أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد منصور - الفقراء يموتون بصمت














المزيد.....

الفقراء يموتون بصمت


خالد منصور
عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني


الحوار المتمدن-العدد: 1017 - 2004 / 11 / 14 - 07:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


-- موت الفقير و ( فحش ) الغني واحد .. كلاهما يدفنان بصمت -- .. عدا أهله المقربون لا أحد يكترث بموت الفقير لانه ليس للفقير القوة والمكانة والنفوذ وليس لديه المال والجاه بحيث تكون مصالح الناس مرتبطة به .. يموت الفقير وكان شيئا لم يحدث لا أحد يسال عنه ولا تبرق لاهله التعازي ولا تنشر الصحف خبر وفاته ولا يزور بيت عزائه شخص مهم وفقط أقرانه واهل محيطه من الفقراء أمثاله هم من يعزون به ويحزنون لوفاته …. وكذلك فحش الغني سريعا ما يتم دفنه والتعتيم عليه .. لا صحافة تكتب ولا بيانات تصدر .. لا أحد يسال ولا أحد يحقق .. لماذا ..؟؟.. لان مصالح الناس ترتبط بهذا الغني صاحب الفضيحة ولا أحد منهم يفتح فمه ويتلسن ببنت شفه عن فضائحه فيغامر ليخسر العلاقة المنية على المصالح معه … فيتناسون أو يتجاهلون فضائحه ويمروا عليها مرور الكرام .. بلا اكتراث وبلا ضجيج …..
بالأمس القريب دفن أهل مخيمنا شابا في عشرينيات عمره .. لدغته نحلة برية في حلقه فمات .. قد يكون الحدث عادي واكثر من عادي أن يموت فقير أو لاجئ في مخيم .. ولكن سمير بيادسة هو مثال واقعي لعشرات بل ومئات آلاف العمال الفلسطينيين الذين يحملون أرواحهم يوميا على اكفهم وهم يغامرون لقطع مئات الكيلومترات للوصول تسللا إلى أماكن عملهم المعتادة داخل إسرائيل والذين ينجح بضع عشرات منهم بالوصول إلى عملهم بينما يلقى القبض على المئات منهم ويزجون بالسجون الإسرائيلية بدعوى المكوث الغير قانوني في إسرائيل وعدم الحصول على التصاريح الرسمية تلك التصاريح الغير متوفرة إلا للقلائل من العمال الذين يتعرض جزء ليس بسيط منهم لابتزاز حقير ومساومة بالعمل كجاسوس لإسرائيل مقابل الحصول على تصريح العمل وفي معظم الأحيان يرفض العمال الفلسطينيون هذه المساومة ويفضلون الموت جوعا على خدمة أعدائهم .
لقد سافر سمير من بيته الكائن في مخيم الفارعة إلى منطقة القدس ، ليتسلل من هناك إلى داخل إسرائيل ، وليتمكن من الوصول إلى مكان عمله في نتانيا - التي لا تبعد عن مدينة طولكرم العربية سوى بضع كيلومترات - ولكن جدار الفصل العنصري جعل الأمر اليوم يبدو شبه مستحيل ، الأمر الذي حكم على مئات الألوف من اسر العاملين بالجوع ، والعيش تحت مستوى خط الفقر .. وعندما وصل سمير إلى المنطقة التي سيتسلل عبرها ، وجد عدد من العمال الذين جاءوا مثله للتسلل .. كان الجو حار جدا ، وكان سمير قد اشترى من القرية العربية المجاورة علبة كولا .. ففتحها ليشرب منها علها تخفف عليه شدة الحر .. ولم يدر في خلده أن نحلة برية غافلته ودخلت إلى علبة الكولا لتشاركه إطفاء الظمأ .. وعندما شرب من العلبة مرة أخرى ، نزلت النحلة الملعونة إلى حلقه ولدغته بقوة ، الأمر الذي جعله يصيح بأعلى صوته من الألم ،ويرتمي ويتمرّغ على الأرض بعنف .. انتبه العمال المجاورين إليه ، فأسرعوا لنجدته ، لكنهم لم يعرفوا السبب الحقيقي لالمه .. ولم يستطع هو النطق لان السم قد تفشى سريعا في جسده ، وتورم حلقه وانسدت مجاري التنفس عنده ، وبدا يختنق والعمال المساكين لا يعرفون ماذا يفعلون لإنقاذه ، فاتصلوا أولا بسيارة إسعاف لتأتي وتأخذه إلى المستشفى ، واتصلوا أيضا بأخيه سميح ، الذي وجد العمال رقم تلفونه لثناء تفتشهم لجيوبه للتعرف على هويته ، وكان سميح عندها على بعد عشرات الكيلومترات من أخيه ، ويلزمه عدة ساعات للوصول إلى مكان أخيه - بسبب اكتظاظ الحواجز العسكرية الإسرائيلية على الطرق - وكان القدر وكما هو دائما أسرع من سيارة الإسعاف وفارق سمير الحياة سريعا ، وكل ما فعلته سيارة الإسعاف هو نقل الجثة إلى المستشفى ، وهناك وبعد الفحوصات أعطى الأطباء تقريرا عن الوفاة ، يفيد بان سمير مات ملدوغا في حلقه ، بعد أن تورمت قنوات تنفسه مما أدى إلى اختناقه .. كما واضاف التقرير بان جسم سمير كان ذو حساسية شديدة ضد السموم الناتجة عن لدغات النحل والأفاعي والعقارب .
خرج سمير ليعمل مثل كل العمال ، في ظروف اصبح الوصول فيها إلى العمل مخاطرة ومجازفة كبيرة .. خرج وهو مبتسم متفائل بأنه قد يضع حلا لازمته الاقتصادية وخصوصا انه متزوج من اثنتين من النساء ، الأمر الذي يعنى عمليا ارتفاع مستوى المصاريف اليومية .. ودعته أمه المسكينة الصابرة عند باب المنزل ، وهي تدعو له من أعماق قلبها بالتوفيق .. ودعته أمه وزوجاته واخوته وداعا كاملا ، وكأن الجميع كان يتوقع أن لا يراه مرة ثانية .. وفوق مصيبة أهله بوفاته طالبهم سائق سيارة الإسعاف بمبلغ 700 شيكل ، كأجر عن نقل الجثة من منطقة رام الله إلى مخيم الفارعة ، وبعد تدخل بعض الشباب والجيران ، قبل السائق بمبلغ 500 شيكل فقط .
مات سمير بيادسة بصمت ، ولم يسمع عن وفاته واسبابها أحد من خارج المخيم .. لم تكتب الصحافة عنه ولم يأتي أحد من نقابة العمال إلى بيت عزائه .. ولم يجري نقاش في أوساط المعنيين بأوضاع العمال -- من وزارة ونقابات – ولم يتم دراسة الحادثة لاخذ الدروس والعبر المستقاة من وفاة هذا العامل الفقير .. وكيف يمكن المساعدة في إيجاد بعض فرص العمل للآلاف من العمال العاطلين عن العمل منذ سنين طويلة ، وتجنيب أولئك المعذبين مخاطر التسلل إلى إسرائيل ، والموت في الدروب الوعرة ، إما برصاص جنود الاحتلال ، أو بمواجهة القدر .. بموت لا يمكن لنا أن نسميه طبيعيا ..
قصة سمير على الرغم من بساطتها إلا أنها عميقة جدا في مضامينها .. إنها قصة كل الفقراء وكل المعذبين الذين لا يعرف أحد من القادة والمسؤولين عنهم شيء .. قصة تفتح باب التساؤلات عن البرامج التي نفذتها السلطة لخدمة الفئات الشعبية ، وأين تتوجه الأموال ..؟؟ هل يتم استثمارها في التخفيف من أعباء الجماهير ؟؟ أم تصرف ليغتني منها الأغنياء ويلهفها الهبّاشين من الزعماء .. ؟؟

