|
الوحدة الوطنية أم الوحدة المدنية..؟
جهاد نصره
الحوار المتمدن-العدد: 1008 - 2004 / 11 / 5 - 11:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في الوقت الذي يقطع فيه الآخرون خطوة جديدة في طريق التمازج الحضاري المدني آلما فوق وطني ( دول أوروبا )، فإن القوى السياسية التقليدية السورية، وهي تاريخية ومتضائلة على طول الخط، مترادفاً معها من هبَّ ودب من الذين أدمنوا فعل التنظير المجرّد من حيوية الحياة، ومن غير أية إنجازات فكرية متجددة على مدى العقدين الماضيين اللهم سوى من أناشيد الوحدة الوطنية،بله القومية،فإن الغالبية، وهو ما يدعو للاستغراب ولليأس في الوقت نفسه، من مجموع أولئك المتصدين للشأن العام، يستمرون في إنتاج، وإعادة إنتاج مقارباتهم لمختلف قضايا البلاد المتشعبة، والشائكة، على نفس المنوال.. وبذات العقلية..! بل يمكن القول: إنهم يغوصون أكثر فأكثر في خطابٍ انعزاليٍ منغلق، ( بالضد من توجهات السلطة مؤخراً ) ملتحفين مفاهيم، وأفكار مشتقة من إيديولوجيات القرن الماضي، تلك الإيديولوجيات التي لم تعد صالحة للاستهلاك في هذا القرن الجديد وذلك منذ أن فقدت صلاحيتها، وبان ذلك واضحاً وضوح الشمس على أرض الواقع من خلال ما آلت إليه تجارب الشعوب الأخرى ..!. حشوة هذا الخطاب الأيديولوجي بامتياز، تقوم على استثارة العواطف، وإدرار المشاعر، وإشعال متواصل لفتيل الحماسة الوطنية، وتكريس النظرة القيمية الأخلاقية في التعاطي السياسي في زمن المصالح وحدها لا شريك لها..! ومن أجل كل هذا يجب أن يظل الوطن في حالة استنفار فهو في وضع استثنائي، وفي حالة خطر داهم لأنه مستهدف من الأخر الطماع، والأخر ( وهو الغرب دائماً وأمريكا على وجه الخصوص ) لا يمكن أن يرتدي سوى ثوب المستعمر..! وهذا يعني أنه لا يفكِّر إلا في الكيفية التي ينهب فيها البلاد، والطريقة التي يسيطر فيها على الشعب.. ولكون كافة المسائل يُنظر إليها من هذا المنظور الإيديولوجي السلفي، فإنه يصبح من الضرورة الكلام المستديم عن وحدة وطنية ( لا يغلبها غلاب )، وجبهة داخلية متراصة،وحائط فولاذي، وكثير من الاستعارات المناسبة والمأخوذة من القاموس الإيديولوجي الحربي..! وكل هذا العزف كما هو معروف، لم ينتج وحدة وطنية، ولم يساعد بل لم يسمح بتفعيل مسيرة البلاد للالتحاق بركب الحضارة وهذا لا يمكن حدوثه من غير التعامل المفتوح والمباشر مع الأخر حيثما كان، وهذا هو حال ومسعى مختلف شعوب العالم المعاصر التي تخلَّصت تعبيراتها السياسية، ومفكروها على اختلاف مشاربهم المعرفية، من عقد الماضي..! تماماً هذا هو عين ما يفعله المتدينون، والمحكومين بالموروث الديني الذين يفتقدون العقل النقدي القادر على التجدد المستمر فيركنون إلى الثبات.. ثبات ما يسمونه: المبادىء ..ثبات المفاهيم.. ثبات الشعارات..ثبات الخطاب..