عبد الرحمن تيشوري
الحوار المتمدن-العدد: 3405 - 2011 / 6 / 23 - 11:13
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
مقدمة :
"البيئة الطبيعية ليست بحاجة لبني البشر ولكن بني البشر بحاجة للطبيعة"
إن أحد جوانب أزمة المجتمعات المعاصرة هو إشكالية علاقة هذه المجتمعات بالبيئة.فعوامل البيئة تتداخل في كل النشاطات الاقتصادية,بل هي تؤثر في كل جوانب النشاط والجهد الإنساني.
ولم يعد يسمح التدمير الحاصل في البيئة بالنظر إلى مشاكل البيئة على أنها مشاكل جانبية للنشاط الاقتصادي بل هي من صلب المشاكل الاقتصادية .ويفترض أن يكون الحكم على مستوى الأداء الاقتصادي حكماً على النجاح الطويل الأجل والأقل ضرراً للبيئة , ويجب أن يكون هدف السياسات الاقتصادية النمو الاقتصادي النوعي وليس الكمي .يمكن أن تفهم أزمة البيئة من وجهة النظر الاقتصادية على أنها عدم إعادة إنتاج عامل الإنتاج"الطبيعة " بشكل كاف .فلقد كان يتم رفع مستوى المعيشة عبر العصور التي خلت عن طريق استنزاف رأس المال الطبيعي وكان ينظر إلى الطبيعة ضمن إطار العملية الإنتاجية كشرط للإنتاج ومصدر للموارد المجانية. ولكن هذا الزمن قد ولى ولا يمكن لاقتصاد ناجح أن يستمر دون أن يأخذ بالاعتبار الطبيعة كعامل إنتاج إلى جانب العمل ورأس المال.وكما أن العمل ورأس المال يساهمان في الناتج الاجتماعي ويعاد إنتاجهما كذلك هي الطبيعة تساهم في الناتج الاجتماعي وتحتاج إلى إعادة إنتاج.فقسم كبير من الناتج الاجتماعي تقدمه الطبيعة ,وخاصة في البلدان التي تعتمد بشكل أساسي على ثرواتها (نفط ,غاز,فوسفات,غابات طبيعية,.....) وبالتالي يجب النظر إلى الطبيعة كجزء مهم جداً في الدورة الاقتصادية.
أولاً:النقل بالأنابيب :
هو أحد أقدم أساليب نقل المواد التي طورها الإنسان باستخدام وسيط نقل مغلق يضمن السلامة المشتركة للمادة المنقولة والوسطين البيئي والبشري المحيطين . ويستخدم هذا النظام في نقل مواد مختلفة غازية أو سائلة أوحتى مختلطة وذلك عبر أنابيب مصنوعة من مواد مختلفة وتحت شروط عمل من ضغط وتدفق تناسب شروط سلامة الأداء لمنع حدوث أي انجفارات أو تسربات , وكذلك بما يلبي متطلبات التشغيل والخدمة التي أنشئ لأجلها , وذلك لمسافات طويلة قد تصل إلى آلاف الكيلومترات , ويعود تاريخ أول خط لنقل النفط إلى عام 1879 الذي أنشأته مجموعة من منقبي النفط في الولايات المتحدة الأمريكية.
بنية خطوط النقل بالأنابيب :
يتألف خط النقل بالأنابيب من الشكل (1)
البنية الأنبوبية
وهي مجموعة من الأنابيب المركبة على قواعد خاصة وفق مواصفات محددة لتكون الوسيط المغلق الذي تمر عبره المادة المنقولة.ويتحكم الوسط المنقول ومواصفاته الكيميائية (درجة القلوية أو الحموضة ,قوة الأكسدة) والوسط المحيط (الرمال الخشنة في الصحراء )وكذلك شروط التشغيل من سرعة التدفق وضغط التشغيل في تحديد مادة الأنبوب المختارة. ولهذه الأنابيب أنواع مختلفة تبعاً لنوع المادة المستخدمة في صنعها: ومن أهم الأنواع ما يأتي:
• الأنابيب المعدنية Metallic pipes :
وتصنع من معادن مختلفة كالرصاص والألمنيوم وغيرها.بيد أن الأنابيب النحاسية والمصنعة بطريقة السحب هي الأكثر رواجاً في المجالات الصناعية المحدودة من حيث الأطوال والضغوط والتدفقات . وتصنع الأنابيب الفولاذية من صفائح فولاذية مقاومة للصدأ تلف بشكل حلزوني وتلحم من الجوانب لتشكل صفائح لتشكل أنابيب ذات أقطار متعددة.وتستخدم هذه الأنابيب في نقل المياه والنفط والغاز تحت شروط صعبة من ضغط وتبدلات حرارية ومناخية, وهي المستخدمة في الشركة.
