|
القصة القصيرة جدا الفهم...الإفهام...الإقناع...الاقتناع
محمد يوب
الحوار المتمدن-العدد: 3394 - 2011 / 6 / 12 - 23:33
المحور:
الادب والفن
تقديم
من بين الإشكاليات العالقة في أذهان المهتمين بالقصة القصيرة جدا هي إشكالية العلاقة بين الملقي و المتلقي، أي إلى أي حد يتم استيعاب وفهم النص القصصي القصير جدا من طرف القارئ؟وما درجة تأثر المتلقي/القارئ بمضمون هذا النص؟وهل يصل التأثير و التأثر إلى مرحلة الإقناع و الاقتناع بالمعطى و الحمولة الدلالية التي يحتويها النص القصصي القصير جدا؟
لأنه في خضم هذا الزخم الهائل من الإبداعات القصصية القصيرة جدا، بدأت تلوح في الأجواء العلاقة التي تربط النص بالملقي من جهة،و علاقة النص بالمتلقي من جهة أخرى، على اعتبار أن النص هو واسطة تربط بين الملقي/القاص و المتلقي/القارئ. إن القاص وهو يكتب القصة القصيرة جدا يفترض هذا القارئ الوهمي ،يعرف ثقافته،يطلع على محيطه،يتقصى حدود إمكانياته المعرفية،لأن العمل الأدبي لا يمكن أن يرقى إلى درجة الإعجاب و الإكبار دون توفره على ثلاث عناصر أساسية وهي: القاص المبدع و القارئ المتذوق و المادة الأدبية المشوقة و المدهشة...
وما نسمع عن موت المؤلف عند بارث، لايفهم منه إقصاء القاص من اللعبة القصصية، بل إبعاده كعامل نحوي داخل الجملة القصصية،والاحتفاظ به كفاعل متحرك ينهض داخل السرد القصصي، ويحرك الأحداث ويدير الحوارات داخل فضاء القصة القصيرة جدا. وبهذا المعنى يكون موت المؤلف كعامل نحوي سببا في إعطاء الحياة لمؤلف أخر هو المتلقي،لأنه يصبح كاتبا متورطا في تأثيث فضاء القصة القصيرة جدا،انطلاقا من منظوره الخاص ومن أيديولوجيته التي تحمل رؤية إلى العالم،رؤية قائمة على مبدأ الصراع و التناقض.
والنصوص القصصية القصيرة جدا بهذا المعنى، تنهض على مبدأ الوظيفة التي تؤديها اللغة القصصية المبنية على الوصف المركز و الدقيق،والألفاظ المنتقاة و الجمل القصصية المكثفة التي تحمل معاني مضمرة،تفهم في سياق البنية ككل ولا تفهم في معزل عن البنية الشمولية. و الوظيفة الوصفية المركزة تساعد اللغة على الانزياح لتأخذ في ذهن المتلقي دلالات وأبعاد أخرى أكثر عمقا و أوسع معنى.لأن الجملة القصصية القصيرة جدا أثناء صياغتها تكون إما حارة أو باردة لا تعرف الوسط، مثلها مثل النكتة أثناء الإلقاء، إما أن تكون جزلة قوية أو مسفة ساخرة.
وانطلاقا من هذا المنظور تنشأ العلاقة بين القاص و القارئ، إما أن تكون القصة القصيرة جدا حارة و مؤثرة،تصيب الهدف وتبلغ الأثر النفسي عند المتلقي،وتنتقل من مرحلة الفهم إلى مرحلة الإفهام، بل أكثر من هذا تبحث عن طرق أخرى لتصل إلى مرحلة الإقناع. فالقصة القصيرة جدا ينبغي أن تكون موصلة للمعنى ومؤثرة في المتلقي بأقل الكلمات وبأقرب الصيغ،لأنه كلما داق المبنى كلما اتسع المعنى حسب رأي البلاغيين،لكن هل بإمكان القاص تكسير هذا الحاجز واختراق قناعات المتلقي ودفعه إلى التأثر و الإقتناع؟وما هي أهم السبل الممكنة لتحقيق هذا الهدف؟
إن من أهم الشروط التي ينبغي أن تتوفر في القاص المهتم بالقصة القصيرة جدا هو دفع المتلقي إلى معايشة الحدث و الانفعال معه،لأن القاص البارع هو الذي يمتلك لغة بعيدة المدى، لغة تخترق الحواجزولوكان القارئ ثقيل الفهم،وللوصول إلى قلب القارئ وعقله ينبغي أن يكون القاص، فطنا بارعا في اختيار الكلمات المناسبة للسياق و للمحتوى الدلالي للقصة القصيرة جدا،بمعنى أن تكون عين القاص على الواقع وأن يكون قلمه على الصيغة المناسبة لنقل هذا الواقع بنوع من المهارة و الحرفية الأدبية. ولتحقيق ذلك ينبغي أن تكون اللغة مصاحبة للمظاهر الاشارية و السلوكية،مما يمكنها من إدخال المتلقي في سياق القصة القصيرة جدا وتشركه في ترتيب أوراقها. ولإنتاج قصة قصيرة جدا تتوفر فيها مقومات العمل المؤثر و المقنع ينبغي أن تكون العلاقة بين الملقي/القاص و المتلقي/القارئ مشروطة بتوفرعاملين مهمين هما: 1 - شروط إنتاج القصة القصيرة جدا 2 - قوانين فهم وتفسير القصة القصيرة جدا فمن شروط إنتاج قصة قصيرة جدا وجب على القاص تجنب التنافر بين الكلمات وتجنب التناقض بين الأفكار،ولتفادي ذلك ينبغي تحديد الإطار الذي يحدد البنية اللغوية المناسة لإنجاز قصة قصيرة جدا مقنعة ومؤثرة،بمعنى تحديد بنية لغوية لها وظيفة دقيقة تصاحبها إشارات سميائية تساعد على إخراج وتجسيد القصة القصيرة جدا.
