|
لكي لا تتحول الثورات الى أزمات!
شاكر النابلسي
الحوار المتمدن-العدد: 3369 - 2011 / 5 / 18 - 20:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الجميع خائف! كل من يراقب الثورات الحديثة في العالم العربي من تونس إلى اليمن مروراً بمصر، وليبيا، وسوريا خائف، ويترقب. ولسان حال الجميع يقول: "الله يستر"! والخائفون يخشون على ما تمَّ من هذه الثورات من نجاح في إسقاط النظامين في تونس ومصر، من الكوارث التي عادة ما تصيب الثورات. فالثورات في التاريخ عبارة عن أشجار فاكهة، تمَّت زراعتها، وتحتاج إلى خمس سنوات على الأقل للإثمار، وطرح فاكهتها. ولكن لهذه الأشجار أمراضاً كثيرة، وعواقب مختلفة. وبدون الحرص، والخبرة، والعمل المتواصل، والرقابة الدائمة، والرعاية المستمرة، فمن المحتمل أن يُصيب هذه الأشجار أمراض كثيرة تؤدي إلى موتها. فنحن نعرف كيف نغرس الشجر، وكيف نرعاه، ولكن لا أحد يضمن النجاح، والنهايات السعيدة. كذلك هي الثورات في التاريخ. فنحن نعرف كيف نبدأ الثورة، ولكننا لا نعرف ما نهايتها!
الثورة كالقوس المنطلق الثورة فعل سياسي في الدرجة الأول. ولكل فعل في الحياة إيكولوجيا Ecology (علم ثقافة الموطن) وهو ما يفسره إدغار موران Edgar Morin (1921- ) الفيلسوف الفرنسي وعالم البيولوجيا المعاصر، المتخصص بعلاقة نتائج علم البيولوجيا وانعكاساتها على تصور الإنسان لذاته، ومجتمعه، وموقعه، داخل هذا الكون. ويقول موران: "تُظهر لنا إيكولوجيا الفعل أنه إثر انطلاقته مباشرة، يصبح الفعل غالباً غير خاضع لنوايا الذين أطلقوه، فينحرف، ويزوغ في بعض الأحيان، نحو اتجاه معاكس تماماً." كذلك هي الثورات، بدءاً من الثورة الفرنسية 1789 وحتى الآن. فنحن نعرف نكيف نطلق السهم (الثورة) ولكننا لا نتحكم تماماً في مصيره ونهايته. فالثورات التي تمَّت في العالم العربي الآن في نهاية عام 2010 في تونس، وفي بداية عام 2010 في مصر وليبيا، لا أحد من المؤرخين، أو المعلقين، أو المراقبين، أو السياسيين، من الذين قاموا بالثورة، أم من الذين تسلقوا على ظهور هذه الثورات، يعلم تمام العلم ما النهاية، وإلى أية نقطة سوف تصل هذه الثورات. ويقول موران مفسراً كل ذلك، في تعليقه على الثورات العربية الحديثة، ومراقبته لما يجري في العالم العربي: "ولئن كان هناك غليان خلاّق، ينمو لدى الشباب المتمرد، فإن ذلك لا ينفصل عن فوضى، تُفضي إلى انقسامات وأخطاء، ناتجة عن استسلام متسرِّع، أو عن متطلبات من المستحيل تلبيتها على الفور." وتلك هي بعض أمراض الثورات، التي نلخصها على النحو التالي: 1- الفوضى التي تؤدي الى انقسامات وأخطاء أشار إليها إدغار موران. 2- بروز بعض الفئات والطوائف للمطالبة بحقوق، لم تكن تجرؤ في العهد الماضي أن تطالب بها، وربما تلجأ الى العنف في بعض الأحيان. 3- بروز فئات تطالب بحقوق (كزيادة الرواتب والدخل في دولة فقيرة ذات إمكانات مالية محدودة)، والقيام بمظاهرات مستمرة من شأنها تعطيل أو وقف عجلة الإنتاج القومي، وهو ما يحصل الى الآن في مصر وقبلها في تونس. وتطالب هذه الفئات بتلبية هذه المطالب فوراً، وإلا سوف تستمر في التظاهر، والاعتصام، والامتناع عن العمل. 