• أنابيب الحديد المطاوع Ductile iron :
تصنع بالسباكة بواسطة آلات الطرد المركزي ويشيع استخدامها في نقل المياه والتطبيقات التي تستلزم طمر الأنابيب في الأرض مما يزيد صعوبة ظروف العمل .وتتميز هذه الأنابيب عن الأنابيب الفولاذية بسماكة كبرى للجدران ومقاومة كبرى لظروف التربة والطقس.
• الأنابيب اللدائنية (البلاستيكية) Plastic pipes :
تستخدم هذه الأنابيب في التطبيقات الصناعية التي تحتاج إلى المقاومة الكيماوية العالية التي تبديها المواد اللدائنية . وحديثاً دخلت الأنابيب المصنعة من البولي إيتلين عالي الكثافة high density bdyethylene(HDPE) وكلوريد البوليفينيلPolyvinyl chloride(PVC) في مشروعات نقل المياه التي تتميز بعدم تآكلها أو التعرض للصدأ وما يترافق معها من مشكلات اهتراء .
• الأنابيب الخرسانية pipes : Concret
تصنع من الخرسانة ويغلب استعمالها في شبكات الصرف الصحي والنقل بالإسالة حيث يتم التدفق تحت تأثير الجاذبية.
إن جميع الأنابيب السابقة تتم معالجتها وتبطينها لتحقيق أفضل المواصفات وشروط التشغيل المناسبة لكل نوع من المواد المنقولة.ومن المهم الإشارة إلى إمكانية استخدام النقل بالأنابيب للمواد الصلبة كالقمح والحبوب ,فهذه التقنية في النقل ليست حكراً على المواد السائلة أو الغازية فقط.ومثالاً على ذلك فإن تفريغ السفن الناقلة لشحنات الحبوب الراسية في الموانئ يتم عبر أنابيب خاصة تقوم بنقل الحبوب إلى صوامع التخزين المجاورة.
محطات الضخ :
وهي مجموعة المباني والمنشآت الهندسية ومعداتها الميكانيكية المستخدمة في تزويد الوسط المنقول عبر الأنابيب بالطاقة الهيدروليكية الضرورية لقطع المسافة المطلوبة بالسرعة والضغط المطلوبين.
تجهيزات التحكم والمراقبة :
وهي مجموعة أنظمة التحكم الالكترونية والكهربائية وما يتبعها من تجهيزات ميكانيكية تستخدم للتأكد من أن محددات تشغيل خطوط النقل من ضغط وتدفق وحرارة ومستوى التخزين في الخزانات وغيرها يقع ضمن مجالات الأداء الأمثل وكذلك تستعمل للقيام بالتعديلات اللازمة على إجراءات التشغيل في حال حدوث أي طارئ .
تجهيزات السلامة الفنية:
وهي مجموعة المعدات والتجهيزات المستخدمة لضمان سلاسة عمليات التشغيل المختلفة لأنظمة النقل بالأنابيب وسلامتها وتشمل تجهيزات خاصة للقياس ,وتجهيزات حماية ضد المطرقة المائية التي تعد ظاهرة سلبية مخربة لا تقتصر على أنابيب المياه كما يوحي الاسم.وتجهيزات لطرد الهواء المتسرب إلى خطوط النقل .
