|
وهم دولة الإسلاميين المدنية
جوزيف بشارة
الحوار المتمدن-العدد: 3379 - 2011 / 5 / 28 - 23:53
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في مؤتمر جماهيري عقده المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين بمدينة دمنهور في التاسع عشر من أبريل الماضي وحضره أكثر من 25 ألف شخص، أكد الدكتور محمد بديع أن الإسلام لا يوجد فيه شيء اسمه دولة دينية، وإنما دولته مدنية مرجعيتها القرآن والسنة. جاء إعلان بديع في وقت ارتفعت فيه حدة الأصوات المصرية الرافضة للدولة الدينية والمعارضة لتطبيق الشريعة الإسلامية. لم تختلف تصريحات مرشد الإخوان عن ما تروج له الغالبية العظمى من مشايخ الإسلاميين، بمختلف انتماءاتهم التنظيمية والفكرية، بشأن عدم وجود دولة دينية في الإسلام. ولا يكف المروجون للدولة ذات المرجعية الإسلامية عن التصريح برفضهم لنموذج الدولة الدينية التي وجدت في أوروبا في العصور الوسطى التي لعب فيها الفاتيكان دوراً سياسياً بارزاً. ويبرر الإسلاميون زعمهم بأن لا دولة دينية في الإسلام بالتأكيد على أن الحاكم في الدولة الإسلامية وكيل عن الأمة وليس وكيلاً عن الله، وأن لا سلطة سياسية للمسجد أو لرجال الدين في الإسلام.
لا تبدو حجج الإسلاميين بعدم وجود دولة دينية في الإسلام منطقية ومقنعة على الإطلاق. مبررات الحكم بضعف حجج الإسلاميين كثيرة، إذ كيف تكون هناك دولة إسلامية من غير أن تكون دينية؟ وكيف تكون إيران، على سبيل المثال، دولة إسلامية ولكن غير دينية؟ وكيف تكون الدولة التي تطبق الشريعة الإسلامية غير دينية؟ وكيف تكون الدولة التي دستورها أو مرجعيتها القرآن وملهمها الرسول دولة غير دينية؟ وكيف تكون الدولة التي تبحث عن حلول لكل قضاياها ومشكلاتها في القرآن والأحاديث والسيرة دولة غير دينية؟ حجج باطلة وواهية وغير عقلانية يرددها الإسلاميون الذين لا يجدون حرجاً في الدعوة لتطبيق الشريعة الإسلامية، ولا يتورعون عن الدعوة لإقحام الدين في كل مناحي الحياة كما أشار المرشد العام للإخوان المسلمين، في نفس المؤتمر الذي عقده بدمنهور، بقوله أن الجماعة تقدم تجربة تؤكد شمولية الإسلام الذي يتضمن الإقتصاد والسياسة والإجتماع والرياضة، ففيه تناقش كل قضايا الأمة ومشاكلها على ضوء من القرآن والسنة.
لست أعتقد بأن الإسلاميين يجهلون أن المخاطر المترتبة على الحكم بقانون ديني أكبر بكثير من تلك المترتبة على حكم رجال الدين. دعونا نضرب مثلاً بالنظام الثيوقراطي التى وجد في أوروبا في القرون الوسطى. لم يستند ضلوع باباوات روما في السياسة على أية أسانيد كتابية/إنجيلية على الإطلاق لأن الكتاب المقدس يفصل تماماً العقيدة عن السياسة، لكن ولع رجال الكنيسة بالسلطة كان الدافع الأول والأخير للخوضهم غمار العمل السياسي. ولذا لم يجد الأورويون غضاضة، حين سنحت لهم الفرصة، في مواجهة رجال الكنيسة ، بل ونجحوا، حين تمت توعيتهم بالتعاليم الحقيقية للمسيحية، في التخلص تماماً من نفوذ الباباوات. لم تؤثر تطلعات الأوروبيين للحرية بالسلب على المسيحية كعقيدة لأنه لم يوجد تعارض بين المسيحية والحرية. إقتصر التأثير السلبي على المؤسسة الكنيسة بعد أن تلطخت سمعتها بسبب الدور السياسي السيء الذي لعبته.