4- بروز الخلافات بين أعضاء الحزب الواحد وخروج بعض القيادات عن الخط السياسي المعلن لبعض الأحزاب كما نرى في حزب الإخوان المسلمين الذي أعلن في بداية ثورة 25 يناير عدم نيته في الترشح في انتخابات رئاسة الجمهورية، ثم وجدنا أحد قيادي الإخوان (عبد المنعم أبو الفتوح) يعلن ترشحه في هذه الانتخابات وتضطر جماعة الإخوان المسلمين الى إصدار بيان تؤكد فيه سياستها في عدم الترشح في هذه الانتخابات وأن ما قام به عبد المنعم أبو الفتوح عبارة عن "تصرف شخصي" لا علاقة لجماعة الإخوان المسلمين به. 5- تخلّي جيران وأشقاء وأصدقاء بلد الثورة عن الثورة وعن الثوريين. وقد رأينا أن العرب كافة – ما عدا دولة قَطَر – وقفوا متفرجين على الثورات العربية التي دارت، والتي تدور الآن في العالم العربي. بل إن بعضهم حاول بطريقة مباشرة أو غير مباشر إجهاض الثورة وعدم تقديم أي عون إعلامي، أو سياسي، أو مالي لها. بل يُقال أن بعضهم هدد بقطع علاقاته مع دولة الثورة. وبقيت " دولة قطر وحدها على الساحة المؤيدة والمناصرة للثورات إعلامياً، وسياسياً، وعسكرياً، ومالياً. كذلك كان موقف الدول الغربية، التي اتُهم بعضها أنه يكيل بمكيالين، كما قال الفيلسوف الفرنسي موران. وهو على خطأ كبير في ذلك. فالسياسة يجب أن تكيل بمكيالين دائماً. وعندما تكيل السياسة بمكيال واحد تصبح شيئاً غير السياسة. فالسياسة ليست ديناً ذا ثوابت لا تتغير ولا تتبدل. والسياسة لا قيم أخلاقية لها لكي تلتزم بها دائماً ولا تحيد عنها. وقول موران من أن الغرب يكيل بمكيالين، ويعيب على الغرب ذلك، فتلك وجهة نظر غير واقعية لفيلسوف حالم. فسياسياً أنت اليوم صديقي وغداً عدوي إذا أصبحت مصلحتي السياسية تتنافى مع صداقتك. والسياسة مصالح قبل أن تكون تآخياً، أو وداً. والغرب في موقفه المتأرجح من الثورات العربية، غير ملوم لأسباب كثيرة منها: - أن الغرب وقد فوجيء بهذه الثورات، ولم يكن على اعتقاد، أو علم بقوة، وصلابة، وإصرار الشارع العربي على النحو الذي رآه في الشهور الأربعة الأخيرة، ما زال يشك في نجاح مثل هذه الثورات. وقدرة الشعب العربي السياسية والثقافية على "العبور الثوري"، حتى نهاية الطريق، أو نهاية النفق الثوري. - أن الغرب يتخوَّف من ضياع الكثير من مصالحه في العهود السياسية الجديدة للدول الثائرة. فقد نشر المحلل السياسي الإسباني – على سبيل المثال – ميغيل مورا في مقاله "القذافي الطاغية الذي اشترى الغرب"، بياناً مفصلاً عن الاستثمارات القذافية الليبية في الدول الأوروبية. ومن بين ما ذكره أن ليبيا القذافي هي الشريك الأول في إيطاليا، والشريك الثاني في ألمانيا. كذلك فقد استثمر القذافي في المملكة المتحدة، في قطاعات كالتعليم، الإعلام، كرة القدم والعقارات. وفي اسبانيا، وُقعت في عام 2007 اتفاقيات لبيع أسلحة إلى طرابلس بقيمة 1.500 مليون يورو. وكان من المتوقع الانتهاء من توقيع عقود تجارية لما مجموعه 12.300 مليون يورو. أما في إيطاليا ، فمن المعروف أن شركة "لافيكو"، (شركة العقيد للاستثمار في الخارج)، لها حصة 5.7% من رأسمال جوفنتوس، (فريق كرة القدم لشركة فيات). وللصندوق السيادي لهيئة الاستثمار الليبية "lia" 1 % من شركة أيني الايطالية العملاقة للطاقة. وطرابلس، هي المساهم الأكبر في بنك اونيكر كريدت، الذي يعتبر البنك الأكبر في ايطاليا، بحصة تبلغ 7.5%. وكان "الصندوق الليبي لهيئة الاستثمار lia"، قد اشترى 2% من أسهم البنك، والتي أضيفت إلى 4.9% ، كان قد اشتراها قبل ذلك "مصرف ليبيا المركزي"، و"المصرف الليبي الخارجي". ومن خلال هذا الاندفاع، في واحد من عمالقة البنوك الأوروبية (أكثر من 10.200 فرع في 22 بلد)، فليبيا ـ أي نظام القذافي ـ امتلكت المقعد الرئيسي في مجلس الإدارة. ووفقاً لصحيفة "الفايننشال تايمز"، فإن بعض من أهم المسئولين الماليين في القطاع المالي الأنكلو ساكسون سافروا إلى ليبيا للاجتماع بالمسئولين عن شركة "lia". ومجموعة "كارليل"، العملاقة الأميركية، كانت أول من حصل على الموارد الليبية، في عام 2007. وبعد عام من ذلك، اجتمع في مأدبة عشاء سيف الإسلام القذافي مع فرانك كارلوتشي، وزير الدفاع السابق للولايات المتحدة الأميركية، والرئيس السابق لمجموعة "كارليل". التاريخ بين القراءة والتأمل إن قراءة التاريخ لن تفيدنا أبداً، لتلاشي أخطاء الثورات، وتجنب الكوارث تبعاً لذلك، إذا تمَّت قراءته كما كنا نقرأ "القراءة الرشيدة" لمجرد التلقين والحفظ. يجب أن نتأمل أحداث التاريخ ونفكر فيها جيداً. وهذا ما لفت نظرنا إليه الفيلسوف الفرنسي إدغار موران عندما قال: "يجب علينا أن نأخذ العبرة، لا من دروس التاريخ، بل من دروس التأمل في التاريخ." أما دروس التاريخ المفيدة لنا في هذه المرحلة من مراحل الثورات العربية الدقيقة، فهي: 1- أن الديمقراطية كانت هشة ومؤقتة في أوروبا المعاصرة. ففي فرنسا تحوّلت ثورة 1789 إلى حكم الإرهاب، ثم قيام الإمبراطورية التي أدّى سقوطها إلى عودة الملكية. وفي القرن العشرين قوّض النظام الفاشي الديمقراطية الإيطالية، والنظام النازي الديمقراطية الألمانية، وأطاح نظام فرانكو بالديمقراطية الاسبانية، وبسط الاتحاد السوفيتي ظله على البلدان الأوروبية، التي استعبدها. لكن مُثل وأفكار الثورة الفرنسية ولّدت ونصّبت الديمقراطية من جديد في فرنسا، وإيطاليا، وألمانيا، وإسبانيا، والديمقراطيات الشعبية، وحتى في الاتحاد السوفيتي. كذلك فالثورات العربية 2010/2011 أصبحت قوة مولّدة ومجددة للتاريخ الآن. 2- يمكن لاستفحال الممارسات الدكتاتورية، أن يثير انتفاضات ثورية، وتستطيع اندفاعات الثورة أن تطلق دكتاتوريات رجعية مثلما كان الحال بإسبانيا سنة 1936. والآن نرى أن "الربيع العربي" نتج عن تفاقم قهر الأنظمة الاستبدادية وسيطرتها على خيرات بلدانها، ولكن نخشى أيضاً أن الربيع عندما ينقسم، ويتجزأ، أو يتعثر، يمكن له أن يؤدي إلى حلول رجعية جديدة. 3- صعوبة الترسيخ الديمقراطي. فالديمقراطية تتغذى من نزاع الأفكار، حتى ولو كانت غير متجذرة في وعي المواطنين. إن نزاع الأفكار، يمكن له أن يؤدي إلى انتصار حزب قد يلغي الديمقراطية كما في ألمانيا 1933، أو يؤدي إلى قيام حرب أهلية كما في إسبانيا 1936. وواجب على الديمقراطية السماح للفكرة اللاديمقراطية بالتعبير عن نفسها، غير أنه يمكن للديمقراطية أن تُدمَّر بواسطة حزب لا ديمقراطي؛ فإلى أي حد وإلى أي وقت يجب علينا التمسك بالتسامح، باعتبار أن المبدأ القائل بأن "لا حرية لأعداء الحرية" يؤدي إلى خنق الحرية. وأخيراً، فإن الديمقراطية ترضخ إلى قانون اللعبة التنافسية للحقائق المتقابلة، غير أنه ليس لديها من حقيقة أخرى سوى مبدأ الحرية. والانتخاب العام ليس بمنأى عن الخطأ. فالديمقراطية تذبل من دون مشاركة نشيطة للمواطنين في الحياة السياسية. وهو ما يجعل من الديمقراطية مغامرة كبرى في خضم مغامرة التاريخ.
#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يا كاهنة المعبد: كفى عبثاً!
-
لماذا كانت وعود الدكتاتوريات كاذبة؟
-
لنتعلم قليلاً من أخطاء الثورات في التاريخ
-
حطمنا طوطم الإرهاب.. فماذا عن تفسير الظاهرة؟
-
ماذا عن ثعالب الغابة الأخرى؟
-
من مظاهر غباء الدكتاتوريات العربية
-
لماذا تخلو بعض الثورات من المفكرين والفلاسفة؟
-
لماذا تخلو بعض الثوؤات من المفكرين والفلاسفة؟
-
عندما ترتدي الدكتاتورية جلود الحملان وتستعطف!
-
أسئلة المستقبل المصري بعد ثورة 25 يناير
-
الثورات والمفكرون والحريات
-
ليبيا: من ثورة بيضاء الى حرب دموية!
-
ما مستقبل الديمقراطية في مصر؟
-
عسل الدكتاتوريات المُرّ!
-
الدكتاتوريون الكاريكاتوريون
-
الإعلام المصري قبل وبعد 25 يناير
-
في التحليل النفسي لظاهرة شباب الثورة
-
ضباع الدكتاتورية والفساد في سوريا والعراق
-
متى؟ وكيف؟ ولماذا تندلع الثورات؟
-
ما ضرورة الدولة -السلطوية- المستنيرة؟
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|