أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - اغتيال الجسر الاخير














المزيد.....

اغتيال الجسر الاخير


سعد محمد موسى

الحوار المتمدن-العدد: 3393 - 2011 / 6 / 11 - 11:19
المحور: الادب والفن
    


إغتيال الجسر الاخير
سعد محمد الموسوي
بجناحيين ُمرعبيّن يخترق الأله مارس(إله الحرب والإنتقام) السماء وينفث أحشاؤه المسمومة فوق ارض اوروك النقية وحين تتصاعد لهب النارفوق بوابات المدينة المقدسة ُيلقي إله الدمار بخناجره على أوصال أوردة جسد الفرات.
لقد كان أزيزالطائرات مستمراً دون توقف على مدار الاربعين يوما فوق سماء العراق حتى حصول الهجوم البري بعد أربعينية الهلاك.
غادرتُ مدينة الموصل بمركبة كانت تعجّ بالجنود وكان بعضهم مصاباً بجروح من جراء القصف، وبإعجوبة وصل الباص الى العاصمة.
كل الطرقات كانت تحت لهيب طائرات التحالف في بداية (عاصفة الصحراء) حيث كان كل شيء هدفاً للفناء.
وصلتُ بغداد ومكثت فيها ليلة في أحدى فنادق الكاظمية،
وكان جميع النزلاء قد تجمعوا حول أضواء الشموع وهم يترقبون بقلق الاخبار عبر موجات المذياع،فلم تهدأ العاصمة ولا حتى ساعة واحدة من انفجارات الصوراريخ وقنابل الطائرات، كانت بغداد تبدو وكأنها روما بعد ان أحرقها نيرون فباتت وكأنها مستوطنة أشباح.
في صباح اليوم التالي ذهبت الى كراج النهضة وتكدستُ مع عشرات الركاب في باص متوجه جنوباً إلى الناصرية وقد سلك سائق المركبة طرقاً ترابية بعيدة عن الشارع العام خشية ان يكون الباص هدفاً للطائرات الحربية وبشق الانفس وصلت مدينتي.
وقد شاهت المعامل والجسور مدمرة ،وكان أعمق الاوجاع إيغالاً في نفسي مشهدٌ لجسرالناصرية الكبيرالذي يربط شطريّ المدينة ،شاهدت هذا الجسر محطماً ومنحنياً مثل أم تلفظ أنفاسها الاخيرة وهي تتشبث ببقايا الحياة وتأبى أن تودع وجوه صغارها، جسر المدينة ووريدها الاخضر هو معبر العشاق الى الضفتين فطالما أحتضن ابجديات الحب ومفردات المدينة.
في ظهيرة مشمسة حيث كان المئات من الناس يحاولون العبور الى الجهتين المتعاكستين، حينها هاجت طائرة مسعورة من قواعد الخليج العربي ونفثت بغلّها ونيرانها فوق الجسر والقت ببراكين الموت وعناقيد الشر فوق جسر السلام ، فتشظت الاجساد في الفراغ وتطايرت قرطاسية الاطفال مع عباءات النساء مثل خيام سوداء في سماء الفجيعة، وتمزقت العباءات مع قصائد العشاق ولعب الاطفال، ثم هوت الاجساد اشلاءً على سطح الماء وفوق الطين وعلى ضفتيّ النهر.
الفرات الذي كان شاهداً للنكبات ومواكب الاحزان والندب ودم المدينة المهدورعاشوراء اخرى يباح،
وكان الرب والنهر قد ولدا توأمين.
******
الجسر الاخير المتبقي في اطراف المدينة الجريحة والذي يربط بين صوبيّها كان المعبر الوحيد المهجور ، وكان الجميع يتجنب المرور قرب هذا الجسر خشية أن تلقى القنابل فوقة في اي لحظة.
كان الجسريرتجف فوق طوافاته العائمة على الماء وهو يشعر برحيله ويواسي ذاته بحلم قريب و يلتحف سماءً مرصعة بنجوم بدون دخان ولاطائرات موت فوق نهر أخر. كان هذا الجسرُيستعمل لعبور الماشية والسابلة وهوالهدف الأخيرالمتوقع قصفه من قبل قوات التحالف في حرب الخليج الأولى لانه كان جسراً بسيطاً وصغيراً لايتسع لعبور الجحافل العسكرية او المدرعات لكنه في الاخير هدف لانه جسرليس إلا .
******
كانت نرجس تسكن الصوب الاخر من النهر..
حبيبتي ياوجع الضفة البعيدة
وأنت تنسجين بخيوط الشوق سجادة عرس

