|
هل تتقطّع خيوط واشنطن في بغداد؟ التعويضات ومعسكر أشرف
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 3406 - 2011 / 6 / 24 - 17:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
على نحو مفاجئ وفي خضم الجدل حول بقاء أو انسحاب القوات الأمريكية من العراق، أعلن وفد من الكونجرس الأمريكي زار بغداد مطالبته دفع تعويضات من الجانب العراقي، بسبب الخسائر التي تكبدتها القوات الأمريكية منذ غزوها واحتلالها العراق في ربيع عام 2003 حتى الآن. واعتبر ذلك التصريح خارج حدود اللياقة الدبلوماسية، فضلاً عن كونه استفزازياً، خصوصاً وهو يطلب "ثمن" الاحتلال الأمريكي للعراق، في حين أن واشنطن هي التي يجب أن تعوّض الشعب العراقي، بعد افتضاح عدم وجود أسلحة دمار شامل في العراق، وزيف علاقته بتنظيمات القاعدة والإرهاب الدولي، ناهيكم عن غضّ النظر عن موضوع النموذج الديمقراطي الذي تم التبشير به، ولا سيما أن هاجس القوات الأمريكية الأهم والأكبر هو تحقيق الاستقرار والقضاء على الإرهاب والعنف، اللذين ضربا المجتمع العراقي في الصميم. على خلفية تصريحات رئيس وفد الكونجرس الأمريكي، التقى دانا روهر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وناقش معه، كما جاء في تصريحه، موضوع "تعويضات الجانب الأمريكي حول خسائر جيشه في العراق"، الأمر الذي نفاه بعض المحسوبين على قائمة رئيس الوزراء "دولة القانون"، في حين اعتبره بعضهم "وسيلة ضغط" بهدف تمديد وجود القوات الأمريكية في العراق، والمقصود هنا استبدال اتفاقية 2008 التي تنتهي في أواخر عام 2011 باتفاقية جديدة والموافقة على إبقاء قوات أمريكية في العراق، بحدود عشرة آلاف أو تزيد عليها مع وجود قواعد عسكرية أمريكية تستخدمها. وكان ستة من أعضاء وفد الكونجرس الأمريكي قد عقدوا مؤتمراً صحافياً في مقر السفارة الأمريكية في بغداد طالبوا فيه بدفع تعويضات عن خسائر الجيش الأمريكي في العراق، لكون الحكومة الأمريكية حسبما برروا: لا تستطيع أن تتكبد مبالغ طائلة في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعيشها والوضع الاقتصادي الحرج الذي تعانيه. وظلّت قضية تعويضات الأمريكيين موضوع جدل ونقاش بين الجانبين العراقي والأمريكي، ولاسيما بعد موافقة مجلس الوزراء العراقي على دفع تعويضات لأمريكيين بنحو 400 مليون دولار كانت قد حكمت فيها محاكم أمريكية ضد النظام السابق، وذلك في أيلول (سبتمبر) عام 2010، ووافق عليها البرلمان العراقي في 30 نيسان (أبريل) من العام الجاري 2011، باعتبارها اتفاقية تسوية بين الطرفين. وفجّرت مطالبة أعضاء الوفد الأمريكي الذي يزور العراق الموقف، خصوصاً أن هناك اعتراضات شعبية شديدة، تعتبر مثل هذه التصريحات استفزازاً للعراق والعراقيين. جدير بالذكر أن الاعتراضات الشعبية أخذت تتصاعد بخصوص تعويض العراقيين المتضررين، خصوصاً أن الاتفاقية العراقية - الأمريكية لعام 2008 غضّت الطرف عنها، ولعلها بما رتبته من أحكام أسقطت حقوق العراق للمطالبة بالتعويض. وعلى الرغم من أن ردّة فعل الحكومة العراقية كانت سريعة وحادة بعد تصريحات الوفد الأمريكي، ولا سيما مطالبة الوفد بمغادرة العراق، لكن هذا الموقف لم يكن موحّداً، فقد قالت وزارة الخارجية العراقية إن القرار اتخذ من دون العودة إلى وزارة الخارجية، وأضافت: علماً أن ما طرحه الوفد الأمريكي وإن كان قد أثار حفيظة العراق، إلاّ أنه لا يستدعي الطرد، وهو الأمر الذي طالما تكرر بخصوص الوفد الفني لبحث موضوع بناء ميناء مبارك. في تقديري أن ردود فعل الحكومة العراقية لا تتعلق فقط بتصريحات الوفد بخصوص المطالبة بالتعويضات، بل