|
بساطة أم تعقيد ، إستعلاء أم تقبُّل ؟
خلدون جاويد
الحوار المتمدن-العدد: 3396 - 2011 / 6 / 14 - 01:44
المحور:
الادب والفن
بساطة ٌ أمْ تعقيدٌ ،إستعلاءٌ أم تقبّـُلٌ ؟
خلدون جاويد
"إجعلوا كتاباتكم بسيطة لتستطيع أن تفهمها حتى الأبقار "، هذا ماقاله مكسيم غوركي في مجال الأدب الواقعي الإشتراكي كما يقولون . أما سومرست موم فيرى أنك بدلا من أن تقول لإبنتك في عيد ميلادها أنت حلوة ، يمكنك القول : كم تشبهين وزة فضية في بركة زرقاء . ما التشبيه هنا الاّ صياغة جمالية تكسب المعنى ـ الذي هو نفسه : أنت حلوة ـ قيمة إبداعية ورُقـْـيا لغوية . فأي المسارين مرآة ٌ للغنى والثراء التعبيري ؟ هل أقول في لغة الأدب : أنا قلق . وينتهي المعنى بحدود ذلك أم أجد ضالتي عند المتنبي عندما يقول : " على قلق ٍ كأن الريح تحتي ". إجابتي أني مع العمل على جبهة النص في مجاله الحيوي ، ولكن الى أي حد ؟ قد تذهب المبالغات في الصياغة الى ماوراء الفهم وتتعبأ بالرموز والإشارات القصصية والأساطير والمفردات الصعبة والأسماء التاريخية .. الخ ، وكما هو الحال عند الشاعر العظيم ملتن على سبيل المثال . وقد تذهب درجة البساطة من جهة الى النثرية في مجال الشعر حتى ليذكرنا الأمر ببيت شعر للمتنبي " ووضع الندى في موضع السيف بالعلا ... مضر كوضع السيف في موضع الندى " أي وضع الإمور في غير نصابها . خذ مثلا ً نثريا كُتب على أنه شعر وهو للشاعر سعدي يوسف : " إننا لانرهب الموت ولكن، ياجميع الشرفاء ، ياجميع الاصدقاء. إرفعوا أصواتكم من أجل شعبي إننا نطلب من أعماقكم صيحة حب ورصاصة ْ . إننا نصرخ كالبحر بوجه القاهرة : أيها الوجه الذي ينضح حقدا ً ومحبة ، إننا ندعوك من أجل العراق "
هنا يخرج الشعر الى نطاق آخر ذي طابع نثري تجده موفورا في كتابات نثرية تقريرية صحفية . وفي نتاج كل شاعر هناك نثر في شعر ، وشعر في نثر كما في أخلاق بعض الشعراء شعر أي عندما تجالس شاعرا تجد أنك مع قصيدة مؤنسنة . والعكس صحيح تجد أنك لو جلست مع تيس كبير لكان ألف مرة أفضل من هذا الكارثة ! . أي أحيانا لايكون السيف في مكانه على حد تعبير المتنبي . إنتبهت من خلال قراءاتي للروائي واسيني الأعرج الى عنصر الشجن الصادق واللغة الإبداعية وأقصد العمل على جبهة تشكيل النص وترقية الجملة ، ولا أقول تزويقها . ولكن من قال أن المكياج الناجح لايضيف جمالا على جمال ؟ والعكس صحيح . صحيح أني معجب بالرواية الشمال أفريقية عموما الاّ أن طريقة كتابة واسيني الأعرج فيها من الغنائية ما يرتقي للشعر . أي بإمكاننا أن نجد الشعر في النثر . لكن من الممل بمكان أن تقرأ رواية ليس في لغتها سوى اسلوب بسيط للغاية ، بساطة زاكمة تنزل بقيمة الحدث الى الحضيض ولو كتبَها كاتبها كخبر في الصحافة لكان ارتاح هو وأراحنا نحن . وبالتالي فللكتابة هيبتها وجوبا ً ، والمتنبي على حق أي أن الأمر مضر لو لم يوضع بمكانه . اذا عدنا الى العنوان أعلاه وتحدثنا عن البساطة ، نعم أنا معها في إنجازها المهم إسلوبا والبليغ عمقا كما هي مثلا كتابات ارنست همنغواي . والإستعلاء على قصيدة السهل الممتنع غير وارد . بعض قصائد الرصافي مباشرة بسيطة ولكن من يقوى أن يأتي مثلها ؟ . بعض أغاني فيروز . الخ .. هل نتقبل البساطة أم نفضل التعقيد . أي أن تقول الامور كما هي بلا تزويق . أي أن تسكن تحت سقف لغوي وانتهى الأمر . هنا تجدر الإحالة الى مثال مبسط ، مفاده أن المرء يعيش في بيت ما بدون أي ديكور . بيت مجرد من أي مظاهر الزينة .. بسيط للغاية بينما الآخر يزدهي بالديكورات والمصابيح وزوايا الورد وهذا مانتمناه لكل كائنات الأرض والسماء . هذه الإحالة تشبه الفرق بين الكتابات الواقعية والمدارس الفنية اللاحقة . والسوآل مَن ياترى مما ذكرت أعلاه أكثر بهجة ؟ . الجواب معروف . لكن في البساطة والمباشرة والتسطيح لايبدو هناك عمل فني . كالبيت بلا أدنى لمسة من مباهج ما . بينما الفن يتجسد بالعمل في داخل البيت ديكوريا والقصيدة لغويا . إن مثال البيت ـ القصيدة ، يملي على المختص شاعرا أو روائيا أو مهندسا أو ديكورسْتْ الخ أن يضع لمسات ملفتة للنظر مدهشة متألقة . وكل ٌ وابداعه هنا .. آلاف الرسامين رسموا حمامة مَن رسمها مثل بيكاسو؟ . ومن نحت تمثال القـُبلة مثل رودان ؟ ومن رسم الغرائبيات مثل سلفادور دالي ؟ . الخ . السؤآل هو مرة اخرى : كيف ننشيء بيتنا الفني . هناك من يقول صدق لحظة الإبداع هو الحل . هناك من لايعتبرالصدق وحده هو الكافي فاللغة وتفجير طاقاتها يرتقي بنا الى مشاهدة فاتنة . انه من الناحية التقنية كالفرق بين فيلم تايتانك الأول وذات الفيلم في اعادة أسنمة الأحداث تقنيا . إنه الفن ... إنه الفن ...إنه الفن ، وليس التسطيح والتبسيط ... إن العمل على الجبهة اللغوية هو وحده المَنجاة لنا من القرف الكتابي الذي مللنا وكللنا من إعادته وتكراره . الرقي الفني ورفعة ذائقتك تجعلك تلقي بعشرات الكتـّاب جانبا . فكم من كتـّاب نظرنا الى أدبهم بعمق وبسرعة فركنـّا كتابهم على الرف وكم كان بي من شهية لقذف كتاب فلانة وفلان الى البحيرة وأنا أجلس على مصطبة القراءة لولا احترامي لنظافة البيئة وللحبر والورق . الذائقة هي من تجعلك ترتقي في القراءة وهي التي تقذف بكتـّاب خارج التاريخ . وهنا الإستعلاء الذي قصدته من خلال العنوان . نعم أنا استعلي على نص سطحي مبسط كما أستعلي على مراكمة زاكمة لديكور يظن مهندسه أنه جميل بينما أحال هذا المهندس البيت الى خزانة او قبو من التراكم الفجائعي . الفن الفن الفن هو لمسة رقيقة . ليس كل اللمسات على القيثار بقادرة على نغم جميل . وختاما : نعم نتقبل في عالم الكومبيوتر كل من يكتب ويضيع وقته ووقت عائلته وحاجة ابنائه له ، بينما هو يقبر نفسه في صنعة هو ليس أهلا لها . نعم نتقبل أنه يكتب وينشر لكن السؤآل من يقرأ له . انه طنين في متاهة ! . والمؤلم هنا ، جملة اعتراضية ، أنه قادر على إصدار ترّهاته ـ ترّهاتها في كتب ومجلدات . نعم نتقبل كل شيء ، كل الأغاني ، لكن من حقنا في زمن الريموت أن نغير القناة ولا نرى سطحيات وتبسيطات كاتب يظن انه كاتب بينما العلاقات عموما هي التي تحدد اطر الدجل والنفاق الاجتماعي والسمسرة والشذوذ النفسي والصفقات . من سنختار عند ذهابنا للقراءة في المكتبة ، على ساحل البحر ، في حديقة نائية ؟ لا بد لابد أن يكون الكتاب الذي يمنحنا الصدق والسحر اللغوي ويحرك فينا الطاقات الانسانية للانتماء الى المحبة والسلام بين البشر ومن أجل كوكبنا الجميل ، ولذا فنحن ندين بالإجلال والإكبار لشموع العالم المتقدة ، لكتاب وفناني وشعراء وعلماء العالم ومهندسي بهاء المستقبل في أحلام قابلة للتحقق .
