القاسى الذى أدمغه بالنجاسة الى الأبد . نفس الموضوع مع الكلب الأسود، لقد كان ( أنوبيس ) اله الموت وحامي المقابر لدى القدماء المصريين، وكانوا يخافونه ويتخيلون انه نذير شؤم وأن قدومه يعنى أن أحدهم سوف يودع الدنيا، اليهود ورثوا كره الكلب الأسود من المصريين وهم عندما يسمعون نباحه ليلا فانه يعنى أن ملاك الموت يتجول فى الجوارولا يراه الا الكلب النابح.. المسلمون أخذوا هذا عنهم ليصبح الكلب الأسود المسكين ممثلا للنحس والنجاسة ومبشرا بالموت . الموت عند المصرى كانت تختلف مراسيمة باختلاف الوضع الطبقي للميت ، فالفقراء والغرباء يمكن أن تترك جثثهم لتبلى أو تتعفن أو تأكلها الجوارح والذئاب، أما الملوك والأمراء والأغنياء فلقد كانت جثثهم تحنط وتحفظ لآلاف السنين على أمل ان تعود لها الروح فتسعى فى ملكوت الرب الشمسى ( آمون / رع ) تركب مراكبه المبحرة فى السماء بالنهار وبالليل تضوى كنجم.. بمرور الوقت أمَن كهنة أوزوريس للرعية أمل فى حياة أخرى على طريقتهم بغض النظر عن المكانة الاجتماعية للمتوفى ، كل ما كان مطلوبا ان يكون الميت من الأبرار الذين إذا عرضوا على محكمة أوزوريس، ووضع قلبه فى الميزان مقابل ريشة (ماعت )ربة الحق والاستقامة خفت موازينه فيدخل الى حقول الاليسيان( جنة أوزوريس ) يعيش هناك خالدا بين الأرباب والأجداد والآباء البررة، أما من ثقلت موازينه فقلبه سيكون وجبة شهية لحيوان قاسى( أموت) الذى سيأكله ويحرم صاحبه من الجنة والخلود. جنة أوزوريس عبارة عن حقول ترويها مياه نيل سماوى، ينبت الطازج من الفواكه والأعناب وتحافظ فيها آلهة صغرى على راحة واستمتاع سكانها، الذين يعيشون فى كسل دون جهد يعوضهم عما لاقوا من تعب ونصب فى الحياة الدنيا، اليهود استعاروا جنة أوزوريس والمسلمون أخذوها عن اليهود. المسلمون واليهود اتفقوا فى تفاصيل مثيولوجية كثيرة فكل منهما ينتظر فى ليلة ما مختارة أن تفتح أبواب السماء وتقبل دعاء من له حاجة فتلبيها فورا، وكل منهما يتقرب الى الله بالذبائح التى أنقذت اسماعيل/ اسحق من سكين أبيهما ابراهيم .. وكل منهما يصلى من أجل المطر، ويستخير، ويؤمن بالسحر، والحسد وكلها جاءت من مصر بما فى ذلك الوقاية من الثعابين، دخول النار و الخروج منها دون ضرر بفضل تلاوة رقية الحماية. المتوفى المصرى كان يتم تحنيطه فى حوالى اربعين يوم، ثم يجرى بعدها طقوس الدفن والتى كانت تبدأ بشعائر فتح الفم والتلقين، فـَــتـُزال الأربطة ليتاح للفم الحركة ويتلو الكاهن على الميت ما سيحدث له عندما تعود له الحياة ويتم عرضه على أرباب محكمة أوزوريس ، وما عليه أن يقوله فى الاعتراف السلبى أمام المحكمين ذاكرا إياهم فردا فردا وما سيسأله كل منهم وما على الميت أن يرد به .. من يشهد مراسم دفن لمسلم مصرى سيجد أن هذه الشعائر لازالت قائمة يتلوها مشايخ المقابر بنفس الايقاع والنغم والأسلوب، والمصرى المعاصر لا يعترض على مراسم دفن مر عليها أربعون قرنا. المصرى القديم كان يزاول طقوس اديان راقية لا تختلف كثيرا من حيث الشكل عن ما يقوم به المعاصرون ..