سرمد السرمدي
الحوار المتمدن-العدد: 3390 - 2011 / 6 / 8 - 18:07
المحور:
الادب والفن
ها هي قصة الراقص الذي قدم عرض رقص فاشل بقناع تمثيل مسرحي افشل, فكان في الرقص خير سلف, لكل تمثيل مسرحي واحل بقناع الرقص توحل, ظل بعده على خشبة المسرح العراقي أسوأ خلف.
ليس غريبا أن يلفظ الجهور ما لم يجده معبرا عنه من فن مهما تعالت صيحات النقد في محاولة جعل الحواجز ضبابية بين ما هو زائف, وما هو حقيقي يخشى البوح تحت وطأة العسكر وبالكاد يتكلم نصف خائف, وليس بعيدا عن ذائقة جمهور يتلوى من واقع اسود أن يستنكر هدر قطرات عمره في مشاهدة مسرحية لا تمت له بصلة كما يسكب دمه الطاهر على إسفلت ملتهب بشمس جهنمية تقوس لهيبها ليستنطق العرق من مسامات جلدنا باسم الوطنية كما كانت تغتصب الأنابيب أرضنا لتلد نفطا يغذي شعارات قومية, ليس للجمهور بديل غير ترك الكرسي امتعاضا لمن كادوا أن ينافسوا الجمهور عددا من نقاد وأكاديميين ينظرون بواجب التصفيق للغث والسمين بكلمة, عند كل ما يدرج في قائمة عرض مسرحي جاد حينا, وبصمت عن كل ما يدرج في قائمة عرض مسرحي غير جاد في كل حين, فأحدثت تلك الرؤى في فضاء المسرح غيمة حبلى بسواد تكدس كم الحبر على الورق, ولم يفلح لا الراقص ولا الطبال في تجنيب الصرح الخشبي من أن يحترق, جراء أول شرارة للحرية تشعل فتيل انفجار باب سجن الجمهور المسرحي حيث هرب من على خشبته كل من الراقصة والطبال إلى مزبلة الفن التي غصت بالصروح الخشبية فعادت لتكون عقبة في طريق أمل مسرحي لا يرى في المسرح ستارة ترفع عن ملهى ليلي باسم جاد وغير جاد ليسكر الجمهور عن واقعه بلا خمر ليهنئ في عرشه الدموي من يدعي انه الصمد, المسرح ليس رقصة شرذمة ولا كلمة مبهمة, بل لبنة في بناء إنسان عراقي فلابد لها من نية محكمة, وإلا لتنزل الستار على مشهد حلم بوطن نتمناه إلى الأبد.
المسرح ليس رقصة, ولا هزة تستبدل المعنى الذي ينشده الجمهور بعد كل عرض بغصة, والمسرحية ليست عرس شعبي يتسابق شباب الزفة فيه مع إيقاع أبواق موكب السيارات عند إشارة المرور كأي سكير بتصبب الخمر من جلده عند أية فرصة, إلا إن ما حدث لا يخلو من تنكيل محسوب الأثر بكل ما تبقى لدور المسرح من اثر, على وفق خطة لجرذان عبثت بالثقافة بكل ما أوتوا من أقلام الشر, فاتحين أبواب الخراب محكمين غلق السراديب على كل محراب, استعانوا على ذلك بنيجاتيف عصابة تحت مسمى المثقفين, تلفظ الأحرف تعبدا للسيد في سيرها شمالا ويمين, خاضعة منحنية مكبلة بكرسي سيدها الفطحل, تطلي بلون النصر كل ورم خبيث في عقله استفحل, قانعة بما يرمى من قيء عشاء السيد متغاضين عن عامل التلف, فلم يفرق الخنزير يوما بين الفضلات وبين العلف.
