أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - الماوية : نظرية و ممارسة - 9 -المعرفة الأساسية لخطّ الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية















المزيد.....



الماوية : نظرية و ممارسة - 9 -المعرفة الأساسية لخطّ الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية


شادي الشماوي

الحوار المتمدن-العدد: 3364 - 2011 / 5 / 13 - 18:12
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    




الماوية : نظرية و ممارسة - 9 -







المعرفة الأساسية لخطّ الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية
(من أهمّ وثائق الحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية )


تقديم و ترجمة : شادي الشماوي










ملاحظة لا بدّ منها : هذه الترجمة غير رسمية و النصوص الأصلية باللغة الأنجليزية متوفّرة على موقع النات .www.revcom.us




فهرس الكتاب

1- تقديم.
2- الثورة التى نحتاج و القيادة التى لدينا.
3- الشيوعية : بداية مرحلة جديدة .
4- القانون الأساسي للحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية.
5- من أجل تحرير النساء و تحرير الإنسانية جمعاء.
6- ملاحق :
أ- رسالة مفتوحة إلى الشيوعيين الثوريين و كلّ شخص يفكّر جدّيا فى الثورة بصدد دور بوب آفاكيان و اهمّيته.
ب- ما هي الخلاصة الجديدة لبوب آفاكيان؟
ت- حول القادة و القيادة.
ث- لمزيد فهم خطّ الحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية : من أهمّ المواقع على النات.









1
تقديم :
الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية حزب ماركسي- لينيني- ماوي تأسّس أواسط السبعينات من القرن العشرين و تعود جذوره إلى الستينات و السبعينات أي هو نتيجة الصراع الطبقي فى الولايات المتحدة الأمريكية و الصراع الطبقي على النطاق العالمي لا سيما النضال ضد التحريفية المعاصرة عالميا و الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى فى الصين و تأثيرها المزلزل عالميا كثورة داخل الثورة و قمّة ما بلغته الثورة البروليتارية العالمية فى تقدّمها نحو الشيوعية.
تأسّس الحزب الشيوعي الثوري الأمريكي فى خضمّ صراع طبقي محتدم فى البلاد و عالميّا سنة 1975 و جاء ثمرة نضالات عدّة مجموعات ثورية أهمّها "الإتحاد الثوري" و إمتدادا لنضالات الستينات و السبعينات على شتى المستويات، على أنّه تحوّل نوعي بإعتبار تبنّى المبادئ الشيوعية الثورية الحقيقية ووسائل النضال البروليتارية الثورية و غاية الثورة البروليتارية العالمية ، تحقيق الشيوعية من خلال الثورة المسلّحة المتبوعة بالحرب الأهلية لتحطيم دولة البرجوازية الإمبريالية و إرساء دولة إشتراكية كقلعة من قلاع الثورة البروليتارية العالمية تعمل على السير صوب تحقيق الشيوعية على النطاق العالمي.
وقد شهد هذا الحزب فى مساره عدة صراعات الخطين منها نذكر على وجه الخصوص الصراع الكبير حول الموقف من الصين بعد إنقلاب هواو- دنك عقب وفاة ماو تسى تونغ سنة 1976 حيث عدّ البعض من القادة و الكوادر أنّ الصين لا تزال على الطريق الإشتراكي فى حين أكّدت الأغلبية إستنادا لدراسات على مختلف الأصعدة أنّ الصين شهدت تحوّلا من صين إشتراكية إلى صين رأسمالية و بالتالى وجب القطع معها و فضحها عالميا. و خرج الخطّ الشيوعي الثوري الماوي منتصرا ما جعل أنصار دنك سياو بينغ يستقيلون من الحزب أو يطردون منه.
و مثّل ذلك حدثا جللا بالنسبة للبروليتاريا العالمية إذ أنّ الح الش الث الأمريكي وقد حسم الموقف لصالح الشيوعية الثورية و الماوية و الدفاع عن إرث ماو تسى تونغ و الثورة البروليتارية العالمية صبّ جهوده نحو إعادة البناء الثوري للأحزاب و المنظمات بإتجاه الإعداد للموجة الجديدة من الثورة البروليتارية العالمية على شتى المستويات. و للتاريخ نذكّر بأنّه بمعيّة الحزب الشيوعي الثوري الشيلي صاغا مشاريع وثائق كانت بمثابة أرضية منذ 1981 لتوحيد الماركسيين –اللينينيين الحقيقيين [الماويين] بدعم هام من الحزب الشيوعي لسيلان لتنتهى هذه النضالات و النقاشات التي شملت الكثير من المنظمات و الأحزاب الأخرى عبر العالم إلى تشكيل الحركة الأممية الثورية على قاعدة الندوة الثانية و بيان 1984 و إلى إصدار مجلّة "عالم نربحه" منبرا فكريا للنواة السياسية الساعية لإعادة بناء قيادة عالمية جديدة للحركة الشيوعية العالمية.و بموجب تطوّر الصراعات الطبقية عالميا و بفعل الصراع الداخلي للحركة الأممية الثورية حصلت قفزة نوعيّة أخرى فى 1993 بإعلان تبنّى الحركة جميعها للماركسية- اللينينية- الماوية علما للثورة البروليتارية العالمية.
و تؤكّد هذه الوقائع و الحقائق الدور الهام الذى لعبه هذا الحزب فى تطوّر الحركة الشيوعية الماوية على النطاق العالمي وهو أمر يعترف به الكثيرون حتى مّمن صاروا يخالفونه الرأي إلى حدود بعيدة – بتعبير ملطّف لأنّ البعض ذهب كلّ مذهب فى كيل النعوت التي لا ينبغى إطلاقها قبل القيام بدراسة ضافية و شافية لنقاط الإختلاف و لصراع الخطين داخل الحركة الأممية الثورية و الماوية عالميا-. فقد أقرّ بذلك الدور الهام الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي ) الذى صار يسمى منذ فترة الحزب الشيوعي النيبالي الموحّد (الماوي) فى " القفزة الكبرى الى الأمام ضرورة تاريخية أكيدة " (الوثيقة التى تبنتها الندوة الوطنية الثانية للحزب الشيوعي النيبالي (الماوى ) فى فيفري 2001 ) وفى الرسالة التى وجّها للحزب الشيوعي الثوري الأمريكي فى 1 جويلية 2006 كما أقرّ به الحزب الشيوعي الأفغاني (الماوي ) فى معرض نقده " للخلاصة الجديدة" و أقرّ به " الكارك" الإيطالي:" حزب لجان مساندة المقاومة –من أجل الشيوعية" فى مداخلة فى المدّة الأخيرة ،أواخر فيفري2011 ،خلال المؤتمر الثالث لرابطة الشباب الطبقي بالمكسيك.
و اليوم و قد عرفت الحركة الأممية الثورية منذ سنوات شللا ، تشهد الحركة الماوية العالمية تشضّيا ذلك أنّ هناك ، على حدّ علمنا، مجموعة منظّمات و أحزاب تلتقى فى أطروحاتها و خطّها مع الحزب الشيوعي الثوري الأمريكي ، و جملة من المنظّمات و الأحزاب تكتّلت حول المجلّة الجديدة "الطريق الماوي" ؛ و مجموعات و أحزاب تنحاز أكثر إلى خطّ الحزب الشيوعي البيروفي و الحركة الشعبية البيروفية خارج البيرو،و ثلّة من المجموعات و الأحزاب التي تتبنّى خطّ الحزب الشيوعي النيبالي الموحّد (الماوي) ، إضافة إلى تنظيمات و أحزاب لم تعلن صراحة بعد عن تموقعها و أخرى لم تنتم إلى الحركة الأممية الثورية و إن إشتركت مع المنتمين إلى هذه الحركة فى تنسيقيات أحزاب و منظمات ماوية – جنوب آسيا مثلا.
و من هنا تعيّن أن نساهم فى النهوض بمسؤولية التعريف بخطّ الحزب الشيوعي الثوري الأمريكي الذى يتلقّى نقدا من جهات عدّة ليتبيّن من يتطلّع لمعرفة الحقيقة وجها من وجوه الصراع الدائر صلب الحركة الماوية العالمية و ليبني من يرنو الدراسة و المسك بمدى صحّة نقد خطّ هذا الحزب قراءته على أساس صلب وقاعدة راسخة بعيدا عن التأويلات المغرضة. وفى إطار نهوضنا بواجبنا الأممي البروليتاري و ضمن المشروع الذى رسمناه لنفسنا ، قد سبق و أن بذلنا جهدنا للتعريف بتجربة الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي) و ما حفّت و تحفّ بها من الصراعات فى كتابين هما : " لندرس الثورة الماوية فى النيبال و نتعلّم منها ( من أهمّ وثائق فترة 1995-2001)" و "الثورة الماوية فى النيبال و صراع الخطين صلب الحركة الأممية الثورية" كي تكون الدراسة عميقة و المواقف البروليتارية الشيوعية الماوية المتخذة صحيحة و قائمة على أساس لا أمتن منه.فصحّة الخطّ الإيديولوجي و السياسي أم عدم صحته محدّدة فى كلّ شيئ مثلما قال ماو تسى تونغ.
لسنوات الآن لم يكفّ المسؤولين عن مجلّة " النجم الأحمر" التابعة للحركة الشعبية البيروفية عن معارضة قيادة الحركة الأممية الثورية و من ورائها معارضة الحزب الشيوعي الثوري الأمريكي وقد بلغ الأمرحدّا على من يقرأ المقالات أن يحكم عليه و يصفه بما يستحق من النعوت. وفى المدّة الأخيرة دعت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي البيروفي إلى النضال من أجل عقد ندوة جديدة لأعضاء الحركة الأممية الثورية لدراسة نقاط معيّنة. و ما إنفكّ الحزب الشيوعي النيبالي الموحّد (الماوي) وأنصار خطّه بأنجلترا أساسا عن إصدار مقالات تقدح فى الحزب الأمريكي.و فى الأشهر الأخيرة، أعلن الحزب الشيوعي الثوري الكندي تباينه مع الح الش الث الأمريكي ، ونشر إتحاد العمّال الشيوعي (الماركسي-اللينيني-الماوي) الكولمبي وثيقة فيها نقد شديد اللهجة –حتى لا نقول شيئا آخر- ل"الخلاصة الجديدة". و هذه الأيام ،قرأنا مواقفا لل الإيطالية ضد الحزب الأمريكي ومواقفا للحزب الشيوعي الأفغاني (الماوي) تناهض الخطّ الذى طوّره الحزب الشيوعي الثوري الأمريكي هذا الخطّ الذى تفاعل معه، و مجدّدا على حدّ علمنا الآن، إيجابيا الحزب الشيوعي الإيراني (الماوي) و الشيوعيون الثوريون فى ألمانيا و الشيوعيون الثوريون فى كولمبيا.
و لأنّه فى الوقت الراهن من غير الممكن بالنسبة إلينا أن نعرّب كافة المواد المتعلّقة بهذا الموضوع على أهمّيتها فهي كثيفة و تحتاج إلى أكثر من كتاب لذلك، إخترنا أن نقدّم باللغة العربية أهمّ وثائق الحزب الشيوعي الثوري الأمريكي التي تلخّص خطّه بأفضل طريقة لتكون مادة للدراسة و التمحيص و النقد رفعا لمستوى الصراع الإيديولوجي و السياسي و لبناء مواقف على قاعدة صلبة و متينة فيكون هذا المخاض الذى تشهده الحركة الأممية الثورية و الحركة الشيوعية الماوية عالميا مدرسة لرفع الوعي الإيديولوجي و السياسي .
و العمل جاري على إتمام اللمسات الأخيرة لهذا المؤلّف ، صدرت عن الحزب الشيوعي الثوري الأمريكي وثيقة غاية فى الأهمّية هي الأخرى ، مشروع الدستور الإشتراكي ندعو للإطلاع عليه و دراسته إلى جانب الوثائق المعرّبة هنا.
----------------------------------------------------------










2
الثورة التى نحتاج ...و القيادة التى لدينا .
رسالة و نداء من الحزب الشيوعي الثوري، الولايات المتحدة الأمريكية
هذا ليس أفضل العوالم الممكنة ...لا يجب علينا أن نحيا بهذه الطريقة.
" أرض الأحرار ووطن الشجعان". "قائد العالم الحرّ ".هذا ما يقولونه عادة حول هذه البلاد غير ان هذا كذبة كبيرة.
الحقيقة هي أنّنا نحيا فى ظلّ نظام ، منذ بداياته فى هذه البلاد، شيّد ثروته و قوته بإستعباد ملايين السود،و سرقة أرض الهنود الحمر و المكسيكيين عبر الحرب و الإبادة الجماعية و عمل عديد الناس منهم الأطفال إلى حدود الموت حقيقة. إنّما بهكذا وسائل إجرامية توسّع هذا النظام " من البحر إلى البحر المشرق" عبر هذه القارة- و حول العالم بأسره.
إنّه نظام رأسمالي-إمبريالي... نظام فيه الإمبريالية الأمريكية هي الأكثر فظاعة و أكبر القوى العظمى إضطهادا... نظام يقوده السعي المحموم خلف الربح، و عنه تنجم الفظيعة خلف الفظيعة، كابوس لا تبدو له نهاية، للغالبية الساحقة من الإنسانية... الفقر و البؤس... التعذيبب و الإغتصاب... الهيمنة عل نطاق واسع و الحطّ من مقام النساء فى كلّ مكان...الحروب و الغزوات و الإحتلال... الجرائم و المجازر ...طائرات و صواريخ، و مدافع وفيالق الولايات المتحدة الأمريكية تلقى بالقنابل على أناس فى أراضى بعيدة أثناء نومهم فى منازلهم أو أثناء أعمالهم اليومية ، مفجّرة الأطفال الصغار إلى أشلاء ،مقطعة أجساد الرجال و النساء فى ربيع العمر ،أو الشيوخ ،محطّمة أبوابهم و خاطفة إياهم فى وسط الليل ...بينما هنا فى الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها تهرسل الشرطة و تعنف و تقتل الشباب فى شوارع المدن الداخلية- مرّة تلو المرّة- ثمّ تطلق سبابها المجنّن ،مؤكدة أن ذلك "مبرّر" نكما لو أنّ الشباب ليسوا بشرا و ليس لهم حق الحياة و لا يستحقون الإحترام و المستقبل.
عبر العالم،بفعل هذا النظام،يعانى بليون إنسان من الجوع كلّ يوم...و العديد منهم يواجهون تهديد المجاعة. مئات ملايين الأطفال يجبرون على العمل كالعبيد و الحياة فى الأحياء المتعفنة ،وسط القذرات و الفضلات. فى موجاة يتنقّل المهاجرون غير القادرين على الحياة فى أوطانهم الخاصّة ،عبر الكرة الأرضية بحثا عن الشغل –وإذا وجدوه، يعملون إلى حدّ أنهم لا يقدرون على الوقوف وهم مضطرون إلى العيش فى غمّ ،و خوف مستمرّ من أن يرحّلوا و أن تفكّك أسرهم. و عدد متزايد من الناس لا يستطيعون العثورلا على شغل أصلا الآن، و العديد منهم ... يخسرون بيوتهم و كذلك شغلهم ، فيماىيعمل آخرون حتى بلا رحمة .و الجميع مضلّلون و مدفوعون دفعا إلى الإستهلاك أكثر فأكثر ممّا يخلّف ديونا متفاقمة أبدا و فقدان أي علاقة أعمق مع الناس الآخرين. و يدفع الكثيرون إلى أقصى حدود التحمّل... و عدد متنامي يتجاوزون الحدود ،غالبا ليجدوا أنفسهم فى يأس باعث على الجنون.
و تجرى المتاجرة بملايين النساء الشابات مثل التجارة فى البقر و تملى عليهن العبودية الجنسية، و وتسفّرعبر البلدان و القارات ،بينما يتمّ الحطّ من مكانة النساء و معاملتهن بدونية و تعنّف بآلاف الطرق- تضرب و تغتصب بأعداد كبيرة، و تعامل على أنّها وسائل إشباع جنسي و مربيات أطفال عوض معاملتهن كبشر بأتمّ معنى الكلمة. و صارت فكرة علاقة حبّ حميمي مع إنسان آخر نكتة باعثة على التقيئ و حوّلت إلى ملكية أو علاقة سلعية مسنودة بتقاليد أبوية قمعية و ترفض أو تقلّص بالنسبة لنفس الجنس.
و البيئة و مصير الإنسان ذاته يدفعان إلى حافة الكارثة.
كلّ هذا يحصل بحكم ما يمليه هذا النظام – بحكم قبضته الخانقة للإنسانية.كلّ هذا يحصل فى الوقت الذى توجد فيه التقنية و الثروة على نطاق و بأشكال لم تكن لتُتصوّر أبدا سابقا- تقنية و ثروة ينتجهما الملايين ،و البلايين ، عبر العالم لا إسم لهم و لا وجه، لمصلحة القوى السائدة- تقنية و ثروة يمكن و يجب أن تكونا منبعا تمتلكه الإنسانية جمعاء و تستعمله لتلبية حاجيات الناس فى كلّ مكان لحياة لائقة و أثرى على الدوام ماديا و فكريا و ثقافيا.
أنظروا إلى ما يفعله هذا النظام للشباب هنا بالذات فى الولايات المتحدة الأمريكية. الملايين فى المدن الداخلية ، إن لم يقع قتلهم فى سنّ مبكّرة ، مستقبلهم على الأرجح هو السجن ( تقريبا 1 من 8 من السود سجين ، و السجون تفيض بالسود و اللاتينيين و لهذه البلاد أعلى نسب سجن للنساء فى العالم). لقد سرق هذا النظام من عدد كبير من الشباب ، فرصة حياة لائقة و ذهب بعيدا إلى إقتراف جرائم قتل جمّة لا لشيئ – لا شيئ جيّد- ولا شيئ أكثر مغالطة للناس من قتل بعضهم البعض فى شوارع المدن الكبرى... أو جعل الشباب يلتحقون بالجيش و يدربون على الجرائم على نطاق واسع، قاتلين أناسامن بلدان أخرى عبر العالم. نظام لا يوفّر لملايين و ملايين الشباب هدفا أسمى ، مصيرا أفضل ، من الجريمة و العقاب أو التحوّل إلى آلة قتل لا عقل لها لفائدة النظام ذاته- هذا لوحده سبب كافى لكنس هذا النظام من على وجه الأرض!
و رغم النوايا الحسنة لكثير من الأساتذة ،فإن النظام التربوي شتيمة مريرة لعديد الشبان ووسيلة للتحكّم و التلقين الشاملين. و فى حين ،بالخصوص فى بعض المعاهد"الفئوية" ، ثمّة شيئ من التشجيع للطلبة على التفكير بطرق "غير عادية" – طالما أنها ، فى النهاية ، تظلّ مطابقة للحاجيات و المصالح الجوهرية للنظام. إجمالا، ، عوض التسليح الفعلي للناس ليفهموا العالم و يبحثوا عن الحقيقة مهما كانت النتيجة التى تؤدى إليها، بروح فكر نقدي و فضولية علمية ، فإنّ التربية تحرّف بخبث لتخدم متطلبات رأس المال، لتبرير و تأبيد العلاقات الإضطهادية فى المجتمع و العالم ككلّ، و لتعزيز موقع الهيمنة للقوّة العظمة بعدُ. و رغم الدفعات الخلاقة و شتى الجهود ، فإنّ الثقافة المهيمنة هي أيضا فاسدة وضعت لتنزل ، لا لترفع نظر الناس، لتثني على و تشجّع طرق التفكير و العمل ، التى تبقى هذا النظام سائرا و تبقى الناس يعتقدون أن لا شيئ أفضل ممكن.
أنظروا إلى الأكاذيب التى يقولونها لنا بإستمرار – بكافة الكلمات المعسولة حول "الديمقراطية" للناس و"حقوق الإنسان" ، بينما هم يمارسون الدكتاتورية على الشعب ، بالقوّة و العنف ، عبر العالم قاطبة ، و بالضبط هنا على هذه الأرض. و الآن يأتون لنا بأوباما...ليجعلونا نعتقد أنّهم يأتون بنوع من التغيير للأفضل. لكن أوباما يمثّل هذا النظام و كلّ ما يمكن أن يأتي به هذا النظام هو الشيئ ذاته : مزيدا من التعذيب و اللوعة ، مزيدا من الإضطهاد و القسوة ، مزيدا من الحرب و الدمار.
و يقول البعض كلّ هذا "بإرادة الله" و ليس علينا إلاّ ان "نضع الأمر بين أيدى الله". لكن ليس أي نوع من الآلهة هو الذى جعلنا فى هذا الوضع...و لن تكون أية آلهة هي التى ستخرجنا منه. و الحقيقة هي أنّه لا وجود لآلهة ...و لسنا فى حاجة إليها!
الثورة التى نحتاج :
إنّه هذا النظام هو الذى جعلنا فى هذا الوضع الذى نحن فيه اليوم، و يبقينا فيه. و إنّه عبر الثورة نتخلّص من هذا النظام و يممكننا نحن ذاتنا أن نوجد نظاما أفضل بكثير. و الهدف النهائي لهذه الثورة هو الشيوعية: عالم حيث يعمل الناس و يناضلون معا من أجل الصالح العام ...حيث يساهم كلّ فرد بما يقدر عليه فى المجتمع و يتلقّى ما يحتاج إليه للعيش حياة حَرِيّة بالإنسان...حيث لن توجد بعدُ إنقسامات داخل الشعب تخوّل للبعض أن يحكموا البعض الآخر و يضطهدوه ، سالبينهم ليس فقط وسائل الحياة اللائقة و لكن أيضا معرفة ووسائل الفهم الحقيقي للعالم و العمل على تغييره.
و هذه الثورة ضرورية و ممكنة فى آن معا.
إنّ هذا النظام الرأسمالي-الإمبريالي فى أزمة ... هذا النظام فاسد... إنّه متعفّن إلى النخاع... هذا النظام قائم على الإستغلال بلا رحمة... هذا النظام يقترف عدد هائلا من الجرائم الشنيعة ، و يتسبّب فى الكثير من العذاب غير الضروري... لسنا فى حاجة إلى مزيد التضحية "لإنقاذ" هذا النظام. هذا النظام يحتاج إلى كنسه... و جرائمه ضد الإنسانية بدم بارد أ، تتوقّف... و مؤسساته أن تفكّك و تعوّض بمؤسسات تضع السلطة بأيدى الشعب لتشييد مجتمع جديد حرّ من الإستغلال و الإضطهاد.
و أعظم كذبة هي أنه لا وجود لطريق آخر سوى هذا النظام،أو أنّ محاولات إنتهاج طريق آخر فعلا ، عبر الثورة و التقدّم نحو الشيوعية ، قد إنجرّ عنها شيئا أسوأ. قد قام المعذّبون فى الأرض بالثورة و إنطلقوا على الطريق المؤدية إلى الشيوعية. أولا فى روسيا ثمّ فى الصين- و قد حقّقوا أشياءا عظيمة وهم ينجزون ذلك، قبل أن تنقلب عليهم قوى النظام القديم. و نحن هنا نقول لكم إنّ ذلك حصل قبلا ، لكن أيضا إنّه يمكن أن يحصل مجدّدا- و حتى على نحو أفضل هذه المرّة. هذه هي الحقيقة التى جرى طمسها و حولها نسجت الأكاذيب، غير أنّه لدينا وقائع و تحاليل تسند هذا – تجربة تاريخية هائلة قد جرى تلخيصها ،علميا،وهي متوفّرة منها نتعلّم و على أساسها نشيّد.
يعود الأمر لنا : لنستفق... و ننفض عنا الطرق التى وضعوها على كاهلنا، طرق تفكيرنا لكي يبقونا خاضعين و سجناء ذات شبكة الفئران...لنقف كمحررى الإنسانية الواعين . الأيام أين يمكن لهذا النظام أن يتمادى ببساطة فى فعل ما يفعله بالناس ، هنا و عبر العالم قاطبة...أين الناس غير ملهمين و منظمين ليقفوا فى وجه افظائع و لبناء قوّة لإنهاء هذا الجنون .... هذه الأيام يجب أن تنتهى و يمكن أن تنتهى.
"لكن الناس جدّ مربكين . إنّها ببساطة الطبيعة الإنسانية أن تمكون الأشياء على ما هي عليه، و لا يمكن أن يتغيّر الأمر."
نعم ، يمكن أن يتغيّر الأمر . لقد حدث ذفلك قبلا – عندما نهض الشعب للقيام بالثور. و يمكن و يجب أن يحدث من جديد- و يمكن و يجب أن يمضي حتى أبعد من ذلك. نحن، ، بملاييننا ، يمكن أن نغيّر من أنفسنا و نجهزها للحكم و لإعادة تشكيل المجتمع فى مصلحة الإنسانية- لكن لا يمكن أن نفعل هذا إلاّ و نحن نكافح لتغيير الظروف الأوسع، للإطاحة بالإضطهاد ، و نحن نلتحق بغيرنا ، عبر العالم، لتغيير العالم أجمع. وهذا ما يعنيه حزبنا حينما يقول: مقاومة السلطة و تغيير الناس ،من أجل الثورة.
"لكن لسنا فى موقع يسمح لنا بالقيام بالثورة فى هذه البلاد...إنهم أقوياء للغاية، و لن سيمحوا لنا أبدا بالمضي إلى ذلك البعد".
لا أحد أوعى من حزبنا بالصعوبات و المخاطر فى القيام بالثورة. و نحن نواجه ذلك هنا يوميا. نعرف الثمن الذى ينبغى أن ندفعه... و نعرف أن ذلك يستحق ذلك الثمن ،و أن تقديم حياتنا لأجل هذا أكثر نفعا من أي شيئ آخر، نعلم أنّهم يريدون إيقاف هذه الثورة –سحقها و قبرها قبل أن تتمكّن فعلا من النهوض من جديد... بيد أنّنا نعلم أيضا أن الكفاح يمكن أن يخاض و انّه يمكن أن تكون لنا فرصة كسب القتال ، أن نحوّل هذه الثورة إلى واقع ملموس.و نعم، هذا صحيح – الآن ليس بعدُ ، فى هذه البلاد، زمن النهوض لإفتكاك السلطة من الذين يتحكمون فينا و لإيجاد سلطة جديدة، خدمة لمصالحنا. لكن زمن العمل من أجل الثورة –لرفع درجة المقاومة بينما نشيّد حركة من أجل الثورة- للإعداد لزمن يكون فيه من الممكن النهوض لإفتكاك السلطة.
من الممكن القيام بالثورة حين يوجد وضع ثوري، و حتى أزمة أكبر فى المجتمع ككلّ: حين يصبح أناس بأعداد غفيرة يشعرون و يفهمون بعمق أن السلطة الراهنة لا شرعية لها... أنّها تخدم فقط حفنة من المضطهدين...أنّها تستعمل الكذب و الخداع ،الفساد و القوّة و العنف غير العادلين تماما للإبقاء على هذأ النظام قيد الحياة و "الإبقاء على الناس فى مواقعهم" ...حيث يلمس الملايين الحاجة إلى الكفاح من أجل تحطيم هذه السلطة و تركيز سلطة جديدة يمكن أن تحدث التغييرات التى يحتاجونها و يرغبون فيها بإستئياس. ومن أجل أن نتقوم الثورة ، لا بدّ من أن يوجد شعب ثوري، ضمن قطاعات من المجتمع بل بأعمق قواعده ضمن الذين يعيشون جهنم كلّ يوم فى ظلّ هذا النظام... شعب مصمّم على القتال فى سبيل السلطة بغية التغيير الراديكالي للمجتمع، للتخلّص من الإضطهاد و الإستغلال. غير أن النقطة هي التالية: لا يمكننا و لا يجب علينا أن نبقى مكتوفي الأيدى و ننتظر "يوما جيّدا" حيث يبرز وضع ثوري و يطفو إلى السطح شعب ثوري... لتمكين الشعب من رؤية لماذا لا ينبغى أن يثق فى هذا النظام و لا ينبغى أن يعيش و يموت على نحو يبقى النظام على قيد الحياة...و إنّما عوض ذلك ، ينبغى أن نكرّس حياتنا لمقاومة الإضطهاد و الإعداد لزمن نتمكّن فيه من التخلّص من مصدر الإضطهاد كافة. مستخدمين جريدة حزبنا "الثورةط ، كأساس و موجّه ، و الصقل التانظيمي للسيرورة جميعها ، هذا ما يعنيه حزبنا عندما نقول إنّنا نسرّع بينما ننتظر الوضع الثوري، نعدّ الأذهان و ننظّم القوى... من أجل الثورة.
كلّ هذا غير ممكن دون قيادة لكن المسألة هي ... أنّه ثمة قيادة.
القيادة التى لدينا :
لنا فى بوب آفاكيان ، رئيس حزبنا، نوعا نادرا و ثمينا من القادة الذين لا يولدون بكثرة. إنّه قائد قدّم قلبه و معارفه و قدراته و ملكاته خدمة لقضية الثورة و تحرير الإنسانية. صار بوب آفاكيان ثوريا فى الستينات مساهما فى الحركات الكبرى لتلك الأيام ، و عاملا و مناضلا بخاصة عن قرب مع أكثر القوى الثورية تقدّما فى الولايات المتحدة يومئذ، حزب الفهود السود. و مذأك بينما عديد الآخرين قد تخلّوا عن النضال ، قد عمل بوب آفاكيان و ناضل بلا هوادة لإيجاد طريق التقدّم ، متعلّما دروسا حيوية و بانيا منظّمة قادرة على الدوام يمكن أن تواصل النضال و تهدف للإرتقاء به ، فيما يتمّ التوحّد مع ذات النضال عبر العالم. و ما إنفكّ يطوّر النظرية و الإستراتيجيا للقيام بالثورة. و قد لعب دورا مفتاحا فى تأسيس حزبنا فى 1975 و مذّاك ،واصل معركة الحفاظ على الحزب على الطريق الثوري، لإ،جاز العمل بتوجه ثوري قوي.وقد درس بعمق تجربة الثورة –نواقصها و كذلك مكاسبها العظيمة- و عديد مختلف مجالات النشاط الإنساني، عبر التاريخ و عبر العالم- و قد رفع علم و منهج الثورة إلى مستوى جديد تماما، حتى نقدر ليس فحسب على أن نقاتل و إنّما فعلا على أن نقاتل من أجل الإنتصار. و قد طوّر بوب آفاكيان النظرية العلمية و التوجه الإستراتيجي لكيفية القيام فعليا بهذا النوع من الثورة التى نحتاج،وهو يقود حزبنا كقوّة متقدّمة لهذه الثورة. إنّه رمز عظيم و مصدر إلهام عظيم للناس هنا و بالفعل للناس عبر العالم بأسره . إمكانية الثورة ، بالضبط هنا، و لأجل التقدّم بالثورة فى كلّ أرجاء العالم ،قد تعزّزت بصفة كبيرة بفضل بوب آفاكيان و القيادة التى يقدّمها. و يعود الأمر لنا للتفاعل مع هذه القيادة... و مزيد الإكتشاف لبوب آفاكيان و الحزب الذى يقوده... للتعلّم من منهجه و مقاربته العلميين لتغيير العالم... لبناء هذه الحركة الثورية و حزبنا فى موقع القلب منها...للدفاع عن هذه القيادة كشيئ ثمين فعلا...و فى نفس الوقت ، نستعمل تجربتنا و فهمنا للمساعدة على تقوية سيرورة الثورة و تمكين القيادة التى لدينا من مواصلة مزيد التعلّم و القيادة بشكل أفضل حتى.
إذا لم تسمع بهذا – إذا لم تكن تعلم بالثورة التى نحتاج و القيادة التى لدينا – فإنّ مردّ ذلك هو الذين يمسكون بالسلطة و لا يريدونك أن تعلم... إنهم يبعدون ذلك عنك، أو يكذبون بشأنه عندما لا يقدرون على تكميم الكلمة.ولأنّ حزبنا نفسه إلى حدّ الآن ، لم يكن متسقا و جريئا بما فيه الكفاية فى نشر الكلمة ،و النشاط على ذلك الأساس.
لكننا نغيّر كلّ هذا –من هنا فصاعدا :
علينا نشر الكلمة فى جميع أنحاء هذه البلاد... مسلحين الناس بوسائل المشاركة فى هذه الحركة الثورية ،و منظّمين ضمن هذه الحركة كلّ من يريد أن يساهم فيها ، كلّ من يريد العمل و القتال ، للنضال و التضحية ، لوضع حدّ لهذا الكابوس الجاثم على العالم و لإيجاد عالم أفضل.
إمما نعنى ما نقول ، و لن نتراجع عن ذلك أو ندير ظهورنا لما شرعنا فيه، و لا للناس الذين يحتاجون إلى هذه الثورة . سنستمرّ فى العودة و الحفر لتعزيز هذه الحركة من أجل الثورة، لبناء ركائز ،و نشر تأثير و تنظيم القوى التى نحن فى حاجة إليها للقيام بالثورة. لن نخشى أي شيئ و لن نتراجع أو نحيد عن طريقنا.
عالم مختلف تماما، مستقبل أفضل بكثير ممكنان.
لدينا ما نحتاج إليه للنضال من أجل ذلك العالم، و ذلك المستقبل.
يعود الأمر لنا فى التفاعل مع و رفع تحدّى تحقيق هذا .
و مثلما ورد فى القانون الأساسي لحزبنا : " . تحرير الإنسانية قاطبة : هذا و لا شيئ أقلّ من هذا هو هدفنا، ليس هناك من قضية أعظم و لا هدف أسمى له نكرّس حياتنا."






















