|
مُبَرّراتُ غزوِ العراق
ييلماز جاويد
(Yelimaz Jawid)
الحوار المتمدن-العدد: 3385 - 2011 / 6 / 3 - 18:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تتكشف بعض المعلومات متأخرة . فبعد مرور تسع سنوات تبيّن أن أحد الأحزاب ( التقدمية ) كان قد أعدّ مذكرة بناءً على نصيحة بريئة من جهة تقدمية أخرى خارجية . أعدّت المذكرة وصودق عليها من قيادة الحزب وتمّ تقديمها مباشرة أو بالواسطة إلى سفارات الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن قبل غزو العراق في 2003 . كان الغرض من المذكرة الطلب إلى تلك الدول منع الولايات المتحدة من غزو العراق .
من المعروف أن جميع الأحزاب والقوى التقدمية واليسارية في العالم كانت قد وقفت ضد الحرب وغزو العراق ، إنسجاماً مع المبادئ العامة التي تؤمن بها ، وبإعتبار أن الولايات المتحدة قائدة القوى الإستعمارية . ولكون نظام الطاغية آنذاك قد تم تصويره بأنه (معادٍ ) للإستعمار. ومن هذا المنطلق كانت نصيحة تلك الجهة الخارجية بالعمل على منع الغزو مبررةً من حيث المبادئ والقيم العامة ، لكنها غير سديدة بسبب النقص في المعطيات المتوفرة لديها عن الظروف الموضوعية والذاتية الخاصة بالعراق . كان الأجدر بالحزب ( التقدمي ) العراقي ، وهو يأخذ تلك النصيحة أن يستند على خصوصية المعطيات المتوفرة التي كان المفترض أنه قام بتحليلها وتشخيصها بدقة علمية مما يؤشر التوجه السليم لتحقيق خطوة نوعية إلى أمام . مهما كانت المعطيات لدى أي حزب خارجي عن العراق فإنها لم تكن قد وصلت لحد التأكيد على أن نظام الطاغية كان فعلاً نظاماً عميلاً ، وللولايات المتحدة بالذات منذ عام 1963 . ولم تكن للحزب العراقي أية حجة في الدعوى بعدم تأكده من هذه الحقيقة . إذن ، إن كنا نعلم أن الحرامي موجود داخل الدار فيا ترى ما قيمة العمل على منع دخوله ؟؟؟
لقد كانت الولايات المتحدة صديقة للطاغية ، ليس بموقفها في الحرب العراقية الإيرانية فحسب ، بل في قمع إنتفاضة الشعب العراقي في عام 1991. إن التركيز على حربي الخليج والإستنتاج منها بوطنية نظام الطاغية منهج عقيم ، سيما إذا إعتبرنا الأغراض التي أرادت الولايات المتحدة تحقيقها في كل واحدة منها . ففي الأولى كان غرض الولايات المتحدة ترحيل نفوذ بريطانية في الكويت إلى النفوذ الأمريكي وتكون هي الوحيدة المسيطرة بدون منافس على أهم منابع البترول في العالم . وفي الثانية كان الغرض تلبية طلبات دول إقليمية معينة ، بالإضافة إلى إنتشار قواتها في المنطقة وحصولها على قواعد عسكرية مهمه فيها . لقد ساهم الطاغية في تحقيق أغراض الولايات المتحدة بدءاً بالحرب العراقية الإيرانية التي طالت ثمان سنوات وإستنفذت كافة الأسلحة المكدسة في مخازن الشركات الأمريكية المنتجة لها ، وبأسعار السوق السوداء ، ثم غزوه الكويت الذي تسبب في قدوم القوات الأمريكية إلى المنطقة وتركزها فيها ، بالإضافة إلى ما خلقه من خوف لدى دول المنطقة ودفعهم للتسابق التسليحي .
كان التاسع من نيسان 2003 صفحة جديدة في تاريخ العراق ، وستبقى هذه الصفحة ناصعة مهما تبعها من ملابسات وأحداث جعلت بسطاء الناس يترحمون على الأيام السابقة لها . وكما إنتكست ثورة الرابع عشر من تموز 1958 وحدث ما حدث بعدها كذلك إنتكست الآمال الواعدة ليوم التاسع من نيسان 2003 . ولكن بأي حال فإنّ أحداث فترات الإنتكاسة لا تُحسَب سلباً على اليوم المشرق الناصع .