وإذا كان الإسلاميون يفخرون بأن دولتهم تحكمها قوانين دينية وليس رجال دين، على عكس ما حدث في أوروبا في القرون الوسطى، فإن فخرهم ليس له أساس لأن الشرع الديني الذي يريدون تطبيقه سيقف حجر عثرة أمام مباديء حقوق الإنسان والحريات العامة، فما يحرّم ويحلل هو الشرع الديني وليس الحاكم، وما يفصل بين المواطنين هو الشرع الديني وليس الحاكم، وما ينفي عن الأقليات حقوقهم هو الشرع الديني وليس الحاكم، وما يوقف عجلة التقدم والتطور ويجعل الإنسان ينظر إلى الوراء ويعبد الماضي هو الشرع الديني وليس الحاكم، وما يحوّل العلاقة بين الإنسان وربه إلى قوانين ومنظومات وشرائع ولوائح معقدة ومقيدة للحريات هو الشرع الديني وليس الحاكم.
ولعل هذا يؤكد على أن الأمر يختلف بشكل جوهري في الدولة الإسلامية، أو الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية كما يحلو للإسلاميين تسميتها، عنه في الدولة الأوروبية التي كان للبابوات فيها نفوذ سياسي كبير. فالفارق بين أوروبا في القرون الوسطى والعالم الإسلامي في القرن الحادي والعشرين هو أن من كان يحكم في أوروبا إدّعوا أنهم يمثلون الله من دون أن يستندوا إلى نصوص دينية يقدسها المسيحييون. أما في العالم الإسلامي فمن يحكم طبقاً للشريعة الإسلامية فهو يستند إلى نصوص دينية يقدسها المسلمون. القضية في أوروبا الوسطى كانت رجال دين طمعوا في السياسة وكان من الطبيعي، بالتوعية والتعليم، أن يتم التخلص من سلطانهم ونفوذهم. أما في الدول الإسلامية فالقضية أكثر تعقيداً لأنها ترتبط بجماعات و أفراد يطمعون في السلطة ويعتقدون، مستندين إلى نصوص دينية، أن عليهم تطبيق الشرائع التي يقدسونها.
لم تدخل المسيحية كعقيدة في معركة مع الحريات الإنسانية في أوروبا. حتى وإن كان الباباوات دخلوا في معارك طاحنة مع الراغبين في الحرية فإنهم ،الباباوات، لم يكونوا يمثلون العقيدة، بل كانوا يمثلون أنفسهم، وأنفسهم فقط، لأنه لم تكن هناك أسانيد كتابية/إنجيلية لأدوارهم السياسية. أما في الدولة الإسلامية فالمعضلة خطيرة لأنه بتطبيق الشريعة الإسلامية بكل القيود التي تضعها فإنها تدخل في صراع مباشر مع الحريات الإنسانية. العقبة أمام الحقوق والحريات في الدولة الإسلامية ليست رجل دين ولكنها الشريعة الدينية التي تقول أن الخروج عنها يعد كفراً ورجوعاً إلى الجاهلية وردة عن الإسلام. وربما يؤكد هذا التعارض والتناقض الشديدين بين الشريعة والحرية.
قضية الدولة الدينية أمر خطير ولا يجب الاستهانة به ولا يمكن أبدا القبول بحجج الإسلامين فيه. الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية ليست إلا وهماً كبيراً يروج له الإسلاميون لإزالة مخاوف الرأي العام. لا يمكن أبداً أن تقوم الدولة المدنية على أسس دينية. الدولة المدنية يجب أن يكون دستورها مدنياً وليس دينياً، عاماً وليس خاصاً، جامعاً وليس مقسماً، شاملاً وليس عازلاً. الدولة المدنية تعلي قيم القانون المدني، وتصون الحريات، وتقدس حقوق الإنسان، وتساوي بين مواطنيها ولا تستخدم الدين ولا تميز بين مواطنيها على أساس الدين، ولا تفرض زياً معيناً على المرأة، ولا تمنع أحداً من تولي المناصب القيادية.