3
الشيوعية : بداية مرحلة جديدة
بيان الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية
سبتمبر 2008
على عكس ما تصمّ به آذاننا بشكل ثابت، هذا النظام الراسمالي الذى نعيش فى ظله وطريقة الحياة التى يتصرف وفقها بشكل ثابت أو فى لحظة تتسبّ بقوة فى جعل الغالبية العظمى من الإنسانية فى حالة إغتراب.
لا يمثل أفضل عالم ممكن، و لا العالم الممكن الوحيد. الطرق التى سار فيها قطار الحياة اليومية ، لقرون وألفيات، وترتب عنها إغراق الغالبية الساحقة من الإنسانية و سحقها جسديا وروحيا ، بالإضطهاد والمعاناة و المهانة و العنف و الدمار و الحجاب المظلم من الجهل والخرافة، لا تعزى إلى خطإ إقترفته هذه الإنسانية المعانية ولا يعزى ل"إرادة " إلاه أو آلهة غير موجودة ، و ليس ناجما عن "طبيعة إنسانية" ثابتة لا يمكن تغييرها . كلّ هذا تعبير وإنعكاس لطريقة تطوّر المجتمع الإنساني إلى الآن فى ظلّ هيمنة الإستغلال والإضطهاد...لكن هذا التطوّر الذى جلب الإنسانية إلى نقطة حيث أن ما حدث لآلاف السنين يجب أن يتوقف وحيث طريقة حياة مختلفة تماما ممكنة فيها البشر فرديا ، وقبل كلّ شيئ فى تفاعلهم أن يكسروا السلاسل الثقيلة للتقاليد وينهضوا بشموخ وينتهجوا طرقا غير مسبوقة أو حتى لم يتمّ تخيلها بالكامل.
/ الظلام الطويل والإختراق التاريخي :I
إن العلاقات الإقتصادية والإجتماعية ، بما فيها الهيمنة المنظّمة على النساء من قبل الرجال وإنقسام المجتمع الإنساني إلى طبقات مختلفة ذات مصالح متناقضة ، لم تكن موجودة دائما فى صفوف البشر. وضع تحتكر فيه مجموعة صغيرة ليس فقط الثروة ولكن أيضا وسائل العيش ذاتها وبذلك تجبر أعدادا ضخمة على العمل كعبيد تحت سيطرتها، بشكل أو آخر، بينما تحتكر تلك المجموعة الصغيرة السلطة السياسية ووسائل فرض هذا الإستغلال و هذه السيطرة على الحياة الفكرية والثقافية للمجتمع،حاكمة على الغالبية الساحقة بالجهل والذلّ، لم يكن هذا الوضع جزءا ملازما للمجتمع الإنساني. وليس من المقدّر أن تبقى طريقة إرتباط البشر هذه بعضهم ببعض ما بقيت الإنسانية . فهذه الإنقسامات الإضطهادية التى ظهرت قبل آلاف السنين معوّضة أشكالا مبكّرة من المجتمعات المشاعية وجدت هي ذاتها لآلاف السنين والتى تشكّلت من مجموعات صغيرة نسبيا أهمّ ممتلكاتها مشتركة وتعمل بتعاون لتلبية حاجياتها ولتنشأة أجيال جديدة.
إنحلال هذه المجتمعات المشاعية البدائية ليس مردّه بعض "الميول الطبيعية " لدى الناس للبحث عن موقع متفوّق فوق الآخرين و "التقدّم" على حسابهم، و لا إلى "إستعدادات جينية وراثية" مفترضة لدى الرجال لإخضاع النساء أو"عرق" من الناس لغزو ونهب "أعراق" أخرى. لا شكّ أنه كانت هناك نزاعات أحيانا عندما إلتقى أناس من المجتمعات المشاعية البدائية ولم يكونوا قادرين بسهولة على التوفيق بين الإختلافات بينهم ، بيد أن هذه المجتمعات لم تتميّز بإنقسامات إضطهادية مؤسساتية صارت مؤلوفة لدينا جدّا اليوم. بالنسبة للناس فى تلك المجتمعات المشاعية ، فكرة أن يركّز البعض فى تلك المجتمعات كسادة على الآخرين ، و يبحثون عن الحصول على الثروة والقوّة بإجبار الآخرين على العمل لفائدتهم ، كانت ستبدو غريبة وشنيعة. بالأحرى ، ظهور الإنقسامات الطبقية و العلاقات الإجتماعية الإضطهادية بين الناس تسبب فى تغيير طرق الناس فى التفاعل مع المحيط الطبيعي "الخارجي" و بخاصة فى تغيير طرق تنفيذ هؤلاء الناس لإنتاج المتطلبات المادية للحياة والتناسل وتنشأة الأجيال الجديدة.
وعلى وجه الخصوص، مع بداية تنفيذ تنظيم هذا الإنتاج وإعادة الإنتاج بطريقة بحيث أن أفرادا بدلا من المجتمع ككلّ، بدؤوا يسيطرون على فائض إنتاج المجتمع، الفائض عن مجرّد ضرورة البقاء على قيد الحياة، وبالخصوص مع إستقرار الناس تقريبا بشكل دائم على القطع المعينة من الأرض شرعوا فى الإنتاج الزراعي على الأرض أين إستقروا ثمّ أتى ليل طويل وفيه قُسّم البشر إلى سادة وعبيد، أقوياء وضعفاء، حكام ومحكومين ، من لهم دور حاسم فى تقرير إتجاه المجتمع ومن يتشكل قدرهم بهذه الطريقة حتى بينما ليس لهم دور فعّال فى تقرير ذلك المصير.
وعبر آلاف السنين من الظلام للأغلبية الغالبة من الإنسانية ،حلم الناس بحياة مغايرة حيث العبودية والإغتصاب وحروب النهب تنتهى و ينتهي الإغتراب مدى الحياة والمعاناة و اليأس عن تشكيل "الوضع الإنساني". وهذا التوق لعالم مختلف وجد التعبير عنه فى أشكال متنوعة من الخيالات الدينية، والبحث فى ما وراء العالم عن إلاه أو آلهة من المفترض أن تسيطر على مصير الإنسان و الذى من المفترض أنه فى حياة أخرى مستقلّة ، إن لم يكن ذلك فى حياته ،سوف يكافئ الذين تحمّلوا معاناة لانهائية زمن عيشهم على الأرض. ولكن وجدت أيضا محاولات تغيير الأمور فى هذا العالم إذ حدثت تمرّدات وإنتفاضات وهزات جماهيرية ونزاعات مسلحة وحتى ثورات فيها المجتمعات والعلاقات بين المجتمعات تغيرت إلى حدّ هائل. وسقطت حكومات وأطيح بأنظمة ملكية كما جرت الإطاحة بمالكي العبيد النبلاء والإقطاعيين.لكن لمئات وآلاف السنين، بينما تمّت التضحية بحياة عديد الناس بإرادة أو بغير إرادة ، كانت النتيجة أن فى هذه الصراعات ، جرى إستبدال حكم مجموعة بحكم مجموعة أخرى من الإستغلاليين والإضطهاديين ، و بشكل أو آخر، ظلت مجموعة صغيرة من المجتمع تحتكر الثروة والسلطة السياسية والحياة الفكرية و الثقافية، مهيمنة ومضطهدة الغالبية الغالبة وشانّة مرارا وتكرارا حروبا مع الدول الإمبراطوريات المنافسة.
وظلّ كل ذلك على حاله جوهريا إذ لم يظهر ضوء نهار جديد لجماهير الإنسانية بالرغم من تضحياتها وكفاحها... إلى أن برز شيئ جديد جذريا قبل أكثر من مائة سنة بقليل : نهوض الشعب الذى جسّد ليس فقط الرغبة ولكن كذلك إمكانية وضع حدّ لكافة العلاقات الإستغلالية والإضطهادية وجميع النزاعات العدائية الهدّامة ضمن البشر ، فى كل مكان من العالم. فى 1871، فى خضمّ حرب بين حكومت"هم" وألمانيا ،نهض الشغالون فى عاصمة فرنسا،الشغالون الذين كانوا لفترة طويلة مستغَلين ومفقرين ومذلين ،نهضوا لإفتكاك السلطة وتأسيس شكل جديد من المجتمع الإنساني. كانت هذه كمونة باريس التى وجدت فقط فى ذلك الجزء من فرنسا والتى دامت شهرين قصيرين لا غير، إلآ أنها مثلت شكلا جنينيا لمجتمع شيوعي فيه تلغى فى النهاية الإنقسامات الطبقية والإضطهادية بين الناس. وسحقت الكمونة بفعل وزن وقوة النظام القديم وذبح الآلاف فى محاولة جريئة لكنها فى النهاية غير مجدية للإبقاء على الكمونة. بيد أن الخطوات الأولى بإتجاه عالم جديد ، الطريق فُُتح والدرب تجلى وإن بصفة خاطفة حينها.
وحتى قبل أحداث كمونة باريس ، صيغت إمكانية عالم جديد راديكاليا ، دون إستغلال وإضطهاد ،صيغة علمية من خلال عمل كارل ماركس ، سوية مع معاونه ومعاصره ، فريديريك إنجلز مؤسسا الحركة الشيوعية. وكما وضع ذلك ماركس نفسه ، سنوات فقط قبل الكمونة :
" عندما تدرك العلاقة الداخلية ، فإن الإعتقاد النظري للضرورة الدائمة للظروف القائمة يتوقف قبل أن ينهار عمليا"(1)
وهذا ما فعله ماركس إذ نقّب علميا وكشف ليس فقط "العلاقات الداخلية" للنظام الرأسمالي الذى صار الشكل المهيمن للإستغلال فى أوروبا وكان يستعمر مناطق كبيرة من العالم، وإنما أيضا "العلاقات الداخلية" بين الرأسمالية وبقية الأشكال السابقة من المجتمع الإنساني وبقيامه بذلك بيّن أنه لا وجود ل "ضرورة دائمة " سواء فى إستمرار الرأسمالية أو فى وجود مجتمع آخر قائم على إستغلال وإضطهاد البعض للغالبية. فكان ذلك إختراقا عميقا فى فهم البشر للواقع، ما أسّس نظريا لإختراق تاريخي ،عالمي عمليا لتثوير غير مسبوق للمجتمع الإنساني والعلاقات بين الناس عبر العالم كافة.
أكثر إكتشافات ماركس جوهرية هو أن المجتمع الإنساني و العلاقات بين الناس فى المجتمع ،لا تقرّرها أفكار وإرادات الأفراد ،سواء تعلّق الأمر بأفراد من البشر أو بكائنات خارقة خيالية، بل تقرّرها الحاجة التى يواجهها الناس فى إنتاج وإعادة إنتاج المتطلبات المادية للحياة و طريقة ترابط الناس والوسائل التى يستعملونها ، لتلبية تلك الحاجة. وفى عالم اليوم ، بالتقنية العالية التطوّر المتوفرة - وبالخصوص بأولئك الذين أبعدوا عن السيرورة العملية لإنتاج المتطلبات الأساسية للحياة- من اليسير نسيان أنه إذا لم يُنجز النشاط الإنتاجي لتلبية تلك المتطلبات ( الغذاء و السكن والنقل وما إلى ذلك ) وإذا لم تستطع المجتمعات الإنسانية أن تعيد إنتاج أفرادها الخاصين ، فبالتالي ستتوقف تقريبا الحياة وأن كافة ما يستمرّ فى المجتمع والذى يعتبر سيره تقريبا بديهيا طالما أن الأمور فى المجتمع تمضى "عادية" لن يكون ذلك ممكنا. وكان التوغل فى كافة تلك الطبقات المعقدة لتطوّر التاريخ الإنساني و التنظيم الإجتماعي لهذه البنية التحتية و الصميم الضروري لسير المجتمع الإنساني مكسبا عظيما ومساهمة أممية من ماركس.
لكن ماركس أثبت أيضا أن ،فى أي وقت كان ، مهما كانت الوسائل المستعملة فى إنتاج و إعادة إنتاج المتطلبات المادية للحياة ( مهما كانت طبيعة قوى الإنتاج – الأرض والمواد الأولية و التقنية ، سواء البسيطة أو المعقدة، والناس ذاتهم بمعارفهم وقدراتهم-) هي التى تقرّر بالأساس وفى النهاية طريقة تنظيم الناس وعلاقات الإنتاج التى يدخل فيها الناس لكي يستعملوا على أفضل وجه قوى الإنتاج. ومرّة أخرى، أثبت ماركس أن علاقات الإنتاج هذه ليست مسألة إرادة أو نزوات أفراد مهما كانوا أقوياء وإنما ينبغى بالضرورة أن تتوافق أساسا مع طابع قوى الإنتاج فى أي زمن معيّن. على سبيل المثال، إذا كانت تقنية المعلوماتية وسيرورات الإنتاج ذات العلاقة التى هي اليوم محورية فى الإقتصاديات الحديثة، وجدت فى المجتمعات المتكونة من مجموعات صغيرة من الناس التى تبحث عن الكلأ وتصطاد فى مناطق شاسعة ( نسبة لحجم سكانها) ، وهي طريقة الحياة فى المجتمعات المشاعية البدائية، فإن إدخال هذه التقنية سيجلب تغييرات مثيرة فى طبيعة تلك المجتمعات : ستتصدّع طريقة حياتهم وتتغيّر بشكل ذو دلالة. وكذلك وعلى سبيل المثال ،لا يمكن للتقنية الحديثة أن تستعمل بفعالية فى فلاحة المزرعة التى كانت العمود الفقري لطريقة العيش فى جنوب الولايات المتحدة ن أثناء حقبة العبودية ولما يناهز القرن بعد الإلغاء القانوني للعبودية عبر الحرب الأهلية فى عشرينات القرن التاسع عشر . فتلك الفلاحة الزراعية تميّزت بمستوى منخفض من التقنية لكن العمل كان ينجز بالتعويل على العمل المركز أولا بالأعداد الكبيرة من العبيد وبعد ذلك بالمزارعين بالريع والمزارعين: و الكدح الشاق من "الفجر حتى الليل" وفى الحقيقة ، فى الفترة الموالية للحرب العالمية الثانية على وجه الخصوص ، قد قوّض إدخال التقنية الجديدة إلى الزراعة الجنوبية ،لا سيما الجرارات والزراعة الآلية والحاصدات ، على نطاق أوسع فأوسع، نظام الزراعة القديم وكان الحافز الرئيسي فى دفع عديد السود الذين قيدوا سابقا إلى الأرض بشكل أو آخر ، خارج الأرض نحو مدن الشمال وكذلك مدن الجنوب. و هذا ،بدوره ، شكّل جزءا هاما من القاعدة المادية التى على أساسها شنّ النضال لإنهاء الميز القانوني والإرهاب المفتوح للكلوكلوكس كلان ودعاة تفوّق عنصري آخرين – وهو نضال عبر تضحيات وبطولات عظيمة ،أحدث تغييرات هامة جدا فى المجتمع الأمريكي ،و فى موقع السود بصفة خاصة ،حتى ولو أنه لم يضع ولم يستطع أن يضع نهاية لإضطهاد السود الذى كان ويظلّ اليوم عنصرا تاما وأساسيا من النظام الرأسمالي – الإمبريالي فى الولايات المتحدة الأمريكية.(2)
ويجسد هذا حقيقة حاسمة أخرى كشفها ماركس ألا وهي أنه على أساس علاقات الإنتاج القائمة فى أي وقت كان سينهض بناء فوقي من السياسة والإيديولوجيا – هياكل سياسية ومؤسسات وسيرورات وطرق تفكير وثقافة – يجب جوهريا وستتماشى مع وبدورها ستخدم الحفاظ على علاقات الإنتاج القائمة و تعزيزها. وبيّن ماركس أكثر بأنه نظرا لأن التغييرات فى قوى الإنتاج ستقود إلى ظهور علاقات إنتاج متميّزة بالإخضاع و الهيمنة فإن المجتمع إنقسم إلى طبقات مختلفة، موقعها فى المجتمع مستند إلى أدوارها المختلفة فى سيرورة الإنتاج. فى مجتمع منقسم إلى طبقات، الطبقة المهيمنة إقتصاديا ، المجموعة فى المجتمع التى تحتكر الملكية والسيطرة على وسائل الإنتاج الرئيسية ( التقنية و الأرض والمواد الأولية إلخ)هي التى ستهيمن أيضا على البنية الفوقية السياسية والإيديولوجية. وهذه الطبقة المهيمنة إقتصاديا ستمارس إحتكارا للسلطة السياسية التى تتجسّد فى الدولة وبخاصة وسائل القمع السياسي ومن ذلك الشرطة وكذلك الجيش و النظام القانوني والمؤسسات الجزائية وإضافة إلى السلطة التنفيذية وهي تتخذ تعبيرا مركزا فى إحتكار القوات المسلحة "الشرعية". لذا، طرق التفكير السائدة هي أيضا سائدة فى المجتمع بما فى ذلك كما يجرى التعبير عنها فى الثقافة ستتماشى مع نظرة ومصالح الطبقة المهيمنة ( مثلما أوضح ذلك ماركس وإنجلز فى "بيان الحزب الشيوعي"طالما أن المجتمع منقسم إلى طبقات، فإن الأفكار السائدة فى أي فترة هي دائما أفكار الطبقة الحاكمة).
ثمّ ما هو الأساس الجوهري وما هي القوى الكامنة الدافعة لتغيّر المجتمع؟حلّل ماركس كيفية أنه عبر نشاط وإبداع الناس ، تتطوّر بإستمرار قوى الإنتاج وعند نقطة معينة ستدخل قوى الإنتاج التى تطوّرت فى تناقض عدائي مع علاقات الإنتاج القائمة ( ومع البنية الفوقية والسياسة والإيديولوجيا التى تتناسب مع علاقات الإنتاج هذه ) عند هذه النقطة ، كما وصف ذلك ماركس ، تصبح علاقات الإنتاج القائمة ، بمعنى شامل ، قيدا وعرقلة لقوى الإنتاج ، وحين يظهر الوضع ، ينبغى القيام بثورة هدفها تثوير علاقات الإنتاج ورفعها إلى مستوى قوى الإنتاج ،لإيجاد وضع حيث علاقات الإنتاج تكون ملائمة أكثر لذلك التطوّر. ومثل هذه الثورة ستدفع إليها قوى تمثّل طبقة تجسّد إمكانية إنجاز هذا التحويل لعلاقات الإنتاج. ولكن هذه الثورة يجب ولا يمكن لها إلا أن تحدث فى البنية الفوقية – فى الصراع من أجل السلطة السياسية على المجتمع، عبر الإطاحة بسلطة الدولة القديمة وتفكيكها وإرساء سلطة دولة جديدة- مما يمكّن حينئذ من تغيير علاقات الإنتاج وكذلك البنية الفوقية ذاتها ،فى إنسجام مع مصالح الطبقة الحاكمة الجديدة وقدرتها على أن تطلق تماما قوى الإنتاج وعلى أن تستعملها.
وبالطبع ،الثورة سيرورة معقدة للغاية ،تشمل العديد من الناس والمجموعات المختلفة وذات وجهات النظر والأهداف المتنوعة والذين ينجزون مثل هذه الثورة قد يكونون أقل أو أكثر وعيا بالتناقضات الكامنة ( بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج) التى أرسى تطوّرها حاجة وظهور الديناميكية التى جعلت مثل هذه التناقضات و الديناميكية تجلبان إلى المقدمة أولئك الذين يمكن أن يتقدّموا ويتقدّمون جوهريا بموجب الحاجة لتحويل علاقات الإنتاج لجعلها تنسجم مع تطوّر قوى الإنتاج. هذا ما حصل ،على سبيل المثال ،فى الثورة الفرنسية أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، أكثر الثورات البرجوازية راديكالية : عديد القوى الطبقية والمجموعات الإجتماعية المختلفة شاركت فى تلك الثورة ، لكن فى آخر المطاف كانت القوى السياسية هي التى مضت فى إرساء النظام الرأسمالي ، بدلا من النظام الإقطاعي القديم، وهي التى كانت قادرة على التخندق فى السلطة جوهريا لأن هذا التغيير فى الإقتصاد وفى المجتمع ككل على ذلك الأساس ، مثّل وسيلة ضرورية لجعل علاقات الإنتاج تنسجم مع قوى الإنتاج التى تطوّرت.
وتزوّدنا الحرب الأهلية الأمريكية أيضا بتوضيح للمبادئ والمنهج الأساسيين الذين طوّرهما ماركس وطبّقهما على تاريخ المجتمع الإنساني. جرت بالأساس نتيجة أن نظامين للإنتاج ( متميّزين بنظامين مختلفين من علاقات الإنتاج : الرأسمالية و العبودية ) بلغا نزاعا عدائيا وما عاد بوسعهما التعايش ضمن نفس البلاد. و نتيجة لهذه الحرب الأهلية التى إنتهت بإنتصار الطبقة الرأسمالية ،المرتكزة فى الشمال، قضى على النظام العبودي ، وبات النظام الرأسمالي مهيمنا فى البلاد ككل، حتى وإن بالخصوص إثر فترة قصيرة من إعادة البناء التى تلت الحرب الأهلية، جرت إعادة إدماج الأرستقراطية و الملاكين العقاريين والرأسماليين المتطوّرين فى الجنوب فى الطبقة الحاكمة لهذه البلاد قاطبة وبالفعل كان لذلك تأثير عظيم داخل الطبقة الحاكمة، بينما أخضع العبيد السابقين ومجدّدا لأشكال من الإستغلال والإضطهاد بالكاد أقلّ ثقلا من العبودية ( وبعض أشكال العبودية الفعلية إستمرت فى الوجود لا سيما فى الجنوب، بعد فترة طويلة من الإلغاء القانوني الرسمي).
ومن هذه الأمثلة التاريخية ، يمكن أن نرى ان نفى الثورات التى أفرزت تغييرات نوعية فى المجتمع لكنها مع ذلك لم تؤدى سوى إلى تركيز طبقة مستغِلة فى الموقع المهيمن ، فإن النمط قد تكرّر حيث تقدّم الجماهير الشعبية المضطهَدَة (أو يقع التضحية بها) فى هذه الثورات ( مثلا 200 ألف من العبيد السابقين قاتلوا إلى جانب الشمال فى تلك الحرب ، وقُتلوا بنسب مائوية أرفع بكثير من غيرهم فى الجيش الإتحادي) ورغم ذلك، فى آخر المطاف جنا مستغلو الجماهير ،القدامى منهم والجدد ، ثمار هذه التضحية. وهكذا كان الأمر منذ زمن ظهور الإنقسامات الطبقية وهيمنة الطبقات المستغِلة تميّز المجتمع الإنساني. هذا كلّ ما كان ممكنا... إلى حينها.
ماهو ذو دلالة وهو محرّر هو أنّ ماركس كشف أن تطوّر المجتمع الإنساني ، بفعل الديناميكية التى أظهرها إلى النور ، أدّت إلى وضع فيه صار عالم آخر مغاير راديكاليا ممكنا. لقد بلغنا نقطة حيث ، عبر كافة التطوّر المعقّد الذى عرضنا فقط فى خطوط عامة هنا بكلمات بسيطة للغاية ، توجد الآن قوى إنتاج تجعل من الممكن إيجاد وتوسيع مستمرين لوفرة جوهريا بوسع الإنسانية ككل أن تتقاسمها وتستعملها لتلبية الحاجيات المادية للشعب فى كل مكان، بينما تزوّد الجميع أيضا بحياة فكرية وثقافية غناها فى إزدياد. ليس فقط كون التقنية تطورت لتجعل هذا ممكنا بصورة عامة لكن أيضا أن هذه التقنية بمستطاعها – وفى الواقع يجب - أن تستعمل من قبل مجموعات واسعة من الناس تعمل بتعاون. وبيّن ماركس التناقض الجوهري للنظام الرأسمالي الذى يسيطر على عالم اليوم، بمثل هذه الكلفة الكبيرة وبمثل هذا الخطر الكبير على الإنسانية : التناقض بين الطريقة المشتركة فى تنفيذ الإنتاج وكون سيرورة الإنتاج وما يُنتج يسيطر عليه ويملك فرديا من طرف عدد صغير من الرأسماليين.
ومثلما يشدّد على ذلك" القانون الأساسي" لحزبنا :" فى عالم اليوم، إنتاج الأشياء و توزيع المنتجات ينجزه بشكل كبير عدد كبير من الناس الذين يعملون جماعيا وهم منظّمون فى شبكات عالية التنسيق. و فى أساس هذه السيرورة جميعها توجد البروليتاريا وهي طبقة عالمية لا تملك شيئا رغم أنها قد صنعت هذه القوى المنتجة ذات الطابع الإجتماعي الهائل وهي التى تشغّلها. وهذه القوى الإنتاجية العظيمة بوسعها أن توفّر للإنسانية ليس تلبية الحاجيات الأساسية لكلّ فرد على الكوكب فحسب بل بناء مجتمع جديد له جملة من العلاقات الإجتماعية و القيم المختلفة كلّيا... مجتمع حيث يستطيع كلّ الناس أن يزدهروا سوية حقا و بالكامل."(3)