فجاء الراقص الذي رقص علينا في زحمة مخالب حصار داخلي غبي وخارجي أغبى استمر دهرا, خانق لكل نسمة تحاول التحليق فوق صحراء تكسر جلدها وتشقق كأفواه تطفو فوق السطح قهرا, سطح ارض خالي من أمل فمن لا يعبد الصنم لا يرزق, هبط الراقص بمطار خيال الشباب الفار بأحلامه خارج السياج الغلط, بجواز أوربي يضمن لقمة عيشك لا لأنك معي ولا يحرمك منها لأنك ضدي بل لأنك إنسان فبهذه الورقة ستعوض ما لم يوفره وطنك, متر يحتضن كفنك, فلنا أن نتخيل قيمة الفجوة, في سقف سرداب يطبق الحبس الانفرادي جماعيا في شعب لعن بالسجان عنوة, فما هي قصة الراقص ؟, الذي قدم عرض رقص فاشل بقناع تمثيل مسرحي افشل, فكان في الرقص خير سلف, لكل تمثيل مسرحي واحل بقناع الرقص توحل, ظل بعده على خشبة المسرح العراقي أسوأ خلف.
الرقص في المسرح وليس مسرح الرقص, ان جل ما جاء به الراقص طلعت السماوي حينما حضر الى العراق والتقى بطلبة معهد الفنون الجميلة في بغداد وكلية الفنون الجميلة في بابل, هو ان هنالك مسرحا جديدا يعتمد على الرقص ويسمى الدراما دانس, او الرقص الدرامي, واغلب الظن ان هذا التنظير حول هذا الشكل الفني لم يكن واضح المعالم للدرجة التي تكون مؤثرة في خليط التمارين التي قام بقيادتها حينما انضم اليه في دورته التدريبية على هذا الشكل الفني عددا من طلبة وفناني المسرح, حيث كانت التمارين لا تحمل أي جديد على الصعيد التقني الا ما تم ارتجاله من قبل الراقص طلعت السماوي وبالتأكيد لن يحسب له أقامه مدرس او منهج في تدريب الممثل خاصة لأن مجموع التمارين التي تنوعت بين اللياقة البدنية واليوغا والاسترخاء لم يكن الهدف منها صناعة ممثل بل راقص, وعلى الرغم من وضوح هذا الأمر لكل من تدرب معه ومن رافق هذه العملية بالفحص والترقب لأي جديد قد ينتج عنها, الا ان العروض التي قدمت تثبت كون ما تم التدرب عليه لم يتعدى منهجا لصناعة راقص يمكن ان يؤدي فنه امام عدسة الكاميرا في فيلم سينمائي ويمكن ان يؤدي فنه امام جمهور مسرحي لكن يبقى السؤال عن منطقية الجمع بين مصطلح الدراما والرقص الذي يعتبره كل من ارتبط بهذه الموجة العابرة في المسرح العراقي انجازا وفتحا ونور حل من آخر النفق المظلم الذي حرم المسرحي العراقي من التواصل مع جديد المسرح العالمي حينها, لكن هذا لا يلغي بالضرورة امكانية الأستفهام حول ما تم التنظير له بالنظر لما تم تطبيقه, وبالنسبة لما تم التنظير له فمن المعروف ان الدراما بشكل عام والمسرح بشكل خاص لم تستبعد الرقص لكي نحتاج الى مصطلح جديد في فن المسرح الا وهو ما يتباهي به من شارك في تجربة الراقص طلعت به أي الرقص الدرامي , وفي كثير من الأحيان ينزحون للقول دراما دانس تماشيا مع روح الفكرة التي اريد منها ان تطيح بالمسرح التقليدي, كعادة كل التيارات المسرحية في تعاملها مع ما يسبقها, الا ان هذا لا يعني كونها أصبحت واقعا جديدا على صعيد التنظير على اقل تقدير, فما الجديد في كون الرقص جزء من العرض المسرحي الذي طالما استثمر كل الإمكانيات الفنية المتاحة المناسبة لعرض مسرحية معينة, فلم يكن هذا مستنكرا من قبل المسرحيين على الإطلاق, ولنا في الأمثلة الواردة عند الحديث عن تاريخ المسرح الكثير من الشواهد التي تؤكد استعانة المسرحيين بالغناء والرقص منذ المسرح الإغريقي ليومنا هذا, الا ان هذا محسوم لو كان المصطلح المفترض من قبل الراقص هو بالرقص في المسرح, اما ان يكون الرقص المسرحي, فالجزء لا يعكس الكل, المسرح أعم واشمل من ان يختزل في جزء مما يقدمه اثناء العروض المسرحية, ان هذا التمويه في المصطلح لن يجعل فرقة الراقص اقرب الى المسرح بل هذا الإصرار على الصعيد النظري يكفي ليكون تأكيد على ان رقصها لم يتعدى كونه كان مجاور المسرح العراقي.
