|
وفي البدء كانت الكلمة – مقال سيكولوجي
كامل السعدون
الحوار المتمدن-العدد: 1012 - 2004 / 11 / 9 - 09:01
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
من خلال الفكر يتحقق كل شيء ، لأنه مبتدأ كل شيء وقاعدة انطلاق كل عمل أو سلوك . عبر الفكر يمكنك أن ترى كل حياتك ، تمرّ عبر شاشة الذهن في تدفقٍ مستمر . ترى الماضي ، ترى الحاضر ، ترى المستقبل ، تتوقف عند أي مقطعٍ من مقاطع هذه الأزمنة لتعيد قراءته ، تتمعن بالفكر هنا أو هناك ، تقلق …تتألم ..تتصور …تحاول إعادة رسم الحدث من جديد ، تسلط عليه المزيد من الضوء أو تنزع عنه الأضواء لتجعله يعتم أو يضمحل . الفكر يمكن أن يريك الماضي ، ويمكن أن تحاول إعادة صياغته عبر التصور ، ولكنك قطعاً لن تنجح في فعل شيءٍ عملياً ، لأن السفر إلى المستقبل مستحيل فيزيائياً وإن كان جائز ذهنياً . من الطريف أن هناك نظريات تدعي أن السفر إلى الماضي يمكن أن يحصل يوماً ، ولكن هذا لم يحصل أو يثبت بعد . بمقدورك عزيزي القارئ أن تشرك في الفكر ما تشاء من الحواس ، تتذوق الطعم من جديد ، تستنشق الرائحة القديمة من جديد ، تبصر ، تسمع ، تشعر بالرجفة أو الغصة في قلبك ، تخاف مجدداً أو تفرح من جديد . يمكنك هذا ، لأن الدماغ العظيم الذي في رأسك يختزن كل شيء ، صور ، نكهات ، ألوان ، تفاصيل دقيقة لكل حدث ، وما عليك إلا أن تخرج مخزون الذاكرة في لحظات الصفاء عند ضفاف الحالة التأملية التي يكون فيها الجسد في كامل الاسترخاء ، ويكون فيها الفكر رائق صافٍ ، إلا مما أنت مزمعٌ على تخيله أو التفكير فيه وعرضه على شاشة ذهنك الداخلية . كل هذه الحواس والمخزونات الحسية الموجودة في الدماغ ، تجري فيك ، في رأسك لا في الخارج ، وكل ما يُعرض فهو يُعرض في شاشة ذهنك ، لا شاشة عرضٍ خارجية في بيتك أو خارجه . ما تعرضه ، يمكن أن يكون بعض ذكريات الطفولة أو ربما حدثٌ حدث قبل لحظة ، أو ربما لم يحصل بعد ولكنك تريد له أن يحصل فتتخيله وتتصوره وتغرس فيه أشيائك وحواسك ورغباتك وإيمانك لتعطيه قوة التحقق في المستقبل ، القريب أو البعيد . الفكر …الفكر …بداية كل شيء …كل شيء على الإطلاق …! وكما قال أحد حكماء العرب القدامى وكان حبيس سجنٍ لأحد خلفاء بنو العباس ، وإذ سأله سجانه بأمر من الخليفة عن حاله أجاب : - أو تظنني تعيسٌ يا رجل …لا بل أنا سعيدٌ غاية السعادة ، فجنتي وجحيمي هنا في عقلي …!! أما المسيح فقد قال في عهده الجديد ( في البدء كانت الكلمة ) …! بلا … الكلمة …! والكلمة هي الفكر …! حسناً …قد يقولٌ قائلٌ : وكيف لي أن أعتمد الفكر لأجعل حياتي أجمل وأفضل ؟ وأقول له : أعد رسم الماضي من جديد في ذهنك ، لتزيل منه الشوائب التي تلوث الحاضر وتعكره ، وتجعل المستقبل تعيساً …! لماذا …؟ لأن الحاضر وليد الماضي ، والمستقبل جنين الحاضر ، وإن لم يكن الماضي سعيداً أو على الأقل لم تتم تصفية حساباته بعد بشكلٍ مرضي ، فأنه سينعكس على الحاضر فيجعله متوتراً مشدوداً تعيساً ، وحيث يكون الحاضر تعيساً ، فهل تظن أن المستقبل يكون أسعد ..؟ قطعاً لا …!! حسناً …وكيف لي ولك أن نعيد رسم الماضي ، وقد قلنا أنه سلف أن انتهى ونفذت صلاحيته وليس ممكناً إعادة رسمه فيزيائياً لأن هذا مستحيل مؤقتاً على الأقل ( بأخذ نظرية العودة الفيزيائية للماضي بعين الاعتبار رغم لا معقوليتها ) …؟ الجواب بأن نعيد قراءة الحدث الذي حصل في الماضي وأختُزن في العقل الباطن أو في مكان ما من الدماغ ، إعادة قراءته مجدداً وتغيير شكل التصورات الحسية التي انبثقت منه والتي أعطتنا مفهوماً سلبياً عن أنفسنا ، تغيير شكل التصورات من السلب إلى الإيجاب . هذا وحده ما نستطيع أن نفعله مع حدث حصل في الماضي ورسخت تفاصيله بما فيها من مؤثرات حسية ( صوت ، صورة ، نكهة ، ألوان …الخ ) ، رسخت بقوة في العقل الباطن أو في الدماغ . إعادة قراءة الحدث وإعادة تفسيره على ضوء الوضع الراهن ومستوى الوعي الراهن في حاضرك هذا ، ثم وبأساليب وتقنيات متنوعة وعديدة ، يمكنك أن تغير التأثير السلبي للحدث أو الذكرى إلى مؤثرات إيجابية داعمة لك في توجهاتك الجديدة نحو التقدم والنجاح وتطوير شخصيتك . لكن قبل أن أسعى لتقنيات إعادة قراءة الماضي وتغيير عوامل السلب إلى إيجاب ، حريٌ بي وبك أن نفعل شيئاً لهذا الذي نعيش فيه الآن إلا وهو اللحظة الراهنة ، الحاضر …! إن أكبر خدمةٍ يمكن أن نؤديها لأنفسنا والآخرين هو أن نتحرر من الماضي بالالتصاق بالحاضر ووعيه بقوة ، فبهذا قبل غيره يمكن أن نشفى من جراح الماضي ويمكن أن نفتح للمستقبل أكثر من بابٍ واسع . دون أن نعني طبعاً أن لا ندرس تقنيات إصلاح الماضي ذهنياً إنما في مقالات أخرى .
العيش في اللحظة الراهنة : _____________ تعد موضوعة العيش في اللحظة الراهنة ، من أكثر المفاهيم تكراراً في كتابات اليوم في مجالات علم النفس والعلوم الروحية عامة . العيش في اللحظة هو المفتاح الرئيسي لكل تقدم حقيقي إيجابي مؤجلٍ للمستقبل القادم أو الغد الآتي ، بعيداً كان أم قريبا . بغير أن نعيش اللحظة الراهنة بكل عمقها وجمالها وغناها ، لا يمكن لنا أبداً أن نعيد إصلاح أثواب الأمس أو أن ننسج أثواب الغد . وكما أن كُل شيء هو في الأصل فكرةٌ ونشاطٌ دماغيٌ ثم سلوكٌ عملي ، فإن كل فكرةٍ لا تستند على اللحظة الراهنة ولا تعتمدها كقاعدة للعمل والانطلاق ، لا يمكن أن تنجح في أن تخلق أو تغير أي شيء على الإطلاق . ماذا نعني بأن نعيش اللحظة الراهنة ؟ نعني به أن نعي أننا أحياء في هذه اللحظة وتلك بحد ذاتها نعمة عظيمة ونقطة انطلاق مهمة للغد . أنت وأنا أحياءٌ الآن ، موجودين ونملك كل هذا الذي نملكه من أدوات ( الدماغ ، الحواس ، الخبرات المختزنة في الدماغ ، أجسامنا بكل طاقاتها ) مضافاً لما نملكه في الخارج في هذه اللحظة ، علاقاتنا ، أموالنا ، وظائفنا المهنية ، اهتماماتنا وهواياتنا ، هذا الوقت الرهيب الذي نملكه والذي بمقدورنا أن ننجز فيه ما لا يعد من الأشياء العظيمة ، ثم أعمارنا بكل سعتها والتي بمقدورنا أن نضاعفها بالوعي والإرادة والعمل الجيد . إذن في البدء ، يجب أن نعي اللحظة الراهنة ، هذه الدقيقة التي أكتب بها لك الآن ، هي ما يجب أن أعيها وأصب فيها كل ما أملك من انتباه ويقظة واستمتاع ، لأنها هي كل ما أملك الآن وكل ما لدي في داخلي ومن حولي ، هو هذا الموجود في هذه اللحظة . هذه اللحظة هي الوحيدة الحقيقية بالكامل ، الوحيدة التي لها وزن ولون وشكل ويمكن أن أحسها بحواسي الخمسة وبمنتهى الدقة . كل ما عدى هذه اللحظة غير موجود الآن وغير حقيقي ، لا الماضي ولا المستقبل ، بل حتى الماضي القريب جداً وهو تلك الدقائق التي لم أكن فيها على مقربة من كمبيوتري لأكتب ، لم تعد موجودة ، لقد سقطت من تقويم زمني وزمن الآخرين وبالتالي من الحري بي أن أنساها أو على الأقل أقلب صفحتها لأعيش بالكامل صفحة هذه اللحظة التي أحسها الآن بكل حواسي . وتلك الدقائق القادمة أو الساعات التي لم تأتي بعد ، تلك التي أتوقع مثلاً أنني سأذهب فيها إلى السرير أو ربما إلى الخارج ، تلك لم تأتي بعد وبالتالي فهي ليست حقيقية إلا لحظة حدوثها أما قبل ذلك فهي جنينٌ كامن في رحم هذه اللحظة التي أعيشها الآن ، طيب معنى هذا أن وعيي ينبغي أن ينصب بالكامل على لحظتي هذه ، أتحسس بكل حواسي كل ما فيها من جمال وسعادة ومنفعة عقلية من خلال ما أقرأه أو أكتبه أو أعالجه في مخي . وكذلك أنت عزيزي القارئ ، أنت الآن منشغلٌ بما لديك وحيث أنت تقرأ مثلاً أو ربما تنام أو تتناول طعامك ، فإن لحظتك تلك هي الوحيدة الحقيقية بالكامل والوحيدة التي ينبغي أن تعاش بمنتهى الوعي . كيف أعيش لحظتي بعمق ؟ حسناً …أفعل هذا بأن أشرك كل حواسي ومشاعري في نسج هذه اللحظة ، أفعل هذا بانتباهي التام إلى أن هذه اللحظة هي كل ما أملك الآن ولا شيء آخر ولا أدري ما إذا كنت سأملك لحظةٍ أخرى بعدها أم لا …! الانتباه عزيزي القارئ هو سلاحي في تتويج اللحظة وتكثيفها وتركيز كل زمني وإمكاناتي وما أملك فيها . الانتباه …الانتباه …الانتباه ….! أنتبه إلى الأصوات التي تسمع ، النكهات التي تستنشق ، المرئيات التي ترى ، الملموسات التي تلمس ، المشاعر التي تدور في ذهنك في هذه اللحظة . أنا أعلم أنك الآن تعيش هذه اللحظة غير ما أعيشها أنا ، هذا أمر طبيعي ، لكن السؤال المهم ، هل نعيشها كلانا بذات الكثافة …بذات الحميمية …بذات العمق والتركيز …؟ هذا هو المهم …أن تعيشها ، كائنةٍ ما كانت بمنتهى التدفق والحيوية والصفاء والعمق وكأنها كل ما تملك وهي فعلاً كل ما تملك …! أظن أن أبسط ما تخسره وأنت تقرأ الآن هذا المقال ، هو أنك إذا لم تعش لحظتك بمنتهى الوعي والانتباه ، أبسط ما تخسر هو هذا الوقت المضاع في القراءة ، وهذه المادة التي يمكن أن تكون نافعة لو إنك قرأتها بكل حواسك وليس بعينيك فقط ، فتخيل صديقي كم نخسر من أشياء عظيمة في كل لحظة من أعمارنا بسبب تشتت الفكر وضعف التواصل بيننا وبين اللحظات التي نعيشها . حسناً …سيسألني السائلون ، وكيف ينفعني العيش في اللحظة في علاج ما فاتني من لحظات وما خلف في ذهني ونفسيتي وسلوكي من أوجاع وأحزان ومتاعب …؟ الحقيقة إن أول علاجٍ ناجحٍ ناجعٍ لمتاعب الماضي ( حتى لو كان هذا الماضي مشكلة حصلت قبل دقائق من الآن ) ، أول علاج هو أن أتعمق بهذه اللحظة وأحسها بمنتهى الكثافة ، بحيث يمكن لي أن أطرد المشكلة القديمة أو الحزن الراسخ القديم ، انتباهك إلى أنك حي ، تحسسك لأعضائك ، استماعك لدقات قلبك ، مشاهدتك لوجهك في المرآة ، استماعك لصوتك ، تأملك لما حولك في لحظتك هذه وبمنتهى العمق والحرارة ، هذا جميعه بحد ذاته سيخفف الاحتقانات العاطفية والشعورية المتعلقة بالماضي أو بالمستقبل . إذن عيش اللحظة بعمق هو أول أبواب الحل لمتاعب وإشكاليات الماضي أو المستقبل . الأمر الثاني والذي يكمن في العيش في اللحظة ، هو إنه كلما تعمقت في لحظتك تلك وازددت انتباها ووعياً لها واستمتاعا بها ، كلما حملت لك ما لا يعد من الرؤى والحلول لمتاعبك الحاضرة أو المستقبلية …! بلى …اللحظة هذه يتكاثف فيها الكون كله بكل ما فيه من طاقات خلاقةٍ عظيمة . كما إنها لحظتك أنت ، فإنها لحظةٌ الحقيقة والحيوية في الكون كله ، إنها اللحظة التي يعيشها الكون كله بمنتهى الحيوية والكفاءة ، إنها لحظة التكثيف والتركيز الكوني الرهيب في كل مفاصله ، في الكواكب ، في المجرات ، في الأحياء ، في الطبيعة ، في حركة الكون . إنك لست وحدك من يعيش اللحظة بكل عمق وكفاءة وكثافة ، وبالتالي في هذه اللحظة تتواصل أنت مع الكون الجميل كله ومع جوهرك الروحي بكل طاقاته وخزائنه الهائلة من الاحتمالات والحلول ، فإن كنت مع اللحظة في تجليها رفدتك بحلولٍ غنية ناجعة لمتاعبك أما إن عشت اللحظة بقلب يعيش في الماضي أو يحلق في المستقبل ، ضاعت عليك اللحظة بكل غناها ولم تستطع زحزحة ولو حجرٍ صغيرٍ من أحجار الماضي أو المستقبل التي تثقل قلبك . الأمر الثالث ، إن عشت اللحظة بكل عمق ، أمكن للحظة التي تليها أن تكون عميقة وغنية وجميلة وحاملة للخير لك وللآخرين ، لماذا لأن اللحظة القادمة ، وليدةُ هذه اللحظة التي تعيشها الآن ، فحيث تكون لحظتي الآن حية ودافقة وجميلة وحيث أعيشها بكل عمق ، فبالتأكيد لا يمكن أن تنجب لي لحظةٍ قادمةٍ مشوهة أو مريضة ، أما إن كانت لحظتي هذه تعيسة مثقلة بالسطحية والتفاهة والاستغراق بالحوار الذهني الداخلي حول توافه الأمس أو أحلام الغد ، فبالتأكيد ستلد لحظتي هذه لحظةٍ أخرى أرخص وأتفه وأثقل وطأةٍ منها …! وتلك هي مصيبتنا نحن البشر …! إننا نعيش أغلب الوقت أما في الماضي أو في المستقبل أو في كليهما معاً ، ولهذا يمر حاضرنا دون أن نعيه وحيث أننا لا نعيه ، فإننا أعجز من أن نغيره أو نجعله أحسن ، وحيث يأتي المستقبل يأتي بذات مواصفات الحاضر الذي سبقه وصار ماضي . ما رأيك عزيزي القارئ لو توقفت قليلاً عن القراءة وألتفت لما حولك …؟ أقتطع من وقتك دقيقة واحدة لا أكثر وقم فيها بتحسس واستشعار ما حولك ، أبق عينيك على النص الذي تقرأه ، وأستمع وتحسس وأستشعر كل ما حولك ، ثم حاول أن تسجل انطباعاتك التي تشكلت في تلك الدقيقة . طيب …ما رأيك أن تجيب على الأسئلة التالية إن أردت : 1- هل تشعر أنك مرتاح في هذه اللحظة ؟ 2- أيمكن أن تكون في حالٍ أسعد لو إنك كنت في ظروف وأجواء أخرى ؟ 3- أيمكنك أن تفعل بعض التغييرات لجعل لحظتك هذه أجمل ، هل بمقدورك فعل شيء ما لتغييرها في هذه اللحظة ، أن تغير أجواءك ، ظروفك الحالية ، بحيث تكون اللحظة أجمل ، لا الماضي ولا المستقبل ، هذه اللحظة فقط ، ماذا كان ممكناً لك أن تفعل ؟ 4- أتود حقاً أن تقرأ هذا النص في هذه اللحظة وتكمله وتستمتع به وتتعلم منه أم إنك كنت تفضل لو إنك فعلت شيء آخر ؟ وإن كان جوابك هو رغبتك في فعل شيء مغاير ، فما هو هذا الشيء الذي كنت تود فعله وعوضاً عنه قرأت هذا المقال ، ما هو ؟ حسناً …لو كان جوابك على سؤالنا الأول بالنفي ، أي إنك لست مرتاح في هذه اللحظة ، طيب حاول أن تفكر ما الذي ينقص هذه اللحظة لتكون سعيدةٍ جميلة . أما سؤالنا الثاني فلو إن الأمر كان الإيجاب ، بمعنى أنك تود أن تغير تفاصيل لحظتك الحالية والأجواء التي أحاطت بك في تلك الدقيقة التي كففت فيها عن القراءة وانشغلت بوعي اللحظة حسياً ، طيب صفّ لي وبنفسك ، تلك الأجواء التي تمنيت لو إنها كانت البديل عن أجواء لحظتك تلك . لماذا أطلب منك ذلك عزيزي القارئ ؟ ببساطة …لأن وعي ما نريد وما لا نريد ، ما نحب وما نكره ، مهمٌ وحاسم في تحقيق الرضا والسعادة . إننا نعيش للأسف أغلب الأوقات في حالة وعي سطحي للغاية ومشوش ، وإذا ما التقى الوعي المشوش والغير واضح مع شرودٍ ذهني شبه دائم في أزمنة الماضي أو المستقبل أو كليهما ، فإن من الصعب علينا أن نعيش الحياة بشكل عميق وجميل . لا يكفي أن أشدك أو تشدني إلى العيش في اللحظة دون أن تستطيع وأستطيع أن نعي ما نريد وما لا نريد . إننا حيث نحاول أن نجلب حواسنا للركون إلى اللحظة الراهنة ووعيها بعمق فإن وعينا ذاته ينبغي أن يتعمق في فهم ما نريد وما لا نريد ، لكي ما نستطيع أن ننجح في الاستمتاع حقاً وصدقاً بلحظتنا الراهنة المعاشة . طيب …أما السؤال الثالث فقد عني بالاستعلام عن الجهد الذي يمكن لك أن تبذله لإغناء اللحظة وجعلها أجمل ، خصوصاً وإنك الآن فيها ، في صميم اللحظة وحريٌ بك وأنت في الصميم أن تغير ما لا تراه جميلاً أو جديرا بأن يعاش ، إن