إنجاز هذا أي معالجة التناقض الرأسمالي الجوهري عبر الوسائل الثورية وتجاوز إنقسام الإنسانية إلى مستغِلِين ومستغَلِين ،حكام ومحكومين، هو هدف الشيوعية. وهذه ثورة تتناسب مع أكثر مصالح البروليتاريا جوهرية ، البروليتاريا التى تنفذ ، فى ظلّ شروط السيطرة والإستغلال الرأسماليين ،الإنتاج الجماعي والتى تجسّد إمكانية جعل علاقات الإنتاج تتناسب وقوى الإنتاج ومزيد إطلاق قوى الإنتاج تلك، بما فيها الناس ذاتهم . لكن على خلاف كافة الطبقات السابقة التى أنجزت ثورة لمصلحتها ، فإن البروليتاريا الثورية لا تهدف ببساطة إلى تركيز نفسها وممثليها السياسيين فى موقع الحاكم فى المجتمع ،بل تهدف إلى تخطى الإنقسام الإجتماعي إلى طبقات، لإجتثاث جميع العلاقات الإضطهادية وإلى جانب ذلك إزالة جميع المؤسسات والأدوات التى عبرها جزء من المجتمع يهيمن ويضطهد جزءا آخر. ومثلما لخّص ذلك ماركس ،تهدف هذه الثورة إلى – وستنتهى فقط إذا حققت- ما صار يسمى "الأربع الكل" : إزالة كل الإختلافات الطبقية، وكلّ علاقات الإنتاج التى تقوم عليها هذه الإختلافات الطبقية وكل العلاقات الإجتماعية التى تتناسب مع علاقات الإنتاج تلك وتثوير كل الأفكار التى تتناسب مع تلك العلاقات الإجتماعية. وبإختصار مفيد وبقوّة أدرك ماركس فحوى هذا بتشديده على أن البروليتاريا يمكن أن تحرّر نفسها فقط بتحرير كافة الإنسانية .
لكلّ هذا تمثل الثورة الشيوعية الثورة الأكثر جذرية وتحريرية حقا فى تاريخ الإنسانية.
عند إلقاء نظرة على التجربة التاريخية الهائلة التى منها إستقى إستنتاجاته ، أشار ماركس للفهم العميق بأن الناس يصنعون التاريخ ، لكنهم لا يصنعونه بالطريقة التى يتمنون. إنهم يصنعونه على قاعدة الظروف المادية وبشكل خاص الظروف و العلاقات الإقتصادية الكامنة التى ورثوها عن الأجيال السابقة والطرق الممكنة للتغيير الكامنة فى الطبيعة المتناقضة لهذه الظروف. وكما أشار بوب آفاكيان رئيس الحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية، فى "القيام بالثورة وتحرير الإنسانية " (الجزء الأول) :
" بوسعنا أن نعقد مقارنة هنا بالتطوّر فى العالم الطبيعي. واحدة من النقاط التى تمّ التشديد عليها مرارا و تكرارا فى الكتاب حول التطوّر الذى ألفته أرديا سكايبراك هو أن سيرورة التطوّر لا يمكنها أن تحدث تغييرات إلاّ على أساس ما هو موجود بعدُ...والتطوّر فى العالم الطبيعي يحدث ولا يمكنه إلا أن يحدث من خلال تغييرات تنهض على أساس وفى علاقة مع الواقع القائم و القيود القائمة (أو بصيغة أخرى ، الضرورة القائمة) (4).
ويزوّدنا هذا بالردّ الأساسي على الذين يثيرون سؤال : من أنتم لتقولوا لنا كيف يمكن تنظيم المجتمع؟ وبأي حقّ أنتم الشيوعيين يجب أن تملوا التغيّر الممكن وكيف يجب أن يتمّ؟ هذه الأسئلة تخطئ الهدف وهي تمثل عدم فهم جوهري لديناميكية التطوّر التاريخي ( وطرق التغيير الممكنة) فى المجتمع الإنساني وكذلك فى العالم المادي على الوجه الأعمّ . وهذا يشبه سؤال لماذا لا تستطيع الطيور أن تلد تماسيحا أو لماذا لا يلد البشر نسلا قادرا على الطيران حول الأرض ، لوحدهم ،فى لحظة ما ، قافزين على العمارات الشاهقة وبقفزة واحدة ويتمتعون برؤية أشعة سينية تخوّل لهم الرؤية من خلال الأجسام الصلبة ، ويودون معرفة : من أنتم لتملوا ما الذى سيحدث عبر التناسل ؟ ومن أنتم لتقولوا إن للنسل الإنساني خصائصا معينة وليس أخرى؟ ليست مسألة "من أنتم" لكن مسألة ما هو الواقع المادي وما هي إمكانيات التغيير الفعلي الكامنة ضمن الطابع (المتناقض) للواقع المادي. المسألة هنا مزدوجة : لأول مرّة فى تاريخ الإنسانية ،جعلت الظروف المادية ممكنا القضاء نهائيا على علاقات الهيمنة والإضطهاد والإستغلال، والفهم النظري لتوجيه النضال نحو ذلك الهدف نشأ على أساس من الواقع المادي وتطوّره التاريخي الذى ولّد هذه الإمكانية.
وفى نفس الوقت، لا يمكن لهذا التغيير التاريخي-العالمي لعلاقات الإنتاج الإجتماعية إلاّ أن يحدث على قاعدة الإعتماد على الظروف المادية الفعلية و التناقضات التى تميّزها والتى تفتح الباب لهذه الإمكانية لكن التى تجسّد أيضا العقبات أمام تحقيق التغيير الإجتماعي الجذرّي ،وهذا يتطلّب فهما ومقاربة علميين لهذه الديناميكية المتناقضة وقيادة مجموعة منظمة من الناس مستندة إلى هذا المنهج وهذه المقاربة. لأجل إنجاز النضال المعقّد والصعب لتحقيق هذا التغيير و التقدّم نحو الشيوعية عبر كافة أنحاء العالم.
/ المرحلة الأولى من الثورة الشيوعية :II
كانت كمونة باريس محاولة عظيمة أولى لصعود جبال التحرّر الإنساني وكانت رائدة بالنسبة للمستقبل ، لكنها تفتقر للقيادة الضرورية ولم تسترشد بالفهم العلمي الضروري للقدرة على مقاومة الهجمات الحتمية لأعداء الثورة من النظام القديم وثمّ لإنجاز تغيير شامل للمجتمع، فى المجالات جميعها : الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والثقافية والإيديولوجية.
وبعض الذين يناقشون تجربة الكمونة بنظرة رومانسية ،عوض معالجتها بنظرة ومنهج علميين يحبون الإستشهاد بغياب القيادة المنظمة والموحدة على أساس وجهة نظر علمية ، ماركسية، كأحد مزايا الكمونة. بيد أن هذا كان فى الحقيقة أحد نواقصها الكبرى وأحد أهمّ العوامل التى ساهمت فى هزيمتها، بعد فقط فترة قصيرة من الوجود. غياب مثل هذه القيادة ومحاولة التطبيق الفوري لإجراءات تزيل جوهريا أي قيادة مؤسساتية هي سبب من الأسباب الرئيسية لعدم قدرة الكمونة بما فيه الكفاية على قمع القوى المنظمة التى كانت مصمّمة على إبادة الكمونة وضمان أن شبح الثورة الشيوعية الذى بدا فظيعا للغاية ، من وجهة نظر المستغِلّين والمضطهِدين ،لن ينهض مجدّدا أبدا. بشكل خاص ،كما أشار ماركس، أخفق الكمونيون فى الزحف على الفور على قلاع الثورة المضادة فى المدينة القريبة ، فرساي ، و لذلك إستطاعت الثورة المضادة أن تعيد تجميع قوتها وغزت باريس ووجهت ضربة مميتة للكمونة وذبحت الآلاف من أكثر مقاتليها تصميما فى السيرورة. لكن أبعد من النتائج الفورية التى إنجرّت إلى درجة هامة، عن نواقص كمونة باريس وحدودها، الواقع أنه لو هزمت الكمونة هجمات الثورة المضادة وبقيت قيد الحياة، كانت ستواجه حينها تحدّيا أعظم حتى فى إعادة تنظيم وتغييرالمجتمع بأسره وليس فقط العاصمة باريس حيث مسكت بالسلطة لفترة لامعة لكن قصيرة للغاية. كان عليها أن تبني إقتصادا جديدا ومختلفا راديكاليا ، إقتصادا إشتراكيا ، فى بلد لا زال متشكلا بصفة واسعة من مزارعين صغار (فلاحين) وكان عليها أن تتخطى اللامساواة العميقة و المتجذّرة فى التقاليد والإضطهاد ،لا سيما السلاسل التى ربطت النساء لآلاف السنين. وهنا من جديد تبرز نواقص الكمونة وحدودها : نهضت النساء بدور حيوي وبطولي فى إنشاء الكمونة وفى القتال للدفاع عنها ومع ذلك ظلّت فى موقع تابع داخل الكمونة.
فى أقل من 50سنة من هزيمة كمونة باريس ، بداية من أواسط الحرب العالمية الأولى بين الإمبرياليين ، أنجز تغيير ثوري أكثر جذرية وعمقا فى ما كان يسمى الإمبراطورية الروسية إذ أطاحت الثورة بالقيصر ( الملك الروسي) الذى كان الحاكم الوارث للإمبراطورية ثمّ أطاحت بالطبقة الرأسمالية التى سعت لملئ" الفراغ فى السلطة "وإفتكاك السيطرة على المجتمع عندما سقط القيصر.
وخلال هذه الثورة التى قادها لينين ، نشأ الإتحاد السوفياتي كأول دولة إشتراكية فى العالم ، ورغم أن لينين ذاته توفي فى 1924 ، لعدّة عقود بعده أنجز التغيير الإشتراكي فى الإتحاد السوفياتي ،حتى لماّ واجه تهديدات مستمرّة وهجمات متكررة من القوى المضادة للثورة، داخل البلاد وخارجها، بما فى ذلك الغزو الهائل للإتحاد السوفياتي من قبل الإمبريالية الألمانية النازية أثناء الحرب العالمية الثانية، التى كلفت حياة أكثر من 20 مليون مواطن سوفياتي وأحدثت دمارا كبيرا فى البلاد.
فى قيادته للثورة الروسية ، فى خطوتها العظيمة الأولى لإفتكاك السلطة السياسية وتعزيزها والإبحار على طريق التحويل الإشتراكي ، عمل لينين إنطلاقا من الأساس العلمي للإختراقات التى حققها ماركس وواصل تطوير العلم الحيّ، الماركسية تطويرا خلاقا. وإستخلص دروسا مهمة من كمونة باريس وكذلك من التجربة التاريخية للمجتمع الإنساني و العالم الطبيعي بصورة أوسع. وتتحلى بأهمية بالغة صياغة لينين فهم أن الحزب الطليعي الشيوعي ضروري للسماح لجماهير الشعب بخوض صراع متزايد الوعي فلإطاحة بحكم الرأسماليين وبعد ذلك إنجاز التحويل الجذري للمجتمع نحو الهدف النهائي، الشيوعية عالميا.
وطبّق لينين وطوّر أيضا الفهم الذى صاغه ماركس على أساس تلخيص الدروس المُرّة لكمونة باريس ، بأنه عند إنجاز الثورة الشيوعية ، من غير الممكن الإبقاء على الآلة الجاهزة ، الدولة القديمة التى خدمت النظام الرأسمالي ، من الضروري تحطيم وتفكيك تلك الدولة وتعويضها بدولة جديدة : عوض ما هو فى الواقع دكتاتورية الطبقة الرأسمالية (البرجوازية) ، من الضروري إرساء السلطة السياسية للطبقة الثورية الناهضة ، دكتاتورية البروليتاريا، كنوع دولة مغايرة راديكاليا، سيشّرك بصورة متصاعدة جماهير الشعب فى إنجاز التحويل الثوري للمجتمع. كما شدّد على ذلك لينين ،هذه الدكتاتورية الثورية ضرورية لسببين إثنين:
1- منع الإستغلاليين القدامى منهم والجدد داخل البلاد وفى مناطق أخرى من العالم ، من إلحاق الهزيمة بنضالات الجماهير الشعبية وتشكيل مجتمع وعالم جديدين راديكاليا و التقدّم فى هذه النضالات التى تنشد إنجاز "الأربعة الكل".
2- ضمان حقوق الشعب فى كلّ لحظة ،رغم اللامساواة التى تبقى ، بدرجات مختلفة ، بين قطاعات من الشعب خلال شتى مراحل الإنتقال الإشتراكي إلى الشيوعية وفى نفس الوقت نظرا لكون غاية دكتاتورية البروليتاريا هي مواصلة إجتثاث وفى النهاية تخطى مثل هذه اللامساواة الإجتماعية وبلوغ نقطة عبر العالم ، بحيث لن تستطيع الإنقسامات الإجتماعية الإضطهادية أن تظهر،والدولة ، كأداة مؤسساتية لفرض القوانين والحقوق لن تكون ضرورية وستعوّض الدولة ذاتها بالإدارة الذاتية للناس دون إختلافات طبقية وتناقضات عدائية إجتماعية.
للإستشهاد مرّة أخرى بمقدّمة" القانون الأساسي" لحزبنا : " خدمت كافة الدول السابقة توسيع العلاقات الإستغلالية وعزّزت نفسها ضد أي تغييرات جوهرية فى هذه العلاقات. وبالعكس ، دكتاتورية البروليتاريا ، تهدف إلى إلغاء الدولة فى النهاية ، مع القضاء على الإختلافات الطبقية وكافة العلاقات الإجتماعية العدائية المؤدية إلى الإستغلال والإضطهاد والتجدّد الثابت للنزاعات الهدّامة بين الناس. ولأجل أن تستمرّ بالتقدّم صوب هذه الغاية ، ينبغى على دكتاتورية البروليتاريا أن تجلب بصفة متصاعدة جماهير الشعب ، من عديد شرائح المجتمع المختلفة ، للمساهمة مساهمة ذات دلالة فى عملية تسيير المجتمع وإنجاز التقدّم بإتجاه الهدف النهائي ، الشيوعية عبر العالم."
فى السنوات القليلة من ترأسه للدولة السوفياتية ، قادها لينين للإبحار فى التحويل الإقتصادي و فى المجتمع ككل وفى توفير التوجيه النظري والدعم النشيط للنضال الثوري فى كافة أنحاء العالم. لكن ، مع وفاة لينين فى 1924، تحدّى قيادة هذه السيرورة ، فى عالم معادى تهيمن عليه البلدان الإمبريالية القوية ودول رجعية أخرى، وقع على عاتق ستالين الذى برز كقائد للحزب الشيوعي السوفياتي . كانت هذه تجربة تاريخية لم يسبق لها مثيل : لعقود عدّة ، شهد الإقتصاد وكذلك العلاقات الإجتماعية الواسعة بما فيها العلاقات بين النساء و الرجال وكذلك بين مختلف القوميات و المؤسسات السياسية وثقافة المجتمع ونظرة جماهير الشعب، شهدوا تغييرات عميقة . وتحسّن مستوى عيش الشعب كثيرا وفى كل المجالات بما فيها الرعاية الصحية والإسكان والتربية ومعرفة القراءة و الكتابة . لكن أبعد من ذلك، بدأ عبئ الإستغلال ووزن التقاليد القديمة يرفع عن كاهل الجماهير الشعبية. وتحققت إنجازات عظيمة فى جميع مجالات الحياة والمجتمع ولكن وليس بالأمر الغريب وجدت حدود ونواقص وأخطاء وبعضها راجع إلى الوضع الذى ألفى فيه الإتحاد السوفياتي نفسه دولة إشتراكية وحيدة فى العالم لعدّة عقود ( حتى بعد الحرب العالمية الثانية) وبعضها يعزى لمشاكل فى نظرة ومقاربة ومنهج الذين قادوا السيرورة بالخصوص ستالين. بأفق تاريخي ضروري وتطبيق النظرة والمنهج العلميين الماديين الجدليين وفى معارضة لإشاعة التشويهات والإفتراءات التى لا تبدو لها نهاية ضد الإشتراكية والشيوعية ، يمكن ويجب أن نستخلص بوضوح بأن التجربة التاريخية للإشتراكية فى الإتحاد السوفياتي ( ولدرجة حتى أكبر فى الصين، إثر إرساء الإشتراكية هناك) كانت بالتأكيد إيجابية رغم السمات السلبية التى يستحيل نكرانها ومنها جميعا يتعين أن يتمّ التعلّم بعمق.(5)
ماوتسى تونغ هو الذى قاد النضال الثوري فى الصين لعقود متوجا ذلك بإنتصار فى المرحلة الأولى من الثورة بتركيز جمهورية الصين الشعبية فى 1949. ولفهم الأهمية الكبرى لهذا ، ينبغى تذكر أن الحكمة التقليدية بما فى ذلك فى صفوف الحركة الشيوعية ، دافعت عن كون فى بلد مثل الصين لا يمكن إنجاز الثورة التى ستؤدى إلى الإشتراكية وتغدو جزءا من الكفاح العالمي وهدفه النهائي الشيوعية ، بالطريقة التى إنتهجتها عمليا بقيادة ماو. لم تكن الصين فحسب متخلفة وبلدا غالبية سكّانه من الفلاحين ( كان هذا صحيحا بالنسبة لروسيا أيضا، زمن ثورة 1917) لكن الصين لم تكن فى حدّ ذاتها بلدا رأسماليا إذ هي تقع تحت سيطرة بلدان رأسمالية –إمبريالية أخرى والإقتصاد و المجتمع فى الصين عموما كانا يستجيبان لأولويات الهيمنة الإمبريالية الغربية والمراكمة الرأسمالية خدمة لهؤلاء الإمبرياليين. وإلى ذلك ، الثورة التى قادها ماو فى الصين لم يكن هدفها المباشر الإشتراكية بل بناء جبهة متحدة واسعة ضد الإمبريالية والإقطاعية (والراسمال البيروقراطي / الكمبرادوري المرتبط بالإمبريالية و الإقطاعية)، وتمّت هذه الثورة ليس بالتركيز على المدن ، فى صفوف الطبقة العاملة الصغيرة الحجم هناك، بل عبر خوض حرب ثورية طويلة الأمد ، ضمن الفلاحين فى الريف الشاسع، محاصرة المدن إنطلاقا من الريف وبعد ذلك فى النهاية ملحقة الهزيمة بالقوى الرجعية فى معاقلها فى المدن ، كاسبة السلطة عبر البلاد كافة ومتمّتا المرحلة الأولى من الثورة وبذلك فتحت الطريق أمام الإشتراكية.
مع ذلك ،أكّد ماو نفسه ،رغم أهمية وتاريخية الإنتصار فإنه ليس سوى خطوة أولى فى مسيرة طويلة والتحدّى الذى ينبغى رفعه على الفور هو التقدّم على الطريق الإشتراكي وإلا فإن الإنتصارات الأولى للثورة ذاتها ستتعرّض للخسارة وستقع البلاد تحت هيمنة الطبقات المستغِلّة و القوى الإمبريالية الأجنبية مرّة أخرى. ولم تقف المسألة كلّها عند هذا الحدّ و إنما أنجزت عملية بناء إقتصاد إشتراكي وتحققت التغييرات المناسبة فى المجالات الأخرى للمجتمع، و مع تلخيص ماو لهذه التجربة الأولية، توصّل إلى إدراك أنه من الضروري تطوير مقاربة مختلفة للتحويل الإشتراكي عن "نموذج" ما حصل فى الإتحاد السوفياتي. وأعطت مقاربة ماو هذه مزيدا من المبادرة للشعب على المستويات القاعدية و المناطق المحلّية وبصفة خاصة شدّد ليس على التقنية ( وإن كان ماو إعترف بأهمية تطوير تقنية متقدّمة أكثر) لكن قبل كلّ شيئ على المبادرة الواعية لجماهير الشعب. وبات هذا مركزا فى شعار " القيام بالثورة مع دفع الإنتاج " الذى يوفّر الخطّ العام الأساسي لبناء إقتصاد على نحو يعزّز قاعدة مواصلة التقدّم فى الطريق الإشتراكي وسيوطّد بصفة متبادلة التحويل الثوري لعلاقات الإنتاج والبناء الفوقي السياسي والإيديولوجي).
وكان كلّ هذا مرتبط وجزء من سيرورة تطوّر مساهمة ماو الأهم والأكثر حسما فى قضية الثورة الشيوعية ألا وهي نظرية مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا نحو هدف الشيوعية وقيادة ماو لتجسيد هذه النظرية فى حركة ثورية قوية للجماهير الشعبية أثناء الثورة الثقافية فى الصين لعقد بداية من أواسط الستينات .
قاطعا من جديد مع "الحكمة المنزّلة" فى الحركة الشيوعية ، قام ماو بتحليل ثاقب بأنه طوال المرحلة الإشتراكية ستبقى الظروف المادية التى تشكّل خطر إلحاق الهزيمة بالثورة الإشتراكية. إن التناقضات فى القاعدة الإقتصادية وفى البنية الفوقية وفى العلاقة بين البنية التحتية و البنية الفوقية للبلدان الإشتراكية ذاتها ، بالإضافة إلى التأثير والضغط و الهجمات العامة من قبل الدول الإمبريالية و الرجعية الباقية فى وقت معيّن، تفرز إختلافات طبقية وصراع طبقي داخل البلد الإشتراكي، وعن هذه التناقضات تنجرّ إمكانية مستمرّة لأن يقاد المجتمع على إما الطريق الإشتراكي أو الطريق الرأسمالي ، وبشكل أكثر تحديدا ستفرز مرارا وتكرارا طبقة برجوازية طموحة ، ضمن المجتمع الإشتراكي نفسه، ستجد أكثر تعبيراتها تركيزا بين الذين فى الحزب الشيوعي لا سيما فى أعلى مراتبه ، الذين يتبنون خطوطا وسياسات تحريفية ، والذين بإسم الشيوعية عمليا يستسلمون للإمبريايلية ويعيدون تركيز الرأسمالية. لقد حدّد ماو هؤلاء التحريفيين ب " أناس فى السلطة سائرين فى الطريق الراسمالي" وحدّد للصراع بين الشيوعية و التحريفية كتعبير مركز فى البنية الفوقية، عن التناقض والصراع فى المجتمع الإشتراكي بين الطريق الإشتراكي و الطريق الرأسمالي. وأقرّ ماو وشدّد على أنه طالما أن هذه الظروف المادية وإنعكاساتها الإيديولوجية موجودة ،لا يمكن أن يوجد ضمان ضد الثورة المضادة وإعادة تركيز الرأسمالية، و لا وسائل بسيطة وسهلة لمنع ذلك، و لا حلّ سوى مواصلة الثورة لتقليص وفى النهاية ، مع تقدّم الثورة عبر العالم بأسره، إجتثاث اللامساواة الإجتماعية والبقايا الأخرى للرأسمالية التى تفرز هذا الخطر والقضاء عليها.
مجدّدا ، من الصعب المبالغة فى أهمية هذا التحليل النظري لماو، هذا التحليل الذى أوضح كما كبيرا من البلبلة حول وجود وسبب وجود خطر إعادة تركيز الرأسمالية فى المجتمع الإشتراكي والذى وفّر توجّها جوهريا لإستنهاض الجماهير للتقدم على الطريق الإشتراكي فى معارضة للقوى التحريفية التى كان توجهها وكانت ممارساتها تقود بالضبط إلى مثل إعادة تركيز الرأسمالية هذه. لقد كانت الثورة الثقافية فى الصين التجسيد الحي لمثل هذا الإستنهاض الثوري الشعبي الذى في أتونه عشرات ومئات الملايين من الناس ناقشوا وصارعوا حول مسائل خاصة بشكل حاسم بإتجاه المجتمع والثورة العالمية. لعشر سنوات ، نجحت هذه الإنتفاضة الشعبية فى إيقاف ووضع فى موقع الدفاع قوى إعادة تركيز الرأسمالية بمن فيها موظفون سامون فى الحزب الشيوعي الصيني مثل دنك سياو بينغ. لكن إثر فترة وجيزة من وفاة ماو فى 1976 ، أفلحت هذه القوى التى كان على رأسها ، فى النهاية وفى الخفاء دنك سياو بينغ، أفلحت فى تنفيذ إنقلاب مستعملة الجيش وأجهزة أخرى تابعة للدولة لقمع الثوريين وقتل الآلاف وسجن آخرين وشرعت فى إعادة تركيز الرأسمالية فى الصين. فكان هذا لسوء الحظّ إثباتا حيّا للخطر الملموس الذى أشار إليه ماو بدقّة والذى حلّل قاعدته تحليلا ثاقبا.(6)
