|
استنهاض الحركة الشعبية (1من3)
سعيد مضيه
الحوار المتمدن-العدد: 3384 - 2011 / 6 / 2 - 12:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
استنهاض الحركة الشعبية انعقد في شهر أيار الماضي مؤتمر في مدينة الخليل ناقش موضوع تنشيط المقاومة الشعبية المناهضة للاحتلال. وقدمت المادة أدناه إحدى أوراق المؤتمر الذي شارك فيه عناصر ديمقراطية من إسرائيل
أزمة جوهرها ثقافي
طرأ على الواقع الفلسطيني والعربي خلال فترة مضت مأزق التغيير؛ ومن مظاهره اتساع الفجوة وتعمقها بين قوى التغيير التقدمي والجماهير الشعبية. المأزق الاجتماعي جوهره ثقافي، تتحمل قوى التغيير بعض المسئولية في تشكله ، ويتحمل الوزر الأكبر الأوضاع الناجمة عن تطبيق برامج التكيف الهيكلية . كان الطرفان ـ الجماهير الشعبية وقوى التغيير التقدمي ـ ضحية تداعيات ثورة مضادة هدفت إرجاع المجتمعات العربية تحت السيطرة المباشرة للكولنيالية وتقييد إراداتها. في هذه الأثناء استغلت إسرائيل حالة الجمود العربي وضاعفت قدراتها وتغولت في نهجها المتوحش وعدوانها الضاري تجاه أقطار الجوار وضد الجماهير الفلسطينية، تبطش وتصادر الأرض وتستوطن وتهود بينما الأنظمة العربية تنفض الأيدي من القضية الفلسطينية ومن قضايا مجتمعاتها كذلك.
قصرت قوى التغيير في واجب نشر ثقافة الوعي فتركت غالبية الشرائح الشعبية تنزلق في الخندق المناهض للتقدم. غرقت الجماهير الشعبية في أزمة روحية تغمر الأفراد بإحساس طاغ بالانسحاق حيال التردي المريع لأوضاعها المعيشية، وانطلاق قوى غامضة مبهمة تفح سموم الحيرة والريبة والقلق وانعدام الأمان. في غياب ثقافة الوعي باتت المجتمعات العربية مسكونة بوعي شقي مفتوح علي شروخ العالم وتصدعاته وغدره، حيث مسلسل الانهيارات الكبيرة في بنية الواقع الاجتماعي المحلي والإقليمي والدولي؛ فلاذت الجماهير بالتدين تنشد الأمان الروحي. تتالت فصول الدراما الفلسطينية بينما العالم يقف صامتا يشاهد بلا مبالاة القتل بالجملة ومكافأة القاتل. حالة تجسد اللامعقول للنظرة الغافلة عن التداعيات الماضية. والعدوان التوسعي الإسرائيلي المتحالف مع الامبريالية ومن خلالها مع التخلف العربي المشدود بعلاقات التبعية أحكم الحصار حول الشعب الفلسطيني ومقاومته. موضوع التغيير
ثلاثة من كبار المثقفين الفلسطينيين أطلوا على هوة الانسحاق ورصدوا الظاهرة . رصدها جوليانو مير خميس، شهيد الثقافة التقدمية: "الناس فقدوا الأمل. ظلام... لا أمل في الجيل القديم، أعتقد لأنهم رأوا الكثير من الموت والدمار، أغلبهم لا يرفض ما نحاول عمله، لكنهم لا يمدون لنا يد العون، فهم غير مبالين... تحطم كل شيء. كل واحد يرى نفسه قائداً في الوقت الحاضر، الكل يفعل ما يريد.. لم تكن فلسطين هكذا قبل الانتفاضة.. كانت فلسطين مكاناً فريداً في طاقاته الفكرية، وحداثته، وانفتاحه، وفعالياته التقدمية والفنية، وقد نجح الإسرائيليون في ضرب هذا كله". ورصدها محمود درويش،همجية القوة تهدر الإرادة والتفكير." أنت لا تستطيع أن تقاوم هذه القوة المدمرة أو هذا المعدن المسلح إلا بالسخرية منه واللجوء إلي مصادر قوة داخلية..." وقارب الدكتور إدوارد سعيد المأزق برؤية نقدية فضحت منطويات التزوير والتلفيق في الفكر الاستشراقي، الذي زور التاريخ وشوه التراث وهيأ الأذهان لتقبل السيطرة الأجنبية وحق التاريخي