|
النظام الجزائري: أسطرة التاريخ وعسكرة الجغرافيا
سعيد هادف
(Said Hadef)
الحوار المتمدن-العدد: 3412 - 2011 / 6 / 30 - 19:18
المحور:
ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة
الأسطورة هي حكاية تروي أحداثا عجيبة خارقة للعادة أو وقائع تاريخية خضعت للمعالجة التخييلية لتكتسي طابعا فرجويا (spectaculaire)، من أجل هدف أيديولوجي أو سياسي، وقد تصبح أكثر خطرا كلما اكتسحت السياسة التربوية أو أصبحت أداة في يد الديماغوجيين. تكتسي الأسطورة مظهرا دراميا، تمتزج فيه المأساة بالفرجة، وقد ظلت عنصرا جوهريا في المنجز الفني الملحمي بشكل خاص، في الشعر كما في المسرح، وكان لثلة من الفنانين الموهوبين دور كبير في صناعة الرأي العام والمتخيل الشعبي في وسطهم وبلدانهم. وقد ظلت الأسطورة محل استغلال من أجل تعبئة القبيلة في مجال الحروب وحتى في الصراعات المحلية. في عصرنا الحديث، رغم التطور العلمي وانتشار الثقافة العقلانية، لاتزال بعض الشعوب تعيش تحت تأثير اساطيرها القديمة وسحرها الأخاذ، وقد لجأ أعداء العقل إلى تطوير تلك الأساطير أوتحيينها أو ابتكار أساطير جديدة وإدماجها في نسقهم الأيديولوجي والسياسي لخدمة أهدافهم السرية (أحزاب وجماعات ذات توجهات قومية ودينية وثقافية). في عالمنا العربي والإسلامي، كانت الأسطورة هي حصان طروادة للوصول إلى السلطة، وقد استمدت الأنظمة المستبدة شرعيتها من سحر خطابها الأسطوري، سواء كان قوميا أو دينيا أو ثوريا. كل الحروب التي اندلعت في عصرنا الحديث لم تكن في منأى عن توظيف الأسطورة، غير أن الفرق يبقى شاسعا بين الشعوب التي استثمرت أساطيرها بشكل عقلاني في بناء قوتها واستقرارها ورفاهيتها، وتلك التي كانت ضحية أساطيرها، فذهبت ريحها وخسرت كل شيء. كيف بنى النظام الجزائري شرعيته؟ وما هي الأساطير التي أسس بها وعليها وجوده؟ وما هي الوسائل التي اعتمدها لتحويل تضحيات الشعب إلى مآس بعد أن ضخها في رصيده الأسطوري؟ وكيف سطا على إرث الحركة الوطنية؟ ومن علمه فنون الدعاية؟ لعبت الآلة الدعائية دورها الفتاك في الترويج لبطولات الشعب الجزائري وعظمته، بطريقة مدروسة، كان الهدف منها، إبهاره وشل قدرته على التفكير والنقد؛ وقد عملت هذه الدعاية على أسطرة حرب التحرير، ووصفها بالثورة التي ألهمت شعوب العالم الثالث، وبثورة المليون ونصف المليون شهيد، ووصف الجزائر بـ"قلعة الثوار"؛ وعمل النظام على تدبيج الخطب الثورية، ولأن "الخطاب حجاب" كما يقول المتصوفة، فإن النظام من خلف هذا "الحجاب السحري" كان يقترف جريمة في حق الشعب لم يقترفها حتى المحتل الفرنسي، وظل يبرم صفقاته المشبوهة مع مافيا الغرب مقابل تعزيز قوته الأمنية والعسكرية التي لم تكن سوى لبسط سلطانه المطلق على الشعب. تمت أسطرة شخصية الأمير عبد القادر من خلال الترويج للمعارك التي خاضها، دون الوقوف عند الآثار الكارثية التي خلفتها سياسته الحربية التي خدمت خطط المحتل على أكثر من صعيد، الأمير الذي فضل الاستسلام على الموت في ساحة المعركة، عمل النظام على استثماره في مخططه الانفصالي لتسميم العلاقة الجزائرية المغربية. اختزل النظامُ الجزائرَ في بعد واحد، هو البعد العسكري، ومنذ أن سطا على الحكم لم يكن له من شغل سوى ابتكار جبهات فرجوية، فمن حرب الرمال إلى الحرب على إسرائيل، إلى احتضان جبهة البوليساريو، إلى الحرب على الإرهاب. هذه الحروب الوهمية دفع الشعب ثمنها باهضا، بينما العصابة التي سخرت أجهزة الدولة لهذه الحروب ازدادت ثراء واستبدادا. وفي وقت تزداد الجزائر فقرا وتخلفا، تزداد العصابة الحاكمة إصرارا على توسيع جبهات الحرب، وترهن ثروة الشعب ومستقبله، من خلال اتفاقات أمنية وعسكرية، أثبت التاريخ أنها كانت على حساب التنمية والحقوق والحريات. من يحمي هذا النظام؟ تحميه الاستخبارات واللوبيات الغربية، وعلى رأسها الدوائر الأمريكية، بمعنى آخر، تحميه "قوى الهيمنة"، وهي التي صنعت له صورة أسطورية دون أن تكشف عن وجهها، هي اليوم تدافع عنه علنا، وتعمل على تلميع صورته. من أين يستمد قوته؟ من ضعف النخبة الديمقراطية وقصورها الفكري، من الأحزاب والجمعيات الانتهازية، من الإعلام المرتشي. من هم حلفاؤه المغاربيون؟ نظام القذافي الآيل للسقوط، شبكة الفساد المتنفذة داخل النظام التونسي ونظيرتها في المغرب. إن مصير المنطقة المغاربية تتصارع على رسمه قوتان: قوة تؤمن بالديمقراطية وكرامة الشعوب وحقوق الإنسان، وأخرى معادية للديمقراطية، فمن يمثل هاتين القوتين؟ قضت الاستراتجيات الجهنمية أن تبقى الشعوب المغاربية معزولة عن بعضها، ومعزولة عن حقها في التمتع بالديمقراطية، كما قضت أن تبقى خصوصياتها الثقافية عامل صراع في ما بين العُصب المصطنعة التي ظلت، من خلف هذا الصراع، تحمي الفساد والمفسدين، وتعمل على تعطيل ثقافة الحقوق والحريات. سقطع القناع واتضح أن الأحزاب بكل مشاربها، يتحكم فيها أشخاص لاهَمّ لهم سوى مصالح الجهات التي انتدبتهم، واتضح أن هذه الأحزاب هي الأداة المثلى لتعطيل أي حراك ديمقراطي. في الجزائر، اختزل النظام سياسته أو كاد في مشاريع عسكرية وأمنية، ويعمل على تحويل الجزائر إلى قاعدة عسكرية مضادة لأي تطور ديمقراطي في المنطقة، وإن كانت الأهداف المعلنة هي مكافحة الإرهاب، فإن الحقيقة هي خلاف ذلك، فعلاوة على المشاريع والاتفاقيات المبرمة مع الدوائر الأمريكية والبريطانية (انظر مقالنا السابق)، فتح سوقه العسكرية والأمنية لألمانيا وفرنسا وإسبانيا، حيث عمل، مع ألمانيا، على ترسيم عقد فرقاطات ميكو200 ، كما سلمت المجموعة الفرنسية المتخصصة أوسيا 21 سفينة دورية للبحرية وخفر السواحل الجزائرية، موازاة مع سعي فرنسي لافتكاك عقد طائرات الهيلكوبتر، والذي يتضمن 40 وحدة. يأتي ذلك في الوقت الذي بدأ فيه المصنع الفرنسي -الألماني -الإسباني أوروكوبتار حملة أيضا للحصول على عقد تزويد القوات الجوية والشرطة والدرك والحماية المدنية بحوامات من طراز ايكوراي ، وفي هذا السياق جرت بين الجزائر والاتحاد الأوروبي مباحثات مباشرة حول مكافحة الإرهاب ، بقيادة جيل دي كرشوف، منسق الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإرهاب بالجزائر، وقد جاء المسؤول الأوروبي متأبطا تقارير حول الجهاديين في الساحل واستغلالهم للأزمة الليبية. تؤكد كل المعطيات أن النظام الجزائري يرهن بسياسته العسكرية مصير الجزائر ومحيطها المغاربي، وفي المقال السابق، طرحت السؤال التالي: هل ستصمد أساطير النظام الجزائري أمام تطور الأحداث؟ في ظل المشهد السياسي الراهن، في الأقطار المغاربية، وما دامت القوى الديمقراطية مفككة الأوصال ومشتتة الصف؛ الإجابة، للأسف: نعم ستصمد أساطير النظام، وسيخرج من خيالها المريض زمن مرعب. إن نظاما عمل على تعطيل كل الأصوات، ورهن كل شيء من أجل أسطرة التاريخ وعسكرة الجغرافيا، لا يمكنه أن ينتج إلا الكوارث.
