عماد البابلي
الحوار المتمدن-العدد: 3375 - 2011 / 5 / 24 - 09:55
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
قطرات الماء تتجمع في كرنفال حزين ، تشعر باللون الرمادي المقيت من بقائها في الينبوع طويلا .. تفكر في الهجرة بعيدا نحو عالم البحر الذي طالما سمعت عنه في قصص الأجداد ، هناك لا توجد معنى للجدران الخانقة ، الفردوس مفتوح بشكل دائم .. قطرات الماء تحزم حقائبها وتشق مجرى النهر نحو البحر ، لم يكن مجرى واحد بل كان مجريين ، عرفا فيما بعد بنهري دجلة والفرات .. قطرات الماء تسافر في الطريق الوعرة ، ترتحل عبر المحطات المختلفة ، كانت قطرات الماء تراقب البشر الساكنين قرب ضفة النهر ، كانت تشعر بالغرابة من وجوهم المحبطة بشكل دائم ، كانوا مجموعات متعصبة لبعضها البعض ، كانت تدخل في حروب مستمرة فيما بعضها البعض على تقاسم الماء ، حروبا كانت يدفعها الدين ذاك الرحم المؤجر بالخرافة والدجل منذ نشأته في معبد مع كاهن شاذ يمارس اللواطة مع فتى كان أهله باعه للمعبد هربا من ديون متراكمة .. كانت المئات من القصص تشاهدها تلك القطرات أثناء سفرها نحو البحر ..
ومن تلك الحكايات حدث هذا ..
قرب مكان عملي في السوق جاءت سيدة شابة تتسول ، كانت تضع النقاب على وجهها ( النقاب بوصفه مكنسة للخطيئة ) ، أقنعتها أنا وصديقي بخلع النقاب مقابل مبلغ من المال ، كنا نمزح معها فقط ، المهم هنا أنها دخلت نحو داخل مكان عملي ، صديقي قرصها ضاحكا ، صمتت تلك الشابة الغريبة الأطوار ، كانت متعبة ومرهقة تغطي ذلك بعدم اهتمام متعمد ، قبل ذهابها حكت لنا قصتها ومن أي عالم خلقت ، هن أربع بنات لأب عجوز يعاني من الشلل ، وفي يوم ما جاء صديق للوالد وعرض مبلغ مليون دينار عراقي ( 1000 ) دولار في الفتاة الواحدة ، كانت عملية بيع وشراء واضحة ، والغرض من ذلك جعلهن يعملن في التسول في مدينة أخرى ، الأب وافق طبعا ولم تفهم تلك الفتاة أصلا كيف ولماذا ..
لن أعلق كثيرا أو أناقش هذه القصة ، قصة تجارة البشر في العراق ، البشر الذي تحول لقطعان ليس إلا بيد أولئك الذين يسكنون في الأعلى ..
تلك الحكاية كانت لها أثر كبير في نفس تلك القطرات الرائعة , حكاية جعلتها تفكر في العودة نحو ينبوعها الأول ، ومع هذا الصراع الطويل والمزمن ولدت حالة النفي وحالة فقدان الذاكرة ، القطرات لم تعد تعرف من هي ومن أين جاءت ، ونست أصلا البحر ، لا شيء معها سوى قصص الآلهة التي تتناسل وتتكاثر على غباء البشر ..
#عماد_البابلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