خلدون جاويد
الحوار المتمدن-العدد: 3377 - 2011 / 5 / 26 - 12:16
المحور:
الادب والفن
لدى الأديب الجزائري أمين الزاوي قابلية على أخذك من رسغك برفق واستدراج ، لترى الواقعية الفاتنة وليس السحرية . والواقعية الفاتنة ـ وهي ربما تعريف من عندياتي ـ قفشة تقترب من فضاءآت الحلم أو السحر . فمثلا " حوتٌ على شجرة " لغابرييل غارسيا ماركيز مدعاة ٌ للتفكـّر! كيف يمكن أن يكون هناك حوت على أغصان الشجر . والمسألة باختصار ، هي أن هذا الحوت السيء الطالع قد عـَـلـِـق بين غصنين جبارين لشجرة أثناء الطوفان وظل عالقا بعد انسحابه . هنا أعطتنا الطبيعة صورة من صورها الواقعية السحرية . أما الواقعية الفاتنة ـ برأيي ـ تكمن في العلاقات الإستثنائية مابين الانسان والاشياء ومن هذه القفشات التاريخية علاقة اسحاق بزبيدة . وهي علاقة جهنمية حدثت لشخص ما. بل هي كثيرة الحدوث ولولا الخوف والنفاق الاجتماعي في منطقتنا الدموية لظهر لدينا أدب فضائحي يهز ضريح سبعين ألف فرويد . من هو اسحاق ؟ باختصار هو ابن شهيد مغدور أرسله القائد لمهمة وطنية ضد الفرنسيين أثناء الحرب التحررية الجزائرية وقام بقتله ، والسبب هو رغبته الهستيرية بالاقتران بزوجته اُم اسحاق وقد حدث له ذلك . لكن مع مرور الوقت عاد وتزوج من شابة جميلة تدعى زبيدة التي دخلت في غياب القائد في علاقة مع ابن الشهيد . كانت الاُم تكره زبيدة وكان اسحق مع الاُم يكرهان القائد وعندما كان يذهب لصلاة التراويح في ليالي رمضان . كانت الاُم تراقب وتمهّد بعيون الثعالب مايجب أن يجري في حجرة دافئة سوف تتركها بعد قليل لشاب وشابة بعمر الورد وبوقيد الجمر . وعلى لهاثهما وصرخات زبيدة الجنسية كانت الام ترفع صوت الراديو حيث الأدعية والتلاوات القرآنية . هنا واقعية فاتنة بالمفهوم الرغائبي والغرائبي !
كان التشويق مؤثرا لولا إنه سريع عابر فيه روي أكثر مما فيه تصوير . ولو اُعزز هذا الرأي بافتراض أن الزاوي لم يكن تصويريا كفاية ً مع التشويق الذي هو عليه ، فإني أقول : ان الشرح أعلاه وبسطر واحد عن حوت على شجرة ممكن ان يتحول الى فصل وصفي مشوّق .
أضرب مثلا آخر ممكن تحويله الى رواية لكني سارويه تقريريا : هناك مجموعة طيور تبني لها أكوازا وتضع فيها حبات كرم وتغلق الأكواز وتغادر في سفر بعيد ومن ثم تعود في أبريل من كل عام لتفتح الأكواز وتسكر وتغني وتبدأ تتساقط بالمئآت والآلاف على ممرات الغابة تتساقط مرحة سكرى غافية حالمة . هذه الطيور تشكل وحدها واقعية سحرية جادت علينا الطبيعة بها . لكني كما ورد أعلاه ، قمت أنا بتلخيصها بخمسة سطور واطالب الروائي أن يؤسنم المشهد بالتلاويين وضربات الريشة السحرية ويزركش الضوء الموّار ويغندره بفيوض الأسحار ويحيل المشهد الى بناء روائي مارسيلي ـ بروستي !. وأعني ضمنا أني كنت أتمنى على الزاوي أن يرسم بتفصيل شيق روعة اللقاء بين اسحاق وزبيدة خصوصا في قبو مليئ بقناني النبيذ الفرنسي القبو الصامت البارد المسكر الذي يشبه ثلاجة الموتى التي مارس أيضا فيه اسحاق مع " نيللا " مارس الجحيم الجنسي وزمهريره ! . وقد كان ـ الزاوي ـ في كلا الحالتين راويا لاتصويريا بما فيه الكفاية أي انه كان ينث سطورا تقريرية . الرواية ناجحة تقريريا وتصويريا نوعما لكنها تفتقد الى المزيد من الثبات والتفاصيل والسايكولوجيا والدخول الى ذوات النساء الجزائريات في فندق قرطاجنة . وصاحب الفندق الرجل الذي أحبه اسحاق حد البكاء لماذا لـُخص موته بسطور وألقي به خارج الصورة . أين حرقة دموع نيلي في رواية "مهانون مذلولون" التي نحسها على وجناتنا في حياة أية فتاة من سكان الفندق من رفيقات سونيا "الجريمة والعقاب" ! . أين أحوال مدام بوفاري التي ارتقى بها الهوس الداخلي بالرغبة الى حالة حمى حقيقية في أي شخصية من شخصيات "شارع ابليس" خاصة "نيللا" التي هي الأجدر بالتحليل . أين ارنست همنغواي في تفصيلات القروش والسمكة وهو وحيد في عرض البحر من روايتنا هذه ، أقصد أين المحنة في السايكولوجيا ـ النصية الخاصة بأمين الزاوي .
