|
لنتعصب ولكن للوطن..!
خليل يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 3421 - 2011 / 7 / 9 - 09:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هناك متعصبون يريدون من الكل ان يؤمنوا بما يؤمنون وان يفعلوا ما يريدون وان يقيسوا كل الامور على قياسهم والا غضبوا وثاروا وتشنجوا وهاجموا وسبوا ولعنوا وهددوا وتوعدوا وخوّنوا وكفّروا وصوّروا أفعال الآخرين ذنوبا وكبائر، ورفضوا كل شيء حتى لو كان خيرا للبلاد والعباد مادامت الأمور لم تتشكل على هواهم، وهذه معضلة كبرى، والمعضلة الاكبر ان التعصب دوما اعمى لا يحكمه منطق او حجة ويدمر ولا يبني. التعصب لا يستقيم مع المواطنة بمفهومها الوطني والانساني والقانوني والسياسي والاخلاقي، وقيل الكثير في تعريف التعصب وانواع واشكال ودوافع التعصب وسيكولوجية التعصب، ومن جملة ما قيل ان التعصب يعني التطرف والانحياز والتشدد، ويعني رفض الآخر، والنظر الى من يخالفك بانه خطأ على الدوام دون ادنى احتمال للصواب، ويعني انك وحدك تملك كامل الحقيقة وتمتلك كل الادلة على كل شيء فتبرئ وتدين كيفما شئت، يعني ايضا ان تنتصر الى ما تنتمي اليه ظالما ام مظلوما وتجاريه في ظلمه بل وتبرر ظلمه. التعصب يعني ايضا ضمن ما يعنيه عدم ترك مساحة للعقل، ويعني اننا نفرض على عقولنا وهما نصنعه واكذوبة نعيشها.. وبعض علماء النفس يرونه بانه اتجاه سلبي غير مبرر، وفي مفهومهم انه يعني الحكم المسبق الذي لا يقوم على اساس واقعي لمجريات الامور، وبانه أداة من ادوات الخطأ التي تكبح استقصاء العقل، والجمعية العامة للامم المتحدة في عام 1981 اصدرت اعلانا بشأن جميع اشكال التعصب للدين او العرق او الطائفة او الايدلوجيا او السياسة بعد ان وجدت بانه ينطوي على احتقار الآخر وعدم الاعتراف بحقوقه وانسانيته وآثار نوازع الخلاف والصراع والشقاق في مجتمعات كثيرة، وذهبت معظم الدول الى تجريم التعصب في دساتيرها. يهمنا من موضوع التعصب هذا الذي رأيناه في مشهدنا المحلي والذي تجلى في صور وممارسات وحسابات ومطالب وشعارات وتجاذبات ومشاحنات ومواقف وسلوكيات وكتابات وافعال، أطل منها التعصب بأوجه كثيرة، ووجدنا من تعصب للمذهب والطائفة وظهر لنا محرضا على كل شيء، ونابذا كل شيء، وعنيفا مع كل من يخالفه وترك العنان لمشاعره دون حكمة أو روية، ومن الملة التي تدعي بانها تمارس السياسة وجدنا متعصبين مارسوا الضجيج السياسي ولم يتحلوا بروح المسؤولية السياسية وخصالها، والطامة الكبرى هو تحول السياسة عند بعضهم الى اللاسياسة حينما تعصبوا وانساقوا لمشاعر وممارسات مفرطة في الحيرة ظنا منهم انها حذلقات سياسية تلطت وراء شعارات لم تؤدِ الا الى الخيبة؟ نتحدث عن التعصب والتشدد، واخشى ما نخشاه في هذه الايام حيث الحوار الوطني القائم، هو مسعى البعض ممن لم يستوعبوا مجريات الأمور، او ممن يريدون ان يجعلوا الحوار مطية لطموحات شخصية او انتهازية شائنة او ممن الفناهم يشوهون المعاني لتوجه في الاتجاه المعاكس ليدفعوا بالحوار الى منحى يتفجر فيه التعصب بأي شكل، وفي أي شأن مما هو مطروح في القائمة الطويلة من الرؤى والمطالب والأولويات والحسابات والاعتبارات والاشكاليات والمقاصد المبطنة والنيات الخفية التي لم تنفك تصطرع مما يخشى معه أن يفرز في أحسن الأحوال حصيلة