كلّ مَن عمل في السياسة ، دولاً ، أحزاباً ، كتلاً سياسية أم أفراداً ، كان في تلك الأيام عالماً أن الغزو مقررٌ وحاصلٌ لا محال . ولم تكن كل المظاهرات الجماهيرية التي نظمتها القوى الديمقراطية واليسارية في العالم قادرة على منع حدوثه . وبذلك يمكن القول أن الخطوة التي قام بها الحزب العراقي إنما كانت على أفضل التقديرات بلا جدوى ، إلاّ أللهم التظاهر الشكلي للتضامن مع التيارات اليسارية العالمية . لو كان الحزب قد قام بتشخيص الظروف الموضوعية والذاتية الخاصة بالعراق وأخذ بنظر الإعتبار عمالة نظام الطاغية للولايات المتحدة بالذات ، لما كان له حق التظاهر بالوقوف ضد الغزو وتغيير نظام الطاغية ، سيما وأن قيادة الحزب كانت قد زارت واشنطن ، كباقي قيادات الأحزاب العراقية الأخرى ، وساهمت بالتنسيق في العملية . إن عملية تغيير نظام الطاغية كانت ضرورية . ذاك النظام الذي أصبح قيداً في عنق العراق ، وفرض واقعاً أصبح فيه الشعب فاقداً كل الوسائل في تغييره . إن منع حدوث الغزو إنما كان يعني عملياً سلب الشعب العراقي الوسيلة الوحيدة لتحقيق خطوة إلى أمام . وأقول متأكداً أن لو كانت تلك الجهود قد أفلحت في تحقيق ذلك لكان العراق يرزح تحت نظام الطاغية ومن يخلفه من أبنائه وأحفاده عشرات السنين . وقد تكون تلك الجهود هي التي سببت حصول الغزو بدون صدور قرار من مجلس الأمن ، وبذلك فإنها قد أضرّت بالقضية العراقية وجعلت الولايات المتحدة تنفرد في تحديد مجريات الحرب وما يليها دون أن تكون عليها رقابة دولية .
البشرية كلها ضد الحروب ، لما تخلفه من دمار . ولو كان الجميع مسالما لما حصلت فرصة لتجار الحروب لإقامتها . ولا ننسى أن الحروب نوعان : حروبٌ تسمّى عادلة وأخرى غير عادلة ، بغض النظر عن القائمين بها والمشاركين فيها ، وإلاّ ما قامت ثورات التحرر التي إتخذت الحرب وسيلة . وليس فرضاً على أصحاب الحروب العادلة إن يكونوا مثاليين في تصرفاتهم . توصف الحرب من كل طرف بالغرض منها ؛ فغزو العراق إن كان حرباً غير عادلة بالنسبة إلى الولايات المتحدة وأغراضها الإستعمارية ، إلاّ أنها بلا ريب حربٌ عادلة من جانب الشعب العراقي في خلاصه من أعتى نظام دكتاتوريّ إجرامي حتى وإن كانت الولايات المتحدة شريكته أو وسيلته لتحقيق هدفه ، إذ لم تكن له وسيلة للخلاص دون هذه الشراكة . وقد كان تشخيصاً صائباً ودقيقاً من الذين توصلوا إلى أمكانية إستغلال التناقض القائم بين مصالح الولايات المتحدة آنذاك وبقاء نظام الطاغية على دست الحكم .
#ييلماز_جاويد (هاشتاغ)
Yelimaz_Jawid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صفحةٌ أخرى منَ الذاكرة
-
هَل جخيور خالدٌ ؟
-
مشروعُ قانون الأحزاب
-
صفحة من الذاكرة
-
الأكرادُ الفيليون ... إلى أينَ ؟
-
بناءُ الوحدة الوطنية
-
كُلّهم صدّامٌ .. وصدّامُ منهم
-
الحزبُ باقٍ
-
الثورةُ لا تُستَورَد
-
أنبذوا الإنعزاليّة وأدعوا للديمقراطية
-
رسالة ثانية إلى آية الله العظمى محمد اليعقوبي
-
التحليلُ الجدَليّ
-
حَذارِ من مفرّقي الصفوف
-
طبقةُ الفلاحين أساسُ بناء الديمقراطية
-
تذكير
-
شجاب الغُراب لأمه ؟
-
اللعنةُ ... المحاصصةُ
-
تواطؤٌ ... توافقٌ لكنهُ هزيلٌ !!
-
تمييزٌ عُنصُريٌّ .. أم ماذا ؟
-
وعندَ ويكيليكس الخبرُ اليقينُ
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|