عباس منصور
الحوار المتمدن-العدد: 3418 - 2011 / 7 / 6 - 23:09
المحور:
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
أسلمة الثورة المصرية . . وإحباط محاولات التغيير في المنطقة
حلف العسكر وأمريكا والأخوان . . من السر إلى العلن
قال أحد زعماء التيار السلفي في مصر إن الثورة جاءت من عند الله , وهذا الشيخ الذي يملأ الدنيا ضجيجا عبر القنوات الفضائية الممولة من بلاد النفط قبل رحيل مبارك ومن مصر بعد الثورة , يعلم أنه وأمه جاءا إلي الدنيا من عند الله وأن الشمس تشرق وتغرب من عند الله وأن كل ما يجري في الكون ما نعلم وما لا نعلم يقع بأمر الله , ويعلم أيضا أن كل ذلك يحدث بأسباب ولولا الاسباب ما حصلت النتائج ولكنه هو وزملاؤه وكل الخارجين من تيارات الاسلام السياسي يسكتون عن الاسباب حتى يظل الشعب فقيرا مقهورا في كل النظم , بل إن كثيرا منهم يعتبر الثورة علي الحاكم والخروج عليه من قبيل الفتنة التي تستوجب استنفار طاقات الأمة لدرئها.
وليس خافيا إن هذا المسلك في الدين مرجعه جزيرة العرب حيث أنظمة الحكم الوراثية والثروة النفطية الهائلة التي تحالفت مع الغرب ( بريطانيا قبل الحرب العالمية الثانية وأميركا في ما بعد ) هذا المسلك الوهابي في فهم الدين هو الذي ساهم في القضاء علي آمال التحديث والتطور والتمدن التي ظهرت بوادرها في مصر عقب حملة نابليون في مطلع القرن التاسع عشر وكذلك في بلاد الشام والعراق . فما الدين في نظرهم هم وحلفائهم سوى إحدى الوسائل الفعالة في قيادة الشعوب وسياستها سلما وحربا , ففي حين يعتبرون الخطابة والتبشير بحكومات التوريث في الجزيرة العربية من أعمال الشهادة , فإن الموت في سبيل التخلص من الحاكم الظالم وأعوانه الفاسدين يعد من أعمال الإجرام والخروج علي الدين .
ومرجع ذلك كله لدي الجميع قول القرآن " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون " فطاعة الحاكم الظالم في نظر البعض من سبل الله وكذلك طلب المعونة من بلاد الغرب للقضاء علي حكام العراق أو سوريا و ليبيا هي من سبل الله الحقة , في حين يصبح الخروج والثورة على مبارك وآل سعود من سبل الشيطان وهذا يفسر لنا اللغط والجدل الذي غرق فيه العوام من جموع الشعب والذي يقف وراءه قادة السلفية ومشايخهم وذلك بشأن ضحايا الثورة المصرية من رجال الشرطة وجموع الشعب بمن فيهم بعض أنصار النظام القديم والمنضمون إليهم من الأشقياء وأرباب السوابق الذين هدهم الجهل والجوع والخوف والخوف والمرض !!
وعلى ذلك فالشهادة بالمفهوم الديني ( الإسلامي ) مدخل كبير للفتنة ومعول للهدم والتفريق بين أفراد الشعب الذين توحدوا وما زالوا في أيام الثورة المجيدة وسط ميادين وشوارع الاسكندرية والقاهرة والسويس والمحلة والمنصورة وكل أصقاع مصر المباركة ليذهب هؤلاء الفدائيون الذين ضحوا بأنفسهم في سبيل وطنهم في المنطقة الرمادية بين الشك واليقين وحتي يكونوا عبرة لمن تسول له نفسه الإقدام على تلك التضحية في مقبل الأيام حيث الثورة ما زالت في الصفحات الاولى من كتابها و المتربصون بها في الداخل والخارج تزداد شراستهم بمرور الأيام وهم يراهنون على صلابة البسطاء من جموع الشعب وقوة احتمالهم في مواجهة اختفاء الأمن و المواد الغذائية و ارتفاع تكاليف المعيشة تبعا لذلك , ربما ينصرفون عن جسد المظاهرة وينخرطون في دروب عجلة الانتاج التي يسيطر عليها اللصوص القدامى الجدد ممن يظنون أنهم قد أفلتوا من المحاسبة .
وزعماء الإسلام السياسي من السلفية والإخوان المسلمين يعتقدون أنهم لو جاءوا بمجلس للنواب تحت سيطرتهم مع دستور يقلص من صلاحيات الرئيس فإن ذلك سيكون في صالحهم بغض النظر عمن يكون الرئيس ولذا تجاسروا على أن يخرجوا بلقاءاتهم ومباحثاتهم مع الأميركان من السر إلى العلانية , أليس هؤلاء الأميركان هم الطاغوت الأكبر حسب تعبيراتهم الكلاسيكية في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي ! ؟ فكيف تحولوا اليوم إلى أصدقاء و مفاوضين في العلن تؤخذ منهم المشورة والنصيحة .