الرقص في المسرحية وليست المسرحية الراقصة, وفي هذا المنحى يمكن الاعتماد على ما يتصدر اغلب النقاشات حول الأعمال المسرحية المقدمة من قبل الراقص طلعت او بأشرافه أثناء ما كان في العراق, وهنا عمله بعنوان فضاء الروح, الذي قدمه بمصاحبة راقصة سويدية جاءت معه, حينما ننظر لهذا العمل لا نرى مسرحية بل نرى رقصة, بكل تفاصيلها الحركية وبالدعم الموسيقي المطلوب المساند لها كأي تقنية يمكن ان تصاحب رياضة الرقص على الجليد والتي لم يقل أحد يوما ما بأنها مسرحية راقصة او رقص مسرحي بل اكتفوا بكونها رياضة, فلما لا يكتفي الراقص طلع بكون ما قدمه ينتمي لفن الرقص ولا ينتمي لفن المسرح من بعيد او قريب, فلا يوجد تكامل لعناصر العرض المسرحي بالمرة, لا نص ولا حوار صوتي او حركي صامت, ولا تعبير ولا ايماءة وبالتالي لا توجد وحدة درامية يمكن الاعتماد عليها في صياغة معنى الصراع لتوفير ابجديات التلقي للجمهور الذي ظل متحديا الملل بإبداء إعجابه بحركات الرقص التي لا تخلو من تعبير بالجسد يمكن ان تتوفر في فن الرقص ولكنها لا توفر الدراما لتؤسس أرضية التلقي المسرحي خارج اطار فن الرقص الذي تجاوز في هذا العرض من قبل الراقص طلعت حتى فن الباليه وفن الأوبرا, فكان خليطا من بين عدة مدارس فنون الرقص, مما زاد الطين بلة, ناهيك عن حالة الغثيان الذي سببه هذا العرض الراقص بسبب ابتعاده بشكل تام عن كل السياقات المعهودة في تقليد التلقي في المسرح فقد اجبر الجمهور على الوقوف بشكل دائرة حول مكان الرقصة مما اوضح اخيرا وبدون شك ان اصل هذا العمل هو الرقص في شوارع اوربا لأجل المال كما العزف عند ناصية الأرصفة, بينما لم يقدم الراقص طلعت هذا العرض الراقص في شوارع العراق كما كان ينبغي ان يفعل وذلك لأسباب اجتماعية او لأنه فن النخبة كما يظن الراقص, وقد تصعب اتمام عرض الرقصة بينما قد توفرت له مساحة في مدخل قاعة مكيفة وجمهور من النخبة, وكأن المشهد برمته يقول ان نخبة المثقفين في العراق تعادل عند الراقص طلعت جمهور الشارع عندما يعرض رقصته الغير درامية بالمرة بالطبع, وحينما انتهى العرض الراقص الذي عرض في التلفزيون العراقي وهي الشاشة الوحيدة المسموحة المتوفرة في ذلك الوقت للأطلاع على مجريات العراق والعالم, اتخذ كل فنان مسرحي يشعر بالغبن والظلم طريقته في الأستنكار على استحياء فلم يكن واضحا للعيان اسباب هذا الدعم المادي والمعنوي من قبل القائمين على الثقافة العراقية وقتها لهكذا عرض راقص, في الوقت الذي تعود الجمهور العراقي ان يرى مثل هذا الدعم لفن الرقص مقتصرا على فرق الغجر وليس كلها بل التي تصنف عادة في الدرجة الأولى من سلم العهر الفني, والتي كانت تنقل للجمهور العراقي فن الرقص في كل مناسبة غير وطنية وتحتل بفنها الهزاز بكل أدب تلك الشاشة البائسة التي اطلق عليها التلفزيون العراقي, وربما ما زال سبب الاهتمام بعرض الراقص طلعت مبهما, لكن هذا لا يعرقل مسيرة التفكير في ان الرعاية التي احيط بها هذا القادم