فهو يصوم صوما كاملا أو عن بعض انواع الطعام و صيامه لفترات محددة تعقبها اعياد و هو يحج الي ابيدوس حيث دفن جزء من الاله اوزيريس و هو اثناء الحج يحلق شعرة و يرتدى ملابس خاصه و كهنته يصلون في اوقات معينة مرتبطة بمكان الشمس في السماء وهو يتلو التسابيح لرب الشمس فجرا بصوت ووقع لازال يعيش في وجداننا حتي اليوم المصرى كان يستخدم المياه في التطهر و ينظف اسنانه بالنطرون قبل الصلاة و كان له معبده وديره وكان من بين كهنته رجال و نساء نساك و رهبان .. المصرى في اغلب فترات تاريخه كان موحدا يعبد الاها واحدا خالق نفسه و بارىء الكون بما فيه وواهب الرزق لكل مخلوقاته بأيديه الممتدة من الشمس للارض و كان( رع ) يتمتع بعدد من الاسماء التي تقترب من المائه اغلبها صفات ربانية كالعليم و الخبير و السميع و البصير و القوى . ولقد قام توينبي بعمل مقارنة بين ادعية اخناتون لربة ومزامير داود ..و انتهي الي تطابقهما بل وجد أن الغموض الذى يصاحب المزامير ينجلي اذا اخذ الرب آتون في الاعتبار .. يقول الاستاذ سيد خميس في كتابه القص الديني (( في القرنين الرابع و الخامس الهجريين فتح باب التأليف في القصص الديني الاسلامي علي مصراعيه لتدخل منه الاسرائيليات بدون حواجز يصاحبها أخباروقصص منسوبة للجاهلية و للامم القديمة وأحاديث و خرافات الشعوب المجاورة لينسج من هذا كله جنة اخروية تقوم بدور التعويض للبائسين من شظف حياتهم و حرمانهم من ضرورات الحياة )) جنة تشبه حقول الاليسيان الاوزيريسية فهل تأثرت الاديان الابراهيمية بأديان المنطقة السائدة في ذلك الزمن !! قصة جلجامش و انكيدو ((هو الذى رأى )) تحكي بدايات طرح الاسئلة المثيولوجية عن الموت و الحياة و الخلود و التجدد .. فضلا عن وصف مطابق لما نعرفه عن قصة الطوفان التوراتي مبكرا بالف سنة علي الاقل .. قصة يوسف مع امراة عزيز مصر تكاد تتطابق مع قصة الاخوين المصرية الشهيرة ، بل قد نجد ان البقرات السبع هي ((الحتحورات السبع ))في المثيولوجيا المصرية .. فتح ممر في البحر لقوم النبي موسي تكرار لما فعله كاهن خوفو لاسترداد حليه فتاة الكورال الحزينة علي سقوط سوارها في النيل . العرب استعملوا كلمات كثيرة اكتشفنا بعد التعرف علي الهيروغليفية انها مصرية الاصل فاتون النار او الشمس هو (الرب آتون ) و جب الارض (الة الارض الفرعوني ) و نوة من ( نو) اله المحيط المائي العلوى و هو شبيه ( آنو) البابلي و( نوح ) العبراني .. ادم ايضا له شبيه مصرى (آتم) ابو المصريين و(آمين) هو الرب آمون الذى تختتم كل صلاة علي الارض باسمة .. (سقر) هي اقليم في (التوات) المصرى الذى يوازى جهنم، الشيطان تحريف عن (ست) أما جبريل و عزرائيل و اسرافيل فكلها ملائكة مرتبطة بالاله (ايل) الذى كان يعبد في الشام و تم استعارته هو وعرشه وملائكته برتبها و اجنحتها لليهودية ثم الاسلام . المصرى القديم كان يؤمن بالروح و يميزها عن النفس التي خصصها للانسان و الاسلام ايضا جعل ((النفس و ما سواها )) تلهم بالفجور و التقوى دليل علي انها لعاقل في حين ان الروح ((من علم ربي )).. العلاقات المتشابكه بين الاديان لا يمكن ان تكون مصادفه و هكذا نجد ان جيمس فريزر العالم الانثربولوجي في كتابه (( الفلكلور في العهد القديم )) يفسر اسباب التناقض بين روايتين للخلق، بأن التوراة قد استمدت قصتها من مصدرين مختلفين ثم جمعوا القصة في سفر التكوين، القصة الاولي مستمدة من اصل كهنوتي كتب اثناء السبي البابلي أو بعده بينما الثانية مستمدة من اصول يهودية كتبت مبكرا بمئات السنين ثم يجمل (( كان الناس يعتقدون بخلق الانسان من طين و كذلك كان الفراعنة و الاغريق وقد انتقلت هذه الفكرة الي تلك الشعوب عن طريق اسلافهم البدائيين )). يروى المؤرخون القدماء أن النبي موسي و اليهود أثناء حربهم ضد الكنعانيين في (اريحا ) تأخر عليهم النصر حتي قاربت الشمس علي المغيب و خاف النبي أن يدركهم الليل فيضيع عليهم.. فدعا ربه أن يحبس عليهم الشمس فاستجاب و حبسها حتي استأصل موسي اعداءه ودخل وجنده المدينة ..