إن الموضوع الأكثر حساسية كان هو: طلب الوفد الأمريكي زيارة معسكر أشرف للاجئين الإيرانيين، الأمر الذي أدى إلى نوع من الاحتكاك، خصوصاً وقد تسرّبت بعض الأخبار أخيرا عن معسكر أشرف ورفعت العديد من المنظمات الدولية صوتها للمطالبة والتحقيق في مقتل نحو 35 من عناصر منظمة مجاهدي خلق داخل المعسكر، الأمر الذي اضطرت فيه الحكومة العراقية إلى طلب مغادرة الوفد من العراق. اللافت أن معسكر أشرف شهد خلال السنوات الماضية توتّرات واصطدامات وسقط العديد من القتلى والجرحى من جرّاء ذلك، وكانت الحكومة الإيرانية ومعها أطراف نافذة من الحكومة العراقية تطالب بطرد أعضاء هذه "المنظمة الإرهابية"، حتى إن كانوا بصفة لاجئين، وظلّت طهران تضغط لتسليمهم إليها، الأمر الذي دفع بأوساط واسعة من الرأي العام الدولي، بما فيه ناشطون في مجال حقوق الإنسان ومنظمات دولية معروفة، مناشدة الحكومة العراقية والقوات الأمريكية عدم تسليمهم، لأن ذلك سيعرّض حياتهم للخطر. وهنا لا بدّ من التنويه ولفت النظر إلى أن الولايات المتحدة كانت تعتبر منظمة مجاهدي خلق إرهابية، وأنها تعاونت في السابق مع الأجهزة الأمنية العراقية وقامت بمهمات مزدوجة، إلاّ أنه بعد احتلالها العراق، أقامت علاقة معها وسعت إلى رفع اسمها من قائمة الإرهاب الدولية، وتم ذلك بالفعل، وظلّت تضغط على الحكومة العراقية بعدم تسليم أفرادها من اللاجئين إلى إيران، بل إن واشنطن كانت توحي بأن موقفها الجديد ليس بعيداً عن الضغوط التي تمارسها ضد طهران بسبب سياستها الممانعة من جهة، وملفها النووي من جهة ثانية. ولهذا فإن حساسية ملف أشرف لها ثلاثة أبعاد، الأول يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، الذي يراد أن يستخدمه بتوظيف سياسي، والثاني إيراني ضاغط، خصوصاً لنفوذ إيران "العراقي"، أما البعد الثالث فهو أمريكي يريد استخدام هذا الملف كجزء من الضغط على إيران وللمناورة السياسية، وذلك لنفوذ أمريكا "العراقي". وبخصوص مسألة التعويضات أستطيع أن أتفهم إنسانياً وقانونياً موضوع مطالبة المتضررين بالتعويضات سواءً كانوا أمريكيين أو غير أمريكيين، عراقيين أو غير عراقيين، التي هي حق لكل متضرر بفعل غير قانوني وغير شرعي قامت به دولة ضد دولة أخرى أو عرّضت مواطني دولة أخرى على المستوى العام أو الخاص للضرر، مثل التعذيب والترويع والمعاملة القاسية، أو التي تحطّ بالكرامة أو استخدام الدروع البشرية أو غير ذلك، لكن مثل هذا الإدراك، وسبق أن أشرت إليه منذ احتلال العراق، ينبغي أن يتسم بالمساواة، لا سيما أن حقوق شعب كامل تضررت ولم يتم تعويضه جرّاء الغزو والاحتلال والممارسات المنافية لحقوق الإنسان، الأمر الذي سيعني الافتئات على القانون وتجاوز الحقوق الإنسانية على نحو صارخ، فمن يتحمل هدم كيانية الدولة العراقية وتعريض ممتلكاتها للنهب والسلب بما فيها متاحفها وآثارها وصروحها الثقافية التي لا تقدر بثمن. ولعل ما نشر أخيرا من فقدان 6.5 ملياردولار كانت تنقلها طائرات عسكرية أمريكية من الولايات المتحدة إلى بغداد بعد احتلاله عام 2003، وهي من أموال العراق، ما يلقي المزيد من الاتهامات والمساءلات حول مسؤولية الولايات المتحدة عن تبديد الأموال العراقية حسب اتفاقيات جنيف لعام 1949 وملحقيها لعام 1977 وطبقاً للقانون الدولي الإنساني، وهو ما يستحق المطالبة به، إضافة إلى هدر ثمانية مليارات و800 مليون دولار صُرفت معظمها دون إيصالات قانونية في عهد بول بريمر، كذلك تبديد نحو 20 مليار دولار في ظل الاحتلال للحكومتين الثانية والثالثة، ناهيكم عن ضياع نحو 40 مليار دولار أخرى حسب تصريحات رئيس البرلمان العراقي أسامة النجيفي؟ وإذا كان الأفراد هم من يستحقون التعويضات، فمن يعوّض أرواح مئات الآلاف من العراقيين التي أزهقت بسبب الاحتلال وما بعده، وتشرّد نحو مليونين في الخارج وتقابلهم مئات الآلاف (نازحون في الداخل)، ووصل عدد الأطفال الأيتام إلى خمسة ملايين، بمن فيهم عشرات الآلاف من أبناء الشوارع وما يزيد على مليون أرملة .. فمن المسؤول عن كل ذلك ومن يعوّض خسارة العراقيين؟ أما بخصوص مسألة معسكر أشرف فإن ملف حقوق الإنسان لا يتوقف عند معسكر أشرف فحسب، بل يمتد ليشمل جميع الانتهاكات السافرة والصارخة منذ الاحتلال حتى الآن، وهو يستحق وقفة جادة، فالولايات المتحدة تتحمل المسؤولية الأساسية في الانتهاكات السافرة والصارخة لمنظومة حقوق الإنسان المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولا سيما استشراء ظواهر الطائفية والعنف والإرهاب والمليشيات والفساد المالي والإداري والرشا وغيرها من تجاوزات جسيمة مثل: التعذيب والاختفاء القسري والقتل على الهوية، كما أن الحكومات العراقية المتعاقبة تتحمل قسطها في هذه المسؤولية لا فيما يتعلق بمعسكر أشرف، وهي قضية إنسانية تستحق الاهتمام، بل في مجمل انتهاكات حقوق الإنسان في العراق. وهنا أيضاً لا بدّ من التوقف عند ازدواجية المعايير وانتقائية المواقف، فقضية حقوق الإنسان لا تقبل التجزئة ولا يمكن التلاعب بها لأسباب سياسية، وتوظيفها لمصالح خاصة، طالما تتعلق بحقوق الناس والبشر ككل. وإذا كانت التعويضات وملف حقوق الإنسان سيبقيان مطروحين للنقاش، فالأمر يرتبط بمصير اتفاقية عام 2008 التي سينتهي مفعولها نهاية عام 2011، ولا سيما التلويح بالفراغ السياسي والأمني وعدم جاهزية القوات العراقية في مواجهة التحديات الخارجية والداخلية، وكذلك إمكانية الخروج من الفصل السابع، وهي ذاتها الضغوط التي مارستها واشنطن على بغداد مثلما ستمارسها الآن في سيناريو جديد للتوقيع على اتفاقية جديدة لتنظيم بقاء بضعة آلاف من أفراد القوات المسلحة الأمريكية في العراق، مع وجود قواعد عسكرية أساسية يمكن استخدامها، ولا سيما عند الحاجة .. فهل تستطيع بغداد التملص من ضغوط واشنطن، لا سيما بخصوص التعويضات، إضافة إلى معسكر أشرف؟
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثلاثة ألغام أمريكية جديدة في العراق
-
عبد الكريم الأزري: المشكلة والاستعصاء في التاريخ العراقي
-
السلام يُصنع في العقول
-
كوبا الحلم الغامض- كتاب جديد
-
فقه التجديد والاجتهاد في النص الديني
-
الشاعر أحمد الصافي.. التمرّد والاغتراب والوفاء للشعر
-
قانون التغيير وتغيير القانون
-
في العقول يبنى السلام وفي العقول يتم القضاء على العنف
-
فصل جديد من الدبلوماسية الأمريكية
-
سعد صالح.. سياسي كان يسيل من قلمه حبر الأدب
-
إمبابة وأخواتها
-
التنمية وحقوق الطفل: المشاركة تعني الحماية
-
لغز الانسحاب الأميركي من العراق!
-
التعذيب والحوار العربي - الأوروبي
-
تحية لمظفر النواب: شاعر التجديد والتمرد والإبداع
-
مَنْ يعوّض مَنْ؟
-
الساسة العراقيون يتصرفون وكأنهم لا يزالون في المعارضة
-
أيهدم بيت الشعر في العراق!
-
بعد 50 عاماً على اعلان تصفية الكولونيالية
-
دور المجتمع المدني بعد انتفاضات الشباب
المزيد.....
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
-
محكمة مصرية تؤيد سجن المعارض السياسي أحمد طنطاوي لعام وحظر ت
...
-
اشتباكات مسلحة بنابلس وإصابة فلسطيني برصاص الاحتلال قرب رام
...
-
المقابر الجماعية في سوريا.. تأكيد أميركي على ضمان المساءلة
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|