كان قلبي يهفو اليك ويغفو كطفلٍ

في ارجوحةٍ تتنهد بين نخلتين
وعلى اسوارحديقتك يزهو البنفسج
ومن اهدابك يترنح الشعر ثملاً
. ياألقا.. يولد منك العشق دافئا واليك يعود.
******
قررت أن أعبرَ الجسر رغم المخاطر "كيف لك ان تكون عاشقاً دون ان تكون مغامراً ومجنوناً"
فدفعتني براكين الشوق ان أغامر بالعبور، تقربت من رأس الجسر والناس ُتحدق اليّ بغرابة وبفضول والبعض ظنّ انيّ معتوهاً فشعرت ان هذا الجسر هو الشريان الذي يربط بين نبضيّن، بين قلبين، وبين شفتيّن ،ولقاءيّن، تأملت الضفة البعيدة واطلقت العنان لساقيّ في الريح وكأني أطير فوق النهر وفوق الجسر نسيت الخوف وتجاهلت الموت والحرب وانا أتخيل أول موعد وأول قبلة مع نرجس، اقتربت من نخلة الضفة الاخرى وحين وطأت قدمايّ نهاية الجسر شعرت إنيّ أعبر الى بلد اخر .
حينها انحدر الشوق الى شارع ضيق وحمّتُ حول الدار كحمامةٍ ظمىءّ وحين أدركتْ نرجس بوجودي ُصدمتْ بنشوة الحضور فتأججت جمرة اللوعة بحناياها وبرحت الدار ثم تتبعت روحي خطاها كظلٍ محموم حتى استوقفتنا النخلة الاولى فهامّ الولّه بذاكرة القلب لاّول لقاء وأول قبلة وأول انعتاق ولرغبات دفينة فوق تضاريس اللّذة وتحت سماوات العشق الاولى ،سبحتْ أرواحنا بشطأن بعضها تعانقنا وبكينا وكان الهمس حضوره أعلى من صوت الانفجارات ورائحة النرجس تطغي على رائحة الموت ،وكانت النسمات بين سعيفات النخلة مثل الحان المزامير التي تنهمر من بساتين الفرات، كنا نعرف ان هذا اللقاء هو الاخير وكنا نعرف ان هذه الحرب خاسرة وحينها ستتفجرانتفاضة الكرامة المجروحة وأعرف انه سوف تأخذني احدى الضفتين ضفة القتل او ضفة النفيّ، عانقت النرجس وافترقنا بوجع الوداع كانت القبلة الاخيرة والعبور الاخير لجسر أخير اغتيل بعد ساعتين من عبوري الى الضفة الاخرى.
حزيران 2011
استراليا- ملبورن



#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مزامير الشمس وينابيع الياسمين
- تراتيل تحت نصب الحريه
- مابين نايّ تومان.. وعازف ساكسفون سوهو
- رأس ومنفى وقمر
- الحلم العاري يغادر الخيمة
- مابين وشاية القمر.... وعبور الحدود
- الله والمطر
- التوحد في حضرة النخلة
- ثوابت مشتركة للانتفاضات المعاصرة
- انشودة اذار 1991
- تراتيل في ساحة التحرير
- انتفاضة الجسد ..وظل الرصيف


المزيد.....




- دار النشر -إكسمو- تطلق سلسلة كتب -تاريخ الجيش الروسي-
- قبل نجاح -Sinners-.. مخرج وبطل الفيلم يتحدثان عن علاقتهما ال ...
- نعي الصحافي والأديب والناقد المناضل نزيه أبو نضال (جميل غطاس ...
- وفاة النحات الروسي البارز زوراب تسيريتيلي
- المترجم سامر كروم: لماذا ينبض الأدب الروسي بحب العرب؟
- العمود الثامن: زعيم الثقافة
- التورنجي يتحدث عن تجربته الأدبية والحركة الأنصارية في جبال ك ...
- الكشف عن الإعلان الترويجي لفيلم -المشروع X-.. ما قصته؟
- فلة الجزائرية: تزوجت كويتيا ثريا أهداني طائرة خاصة ومهري لحن ...
- الكشف عن الإعلان الترويجي لفيلم -المشروع X-.. ما قصته؟


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - اغتيال الجسر الاخير