خالد منصور
عضو المكتب السياسي
لحزب الشعب الفلسطيني
13/11/2004



#خالد_منصور (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا نمنحهم شرف وداع الرئيس
- المعادلة الصعبة في الحالة الفلسطينية
- عرفات زعيم نحبّه .. ولكن ..
- غول الحواجز الاسرائيلية .. هل نقتله ..؟؟ ام يقتلنا ..؟؟
- هذا في فلسطين وليس في ابي غريب
- اطفال المخيم
- وقفة مع الذّات الفلسطينية
- السمات الخاصة بمجتمع اللاجئين الفلسطينيين
- غياب الرئيس .. ؟؟ التحديات والاسئلة الصعبة
- شركاء في المسؤولية
- عفوا معالي الوزير
- من قصص المعاناة الفلسطينية .. يوم في حياة موظف
- زيتنا احمر


المزيد.....




- بوتين يقدم إقرارا بدخله ونفقاته في عام 2024
- روسيا تطور درونات هجومية بعيدة المدى
- دراسة جديدة تكشف الآثار طويلة المدى لإصابات الرأس وتأثيرها ع ...
- علماء يعيدون بناء وجه إنسان عاش في الصين قبل 16 ألف سنة
- كيف تعمل ميكانيكا الكم داخل الخلايا الحية؟
- اختبار جديد للذكاء الاصطناعي قد يحدث ثورة في تشخيص أمراض الق ...
- طرق فعالة لدعم وظائف الرئة وتحسين التنفس
- Amazfit تنافس آبل بساعة مدعومة بالذكاء الاصطناعي
- مصادر تكشف لـCNN عن زيارة متوقعة لمسؤول روسي يخضع لعقوبات أم ...
- سيناتور يحطم الرقم القياسي لأطول خطاب في مجلس الشيوخ ليحذر م ...


المزيد.....

- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد منصور - الفقراء يموتون بصمت