الانسان المعاصر يفهم توقف الشمس عن الحركة بتوقف دوران الارض وهو أمر ان حدث فان الحياة كما نعرفها ستتغير بعد زوال قوانين الجاذبية و قوة الطرد المركزية وقد تبتلع الشمس كوكبها بعد دقائق معدودة .. هذه الرواية تبدو غير دقيقة و لا استطيع ان اؤيدها كما انني ( لا استطيع نفيها) فالبحث في عمق التاريخ لازال قائما و فروض المثيولوجيا تتغير جذريا بعد كل اكتشاف جديد هام اخرها ما عرضة الدكتور السيسي عن ان الفياضانات قد حدثت منذ عشرة الاف سنة بعد تصادم جسم فضائي بالارض فرفع مياه المحيطات لما يفوق قمم الجبال و ان هذه الذكرى ظلت عالقة لدى لبشر يتناقلونها حتي وصلت لجلجامش ثم نوح. الابحار في ظلمات الماضي بحثا عن وقائع التاريخ و فصلها عن الاسطورة رغم ما يسره العلم الحديث من أدوات معجزة ومعلومات متيسرة هائلة الا انه مغامرة محفوفة بقواطع الشك دائما ..فالباحث اليوم لا يستطيع ان ينقل عمن سبقه أن الله قد شكل آدم من طين لزج ثم تركه ليجف وان الشيطان كان يدخل من انفه و يخرج من دبره .. فسيجد من يناقضه و يسأله عن دليله ، وسيشككون في مصداقيته وقد يهمل كباحث .. الشك أصبح الضمان لتقدم البشرية الآمن نحو أهداف انسانية .. وهكذا عندما أفكر في ان الشمس قد توقفت برجاء النبي موسي لربه لا استطيع ان انفي (ادبا) و لا اؤيد (ايمانا ) وانما اشك في ما قيل .
#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تربية المساخيط حرفه شرقيه
-
مصباح علاء الدين و أحلام المهمشين
-
التكنولوجيا و العقل البدوى
-
العودة الي متوشالح
-
الخوف من الحرية
-
-تكليف الله - و النكوص الجيني
-
حامد حمودى و احواض السمك
-
صعوبة أن تكون مسلما
-
الجالية المصرية ..في مصر
-
أندى العالمين كفوف راح ( اقتصاد التسول )
-
طفولة البشرية ام شعوب أطفال
-
خير أجناد الأرض والخامس من يونيو
-
هل هو دجل.. ام جهل !!
-
حكمة امريكية .. دع جروحهم تتقيح
-
فلينظر الانسان كيف تطور
-
هل يقيم الفاشست ديموقراطية !!
-
(الخلافة) غضب الله في ارضه
-
الي الاجيال المقبلة
-
إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب
-
الفاشيستية الدينية أخطر من القومية والحرامية
المزيد.....
-
سقط من الطابق الخامس في روسيا ومصدر يقول -وفاة طبيعية-.. الع
...
-
مصر.. النيابة العامة تقرر رفع أسماء 716 شخصا من قوائم الإرها
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى يستخدمها -حزب الله- لنقل الأ
...
-
كيف يؤثر اسمك على شخصيتك؟
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل حاخام في الإمارات
-
حائزون على نوبل للآداب يطالبون بالإفراج الفوري عن الكاتب بوع
...
-
البرهان يزور سنار ومنظمات دولية تحذر من خطورة الأزمة الإنسان
...
-
أكسيوس: ترامب يوشك أن يصبح المفاوض الرئيسي لحرب غزة
-
مقتل طفلة وإصابة 6 مدنيين بقصف قوات النظام لريف إدلب
-
أصوات من غزة.. الشتاء ينذر بفصل أشد قسوة في المأساة الإنساني
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|