******* توقٌ أخير :
الفن بكل بداهة موهبة ! فن الكتابة الرسم الموسيقى التمثيل الخ . الرجاء الرجاء لاتضع نفسك في غير ماخـُلقت له . وثق بأنك مهما مُنحت نصاً رائعا للتمثيل فلن يقوم بإدائه السلس غير ممثل بارع قد خـُلق لذلك . أما لو حاولت أنت أن تؤدي الدور ذاته فانك ستهين الوضع برمته وقبل ذلك نفسك "العزيزة " ! . 13/6/2011
#خلدون_جاويد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
- المستشار هو الذي شرب الطِلا - ...
-
يوميّاتي 1 ...
-
عشقتك يا أبا ذرّ الغفاري ...
-
- خوطوا ولوطوا - السوناتا السابعة !!!
-
- لستُ أنساكَ وقد أغريتني - ...
-
قصيدة هزيمة النسر لكاظم جهاد ...
-
عودة ترينتي الى مدن التيْ أنتيْ !
-
إنتقل العراق الى رحمة الله !!!
-
نتقل العراق الى رحمة الله !!!
-
ثقافة الثريد ...
-
كلمة - روسو - أعظم من مكتبة - ستندال - ...
-
لايسألونك عن حال ٍ ...
-
ظائية الحريري أم ضائّيتُه ُ ؟
-
- لقد هر ِمْنا ! -...
-
خوطوا ولوطوا ... - السيمفونية السادسة - !
-
طوبى للبنان السلام ...
-
سحقا لقد مدحَ الرئيسَ وبجّلا ...
-
قراءة في رواية شارع إبليس ...
-
ميدان سنداغما العظيم ...
-
الحاضر وجهتنا وليس الماضي ...
المزيد.....
-
فنان مصري يتصدر الترند ببرنامج مميز في رمضان
-
مجلس أمناء المتحف الوطني العماني يناقش إنشاء فرع لمتحف الإرم
...
-
هوليوود تجتاح سباقات فورمولا1.. وهاميلتون يكشف عن مشاهد -غير
...
-
ميغان ماركل تثير اشمئزاز المشاهدين بخطأ فادح في المطبخ: -هذا
...
-
بالألوان الزاهية وعلى أنغام الموسيقى.. الآلاف يحتفلون في كات
...
-
تنوع ثقافي وإبداعي في مكان واحد.. افتتاح الأسبوع الرابع لموض
...
-
“معاوية” يكشف عن الهشاشة الفكرية والسياسية للطائفيين في العر
...
-
ترجمة جديدة لـ-الردع الاستباقي-: العدو يضرب في دمشق
-
أبل تخطط لإضافة الترجمة الفورية للمحادثات عبر سماعات إيربودز
...
-
الأديب والكاتب دريد عوده يوقع -يسوع الأسيني: حياة المسيح الس
...
المزيد.....
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
المزيد.....
|