/ نهاية مرحلة والإستنتاجات التى يجب و التى لا يجب إستخلاصها من هذه التجربة التاريخية :III
على عكس ما تصمّ به آذاننا بشكل ثابت ، هذا النظام الرأسمالي الذى نعيش فى ظله وطريقة الحياة التى يتصرف وفقها بثبات
مع الإنقلاب التحريفي وإعادة تركيز الرأسمالية فى الصين ، عقب صعود التحريفيين إلى السلطة فى الإتحاد السوفياتي ، قبل عشرين سنة ، (7) إنتهت الموجة الأولى من الثورة الشيوعية. فى اللغة الأساسية والسهلة " للقانون الأساسي" لحزبنا :
" مضت الآن عقود على مسك البروليتاريا الثورية السلطة فى أي بلد ، ومهما كانت المسميات ،لاوجود اليوم لدولة إشتراكية."
زيادة على ذلك، هذه النكسة التى عرفتها الإشتراكية وقضية الشيوعية ( إنهيار الإتحاد السوفياتي بعد فترة طويلة من توقفه فعليا عن كونه بلدا إشتراكيا )، أدت إلى تناحرات قروش بين القوى الرجعية التى لطالما كرهت فى أعماق أعماقها القاسية الثورة الشيوعية و التحويل الراديكالي للمجتمع الذى يجسدها ، و التى عملت بإستمرار بكافة الوسائل المتاحة لها للمساهمة فى إلحاق الهزيمة بهذه الثورة وتحطيمها . لقد زادوا فى بذل الجهود ليهيلوا أكثر ما أمكن لهم من الأوساخ على الشيوعية وما تمثله من تغيير تحرّري للمجتمع ، التزييف والإفتراء على هذه الثورة فى هجوم إيديولوجي بلا هوادة ، فى محاولة لجعلها لا تنهض مجدّدا أبدا، مدّعين ان النظام الرأسمالي قد إنتصر بصورة غير قابلة للنقض ومصوّرين حلم عالم أفضل مختلف راديكاليا وتحديدا الثورة الشيوعية الهادفة لتحقيق ذلك العالم ككابوس ومصوّرين الكابوس الحقيقي واللانهائي للنظام القائم كأرقى تجسيد للإمكانيات البشرية.
تصوّروا وضعا يكون فيه الأصوليون المسيحيون المؤمنون بفكرة الخلق قد إستولوا على السلطة ، فى أكاديميات العلم وفى المجتمع ككلّ ومضوا فى قمع معرفة نظرية التطوّر . تصوّروا أنهم يمضون بعيدا إلى حدّ إعدام وسجن أبرز العلماء والأساتذة الذين أصرّوا على تدريس نظرية التطوّر ونشر معرفتها شعبيا وأنهم يزدرون وينتهكون الحقيقة العلمية الراسخة للتطوّر ويشجبونها ويسخرون منها كنظرية خاطئة وخطرة تناقض "الحقيقة" المشهورة فى قصة الخلق التوراتية والأفكار الدينية عن "قانون الطبيعة"و "النظام المنظّم إلاهيا. ولمواصلة المقارنة ، تصوّروا أن فى هذا الوضع عديد المثقفين "ذوى النفوذ" وآخرين يتبعونهم فى صحوتهم يقفزون إلى عربة " لم يكن ساذجا فحسب بل إجراميا إعتقاد أن التطوّر كان نظرية علمية موثقة بشكل جيّد وإجبار الناس على الإعتقاد فى ذلك"ويصرّحون "الآن بإمكاننا أن نرى "الحكمة المشتركة" التى لا يضعها أحد موضع تساؤل (لذا لماذا علينا إثارة التساؤل حولها؟) و أن التطوّر يجسّد نظرة للعالم ويقود إلى أعمال كارثية بالنسبة للبشرية. لقد ضلّلنا الذين بثقتهم المتغطرسة روّجوا هذا المفهوم. يمكننا رؤية أن كل شيئ موجود أو وجد لم يكن ليولد لولا اليد المرشدة ل "مصمّم ذكيّ". وأخيرا ، تصوّروا أن فى هذا الوضع ، حتى العديد من الذين قد كانت لهم معارف أفضل صاروا فى حيرة ومحبطين وأجبروا على الإذعان والصمت إذا لم يرتبطوا ، بصوت خافت أو عالي ، بجوقة الإستسلام و الشجب.
للهزيمة المؤقتة للإشتراكية ونهاية المرحلة الأولى من الثورة الإشتراكية عدّة ميزات وإنعكاسات مماثلة لمثل هذا الوضع .وأدّت فيما أدّت إليه إلى تقليص الرؤى والأحلام : حتى فى صفوف العديد من الناس الذين كانوا قد عرفوا الصورة أفضل وكانوا قد كافحوا بصورة أرقى ،أدت على المدى المنظور إلى قبول فكرة أن (فى الواقع وعلى الأقلّ المستقبل المنظور) لا يمكن أن يوجد بديل للعالم كما هو ، فى ظلّ الهيمنة الإمبريالية وهيمنة مستغَّلين آخرين وأن أفضل ما يمكن للمرء أن يحلم به ويعمل من أجله هو بعض التعديلات الثانوية داخل إطار التأقلم مع هذا النظام وأن أي شيئ آخر وخاصة محاولة إحداث تمزيق ثوري لحدود هذا النظام، بغاية صنع عالم مختلف راديكاليا ، عالم شيوعي ، غير واقعية وتنزع لجلب كارثة عظيمة.
وفى نفس الوقت ، فى "الفراغ" الذى أحدثه الإنقلاب على الإشتراكية والنكسات للشيوعية ومع تواصل وحتى تفاقم النهب الإمبريالي بكل ما يعنيه ذلك من إنتفاضات وفوضى وإضطهاد لبلايين الناس فعلا فى كافة أنحاء العالم. ونمت الأصولية الدينية وتعبيراتها المنظمة فى عديد مناطق العالم ،بما فى ذلك ضمن المضطهَدين للغاية. اللصوص الإمبرياليون والقتل الجماعي والأصوليون الدينيون المتعصبون، الأولون الأقوى و المحدثين لأكبر الأضرار وبقيامهم بهذا يعطون مزيدا من الدفع للآخرين ، لكن كلاهما يمثّل حجابا أسود ، وقيودا حقيقية جدا وإستعباد وفرض للجهل ويعزّز كل منهما الآخر حتى حين يعارض الواحد الآخر .
لكن هذا لم يتخلص من الحقيقة ، حقيقة الوضع العالمي ففى ظلّ هيمنة هذا النظام الرأسمالي –الإمبريالي والرعب اليومي الذى يعنيه بالنسبة للغالبية العظمى من البشرية أو واقع ما تمثله الشيوعية فعلا بالنسبة للإنسانية وإمكانية إنجاز إختراقات جديدة وتقدّم على طريق الثورة الشيوعية.
حين نفحص بنظرة ومنهج علميين ، التجربة الغنية للبلدان الإشتراكية الأولى والمرحلة الأولى من الثورة الشيوعية ككلّ ، يمكن أن نرى أن الشكل ليس ، كما يصمّون أذننا على الدوام ، أن الثورة الشيوعية بمحاولتها التخلّص من الرأسمالية كانت تبحث دون جدوى تجاوز الميزة الثابتة التى لا تتبدّل والتى تجعل الناس يهتمون بالمصالح الأنانية كحافز " أدنى" ، حافز يتعيّن أن يكون المبدأ المرشد والموجه للمجتمع الإنساني، خشية أن تنتهك "الطبيعة الإنسانية " وبالتالى يدفع المجتمع نحو الكارثة ويخضع الناس للإستبداد . المشكل كان أن هذه الثورة بينما جلبت تغييرات عميقة فى الظروف ولدى الناس ، نتيجة المبادرة المتصاعدة الوعي للناس الذين تبنوا وجهة النظر الشيوعية ، فإنها لم تحدث فى فراغ وبأناس "أوراق بيضاء" بل فى ظروف وبأناس نشأوا ضمن المجتمع القديم وب"بقايا" ذلك المجتمع (وآلاف السنين من العادة التى تجسد وتبرّر علاقات الإستبداد بين الناس). والمجتمعات الإشتراكية الجديدة التى ولدتها هذه الثورات وجدت فى عالم ما زالت تهيمن عليه الإمبريالية ذات السلطة التى ما برحت هائلة جدا إقتصاديا وسياسيا وعسكريا.
ومثلما فهم ماركس ولينين بصورة أساسية ومثلما إكتشف ماو وشرح بصورة أتمّ ، ليست الإشتراكية هدفا فى حدّ ذاته : ليست بعدُ الشيوعية وإنما هي مرحلة إنتقالية إلى الشيوعية ، يمكن بلوغها ليس فى هذا البلد أو ذاك البلد بالذات وإنما على النطاق العالمي فحسب، بالإطاحة بجميع الطبقات الحاكمة الرجعية والقضاء على جميع العلاقات الإستغلالية والإضطهادية فى كلّ مكان. وأثناء كامل هذه المرحلة الإنتقالية الإشتراكية ، لكون الدول الرجعية ستواصل الوجود لبعض الوقت وتواصل تطويق وتهديد الدول الإشتراكية التى تولد ولكون بقايا المجتمع القديم ، فى علاقات الإنتاج والعلاقات الإجتماعية و البنية الفوقية السياسية والإيديولوجية و الثقافية ، التى تستمرّ فى الوجود ضمن المجتمع الإشتراكي نفسه ، حتى وإن أدى التقدّم فى الطريق الإشتراكي إلى تقليص هذه البقايا وتحويل جوانب هامة منها بإتجاه الهدف النهائي ،الشيوعية ...لكلّ هذا تظلّ إمكانية أن تفتك يد الماضي الذى لم يمت بعدُ و لا زال قويا، دفّة المجتمع وتوجهه إلى الخلف. بإختصار لهذه الأسباب يظلّ قائما خطر إعادة تركيز الرأسمالية طوال المرحلة الإنتقالية الإشتراكية ويمكن الكفاح ضد هذا وإلحاق الهزيمة به فقط بمواصلة الثورة ، داخل البلد الإشتراكي ذاته والقيام بذلك كجزء وبينما يتمّ دعم وتشجيع الثورة الشيوعية عبر العالم قاطبة.
والإنقلاب على الإشتراكية وما هو حقا إعادة تركيز الرأسمالية فى الإتحاد السوفياتي والصين لم يكن مسألة "ثورة أكلت أبناءها" ... أو مسألة "ثوريين شيوعيين متآمرين تحولوا إلى طغاة مستبدين" لماّ وصلوا إلى السلطة...أو مسألة " قادة بيروقراطيين ، متحصنين فى السلطة مدى الحياة، يخنقون الديمقراطية (البرجوازية)، أو مسألة " نتيجة حتمية لتأبيد تنظيم المجتمع المراتبي" أو مسألة أي من الأفكار الخاطئة ... واللاعلمية جوهريا والتى لا يتوقف الترويج لها هذه الأيام لمهاجمة الشيوعية.
إن الذين هزموا الثورة فى الإتحاد السوفياتي وفى الصين كانوا بالفعل أناسا فى المراتب العليا فى الحزب والدولة الثوريين ، لكن ما كانوا مجموعة لا وجه لها ولا طبقة، بيروقراطيين مهووسين بالسلطة لأجل مصلحتهم الخاصة. مثلما وصفهم ماو ، هم أناس "فى السلطة أتباع الطريق الرأسمالي". كانوا يمثلون لا الشيوعية بل الرأسمالية وبصفة خاصة بقايا الرأسمالية التى لم يتمّ بعدُ كليا إجتثاثها وتجاوزها ولم يكن ذلك ليحدث على المدى القريب وضمن حدود بلد إشتراكي معيّن أو آخر.
كون هؤلاء التحريفيين كانوا موظفين سامين فى الحزب وجهاز الدولة لا يكشف نوعا من العيب الجوهري فى الشيوعية أو فى الثورة الشيوعية أو المجتمع الإشتراكي كما تشكّل إلى الآن. إنه لا يشير إلى الحاجة إلى البحث عن طرق وأنماط أخرى تماما لصنع عالم جديد راديكاليا. فأسباب هذه الإنقلابات على الإشتراكية عميقة وهي متسقة مع فهم شيوعي علمي للمجتمع وبوجه خاص للإشتراكية كمرحلة إنتقالية من الرأسمالية إلى الشيوعية : إنها تكمن فى التناقضات التى فى جوانب هامة منها موروثة من المجتمع القديم الذى تمّت الإطاحة به غير أن هذه المظاهر والتأثيرات لم يجر تحويلها بعد تحويلا تاما. وهذه التناقضات بما فيها التناقضات بين العمل الفكري والعمل اليدوي ،المرتبطة بتقسيم المجتمع إلى طبقات وشكلت هي نفسها تقسيما كاملا وعميقا فى كافة المجتمعات التى تحكمها الطبقات الإستغلالية ، تفرز الحاجة إلى طليعة شيوعية منظمة لقيادة الثورة ، وليس فقط الإطاحة بالنظام الرأسمالي ولكن ثم مواصلة الثورة فى ظل المجتمع الإشتراكي وفى نفس الوقت تفرز خطر خيانة الثورة والإنقلاب عليها من قبل أناس فى مواقع قيادية فى صفوف الطليعة. ونظرا للتطوّر التاريخي الحالي للمجتمع الإنساني والطرق الممكنة للتغيير الآن ( لنتذكّر المقارنة بنظرية التطوّر فى العالم الطبيعي والعلاقة بين الضرورة والتغيير ، مسألة البدائل الفعلية ، فى العالم الواقعي ، إذا ما كنّا نروم تغييرا جذريا لهذا العالم ، بغية إجتثاث الإستغلال والإضطهاد والقضاء عليهما.) ليس قيادة مقابل لا قيادة ،او ديمقراطية مقابل لاديمقراطية أو دكتاتورية مقابل لادكتاتورية ، وإنما هي مسألة طريق إشتراكي أم طريق رأسمالي، مسألة قيادة تتخذ توجها أم آخر ، ديمقراطية ودكتاتورية فى خدمة تعميق نوع أو آخر من النظامين، بإتجاه تعزيز وتأبيد الإستغلال والإضطهاد أو بإتجاه القضاء عليهما فى النهاية وبذلك فى الأخير القضاء على الحاجة لحزب طليعي أو دولة عندما تتوفر الظروف المادية والإيديولوجية التى تجعل ذلك ممكنا مع إنتصار الثورة الشيوعية عبر العالم قاطبة.(8)
ملخص هذه النقطة هو أن المرحلة الأولى من الثورة الشيوعية مضت بعيدا ، وحققت أشياء ملهمة لا تصدّق ، القتال من أجل تجاوز العراقيل الواقعية حقا التى واجهتها وفى التقدّم صوب عالم حيث سيتمّ فى النهاية القضاء على العلاقات الإستغلالية والإضطهادية وسيتمتّع الناس ببعد جديد من الحرّية وسيأخذون على عاتقهم وسينجزون تنظيم ومواصلة تغيير المجتمع فى كافة أنحاء العالم ،بمبادرة واعية وطوعية غير مسبوقة فى تاريخ البشرية. لكن ليس بالأمر الغريب أن وجدت أيضا نواقص هامة وأخطاء حقيقية وأحيانا أخطاء جدّية للغاية ، فى كلّ من الخطوات العملية التى إتخذها قادة تلك الثورات والمجتمعات الجديدة التى ولدت وفى مفاهيمهم ومناهجهم. وهذه النواقص والأخطاء ليست سبب هزائم المحاولات الأولى للثورة الشيوعية لكنّها ساهمت وإن كان بصورة ثانوية فى تلك الهزائم وأبعد من ذلك كلّ هذه التجربة للمرحلة الأولى بكلّ من إنجازاتها الملهمة حقّا وأخطاءها ونواقصها الحقيقية جدّا وأحيانا الجدّية جدّا، حتى وإن كانت عموما ثانوية ، ينبغى التعلّم منها بعمق من كلّ الجوانب لأجل إنجاز الثورة الشيوعية فى الوضع الجديد الذى ينبغى أن نواجهه والقيام بما هو أفضل هذه المرّة.
/ التحديات الجديدة والتوليف/التلخيص الجديد :IV
عندما إستولى التحريفيون على السلطة فى الصين سنة 1976 وطفقوا يعيدون تركيز الرأسمالية ، لفترة من الزمن لم يواصلوا فقط التظاهر بأنهم شيوعيون بالمعنى العام بل إدعوا كذلك بصفة خاصة أنهم يواصلون السير على هدي خطّ ماو وتراثه الثوريين. فى تلك الوضعية ما كان الشيوعيون عبر العالم فى حاجة إليه حقا هو الحفاظ على روح ومقاربة نقديين وتحديد هدف وإنجاز تحليل علمي لما كان قد حصل عمليا ولماذا والتمييز بين الشيوعية والرأسمالية، بين الماركسية والتحريفية كما وجدوا و كما جرى التعبير عنهما فى تلك الظروف الملموسة المعقدة. حينها لم يكن من اليسير القيام بذلك الأمر وجلّ الشيوعيين فى العالم الذين نظروا للصين الماوية كنموذج ومشعل ثوريين أخفقوا فى القيام بذلك، وبالتالي إماّ إتبعوا عن عمى حكام الصين الجدد التحريفيين وسلكوا طريقا يؤدى إلى المستنقع وإماّ بأشكال أخرى تخلّوا عن نظرة الثورة الشيوعية وأهدافها.
إستجابة للحاجة الماسة ورفضا لمسايرة ما حدث فى الصين ببساطة لأنه يحدث بإسم الشيوعية وبإستغلال السمعة العظيمة التى تمتّعت بها الصين الثورية وتمتع بها ماو بصفة صحيحة فى صفوف الثوريين والشيوعيين عبر العالم ( وبكلفة إنشقاق كبير داخل حزبنا) تصدّى بوب آفاكيان لمهمّة إنجاز تحليل علمي لما حدث فى الصين ولماذا ثم صارع من أجل فهم أن إنقلابا تحريفيا جدّ فعلا فى الصين وأن إعادة تركيز الرأسمالية تمّت فعلا. وإلى جانب ذلك قدّم عرضا منهجيا لمساهمات ماو فى تطوير علم وإستراتيجيا الثورة الشيوعية.(9)فى زمن إضطراب كبير ويأس وفوضى فى صفوف "الماويين" عبر العالم ، لعب عمل بوب آفاكيان هذا دورا حاسما فى تركيز القاعدة الإيديولوجية و السياسية لتجميع الشيوعيين الباقين عقب خسارة الصين والتأثيرات المدمّرة لذلك على الحركة الثورية والشيوعية فى كافة أنحاء العالم.
لكن برزت حاجيات حتى أعظم الآن. وبينما كان يقود حزبنا ،واصل بوب آفاكيان، خلال الثلاثين سنة الماضية تعميق تحليل علمي لتجربة الحركة الشيوعية العالمية وللمقاربة الإستراتيجية للثورة الشيوعية. وأفرز هذا العمل ظهور توليف /تلخيص جديد ، تطويرا للإطار النظري لإنجاز هذه الثورة.
ومثلما يشير " القانون الأساسي" لحزبنا ، الوضع العالمي الراهن بما فى ذلك هزيمة الموجة الأولى من الثورة الشيوعية " يبرز من جدبد الحاجة الملحّة للشيوعية " و " بينما لا توجد أية دولة إشتراكية فى العالم ، هناك تجربة الثورات الإشتراكية وهناك جملة الأعمال الغنية النظرية العلمية التى تطوّرت خلال الموجة الأولى من الثورات الإشتراكية عليها نشيّد الصرح الجديد. بيد أن نظرية وممارسة الثورة الشيوعية يتطلبان التقدّم لمواجهة تحدّيات هذا الوضع و التعاطي علميا مع التجربة العامة للموجة الأولى من الثورة الإشتراكية والإنعكاسات الإستراتيجية للتغيرات الواسعة التى تحدث فى العالم وإستخلاص الدروس الضرورية من كلّ ذلك.
لقد إضطلع بوب آفاكيان بهذه المسؤولية وطوّر جملة من الأعمال والمنهج و النظرة الشيوعيين تستجيب لهذه الحاجيات والتحدّيات الكبرى."
وفى هذه الجملة من الأعمال والمنهج و النظرة ، فى هذا التوليف/التلخيص الجديد الذى أنجزه بوب آفاكيان ،هناك تشابه مع ما قدّمه ماركس فى بداية الحركة الشيوعية ، هناك تركيز فى الظروف الجديدة الموجودة ، إثر نهاية المرحلة الأولى من الثورة الشيوعية لإطار نظري لتجديد تقدّم تلك الثورة. لكن اليوم ، وبهذا التوليف /التلخيص الجديد ، بالتأكيد ليس الأمر مسألة "عود على بدء" كما لو أن ما يدعى إليه يرمى إلى التخلّى عن كلّ من التجربة التاريخية للحركة الشيوعية و المجتمعات الإشتراكية التى ولدتها و "جملة الأعمال الغنية للنظرية الثورية العلمية " التى تطوّرت فى خضم هذه التجربة الأولى. ستكون هذه مقاربة غير علمية وفعلا رجعية. بالأحرى ، المطلوب – وما قام به بوب آفاكيان- هو البناء على كل ما حدث قبلا ،نظريا وعمليا- وإستخلاص الدروس الإيجابية و السلبية من ذلك ورفع هذا إلى مستوى توليف/تلخيص جديد و أرقى.
وعروض ومنشورات أخرى لحزبنا وفرت نقاشا أشمل وأكثر منهجية لهذا التوليف/التلخيص الجديد(10). وهنا بإختصار سنلقى الضوء على بعض أهمّ عناصره :
◙ من الناحية الفلسفية والمنهجية ، يعيد هذا التوليف/التلخيص الجديد فى معناه الأساسي ، إرساء الماركسية على أكمل وجه على جذورها العلمية. إنه يعنى أيضا التعلّم من التجربة التاريخية الغنية منذ زمن ماركس ، مدافعا عن الأهداف و المبادئ الجوهرية للشيوعية ،التى ثبت أنها صحيحة أساسا ،وناقدا ونابذا المظاهر التى ثبت أنها خاطئة أو لم تعد قابلة للتطبيق ومؤسسا شيوعية على أساس علمي أتمّ وأصلب.
فى المفهوم الأصلي للتطوّر التاريخي للمجتمع الإنساني نحو الشيوعية ،حتى كما صاغه ماركس ،وجدت نزعة ، وإن كانت بالتأكيد نزعة ثانوية ، نحو نظرة نوعا ما ضيقة وخطّية. وتجسّد هذا مثلا فى مفهوم " نفي النفي" ( نظرة أن الأشياء تسير بطريقة بحيث أن شيئا معينا ينفيه شيئ آخر بدوره يؤدى إلى نفي أعمق ويتضمّن عناصر من الأشياء السابقة لكن الآن على مستوى أعلى).
وهذا المفهوم إستعير من النظام الفلسفي الهيجلي الذى مارست فلسفته تأثيرا هاما على ماركس (وإنجلز) حتى حينما ، أعادوا فى الأساس صياغتها وركزوا نظرة هيغل الجدلية على قاعدة مادية ، هذه النظرة الهيجلية المتميزة بالمثالية الفلسفية ( نظرة أن التاريخ فى جوهره كشف للفكرة). كما جادل بوب آفاكيان ، " نفي النفي " يمكن أن ينزع نحو "الحتمية" كما لو ان الشيئ حتما سينفيه شيئ آخر على نحو معيّن ، مؤديا لما هو تقريبا تلخيص محدّد سلفا. وحين يطبّق على البحث فى تاريخ المجتمع الإنساني ، بطريقة تجعله ببساطة مركّبا (مثل صيغة : مجتمع بدائي (مشاعي) خال من الطبقات ينفيه مجتمع طبقي بدوره سينفيه ظهور مجدّدا لمجتمع خال من الطبقات ، لكن الآن على أساس أرقى، ببلوغ الشيوعية عبر العالم) فإن النزعة نحو الإختزالية فى ما يتصل بالتطوّر التاريخي للمجتمع الإنساني المعقّد للغاية و المتنوّع ، النزعة نحو "نظام مغلق" ونحو "الحتمية" تبدو أوضح وإشكالية أكثر.
ومن جديد ، كان هذا نقيصة ثانوية فى الماركسية عند تأسيسها ( وكما جادل بوب آفاكيان كذلك : " الماركسية ،الشيوعية العلمية، لا تجسّد وفى الحقيقة ترفض كل مفهوم ..لاهوتي بأن هناك نوعا من الإرادة و الغاية وفقهما تسير الطبيعة أو يسير التاريخ" (11) . لكن مثل هذه النزعات أكدت نفسها بالكامل مع تطوّر الحركة الشيوعية وصارت ضارة بشكل خاص ومارست تأثيرا سلبيا ، على تفكير ستالين الذى بدوره أثّر على نظرة ماو الفلسفية حتى حين نبذ ماو وقطع إلى حدود هامّة مع نزعات ستالين نحو "التخشّب" والمادية الميكانيكية، نوعا ما ميتافيزيقية. والتوليف/التلخيص الجديد لبوب آفاكيان يجسّد مواصلة لقطع ماو مع ستالين لكن أيضا فى بعض جوانبه قطيعة أبعد بما تأثّر به ماو ذاته، حتى وإن ثانويا، من ما صار نمط التفكير فى الحركة الشيوعية فى ظلّ قيادة ستالين.


