كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 3377 - 2011 / 5 / 26 - 17:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الأوساط السياسية العراقية مغمورة بنقاش غير منقطع بين مؤيد لاستمرار الحكومة في ممارسة مهماتها باعتبارها حكومة منتخبة وتعبر عن شراكة وطنية, وأن لم يكتمل قوامها حتى الآن, وبين مطالب بإجراء انتخابات مبكرة, إذ لم يعد يرى فائدة من استمرار وجود حكومة لا تستطيع استكمال قوامها وإنجاز مهماتها حيث تشتد الأزمة وتحتدم الخلافات ويشتد الصراع حولها, كما توجد خشية أن تتحول تلك الصراعات إلى نزاعات سياسية شبيهة بتلك التي تفجرت بين 2005-2008 حيث أجبر رئيس الوزراء نوري المالكي على معالجتها باستخدام قوة الدولة واستطاع أن يضع حداً مناسباً لها, أو تتفاقم العمليات الإرهابية ويزداد عدد شهداء العراق من ضحايا القتلة بمختلف أصنافهم, كما هو عليه الوضع في الوقت الحاضر.
قوى أخرى ترى إن المائة يوم التي منحها رئيس الوزراء لنفسه ولحكومته لم تكن كافية لإنجاز ما يفترض إنجازه ولا بد من تمديد الفترة لأشهر أخرى, في حين يرى آخرون إن الأيام المائة قد انتهت ولم ينجز رئيس الوزراء, وكذلك حكومته, ما التزم بتحقيقه كتمهيد يؤشر قدرة الحكومة ورغبتها في حل المعضلات التي تواجه المجتمع. وهذا يعني إن الأوضاع التي تحيط بالحكومة غير مناسبة, فليس هناك أي تعاون يذكر بين مجلس الوزراء ومجلس النواب, ولا بين رئاسة الجمهورية ومجلس النواب كما أن هناك مشكلات غير قليلة بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء رغم التأييد الذي ينطلق بين الفينة والفينة من هذه الجهات لتشير إلى رغبة كل منها في التعاون والتنسيق والتوافق مع الأطراف الأخرى.
قوى سياسية ترى ضرورة استمرار وجو القوات الأمريكية لفترة قادمة في العراق لضمان التعاون في مواجهة المخاطر التي تحيط بالبلاد من الداخل والخارج, وخاصة التعاون الإقليمي لمنع تمتع العراق بالاستقرار السياسي, بل جعله يعاني تحت وطأة الصراعات والفوضى والعمليات الإرهابية التي تدفع بالهجرة إلى خارج الوطن أو إلى إقليم كردستان حيث يتوفر الأمن الداخلي ولا يعاني الشعب الكردستاني من جرائم القوى الإرهابية. وقوى أخرى ترى عكس ذلك وتريد خروج القوات الأمريكية من البلاد في الموعد المقرر نهاية هذا العام 2011, وبعضها وصل إلى حد التهديد العلني بإعادة عمل المليشيات الطائفية المسلحة (مقتدى الصدر وتياره الإسلامي السياسي) وخوض حرب ضد القوات الأمريكية ومن يسند وجودها في العراق, أي عملياً ضد القوات العراقية بكل أصنافها التي تتعاون وتنسق مع القوات الأمريكية. والغريب أن هناك من يؤيد هذا الموقف لا من منطلق رغبة في خروج القوات الأمريكية, بل كان يدعو دوماً إلى بقائها, بل من أجل تشديد الخلاف بين قوى نوري المالكي وبعض القوى الأخرى في حكومته من جهة, وقوى التيار الصدري من جهة أخرى. إنها في الجوهر ضد التيار الصدري الطائفي, ولكنها من حيث التكتيك ترى مناسباً دعمه لتشديد الصراع الشيعي-الشيعي.
أما الحكومة العراقية فهي ليست بوجهة واحدة, بل تتباين مواقف القوى العديدة المكونة لها. كما إن هذه المواقف ليست ثابتة بل متغير باستمرار, إذ ليس هناك من استقرار على رأي أو موقف واحد, حيث يؤثر في الموقف من هذه المشكلات وغيرها تلك المناورات السياسية وعمليات التربص المتواصل بأمل الإيقاع بهذه الجماعة أو تلك. والتصريحات المتعارضة والمتضاربة تعتبر اليوم سيدة الموقف.