من المجهول حينما كان الدعم للمسرحيين في الداخل حكرا على الطبال حصريا, يمكن ان يكون السبب في انه يندرج ضمن مشروع تعميم المخدرات بكل اشكالها فنيا كان ام على شكل طحين مسموم بكل ما يمكن ان توفره الحصة التخديرية الشهرية من امراض حاولت ان تحني رأس المواطن بأزمة تلو اخرى فأتخذ العراقي من النظر الى السماء بحثا عن امل الخلاص طريقا حين كان لا يثق بكل ما يأتي عن طريق النظام من غذاء ودواء وتسلية رخيصة في مضمونها باهضة في العمر الذي يدفع ثمنا جراء استمرارها بالغصب, ومن يفقد الثقة في علم لا يجد فيه علاجا في المستشفيات, يفقد الثقة في الفلسفة والأدب والفن الذي لا يحمد مضمونه, لهذا لاذت بذرة الراقص لأحضان تربة عقم خط بالقيح على باب قاعاتها جزافا مصطلح النخبة.
الممثل الراقص وليس الراقص الممثل, يعد عرض ألرقصه التي قدمها الراقص طلعت مرجعا تطبيقيا لكل العروض الراقصة التي جاءت بعده كجهود محلية شبابية لتجسيد فن الرقص وادراجه ضمن فن المسرح كأحد الأشكال المسرحية, وقامت على اثر هذا التوجه عدة مجاميع بتكوين فرق راقصة قد تكون اشهرها تحت اسم فرقة مردوخ, وهذه الفرق اشتركت في مهرجانات مسرحية باسم المسرح داخل وخارج العراق, ولأن الوسط المسرحي العراقي يتصف بوسع ورحابة الصدر لكل ما هو جديد حتى لو كان كادر خيمة سيرك هبط عليه من اخر الأرض فسيعد القائمون على مهرجان عراقي ما ان هذه المشاركة دولية للدرجة التي سوف يكت على لافته مهرجان محلي يقام في مدرسة ابتدائية انه المهرجان المسرحي العراقي الوطني القومي الدولي, وطبعا العالمي, وهذا النهج مستمر ليذكرنا مجبرين بالمهرجان الفاشل الذي تلتف حوله كل فرق الأرض التي لم يسمع بها احد من قبل حيث لا تتعدى شهرتها ان تكون في مدنها وليست عواصم بلدانها, تجتمع هذه الفرق لأحياء ما يسمى بمهرجان بابل, وطبعا الدولي, وعلى هذا الأساس فان من المقبول في الوسط المسرحي العراقي ان تعد المجاميع التي كونت فرقا راقصة والمكونة من المشاركين بتلك التدريبات على فن الرقص التي اقامها الراقص الدولي, وذلك لأنه جاء من دولة اخرى مع انه عراقي, هي بالضرورة فرقا دولية, وقد تمكنت هذه الفرق من احراز جوائز في المهرجانات المحلية, ويقال الدولية, فلا علم لنا بعدد الشهادات التقديرية التي ينالها فلان وعلان بأسم المسرح العراقي وحينما تعود لداخل العراق تتحول بقدرة قادر الى قمة الجوائز ويهتف الأعلام العراقي بها رافعا كأس العالم في مباراة لا شاهد عليها ولا على المسرحية التي شاركت الا الوفد الذي مثل العراق في مهرجان هنا وهناك, فلم يرى الجمهور العراقي كل مسرحية شاركت خارج العراق في المهرجانات المسرحية, والحال كذلك في المهرجانات المحلية فلا قيمة لتفاعل الجمهور من عدمه ولا تأثير يذكر على وليمة الجوائز في اخر كل مهرجان مسرحي, ومما تقدم يتضح ان دخول فرقة للرقص ضمن تنافس مسرحي عراقي في مهرجان ما ليس بالأمر الصعب, وربما لن يطول الوقت لنشاهد فرقة الفنون الشعبية تؤدي