ضبابية تبقي واقعنا مثخنا بالجراح التي تتنظر الرحيل السريع، وهو امر لا نحتمله ولا تحتمله المرحلة العصيبة التي نعيشها ولا حجم الآمال المعقودة على الحوار ومخرجاته، ولكن من يتابع بكثير من اليقظة مسار الامور ذات الصلة بالحوار الوطني، قد يلاحظ بأسى وأسف ان ثمة متعصبين ومتشددين لا يريدون للحوار ان يمضي في الاتجاه المأمول، وآثاروا ما يتباعد ويتقاطع وفق حسابات أقل ما يمكن ان يقال عنها بانها غير نزيهة تؤدي الى خلاصات تثير الغبار في شأن الحوار، ولعل ما اثير في صحافتنا في الايام الماضية بعناوين من نوعية التصلب في الآراء وعدم تقبل الآخر اهم عوائق الحوار، ومتشددون يريدون ان يفتعلوا كوابح لإفشال الحوار، ومشاركون في الحوار يبحثون عن الثغرات لتأجيج الخلافات سعياً لافشال الحوار، ما هو الا انعكاس وترجمة للتعصب والتشدد الذي قد يجر الحوار الى فرعيات وهامشيات بالغة التعرج تشتت الجهود وتدخله مجددا في خانة الهواجس، والمؤسف صورة من صور التعصب الطائفي قد اطلت برأسها في اليوم الاول من الحوار الوطني في المحور المتصل بالجمعيات السياسية. حينما حاول البعض جعل هذه الجلسة مشحونة بالتعصب الطائفي، وقيل بان هؤلاء نسوا انهم يجتمعون من أجل حل مشكلة وليس من أجل التعصب للطائفة وتكريس الطائفية، هذا ناهيكم عن الصور الاخرى للتعصب التي احسبها معلومة للكافة وهي لازالت تمثل صورة من صور الهم العام، وكأن هناك من لا يريد لمجتمعنا ان تتوفر له الحصانات التي مازلنا نعاني من جراحها واوجاعها وتداعياتها وتمنعه من التصدي لمختلف الآفات والانحرافات التي تتهدده والتي منها ما يراد له ان يعيق ويعرقل اي خطوات جادة وحقيقية وملموسة على طريق الاصلاح، لذا كان مهما ومفيدا ان يؤكد جلالة الملك قبل بدء الحوار بانه لن يسمح لأي متشدد يدعو للفوضى والتطرف باختطاف تجربتنا الاصلاحية. دعونا لا نفقد الأمل.. وان كان لابد من التعصب فلنتعصب للحوار الجاد المثمر والبناء.. والذي لا يستجيب للانفعالات ولا للمرارات.. وللأهواء.. والاعتبارات المصلحية الآنية.. لنتعصب لثقافة التوافق وتجاوز الحالة التنازعية الراهنة.. لنتعصب للوطن فهو الهدف الأصل والمنتهي.
#خليل_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حتى يكون الحوار حوارًا..!
-
ثقافة حقوق الإنسان..!
-
لصوص بدرجة دكتوراه .. !
-
نناشد ونهيب ونستنجد...!
-
نزولاً على رغبة الجماهير.. !!
-
مواثيق الشرف..!
-
هل تتفقون معي؟!
-
عدالة.. لا إعانة..!
المزيد.....
-
رصدتهما الكاميرا.. مراهقان يسرقان سيارة سيدة ويركلان كلبها ق
...
-
محاولة انقلاب وقتل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا.. تهم من ا
...
-
ارتفاع قياسي للبيتكوين: ما أسباب دعم ترامب للعملات المشفرة،
...
-
الكربون: انبعاثات حقيقية.. اعتمادات وهمية، تحقيق حول إزالة ا
...
-
قائد القوات الصواريخ الاستراتيجية يؤكد لبوتين قدرة -أوريشنيك
...
-
روسيا تهاجم أوكرانيا بصاروخ جديد و تصعد ضد الغرب
-
بيع لحوم الحمير في ليبيا
-
توقيف المدون المغربي -ولد الشينوية- والتحقيق معه بتهمة السب
...
-
بعد أيام من التصعيد، ماذا سيفعل بوتين؟
-
هجوم بطائرات مسيّرة روسية على سومي: مقتل شخصين وإصابة 12 آخر
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|