إنها لعبة المصالح السياسية ليس غير , فالأميركان ليس من صالحهم قيام نظام ديمقراطي حقيقي قائم على الحداثة و المدنية فذلك يعرض امتيازاتهم للخطر عندما تكون في مرمى قرار وطني منتخب بإرادة شعبية حرة , و المتأسلمون من صالحهم القفز على السلطة وإخراج مقولاتهم النظرية من كهوف الظلمة و النسيان إلى حيز التطبيق بسلطة البرلمان والديمقراطية التي انتخبتها الظروف الراهنة و هذا ما يفسر هذا التقارب الدافئ الحميم بين التيارات المتأسلمة وبين الإدارة الأميركية عقب نشوب الثورات الشعبية في مصر وتونس واليمن وليبيا وسوريا والتي من المؤكد أنها ستمتد في مستقبل الأيام في مراحلها التالية لتطال جزيرة العرب و الجزائر و السودان وكل ذلك النطاق الاسلامي المجاور لها في أفريقيا و اسيا , وطبعا لو فشلت الثورة في مصر وتونس و تم إعادة انتاج أنظمة مشابهة لما تم إسقاطه فإن ذلك من شأنه ألا يفتح شهية تلك النطاقات الشعبية التي أرهقها الفساد وتعزف عن الدخول في الثورات , فالجميع الآن يرقبون ما ستسفر عنه الثورات في مصر وتونس ومن بعدهما سوريا واليمن وليبيا حتى يحسموا أمرهم إما الثورة و إما الصبر على الفساد!!
يتحدث العرب والمسلمون كثيرا عن الطرق المستقيمة, و لا يسلكونها , ويملؤون المجالس كلاما كثيرا عن الأمانة والكرم والنبل ولايلتزمون بشىء من ذلك , وربما يكون ذلك كله بسبب الأصل العشائري للعرب ومنهم قادة المسلمين الأوائل الذين استقرت أعرافهم وعاداتهم كتشريعات مقدسة فى الدين الإسلامى ,ولذا صار من يقتل على شرائعهم ودفاعا عن قناعتهم من الشهداء بينما القتلى من أعدائهم في النار و أموالهم غنائم ونساؤهم سبايا و أطفالهم عبيد , على الرغم من أنهم هم الغزاة و الفاتحون المبادرون إلى القتال وسفك الدماء و تبعا لذلك كله يتم النظر إلى الشهادة والشهيد في المفهوم الديني , ومن أراد الاستزادة فعليه الرجوع إلى أيام العرب قبل الإسلام ففيها سجل حافل لأعرافهم التي اعتمد الإسلام كثيرا منها شريعة في السلم أو في الحرب .
و الثورة في مصر الآن يحاول العسكر والمتأسلمون و من يظن أنهم ناجون من فلول النظام القديم , يحاول كل هؤلاء الصعود على كلكل الثورة وقيادتها و إخضاعها لمصالحهم وهم الآن يبحثون فيما بينهم عن مناطق الاتفاق بالتنسيق مع الأمريكان ليعرف كل منهم غنائمه ومناطق نفوذه في الكعكة المصرية بعد ازاحة حسني مبارك و المقربين منه , هؤلاء الذين أفزعوا قادة العسكر بكابوس التوريث الذي يضع رجال الميادين القتالية تحت سلطة أحد المدنين الفاسدين من رجال المال وعصابات السياسيين في الحزب الوطني الذين تحولت سياسة الشعوب في أيامهم إلى نوع من الدعارة و المقامرة ! ! وكأن العسكر تنفسوا الصعداء بقيام الثورة التي خلصتهم من هذا الكابوس وبعدها ها هم يحاولون أن يبقوا على أكبر قدر من امتيازاتهم بالضغط على الشعب و قادته الميدانيين في انتزاع دستور و برلمان ونظام حكم يتيح لهم أكبر قدر من الإمتيازات ويجنبهم الخضوع للسلطة المدنية المنتخبة كلما كان ذلك ممكنا . و ها هم المتأسلمون يبدون استعدادهم للمضي معهم في هذا السبيل إلى أبعد مدى وذلك بانعزالهم عن جسد المظاهرة المطالبة بتحقيق أهداف الثورة وتحريض العوام من جموع الشعب المصري باسم الدين تارة وباسم الشعب وامنه وقوته تارة اخرى.
وإذا استمرت الأمور في هذا الطريق بين اقطاب هذا الحلف القديم الجديد الذي خرج إلي العلن بعد الثورة المصرية ( حلف العسكر – المتاسلمون - امريكا ) وإذا مضى هذا الحلف إلي مداه الاخير فسوف نسمع ونري في القريب من يلعن هذه الثورة ويدعوها بالابن اللقيط الذي لا يدعيه أحد .. ولكن هل يتخلى الشعب عن مظاهرته ويفسح الطريق امام مخططات هذا الحلف ؟ !
عباس منصور
#عباس_منصور (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