لم تفعل وأنت فيها ، فأن أي جهد يمكن أن تصبه في لحظة قادمة هو جهدٌ ضائع ، لأن اللحظة انتفت وخرجت من تقويم العمر ولا ضرورة بعدئذ للتفكير فيها أو محاولة تغييرها ، لا بل إن الانشغال فيها بعد أن تكون قد انتهت ، سيكون انشغالا مرضياً يفضي إلى الندم والتعاسة والحسرة . طبعاً ، حين قلنا أجواء اللحظة ، فقد قصدنا ، ما حولك الآن وما أنعكس على حواسك وشعورك في تلك اللحظة ذاتها ، لا في لحظة ذهنية من قبيل أفكار بشأن الماضي أو المستقبل ولا أمور أخرى لا تنالها حواسك ، من قبيل ما يحدث في العراق الآن مثلاً أو شؤون الوحدة الأوربية أو اجتماع صندوق النقد أو غير ذلك . لا …عنينا بالأجواء أجواء اللحظة التي أنت فيها الآن . قلت في أجابتك على السؤال الثالث إنك غير مرتاح وتود تغيير أجواء اللحظة لتكون أكثر راحة وسعادة ، طيب …صوت التلفاز العالي يضايقك ، الإضاءة غير مريحة ، الكرسي غير مريح ، كمبيوترك غير مستقر …الخ . غير ما لا يريحك إلا ما يريحك ، ربما تريد أن تكف عن القراءة ، أفعل في الحال ، فبهكذا معالجة لحظّية لما هو غير مريح ، يمكنك أن تكسب لحظة أكثر إشراقاً وجمالاً ، وبمثل هكذا جهدٍ يحصل في حينه في كل مرة ، يمكنك عزيزي القارئ أن تضمن انسيابية جميلة لحياتك وسعادة دافقة . حسناً …سؤالنا الرابع …لو كانت الإجابة عليه ( كلا ) ، أنصحك بأن تغلق الجهاز وتطفئ الشاشة وتؤجل القراءة إلى لحظةٍ أخرى أو يومٍ آخر ، مع استثناء واحد وهو إنك تريد الانتفاع بهذا المقال في نقاشٍ ما أو جهدٍ تربوي أو غير ذلك ، في هذه الحالة يمكن أن تطبعه لتأخذه معك . لا أشك عزيزي القارئ أنك أدركت الآن أن بمقدورك أن تفعل الكثير في سبيل جعل حياتك أجمل من خلال وعي اللحظة التي بين يديك أولاً وإقصاء اللحظة القادمة أو التي مضت لأن كليهما لا خير فيهما ولا نفع منهما الآن في لحظتك تلك . إن نجحت في إغناء اللحظة التي أنت بها ، تسنى لك ولا شك أن تغني كل لحظاتك القادمة ، وبمثل هذا يمكنك أن تخفف أولاً من آثار خسائر وانتكاسات الماضي التي لا زالت تلح على الذهن بين الفترة والأخرى فتملأه تشوشا وضياعاً وأسى . طبعاً حين تحدثنا ملياً عن اللحظة الراهنة وضرورة إغنائها وملئها بالوعي والانتباه والإصلاح من أجل جعلها أجمل ، فإن ما قلناه لا يعني عزيزي القارئ بأي حالٍ من الأحوال أن نهمل المستقبل فلا نخطط له ، لا أبداً ولكن التخطيط السليم للمستقبل يعتمد أولاً على أن أعيش الحاضر بمنتهى الوعي والانتباه وبكامل حواسي وبأقوى درجة من الحسية ( غير العدوانية والنقية من الشهوات المفرطة المدمرة ) . كلما عشت حاضرك بعمق وحرارة وحسٍ نافذ ، كلما سهل عليك أن تعرف بالضبط ماذا تريد من المستقبل وأمكن لك أن تعرف بالضبط كم من المواهب والكفاءات والقوى يمكن لك أن تضع في ساحة المعركة المجيدة صوب أهداف المستقبل . بلى …وعي الحاضر هو