تجهيزات السلامة البيئية :
وهي مجموعة التجهيزات المستخدمة لضمان سلامة تشغيل الأنظمة ومنع الحوادث البيئية : ولاسيما التسربات النفطية أو الكيماوية. وإحدى التجهيزات التي يمكن استخدامها للكشف مباشرة عن تسرب النفط وبعض المواد الكيماوية هي استخدام كبل كهربائي موصول من أحد طرفيه بمصدر منخفض الجهد مشكلاً دارة كهربائية مفتوحة.يعزل السلكان المكونان للكبل عن بعضهما بمادة شديدة الحساسية للسائل المنقول , وعند حصول أي تسرب وانسكاب للسائل على الكبل يذوب العازل ويحصل تماس مباشر , وتغلق الدارة الكهربائية , وبقياس تيار الفصل ومعرفة المقاومة الكهربائية الطولية للكبل يتم تحديد موقع التسرب بدقة كبيرة جداً,وهذه التقنية غير موجودة في الشركة وإنما يتم القيام بجولات لمشاهدة النفط في حال تسربه على السطح أو من خلال مقارنة قيم التدفقات بين المحطات .
شروط إنشاء خطوط النقل بالأنابيب : الشكل (2) يبين توزع خطوط النفط على امتداد سورية.
عانت بعض دول العالم تجارب سيئة مع خطوط النقل بالأنابيب خاصة أنابيب نقل النفط والمشتقات الكيماوية وذلك يعود إلى حوادث تسربات عدة تجاوزت في بعض الأحيان الأثر البيئي إلى تهديد الحياة البشرية والموارد الطبيعية.
وقد يجهل بعض الناس خطورة المواد النفطية كونها من أكثر المواد سمية وتأثيراً سرطانياً على البشر , كما أن أثرها يمتد فترات طويلة , ويتسرب ليصل إلى المياه الجوفية . لذلك فقد سنت قوانين كثيرة لتنظيم إنشاء خطوط الأنابيب, ليس وفق ما تقتضيه المصلحة الوطنية والاقتصادية فقط, بل ربطت الموافقة بدراسة الأثر البيئي للمشروعات.
ويجب عند دراسة الأثر البيئي الاهتمام بالأمور الآتية ويتم التطرق لهذا الموضوع لأنه تم الإعلان في الشركة السورية لنقل النفط عن دراسة لمد خطوط أنابيب نفط لتغذية المصافي المزمع إقامتها في المنطقة الشرقية :
تأثير مسار خط الأنابيب في الثروة الشجرية وعدد الأشجار المقطوعة واقتراح أماكن للتعويض عن الأشجار المفقودة.
تأثير مسار خط الأنابيب في الثروة الحيوانية والتنوع البيولوجي وضرورة إيجاد مواطن بديلة للحيوانات المتضررة وكذلك توفير المعابر السليمة لهذه الحيوانات بهدف منع عزلها نتيجة لمنشآت خط الأنابيب .
تأثير مسار خط الأنابيب في النشاطات البشرية وتحديد الإجراءات الضرورية لمنع حدوث أي أعمال تخريبية تعرض السكان المجاورين للخطر .
وضع خطط الإخلاء والإنقاذ المناسبة ومعالجة الأضرار البيئية والأمنية الناتجة من أي حادث في منشآت خط الأنابيب .
دراسة أثر التسربات من خط الأنابيب على المياه الجوفية وتحديد الاحتياطات المتخذة .
ثانياً:الأمن البيئي – أحد أبعاد الأمن البشري
حتى عهد غير بعيد كان الأمن يعني أمن الأرض وحدود الدول من العدوان الخارجي أو أنه حماية المصالح القومية للأمة أو أنه أمن عالمي من حدوث حرب نووية وضمان هذا الأمن لا يعني أكثر من التسلح.
ولكن مستجدات العقود الأخيرة أوضحت أن هناك تهديدات غير التهديدات العسكرية تهدد أمن الدولة والأمن البشري أيضاً وعلى رأسها التهديدات البيئية وسيتم التركيز على التلوث الذي ينجم عن نقل النفط.
