حميد ابو عيسى
الحوار المتمدن-العدد: 3391 - 2011 / 6 / 9 - 23:42
المحور:
الادب والفن
أذكرُ أني ذاتَ يومٍ في شـبابي
كنتُ في ضيقٍ مقيتٍ وضبابي
وكانتِ الأيـامُ في دفءِ الجـليدِ
أذكرُ امرأة ً بثوبٍ شبهِ رثٍّ طرقتْ بإصرارٍعنيدٍ متن َبابي
فـفـتحته كي أطردَ الطارئةَ التي تمادتْ في مراوغةِ الطريدِ!
دخلتْ وتحتَ جفونِها عينانِ تقدحانِ لغزاً ليسَ منْ صنفٍ ودودِ
قالتْ: أترغبُ في قراءَةِ ما مضى من سالفِ الأيامِ
أو ما سـوف يحـصلُ في غـدٍ آتٍ مديـدِ؟!
قلتُ لها: ومنْ تكوني كي تبوحي بالخفايا المحصناتِ
أو تكـشـفي سـرا ً خـفـاه اللهُ في صـدرِ السـماءِ والوجـودِ؟!
قالـتْ: أنا الغـجـريةُ المفتاحُ أدخـلُ في الطلاسمِ والقماقـمِ خـفـيةً
ومعي سراجي ومزاجي كي أطالع َ في الكفوفِ سيرة َاليوم ِ الجديدِ!
هلّا جلستَ قـبالـتي يا سيّدي
وسمحتَ لي أن أقرأ المكتوبَ
في الجـبيـنِ مِـنْ تـلـكَ الـحـصى؟
وتداركـتْ فأخـرجتْ كـيساً صغـيراً
وضعتهُ أمامها ، نظرتْ إليهِ وداعبتْهُ بحنانِ الأمِّ للطفلِ الوليدِ!
قالـتْ بنبرةِ واثقٍ متـبـصِّرٍ:
اسمعْ كلامي جيداً يا سيدي
ستسافرُالعامَ ، قريباً، ربما
خلالَ شهرينِ إلى بلدٍ بعيدِ
ستعيشُ غربةَ عاشقٍ ويذوبُ قلبُكَ كالشموعِ في مناجاةِ الحبيبِ
ويـطـولُ بـعـدُكَ عـلـقـمـاً، صـبـراً جـريـحاً،
يعصرُ الأيامَ والأعصابَ في جوفِ الوريدِ!
ستعلقُ الأقدارَ شمعاتٍ
وتضربُ أخماساً بأسداسٍ
وتشـربُ مِـنْ قـواريـرِ الـمُـدامِ
تفادياً وتهرُّباً، بلْ خشيةً من لسعةِ الألمِ الشديدِ!
يا سيدي أنتَ سعيدُ الحظ ِّ
محـبـوبُ الأوانسِ والـمـلاح ِ
ستعـتلي عـرشَ التفـوّقِ والفلاح ِ
وتلتقي إحدى النساءِ هوتكَ منذ تعلـُّـقِ النحلاتِ في عشق الورودِ !ِ
جمعتْ حصاها بارتياحٍ واهتمامِ
وفجأةً رمقـتـنـي في تحدٍ واقـتحامِ
ثمَّ قالتْ هلْ تصدِّقُ كلَّ ما نطقتْ بهِ تلك الحصى منَ الكلامِ؟!
لستُ أذكرُ وقتها ماذا جرى بداخلي،
هل كنتُ يقظاناً أبدِّدُ دهشتي أم كنتُ
أسـرحُ مالكاً سـرَّ الحياةِ في الخـلودِ؟!
يا ربُّ إقبـَلْ صلواتي وابتهالي
إنـَّـني العـبدُ الفـقـيرُ، فحـنْ لحالي
واعـطـِني بركاتكَ الـقـدسـيَّةَ السـمحاءَ.
بـاركْ حـبَّـنا ، أنـتَ الـذي أرسـلـتَهُ
وغـزلتهُ نوراً يشعُّ بهاؤهُ قـبساً،
هدىً في كلِّ أرجاءِ الوجودِ
عمان في 10 – 3 – 1999
#حميد_ابو_عيسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