المزعوم لليهود في فلسطين . قال ان البحوث العربية تأثرت ب" الفقد والإحباط وغياب الديمقراطية ، التي جمدت الحياة الفكرية والثقافية في المنطقة العربية." وانتقد البروفيسور سعيد أيضا تحالف التوحش العولمي الذي يرى في الفاشية الإسرائيلية حليفه الاستراتيجي، وكذلك أنظمة الهدر للحكم المطلق المنطوي على الفساد وهدر حقوق الإنسان العربي. يجدر قبل أن نمضي في العرض مناقشة مقولة الراحل جوليانو خميس ، او بالأدق تفسيرها كي لا تؤخذ صراعا بين الأجيال او قطعا للذاكرة الثقافية: "... لا أمل في الجيل القديم، أعتقد لأنهم رأوا الكثير من الموت والدمار، أغلبهم لا يرفض ما نحاول عمله، لكنهم لا يمدون لنا يد العون، فهم غير مبالين..." . الجيل القديم تردد على السجون ورأى الموت والدمار .. وأراد أن يستريح بعد ان قام بالواجب، كما يتراءى له. ينسى هذا الجيل، أسوة بالتنظيمات الفلسطينية الكبرى، انه لم يحرر شبرا من الأرض، وأن الوطن أشرف على التصفية التامة بفعل الأنشطة غير المرشدة ، والتي ارتدت بعواقب كارثية على فلسطين . الفصيلان الأكبر في النشاط الوطني الفلسطيني اكتسب كل منهما شعبيته الواسعة نتيجة ممارسة العمل المسلح، الذي كان الترياق في نظر الجماهير المقهورة العاجزة عن إدراك طبيعة العلاقات الدولية فغرقت في الدهشة والذهول. والسياسة العلمية لا تجيز الدهشة مهما جاءت الوقائع بعيدة عن المعقول. فالعقل هو الذي يكتنه المجهول ويدرك العلاقات السببية لتفاعلات الحياة الدولية. وعندما تغيب العقلانية تهيمن الرومنسية، وقد تستبد الانفعالية في توجيه ردود الأفعال: سخط غير مرشد على عربدة العنف المسلح من جانب احتلال ، وفي نفس الوقت يقلده ويستلهمه فيركل بالأقدام كل المعايير الإنسانية وقوانين الشرعية الدولية . لا تجد الانفعالية المعربدة في غياب التفكير والتفكير الاستراتيجي غير العنف المسلح تنفيسا عن الكرب. ويتكرر الفشل جراء المعالجة الانفعالية وردود الفعل الآلية فيشيع الإحباط واللاجدوى. المهم ان نزوية ردود الأفعال من جانب الفصائل، والفصيلين الأكبر لم تحقق قدرا ولو بسيطا من الاستقلال؛ وربما يجوز القول أنها الوصفة التي اختارها العدوان الإسرائيلي لتحقيق المزيد من التوسع الاستيطاني وعرقلة قيام الدولة الفلسطينية المستقلة. وضاعف من تعقيد الأمور أن بديل النضال الشعبي، أو نضال اللاعنف لم يثبت وجوده على الساحة. ربما أن العنف المسلح لم يترك الفرصة لديمقراطية التنظيم الحزبي، أو لديمقراطية العلاقات بين الفصائل ؛ واغفل مهمة تعبئة الجماهير وتنظيمها وتشكيل الحركة الشعبية للمقاومة. وهناك عامل آخر ينبغي عدم تجاهله . فالعنف المسلح اعتمد أسلوب العمليات العنفية الفردية ؛ والجماهير التي يعتبر الانتظار جزءا من ثقافتها الموروثة ، انتظار المخلص وانتظار المهدي والفادي، بينما هي قانعة بدور سلبي، عولت كثيرا على العمليات الاستشهادية المقرونة بموقف سلبي من جانب الجماهير. أسفرت الحالة المتواصلة زمنا غير قليل عن اتساع الفجوة بين الجماهير الشعبية وقوى التغيير الديمقراطي. لم تثبت قوى التغيير الديمقراطي وجودا لها على الساحة السياسية، وتواجدها الرمزي هو بعض بقايا لماض انكفأ وغاب . تجسدت وظيفة أنظمة الهدر ضمن هذا الائتلاف الثلاثي في إطلاق تداعيات داخلية في كل مجتمع عربي من شانها تقويض القوى