|
مقدمة عامة في السياسة الخارجية
سعيد كاظم النور
الحوار المتمدن-العدد: 3410 - 2011 / 6 / 28 - 20:28
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تشير السياسة الدولية إلى حقيقة مفادها أن مجمل العلاقات الدولية والتفاعلات السياسية والاقتصادية الجارية ضمن الإطار الدولي تبنى أساساً على توجهات وأهداف وأفعال صادرة عن الوحدات السياسية المكونة للمجتمع الدولي والتي نعني بها الدول ، وقد اكتسبت هذه التوجهات والأفعال عبر الزمن صفة الانسجام والاستقرار والديمومة التي أدّت إلى تحقيق قدر من المصداقية المؤشرة إزاء الأفعال الصادرة من وحدات المجتمع الدولي . إن حديثنا عن مفهوم السياسة الخارجية وحدود عملها يتطلب ابتداءً أن نوضح معناها الدقيق لكي نتمكن من ممايزتها عن السياسة الدولية أو العلاقات الدولية أو الدبلوماسية . فالسياسة الخارجية هي المفتاح الذي يحدد تفاعل وحضور الدولة بشخصيتها في المجتمع الدولي ومدى ومقدار نجاح تلك الشخصية عبر سلوكها السياسي وردود أفعالها اليومية تجاه بقية الدول ، ويترتب على ذلك صياغة المؤشر العام والخط البياني لسيرورة عمل الجهاز الحكومي وبقية الأجهزة والمنظمات السياسية في الدولة المعنية وملاحظة ما أذا كان هذا المؤشر يصب في المصلحة العليا للبلد والأفراد والإقليم ويحقق انجازات وتأثيرات مهمة ، أو أن الموضوع يسير بالاتجاه المعاكس وهذا مايخلق تراجعات في السياسة العليا تلحقها انتكاسات مخيفة ومؤثرة على بقية الجوانب الاقتصادية والاجتماعية تترك آثار كبيرة ومدمرة للشخصية الوطنية والبناء الاجتماعي والمدني في الدولة. ولذلك فالسياسة الخارجية وبموجب هذه المعايير تتمظهر على إنها حركة هادفة نحو غايات محددة تخضع للإمكانيات والقابليات ودرجة الاستعداد المتوفرة والتي تشكل المقومات الأساسية المتاحة للدولة لتنفيذ تلك الأهداف . إن مانشير إليه هنا من أهداف نقصد به خلق الأجواء والظروف الحاضنة لانجاز الغايات العليا والسامية للدولة والتي يمكن إن نحصرها بضمان الأمن القومي من التهديدات الخارجية التي قد يتعرض لها البلد في أي وقت من الأوقات ولذلك فهي حركة واعية ضمن مسار زمني غير منقطع ، أي أنها لاتنتهي بمجرد تحقيق هدف معين أو مجموعة من الأهداف بل هي ديمومة واستمرارية غير قابلة للإلغاء برغم التبدلات التي تحصل في قمة الهرم السياسي للدولة ، كما إن الدول تسعى دائماًالى خلق بيئة ايجابية تحيطها لها القابلية على رفد قدرات الدولة بعنصر فاعل ومؤثر عبر عملية التفاعل اليومي وما يفرزه هذا التفاعل من حاجات متبادلة وقراءات متعاكسة لغرض استبيان مدى مصداقية البعض تجاه الآخر وهذا كله يبين لنا دور وأهمية السياسة الخارجية في خلق وبلورة كيان الدولة السياسي وتثبيته ضمن موقع مميزوقابليات معروفة للغير وبالتالي ضمن ترتيب وأهمية ثابتة للآخرين. إن السياسة الخارجية كتفاعل سياسي دولي تتأثر وتتعلق بحركة صانع القرار الذي يعتبر الموجه الرئيسي والمتابع المستمر لديمومة نشاطها وحركتها كونها الميدان الفعلي لوظيفته .. إلا إن الآراء تضاربت حول مدى وحجم هذا التأثير فهناك رأي يقول إن عملية صنع القرار السياسي