|
اطفال المخيم
خالد منصور
عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني
الحوار المتمدن-العدد: 1008 - 2004 / 11 / 5 - 11:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
سألني ابني الصغير سيف وهو الذي لم يتعدى الثامنة من عمره : لماذا لم يأتي الجيش إلى المخيم يا ابي ..؟؟ أنا كنت بانتظار قدومه منذ ساعات الظهر وحتى آذان المغرب ولم يأتي .. ونفس الشيء فعلت بالأمس .. فماذا افعل ..؟؟ فقلت له ولماذا تنتظر قدوم الجيش ..؟؟ فاجاب حتى أشارك مع الشباب في رشق الحجارة !! فقلت له ولماذا تضرب الجيش بالحجارة فقال مستهجنا سؤالي : لانهم يهود .. ولانهم يقتلون الناس !! فقلت له ألا تخاف أن يصيبوك بالرصاص فقال : لا .. فأنا اضربهم واركض في أزقة المخيم وهم لا يستطيعون اللحاق بي لانهم يخافون دخول الأزقة وكل أولاد المخيم سيشاركون معي في الضرب . لم استغرب هذا الكلام من ابني الذي يختار بالعادة ألعابه دوما على شكل بنادق ومسدسات بلاستيكية .. وتكون لعبته المفضلة مع أقرانه في الحارة هي نفس اللعبة التي كنت أنا العبها في طفولتي قبل أربعين عاما – لعبة عرب ويهود – … فكل أطفال المخيم وكل شبابه يكونون يوميا بانتظار مرور الجيش على الشارع الرئيسي المحاذي للمخيم .. ويقومون بقذف سياراته بالحجارة وبكل ما تقع أيديهم عليه من زجاجات فارغة وقضبان حديد .. وما أن يلمح الأطفال سيارات الجيش من على بعد كيلومترين ، حتى يبدأ الصخب ، ويدب النفير في المخيم ، ويسارع الأطفال للتجمهر في منطقة السوق متحفزين مستنفرين .. يتوافدوا من كل النواحي والأزقة ،ويتجمعوا عند الشارع الرئيسي ، ويعلو صراخهم ( صرصور وعزيزة.. صرصور وعزيزة ) -- وهي الأسماء التي أطلقوها ومنذ سنوات الانتفاضة الأولى على سيارات الجيب العسكرية الصغيرة وعلى ناقلات الجند المتوسطة -- وكل واحد من الأطفال يحمل بيديه أسلحته الخاصة - وهي عبارة عن حجارة صغيرة وأخرى كبيرة ، واحيانا يحملون زجاجات مليئة بالزيت المحروق ، أو الدهان أو الشّيد وقد تكون مليئة بالمياه القذرة الآسنة ، لانهم وبتجربتهم الخاصة أيقنوا أن حجارتهم لا تلحق ضررا حقيقيا بسيارات الجيش المصفحة تصفيحا جيدا ، ولذلك فانهم يصرون على التنغيص على الجنود ومضايقتهم بأي شكل من الأشكال ، بل وحتى إلحاق الإهانة بهم .. وقد وصلت الجرأة والتحدي بهم إلى ملاحقة الجيش لمسافات طويلة تبلغ عدة كيلومترات بعيدا عن المخيم ،ورشقهم هناك بالحجارة ، كما ويقومون ببناء المتاريس الحجرية ويشعلون إطارات الكاوتشوك لاعاقة تحرك القوات العسكرية للجيش .. وفي بعض الأحيان يغلقون الشارع الرئيسي ، لاجبار الجيش على الدخول إلى المخيم ،حتى يخوضوا معه معركة حامية ويواجهوه عن قرب داخل أزقة المخيم الضيقة .. وفي كل مرة يسقط بعض الأطفال جرحى بالرصاص الحي والمطاطي بل وقد استشهد في المخيم نتيجة مثل هذه المواجهات سيدة متوسطة العمر وطفل صغير .. والاثنين سقطوا شهداء نتيجة اختناقهم بالغاز السام الذي يستخدمه الجيش لتفريق راشقي الحجارة .. – هذا عدا اثني عشر شهيدا سقطوا كمقاومين في مواجهات عسكرية بالإضافة إلى اثني عشر شهيدا آخر كانوا قد سقطوا في الانتفاضة الأولى -- ودائما - بعد المواجهات التي تستمر أحيانا لساعات - يعود الأطفال إلى بيوتهم فرحين بأنهم شاركوا بالمواجهات ، ويستمتعوا بالتحدث عن أدوارهم وبطولاتهم ، وعن مغامراتهم وجرأتهم وتحديهم للمخاطر .. ويفكروا بتطوير أساليب مقاومتهم ، وبأشكال وتكتيكات جديدة سيقومون باستخدامها في المرات القادمة .. ولكن بعض الأطفال والشباب لا يكتفون بما فعلوا ، بل يستمروا بالتواجد على جانب الشارع الرئيسي بانتظار مرور سيارات الجيش إلى ساعات متأخرة من الليل .. .. ويقول أحد سكان المخيم المجاورين للسوق التجاري المحاذي للشارع الرئيسي انه أفاق في أحد الليالي ونظر من شرفة منزله فإذا بمجموعة من الأطفال نائمين على درج جامع المخيم وبايديم حجارة وزجاجات فارغة .. فادرك انهم ناموا بعد أن غلب عليهم النعاس وهم ينتظرون مرور الجيش ليشتبكوا معه … لا عجب في ذلك فمخيم الفارعة مخيم فلسطيني تربى أطفاله على الحقد على إسرائيل التي اغتصبت أوطانهم وسببت لهم التشرد واللجوء والمعاناة .. مخيم أقيم وبجانبه كان معسكر لفرسان الجيش الأردني .. وهو المعسكر الذي تحول في زمن الاحتلال الإسرائيلي إلى سجن رهيب ، عانى وتعذّب في زنازينه عشرات آلاف الشبان الفلسطينيين ، وكانت أنّاتهم وآهاتهم يسمعها كل ليلة جزء كبير من سكان المخيم … مخيم يعيش سكانه وهم يحملون اسم لاجئين .. بؤر للفقر والبؤس والحرمان .. البطالة تأكل الرجال .. واكتظاظ المساكن يخلق اكثر من أزمة سكانية أو اجتماعية أو نفسية .. لا مرافق عامة ، لا ساحات ولا حدائق ، لا مراكز ثقافية أو فنية ..الفراغ يشكل المساحة الكبرى من حياة الأطفال والشباب .. ولذلك ولكل هذه الأسباب ( السياسية والاقتصادية والاجتماعية ) ولشعور اللاجئ نفسه بأنه في غربة ،وبان المحيط من حوله ينظر إليه كمواطن فلسطيني مختلف .. فان أهم الصفات التي تلازم عموم سكان المخيم ، وشبانه وأطفاله على وجه الخصوص ، هي النزوع الدائم نحو العنف والتمرد .. تمردوا على المحتل أولا وكانوا جمرة متقدة لا تنطفئ أبدا .. ثم تمردوا بعدها على كل شيء .
خالد منصور عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني مخيم الفارعة – نابلس – فلسطين 4/11/2004
#خالد_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وقفة مع الذّات الفلسطينية
-
السمات الخاصة بمجتمع اللاجئين الفلسطينيين
-
غياب الرئيس .. ؟؟ التحديات والاسئلة الصعبة
-
شركاء في المسؤولية
-
عفوا معالي الوزير
-
من قصص المعاناة الفلسطينية .. يوم في حياة موظف
-
زيتنا احمر
المزيد.....
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
-
-استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله-
...
-
-التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن
...
-
مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|