دراما دانس في مهرجان مسرحي, فمالفرق, فكل الذين شاركوا في عروض الفرقة الراقصة لم يكتبوا تحت اسماءهم كلمة ممثل بل راقص, ولم يقدموا ادوارا وشخصيات بل رقصات, فتصنيفهم يدخل ضمن فن الرقص والباليه والتي بدورها تمهد لهم نشاطا اكثر دقة على الرغم من دراستهم المسرح فما الفرق, لا يجب ان يكون الأفق اضيق من ان يستوعب فن الرقص بكافة تلويناته الشكلية دون أي نزعة تحدد المضمون من قبل المتلقي, حتى لا تفترض شكلا لأن هذه المعادلة لا تصدر الا من وجهة نظر نظام نقدي يدعو الى توحيد الرؤى نحو أيديولوجية دون غيرها, وهذا ما سار عليه من انشأ هذه الفرق, حيث غلبت عليهم النزعة المسرحية حينا والشرقية احيان اخرى, والا مالضير في ان يعلنوا انهم فرقة راقصة, فضلا عن ان يندرجوا ضمن مقولة الغراب الذي صبغ ريشه كالطاووس فلم تقبله الغربان ولا الطواويس, فتاه الراقص منهم بين كونه ينتمي للمسرح وبين كونه ينتمي للرقص, وكأن الجديد في الأمر ان الممثل يرقص ويغني ويبارز, وكأن كل توصيات المخرجين في المسرح العالمي لم تمر عليهم في معهد واكاديمية الفنون الجميلة والتي تطالب بالممثل الشامل, الا ان الرقص لوحده لا يصنع الممثل, ومن لا يمثل لا ينتمي للمسرح.
الدور النقدي والأكاديمي المسرحي في تفضيل الرقص على التمثيل, لا حصر لكم الأسباب الموضوعية لظاهرة الرقص بديلا للتمثيل لهذه اللحظة, الا ان ظاهرة الجيل الأخرس الذي يعتلي خشبة المسرح ليؤدي حركات بهلوانية لجمهور متهم بقلة وعيه وثقافته التي تحول دونه ودون فهم المعادلات الكيميائية والفيزيائية والنووية التي تلقى عليه تفضلا من لدن الراقصين, ان هذه الظاهرة التي لا تخدم الا الأنظمة الشمولية التي تحاول النيل من كل ما يمت للتعبير عن واقع المواطن المحترق بنيرانها لابد ان تنتهي والحال انتهى الى حكم صندوق الأقتراع والا لا بد ان يلتحق الداعين لها بأي مجتمع يرزح تحت وابل رصاص القمع والترهيب لكي يضمنوا التصفيق من هكذا جمهور يخشى ان تلمحه الكاميرا وهو يمتعض مما يقدم من فلسفة عميقة عبر مسرح الدولة حتى لو كانت تصله عبر اجساد نصف عارية لشباب حفاة مغرورين بشعر صدورهم وكم الأبر النافخة لعضلات اجسادهم, ثم ان المعدل المطلوب لكي يسمح للطالب العراقي ان يتقدم للدراسة في معهد او اكاديمية الفنون الجميلة ليس اعلى من الذي يطلب من طالب يتقدم لدراسة الطب او الهندسة, مما يرجح ان التفوق العلمي ليس قياسا لتكون فنان عراقي, كذلك ان اعداد المتخرجين الكبيرة من معهد وكلية الفنون الجميلة لا يعني الا ان الموهبة ليست قياسا لتكون فنان عراقي, والا فمع معدل دراسي منخفض وعدم الحاجة للموهبة, سيكون نادرا ان نجد عدد المتخرجين اقل بطالب واحد من عدد المتقدمين لكل دورة, مع هذه الحقائق المتواضعة, لا غرابة ولا استغراب من النتيجة, فهذا الوباء ينشر من خلال الأكاديميين انفسهم, فقد تم عرض اكثر من رقصة في كلية الفنون الجميلة التابعة لجامعة بابل وليس فقط على مسارح بغداد والبصرة, وكان