◙ الأممية.
فى بداية الثمانينات ، فى عمله "كسب العالم؟" (12) قام بوب آفاكيان بنقد واسع لتيارات خاطئة فى تاريخ الحركة الشيوعية ، وبصفة خاصة ، التوجّه نحو القومية ، نحو فصل النضال الثوري فى بلد معيّن وحتى رفعه فوق النضال الثوري من أجل الشيوعية عبر العالم. وقد فحص طرق تمظهر هذه النزعة ذاتها فى كلّ من الإتحاد السوفياتي والصين ، لما كانتا بلدين إشتراكيين والتأثّر الذى مارسته على الحركة الشيوعية بصورة أوسع وضمن ذلك أحيانا تحركات واضحة لإلحاق النضال الثوري فى البلدان الأخرى بحاجيات الدولة الإشتراكية القائمة
( أولا فى الإتحاد السوفياتي ، ثم فى الصين لاحقا ). فضلا عن هذا أجرى آفاكيان تحليلا أعمق للقاعدة المادية للأممية ولماذا فى النهاية وبمعنى شامل ، المجال العالمي هو الأكثر حيوية ، حتى بمعنى ثورة فى أي بلد معيّن، لا سيما فى هذا العصر الرأسمالي- الإمبريالي كنظام إستغلال عالمي ، وكيف أن هذا الفهم يجب أن يدمج فى نظرة الثورة ، فى بلدان معيّنة وكذلك على النطاق العالمي.
بينما كانت الأممية دائما مبدأ جوهريا فى الشيوعية منذ بداية تأسيسها ، فإن آفاكيان لخّص الطرق التى كانت موضع مساومة خاطئة فى تاريخ الحركة الشيوعية وكذلك عزّز الأساس النظري لخوض هذا الصراع لتخطّى مثل هذه الإنحرافات عن الأممية ولإنجاز الثورة الشيوعية بطريقة أممية صريحة.
◙ حول طبيعة دكتاتورية البروليتاريا و المجتمع الإشتراكي كمرحلة إنتقالية نحو الشيوعية . بينما تشرّب بعمق وتعلّم من ودافع بحزم عن ونشر المساهمات العظيمة لماو بصدد طبيعة المجتمع الإشتراكي كمرحلة إنتقالية إلى الشيوعية والتناقضات والنضالات التى تميّز هذه المرحلة الإنتقالية والتى بحلّها ، فى إتجاه أو آخر ، تكون حيوية للتقدّم صوب الشيوعية أو العودة إلى الرأسمالية، أقرّ بوب آفاكيان وشدّد على الحاجة لدور أعظم للمعارضة وتبنى أكبر للخميرة[بمعنى الصراعات] الفكرية ومجال أوسع للمبادرة والإبداع فى الفنون فى المجتمع الإشتراكي. ونقد نزعة "تحويل الشيئ فى الذهن إلى شيئ خارج الذهن"، نزعة تحويل البروليتاريا ومجموعات المستغَلين الآخرين (أو المتغَلين سابقا فى المجتمع) ، نزعة ترى أناسا معينين فى تلك المجموعات كأفراد ، كممثلين لأوسع مصالح البروليتاريا كطبقة والنضال الثوري الذى يتناسب مع المصالح الجوهرية للبروليتاريا ، بالمعنى الأشمل. وقد ترافق هذا بنظرات ومقاربات ضيقة ، براغماتية وتجريبية تحدّد ما هو فعّال أو ما يمكن تحديده (أو إعلانه) على أنه حقيقة بما يرتبط بالتجارب والنضالات المباشرة التى تشارك فيها جماهير الشعب وبالأهداف الفورية للدولة الإشتراكية وحزبها القائد ، فى كلّ وقت معيّن. وهذا بدوره دفع هذه النزعات التى كانت عنصرا مميّزا للإتحاد السوفياتي وكذلك للصين لمّا كانا إشتراكيين بإتجاه مفهوم "الحقيقة الطبقية"، التى هي بالفعل تتعارض مع الفهم العلمي بأن الحقيقة موضوعية ولا تتغيّر وفقا لمختلف المصالح الطبقية، و لا تعتمد على النظرة الطبقية التى يحملها الباحث عن الحقيقة. إن النظرة والمنهج الشيوعيين العلميين ، لو إستوعبا وطبّقا كعلم حيّ وليس كدوغما ،لوفّرا ،بمعنى عام ،الوسيلة الأكثر إتساقا ومنهجية وشمولية للتوصّل إلى الحقيقة لكنها ليست نفس الشيئ وقول إنّ للحقيقة ذاتها طابعا طبقيا أو أن الشيوعيين سيتوصلون للحقيقة فيما يتعلّق بالظواهر المعنية ، بينما الناس الذين لا يطبقون أو حتى الذين يعارضون النظرة والمنهج الشيوعيين ليسوا قادرين على بلوغ حقائق هامّة. ومثل هذه النظرة " للحقيقة الطبقي" التى وجدت إلى درجات مختلفة وبأشكال متنوعة داخل الحركة الشيوعية نظرة مادية إختزالية وجلفة وتذهب ضد وجهة النظر والمنهج العلميين الفعليين للمادية الجدلية.
وكجزء من التوليف/التلخيص الجديد ، نقد بوب آفاكيان وجهة النظر الإحادية الجانب فى الحركة الشيوعية تجاه المثقفين نحو رؤيتهم فقط كمشكل والإخفاق فى الإعتراف الكامل بالطرق التى يمكن ان تساهم فى السيرورة الغنية التى سيصل بها الناس فى المجتمع ككل إلى فهم أعمق للواقع وقدرة أشدّ على الصراع المتزايد الوعي لتغيير الواقع صوب الشيوعية.
ومن جديد ، كما يشرح ذلك " القانون الأساسي" لحزبنا :
" ويشمل التوليف/التلخيص الجديد تقديرا عظيما للدور المهمّ للمثقفين والفنانين فى كل هذه السيرورة فى متابعة رؤاهم الخاصة وكذلك فى مساهمة أفكارهم فى الخميرة الأوسع كلها – وكل هذا مجدّدا ،ضروري للحصول على سيرورة أغنى بكثير...
بإختصار، فى هذا التوليف/التلخيص الجديد الذى طوّره بوب آفاكيان ،ينبغى أن يوجد لبّ صلب يتمتّع بالكثير من المرونة. وهذا ، قبل كلّ شيئ ، منهج ومقاربة ينطبق بصورة واسعة جدا...وإدراك جلي للمظهرين [اللبّ الصلب و المرونة] وترابطهما ،ضروري فى فهم الواقع وتغييره، فى جميع المجالات وحاسم فى إنجاز تغييرات ثورية فى المجتمع الإنساني...
مطبقة على المجتمع الإشتراكي ، تتضمّن هذه المقاربة للب الصلب والكثير من المرونة ، الحاجة إلى لبّ قيادة وتوسّع ، لبّ له فكرة واضحة عن الحاجة لدكتاتورية البروليتاريا وهدف مواصلة الثورة الإشتراكية كجزء من النضال العالمي من أجل الشيوعية ومصمّم على مواصلة خوض النضال ،عبر جميع المنعرجات والإلتواءات. وفى نفس الوقت ، سيوجد بالضرورة أناس وتيارات متنوعة فى المجتمع الإشتراكي يدفعون نحو إتجاهات مختلفة وكلّ هذا يمكن فى النهاية أن يساهم فى سيرورة بلوغ الحقيقة وبلوغ الشيوعية. وسيكون هذا شديدا أحيانا وصعوبة تبنّى كل هذا (بينما ما زالت تقاد كافة السيرورة الشاملة بإتجاه الشيوعية) ستكون شيئا مثل الذهاب ،على حدّ قول بوب آفاكيان، إلى عملية التفكيك و التركيب مرارا وتكرارا وكلّ هذاعسير لكنه ضروري وهو سيرورة مرحّب بها."
وكنقطة ناظمة لكل هذا ،شدّد آفاكيان على توجّه "محرّرو الإنسانية" : الثورة التى يجب القيام بها والتى يجب أن تكون الجماهير القوّة الدافعة الواعية فيها ، لا تتعلّق بالإنتقام ولا بتغيير فى الواقع داخل إطار ضيّق ( "الأول يصبح الأخير والأخير يصبح الأول") وإنما هي تتعلّق بتحويل العالم بأسره حتى لا يوجد أناس هم "الأولون" وآخرون هم " الأخيرون" ، فالإطاحة بالنظام القائم وإرساء دكتاتورية البروليتاريا ومواصلة الثورة فى هذه الظروف غرضه كله وهدفه هو القضاء على كافة الإنقسامات الإضطهادية والعلاقات الإستغلالية ضمن البشر و التقدّم لعصر جديد تماما فى تاريخ الإنسانية.
◙ النظرة الإستراتيجية للثورة :
أعاد التوليف/التلخيص الجديد لآفاكيان تركيز أرضية العمل الشيوعي وأثرى الفهم الأساسي اللينيني لحاجة جماهير الشعب لتطوير الوعي الشيوعي ليس فقط ولا رئيسيا عبر تجربتها الخاصة وصراعاتها المباشرة لكن أيضا عبر الفضح الشامل لطبيعة ومميزات النظام الرأسمالي الإمبريالي و توضيح قناعات وأهداف ونظرة ومنهج الشيوعية التى يقدّمها للجماهير بطريقة منهجية وشاملة منظّمة حزبية طليعية ، رابطة الكفاح فى وقت معيّن مع وموجّهة إياه نحو الهدف الإستراتيجي الثوري ، بينما كذلك "يعرض أمام الجماهير" المسائل والمشاكل الأساسية للثورة ويشركها فى صياغة وسائل معالجة هذه التناقضات والتقدّم بالكفاح الثوري. بقيادة بوب آفاكيان ،التوجّه الإستراتيجي الجوهري الضروري لإنجاز العمل الثوري وظهور شعب ثوري ،بالملايين والملايين و ثمّ إغتنام الفرص حين تتوفّر فى النهاية ( والقدرة على القتال والكسب فى هذه الظروف) وتتطوّر وتواصل مزيد التطوّر(بإرتباط بهذا ، راجعوا "الثورة و الشيوعية : الأسس والتوجّه الإستراتيجي " كتيب "الثورة" 2008).
كلّ هذا يفنّد تفنيدا حيّا الذين يجادلون بأن الثورة ليست ممكنة فى البلدان الإمبريالية أو أن جهود الشيوعيين العملية و النظرية يجب أن تنصب هناك على النضال من أجل إصلاحات و"حلول" للمشاكل المباشرة للجماهير ، بطريقة تقطع مع الأهداف الثورية والنظرة الشيوعية ، والتى ستؤدى ، فى الواقع ، إلى الإبتعاد عن ذلك طالما أن تأثيرات جماهير الشعب ستقودها إلى طريق مسدود ، طريق الإحباط وفى الأخير إلى التأقلم مع النظام الإضطهادي القائم.
وفى نفس الوقت، كما طوّر هذا التوليف/التلخيص الجديد ، فإن التوجه الإسترتيجي الجوهري للثورة فى البلدان الإمبريالية مثل الولايات المتحدة الأمريكية ، لفت آفاكيان الإنتباه أيضا إلى التحدّيات الجديدة للنضال الثوري ، و الحاجة إلى مزيد تطوير الإستراتيجيا الثورية ، فى البلدان التى تهيمن عليها الإمبريالية الأجنبية ، نظرا للتغيرات الكبرى فى العالم ، وفى أغلب هذه البلدان ، فى العقود الأخيرة.
و وضع هذا التوليف/التلخيص الجديد فى العديد من أبعاده الحاسمة (التى لم نستطع سوى تناولها بإقتضاب هنا ) الثورة و الشيوعية على أساس علمي أصلب. ومثلما شدّد على ذلك آفاكيان ذاته :
" غاية فى الأهمية هو عدم التقليل من أهمية التوليف/التلخيص وقوّته الإيجابية الكامنة : نقد أخطاء ونواقص هامة و القطع معها بينما نقدّم ونعيد بريق ما كان إيجابيا فى التجربة التاريخية للحركات الشيوعية العالمية و البلدان الإشتراكية التى وجدت إلى الآن، وبمعنى حقيقي نعيد إحياء – على قاعدة جديدة وأكثر تقدّما – قابلية نجاح ونعم الرغبة فى عالم جديد ومختلف جذريا ،و إقامة هذا على أساس أصلب من المادية الجدلية...لذا لا يتعيّن أن نستهين بإمكانية هذا كمصدر للأمل و الجسارة على قاعدة علمية صلبة."(13).
/ الشيوعية فى مفترق طرق : طليعة للمستقبل أم بقية الماضي؟V
إزاء التحدّيات و الصعوبات المستمرّة فى الفترة الخالية ، فسح التجميع الأولي للشيوعيين الذى حدث بعد الهزيمة فى الصين ونهاية المرحلة الأولى من الثورة الشيوعية ، إلى مدى هام فى المدّة الأخيرة لخلافات حادة . فمن جهة حزبنا الذى لخّص خطّه الأساسي فى " قانوننا الأساسي " الجديد ،سوية مع بعض الآخرين المنجذبين نحو التوليف/ التلخيص الجديد ومن جهة أخرى ، تياران معارضان سواء متعلقين دينيا بكافة التجربة السابقة و النظرية والمنهج المرتبطان بها أو (جوهريا وليس فى الكلمات) متخلين عن كلّ هذا جملة و تفصيلا.
بمعنى معيّن جرى توقع ذلك فى إجابات "كسب العالم؟" حين نشر لأوّل مرّة ، تقريبا قبل ثلاثة عقود من الآن. ومن ناحية أخرى وجد الذين فى الحركة الشيوعية العالمية أزعجهم ما قيل فى "كسب العالم؟" مدّعين أنه قلّص تجربة الحركة الشيوعية إلى "راية مستهجنة" (وهي إجابة بحدّ ذاتها تعكس نظرة دغمائية و هشّة لما هي الشيوعية ، عوض رؤيتها وإدراكها كما هي فعلا : علم ثوري نقدي حي ومتطوّر ، وإحدى مظاهره المساءلة الذاتية المستمرّة ) ومن ناحية أخرى إلى جانب الذين رحبوا ب"كسب العالم؟" لأسباب صحيحة ، هناك الذين رحبوا فعليا به لكنهم فعلوا ذلك بنظرة ترغب فى أن يشكّل وتدا يفتح الباب لنبذ التجربة التاريخية برمتها والتخلى عنها ، التجربة التاريخية التى يتطرّق لها "كسب العالم؟" بشكل نقدي من وجهة نظر مختلفة جوهريا ، تعترف موضوعيا بأن هذه التجربة كانت رئيسيا إيجابية وحققت تقدّما غير مسبوق تاريخيا بالنسبة للإنسانية ينبغى بصلابة الدفاع عنه ولكن أيضا تعترف بوجود مشاكل ونواقص وأخطاء بعضها جدّي للغاية تحتاج التعمّق فيها وتفحصها نقديا و التعلّم منها كذلك. فى ذلك الوقت ، كانت هذه الردود المتضاربة بشأن "كسب العالم؟" فى حالات جنينية وضمن إطار عام من الوحدة المحدّدة بصورة واسعة. وفقط مع تطوّر الأحداث فى العقود القليلة التالية ومع تجربة مواجهة مزيد من الصعوبات (بما فى ذلك تراجعات فى النضالات ، بدا فى وقت معيّن أنها توفّر أرضية جديدة وتجسيدا لإعادة إحياء الحركة الشيوعية فى العالم)، تطوّرت هذه النظرات المعارضة وإحتدّت .
واليوم ،فى جانب الذين يرفضون فحص التجربة التاريخية للحركة الشيوعية فحصا نقديا ، من الشائع وجود ظاهرة التأكيد على "الحقيقة الطبقية" و تحويل الشيئ الداخل فى الذهن إلى شيئ خارج الذهن بالنسبة للبروليتاريا المرتبطة بها وعموما نظرة للنظرية و المبادئ الشيوعية كنوع من الدوغما ، قريب من التعاليم الدينية ، و جوهريا " نعرف كلّ ما نحتاج إليه ، لدينا جميع المبادئ المطلوبة ويتعلّق الأمر فقط بتنفيذ الحكمة الموروثة ". وفى القطب المعاكس ، يوجد الذين لهم فهم للتجربة التاريخية للحركة الشيوعية وبشكل خاص أسباب الصعوبات و النكسات و الهزائم ، سطحي وضعيف أيضا ، يجهل أو يستبعد التحليل الشيوعي العلمي للتناقضات العميقة التى ولّدت خطر إعادة تركيز الرأسمالية فى المجتمع الإشتراكي ، والذين يحاولون تعويض ذلك التحليل بالنظرة المستندة إلى المبادئ و المعايير الديمقراطية البرجوازية ومفاهيم الشرعية البرجوازية الديمقراطية المرتبطة بالسيرورة الشكلية للإنتخابات وبتنافس الأحزاب السياسية ، وهو أمر شائع فى المجتمع الرأسمالي ومتوافق جدّا مع ويؤدى إلى ممارسة الطبقة الرأسمالية للسلطة السياسية. والذين يتمسّكون بهذه المواقف ، حتى حينما يواصلون إدعاء لبس عباءة الشيوعية ، متلهّفون لنبذ مفهوم دكتاتورية البروليتاريا وتجربة دكتاتورية البروليتاريا و النأي بأنفسهم عنهما وفى كثير من الحالات حتى عن التلفّظ بذلك. وبالفعل ، مثل هؤلاء الناس يبحثون عن "تحرير أنفسهم" من أكثر تجربة تحرّرية فى تاريخ الإنسانية إلى الآن ! ويدعون أنهم يريدون التحرّك للأمام بسرعة ، إستجابة لمتطلبات الظروف الجديدة... لكن لديهم روابط مع الأدوات الخاطئة وهم يتحركون بسرعة فى الإتجاه العكسي منسحبين على عجل نحو الديمقراطية البرجوازية والحدود الضيقة للحق البرجوازي (14) ، عابرين القرون من القرن ال21 إلى القرن 18.
وفى حين أن هذه التوجهات الخاطئة التى حدّدناها هنا تتضمّن إختلافات هناك أيضا مظهر هام فيه هي متشابهة وفى الواقع تشترك فى مظاهر هامة. فى الحقيقة تجدر الملاحظة بأن فى السنوات الأخيرة وجدت ظاهرة أن بعض المجموعات "تتقلّب" بين قطب وآخر ، لاسيما بين الدغمائية و التيارات المرتبطة بها إلى معانقة الديمقراطية البرجوازية ( وإن ظلّت تتقنّع بالشيوعية). وإليكم بعض أهمّ السمات المشتركة بين هذه التيارات :
♦ عدم الإضطلاع أو عدم الإنخراط مطلقا بأي طريقة منهجية ، فى تلخيص علمي للمرحلة الأولى من الحركة الشيوعية وبوجه الخصوص للتحليل الثاقب لماوتسى تونغ لخطر وقاعدة إعادة تركيز الرأسمالية فى المجتمع الإشتراكي. وهكذا ، بينما قد تدافع أو قد كانت تدافع فى الماضي عن الثورة الثقافية فى الصين ، تفتقر إلى أي فهم حقيقي وعميق للماذا كانت هذه الثورة الثقافية ضرورية ولماذا وبأية مبادئ وأهداف أطلقها ماو وقادها. إنها تحوّل الثورة الثقافية ، فى الواقع ، إلى مجرّد حلقة أخرى فى ممارسة دكتاتورية البروليتاريا أو من جهة أخرى تعيد تأويلها على أنها نوع من الحركة الديمقراطية البرجوازية "المناهضة للبيروقراطية" تمثّل فى جوهرها نقضا للحاجة لطليعة شيوعية ودورها القيادي المؤسساتي فى المجتمع الإشتراكي ، عبر المرحلة الإنتقالية إلى الشيوعية .