الخارجي ناتجة عن فعل مؤسساتي وتنظيمي وهيكلي وخاضعة بالوقت نفسه إلى معايير المشاركة السياسية لمؤسسات الدولة العليا وجهازها الحكومي والتشريعي ولهذا فأن دور صانع القرار يتقلص إلى الحد الأدنى ويصبح بالتالي دوراً بسيطاًومحدداً ، لأن الدولة حسب أصحاب هذا الرأي هي منظومة مترابطة ومتكاملة من المؤسسات والهيئات والإدارات ، وان اتخاذ القرارات يتم بطريقة المشاركة الفعلية للعديد من المنظمات والمؤسسات التشريعية وبالتالي فأن سياسة الدولة الخارجية ستغدو عبارة عن ناتج الحركة المؤسساتية الهيكلية الداخلية للدولة . إما الرأي الآخر فيمنح صانع القرار الدور الأكبر والذي يفوق عمل المؤسسات والتنظيمات المساهمة في إنتاجها كونه المتحدث الرسمي الأول بأسم الدولة ، وأصحاب هذا الرأي يعتبرون إن الدولة تتمثل وتتجسم عبر مؤسسة سياسية محددة يرأسها ويقف على هرمها شخص متمثل بصانع القرار ، فعندما نتحدث ، على سبيل المثال ، عن علاقات أو لقاءات تتم بين الدول فأننا نتحدث عن اللقاءات التي تتم بين صناع القرار لتلك الدول أو من يمثلهم ، فهم الذين يترجمون وينقلون المفهوم المجرد لمصطلح الدولة إلى واقع عياني و ملموس ، وقد يغالي أصحاب هذا الرأي ويتطرفون أكثر بحكم دوافع آيدلوجية معينة أو تنشئة ثقافية خاصة فيميلون إلى الاعتقاد أن الدولة مرادفة لقيادتها السياسية المتمثلة برئيسها أو ملكها أو رئيس حكومتها أو من يمثلهم ، وأن من الصعب التفريق بين الدولة وصناع قرارها كونهما متممان بعضهما للآخر. إلا إن كلا الاتجاهين لايوليان المحيط الدولي والمتغيرات الجارية عليه ولا القدرات الداخلية وطبيعة تكوين الدول وبيئتها ، ولا المسار العام للسياسة الدولية والعلاقات الدولية الأهمية الكافية في رسم معالم السياسة الخارجية وكيفية وضعها وإتمامها وترجمتها إلى فعل ملموس. فصناع القرار وبغض النظر عن الآراء المختلفة حول مدى أهميتهم ومقدار تدخلهم أو مشاركتهم في رسم خطوط السياسة الخارجية يضطرون في أحيان كثيرة إلى عدم التقيد بصيغة عمل محددة أو الانسياق وراء رأي أو مدرسة تحكم صلاحياتهم إلى حدود ضيقة ، فالمتغيرات الدولية واشتداد الأزمات في عدة أحيان وضرورات الأمن القومي للبلد ومقدار التهديدات الخارجية التي تحوم حول أوطانهم تضطرهم إلى ممارسة عملهم بصورة عملية تعود على سياستهم بالمنفعة وكسب الجولات المصيرية وإحداث تأثيرات اجتماعية دافعة ومؤيدة للقرار السياسي المتخذ من قبلهم في أية قضية تهم الرأي العام أو أزمة دولية تؤثر على كينونتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية . كما ان هناك بعض القضايا المهمة والتي تتطلب ردود أفعال سريعة وقدراً عالياً من السرية والكتمان لحساسيتها الأمنية لايمكن اتخاذ القرار بصددها عبر إمراره بالمؤسسات والهياكل والمجالس التي تشكل منظومة الدولة السياسية حيث يتعرض هذا القرار إلى التأثير أولا والى فقدانه مبدأ المباغتة والمفاجأة وكسب الجولة الأولى ثانياً ، أضف إلى ذلك إن للتأثيرات النفسية ولنوع الثقافة السائدة في المجتمع دورهما في قبول وتأييد وحشد الرأي العام لصالح القرارات المتخذة ... ولذلك فنحن نراهم احياناً