|
ابهام
ايناس البدران
الحوار المتمدن-العدد: 3401 - 2011 / 6 / 19 - 20:41
المحور:
الادب والفن
إينما وليت وجهك فثمة جدار يفتح في العقل اكثر من كوّة للسؤال .. كلها مطليّة بالبيج كيما تهوّن ساعات الانتظار .. قيل ان الانتظار انتحار ، على هذا الاساس .. هي قضت العمر انتحارا ، الانتحار حرام ، كذا الزنا وقتل النفس ، وخير ما يصنعه المرء في حياته انتظار الفرج ، ولكن الانتظار انتحار ! .. وقد يفتح ابواب التساؤل والأسى على ما كان وما هو كائن وما سوف يكون ، تزمّ شفتيها ، قد يكون محطة للتأمل واعادة النظر .. تنقّل بصرها في اركان وزوايا الغرف المخصصة للانتظار ، همست في سرّها : - نشغل انفسنا بإنتظار جودو الذي لن يأتي في الغالب متشاغلين به عن التمتع باللحظة الراهنة. تتنهد بصوت مسموع " هي انتظرت اشياء كثيرة لم تحصل إلا على النزر اليسير منها ، لم تمنحها السعادة بل على العكس ، إذن نحن نقضي العمر في انتظار اشياء قد يشقينا حدوثها مثلما يشقينا عدمه . " تنقّل بصرها بين الاجساد المكوّمة حولها ، اكداس بشر تجد نفسها مرغمة على التعاطف معها يربطهم الالم يجمعهم الملل والتصبّر والتأمل داخل الذات وانتظار الجرّاح المشهور المشغول جدا . تتذكّر زيارتها الاولى قبل سنين لعيادته حين اقبل بقامته المديدة وبقسمات وجهه الواثقة ، ها هو يطل من جديد بعينيه السوداوين .. شعره الفاحم الغزير هو نفسه لم يتغيّر .. الانتظار لايشيخ .. وحدهم المهمشون المهشمون الآيلون الى التداعي ، ناطحو جدران المستحيل بقرون استشعارهم الرخوة المهددون بالموت من خضّة او بصقة ، المتحولون الى اشخاص لانعرفهم لو رايناهم في الطريق او قابلناهم في الطريق لما فكرنا بإعادة النظر اليهم المنقلبون الى كراكيب كلما تقادمت بها السنوات .. وحدهم يشيخون . تهزّ رأسها فترتيبها في قائمة الدخول الحادية والعشرين .. للسبب ذاته ربما بدأت السكرتيرة بإدخالهم ازواجا لافرادى كما في السابق ، بمعدل عشر دقائق بين فتح الباب واغلاقها ، وبحسبة بسيطة هي لن تدخل قبل ساعتين الا ربعا ، واذا اضفنا دخول البعض ممن يطلعه على دواء او تحليل تكون المدة ساعتين بالتمام والكمال ، يضاف لها اربع ساعات على كراسي الانتظار ظلو خلالها يتبادلون الاعراض والوصفات والنظرات .. المرأة التي امامها عجوز لكن اسورتها شابة بقربها سلّة مهملات ظل يرمى بها بقايا طعام و نفايات حتى امتلأت ، يقطع تأملاتها شحاذ وجدته امامها فجأة متخذا وضع الشحاذة بإنحناءة ظهره و بيده القذرة الممدودة بلزوجة ووجهه المحتقن من ادمان الكحول مرددا بلا احساس الكلمات ذاتها - حسنة قليلة تدفع بلاوي كثيرة .. الله يشفيكم . - ويشفيك . ردّت عليه ببرود . يدور في الغرفة الموحشة يجمع ما تجود به الايادي.. ولكن هل تجوز الصدقة على امثاله ؟؟ يختفي بإسماله ، لعله يضحك بسره منّا الان ، باعنا كلاما لايفقه معناه وأخذ مالنا ليسكر به .. مثله امثال اعداد لاحصر لها من اللصوص المنبثين في كل شيء وكل مكان بعضهم رثّ الهيئة والآخر يظهر في التلفزيون ، منهم الشقاوة الذي يسرقك بالقوة ، ومنهم النصّاب الساختجي الذي تتوسل به كي يأخذ نقودك ، ومنهم من يسرقك وينظر لك بإزدراء وتعالي !!.. لصوص من كل نوع ولون وإن اختلفت الازياء والسحنات يتكاثرون كفيروس الايدز . لم تكن تعلم ان الدنيا تعجّ بهم حتى دخلت معترك الحياة .. السرقة عندهم بزنس وشطارة وتخصصات !! .. هناك من يسرق الكحل من العين ، وهناك من يسرق الاحلام .. او النقود.. او طمأنينة الانفس .. او يسرق الايام ، لتصرخ في النهاية كالملسوع : لقد سرقت يا ناس . وهم ليسوا كهذا الشحاذ البائس الذي يثير اشمئزازك ويستدرّ عطفك لتنفحه بالفتات خلاصا من لزوجته . هم في الغالب محترفون قلّما تطالهم يد القانون لأنهم يلعبون خارجه او فوقه او به ومن خلال ثغراته دون ان يتركوا اثرا ، وعند احساسهم بالخطر يختفون . شعرت بالارهاق يهدّ اوصالها ، وبالصداع يطوّق رأسها الذي يعمل طوال الوقت كماكنة " فول سبيد " .. تساءلت في سرّها " هل يفكّر كل من حولها بالطريقة ذاتها ؟ " .. يقال ان عقل الانسان تمرّ فيه عشرون الف فكرة على الاقل باليوم الواحد ، والمزعج انها تعاود الظهور احيانا ككوابيس عند النوم . كانت عيناه السوادوان الواسعتان مسمرتين بوجهها .. خمّنت في سرها ان الجرّاح يشك في قواها العقلية ، فطلبها يعدّ بطرا .. ترفا مقارنة بما يمرّ عليه يوميا عليه من حالات صعبة و مستعصية . - لا أحب شكل إظفر إبهام قدمي اليسرى .. ارجوك اقتلعه ببنج موضعي كيما يصبح شبيها بنظيره الايمن .. انه يحرمني من ارتداء الاحذية الصيفية المفتوحة . أتاها صوته هادئا وهو يتأمل الابهامين : - أ لم تجرّبي طلاءه بطلاء الاظافر ، لن يلحظ احد الفرق . - جرّبت وظل الفرق واضحا لي .. بل قد حاولت ما هو اكثر من ذلك ، قصصت اجزاء من الاظفر الايمن حتى سالت منه الدماء ولكن دونما جدوى . يتنهد كأنها نجحت في ادخاله دوّامة حيرتها ، فبدى لوهلة وكأنه نسي كلّما حوله من أنّات وسعال وأنين لاينقطع . مدّت يدها بحركة مفاجئة : - هذه اشعة . آه .. وهذه نتائج تحاليل كان قد طلبها من طبيب الباطنية العام الماضي ، لم اجد وقتا للقيام بها الا الآن . قلت ان تطّلع عليها بالمرة وأكون شاكرة . - ما هذه ؟؟ تساءل وإمارات الجد بادية على وجهه . أريد منك تكرارها .. اريدها بأسرع وقت . غادرت العيادة متمتمة في سرها " هذا الرجل دائما على عجلة من أمره ، يريد ان ينتهي منّي ليعود الى بيته ، لعله يحاول اخافتي كي لا ازعجه في المرة القادمة .. أم ان هناك ما يدعو للقلق ؟" .. في رأس الانسان تمرّ أكثر من عشرين الف فكرة في اليوم ، ستتردد هذه الفكرة بالتأكيد من ضمنها في رأسها كل يوم .
#ايناس_البدران (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خداع نظر
-
المشكلات الاجتماعية للمرأة العراقية بعد عام 2003
-
طريق قابيل
-
لافتة
-
القصة القصيرة جدا وغواية الومضة
-
حديقة الاقنعة
-
حديقة الأقنعة
-
غيبوبة
-
في الادب والنقد الادبي النسوي
-
شمعة العسل
-
الصدع
-
شعاع الشمس في بحيرة باردة
-
في ذكرى رحيل الشاعرة الرائدة نازك الملائكة
-
قنطرة الشوك
-
لازوردي
-
ألق الثريات جمر تحت الرماد
-
دوريس لسنغ مناضلة بلا شعار
-
وجها القمر
-
الليلة الاولى بعد الالف
-
غثيان
المزيد.....
-
توجه حكومي لإطلاق مشروع المدينة الثقافية في عكركوف التاريخية
...
-
السينما والأدب.. فضاءات العلاقة والتأثير والتلقي
-
ملك بريطانيا يتعاون مع -أمازون- لإنتاج فيلم وثائقي
-
مسقط.. برنامج المواسم الثقافية الروسية
-
الملك تشارلز يخرج عن التقاليد بفيلم وثائقي جديد ينقل رسالته
...
-
موسكو ومسقط توقعان بيان إطلاق مهرجان -المواسم الروسية- في سل
...
-
-أجمل كلمة في القاموس-.. -تعريفة- ترامب وتجارة الكلمات بين ل
...
-
-يا فؤادي لا تسل أين الهوى-...50 عاما على رحيل كوكب الشرق أم
...
-
تلاشي الحبر وانكسار القلم.. اندثار الكتابة اليدوية يهدد قدرا
...
-
مسلسل طائر الرفراف الحلقة92 مترجمة للعربية تردد قناة star tv
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|