♦ النزعة المشتركة لتحويل "الماوية " لمجرّد وصفة لخوض حرب الشعب فى بلدان ما يسمّى بالعالم الثالث بينما تهمل مجدّدا أو تقلص أهمية أهمّ مساهمة من مساهمات ماو فى الشيوعية : تطويره لنظرية وخطّ مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا وكافة التحليل الثري والمنهج العلمي اللذان عليهما تأسّس ذلك و اللذان جعلا تطوير تلك النظرية وذلك الخطّ ممكنا .
♦ الفلسفة التجريبية و البراغماتية و التجريبية . ومن جديد بينما يمكن أن يتخذ هذا تعبيرات متنوّعة تبعا لوجهات النظر والنظرات المتنوعة الخاصّة، فإن الشائع عندها هو إبتذال النظرية والإستهانة بها ، محوّلينها ل "مرشد للعمل" فقط بالمعنى الأضيق والأكثر مباشرة، معاملين النظرية كما لو أنها ، جوهريا ، إفراز ممارسة خاصة ومحاولين عقد مقارنة بين الممارسة المتقدّمة ( التى ، من جانب هؤلاء الناس ، تتضمّن عنصرا من التقييم الذاتي والإعتباطي ) و النظرية المتقدّمة المفترضة. إن وجهة النظر الشيوعية العلمية ،المادية الجدلية ، تؤدّى إلى فهم أن الممارسة هي مصدر ومحكّ النظرية ، لكن على عكس هذه التشويهات التجريبية الضيقة ، يجب فهم هذا على أن الممارسة بالمعنى الواسع ، شاملة التجربة الإجتماعية و التاريخية الواسعة ، وليس فقط التجربة المباشرة لشخص أو مجموعة أو حزب أو أمّة. تأسيس النظرية الشيوعية ذاتها ومزيد تطويرها يبيّن ذلك بقوّة : منذ زمن ماركس ، تشكّلت هذه النظرية وأثيرت إنطلاقا من جملة واسعة من التجارب ، فى جملة واسعة من الحقول المختلفة وخلال تطوّر تاريخي واسع النطاق ، فى المجتمع و الطبيعة. ستتحوّل مقولة أن الممارسة مصدر النظرية ومقولة " الممارسة معيار صحّة النظرية " إلى كذب عميق إن جرى تأويلها وتطبيقها بأسلوب ضيّق ، تجريبي وذاتي.
♦ بصورة هامة للغاية ، هذه التوجهات "المتناقضة تناقض إنعكاس المرآة " الخاطئة تشترك فى كونها تحوّلت إلى أو إنسحبت إلى نماذج من الماضي، من هذا النوع أو آخر( مع أن النماذج الخاصة يمكن أن تختلف) : إما متعلّقين بدغمائية بالتجربة الماضية للمرحلة الأولى من الثورة الشيوعية ( أوبالأحرى ، لفهم ناقص إحادي الجانب وفى النهاية خاطئ) أو الإنسحاب إلى مجمل العصر الماضي والثورة البرجوازية ومبادئها : عائدين إلى ما هو فى الجوهر نظريات القرن18 للديمقراطية (البرجوازية ) بقناع او بإسم " شيوعية القرن 21 " وفى الواقع مساوين "شيوعية القرن21 " هذه بديمقراطية مفترضة " نقية " أو " لاطبقية " ، ديمقراطية فى الواقع ، طالما وجدت الطبقات ،لايمكنها إلآ أن تعني ديمقراطية برجوازية ودكتاتورية برجوازية (15). كل هذا فى الوقت الذى يجرى فيه إهمال أو إعتبار متقادم أونبذ كدوغما ( أو حصره ضمن تصنيف بلا معنى " أبجديات الشيوعية " يعترف بها بصفة مجرّدة وبعد ذلك توضع جانبا بإعتبارها غير صالحة للنضال العملي) الفهم الشيوعي العلمي الجوهري الذى دفع ثمنه أصلا ومرارا و تكرارا دم بلايين المضطهَدِين منذ زمن كمونة باريس ، فهم أن الدولة القديمة ،الرجعية يجب أن تحطّم وتفكّك ويجب أن تولد دولة جديدة راديكاليا ممثّلة المصالح الثورية للمستغِلِين السابقين فى تغيير المجتمع باسره وتحرير الإنسانية جمعاء وإلاّ فإن أي مكاسب حققها النضال الثوري ستبدّد وتحطّم وسيقضى على القوى الثورية.(16)
فقط بالقطع مع هذه التوجهات الخاطئة والإنخراط بعمق والتحوّل إلى أرضية أصلب من نظرة الشيوعية ومنهجها ومبادئها كما جرى تطويرها إلى حدّ الآن (وينبغى مزيد تطويرها بإستمرار) ينهض الشيوعيون بالمسؤولية والتحدّى العظيمين لأن يكونوا فعلا طليعة المستقبل ولا يأسرون أنفسهم فى أن يكونوا [أو يفسدوا] ويصبحوا بقية الماضي، وبالقيام بذلك يخونون الجماهير الشعبية عبر العالم التى تمثّل لهم الثورة الشيوعية السبيل الوحيد للخروج من جنون ورعب العالم الراهن صوب عالم يستحق حقا العيش فيه.
/ ثورة ثقافية صلب الحزب الشيوعي الثوري : VI
ولم يكن حزبنا ذاته بمنأى عن تأثير الخطوط التحريفية التامة الخاطئة . وفى الواقع ، الخطوط والنزعات التى نقدنا هنا لم توجد فقط صلب حزبنا ، على إمتداد سنوات ، بل إلى المدّة الأخيرة ، مارست دفعا قويّا وشكّلت خطرا حقيقيا يهدّد بأن يكفّ حزبنا عن أن يكون حزبا شيوعيا ثوريا وعوض ذلك يفسد ويتحوّل إلى مجموعة أخرى من الإصلاحيين ، حتى وإن أبقت ،على الأقلّ لفترة من الزمن ، لباس الشيوعية.
طوال فترة الثمانينات والتسعينات ، تطوّر وضع صلب حزبنا فيه بالفعل وجد حزبان، يمثّلان جوهريا طريقين متعارضين . من ناحية، كان هناك الخطّ "الرسمي" للحزب ، و التطوير الجاري له كما تجسّد بوجه خاص فى التوليف/التلخيص الجديد الذى كان ينجزه بوب آفاكيان ، وبالأساس ،عبّرت عنه جريدة الحزب ( "العامل الثوري" ، الآن " الثورة " ) ووثائق ومنشورات أخرى للحزب. لكن فى نفس الوقت، فى تصاعد معارضة التوليف/التلخيص الجديد و الخط الشيوعي الثوري ككلّ وجدت نظرات تحريفية تمايزت فى بعض الخصوصيات لكنها كانت مشتركة موضوعيا ، فى أنها تصبّ فى التخلّى عن النظرة والأهداف الشيوعية الثورية متأقلمة مع النظام الإمبريالي وقابلة به وفى أفضل الأحوال عاملة من أجل إصلاحات ضمن هذا النظام الفظيع.
ما هي أهمّ مظاهر هذه الخطوط التحريفية وأهمّ العوامل المؤدية إلى نموّها وتزايد تأثيرها داخل حزبنا ؟
•--- الهزيمة فى الصين ونهاية المرحلة الأولى من الثورة الشيوعية (مرفوقة بعقود من "الإستقرار " النسبي فى أقوى بلد إمبريالي فى العالم، إثر هذه الهزيمة وإنحسار الإنتفاضة العظيمة للستينات إلى بداية السبعينات فى الولايات المتحدة وكذلك على النطاق العالمي ) لم تحدث فقط بلبلة وإحباط لدي الكثيرين الذين أرادوا وقاتلوا من أجل تغيير جذري للعالم وأيضا للناس بشكل أوسع ، وإنما كان هذا صحيحا ضمن الشيوعيين وداخل حزبنا. تتكوّن الأحزاب الشيوعية من أناس يجتمعون على أساس فهم علمي متقدّم لضرورة وإمكانية الثورة ،غايتهم مستقبل مغاير جوهريا وأفضل بكثير بالنسبة للإنسانية، لكنهم يوجدون ويقومون بعملهم فى النظام القائم ، ليسوا ولا يمكنهم و لايجب ان يكونوا منفصلين وليس أقلّ منغلقين عن بقية العالم والظروف التى يفرضها و التأثيرات التى يمارسها.
وفى نفس الوقت ، مستغلين هزائم ونكسات الثورة الشيوعية ، قام المدافعون عن النظام القديم ومادحوه طوال عديد العقود الماضية بهجوم إيديولوجي مستمرّ على الشيوعية وكان لهذا تأثير على الدفع نحو التأقلم مع الإمبريالية ،خصوصا فى بلد مثل الولايات المتحدة ، بلد قويّ لدرجة كبيرة.
متحدّثا لإجتماع حزبي هام قبل بضعة سنوات حيث تطرّق مباشرة ونقد بشدّة الخطوط التحريفية داخل الحزب ، ساق بوب آفاكيان الملاحظات التالية :
" دعونا ننظر مجدّدا إلى هذا. تحدثت عن كيف أننا لا نزال نعاني من تأثيرات خسارة الصين. لا يجب أن نستهين بهزيمة الصين وكلّ ما نجم عنها وكلّ ما قام به الإمبرياليون وبنوه على ذلك الأساس. خسارة الصين وكلّ ما كانت تمثّله بالنسبة للبروليتاريا العالمية والثورة البروليتارية العالمية ، بعد الثورة الثقافية [فى الصين] وبعد مشاركة الملايين والملايين فيها وفى سيرورة هامة من إعادة تشكيل وجهة نظرهم للعالم ونعم هذا شيئ لا زلنا نتفاعل معه ، سواء فى الواقع الموضوعي أوفى تفكيرنا نحن.
وإذا ما أضفنا إلى كل هذا كامل ظاهرة "موت الشيوعية" والهجوم المستمرّ المعادي للشيوعية و التشويه والإتراء من كافة الإتجاهات وبكافة الطرق للثورة الثقافية البروليتارية الكبرى فى الصين والثورة الصينية والإشتراكية ودكتاتورية البروليتاريا ، إذا ما فكّرنا فى تبعات كلّ هذا ونحن ماديون ونطبّق الجدلية ، من الصعب جدا التفكير فى أن لنا مناعة ضد تداعيات كلّ هذا وأنه فقط يأثّر على الناس خارج الحزب. حتى فى تفكيرنا وفى ذواتنا إن أردتم إستعمال هذه المفردة ، فى أعماق أعماقنا ، أليست لدينا أسئلة حول إذا ما كنا على خطإ بشأن كلّ هذا : لماذا خسرنا؟ إذا كنّا على حق وإذا كان ما نطمح إليه صحيح لماذا إنتهى الأمر على هذا النحو؟ لا أعتقد أنه هناك عديد الرفاق الذين يستطيعون قول إن تلك الأسئلة لم تأرّقهم ، و على الأرجح اكثر من مرّة.
لدينا إجابة على تلك الأمور إلآ أنه يجب التعمّق فى الإجابة ويجب مواصلة التعمّق وينبغى أن نكون علميين. ينبغى أن نطبّق المادية الجدلية ".
المشكلة هي أنه بينما كان بوب آفاكيان وبعض الآخرين فى الحزب "يتعمّقون" فى هذا ، مطبّقين النظرة العلمية و المنهج المادي الجدلي، لم تكن غالبية الحزب ، على المستويات كلّها ، تفعل وعوض ذلك كانت إلى درجة كبيرة "تقبل" الإفتراءات ضد الشيوعية وتتحوّل إلى ما حدّده لينين بدقّة بالنزعة العفوية للسقوط تحت كلاكل البرجوازية ، إيديولوجيا وسياسيا : الإنسحاب إلى حدود الديمقراطية البرجوازية و الحقّ البرجوازي و التذيّل للنظرة التى تميّز الحركات الإصلاحية بما فى ذلك "سياسة الهوية " والنسبية الفلسفية المرتبطة بها ( فكرة أنه ليست هناك حقيقة موضوعية ، أو أن الحقيقة الموضوعية لا يمكن تحديدها بأية درجة من اليقين، و أن هناك مجرّد مجموعات وأفراد مختلفين لهم "روايات" مختلفة وجميعها على حدّ سواء صحيحة أو غير صحيحة ) مستبدلة الثورة بالإصلاح كهدف أساسي.
•--- تميّزت التحريفية داخل حزبنا بالميزات التحريفية المعروفة لمدّة طويلة داخل الحركة الشيوعية والتى فضحها لينين كذلك وقد تجسّدت فى مفهوم أن " الحركة كلّ شيئ والهدف لا شيئ "، والتوجّه الحتمي إلى أن ما هو ضروري هو الممكن والممكن هو ما قد أُنجز بعدُ وهذا يعنى "الإنصهار" فى صفوف الجماهير بالمعنى الخاطئ ، على أساس ضيّق وبنظرة ضيقة للصراع ، مع ترك الثورة والشيوعية جانبا أو فى أحسن الحالات بطريقة لا معنى ولا حياة لها ، " الثبات على" العمل الإصلاحي وإحباط أي مغزى ورابطة حقيقيين بالنشاط الحزبي الجاري وفى الواقع قبر الثورة والشيوعية. كان أعضاء الحزب عادة مشغولين جدا بكلّ شيء بإستثناء الثورة و الشيوعية.
جوهريا ، كان هذا شكلا من أشكال "الإقتصادوية" . تاريخيا، فى الحركة الشيوعية ، مفاد الإقتصادوية هو تركيز الإنتباه الطبقة العاملة على ظروفها المباشرة وعلى النضالات "بوسائل قابلة للتطبيق على أوسع نطاق" لكسبها ، يوما ما ، للإشتراكية و الشيوعية وهي نظرة عرضها لينين بصفة شاملة ودحضها مؤلفه الشهير "ما العمل؟" ، أين بيّن أن هذه المقاربة لن تؤدّي مطلقا إلى بناء حركة ثورية غايتها الشيوعية بل ستساهم فى حصر الحركة و الجماهير المشتركة فيها ، ضمن إطار الرأسمالية . فى معارضة هذا ، أكّد لينين أنه فى حين من المهمّ بالنسبة للشيوعيين أن يشتركوا فيها ويرتبطوا بالنضالات الهامة للجماهير وحتى أن يبذلوا الجهد لقيادة العديد من هذه النضالات ، فإنه عليهم أن يقوموا بذلك كشيوعيين. وعملهم يعتمد على فضح ميزات وطبيعة النظام الرأسمالي ، عبر التحريض و الدعاية المناسبين واللازمين عارضين أمام الجميع قناعاتنا وأهدافنا الشيوعية وبهذه الطريقة يربطون نضالات وتحركات اليوم بالهدف الثوري والشيوعية ، وتوجيه هذه الصراعات و الجماهير الشعبية من النضال العفوي و السقوط تحت كلاكل البرجوازية نحو الهدف الثوري. منذ زمن لينين ، صارت الإقتصادوية تتخذ معنى أوسع لتطبيق "الوسائل الأكثر قابلية للتطبيق" ليس فقط النضالات ضمن شرائح مختلفة عديدة مركّزين نظر العمل الشيوعي على تنظيم مثل هذه النضالات فعلا وليس دائما قولا ، متعاطين مع أفق الثورة والشيوعية كشيئ مطلق ينتمى إلى فترة مستقبلية غير محدّدة ، لا صلة حيّة لهما بالحركات والنضالات الراهنة فى أي وقت معيّن.
فى الجوهر، بدلا من العمل الثوري فى وضع غير ثوري ، التعجيل وإنتظار تطوّر وضع ثوري ، الوصفة الإقتصادوية هي العمل الإصلاحي بإنتظارثورة ، ثورة لن تحدث أبدا ولا يعدّ لها أبدا وفعلا من خلال هذه النظرة . و ما تشترك فيه كافة مظاهر الإقتصادوية كميزة أساسية هو التذيّل للجماهير ، عوض التصرّف كطليعة لقيادة الجماهير، ( التعلّم منها أي نعم ، لكن القيادة بينما يتمّ التعلّم) رافعين نظرها لإمكانية الثورة وضرورتها وعاملين ومكافحين معها لكسبها لتبنّى وجهة النظر الثورية والشيوعية والكفاح من أجل أهدافها التحرّرية.
•--- الإقتصادوية و التحريفية بصورة عامة التى كانت تسم على نحو متزايد العمل الفعلي للحزب وحياته وثقافته تميّزت بالبراغماتية و التجريبية اللتان كانتا شائعتين فى الحركة الشيوعية ( اللتان ناقشنا أعلاه) وكذلك اللاأدرية حول المبادئ الشيوعية الراسخة وحتى حول رغبة وإمكانية الثورة و الشيوعية. و العمل النظري المستمرّ والإختراقات الحقيقية فى النظرية الشيوعية التى أنجزها رئيس الحزب ، بوب آفاكيان، لم تقابل بمعارضة صريحة بما هي مهملة بشكل كبير من قبل أغلب أعضاء الحزب ( أو أحيانا تواجه على حدّ سواء بتصرّف غير مهتمّ كذلك وقول "ثقيل..."ثم توضع على الرفّ لتراكم الغبار) لأن مثل هذا العمل والإختراقات النظرية التى أوجزنا بينما هي حاسمة فيما يعلّق بأهداف الثورة و الشيوعية ، م تكن ذات قيمة أو "مفيدة" للغارقين فى التوجّه الإقتصادوي و التحريفي.
•--- فى إرتباط بما ذكر أعلاه، عنصر رئيسي آخر ضمن "الحزمة التحريفية" ( التى كسبت رواجا صلب حزبنا ) هو نظرة عدم التعاطي مع الشيوعية كتوجّه شيوعي ثوري حقيقي ينبغى أن يكرّس بإستمرار وبنشاط أي يقاتل من اجله لكن عوض ذلك يتمّ تقليص الشيوعية إلى "نمط حياة بديل". وبهذه النظرة يتحوّل الحزب إلى مجرّد فرقة معارضة تصدّق نفسها ،تقريبا عصرية. وأحيانا عني " نمط حياة بديل " الإنشغال وجعل الآخرين ينشغلون بالتنقّل السريع من كفاح مباشر إلى آخر ، و أحيانا إتخذ شكل الرضا المتعجرف والدغمائي بكون المرء شيوعي (مفترض) ، له معرفة خاصة بالتاريخ وجملة أخلاق ( لا يمكن أن ترتبط بأي واحد، إذا جرت المحاولة حتى) ، وأحيانا عنى فقط تمضية الوقت ووضع الفكر النقدي فى الثلاّجة. وتميّز عمل الحزب بصورة متزايدة بنظرة غذاء عقلي للجماهير، فى حين تقع المحافظة على المنطقة الخاصة ب "المبتدئين"، ما وصف على أنه "معبد المعرفة السرّية" ، محوّلا الشيوعية إلى شيئ بلاحياة وجوهريا إلى شيئ ديني ودوغما.
فى تعارض مع مؤلفات بوب آفاكيان وجريدة الحزب ومنشوراته الأخرى ووثائقه الرسمية ،كانت غالبية الوجه العام للحزب ( المكتبات المرتبطة به ،على سبيل المثال) تنبعث منها رائحة آثار الماضي أو "مراكز حركة "مشغولة (غير ثورية). الإختلافات فى كلّ هذا يمكن أن تكون متنوّعة لكن المصدر والنتيجة واحدة : التحريفية.