1. أخطار النفط الخام:
النفط الخام عبارة عن خليط معقد من مواد مختلفة تشمل الهيدروكربونات الطيارة والغازات المنحلة (يتكون بشكل عام من: 84% كربون 14% هيدروجين (1- 3) % كبريت 1 % نتروجين وأوكسجين ومعادن)
عند المصدر يمكن أن يحتوي النفط على أكثر من 80 مثل حجمه على غاز وهذه الغازات والأبخرة قابلة للاشتعال والبعض منها يتميز بالخصائص المسببة للسمية أو التخدير .
بعض أنواع النفط الخام غنية بالكبريت وتسمى بالخام الحامض والذي يسبب الوفاة في حالة التراكيز العالية وهذا ما حصل في حول نفط تكساس قبل عشرات السنين بالإضافة إلى تأثيره المسبب للإغماء المفاجئ .
2. المياه:
المياه تعني استمرارية الحياة.والمياه تواجه حالياً خطراً كبيراً فنصف أنهار العالم حالياً تعاني من حالة النضوب والتلوث الخطير .كما أن نحو ثلث العالم يعتمد على المياه الجوفية ,التي بدأ منسوبها بالانحسار ويسبب نقل النفط تلوث هذه المياه عن طريق تسرب كميات منه تصبح غير صالحة للشرب.
3. تأثير التلوث بالزيت على البيئة البحرية :
ينقسم تأثير التلوث البحري بالزيت على البيئة البحرية إلى تأثير حاد وتأثير مزمن، التأثير الحاد: يكون نتيجة حادثة منفردة ومفاجأة وتظهر نتائجه بالموت المفاجئ للكائنات والنباتات بشكل متزامن مع وقوع حادثة التلوث وذلك نتيجة لخصائص البترول سواء الكيميائية أو الطبيعية. وتكون شدة التأثير بالتلوث بالزيت في الأماكن شبه المغلقة والحيوية كالخلجان والمواني وأيضاً في المياه الساحلية حيث تتم معظم الأنشطة البحرية من صيد وسياحة و رياضات مائية. التأثير المزمن: يكون نتيجة لانسكاب كميات من زيت البترول أو أحد مشتقاته في البيئة البحرية على فترات متقاربة بجرعات متفاوتة مما لا يسمح للكائنات البحرية النباتية أو الحيوانية بإعادة التعايش الطبيعي بين الانسكاب والآخر وهذا يؤدي غالباً إلى ما يسمى بالتأثير تحت المميت الذي ينتج بعد فترة زمنية طويلة للتعرض للزيت أو أحد مشتقاته. ويمكن إجمال التأثيرات البيولوجية الناتجة عن انسكاب الزيت في البيئة البحرية:
مخاطر صحية نتيجة أكل الأسماك البحرية الموجودة في البيئة الملوثة.
فناء عدد كبير من الطيور والحيوانات البحرية ونقص الموارد السمكية بشكل ملحوظ.
الشكل العام للشواطئ الملوثة بالزيت وانتشار بقاياه على الرمال والصخور والنباتات الشاطئية.
اختلال التوازن البيئي نتيجة لنقص الموارد الغذائية وهجرة كثير من السلالات وموت البعض الآخر نتيجة للتعرض لمؤثرات التلوث البيئي المختلفة.
المعدات والمواد التي يجب توافرها في مراكز التلوث البحري بالزيت:
- الحواجز العائمة Booms .
- الكاشطات .
- المواد الماصة .
- المواد التي تحول النفط إلى مادة هلامية .
- المشتتات .
يعيب طريقة تحويل النفط إلى مادة هلامية أنها:
تعتمد على إضافة كميات كبيرة من المواد الكيميائية اللازمة لتحويل النفط إلى هلام بالإضافة إلى أنها تحتاج لعملية خلط جيدة يصعب تنفيذها في البحار المفتوحة.