يلجؤون إلى الظهور بصورة الشخصيات القائدة والحضرة بشكل يومي عبر القنوات الإعلامية والصحف اليومية وإصدار الشعارات والخطابات التي تناغم مشاعر الجمهور لممارسة التأثير النفسي عليهم . ويمكن ملاحظة هذا الأمر جلياً أثناء حرب الخليج الثالثة واحتلال العراق ، فالرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش كان بحاجة ماسة جداًالى استعارة الكاريزما العالم ثالثية والاستيلاء على هذا النموذج طيلة مدة ولايتيه لغرض تمرير مشروعه في الحرب وإنجاحه قدر المستطاع عبر ارتداء جبة الزعامة المغامرة والساعية إلى تحقيق النصر بشتى الوسائل ، فإدارة مثل هذه الأزمات تتطلب من صانع القرار إن يكون حضوره قوياً ومؤثراً ومتماهياً مع شخصية الدولة . بنفس الوقت نرى في حالات أخر وضمن مجريات السياسة الدولية وطبيعة العلاقات الدولية إن رسم السياسة الخارجية وترجمتها إلى واقع ملموس عبر الهيئات السياسية والمؤسسات الاستشارية والتشريعية والهياكل التنظيمية يؤدي إلى خلق سياسة متوازنة ومؤثرة ويحقق قدراً من النمو السياسي والاجتماعي المرتجى سواء على الصعيد الداخلي أو على صعيد المجتمع الدولي ، وهذا يعني إن للجانب الموضوعي دور مهم في تحديد طريقة صنع القرار ونوع القرارات الصادرة . ولا يفوتنا إن نذكر إضافة لما تقدم إن السياسة الخارجية هي وحدة كلية غير متجزئة ، فالأفعال السياسية الخارجية ناتجة عن عملية سياسية داخلية متكاملة تبدأ عند لحظة التفكير بقرار سياسي محدد وتنتهي إلى الحالة التي يتم فيها إخراج هذا القرار وترجمته إلى تصرف وسلوك ظاهر وبارز وملموس من قبل الدولة ، هذه الأفعال قد تبدو للبعض على أنها أفعال متجزئة وبعيدة عن سياسة الدولة العليا ولكن حقيقة القول إن جميعها هي التي تشكل الإطار العام للسياسة الخارجية وعلى هذا الأساس فهي حركة علمية متكاملة مكونة من مجموع تلك الأفعال تسعى إلى تحقيق أهداف مرتبطة بالستراتيجية العليا ، ومن هذا الباب تكتسب تلك الأهمية والخصوصية في مضمار عمل الجهاز الحكومي ويجري التركيز عليها في تحسين موقع الدولة في المجتمع الدولي وجعله فاعلاً ومؤثراً وذا مصداقية معلومة لدى الآخرين .
#سعيد_كاظم_النور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السجين السياسي ...سيناريو الدخول الى المدن المقفلة !
-
المتغير الثقافي ..! حضارة تقف على رأسها...
المزيد.....
-
بتوبيخ نادر.. أغنى رجل في الصين ينتقد -تقاعس الحكومة-
-
مصر.. ضجة حادث قتل تسبب فيه نجل زوجة -شيف- شهير والداخلية تك
...
-
ترامب يعين سكوت بيسنت وزيراً للخزانة بعد عملية اختيار طويلة
...
-
ترامب بين الرئاسة والمحاكمة: هل تُحسم قضية ستورمي دانيالز قر
...
-
لبنان..13 قتيلا وعشرات الجرحى جراء غارة إسرائيلية على البسطة
...
-
العراق يلجأ لمجلس الأمن والمنظمات الدولية لردع إسرائيل عن إط
...
-
الجامعة العربية تعقد اجتماعا طارئا لبحث تهديدات إسرائيل للعر
...
-
ابتكار بلاستيك يتحلل في ماء البحر!
-
-تفاحة الكاسترد-.. فاكهة بخصائص استثنائية!
-
-كلاشينكوف- تستعرض أحدث طائراتها المسيّرة
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|