الذاتية ، وهدر طاقات المجتمع. والدولة تحمل تأثيرا إيديولوجيا يشمل التفكير والسلوك والمثل والعلاقات الاجتماعية. فعَل الفساد والإفساد في النفسية الاجتماعية عامل التقويض الذاتي، مستظلا بالطغيان وتكميم الأفواه. واقع مأزوم اختلت فيه القيم والمعايير، حين بات الربح السريع هو القيمة العليا الموحية للسلوكات والمواقف والتطلعات؛ واستتبع ذلك تبخيس الأفراد والذات القومية والتنكر للمصلحة الاجتماعية. اندفع طوفان مرعب أغرق المجتمعات العربية بالتحلل الاجتماعي والابتذال، رفده إعصار ثقافة منحطة من الميديا الامبريالية استهدفت تدمير المراكز الأمامية للمقاومة دفاعا عن إنسانية الإنسان، دفعت الممانعة إلى نشدان الخلاص الفردي والحماية بالتدين السلبي والعبادات. ولا شك في ما قرره الدكتور طارق حجي ، العالم المصري، من أن "نظم الحكم الاستبدادية يلائمها المواطن المحلي الصرف والمنبت الصلة بالعالم الخارجي والذي يعتقد أن الحداثة هي الوجه الآخر للتبعية. فمواطن كهذا لن يؤمن أيضًا بأن الديمقراطية ثمرة الإنسانية وأنها منتج إنساني وحق إنساني، وليست بضاعة غربية للغربيين. فمن المؤكد أن هناك صورًا عديدة للديمقراطية .. ولكن من المؤكد أيضًا أنها كلها تتضمن آليات محاسبة تهبط بالحكام من أفق السادة إلى أفق خدمة المجتمع". وهبت بما يشبه المباغتة على المجتمعات العربية بشائر ربيع واعدة، أدخلت تغييرات حادة على المزاج الشعبي ولدت لديه الثقة بالذات وأذكت من جديد أشواق التحرر والتقدم والحياة الإنسانية. بزوال النظام المتواطئ ضد مصلحة مصر ومصالح شعوب المنطقة تبددت ضبابية الرؤية ، واتسع الأفق أمام الشعب الفلسطيني. جلبت النسائم الربيعية معها عناصر قوة داعمة للحقوق الفلسطينية المسندة بالقرارات الدولية، وبعثت من جديد طاقة عززت الإرادات الثورية وأحيت الآمال في الطاقات الكامنة لدى الجماهير العربية. بعثت الهبات الجماهيرية إلى العالم رسالة رد اعتبار للجماهير العربية بعد البيات الشتوي المديد. بانهيار نظام الطغيان في مصر برز الوجه المتألق لمصر قاطرة شعوب المنطقة، ونصيرها ، خاصة الشعب الفلسطيني.. غير أنه تتردد بكثافة لدى تقييم الثورات الشعبية أقاويل تقدس عفوية الثورات وعدم مشاركة القوى الحزبية المنظمة والواعية في انطلاقتها . ثم تبني على الأقاويل استنتاجات خطيرة. إن سرعة انهيار النظامين في تونس ومصر تعود إلى عزلتهما القاتلة عن الجماهير. فقد شلت أجهزة القمع أمام مليونية الهبات الجماهيرية المقدامة المنطلقة بأشواق رومنسية . أما بناء الجديد فيتطلب الوعي والتنظيم ، اللذين لا يوفرهما سوى القوى الطليعية المنظمة. الوعي الذي تدخله الأحزاب الإيديولوجية والمثقفون ضروري لترشيد وتوجيه خطى تجاوز مكائد الثورة المضادة المسنودة من الخارج ، والتي لم تفقد سطوتها الاقتصادية والثقافية، إلى جانب بناء الجديد على القديم الرث والمتخلف. جاء ربيع الشعوب العربية، مباغتا من حيث التوقيت والأسلوب حتى لأكثر العناصر وعيا وتفاؤلا. برهنت المظاهرات الشعبية السلمية بالمثال العملي الملهم أن التغييرات التي تحدثها حركة الجماهير أعمق وأكثر فاعلية من أي تغيير أحدثته الانقلابات العسكرية أو مظاهر القوة الأخرى. علاوة على أن القوى المعادية لم يكن أمامها سوى أن تشيد بتحرك الجماهير الشعبية ، وتمتدح تعلقها