المبشر بهذا التيار الراقص بديلا عن التمثيل هو أستاذ أكاديمي يعمل تدريسيا في كلية الفنون في بابل وهو الدكتور احمد محمد عبد الأمير, وقد كان ابرز عروضه الراقصة بعنوان الشك, كما لم يخلو عرض مسرحي بعد هذه الموجة الراقصة من مشهد استهلالي او ختامي يتصدره الرقص, ونحن لا نتكلم عن فن الرقص فعلا, بل عن حركة بهلوانية تفتقد الحس الوجداني واللياقة البدنية والتعبير الأيمائي الذي يفترض ان يتمتع به الممثل حين يؤدي مشهدا صامتا, فخرجت علينا هذه المشاهد المقحمة في العروض المسرحية بنتيجة انها لا تنتمي للتمثيل ولا للتمثيل الصامت ولا لفن الرقص في مجمل االتقنيات الحركية التي تحاول استثمار اجساد الراقصين, فيبدوا ان هذا الدور النقدي والأكاديمي لا يتعدى النكاية بالمسرح ودوره في ترميم حطام اجتماعي تراكم على مر الحروب التي نهشت في عمود الثقافة الفقري هذا مدرسة الشعوب وبوابة التلاقح الفكري بين الثقافات فكرا وأدبا وفنا, ساهم النقد المسرحي العراقي في غرز هذا الخنجر المسموم في ظهر رجل المسرح, فقد قبلت مشاركات هذه المجاميع الراقصة في المهرجانات المسرحية لتنافس الأعمال المسرحية الأخرى بالند, دون أي التفاتة الى ان هذا الذي تقدمه لا ينتمي لفن المسرح بل لفن الرقص, فكيف يتم التعامل معها نقديا دون ان ينتقص ذلك من النقد المسرحي, ام انه من رحابة الفكر والصدر لدرجة ان يتقبل عملا سينمائيا ليشارك في مهرجان مسرحي, كيف يستقيم العمل النقدي والتقويمي لهذه اللجان التي تختار الأعمال المشاركة في مهرجانات الداخل والخارج بأسم المسرح العراقي وهي تقترف اكبر مغالطة منطقية يندى لها جبين من يخط اولى خطواته في طريق المسرح, اذا كانت هذه الظاهرة تتخذ مساحة رقصية لا يمكن الفكاك او الهرب من محاولة استيعابها فلتقيموا لها مهرجانات خاصة وليحكم فيها نقاد وأساتذة في فن الرقص لا المسرح, المسرح الذي اصبح من طل قطر اغنية, ومن كل قماش رقعة, بحجة التنوع والانفتاح على الفنون الأخرى, ام ان هذه هي الفرصة التي نتكئ عليها لتغطية الأخفاقات النقدية والأكاديمية التي صنعت من جيل المسرحيين الشباب بين ممثل اخرس لا يتقن نطق الحرف ولم يدخل درسا للتمثيل ليطلب منه ذلك فقضى عمره الفني رقصا لاجئا لهذا النعيم الذي لا يطالبه بأكثر من اظهار ما لديه من قدرة رياضية كأي مؤد في سيرك, ام انها ليست حجة بل فرصة لكل اخفاقات الناقد والأكاديمي العراقي بأن ينادي بمبدأ الفن للفن تاركا دوره كقائد رأي في المجتمع لمن يفسد ذائقته ممن يعتلون خشبة المسرح المسمى غير جاد, رقص جاد على اليمين ورقص غير جاد على الشمال, والجمهور ينتظر من يمثله لا من يرقصه, على حد قول غاندي يجب ان افتح نافذتي لكي تدخل منها رياح كل الثقافات, بشرط ان لا تقتلعني من جذوري, وهكذا الحال مع المسرح العراقي, فهو معرض للاقتلاع من الجذور المسرحية, بل والعراقية.
الكاتب
سرمد السرمدي
العراق
#سرمد_السرمدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