ثبات الحواس في زمن متحرك.. متجدد و متسارع..! الوحدة الوطنية بالصيغة المتغنى بها، لا تختلف في شيء عن الوحدة الإسلامية التي يتغنى بها الإسلاميون فالوحدتان إنتاج عقل ماضوي غير نقدي لا يرتقى لمصاف وحدة وطنية حقيقية تلك الوحدة التي ليس فيها غالب أو مغلوب..أكثرية وأقليات.. دين أو مذهب رئيسي و أديان أو مذاهب ثانوية.. ذكور فطاحل ونساء إماء.. وجوهر الوحدتين المذكورتين لا يمكن أن يكون إلا تعسفياً، وقسرياً، واقصائياً، فالخلفية الإيديولوجية لكلا الحالتين، لا تنتج غير عمليات دمج أو إلحاق..تذويب أو تعريب..إقصاء أو إلغاء..! لم يعد خافيا ما آلت إليه كل دعوات الحوار الهادف للتقريب بين الأديان والمذاهب، بين الأكثرية والأقليات، بين السلطة والأحزاب..! لقد اتضحت عبثية تلك الحوارات، والمناظرات.. وليس معقولاً أن يستمر هدر الوقت بعيداً عن الاقرار بأن المستحيل يبقى مستحيلاً..فميزان العقائد هو الغيب وحده، وشماعة الوحدة الوطنية لا تضيف حوافز سحرية لهذه الإشكالية الإيمانية..ومن الطبيعي أن يظل الناس عند معتقداتها، لكن أن يظل الوطن بعيداً عنها فالله وحده وليس الوطن هو الناظم، وهو المرجع، وهو الذي سيحاسب عبيده لكن كل هذا ليس في الحياة الدنيا التي باتت تتطلب وحدة مدنية ناظمها وجوهرها دستور مدني يكفل حريات الناس في عقائدهم أو عدمه..! و في ممارسة شعائرهم أو لا تدينهم، ولا ينحاز لهذا الدين أو ذاك ..أو لهذا المذهب أو ذاك .. أو لهذه الأكثرية أو تلك الأقلية..! وهذا يعني بالضبط إعادة الأمور إلى نصابها: الأديان إلى المساجد، والكنائس، والمعابد.. ومنظومة الدولة إلى مهامها الدنيوية المحض.. فربما يكون هنا بالضبط مفتاح الدخول المشرِّف من بوابة الوطن الحقيقي، والوحدة المدنية المفتقدة وعندها قد يكون ممكناً السير باتجاه المستقبل حيث يسبقنا الآخرون منذ زمنٍ طويل.. وحول إمكانية السير نحو ذاك الدستور يجب أن ينصب الحوار، وأن تتمحور الجهود، وأن تتجه الأنظار. توضيح واجب : مناسبة هذا الحديث هو ملتقى الوحدة الوطنية الذي دعا إليه السيد –قدري جميل-زعيم جماعة قاسيون الفصيل المتشظي من تركة الأب الروحي –بكداش- وكما هو معروف، فهو من المغرمين بكل أنواع الوحدات اللفظية بعد أن ثبت فشل الاستمرار في أصغر وحدة ممكنة وهي مع حماته الفاضلة وصال فرحة زعيمة شيوعيي الرفيق الراحل خالد بكداش..وهو في الوقت الذي يرى فيه استحالة ما دعا إليه منذ سنوات أي منذ أن انشقَّ عن حماته وكان قد دعا ولا يزال إلى وحدة الشيوعيين السوريين الذين انشقوا عن بعضهم لاستحالة استمرارهم متوحدين بسبب التباينات الفكرية المتزايدة وهي حالة صحية..! فإنه أثبت عبثية ووهم ما يدعو إليه حين ألقى في الملتقى المذكور مداخلة اقصائية وليست وحدوية حذَّر فيها من تسلل بعض [ الليبراليين السوريين ] إلى نسيج الوحدة المتوهمة أي أنه يريد وحدة وطنية جداَ لكن من غير هذا الصنف المارق : الليبراليين..! وطبعاً يريدها أيضاً من غير العولميين..! وقد شاركته داعية الوحدة الوطنية الإستئصالية السيدة –مّي الرحبي - في العزف على نفس الربابة الاقصائية فهي