إن التقارير المنشورة من جانب منظمة العفو الدولية, وهي منظمة دولية ذات سمعة طيبة ونشاط دؤوب وتقاريرها محترمة وذات صدقية عالية, والتقارير الأخرى الصادرة عن لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة وتقارير المنظمات العربية والإقليمية والتقارير الصحفية والمدققة كثيراً, وتلك التصريحات الصادرة عن ممثل الأمم المتحدة في العراق وعن مراقبة حقوق الإنسان في نيويورك كلها تشير إلى تراجع وتدهور شديد في حالة حقوق الإنسان على صعيد الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم والمحافظات, سواء في الموقف من المظاهرات أو الاعتقالات الكيفية أو ممارسة العنف ضد المتظاهرين أو ممارسة التعذيب في السجون أو بقاء المعتقلين في السجون فترات طويلة دون تحقيق أو محاكمات علنية وعادلة, إضافة إلى تفاقم العمليات الإرهابية التي تؤدي إلى قتل جماعي وجرحى ومعوقين واغتيالات فردية متزايدة.
إن عملية تدقيق جادة في مجرى الأوضاع السياسية والأمنية وحالة حقوق الإنسان والحريات العامة في العراق تؤكد بأن الحكومة العراقية ومجلس النواب قد وصلا إلى طريق مسدود في التعامل مع الواقع العراقي من جهة, وفي التعامل في ما بينهما من جهة أخرى, وكذلك في التعامل الداخلي لكل من مجلس النواب والحكومة, وهما عاجزان عن إيجاد حل عملي وموضوعي للمشكلات والخلافات المتفاقمة, وهما سيدفعان بالبلاد إلى مزيد من التأزم في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتي ستدفع بدورها باتجاه تشديد التوتر السياسي الذي يمكن أن يقود إلى صدامات مسلحة, خاصة وأن العراق مليء بالأسلحة المتنوعة ودول الجوار لا تقصر في تزويد قوى بعينها بالمزيد من السلاح والعتاد والأموال والمستشارين والإرهابيين التي تدفع بالعراق إلى الوراء أو إلى نقطة الصفر التي كان عليها قبل ثلاثة أو أربعة أعوام.
إن هذا الواقع السياسي يطرح السؤال التالي على جميع القوى السياسية العراقية: ما العمل؟
لا أدري إن كان أغلب الناس في العراق قد أدركوا مخاطر الحكم على وفق قاعدة المحاصصة الطائفية, في وقت نشهد فيه تصعيداً للمشاعر الطائفية وإثارة "الكراهية والحقد والثأر !" في صفوف الشعب, كما يجري الآن في البصرة وفي بعض مدن أو محافظات الجنوب والوسط, وهي مشكلة معقدة, إذ كلما أحست قوى الإسلام السياسية أن الأرض بدأت تميد تحت أقدامها, سارعت إلى رفع رايات العداء الطائفي المنطلق من المذاهب الدينية في الإسلام ليضمنوا لهم الأصوات الكافية في الانتخابات القادمة, سواء إن تحصل في وقت مبكر أم في موعدها الاعتيادي. ورغم هذه الحقيقة المرة التي تواجه المجتمع العراقي الذي تعاني أغلبيته من عدم التنوير الديني والاجتماعي فأن الوضع الراهن لا يمكن أن يستمر ولا بد من التفكير بالحل الأكثر واقعية, أي بإجراء انتخابات عامة مبكرة في خريف أو شتاء هذا العام, فربما يساهم في إجراء تغيير معين في ميزان القوى السياسية ويساهم في إضعاف التوجه الطائفي السياسي في المجتمع وفي نتائج الانتخابات.
وإذ أرى ضرورة مثل هذا الإجراء خلال الأشهر القادمة, فأن بنية مجلس النواب ستكون إلى حد ما ذاتها ما لم تبذل القوى الديمقراطية التي تتحرك في شارع عريض تلتقي فيه كل القوى الديمقراطية واللبرالية والعلمانية التي ترى ضرورة تغيير ميزان القوى وفي وجهة النظام السياسية الراهنة القائمة على المحاصصة الطائفية السياسية.