سعيد هادف باحث جزائري
#سعيد_هادف (هاشتاغ)
Said_Hadef#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأساطير المؤسسة للنظام الجزائري، هل تصمد أمام الأحداث؟
-
الراهن الليبي، النظام الجزائري وأفريكوم: أي مصير مغاربي؟
-
النظام الجزائري وموقفه من الثورة الليبية
-
المغرب ومحيطه العربي: الحتميات التارخية وحرب الاختيارات
-
من جزائر 5 أكتوبر إلى جزائر 12 فبراير: من يصنع الأحداث؟ (3)
-
ما هي مواصفات الدولة الحديثة؟ موضوع للنقاش
-
من جزائر 5 أكتوبر إلى جزائر 12 فبراير: من يصنع الأحداث؟ (2)
-
من جزائر 5 أكتوبر إلى جزائر 12 فبراير: من يصنع الأحداث؟ (1)
-
الدستور ذلك الكتاب: الملك محمد السادس وخطاب الحسم والقطيعة
-
الأفق المغربي-الجزائري في ضوء همجية النظام الليبي
-
الراهن العربي: دينامية الشارع، همجية الحاكم وقصور النخبة
-
الانفصال في ضوء نظرية المؤامرة: تأملات في المخطط / الجزائر ن
...
-
المغرب الكبير وسؤال المستقبل: تونس ساحة أخرى للصراع بين القو
...
-
نزاع الصحراء: من يكسب الرهان؟؟؟
-
الجهوية الموسعة والحكم الذاتي: الدينامية الدموقراطية والدينا
...
-
الاتحاد المغاربي: التاريخ المعطى والتاريخ البديل
-
الجزيرة في المغرب والمغرب في الجزيرة
-
مؤتمر السمارة وقمة سرت: التاريخ واللاتاريخ
-
المغرب والجزائر: رحلة السلام تبدأ من تندوف
-
مناطق للسلام وأخرى للفوضى : من يصمم خارطة المستقبل المغاربي؟
المزيد.....
-
فرحة عارمة.. هل سيتم زيادة منحة المرأة الماكثة في البيت الى
...
-
مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %
...
-
نيويورك تلغي تجريم الخيانة الزوجية
-
روسيا.. غرامات بالملايين على الدعاية لأيديولوجيات من شأنها ت
...
-
فرنسا: مئات المنظمات والشخصيات تدعو لمظاهرات مناهضة للعنف بح
...
-
السعودية.. إعدام شخص اعتدى جنسيا على أطفال بالقوة وامرأة هرب
...
-
تطبيق لتوزيع المهام المنزلية وتجنب الخلافات داخل الأسرة
-
-دعت إلى قتل النساء الفلسطينيات-.. أستراليا ترفض منح تأشيرة
...
-
مشهد يحبس الأنفاس.. شاهد مصير امرأة حاصرتها النيران داخل منز
...
-
السعودية.. الداخلية تعلن إعدام امرأة -تعزيرا- وتكشف عن اسمها
...
المزيد.....
-
جدلية الحياة والشهادة في شعر سعيدة المنبهي
/ الصديق كبوري
-
إشكاليّة -الضّرب- بين العقل والنّقل
/ إيمان كاسي موسى
-
العبودية الجديدة للنساء الايزيديات
/ خالد الخالدي
-
العبودية الجديدة للنساء الايزيديات
/ خالد الخالدي
-
الناجيات باجنحة منكسرة
/ خالد تعلو القائدي
-
بارين أيقونة الزيتونBarîn gerdena zeytûnê
/ ريبر هبون، ومجموعة شاعرات وشعراء
-
كلام الناس، وكلام الواقع... أية علاقة؟.. بقلم محمد الحنفي
/ محمد الحنفي
-
ظاهرة التحرش..انتكاك لجسد مصر
/ فتحى سيد فرج
-
المرأة والمتغيرات العصرية الجديدة في منطقتنا العربية ؟
/ مريم نجمه
-
مناظرة أبي سعد السيرافي النحوي ومتّى بن يونس المنطقي ببغداد
...
/ محمد الإحسايني
المزيد.....
|