بالحرية. إضافة نوعية إلى الثقافة السياسية قدمتها الهبات الجماهيرية. وعلى هذه الثقافة أفاق جيل الشباب. وأكرر أن خطرا فادحا يكمن في تمجيد العفوية والتحرك المندفع برومنسية التوق إلى بديل ما ، بينما للتغيير شروطه الديمقراطية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. الوعي السائد أو الوعي العفوي يعكس هيمنة الطبقات المحافظة والرجعية. إن إنجاز التغيير يسبقه نقد الوعي السائد وتفكيكه وبيان تهافته، وذلك باعتماد شتى وسائل التربية والتثقيف والإعلام . ونتيجته تخليص الجماهير من هيمنة أعدائها المحافظين على أوضاع الاستلاب والتمايز الطبقي . ومن هذا المنطلق تتضح العلاقة الجدلية بين الديمقراطية والثقافة. المشاركة المتنامية للجماهير الشعبية في السياسة والثقافة يتم عبر المجالس والمؤسسات المدنية المتنوعة؛ يبرز التغيير الديمقراطي علما. ان إحدى الخصائص الأساس للحزب أو الفصيل الثوري تتجلى في قدرته على رفع الإدراك السائد العفوي ، وربما اللاواعي إلى إدراك منظم متماسك ومنسجم، يستوعب الظاهرات المتنافرة على السطح ضمن شبكة علاقات سببية ، ومن ثم توحيد الإرادات المتنافرة في إرادة عامة واحدة ومؤثرة. والتغيير لا يستقيم مفهومه إلا بتدشين مشروع حضاري ثقافي جديد يهدف إلى إبداع نمط جديد رفيع من الحياة الإنسانية، وروحية ثقافية جديدة، ونظام جديد من قيم التقدم. من هنا يبرز دور الثقافة والتعليم في عملية التطور التقدمي للمجتمعات البشرية. ربما تتجاوز انتفاضة شبابية مندفعة بطاقة رومنسية الأحزاب القائمة ؛ لكن على الجيل الصاعد في عالمنا العربي ، والفلسطيني بوجه خاص ، المتطلع إلى التحرر والتنمية والديمقراطية أن يدرك أن هذه المفاهيم والقيم التي تبدو مسلمات وحقوقا إنسانية أولية كانت مدار صراع فكري وسياسي حاد سقط خلاله الضحايا في أقبية التعذيب والمعتقلات، إلى أن استقرت كضرورات وجودية في الحياة الاجتماعية. الإنسان لا يكتفي بالتأقلم مع بيئته أو بالبحث عن البيئة الملائمة، وإنما يسعى أيضا إلى تغيير بيئته وفق مقاصده وأهدافه، أي يؤقلم بيئته وفق ذاته. وبالعمل ينشط الدماغ ويدرك العلاقات الكامنة في الوجود . الدماغ المتطور ثمرة العمل والممارسة ، ومن خلال العمل والممارسة يرى الممكن في ما هو قائم . وعلى قوى التغيير الديمقراطي أن تكون مستعدة للانطلاق مع الانتفاضة ترشيدها وتمدها بالوعي والتنظيم.
تكشفت مع الهبات الشعبية المليونية حالات وعي شقي تعيق تجاوز أوضاع القهر التي سادت حقبة طويلة، وينبغي التعامل معها من أجل تبديدها: << رضوض نفسية واختلالات فكرية متولدة عن أوضاع القهر والهدر. فقد أجبرت الجماهير على ابتلاع أوضاع الإهانة والازدراء وتبخيس الذات أفرادا وجماعات. << تغلغل الاستبداد والتعصب الزميت والتفرد بالرأي في الذهنية؛ تفاعل الآراء والحوار فيما بينها ضعيف ، بل معدوم. << عزوف عام عن التفكير في الأمور العامة وكسل في مجالات البحث والحوار. هذه الحالة شديدة الوقع على قوى التغيير الديمقراطي، وهي مصدر جمودها وتقهقر تأثيرها في الحياة الفكرية والسياسية. << غلبة الطابع خطابي على الثقافة. ومن التجليات السلبية لهذه الثقافة أن قوى التغيير الديمقراطي اكتفت بشتم النهج الاقتصادي للاحتلال وتركت شبابها يتسكعون في الشوارع ويعزفون عن العمل المنتج لتأمين قدر من الاكتفاء الذاتي من محصول الأرض. أغرق النضال الوطني في مبارزة الشعارات بدلا من تنظيم العناصر وتربيتها السياسية والعملية