ويعيب طريقة استخدام المشتتات:
أن معظم المشتتات التجارية لها تأثير ضار على الكائنات والبيئة البحرية، ولهذا فقد وضعت عدة تشريعات لضبط استخدامها، بحيث لا يتم ذلك إلى في حالات تعذر استعمال البدائل الأخرى وبعد موافقة الحكومات والجهات المعنية في هذا الشأن.
وهاتان الطريقتان هما المتبعتان في الشركة لمكافحة البقع النفطية.
4. انبعاث الغازات والاحتباس الحراري:
يعتبر غاز ثاني أكسيد الكربون , الغاز الرئيسي المسؤول عن ظاهرة الاحتباس الحراري ,مما يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض .وهذا سيؤدي إلى ارتفاع مستوى البحار والمحيطات , وتغير كميات الهطول ,وخاصة في المناطق الجافة وشبه الجافة واضطراب في التنوع الحيوي,إضافة إلى الضغوط الصحية وزيادة الأمطار الحمضية.
ثالثاً:علم اقتصاد البيئة
هناك بعض الجوانب المهملة في الحياة الاقتصادية تفرض نفسها ولم تدخل صلب التحليل الاقتصادي بعد. وهي عدم اعتبار الموارد الطبيعية أصولاً إنتاجية ,و لا تزال هذه الموارد مستبعدة من مفهوم "الاستخدام الأمثل"للموارد كما أن تعبير "أقل تكلفة"لا يزال يقصده أقل تكلفة بالنسبة للعوامل الإنتاجية الداخلة في العملية الإنتاجية مباشرة ولا يؤخذ بالاعتبار الخسائر البيئية والتكاليف الاجتماعية,أي التكاليف على مستوى المجتمع وعلى مستوى الاقتصاد ككل والتي تسمى بالتكاليف الخارجية.مثلاً لا تحسب تكلفة زيادة غاز ثاني أكسيد الكربون الذي يتسبب بارتفاع درجة حرارة الأرض و لا تحسب أيضاً تكلفة زيادة غازات الكلورفلوركربونات وأول أكسيد الكلور التي تسبب في ثقب طبقة الأوزون.
وإن العائدات من النفط والغاز والخامات الطبيعية الأخرى والتي تحسب على أنها دخل أو قيمة مضافة جديدة ماهي في الحقيقة إلا ريع ناجم عن استنزاف رأس المال الطبيعي والموجودات النادرة ولا تشكل قيمة مضافة ناجمة عن عمل إنتاجي ,وهدر هذه الموارد يشكل عامل تدهور للبيئة.و ما لم يتم القيام باستثمارات تعويضية تحافظ على رأس المال الطبيعي وتضمن تجدده فإن النمو المستند إلى الموارد الطبيعية لن يكون متواصلاً ولا طويل الأجل.وتتمثل التكاليف الاجتماعية, على سبيل المثال:في الأضرار الصحية الناجمة عن التلوث,الأضرار النباتية والحيوانية,انخفاض حصيلة ونوعية الصيد السمكي,انخفاض قيمة المساكن وأجارها بسبب الضوضاء والتلوث المادي,الانخفاض النوعي لأهمية وقيمة مناطق الاستجمام والراحة,......الخ.
فعلم اقتصاد البيئة هو:العلم الذي يقيس بمقاييس بيئية مختلف الجوانب النظرية والتحليلية والمحاسبية للحياة الاقتصادية ويهدف إلى المحافظة على توازنات بيئية تضمن نمواً مستديماً.
وهناك جملة من المبررات تستوجب تطوير حسابات اقتصادية بيئية نذكر منها :
1. ضرورة وجود معلومات كاملة عن الموجودات والموارد البيئية والتغيرات التي تطرأ عليها وعن الخسائر في الموجودات البيئية ,وخاصة وأن الموارد البيئية أصبحت نادرة ,ومشكلة البيئة هي مشكلة ندرة بالمعنى الواسع.
2. لمعرفة وتقويم العلاقات المتبادلة بين النشاط الاقتصادي والبيئة ,وللتعرف على تأثير النشاط الاقتصادي في موجودات البيئة من جهة وللتعرف على تأثير التغيرات البيئية في النشاط الاقتصادي وتأثير المنتجين والمستهلكين في البيئة والتأثير العكسي من جهة أخرى.
3. الحاجة لهذه الحسابات كأداة مساعدة في اتخاذ القرارات الاقتصادية بل وحتى السياسية .
وذلك وصولاُ إلى التنمية المستدامة والتي تحقق نمواً اقتصادياً متعدداً ومتنوع المصادر مع استخدام الموارد وإدارتها بشكل يفي باحتياجات الحاضر , ولا يستنزف من احتياجات الأجيال القادمة ,بما يضمن لها الاستمرار بحياة كريمة والتي طرحت في مؤتمر الأمم المتحدة ريودي جانيرو عام 1992 ,تحت عنوان قمة الأرض وظهرت فكرة التنمية المستدامة كواحدة من قواعد العمل الوطني والعالمي ,ووضع المؤتمر وثيقة مفصلة لبرنامج العمل في القرن الحادي والعشرين :أجندة 21, .ومنذ مؤتمر ريودي جانيرو وحتى الآن ,ازداد الوعي العام في العالم بالأخطار الناجمة عن تلوث البيئة وتدهور النظم البيئية وأدخل التعليم البيئي في مراحل الدراسة , وانتشر الإعلام البيئي .
ولكن عدم تطبيق التنمية المستدامة على الواقع العملي في البلدان النامية أدى إلى تدهور عام في النظم البيئية على المستوى العالمي ,كما أوضح تقرير الأمم المتحدة للنظم البيئية GEO-3 الصادر في حزيران 2002 والذي توصل إلى أن فكرة التنمية المستدامة التي نادت بها قمة الأرض لاتزال فكرة نظرية وانعقد مؤتمر آخر للأمم المتحدة في مدينة جوهانسبورغ في جنوب إفريقيا من 26/8 إلى 4/9/2002 تحت عنوان :القمة العالمية للتنمية المستدامة وكان هدف القمة : إيجاد صيغ تضمن التزام الدول الصناعية بمسؤولياتها تجاه البشرية ,وتنشيط الالتزام الدولي على أعلى المستويات السياسية ببرنامج التنمية المستدامة.
وفي سورية , يضعنا الاستنزاف الجائر لموارد الطبيعة وتلوث البيئة أمام مسألة هامة , يجب أن تنطلق ضمن استراتيجية وطنية لتنمية متوازنة مستدامة .
رابعاً:نظام الإدارة البيئية كأداة لتحقيق التنمية المستدامة:
مفهوم الإدارة البيئية: يمكن اعتبار مفهوم الإدارة البيئية امتداداً لمفهوم الإدارة بمعناه العام وخاصة عند تطبيقه في مجالات معينة,مثل الإنتاج والمال والبشر.وهو يعتمد على أساليب الإدارة التقليدية :التخطيط ,التنظيم,التوجيه, وذلك من خلال آليات مختلفة الأنواع والأشكال لتحقيق أهداف محددة وتقييم الأداء ثم تصحيح المسار.
المستويات المختلفة للإدارة البيئية :
أهداف المستوى الأول الالتزام بما يحدده المستوى الثاني من صفات لنشاطات المنشأة ,وبالذات مايخرج منها إلى البيئة الخارجية من انبعاثات وتصريفات ومخلفات صلبة.أما أهداف المستوى الثاني فهو الحفاظ على بيئة صحية للإنسان ولكل مظاهر الحياة في المحيط الحيوي الذي يعيش فيه والعمل على التوازن البيئي .
ويجب أن يراعى عند تحديد الأهداف البيئية على مستوى الوحدة الإنتاجية ما يلي :
1. التحديد Specific :
وهذا يستدعي ألا تكون العبارات التي تصاغ منها الأهداف البيئية غامضة أو غير دقيقة ,ومن ثم لابد من وضع العبارات بشكل يمكن معه تنفيذها مع التركيز على إظهار العوامل المتحكمة بهذه الأهداف وكيفية تنفيذها.
