هيكل، ومحاكمة مبارك سياسيا ..!!

سعيد رمضان على

الحوار المتمدن-العدد: 3365 - 2011 / 5 / 14 - 22:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

اقترح الكاتب محمد حسنين هيكل في معرض حواره بجريدة الأهرام المصرية، محاكمة مبارك سياسيا ، وقد وافقه البعض، منهم المستشار البشري الذي دعا هيكل لتشكيل لجنة إعلامية برئاسته من كبار الإعلاميين, لتنفيذ المحاكمة السياسية من خلال الرأي العام ..!!
ويجب أن نعترف بأن الفكرة بشكل عام باهرة، فكبار الإعلاميين في مصر سيجلسوا في منصة القضاة ، أمام الرجل الذي كان يدافعون عنه، ومن المتوقع أنهم سوف يدينونه لكن بدون تطبيق عقوبة..
إلا إذا كان اختيار الإعلاميين من النوع المحايد، وفى الإعلام خصيصا، يعتبر الموقف المحايد بدون موقف .. فالحياد قوقعة تبعدك عن اتخاذ القرار .. ومثل هؤلاء الإعلاميين لا يمكن الاعتماد عليهم في استخلاص المادة الحية التي تشكل قوة الحق والعدل ..
يتبقى أمامنا الإعلاميين، الذين حاربوا مبارك، وتعرضوا في عصره للاضطهاد ، وبهم ستخرج المحاكمة عن هدفها المنشود ، وتتحول لتصفية الحسابات، وتأجيج الصراعات، ولأن اختيارهم سيتم من تيارات مختلفة كما هو المتوقع، منعا للهجوم على هيكل، فأن الاستقطاب السياسي سيزداد حدة وتتحول المحاكمة لمنبر لتيارات سياسية مختلفة، كصحف المعارضة .
أما حديث المستشار البشرى عن الرأي العام، فهو يعنى محكمة شعبية، والمحاكمة الشعبية بقضاة إعلاميين، ستفتقد إلى العدل الموزون، الموجود في حيادية القاضي الحقيقي بالمحاكم الحقيقية، كما تفتقد الدفاع، وهو ماقد يدفع المحاكمة باتجاه مهزلة تسيء لثورة مصر الوليدة، وتكتسب بذلك سمعه سيئة، تقترب من سمعه محكمة الشعب الذي عقدها الثوار الفرنسيين وأطاحوا فيها برقاب المذنبين والأبرياء على حد سواء بالمقصلة .!!
ثم أن المحاكمة ستتطلب شهادات مسئولين سابقين ، كوزراء وسفراء في عهد مبارك للإدلاء بشهادتهم ، وهو ما اقترحه المستشار البشرى .. وسيكون حينها الموقف فكاهيا ومثيرا للإعجاب .. لأن هؤلاء المسئولين عن تخريب مصر، سيقدمون شهادات بالتخريب ، تؤكد ان مبارك وحده هو الخـّراب الأكبر ، وإنهم لا ناقة لهم ولاجمل .. فقد كانوا يطيعونه خوفا من المشنقة، وليس من أجل الحفاظ بأطايب مناصبهم .
وثم سابقة لهذا .. فبعد موت عبد الناصر ، ظهرت للعلن شهادات ومذكرات ، من رجال رافقوا الزعيم الراحل، ومن وزراء ورجال دوله .. وكلها تتلخص في الجمل الآتية :
• أنا فكرت .. لكن الرئيس رفض الفكرة ..!!
• أنا اقترحت .. لكن الرئيس رفض الاقتراح..!!
• أنا طلبت .. لكن الرئيس رفض الطلب ..!!
وهكذا لن تخرج الشهادات أو المقترحات التي ستطرح من خلال " محكمة الشعب " من كلمة " أنا .. وأنا " وسيخرج الكل ملائكة وفضلاء وعظماء .. وسيكون حسنى مبارك وحده هو الخّراب الأكبر الوحيد ..
فهل يستخف الناس بعقولنا حتى يطرحوا فكرة ، محاكمة سياسية علنية لمبارك وفى هذا الوقت بالذات ؟
والذين طرحوا الفكرة ، يعلمون جيدا أن حكام مصر السابقين ، مثل عبد الناصر والسادات، مازالوا يحاكمون سياسيا ، من خلال التاريخ والوقائع التي يتم كشفها يوميا تحت الشمس ، سواء بوثائق جديدة كانت مدفونة وظهرت ، أو شهادات رجال عاصروهم ..
وثم سؤال يفرض نفسه .. وماذا بعد ؟
أظن ان التوجه ناحية المحكمة العسكرية والجنائية، سيكون توجها صحيحا .. فسياسة مبارك كانت رضوخا للاملاءات الإسرائيلية والأمريكية، ضد المصالح القومية للوطن، ولا معنى لمحاكمة سياسية ، أمام تهم بالخيانة العظمى، ومحاولة قلب نظام الحكم الجمهوري ليكون ملكي بالتوريث .
ولا معنى لمحكمة سياسية تستهدف، سحب الغضب الشعبي ، ضد رجل عاقب مصر
لمجرد محاولة اغتيال جرت على ارض غير مصر، وعاقب شعب بورسعيد ، بسبب رجل تقدم بشكوى .. وعاقب الفلسطينيين لأنهم أرادوا حقوقهم ورفعوا راية النضال .
ولا معنى لمحاكمة سياسية ، لرجل تضخمت ثروته وثروة أسرته ، على حساب أهل مصر
الجوعى والعرايا والفقراء والمساكين ..
ولا معنى لمحاكمة سياسية، لرئيس سابق، اعتمد سياسات تدخل كلها في باب الجرائم .. وأخطرها إهمال قضية النيل والتعامل مع إسرائيل بشكل يمس أمن الوطن .
لنترك المحاكمة السياسية ، للكتاب والمؤرخين ، يقررونها في كتبهم بوثائق ومستندات، على مهل وبتروي .. خلال شهور أو ربما سنوات .

#سعيد_رمضان_على (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات