خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال
(Khaled Juma)
الحوار المتمدن-العدد: 3397 - 2011 / 6 / 15 - 15:48
المحور:
الادب والفن
في مروري على الرمل
في مروري على الرمل جوار البحر، رأيت الرومان يبنون مساءاتهم، واليبوسيون يحترفون الموسيقى، رأيتُ نحاساً وفولاذاً يأخذانِ أدواراً في لعبة الأسلحة، رأيتُ رسلاً وحضاراتٍ ورجالاً يطبعون فكرتهم على حجر، ورأيت كذلك ولداً يلاعبُ موجة غير مكترث بكل هذا.
في مروري على الرملِ، رأيتُ مدينةً حزينةً، وقاربَ صيدٍ طافحٍ بالجنودِ المعفيينَ من الحسابِ، صيّادينَ بملابسَ تنكُّريّةٍ وقد نسوا أغنياتِهمْ في أسرّةِ نومِهمْ القديمةْ، رأيتُ حيتاناً في غيرِ موسِمِها وقتلى يعرِضونَ جثثَهمْ بأناقةٍ للفضاءِ، رأيتُ غيمةً تسبحُ عاريةً في الأفقْ.
في مروري على الرملِ، الماءُ يكنسُ خطواتِ العابرين بانتظامٍ مذهلٍ، كتاباتِهم، قصورَهم الحمقاء، حكاياتِهم التي بلا معنى، يبتلعُ الجميعَ في ذاكرةٍ لا تُحَدُّ، ويهيئُ البساطَ لقادمين آخرين سيمحوهُم عما قريبْ.
في مروري على الرملِ ساحباً ظلّي على الأزرقِ الحائرِ بين لونين، أغرزُ قدميّ بحقدٍ في الوجهِ الناعمِ للشاطئ، كي أُخرِجَ ما قالَهُ القادةُ التاريخيّون حينَ مرّوا مدجّجينَ بأحلامِهم غير المفهومةِ، يصعدُ سيفٌ من الحفرةِ الصغيرةِ ويشقُّ حذائيَ بين الأصابعِ، ويكملُ صعودَهُ إلى سماءٍ بلونِ البحرِ، وأنساهُ بعد ثانيتينِ فقط، لأن جيوشاً كثيرةً خرجتْ من الموجِ كعاصفةٍ من خيولْ.
في مروري على الرملِ، وجدتُ فتاةً نسيَها الوقتُ، يابسةً مثلَ كينا مقطوعة، في يدِها رسالةُ وداعٍ أكبرُ من عمرِها، تقرأُها والبحرُ لا يسمعُ، تقرأها، والرملُ لا يسمعُ، تقرأها وهي لا تسمعُ.
في مروري على الرملِ، تعلّقَ بي سرطانُ بحرٍ صغيرٍ لم يفهمْ معادلةَ الصراعِ بعدُ، لم أجادلهُ ولم يحكِ لي شيئاً عن أمّهِ التي تركتْهُ لتفتحَ مدناً جديدةً في البحرِ البعيد، عرفتُ ذلك من كآبتِه الزهريةِ التي سالت من عينيه الصغيرتين، والباقي اختَلَقْتُهُ كي تكتملَ القصيدةُ.
في مروري على الرملِ
مررتُ على جثتي
15 حزيران 2011
#خالد_جمعة (هاشتاغ)
Khaled_Juma#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