ومضاعفة جاذبيتها للجماهير المحبطة، ومن فرط استلابها عزفت عن التفكير في شئونها الحياتية
بنية الثقافة الوطنية يقتضي استكمال بنية الثقافة الوطنية شحنها بقيم التقدم عبر مسارات أهمها ستة تتجلى في التوجهات التالية:
أولا، إشاعة الثقافة المدنية الديمقراطية في المجتمع من خلال تشجيع الانضمام إلى المنظمات الجماهيرية، النقابية ومنظمات المجتمع المدني، وبالتالي تنظيم الجماهير من أجل إدخالها في الحياة العصرية. ثانيا، الاهتمام بتربية المواطنين على تمثل حكم المؤسسات وسلطة القانون، والاسترشاد بقيم التسامح والحوار والغيرية و التعددية والنسبية وقبول الآخر وتقليص نفوذ "مُلاك الحقيقة المطلقة"، أصحاب الخطاب البلاغي على الحياة الروحية للجماهير من خلال منابر عديدة يحتكرون استخدامها؛ وتمثل قيم التقدم في الحياة اليومية وفي العلاقة بالآخرين. ثالثا، فرض الديمقراطية من القواعد الشعبية ، وذلك من خلال تأهيل ديمقراطي قوامه أن تتولى قوى التغيير الديمقراطي توجيه وتنظيم هيئات المجتمع المدني توجيها ديمقراطيا كأداة لاستنهاض طاقة الجماهير الكفاحية وتشكيل الحركة الشعبية للتغيير. ويتم هذا من خلال تدريب المواطنين عمليا علي الممارسة الديمقراطية، لدى إدارة الهيئات الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني، وفي المقام الأول تنظيم نشاط أحزاب التغيير الديمقراطي على أسس الديمقراطية. من خلال العمل في منظمات المجتمع المدني يكتسب المواطنون خبرة المحاسبة على التنفيذ، وتجاوز الخطابات البلاغية، واختيار الأفضل لتولي المسئولية، وتغيير هيئات الإدارة باستمرار وإدخال عناصر شابة باستمرار في الهيئات الإدارية وتقديم الحساب عن العمل العام . ومن خلال ديمقراطية التنظيم الحزبي يستلهم الناس مثل الديمقراطية وقيمها ومعاييرها، وتتضاعف جاذبية أحزاب الديمقراطية في نظر الجمهور. إن وعي الحزب وتنظيمه يضاعف من قوة تأثيره. رابعا فرض قيود على أنشطة الأمن المحلي وإقرار ميثاق وطني يصون الحريات العامة ويحترم كرامة الأفراد، خاصة لدى التعامل مع أجهزة السلطة، و لدى مراجعة مراكز الأمن والدوائر الرسمية ووضع الأجهزة الأمنية تحت مراقبة الأجهزة القضائية والتشريعية. فكرامة المواطن مكون أساس في الكرامة الوطنية والكرامة القومية. خامسا إدخال إصلاح ديني يصفي الأمية الدينية المنتشرة في الوعي الشعبي والموروثة عن حقب الاستبداد وتسلط فقهاء السلاطين. ويشمل الإصلاح مناهج التعليم الديني وأساليبها ، بحيث لا يعزل طلبة المعاهد الدينية عن حياة المجتمع ولا تنغلق عقولهم عن الثقافة الإنسانية ومنجزات العلم . سادساً: تحديث المجتمع، يتم من خلال تحديث التعليم وضمان مجانيته، وتحديث الرعاية الصحية والخدمات العامة، وتحديث المؤسسات وبناؤها على أساس الفاعلية والخبرة.من المؤسف أن قوى التغيير الديمقراطي لا تعير الاهتمام الواجب بالعملية التعليمية ولا تضع في برامجها بند تحديث العملية التعليمية. التربية السليمة تبدأ من الصغر في مراحل الطفولة؛ وبذا فإحدى المهام العاجلة تقتضي إدخال أساليب وبرامج جديدة تطرد الأساليب والقوالب المنهاجية في النظام التربوي ، والموروثة عن السيطرة الكولنيالية المباشرة.