إن مشروع التيار الديمقراطي العراقي المطروح منذ ثلاث أو أربع سنوات على الساحة السياسية العراقية لم يحقق الكثير بحيث يرقى إلى الصيغة المنشودة, رغم الجهود والاجتماعات الكثيرة والنقاشات والحوارات الفكرية والسياسية التي بذلت من مختلف القوى السياسية لهذا الغرض. ورغم الاتفاقات الثنائية والثلاثية التي عقدت بين أطراف في التيار الديمقراطي. فأين تكمن المشكلة؟ هناك من يتحدث عن أن المشكلة تكمن في نزعة التسلط التي يطرحها البعض ضد البعض الآخر, وهناك من يتحدث عن حساسيات قديمة بين بعض أطراف وقوى التيار الديمقراطي, وهناك من يرى صعوبة الوصول إلى اتفاق حول الأهداف وأساليب وأدوات العمل أو في ترتيبات الدور القيادي هذا التيار, كما أن هناك من يعتقد بوجود نزعات فردية غير محددة الأغراض, أو ناشئ عن عدم تقدير فعلي لقدرات كل طرف, أم أن هناك قوى أخرى مناهضة فاعلة تدفع باتجاه تخريب العمل والاتفاق بين قوى التيار الديمقراطي... ربما تكون كل هذه الأسباب مجتمعة هي التي تلقي بظلالها على وجهة النشاط صوب استكمال تشكيل التيار الديمقراطي وعقد مؤتمره والخروج بنتائج إيجابية.
أدرك بوضوح كل هذه المصاعب التي تواجه الحركة والتيار الديمقراطي العراقي, ولا أريد التخفيف من دورها وأثرها السلبي على وجهة العمل ونتائجه. ولكن في الوقت نفسه أدرك كغيري من الناس بأن الحركة الشبابية الأخيرة التي استنهضت الهمم بصورة إيجابية وعززت الثقة بقدرة الإنسان العراقي, بقدرة القوى المحتجة على الأوضاع المزرية, بقدرة الشبيبة المقدامة وقوى التيار الديمقراطي على تغيير الحالة السائدة في العراق. أي إن المهمة التي تواجه قوى التيار الديمقراطي العراقي هي رمي عبء الماضي وحساسياته ومشكلاته خلف ظهرها والتحرك باتجاه ما يوحدها وما يسمح بتوحيد الشعب العراقي كله, رغم ما يعانيه اليوم من مشكلات طائفية مفتعلة ومعمقة بقوة إرادة ومصالح الأحزاب الإسلامية السياسية الضيقة ذات النهج الطائفي السياسي. إن قيام تيار ديمقراطي عراقي يجمع في صفوف قوى واسعة جداً من مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية التي تتحرك في الإطار الديمقراطي الواسع من جهة وإقرار وتنفيذ برنامج موحد على الساحة العراقية كلها من جهة ثانية, والاتفاق على أساليب وأدوات عمل مشتركة وعلى قيادة واسعة تتداول العمل القيادي وتتابعه من جهة ثالثة, وتعمل مباشرة مع قوى الشعب وخاصة تلك الفئات المتضررة من الأوضاع المزرية الراهنة, وهي فئات واسعة من قوى المدينة والريف, من الطبقة العاملة والفلاحين والطبقة الوسطى والمثقفين والكسبة والحرفيين والطلبة وكثرة من القوى العاملة في جهاز التعليم ومنظمات المجتمع المدني من جهة رابعة, سيكون في مقدورها استنهاض الهمم بالتعاون مع تلك القوى الشبابية التي بادرت إلى الدعوة للتجمعات والتظاهرات والاعتصامات على صعيد البلاد كلها.
إن المعركة الانتخابية أياً كان الوقت الذي ستتم فيه تتطلب مورداً مالياً كبيراً لقوى التيار الديمقراطي لا يمكنها الحصول عليه من دول أخرى, كما يتم ذلك لبعض الأطراف, ولا من أصحاب الأطيان وكبار المقاولين والكومبرادور المحلي, بل يمكن الحصول عليه من بنات وأبناء الشعب العراقي في الداخل والخارج والذي يمكن أن ينشط الجميع لا للتبرع فحسب, بل وللمشاركة الفعالة في الدعاية الانتخابية المشاركة في الانتخابات وإعطاء صوتها لمرشحي التيار الديمقراطي.
إن الجميع يتطلع إلى انفتاح كل قوى التيار الديمقراطي على أبناء وبنات الشعب العراقي بكل قومياته وأتباع أديانه ومذاهبه الدينية وعلى كافة الفئات الاجتماعية التي تدرك بأن التيار الديمقراطي يبعدها عن الشوفينية وضيق الأفق القومي وعن التمييز الديني والطائفي أو التمييز إزاء المرأة وعلى اعتبار الدين لله والوطن للجميع.
نتمنى على كل قوى التيار الديمقراطي أن تتجه صوب الاعتراف المتبادل في ما بينها دون حساسيات أو تمييز, نتمنى عليها أن ينفتح بعضها على البعض الأخر, إذ إنه الطريق الوحيد للوصول إلى تغيير ميزان القوى في المجتمع رغم صعوباته والمدة التي سوف يستغرقها لتحقيق هذا الهدف.
26/5/2011 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