2. قابلة للقياس Measurable :
لأن الأهداف التي لا يمكن قياسها تعتبر مجرد شعارات , وبالتالي لا يمكن متابعة تنفيذها .
3. الأهداف قابلة للتحقيقAchievable :
يجب أن تكون الأهداف بحدود إمكانيات وقدرات العاملين وبتوافر معدات مناسبة وظروف عمل مناسبة لأن رفع معدلات تحقيق الأهداف دون النظر إلى هذه الاعتبارات قد يؤدي إلى التوقف ثم الفشل.
4. الأهداف الواقعية Realistic :
أي أن تكون الأهداف من واقع المنشأة ومرتبطة ارتباطاً وثيقاً بها وبإمكانياتها المادية التي تساعد على تنفيذ هذه الأهداف وليست مستعارة من منظمات أخرى أو بلدان أخرى.
5. الأهداف البيئية في إطار زمني Time-bound :
لابد من أن يكون هناك إطار زمني لتحقيق الأهداف البيئية,حيث إن ذلك مرتبط بمفهوم الاستراتيجية البيئية والمراحل الزمنية لتنفيذها.والإطار الزمني يعتبر أحد عوامل آليات المتابعة ورصد التقدم في تنفيذ الأستراتيجية البيئية ,كما أنه أحد آليات تحديد الإمكانيات المادية والبشرية للانتقال إلى مراحل أخرى.
ولابد من التركيز على أهمية التشريعات البيئية باعتبارها أداة تنظم العلاقات بين المؤسسات بعضها مع بعض وبين الأفراد بعضهم مع بعض وكذلك بين المؤسسات والأفراد, ولقد حظيت البيئة في السنوات الأخيرة باهتمام العالم,وصدرت الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية التي تهدف إلى تحقيق الضبط والانضباط والالتزام البيئي وتبع ذلك صدور تشريعات وقوانين على مستوى كل دولة (القانون49- القانون50 في سورية).
ولقد قامت الحكومة في سورية بخطوات إيجابية في مجال البيئة على الرغم من أنها مازالت خطوات متفرقة بحاجة إلى تضافر لهذه الجهود وصولاً إلى التنسيق على مستوى وطني وهذا ما نأمل أن يتم بعد إحداث وزارة مستقلة للبيئة.
المقترحات :
بما أن البيئة هي مشكلة عالمية فمن باب أولى أن تكون مشكلة وطنية وتحتاج إلى تضافر جميع الجهود للسير قدماً في طريق تحقيق التنمية المستدامة لذلك سيتم إيراد المقترحات بشكل عام :
1. تفعيل دور دائرة البيئة وجعلها تابعة لوزارة البيئة من أجل التنسيق والتعاون على مستوى وطني وإجراء الأبحاث والدراسات ومتابعة كل جديد في مجال التخفيف من تلوث البيئة والتعامل بشفافية فيما يتعلق بالبيانات والمعلومات البيئية .
2. قيام وزارة البيئة بالتنسيق بين مختلف النشاطات الاقتصادية لتحقيق الأهداف البيئية وتحقيق الالتزام من جميع الجهات المعنية,بالإضافة إلى التنسيق بين الجهود الطوعية المعنية بنشر الوعي البيئي والتي هي أقرب إلى طبيعة المشاكل البيئية ,باعتبار أن البيئة ليست قطاعاً رأسياً قائماً بحد ذاته على نحو ما هو مألوف في أغلب الأجهزة الحكومية كما في النقل والكهرباء و.....فقضايا البيئة تقطع عرضاً في كل قطاعات التنظيم الرأسي.