يبقى العمل راقيا لكنه يشتمل على نوع من السرعة . إنه شهادة رائعة على مايجري في العمق . العمق الذي تكشفه الرواية وهذا هو دورها ومسؤليتها التاريخية بأن تذهب الى القاع وتعري كل العواهر والقوادين الذين يتجلببون بمسوح الوقار بينما هم نتن الحياة وقذارتها . طوبى لأديب كبير مثل أمين الزاوي الذي استطاع في ظروف الزمن المحافظ والنفاق الاجتماعي أن يكشف لنا المستور كما تكشف لجان النزاهة صفقات الزور .
أما الذين يضعون أيديهم على سيوفهم عندما يقرؤون روايات من هذا النوع فاقول ان عرض الحالة الاستثنائية الغريبة الشاذة المرضية أو أية حالة اضطهاد ، هي كشف عن الواقع المخفي عما هو تحت الطاولة والعباءة وفي القبو ولايجدر ان نمنع التحدث عنه . من الأفضل معرفة امراضنا لنضع لها العلاج . لايجب ان نمنع فيكتور هيجو آخر عن كتابة البؤساء الاخرى ولا وردة عبد المالك عن الأوبة ولاحسين مردان عن قصائد عارية وهلم جرا. إن الذي يطلع على كتاب فن الرواية لكونديرا يعلم علم اليقين كم هي الرواية مسؤولة وخطيرة وكم يعاديها الرقيب الرجعي لأنه يخاف أن نحك قشرة الحياة كما يقول شاعر بلغاري فتنبعث الجيفة .
جورية عبقة لامين الزاوي واحتفاء مرموق بشارع ابليس!.
*******
26/5/2011
ملاحظات هامة خاصة بطبع الكتاب : ورد طباعيا بعض الأخطاء أو بعض أنواع السهو هنا وهناك ... اشير له بقصد تصحيحه في طبعة قادمة : انظر ص 23 الثورة الجزائرية المضفرة الصحيح المظفرة . ص 29 كات يحبها الصحيح كان . ص 41 يشتم رائحة الأصح يشم . ص 42 افصل رجاء بين كلمتين متصلتين طباعيا . ص47 الخائنين والآذال الصحيح والانذال. ص50 يريد ام يتوقف الصحيح ان يتوقف. ص70 من ااسخرية الصحيح السخرية . ص103 من كل من كل الجهات ،لاداع ٍ للتكرار. ص 109 بتدبيرتهم افصل اجعلها بتدبير تـُهم . ص 148 من اللواطين والمخنثين الاصبهان والاجانب وبائعو البورتريهات ، غيّر بائعو الى بائعي . ص 153 يغضني ويثير غضبي ،الكلمة الاولى غيرها . نفس الصفحة فليلا الصحيح قليلا .ص155 الرغية الصحيح الرغبة. ص156 اخيه الاصغرو يخفف ، الصحيح الاصغر ويخفف .ص 167 تقرأ الرواية الواحد الصحيح الواحدة . ص172 كبيربارد افصل الكلمتين .ص 175 خمسة وعشرون دقيقة اعد النظر بالعدد والمعدود وردت في الصفحة اكثر من مرة . نفس الصفحة المانوفي افصل الصحيح المانو في . ص 176 المانوالوهراني افصل رجاءا . ص184 وهران المغطوبة ماذا تقصد بها ؟ . ص 220 كذب فب كذب صحح رجاءا.221 منذ ام دخل بيروت صحح منذ ان دخل. ص222 حركات عسكرية مظبوطة صحح رجاءا .
#خلدون_جاويد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