قد ينخدع البسطاء في دولة الإسلاميين المدنية، ولكن الأمر بالنسبة لمن يعرفون وسائل وغايات الإسلاميين في الحكم واضح تماماً. الإسلاميون يتلاعبون بالمصطلحات ويسعون لإعادة تعريف الدولة الدينية بغرض تحقيق مكاسب لجماعاتهم، وتهيئة وتهدئة مخاوف الرأي العام. يعي الإسلاميون أن لا فارق بين الدولة الدينية والدولة ذات المرجعية الدينية، ولا فارق بين الدولة التي يحكمها القانون الديني والدولة التي مرجعيتها القانون الديني. من المؤكد أن الإسلاميين سيفشلون في محاولتهم إعادة تعريف الدولة الدينية بما يتفق مع رؤاهم المغلوطة. سيفشل الإسلاميون لأنهم لن يستطيعوا إنكار أن دولتهم تطبق القوانين الإسلامية لا القوانين المدنية، وأن دولتهم تبيح ما يتفق مع الإسلام وتحرم ما يختلف معه، وأن دولتهم لا تفصل الدين عن الدولة، وأن دولتهم تصنف البشر بناءً على عقيدتهم، وأن دولتهم تلغي المواطنة وتأخذ فقط بالانتماء الديني.
#جوزيف_بشارة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أزمة إمبابة بين عجز وفشل المجلس العسكري وإرهاب وكذب السلفيين
-
صول-أطفيح وشرع الله ومصر المأسوف عليها
-
القوات المسلحة وشرعية الميدان وهيبة الدولة المصرية
-
لماذا استبعدت جورجيت قليني من التعديل الوزاري؟
-
العمرانية... الشرارة الأولى لثورة شباب مصر
-
مذبحة كنيسة القديسين طائفية جذورها داخلية
-
آلام مسيحيي العراق في عيد الميلاد
-
مأساة العمرانية دليل إدانة للحكومة المصرية
-
الجريمة في مصر والضحايا في العراق
-
لماذا تنكر الحكومة المصرية مذبحة نجع حمادي الطائفية؟
-
نفي المسيحيين في أوطانهم
-
دور حركة حماس في المغامرات الإسلاموية في الدول العربية
-
أحداث غزة بين المحرقة الحمساوية والإعلام العربي المضلل
-
وسام الحذاء بين الحرية المنشودة والوعي الغائب
-
هل يخذل باراك أوباما الشعب الأمريكي؟
-
من يصدق ذئباً يدّعي بطش فريسته؟!
-
أحدث طرائف محمود أحمدي نجاد
-
دور تأويل النصوص المقدسة في مأساة المسيحيين العراقيين
-
قرار العفو الرئاسي وثمن حرية إبراهيم عيسى
-
اتهام المسيحيين بالحقد على الإسلام والمسلمين باطل
المزيد.....
-
سرايا القدس تنشر مشاهد للأسيرين -جادي موزيس- و-أربيل يهود- ق
...
-
قائد الثورة الاسلامية يزور مرقد الإمام الخميني (ره)
-
خطيب المسجد الأقصى يؤكد قوة الأخوة والتلاحم بين الشعبين الجز
...
-
القوى الوطنية والاسلامية في طوباس تعلن غدا الخميس اضرابا شام
...
-
البابا فرنسيس يكتب عن العراق: من المستحيل تخيله بلا مسيحيين
...
-
حركة الجهاد الاسلامي: ندين المجزرة الوحشية التي ارتكبها العد
...
-
البوندستاغ يوافق على طلب المعارضة المسيحية حول تشديد سياسة ا
...
-
تردد قناة طيور الجنة على القمر الصناعي 2024 لضحك الأطفال
-
شولتس يحذر من ائتلاف حكومي بين التحالف المسيحي وحزب -البديل-
...
-
أبو عبيدة: الإفراج عن المحتجزة أربال يهود غدا
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|