•--- إلى جانب كلّ هذا، ثمة نبذ أكيد وتجنّب مدروس لخوض النضال الإيديولوجي مع الجماهير الشعبية لا سيما فى معارضة الأفكار والمفاهيم الدينية بالإضافة إلى وجهات النظر المتخلفة التى تمثل حقيقة قيودا وسلاسل ذهنية لدى جماهير الشعب. وتمادي هذا إلى حدّ تضمّن مستوى من التردّد أو رفض مواجهة الأفكار والتصورات المسبقة المناهضة للشيوعية الواسعة الإنتشار الآن و فى نفس الوقت السطحية جدا.
•--- عموما وبالشكل الأكثر أساسية ، ما تمثله "الحزمة التحريفية" هو التخلى عن الثورة ، وإن لم يكن بصفة واضحة وبصراحة تامة أي تبنى موقف "رأينا كل الثورة التى سنرى". على الأغلب ، الثورة مسألة مستقبل بعيد أو هي للآخرين ، فى مكان ما . ربّما يمكن أن تنجح فى ما يسمّى بالعالم الثالث، لكن بالنظرة التحريفية التى لها علاقة حية وواقعية محدودة بما كان يقوم به حزبنا ( ما عدا ربما جعل نفسها بلا معنى "من كبار مشجعى" النضالات الثورية فى أماكن أخرى) . أما بالنسبة للحزب و ثقافته ، ففى ظل تأثير هذه التحريفية ، كانت الليبرالية مستشرية وعمّ موقف عام مفاده جوهريا " لنكن واقعيين ، ما الذى تتوقعون ؟ لا يمكن أن يوجد حزب فى هذه البلاد يكون حقّا طليعة ثورية ، يستحق فعلا إسم "حزب شيوعي ثوري".
إن التناقض الجوهري العدائي والمتفاقم الحدّة هو بين هذين الخطين ( خطّ جملة الأعمال و المنهج و النظرة المطوّرين من قبل بوب آفاكيان و خطّ الحزب ووثائقه ومنشوراته "الرسمية" من جهة و"الحزمة التحريفية " بمظاهرها المتنوعة و المضمون الأساسي الذى لخصناه هنا) اللذان صارا متعارضين تمام التعارض فى السنوات القليلة الأخيرة إذ لم يعد هذان الخطّان بوسعهما التعايش داخل الحزب ، و إلاّ كان مثّل هذا "التعايش" سيؤدى إلى إنتصار التحريفية ونهاية الحزب كنوع من الطليعة الشيوعية الثورية حقيقة.
والعامل الذى عجّل وأدّى إلى الصراع المفتوح والعميق حول هذه الإختلافات الجوهرية ، حدث فى سياق إعداد الحزب لحملة بناء ثقافة تقدير ونشر وترويج شعبي لدور بوب آفاكيان كقائد شيوعي، مثلما تركّز ذلك فى جملة أعماله ومنهجه ونظرته. بناء هذه الثقافة من التقدير والنشر والترويج لبوب لآفاكيان باتت الآن أحد الركنين الأساسيين لعمل حزبنا الثوري الشامل ( الركن الأساسي الآخر هو إستخدام صحافة حزبنا وكلّ هذا جرى نقاشه فى "القانون الأساسي" الجديد لحزبنا). لكن حينها ، قبل بضعة سنوات ، أبرزت النقاشات بهذا المضمار داخل الحزب بصفة أجلى مما بدت عليه سابقا أن صلب الحزب هناك كما صاغته وثيقة حزبية داخلية " نقص فادح فى تقدير ما هو فعلا المضمون الرئيسي لأعمال رئيس الحزب وإعادة تصوّره للثورة والشيوعية و التوليف/التلخيص الجديد ".
وكما ورد فى تلك الوثيقة الداخلية : " إستمرّ العمل فى هذا التوليف/ التلخيص الجديد لمدّة 25 سنة عندها، بيد أن الخطّ التحريفي أدار ظهره لذلك العمل ، أوّلا بعدم الفهم ، وتاليا ، مع تطوّر الأمور بمعارضة موضوعية . " وجد شيئ جديد وهو الآن يكافح ليولد فى هذا العالم ، إنه يحارب صاعدا جبلا ضد الحكمة التقليدية و الدغمائية وكذلك الإصلاحية لدى الشيوعيين. لكن إمّا عارضه الرفاق ...أو أهمل ، او على الأغلب إعتبر "مهمّا". وتقريبا عالميا لم يدرك فحواه ( أو يعارض بإنتقائية). عمليا عُدّ غير فعّال. وبالأساس ، فى صفوفنا ، لم تقع مواجهة التجريبية الفظّة القائلة بأن " النظرية لا يمكن أن تسبق الممارسة ". كان بوب آفاكيان يواجه ويتعمّق فى المشاكل الحقيقية التى أدّت إلى كون الكثير من الناس لم يقدروا على التمييز بين الماركسية و التحريفية بعد عشر سنوات من الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى فى الصين. وقد أهمل العديد من الرفاق هذا وإنزعج تماما بعضهم الاخر. وتعمّقه فى هذا وشروعه فى تطوير إجابات لهذه الأسئلة المضجرة للغاية عورض مرّة أخرى سواء مباشرة أو من خلال " تجاهله". و سقطت هذه [ المعارضة التحريفية ] موضوعيا فى إبتلاع "موت الشيوعية " فإستبدلت القيادة الشيوعية الحيّة المتطوّرة المشتبكة فعلا ( والصائغة لأجوبة) الأسئلة المؤلمة بصدد " لماذا خسرنا الصين" بالإيمان السلفي الدغمائي الجامد."
عند هذا الحدّ ، بات التناقض بين الخطين التحريفي و الشيوعي فى حزبنا معبّرا عنه بصورة تامة وبات بجلاء وحدّة متعلّقا بإدراك ونشر ضمن الجماهير الشعبية لما تمثّله قيادة بوب آفاكيان و ما هو مركز فى التوليف/التلخيص الجديد الذى يقدّمه ، أو نبذه ورفض التصرّف بناء عليه. فى هذه الظروف ، يمثّل الأوّل التقدّم على الطريق الثوري والشيوعية لأن دور بوب آفاكيان وجملة أعماله ومنهجه ونظرته تكرّس فوق كلّ شيئ تطويرا للشيوعية كعلم حيّ وتوجه ثوريّ إستراتيجي ، بينما معارضة هذا داخل حزبنا كرّست بصورة مركّزة التراجع نحو الإصلاحية والإستسلام للإمبريالية حتى وإن جرى هذا مع المحافظة على "الشيوعية" كنوع من التعويذة الدينية و/ أو "نمط حياة بديل".
معترفا تمام الإعتراف بجدّية الوضع و الرهانات وكذلك الأخطار المتضمّنة وقادرا على التعويل عندها فقط على مجموعة صغيرة جدّا داخل قيادة الحزب ، اصدر بوب آفاكيان بجرأة نداءا لثورة ثقافية داخل الحزب الشيوعي الثوري. وفى نفس الوقت، اكّد على أنّ هذه الثورة الثقافية ينبغى أن تتمّ فى خضم مسيرة كبرى ( مشدّدا بهذه الإستعارة على أن التغيير الراديكالي و التعزيز الثوري للحزب وهو هدف وغاية هذه الثورة الثقافية يتعيّن أن ينجز فى إطار وجوهريا فى خدمة تغيير العالم الموضوعي الأشمل ) و عمل الحزب الذى ستوجهه حقا المبادئ والأهداف الشيوعية سيوجد حركة ثورية وليس حركة إصلاحية. وللأسباب التى ناقشنا أعلاه هنا ، النقطة المحورية و المسألة الحيوية للثورة الثقافية كانت إذا كنا نعتمد على وننفّذ التوليف/التلخيص الجديد وجملة أعمال و منهج ونظرة بوب آفاكيان و نتقدّم فى النظرية والإستراتيجيا الشيوعية التى تركّز ذلك أم أننا نبتعد عنها ونتبنى عوض ذلك ضربا من ضروب التحريفية – او بعض الخليط الإنتقائي التحريفي.
فى حديث له فى وقت سابق هذه السنة مع مجموعة من أعضاء الحزب ، عرض بوب آفاكيان توجهه فى بداية هذه الثورة الثقافية :
" كما رأيت وواجهت الأمور فى ذلك الوقت ، تقريبا قبل خمس سنوات ، كان هناك ثلاثة خيارات أساسية لمّا صار واضحا أنه رغم تواصل الطابع الشيوعي الثوري للخطّ "الرسمي" للحزب ، كان الحزب فى الحقيقة "مشبعا" وحتى متميّزا بالتحريفية. كانت أمامي ثلاثة خيارات :
- القبول بهذا الحزب كما هو و التخلّى جوهريا عن ما يفترض أن هذا الحزب أسّس من أجله،
- مغادرة الحزب والإستعداد لتأسيس حزب جديد،
- أو إطلاق ثورة ثقافية.
حينها إعتقدت و لا زلت أعتقد الآن لأسباب تحدثت عنها فى مكان آخر و اليوم فى ما مر ّبنا ، بأن الخيار الأخير هو الطريق الوحيد الصائب و الضروري. وهذا لأسباب تتعلّق بمدى قيمة حزب و مدى صعوبة خلق حزب جديد لو جرى بالفعل التخلى عن هذا الحزب قبل الأوان وبشكل خاطئ. لكن ،نعم ، صحيح ليس هناك شيئ مقدّس بشأن حزب وإذا لم يكن طليعة ثورة فبالتالي فليذهب إلى الجحيم! ولنقم بشيئ آخر ولنحصل على شيئ آخر. بيد أننى إعتقدت حينها و لازلت أعتقد أنه لا ينبغى أن نتخلى عن هذا الحزب ما لم يغدو موضوعيا وعلميا وبصورة واضحة لا أمل فى تحويله حقيقية إلى ما يحتاج أن يكونه."
ولم تكن هذه الثورة الثقافية عملية تطهير بل صراعا ، صراعا إيديولوجيا غايته و منهجه لم يكونا إستهداف أشخاص وإنما المقارنة و المواجهة بين الخطّ الثوري و الخطّ التحريفي و بهذه الطريقة يتمّ تعميق أسس الحزب و أعضاءه على الخطّ الثوري بينما يقع فضح ونقد الخطّ التحريفي و القطع معه وذلك لإنعاش وإعطاء حافز كبير للحزب ككلّ كطليعة شيوعية ثورية حقا قادرة ومصمّمة على مواجهة مسؤولياتها ولا شيئ أقلّ. إن مسار هذه الثورة الثقافية و طبيعتها ، على مدار ما يناهز الخمس سنوات منذ بدايتها ، كان معقّدا وأحيانا حادا. تضمّن عددا من الإلتواءات و المنعرجات و تطلّب صراعات إيديولوجية متكرّرة و متعمّقة لإحداث قطيعة أساسية من طرف أعضاء الحزب و الحزب ككلّ مع التحريفية و قفزة – من جديد و على أسس أعمق- للتحوّل إلى شيوعيين و طليعة شيوعية مطالبين بأن نكونها ومصمّمين على أن نكونها. وقد عرفت عدة مراحل ، بتقدّم حاسم حصل فى مراحلها الأولى ، عندما إلتحقت قيادة الحزب جماعيا، بالمعنى الأساسي ، بالخطّ الثوري وقيادة بوب آفاكيان فى تطوير ذلك الخطّ و الكفاح من أجله و على تلك القاعدة عمّقت تصميمها وقدرتها على إنجاز هذه الثورة الثقافية من خلال إلحاق الهزيمة بالتحريفية وإنقاذ وإنعاش الحزب كطليعة شيوعية ثورية.
وكما كان متوقّعا من صراع بهذا الحجم الهائل وبهذه التحدّيات ، كانت سيرورة الثورة الثقافية فى حزبنا سيرورة تمخّضت عن القطع مع الذين كانوا ينوون عقد سلام مع الإمبريالية وجرائمها الفظيعة ، حتى وإن ظلّوا أحيانا يسمون أنفسهم شيوعيين أو يعبرون عن أمنية عالم أفضل، طالما أنه ليس عليهم الإضطلاع بمسؤولية الصراع ومواجهة التضحيات اللازمة لجعل ذلك فعلا واقعا. رفض البعض ، أو وجدوا أنفسهم غير قادرين على القطع مع التحريفية و بالتالى إستقالوا ( أو أقنعوا بالإستقالة ) من الحزب. بالنسبة للجزء الأكبر، مع بعض الإستثناءات، (17) ، أولئك الذين تركوا الحزب فعلوا ذلك على أساس إصرارهم على أنهم لا يعتقدون بأن الثورة ممكنة ( على الأقلّ ليس فى هذا البلد وليس فى أي أفق زمني ذو مغزى ) بينما إعترف البعض حتى بأنهم لو يعودوا يعتبرون الثورة و الشيوعية مرغوب فيهما. فى الواقع، معنى هذا ليس أن الثورة ليست ممكنة و الشيوعية غير مرغوب فيها ، بل معنى هذا هو أن الإرادة الثورية لهؤلاء الناس وتوجههم الشيوعي تحلّلا وفسدا
( على خلاف أولئك الذين تقدّموا فى خضمّ الثورة الثقافية فى حزبنا و مجدّدا وبصفة أعمق إلتزموا بقضية الشيوعية) و الذين أداروا ظهرهم للحزب و للثورة يعترفون بأن هذه الثورة وهدفها الشيوعية سيتطلبان ما ليسوا على إستعداد لتقديمه، " العمل الشاق و العمل الخطر و العمل فى أغلب الأحيان غير المرغوب فيه شعبيا و "ضد التيار" ، لتحقيق أهدافنا فى الواقع " (18) ولم تعد المعايير الأساسية الموضّحة فى " القانون الأساسي" لحزبنا (الجزء الثاني ، مبادئ التنظيم) تنطبق عليهم :
" يتكون الحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية من أناس تجمعوا للمساعدة على تلبية الحاجة الكبرى للإنسانية : القيام بالثورة كخطوة أولى بإتجاه الشيوعية. و كرّسوا حياتهم بالكامل إلى هذا ، بجدّية عظيمة و حبّ عظيم ، بتصميم عظيم و حماس عظيم أيضا ." ( 19)
فى مظهرها الرئيسي والأكثر جوهرية ، مثلت الثورة الثقافية صلب الحزب إنعاشا للنظرة والأهداف والروح و الثقافة الثوريين الشيوعيين للحزب، حزب يواجه مباشرة و عمليا تعقيدات وصعوبات ومخاطر وكذلك يلهم ويفعل كل ما فى وسعه فى سبيل الثورة فى هذه البلاد وفى سبيل المساهمة بأكبر قدر ممكن فى هذه القضية ذاتها عبر العالم، وكلّ هذا بغاية تحقيق الهدف النهائي ، الشيوعية. والنضال يستمرّ على قاعدة جديدة ، داخل الحزب لمزيد تعزيز وتعميق طابعه وأسسه الثورية، فى إطار النهوض بالعمل الثوري بحماس وبصورة خلاّقة ، بإلإعتماد على ما هو فعلا الخطّ الشيوعي الثوري لهذا الحزب.
لفترة زمنية ، عانى حزبنا (بينما الجماهير الشعبية التى وضعت أعينها عليه والجماهير الشعبية بشكل أوسع كانت تعاني هي الأخرى) بفعل التحريفية التى كسبت مزيدا من التأثير داخل الحزب، متغذّية وبدورها موطّدة ، نزعة تبنّى تلخيص ونظرة خاطئين للوضع حيث إنتهت المرحلة الأولى من الثورة الشيوعية مع إعادة تركيز الرأسمالية فى الصين وكان الإمبرياليون القدامى و الجدد فى حالة هيجان ليستغلوا هذا الوضع لنهب العالم حتى بلا رحمة ولشنّ حرب إيديولوجية وسياسية لا هوادة فيها فى محاولة لتدمير ما تبقى من إحترام للأشياء العظيمة التى أنجزت فعلا فى تلك المرحلة الأولى من الإشتراكية ولبثّ الشكّ حول العلم الثوري للشيوعية الذى كشف إمكانية وأرشد النضال فى العالم الحقيقي أين تحققت مكاسبا عظيمة. عبر سيرورة الثورة الثقافية فى حزبنا ، صرنا أقوى واكثر وحدة على مستوى أرقى ، إيديولوجيا وسياسيا وكذلك تنظيميا، وأكثر إرتكازا على علم الشيوعية كما زاد فى تطويره بوب آفاكيان من خلال التوليف/التلخيص الجديد وبإدراك هذا العلم كعلم حيّ علينا مواصلة تطبيقه ومزيد تطويره ، على نحو مستمرّ وعبر مواصلة الصراع.
لقد دفعنا ثمن التمسّك بالمبادئ والأهداف الشيوعية ورفضنا التخلى عن طريق الثورة من أجل أخاديد الإصلاحية المهترئة التى يُدّعى أنها أكثر "واقعية "وبطريقة ما "ستعمل" فى حين أن التجارب المُرّة دللت ، المرة تلو الأخرى، أن هذا "سيعمل" على إبقاء الناس سجناء إطار الحدود القاتلة للحكم البرجوازي والإضطهاد الرأسمالي. لكن بعد دفع هذا الثمن ، نحن الآن مستعدّون أكثر للإضطلاع بالمسؤوليات الملقاة على عاتقنا ومصمّمون أكثر على مواجهة التحدّيات التى توجد أمامنا، و العمل من أجل الثورة هنا ، على قاعدة التوليف/التلخيص الجديد الذى تقدّم به بوب آفاكيان، للقيام بكلّ ما نقوم به بنشاط و للمساهمة ذات المغزى فى الهدف الثوري و للقتال من أجل هذا الفهم و التوجّه ذاتهما داخل الحركة الشيوعية فى العالم قاطبة.
مدركين الإدراك التام المشاكل والأخطار الحقيقية التى قد تنجم عن ذلك ، نخوض تجربتنا (و ما صرنا ندركه بأكثر عمق وصلابة، عبر هذه التجربة) المعروفة لدى الآخرين، داخل الحركة الشيوعية وأوسع منها ، دروسها العميقة ولأهمّيتها الكبرى لقضيتنا بأسرها . لقد رفعت تجربتنا ، خصوصا فى خضم الثورة الثقافية صلب حزبنا ، فهمنا كثيرا لما يعنيه لجماهير المضطهَدِين ، هنا وعبر العالم، ولمستقبل الإنسانية، أن مثل هذا الحزب لم يهزم و لم يحطّم وأنه لم يثابر فقط وإنما توصّل إلى إنعاش وتعزيز حقيقيين إيديولوجيا وسياسيا ومن ناحية النظرة الإستراتيجية الثورية و التوجّه الشيوعي والتصميم العلمي المعتمد على عمل لا يكلّ لجعل هذا الفهم واقعا قويّا و حيّا لدى جماهير الشعب التى تقاتل بوعي من أجل الثورة ، نعم فى أعتى قوّة إمبريالية، فى وحدة مع الشعوب التى تقوم بالشيئ ذاته عبر العالم . و كما كتب حديثا رئيس الحزب ، بوب آفاكيان :
"بهكذا طريقة ، على أساس علمي و من خلال تطبيق المنهج و النظرة العلميين ، بإمكاننا و علينا أن نمتلك روحا إنتصارية ، وتوجها (لإستعارة جملة من قصيدة لييتس) من العشق الشديد للثورة و الشيوعية "(20).