أيضاً تريد وحدة وطنية زائداً مجتمع مدني لكن بدون الليبراليين العملاء وبتُّ لا أعرف أين سنندحش نحن الليبراليين الخونة عندما ينجزون وحدتهم الوطنية الكرتونية،زائداً مجتمعها المدني ( مطلبها وليس مطلبه ) ..؟! ومن المناسب التذكير أنه كلما علا صوت أصحاب هكذا عقل وحدوي بالمرة، حدث على الأرض ما يدعوهم إلى إعادة النظر في صلب وجوهر الأطروحة الوطنية القماشية التي يلبسونها ولكن هيهات أن يفعلوا..! ففي الأمس، اشتبك في القامشلي العرب والأكراد.. واليوم يشتبك العرب والآشوريون في الحسكة.. ولكن نحن واثقون أن ما حدث ويحدث من وقائع على الأرض، لن يغير من الأمر شيئاً عند دعاة مثل هذه الوحدة الوطنية السحرية..! ويدلِّل على هذه الحقيقة فشلهم الذريع حتى في صون الوحدة العائلية بله الأحزاب التي ذرروها ..! وذلك لأن قانون الثبات وحده هو الذي يحكم هذا النمط من التفكير.. وقد يكون كافياً لاستنتاج مثل هذا الحكم المؤلم، إذا ما تذكرنا إطروحات، و ممارسات، ونتائج هؤلاء الدعاة خلال ثلاثة عقود انقضت.. وكأنها لم تنقض..! لكن كل هذا لا ينسينا أن ننحني أمام التضحيات الجسيمة التي قدمها الشباب في قواعد تلك الأحزاب. 2/11/2004
#جهاد_نصره (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
غربلة المقدسات -30-
-
غربلة المقدسات -29-
-
غربلة المقدسات -28- الصلب والجزّ في التاريخ الإسلامي
-
حزب الكلكة يفتي بتطليق زوجات شيوخ التكفير
-
البوليس الثقافي
-
التجمع الليبرالي في سورية: وقفة تأمل-2-
-
التجمع الليبرالي في سورية: وقفة تأمل -1-
-
وجه فرنسا القبيح..مجدداً
-
معاوية : أول المورِّثين العرب
-
الضربة السورية القاضية
-
غربلة المقدسات -26-
-
متعة الحرية في كوردستان العراق
-
حول العمل والإصلاح: سورية نموذجاً
-
أفسحوا الطريق ..! الحزب وصل
-
ميخائيل عوضْ عوى أم قبض..؟
-
بمناسبة احترام الدستور اللبناني ضوء على بعض مواد الدستور الس
...
-
غربلة المقدسات-25- الجفر
-
غربلة المقدسات -24- الجفر
-
غربلة المقدسات -23- الشريف عليه السلام
-
دستور يا مولانا..الدستور..؟
المزيد.....
-
في ظل حكم طالبان..مراهقات أفغانيات تحتفلن بأعياد ميلادهن سرً
...
-
مرشحة ترامب لوزارة التعليم تواجه دعوى قضائية تزعم أنها -مكّن
...
-
مقتل 87 شخصا على الأقل بـ24 ساعة شمال ووسط غزة لتتجاوز حصيلة
...
-
ترامب يرشح بام بوندي لتولي وزارة العدل بعد انسحاب غايتس من ا
...
-
كان محليا وأضحى أجنبيا.. الأرز في سيراليون أصبح عملة نادرة..
...
-
لو كنت تعانين من تقصف الشعر ـ فهذا كل ما تحتاجين لمعرفته!
-
صحيفة أمريكية: الجيش الأمريكي يختبر صاروخا باليستيا سيحل محل
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان مدينة صور في جنوب لبنا
...
-
العمل السري: سجلنا قصفا صاروخيا على ميدان تدريب عسكري في منط
...
-
الكويت تسحب الجنسية من ملياردير عربي شهير
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|