جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3376 - 2011 / 5 / 25 - 19:33
المحور:
كتابات ساخرة
الحيوانات المفترسة التي يجب أن نخاف منها هي تلك التي تعيش بيننا على أساس أنها غير مفترسة ومن دمنا ومن لحمنا وليست التي في الغابات فبيننا ذئاب وبيننا أفاعي, وإن المجرمين الحقيقيين هم الذين يعيشون بيننا وليس في السجون, وكذلك المجانين الحقيقيين هم الذين يعيشون بيننا وليس الذين ذهبتُ ذات يوم وشاهدتم سنة 2006م في زيارة إلى مستشفى الأمراض العقلية بهدف الاطمئنان على صحة صديق لي من أقربائي كان قد عانى من نوبات كهربائية أو شحنات كهربائية زائدة, وكنتُ وأنا على باب المستشفى خائفٌ من الدخول فأول شيء كنتُ خائفاً منه هو الأطباء النفسيين, فقد راودتني الظنون بأن يتعرف عليّ الأطباء النفسيين بسرعة فيقررون دخولي إلى جانب قريبي , وخفت أيضا من الأطباء ومن الممرضين الذين أعتقد بأنهم قد جنوا بسبب حياتهم اليومية مع المجاذيب ,وكنتُ خائفاً من المجانين أنفسهم فقد كنت مثلا أخاف من أن يضربني أحدهم بعصا أو أن يضربني بيده أو بأن يسجنني المجانين بينهم بتهمة أنني مجنون كما يحدث في الأفلام الكوميدية, وخصوصا بعد أن تذكرتُ بأن لي سابقة دخول عيادة نفسية لتلقي العلاج ضد الاكتئاب , وخفتُ أن يضربني أحدهم بأي سلاح يكون بحوزته, وبصراحة أردت العودة وأنا في غرفة الانتظار ريثما يسمح لي بالدخول,ولكن فجأة جاء رجال الأمن من المستشفى واصطحبوني إلى حيث أريد وبهذا أصبحت في موقف لا تراجع به ولا استسلام , وحين رأيت المجانين الحقيقيين الذين كنت أسمع عنهم أحببتهم جميعا أمثال المحقق (كولومبو) و(مجنون سوسن)و (هتلر) و(موسوليني) و(نابليون) و(أمير الشعراء) فهؤلاء يوجد مثلهم بيننا ولكن لا أحد يأتي بهم لتلقي العلاج في مستشفى الأمراض العقلية فجميع الحالات التي شاهدتها يوجد مثلها في قريتنا بالعشرات بل بالمئات وأغلبهم شعراء وكتاب وتجار ومهنيين وشيوخ مساجد وآباء ومعلمون في المدارس وضباط أمن , لذلك ارتحت بعض الشيء , وكذلك رأيت الغلابة الذين ليس لهم علاقة بالثقافة ولكن يبدو لي أن قلوبهم الكبيرة والناصعة البياض هي التي جاءت بهم إلى مستشفى للأمراض العقلية, إن أصحاب القلوب الكبيرة يموتون بسرعة ويصابون بالجنون بسرعة ويتأثرون بالمؤثرات العاطفية والنفسية بسرعة....وقد أمسك المدعو (نابليون) بصحن زجاج وكتب اسمه عليه وأهداني إياه نظرا لأنني حسب ما قال:الإنسان الوحيد في الدنيا الذي فهم عليه,وانتابني الخوف والهلع حين قال لي المدعو (هتلر) : بأنني فهمت عليه , وقلت بيني وبين نفسي: يا حبيبي !!من المفترض أنه مجنون وأنا عاقل لذلك يجب أن لا أفهم عليه, وإذا فهمتُ عليه فإنني أعتبر نفسي بحق في موقف محرج جدا لا أحسد عليه ولكن شكرته وقتها وقلت له: لو لم أكن مجنونا أكثر منك لما فهمتُ عليك, فغضب وقال:..أرجوك.. خليك فاهمني صح ..خليك أنت العاقل وأنا المجنون,فضحكت وقلت للممرض: أي هو أنت خليتني عاقل,أنت بس لو ما صرحتش تصريح مباشر بأني فاهم عليك, كان من الممكن أن يبقى الوضع بالنسبة لي طبيعيا, ولكن لاحظ معي حتى الممرض بدأ ينظر لي نظرات غريبة من تحت إلى فوق وبدأ يلف حولي ليشاهد حركاتي وأصابع يدي حين قلتَ بأنني الإنسان الوحيد الذي فهم عليك, وقررتُ وقتها الخروج بسرعة فقد خفتُ وقتها من أن يشيع خبري في المستشفى فيعرف بذلك مدير المستشفى من الممرض هو وكل الطاقم الذي يعمل معه فيضعونني مع المجانين نظرا لأنني أفهم عليهم ويفهمون على لغتي فهذا معناه في نظر العلم بأنني مجنوناً ولست عاقلا, وقلتُ وقتها لو قيل لمدير المستشفى بأنني الشخص الوحيد الذي