المدخل للمستقبل ومن عدة أبوابٍ لا باب واحد . الأول : كلما كان الحاضر سعيداً ولد المستقبل أكثر جمالاً وعافية وسعادة . الثاني : كلما كنت واعياً للحاضر ، أمكن لك أن تعي بالضبط ما تملك وما لا تملك وما تريد وما لا تريد ، وبالتالي تدخل المستقبل بفهمٍ كامل ووعي تام واستعداد جيد . الثالث : كلما كنت واعياً للحاضر ومتصالحاً مع نفسك ومع الحاضر وسعيداً بنفسك وبالحاضر ، أمكن لك أن تدخل المستقبل وأنت سعيد ومتفائل ومتصالح مع ذاتك ومسالم في سلوكك مع نفسك ومع الآخرين ، وبالتالي لن يكون المستقبل تراجيدياً ولن يكون اختراقك له عدوانياً ومعقداً ، بل سيكون مرناً سلساً جميلاً . وإلى لقاءٍ آخر مع مقالاتٍ أخرى في باب تطوير الشخصية من خلال تحرير الحاضر من سطوة الماضي وسراب المستقبل .
#كامل_السعدون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لأني أحبك - شعر
-
برنامج التصور الذهني الإيجابيPhsyco Feedback Program
-
إعادة برمجة المخ من أجل حياةٍ أرقى وأجمل
-
bio – Feedback تأثير العقل الواعي على الوظائف البيولوجية أو
...
-
التفكير الإيجابي ودوره في تطوير الشخصية - الفصل الأول والأخي
...
-
أنت تكذب يا سيادة وزير الدفاع
-
بوحٌ ليلي - شعر
-
رقصة الديناصور الأخير - قصة قصيرة
-
يومٌ من حياة آخر الديناصورات - شعر
-
ممارسات سيكولوجية - التنويم المغناطيسي
-
العلاج بالطاقة الكونية – منهاج الرايكي – الفصل الثاني
-
كيف تبنى الشخصية الكارزمية 2
-
العلاج بالطاقة الكونية -منهاج الرايكي
-
كيف تبنى الشخصية الكاريزمية ...؟
-
منهاج السيلفا في السيطرة على المخ - الفصل الثامن
-
دراسة في التأمل وتقنياته - الفصل الخامس
-
منهاج السيلفا للسيطرة على المخ- الفصل السابع- برمجة الأحلام
-
قوة بلا حدود- الجزء الأول - الفصل السابع - كيف تسيطر على فعا
...
-
ماذا لو أغلقت دور الوعظ أو أقصيت من ساحة السياسة والتربية وا
...
-
المثلث الذي أبتلع البيضة ...بل السلة كلها ...ولا يزال يطالب
...
المزيد.....
-
روسيا أخطرت أمريكا -قبل 30 دقيقة- بإطلاق صاروخ MIRV على أوكر
...
-
تسبح فيه التماسيح.. شاهد مغامرًا سعوديًا يُجدّف في رابع أطول
...
-
ما هو الصاروخ الباليستي العابر للقارات وما هو أقصى مدى يمكن
...
-
ظل يصرخ طلبًا للمساعدة.. لحظة رصد وإنقاذ مروحية لرجل متشبث ب
...
-
-الغارديان-: استخدام روسيا صاروخ -أوريشنيك- تهديد مباشر من ب
...
-
أغلى موزة في العالم.. بيعت بأكثر من ستة ملايين دولار في مزاد
...
-
البنتاغون: صاروخ -أوريشنيك- صنف جديد من القدرات القاتلة التي
...
-
موسكو.. -رحلات في المترو- يطلق مسارات جديدة
-
-شجيرة البندق-.. ما مواصفات أحدث صاروخ باليستي روسي؟ (فيديو)
...
-
ماذا قال العرب في صاروخ بوتين الجديد؟
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|