يتحدثون عن أضلاع أربعة لعملية التعليم( المدرسة والكتاب والتلميذ والمعلم) وينسون واحدا ربما يشكل مفتاح رسالة التغيير الاجتماعي الواجب أن تضطلع بها العملية التعليمية. وهذا الضلع، والأدق البوتقة التي يتم فيها بلورة المواهب والكفاءات العملية ، يتمثل في وضع الأجيال الناشئة ضمن ثقافة إنسانية تنطوي على القيم الإيجابية، او ما بات يعرف بقيم التقدم. فلا ينفع المجتمع مثقف منغلق على الذات لا يدرك أن كفاءته العلمية والعملية ثروة وطنية ينبغي أن تسهم في تقدم المجتمع ورفعة شأنه. وكيف تقدر قيمة المعرفة في مجتمع يعتمد الفهلوة والتزلف ويقدم فيه الولاء على الإنجاز ؟! و كيف ننشئ جيلا بانيا للحياة الجديدة حين يكون الغش والتدليس نمط أداء المهام ، والتكاذب والتعتيم المتبادل أسلوب التعامل بين مراتب السلطة السياسية؟ الثقافة المجتمعية أو فلسفة الحياة بعد هام من أبعاد العملية التربوية. والقيم الاجتماعية تشكل الإطار التي تتبلور داخله مدخلات التعليم. مجتمعاتُ العصر في حاجةٍ لمواطنٍ خلاقٍ وتنافسي ومبدعٍ ويعمل في إطارِ فريقِ عملٍ ، ويتوخى أن يكون قادرًا على المنافسة بما توفر لديه من قدرات عملية . . كان المنور خليل السكاكيني قد أدخل إلى منهاج التدريس بند تعليم الحرية؛ وحث على ضرورة احترام شخصية الطفل وعدم تخويفه أو تعريضه لأوضاع مهينة. غير أن تراث السكاكيني وتراث الفكر التنويري غيب تحت أنقاض النكبة الفلسطينية. وبدل التفكير العقلاني هيمنت العفوية والارتجال والتدريس التلقيني . العفوية فوتت الكثير على النضال الفلسطيني؛ وهي تتمرد على المعرفة العلمية وتعطل عمليات التنظيم والتخطيط ، ناهيك عن التفكير الاستراتيجي. يحدث هذا ونحن نواجه الاستيطان الاقتلاعي يستشرف مستوى رفيعا من التخطيط والتنظيم والتفكير الاستراتيجي.
#سعيد_مضيه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الامبراطور أوباما عاريا
-
رضاعة النازية مراجعة نقدية لمسيرة بائسة (2من2)
-
رضاعة النازية .. مراجعة نقدية لمسيرة بائسة
-
أمية الدين أداة هدم وتدمير بيد الثورة المضادة
-
تحفات القاضي المصري والبحث التاريخي
-
مع رواية - قمر في الظهيرة- لبشرى أبو شرار:بشرى تستشرف ثورة ا
...
-
من سيقرر مصائر الثورات العربية
-
مع كتاب إيلان بابه التطهير العرقي في فلسطين 2
-
التطهير العرقي في فلسطين / إيلان بابه (الحلقة الأولى)
-
لموطن الأصلي للتوراة 3
-
ردة غولدستون
-
الموطن الأصلي للتوراة(2من)3
-
الموطن الأصلي للتوراة
-
مع شلومو ساند في كتابه اختراع الشعب اليهودي
-
يسفهون الرواية الصهيونية
-
مع البروفيسور شلومو ساند في كتابه اختراع الشعب اليهودي حلقة
...
-
كيث واينلام في كتابه اختلاق إسرائيل القديمة إسكات التاريخ ال
...
-
أعمدة سرابية لهيكل الأبارتهايد
-
تتهتكت الأقنعة
-
مصر القاطرة
المزيد.....
-
-لا يتبع قوانين السجن ويحاول التلاعب بالشهود-.. إليكم ما نعر
...
-
نظام روما: حين سعى العالم لمحكمة دولية تُحاسب مجرمي الحروب
-
لأول مرة منذ 13 عامًا.. قبرص تحقق قفزة تاريخية في التصنيف ا
...
-
أمطار غزيرة تضرب شمال كاليفورنيا مسببة فيضانات وانزلاقات أرض
...
-
عملية مركّبة للقسام في رفح والاحتلال ينذر بإخلاء مناطق بحي ا
...
-
إيكونوميست: هذه تداعيات تبدل أحوال الدعم السريع في السودان
-
حزب إنصاف يستعد لمظاهرات بإسلام آباد والحكومة تغلق الطرق
-
من هو الحاخام الذي اختفى في الإمارات.. وحقائق عن -حباد-
-
بيان للجيش الإسرائيلي بعد اللقطات التي نشرتها حماس
-
اختتام أعمال المنتدى الخامس للسلام والأمن في دهوك
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|