3. فرض الضرائب البيئية استناداً إلى "مبدأ المتسبب"و"ومبدأ الوقاية"(إعادة توزيع للضرائب وليس زيادتها) وهي ضرائب تفرض على الغازات والمنتجات الضارة بالبيئة وعلى استهلاك الموارد الطبيعية .وقد تأخذ هذه الضرائب شكل ضرائب انبعاثات (ضرائب على انطلاق غاز ثاني أكسيد الكربون أو الغازات الضارة الأخرى ) أو ضرائب منتجات(ضرائب على الزيوت المعدنية أو السماد المعدني)أو ضرائب على الخامات الطبيعية المستخدمة في الإنتاج (كالفحم أو الغاز الطبيعي) ويتم تحويل هذه الأموال إلى رقم الحساب المذكور في المادة 18من القانون50 لعام 2002(الذي يمكن أن يكون قد طرأ عليه تعديل بعد إحداث وزارة البيئة ).
4. التوجه نحو الطاقة البديلة هو خيار سيتحول إلى إلحاح وضرورة نتيجة التناقص الواضح في كميات الاحتياطي النفطي التي وإن استمرت بعضاً من الزمن فإنها زائلة لا محالة سواء في سورية أو في دول العالم كافة.
5. من الناحية الاقتصادية إن الشركة السورية لنقل النفط تسهم بفعالية بدعم الاقتصاد الوطني لذلك وجب ربط موارد هذه الخطوط بالتنمية طويلة الأمد والمستديمة .
6. إعداد خطة للطوارئ البيئية والتنسيق بين الجهات المعنية لإعداد برامج مواجهة الكوارث البيئية وخاصة في مدينة بانياس التي تعتبر قنبلة موقوتة لوجود مصفاة لتكرير النفط وشركة محروقات بالإضافة إلى الشركة السورية لنقل النفط وخزاناتها.
7. إعادة النظر ودراسة الجدوى الاقتصادية من إقامة المصافي في المنطقة الشرقية لأنها ستؤثر حتماً على آثار تدمر ,وستؤدي إلى تآكلها بسبب تفاعل الأمطار الحمضية الناتجة عن الأجواء الملوثة مع الحجارة الكلسية .ونشير هنا إلى أن آثار تدمر لا تزال بحالة جيدة بخلاف آثار الأكروبول في أثينا التي تآكلت بسبب الأجواء الصناعية والأمطار الحمضية.وبوصول التلوث وحصول الأمطار الحمضية وتآكل الآثار نكون قد فقدنا معلماً سياحياً هاماً,يعتبر أحد أهم مصادر التنمية المستدامة,لأنه عند نضوب النفط في سورية ,ستكون السياحة من العوامل المساعدة على زيادة الدخل القومي .
8. النظر إلى إجراءات حماية البيئة على أنها شكل من أشكال إعادة الاستثمار,حيث تأخذ نفقات حماية البيئة خصائص أموال الاهتلاك لرأس المال.
9. يجب الاستفادة من تنوع المصادر كالأراضي الزراعية بواسطة استثمارها وزيادة المساحات المزروعة عن طريق استصلاحها ,مما يحقق مردودية عالية,وكذلك الاهتمام بالسياحة .
10. إدخال حسابات اقتصاديات البيئة عند حساب الميزانية الختامية للتعبير الحقيقي عن الربح الذي حققته الشركة.
11. نشر الوعي البيئي بين كافة العاملين في الشركة وعدم الاكتفاء بتثقيف وتدريب دائرة البيئة فقط انطلاقاً من قول عالم الاجتماع مارشال مكلهان: لا يوجد ركاب على سفينة الفضاء الأرض نحن جميعاً طاقم السفينة.
إن إنفاق الأموال لحماية البيئة يؤثر سلباً على النمو الاقتصادي بالمعنى التقليدي وفي الأمد القصير أي أن النمو في الناتج القومي قد ينخفض .ولكن كل وحدة نقدية تنفق من أجل حماية البيئة والحد من الأضرار ستشجع وتزيد الإنتاج وبالتالي النمو الاقتصادي على المدى البعيد طالما أن إنفاق هذه الوحدة سيقود إلى الإقلال من الأضرار البيئية بقيمة أكبر من قيمة الوحدة المنفقة .
ويبقى السؤال هل تملك سورية من المال الكثير حتى لا تتطرق إلى التفكير في طرق التوفير؟
#عبد_الرحمن_تيشوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