فهم على المجنون هتلر والمجنون نابليون لاعتبرني مدير المستشفى مجنونا رسميا أكثر من نابليون ومن هتلر نفسه خصوصا حين وافقت (هتلر) على اقتراحه بشأن حرق الناس والبشر فقد قال لي : بأن 90% من الناس خارج المستشفى يجب أن نحرقهم حرقا لأنهم أخساء, فقلت له: لا بل 95% من الناس يستحقون أن يبادوا حرقاً, فقال لي : حرام عليك هيك والله اكثير , وعاد وقال لي :رائع أحسنت على الأقل أنت الوحيد الذي فهم عليّ ,لذلك استعجلتُ في الخروج وحين أصبحتُ بعد ساعتين ونصف من الزيارة خارج المستشفى توقفت قليلا وجلست على طرف الشارع وشرعتُ أفكر أفكارا أخرى فخفت جدا من الناس المجانين الذين يعيشون خارج المستشفى وبدأت أحسب ألف حساب إذ كيف سأتعامل مع أولئك المجانين الذين يعيشون خارج أسوار مستشفى المجانين!, فهؤلاء التعامل معهم صعب جدا حتى أنني لا أستطيع التبليغ عنهم بأنهم مجانين فليس معي دليل الإدانة وأي غلطة معهم سوف يرسلون بي إما إلى السجن وإما إلى مستشفى المجانين وإما إلى القبر وإما خلف الشمس, وهذا ليس غريبا فالمجانين خارج المستشفى هم الذين أرسلوا بالمجانين إلى داخل المستشفى والمجانين في القيادات العليا في الجيش هم الذين أرسلوا بالعساكر إلى الحروب, والمجانين داخل المخابرات هم الذين يشعلون الحروب الأهلية والطائفية وهم الذين يديرون الفساد والصراعات الإقليمية ,ونحن في حرب جنونية ضد العقل ومن يستطع أن يقتل الثاني أو يبيد الثاني فهذا معناه أنه سيحظى بحياة أفضل , والذي لا يستطيع قتلكَ أو قتلي ربما يلجأ في النهاية بأن يرسلك أو يرسلني إلى مستشفى المجانين, وإذا عجز عن ذلك فمن السهولة أن يرسل بك إلى السجن طالما أنه سيجد بسرعة شاهين يشهدون عليك زورا وبهتانا , وبالتالي سيرثني حيا وسيكون هو البطل وهو الشجاع, وهؤلاء المجانين أمثال : الشيوخ والفقهاء والمخاتير والشخصيات المعقدة جدا من الجنس الآخر ومن الثقافة ومن الكُتب الذين لا أفهم عليهم ولا يفهمون عليّ, علما أن كل المجانين الرسميين في مستشفى المجاذيب قد فهموا على لغتي وفهمت على لغتهم ما عدى المجانين الثانين الذين يعيشون خارج أسوار المستشفى, وهؤلاء المجانين هم الذين أذاقوني وأذاقوا مجتمعاتنا العربية أشر وأشدَ أنواع العذاب وهم الذين يرسلون بالعقلاء إلى العيادات النفسية جراء تصرفاتهم ويرسلون بالأحرار إلى السجون بتهمة الخيانة ويرسلون المرأة الحرة الليبرالية إلى القبر بحجة الدفاع عن الدين وعن الشرف, إن خوفي كان بمحله وهو أننا يجب أن نخاف من المجانين الذين يسكنون بيننا على اعتبار أنهم العقلاء,إن العقل بالنسبة لهم قناعا يخفون خلفه جنونهم , أما بالنسبة للمجانين الحقيقيين فهؤلاء لا يشكلون أي خطر على أحد والمصيبة الكبرى هي أن المجانين الحقيقيين لم يكشفوا عن أنفسهم ولم يكتشفهم أحد غيري أنا وبعض الناس.
إن مشكلتنا الحقيقية ليست مع المجانين الذين هم داخل المستشفى وداخل العيادات النفسية بل مشكلتنا مع العُقد النفسية المنتشرة بين الناس فهؤلاء هم المجانين الحقيقيين , وحتى اليوم يسألني أهلي عن سر الزيارة وخصوصا وأن صديقي وقريبي الذي كان مريضا بعد أن تعافى أشاع خبرا في كل القرية بأن المجانين في المستشفى ارتاحوا لي وارتحت لهم وفهمت عليهم وفهموا على لغتي,. وكلما يسألني أحد من أقربائي: صحيح هذا يا أبو علي؟ أنكر كل ذلك وأقول: لا كنت أمزح مع المجانين, مش معقول أن أفهم عليهم بسرعة وأن أرتاح لهم, والبعض لا يصدق ويقولون لي: لا كيف أنت فهمت عليهم وفهموا عليك, فأنكر وأقول : مش صحيح, أنا لا بفهم على حدى ولا حدى بفهم عليّ.
.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