وهكذا تنتقل وظيفة اللغة القصصية من الفهم إلى الإفهام في بعديه المعرفي و الإقناعي المبني على الاستمالة و الإقناع،وهكذا يمكن تحقيق هذا الهدف خلال مراحل هي : 1- تغيير الرؤية 2- تعديل الرؤية 3- إعادة إنتاج الرؤية إن النص القصصي الجميل يخترق قناعات المتلقي بصياغات وأساليب مختلفة تفرض عليه أن يغير من أفقه الاقتناعي، ثم في مرحلة ثانية يضطر إلى تعديل أفقه استجابة إلى ضغوط الوقع و الأثر النفسي الذي خلفه هذا العمل على القارئ،وكلما كانت المسافة قصيرة كلما كان التأثير قويا،أي أن القصة القصة جدا هي العمل الأدبي الأقرب إلى التأثير في القارئ .
وللوصول إلى مقصدية القصة القصيرة جدا ينبغي أن نراعي ونضع في حسباننا درجات الفهم بين القراء التي تتفاوت معها أوتوماتيكيا درجات الإقتناع،كما يجب إعطاء أهمية كبيرة لمستويات المتلقي العقلية و العمرية،ومعرفة مدى ملاءمة/مفارقة القصة القصيرة جدا لظروف المتلقي، لأن الملقي يدخل مع المتلقي في رهان مصيري،نستنتج من خلاله مستويات تحقق الاقناع عند المتلقي،وهل استطاع القاص التأثير في القارئ؟،وهل استطاع استمالته إلى صفه،وتغيير قناعاته؟ بل أكثر من هذا هل استطاع إعادة صياغة مفاهيمه ورؤيته إلى العالم؟. ولتحقيق ذلك ينبغي انتقاء اللفظة المناسبة ذات البعد الانفجاري،لفظة تفهم حسب قراءات القراء، وتتعدد معانيها بتعدد القراءات و أوجه النظر ،كما أن الجملة القصصية ينبغي أن تكون بالغة و بليغة ومبلغة تروم إلى التركيز أكثر مما تروم إلى التعميم المؤدي إلى ضبابية الرؤية إلى العالم.
وعندما يتحقق الفهم ويصل إلى مرحلة الإفهام المؤدية إلى الاإقناع يكون القاص قد تبادل مع القارئ مستويات المتعة و اللذة ،فالقاص يشبع في نفسه لذة الكتابة و القارئ يشبع في نفسه لذة القراءة،لكن لذة القراءة لا ينبغي أن تكون آنية تنتهي بانتهاء القراءة بل ينبغي أن تكون اللذة مستمرة ودائمة تساعد على ترسيخ الرؤية في ذهن القارئ،والقراءة بهذا المعنى تكون محرضة للمخيلة ومساعدة على البحث و اكتشاف عوالم أخرى كانت غائبة عن ذهن القاص أثناء الكتابة.
#محمد_يوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السخرية السوداء في-وطن وسجائر... بالتقسيط-للقاص أحمد السقال
-
تقويض بنية اللغة في “مرايا” للقاص سعيد رضواني
-
الرمز في الشعر المغربي المعاصر
-
حدود السرد وحدود السيناريو في -كائنات من غبار-للروائي هشام ب
...
-
مستويات الرؤية إلى العالم في القصة المغربية المعاصرة
-
من أجل رواية حداثية-ليلةإفريقية-لمصطفى لغتيري نموذجا
-
قضية الموت أم موت القضية في -فتنة المساءات الباردة-للمختار ا
...
-
بنية التقاطع السردي وتفاعلية النصوص دراسة في -وشم العشيرة- ل
...
-
مستويات التلقي و التأويل في القصة المغربية المعاصرة
-
الشخص و الشخصية في القصة المغربية المعاصرة - دراسة سميائية-
-
البنية الفنية في القصة المغربية المعاصرة
-
المنهج الثقافي -البحث عن الهوية المفقودة-
-
جمال الغيطاني و اعتزال الكتابة من خلال قصة -نوم-
-
دلالات الوجوه في لوحات نور الدين محقق
-
الشذوذ الجنسي في قصة -همس- للقاص المغربي سعيد رضواني
-
قراءة في مشروع - نقد العقل العربي- للجابري
-
الانزياحات البلاغية و النفسية في -قطف الأحلام-
-
-مسلسل باب الحارة - مشروع رؤية قومية عربية
-
-دموع فراشة- من السرد القصصي إلى السيناريو المسرحي
-
قراءة في مسلسل - وادي الذئاب-
المزيد.....
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|