/ خاتمة : تحدّى و نداء :IIV
إننا نعنى ما قلناه هنا، ونعنى ما قلناه فى نهاية "القانون الأساسي" لحزبنا :
" أخذ الحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية على عاتقه مسؤولية قيادة الثورة فى الولايات المتحدة ، قلب الوحش الإمبريالي، كمساهمة رئيسية منه فى الثورة العالمية و الهدف النهائي ، الشيوعية. و هذا تعهّد عظيم وتاريخي وكلّ الذين يتطلعون لرؤية حدوث هذا يجب أن يلتحقوا بهذه الطليعة و أن يساندوها ، عاملين سوية مع هذا الحزب ، وبانين له الدعم و على أساس تبني قضية ونظرة الشيوعية ينضمّون إليه.
تحرير الإنسانية قاطبة : هذا و لاشيئ أقلّ من هذا هو هدفنا ، ليس هناك من قضية أعظم و لا هدف أعظم له نكرّس حياتنا " (21).
كلّ ما تحدّثنا عنه هنا و الذى عرضنا مباشرة ودون تزويق ، يجب أن يعطى معنى وتأكيد أعظم للنداء الموجّه للناس الذين يشاطرون أو يحترمون تصميمنا على صنع عالم جديد خال من الإستغلال والإضطهاد ، ليلتحقوا بمساعدة هذا الحزب ودعمه. إلى الثوريين و الشيوعيين فى كلّ مكان ، إلى كل الذين يطمحون لعالم آخر ، مختلف راديكاليا وأفضل بكثير : دعونا لا نتراجع إلى ونتخندق فى الماضي، باي شكل كان ، دعونا بدلا من ذلك ، نتقدّم بجرأة صوب هدف الشيوعية وتحرير الإنسانية من لآلاف السنين من سلاسل التقاليد.
الهوامش :
1- من ماركس إلى كوغلمان ، 1868، ذكراه رايموند لوتا و فرانك شانون فى " إنحطاط أمريكا ، تحليل للتطورات نحو الحرب و الثورة ، فى الولايات المتحدة وعالميا ، فى الثمانينات "، المجلّد (1) بانربراس ، شيكاغو 1984، ص 10.
2- لتحليل أتمّ للعلاقة بين إضطهاد السود و التطوّر التاريخي للرأسمالية الإمبريالية الأمريكية ، راجعوا بوب آفاكيان " الشيوعية وديمقراطية جيفرسون" ، منشورات الحزب الشيوعي الثوري ، شيكاغو ،2008 ، وهو موجود كذلك على الأنترنات بموقع الحزب.
3-" القانون الأساسي للحزب الشيوعي الثوري، الولايات المتحدة الأمريكية"، منشورات الحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية ،شيكاغو ،2008، المقدّمة : المبادئ الأساسية للحزب الشيوعي الثوري، الولايات المتحدة الأمريكية ، ص2 ، التشديد مضاف فى الأصل. وهذا "القانون الأساسي" متوفّر على الأنترنت بموقع الحزب.
4- "القيام بالثورة و تحرير الإنسانية " الأجزاء 1و2 متوفر أيضا على الأنترنت وفى "الثورة و الشيوعية : الأساس و التوجّه الإستراتيجي" كتيّب من نشر "الثورة" ، غرّة ماي 2008. و كتاب سكايبراك المشار إليه هنا هو "علم التطوّر وأسطورة الخلق، معرفة الواقع و خلفياته" إنسايت براس، شيكاغو، 2006.
5- فى مكان آخر ، فى أعمال رئيس حزبنا، بوب آفاكيان وجهود آخرين مستلهمين ومسترشدين بأعماله ومنهجه ونظرته، أنجز تلخيص هام – ومزيد التلخيص بصدد الإنجاز – لكلّ من المكاسب الواقعية و الحقيقية فعلا و النواقص والأخطاء الثانوية لكن مع ذلك الهامة ، و بعضها جدّي للغاية، الواقعية و الحقيقية فعلا فى الإتحاد السوفياتي و كذلك فى الصين ، عندما كانا بلدين إشتراكيين.
راجعوا مثلا بوب آفاكيان "كسب العالم؟ واجب وما ستقوم به البروليتاريا العالمية" المنشور فى العدد 50 من مجلّة "الثورة" ، ديسمبر 1981 وهو متوفّر على الأنترنت، و " نهاية مرحلة، بداية مرحلة جديدة " فى مجلّة "الثورة" عدد 60 ، نهاية 1990، وراجعوا أيضا "هذه هي الشيوعية " موقع مشروع " لنقيّم ما حصل فعلا ".
6- إضافة إلى مصادر أخرى أشرنا إليها فى علاقة بتجربة الثورة الشيوعية و المجتمع الإشتراكي . لتلخيص هام لمساهمات ماركس و لينين و ماو فى تطوير علم الشيوعية وإستراتيجيا الثورة الشيوعية ، راجعوا ملحق بعنوان" الشيوعية كعلم" ضمن "القانون الأساسي للحزب الشيوعي الثوري،الولايات المتحدة الأمريكية ".
7- النهاية التامة للإتحاد السوفياتي ، فى بداية التسعينات ، حصلت بعد ثلاثة عقود من الإطاحة الفعلية بالإشتراكية وإعادة تركيز الرأسمالية فى ذلك البلد أواسط الخمسينات. مذّاك صار الإتحاد السوفياتي ، مثلما حدّده ماوتسى تونغ، إمبريالية –إشترالكية، أي إشتراكية قولا لكن رأسمالية –إمبريالية فعلا وعملا، رغم أن ذلك كان شكلا من الرأسمالية الإمبريالية فيه كانت الدولة النقطة الحيوية و العنصر المحوري للإقتصاد . مع ذلك بينما كان الإتحاد السوفياتي رأسماليا ، و قوّة إمبريالية –إشتراكية ، فإنه ظلّ منازعا هائلا للولايات المتحدة وكتلتها الإمبريالية ، وما يبعث على السُخرية هو أنه حينما سقطت كليا الإمبراطورية فى التسعينات ، إستغلّ ذلك مادحو و" مناصرو " الرأسمالية الإمبريالية "الكلاسيكية الغربية" وإدّعوا مع ذلك حصول هزيمة أخرى للشيوعية و "دليلا" على أن الإشتراكية وحشا فظيعا وغير قابل للتطبيق. لتحليل التجربة الفعلية للمجتمع الإشتراكي ، فى الإتحاد السوفياتي والصين ، و التغييرات التاريخية غير المسبوقة و التحرّرية المنجزة فى تلك البلدان لمّا كانت إشتراكية ، والمشاكل و النواقص والأخطاء الحقيقية، راجعوا موقع إنترنت "هذه هي الشيوعية" .
8- الذين يدعون أن تجربة الحركة الشيوعية و المجتمعات الإشتراكية التى أفرزتها ، تبّين حدود وفى الأخير إفلاس ما يسمونه " نموذج حزب-دولة " إستخلصوا إستنتاجات جوهريا خاطئة و مضلّلة تردّد "الحكمة التقليدية" التى ينشرها الرأسماليون وأتباعهم من المثقفين و تغذّى نشاز خطاباتهم المناهضة للشيوعية ( صوتهم أو غضبهم الذى لا يعنى فى النهاية أي شيئ أو أي شيئ إيجابي). وفى الأشهر و السنوات القادمة ، بما فى ذلك عبر جريدة حزبنا " الثورة " ووسائل أخرى، سنتعمق أكثر وبصورة شاملة ونفكك وندحض نظريات مثل هذه و النظرة و المنهج اللذان تجسدهما. هنا دعونا نذكر بوضوح بأنه دون هذا المسمّى " نموذج حزب-دولة ". بكلمات أخرى ، دون سلطة دولة بالنسبة للمستغَلّين سابقا، تهدف إلى القضاء على كافة الإستغلال وإجتثاث كافة العلاقات الإضطهادية عبر العالم، ودون طليعة تقود هذه السيرورة لن يتمّ حتى الإقتراب من مواجهة ، ناهيك عن معالجة التناقضات العميقة و المعقّدة التى ينبغى التعاطي معها لصنع عالم مختلف راديكاليا. التخلّى عن هذا "النموذج " و مهاجمته، على الأقلّ موضوعيا وبغضّ النظر عن أي محاولة المعترف ، يعنى التخلّى عن و تقويض الهدف و النضال لتحقيق ذلك الهدف،
و الخروج عن وفى النهاية التخلّص من النظام الذى يؤيّد كافة الرعب الحقيقي جدا الذى يجرح الآن يوميا الإنسانية و يلازمها وبالفعل يمثّل تهديدا واقعيا للغاية لتواصل وجودها. هذا ما تدلّل عليه تجربة الحركة الشيوعية وبالفعل تاريخ تجربة المجتمع الإنساني ككلّ لمّا تعالج وتلخّص بنظرة و منهج علميين.
9- أنظروا مثلا كتيّب بوب آفاكيان ، " الخسارة فى الصين والإرث الثوري لماو تسى تونغ "، وهو نصّ خطاب لبوب آفاكيان ألقاه فى التجمعات التذكارية لماوتسى تونغ ، منشورات الأر سي ب ، شيكاغو ، 1978 و "مساهمات ماو تسى تونغ الخالدة " منشورات الأر سي بي ، شيكاغو، 1979.
10- أنظروا "إعادة تصوّر الثورة و الشيوعية : ما هو التوليف/التلخيص الجديد لبوب آفاكيان " متوفّر على الأنترنت ، موقع الحزب.
11- " القيام بالثورة و تحرير الإنسانية " ( الجزء الأول) متوفّر على الأنترنت ...وكذلك ضمن "الثورة و الشيوعية : الأسس و التوجه الإستراتيجي" كتيب " الثورة " ، الإستشهاد هنا موجود بالصفحة 27 .
12- بوب آفاكيان ، "كسب العالم؟ واجب و ما ستقوم به البروليتاريا العالمية " نشر فى العدد 50 من مجلّة "الثورة" ديسمبر 1981، منشورات الأر سي بي ، شيكاغو . ولعرض المظاهر الجوهرية لتطوير بوب آفاكيان لمحتوى الأممية الشيوعية وقاعدتها العلمية ، راجعوا( فضلا عن "كسب العالم؟") " دفع الثورة العالمية : مسائل توجه إستراتيجي" ، نشر فى الأصل فى فى مجلّة "الثورة" ،ربيع 1984، متوفّر على الأنترنت.
13- "القيام بالثورة و تحرير الإنسانية "(الجزء الأول) متوفّر على الأنترنت وضمن " الثورة و الشيوعية : الأسس و التوجه الإستراتيجي" كتيّب "الثورة" ، الإستشهاد هنا من الصفحة 36-37 من هذا الكتيب.
14- "القانون الأساسي" لحزبنا ، فى ملحق"الشيوعية كعلم"، يشرح أن الحق البرجوازي يحيل على " الطريقة التى وفقها العلاقات السلعية الموجودة و اللامسواة الباقية من الرأسمالية ، بالضبط صلب المجتمع الإشتراكي، تعزّز بعضها البعض بصورة متبادلة و تنعكس فى البنية الفوقية ، المؤسسات السياسية و طرق التفكير و الثقافة و ما إلى ذلك، و كيف أن كلّ هذا يشكّل حواجزا أمام مواصلة التقدّم الثوري فى ظلّ الإشتراكية و يجب تحديده و فى النهاية تجاوزه كجزء حاسم من النضال لمنع إعادة تركيز الرأسمالية و بلوغ الهدف النهائي ، الشيوعية ".
15- عرض موجز لأوهام الديمقراطية "النقيّة" و "اللاطبقية" ، و شرح العلاقة الفعلية بين الديمقراطية و الدكتاتورية ، من أصناف مختلفة جوهريا، تقدّمه المقولة التالية لبوب آفاكيان :" فى عالم يتميّز بإنقسامات طبقية ولامساواة إجتماعية عميقين ، الحديث عن "الديمقراطية" دون الحديث عن الطبيعة الطبقية لهذه الديمقراطية ، بلا معنى وأسوأ. طالما أنّ المجتمع منقسم إلى طبقات ، لن توجد "ديمقراطية للجميع" : ستحكم طبقة أو أخرى وستدافع عن وتروّج لهذا النوع من الديمقراطية الذى يخدم مصالحها و أهدافها. المسألة هي : ما هي الطبقة التى ستحكم وإذا ما كان حكمها ونظام ديمقراطيتها، سيخدم تواصل أو فى النهاية القضاء على الإنقسامات الطبقية و علاقات الإستغلال والإضطهاد و اللامساواة المتناسبة معه."( ذكر فى " القانون الأساسي للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية ") التسطير فى النصّ الأصلي، وهذا أيضا يمكن العثور عليه بموقع الأنترنت التابع للحزب.
16- طوال هذه الفترة الراهنة ، بعض الشيوعيين و "زملاء السفر" للشيوعية ، إستحضروا طبخة من السكولاستيكية و اللاأدرية و النسبية التى هي فى تعارض ، أحيانا عن وعي وصراحة ، مع التوليف/التلخيص الجديد الذى قدّمه بوب آفاكيان وعلى أي حال جوهريا مع نظرة الشيوعية ومنهجها وأهدافها. و الذين يروّجون لهذه الطبخة يدّعون أنه لا وجود لإطار نظري لتفسير التجربة الماضية للحركة الشيوعية ولتوضيح وإستخلاص الدروس المناسبة ولإرشاد الممارسة التى ستتفادى أخطاء الماضى ، حسب (عدم) فهم هؤلاء. وعليه يواصلون المحاججة ، يجب أن نصرف الجهد فى ما يمكن أن نعتبره مساعى لانهائية وبلا هدف فقط لنكتشف ، فى خضمّ مطلق تماما من الممارسة الثورية تسترشد بالمبادئ الشيوعية ، الإطار النظري الضروري. وعادة ما يترافق هذا مع الدفاع عن إنجاز النشاط و الصراع العمليين على أضيق الأسس و من النوع الأكثر إصلاحية ، وهو مكوّن من مكوّنات هذه الطبخة الإنتقائية. ويعمل كل هذا على الأقلّ موضوعيا ، كعقلنة للإنسحاب و التراجع أو مجرّد البقاء بعيدا عن النضال الثوري الفعلي ، النضال الموجّه بالنظرية و المبادئ الشيوعية التى يمكن فى الواقع أن تتطوّر وقد تطوّرت وهي تتطوّر فى علاقة جدلية بالممارسة ، بالمعنى الشامل وليس بالمعنى الضيّق وهو نضال له مضمون ثوري وليس إصلاحي.
وليس من المستغرب ، خصوصا فى بلد إمبريالي طفيلي جدا، ( إمبريالية تفترس كليا العالم وبلايين سكانه) أن يظهر مثل هذا التوجّه و النظرة السكولاستيكية واللاأدرية ، حتى بتلوين تقريبا شيوعي ، و يجد بعض التقبّل لا سيما ضمن الشرائح الأكثر إمتيازات وبصفة خاصة ضمن المثقّفين. وطالما أنّ المرء يمكن أن يواصل الدفاع عن فقدان إطار نظري مناسب بإمكان المرء أن يواصل إقناع نفسه بأنّه لا وجود لشيئ خاطئ فى رفض الإلتزام بالنضال الحالي من أجل الشيوعية ، إلتزام و نضال يمكن أن يرغما المرء على التحرّك خارج ما هو ، مع ذلك ، وجود غير مزعج كثيرا لأكاديمي فى حصن الإمبريالية الأغنى والأقوى عالميا. ما يتمّ الإعتراض عليه هنا ليس أصلا دور المثقف الأكاديمي فى حدّ ذاته
( وهو حقل يمكن أن يكون هاما فى النضال ويمكن فى الحقيقة أن يقدّم مساهمات ثمينة ، بطرق متنوّعة ، فى القضية الشيوعية حتى حين لا يتضمّن هذا مجال السياسة و فلسفة السياسة. بالأحرى ، ما يجرى تحديده و نقده بحدّة هو ظاهرة جعل المقاربة النظرية مبدأ مجرّدا عن الممارسة الثورية وفى تعارض مع الشيوعية العلمية، و الفهم الجدلي و المادي للنظرة و للعلاقة بين النظرية و الممارسة كما ناقشنا ذلك هنا.ونحن نشعر بالحاجة للتعبير عن نفاذ صبرنا تجاه نوع من التشويش صراحة غير المفهوم وبوعي ذاتي يعبّر عن نفسه وعادة ما يقدّم نفسه على أنه تفكير راديكالي فى الأوساط الأكاديمية و الذى يتقنّع أحيانا بالماركسية.
17- إستثناء للتوصيف العام للذين تركوا الحزب على أساس تقريبا التخلّى عن الثورة ، هو مجموعة متنوّعة لم تكن فقط راضية بالإستسلام للإمبريالية بل جعلت نفسها عصابة صغيرة من " النقاد الطفيليين" خارج الحزب ، باحثة عن" صياغة عقلية كبيرة " لهذا الإستسلام بشنّ هجمات كبرى لامبدئية على الحزب وقيادته وبخاصة على رئيس حزبنا بوب آفاكيان. بتشجيع الثرثرة والإفتراء و التشويه المحض لخطّ حزبنا
و نشاطه ، و حتى مصدرة نداءات سافرة معادية للشيوعية( و كلّ هذا الإدعاء كذلك من المحتمل أن يتمّ التخلّى عنه قريبا). وفى حين أن هذا يمثّل موضوعيا ظاهرة بسيطة ، فإن هناك بعض الأشياء التى تميّز هؤلاء "النقاد " يمكن أن تستعمل بصورة مفيدة للتعلّم من الأمثلة السلبية.
أولا، للمواقف ولوجهات النظر التى يدافعون عنها الآن مزيّة ( إذا أمكن نعتها بذلك) تقديم على نحو شامل جدا بالضبط لأنواع الخطوط التحريفية التى حدّدناها وكشفناها وافقدناها الثقة وهزمناها فى خضمّ الثورة الثقافية صلب حزبنا. وهي خطوط مظاهرها عرضناها هنا عند نقاش "الحزمة التحريفية" التى ظهرت فى تعارض مع الخطّ الثوري صلب الحزب.
ثانيا، أعضاء الحزب السابقين الذين إستقالوا و كوّنوا العصابة الصغيرة صاغوا كتيبا مثالا عن الطبيعة السياسية و الإيديولوجية للإنتهازية بما فى ذلك كونهم رفضوا خوض صراع مبدئي حول الإختلافات صلب الحزب. وهذا التصرّف فى تناقض مع و ينتهك حقّا المبادئ الأساسية للمنظمة الشيوعية وكان على طول مبدأ صريحا لحزبنا بأن يتمتّع أعضاء الحزب ليس فحسب بحقّ بل كذلك بمسؤولية إثارة الإختلافات مع خطّ الحزب وسياساته ، بطريقة مفتوحة و صريحة عبر قنوات الحزب الملائمة. علاوة على ذلك، أثناء سيرورة الثورة الثقافية صلب حزبنا ، دُعي كافة أعضاء الحزب عند نقطة معيّنة ليترجموا جدّيا إلتزامهم بالحزب ومبادئه وأهدافه الشيوعية ومضمون وأهداف الثورة الثقافية فى الحزب ، وإذا وفقط إذا، كان إلتزامهم صلبا أن يعيدوا الإلتزام بذلك. و من الجدير بالإشارة إليه هو أن مايك آلي الذى يسعى الآن لنفخ نفسه كنوع من "السمك الكبير" فى هذه البركة الراكدة الصغيرة من " النقاد الطفيليين" قام ساعتئذ فعلا بإعادة الإلتزام بذلك مرّة أخرى دون رفع أية إعتراضات أو إختلافات بشأن خطّ الحزب والأهداف وسيرورة الثورة الثقافية صلب الحزب.
ونظرا لأنه بات جدّ واضح أنه كانت لديه خلافات مع الخطّ الأساسي للحزب ، ليس فقط فى السنوات القليلة الماضية ، اثناء فترة إنجاز الثورة الثقافية داخل الحزب ، لكن قبل ذلك بكثير، سؤال يفرض نفسه طبعا : لماذا يبقى هكذا شخص فى الحزب كلّ ذلك الوقت وهو يرفض طرح خلاف جوهري أو خوض صراع مفتوح وصريح حول مظاهر هامة من خطّ الحزب له معها إختلافات أساسية طوال هذه الفترة الزمنية ؟
و الجواب البديهي هو أنه ظلّ فى الحزب بينما فى نفس الوقت يخفى إختلافات رئيسية ، فى محاولة لإستعمال الحزب كأداة لخطّه الخاص الإنتهازي . بديهيا ، نتيجة القبضة التحريفية فى صفوفنا ، أمكن له لسنوات أن ينفّذ "نمط حياته البديل" داخل حزبنا، مدّعيا الوحدة وتقريبا عاملا ما أراد ، نظرا لليبرالية المنتشرة كجزء من الخطّ التحريفي و الثقافة التى نشرها فى صفوف حزبنا. و فقط مع تواصل إنجاز الثورة الثقافية و مع قطع أرضية التحريفية بشكل متزايد ، وجد من الصعب أكثر فأكثر أن يستمرّ فى معارضة الخطّ فى حين يتظاهر بالإتفاق مع الحزب . لذا ، وقتئذ ، ما الذى فعله؟ فجأة ترك الحزب وبحث عن دروب أخرى للتعبير عن إنتهازيته وأطلق هجماته غير المبدئية على الحزب وقيادته. قبل ترك الحزب ، هل إستنفذ أو حتى بحث عن إستعمال الوسائل الموجودة داخل الحزب لطرح الخلافات والصراع بطريقة مبدئية ؟ قبل ترك الحزب ، هل كتب ورقة يعبّر فيها عن خلافاته و أبلغها عبر قنوات الحزب إلى القيادة؟ هل طلب إجتماعا مع قيادة الحزب ليعبّر عن هذه الخلافات ويناقشها معها؟ لا. بدلا من ذلك، تصرّف فى خرق نام لمبادئ الشيوعية و بالفعل بشكل يتناقض مع طريقة إي إنسان له حسّ أساسي من الإستقامة.
و هذا النوع من التصرّف غير مفاجئ من هذا الشخص ليس بسبب خطّه العام السياسي و الإيديولوجي الإنتهازي فحسب لكن أيضا بسبب بالخصوص أنه لو حاول عندما أطلقت الثورة الثقافية وأخذت تكسب زخما داخل حزبنا ورفعت أنظار أعضاء الحزب إلى مسائل حيوية بصدد الخطّ الإيديولوجي و السياسي و لصراع هذه الخطوط بالعلم و المادة ، لو حاول وهو لا يزال فى صفوف الحزب أن يستعمل طريقة " الصحف الشعبية " التى إستعملها منذ مغادرته الحزب ، الإساءة المبطّنة و الثرثرة فإنه ما كان فقط سيكشف فورا داخل الحزب كمجرّد تشويه سخيف وإنتهاك صارخ للمبادئ الشيوعية لكن كان كذلك سيحدّد كجزء من إنتهازية أشمل وكان سيطلب منه ترك هذه الطرق غير المبدئية وبدلا من ذلك الخوض بطريقة جدّية فى المسائل الحيوية وذات الدلالة بالنسبة للخطّ و التى كانت محور الثورة الثقافية و الدفاع بوسائل مبدئية و ذات مغزى عن الخطوط التى دافع عنها فى معارضة للخطّ الثوري للحزب. وكان سيخفق ببؤس فى محاولة القيام بذلك مرّة أخرى لأنّ هذه الخطوط كانت ستكشف كخطوط ممثّلة لذات "الحزمة " التى كان الحزب وأعضاؤه يتعرّفون عليها بصفة تصاعدية على أنها تحريفية ويخوضون لذلك صراعا إيديولوجيا ضدّها.
كما قلنا ، فى سيرورة صراع طبقي كبير ( وهذا حال الثورة الثقافية داخل حزبنا : صراع طبقي حيوي فى المجال الإيديولجي) ينزع الناس وتنزع الأشياء إلى الإنقسام. بعد خوض هذا الصراع على أساس مبدئي ، مركزا على مسائل الخطّ الإيديولوجي و السياسي وباحثا عن كسب أكبر عدد يمكن كسبه للخطّ الثوري، دون مساومة مع التحريفية ، غزّز حزبنا نفسه كثيرا فى نظرته و توجهه الشيوعيين وقدرته على النهوض بمسؤولياته الثورية، و على هذا الأساس تخلصنا على نحو جيد من الإنتهازيين مثل الذين شكّلوا عصابة صغيرة من "النقاد الطفيليين". وبينما أفلس خطّ هؤلاء الإنتهازيين كليا ، سيتعزّز حزبنا و كذلك الحركة الثورية التى نكرّس أنفسنا لبنائها و قيادتها لمّا يقارن الناس موضوعيا بين الخطّ المعادي للثورة لهؤلاء الإنتهازيين و الدور الذى يلعبونه، من جهة و الخطّ و العمل الشيوعيين الثوريين لحزبنا من جهة أخرى. ( فى إرتباط بهذا ، راجعوا "الإلتصاق بالواقع الراسمالي الفظيع" أم صياغة طريق للمستقبل الشيوعي" ، ردّ على التسع رسائل لمايك آلي" لمجموعة كتابة من الحزب الشيوعي الثوري، متوفر على الأنترنت).
18- " القانون الأساسي للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية "، المبادئ التنظيمية، الفصل 1 ، العضوية ،ص18 وهو كذلك متوفّر على الأنترنت.
19- نفس المصدر السابق، المبادئ التنظيمية ، ص 15.
20- بوب آفاكيان: " الشيوعية وديمقراطية جيفرسون"، منشورات الأر سي بي ، شيكاغو 2008، وهذا العمل أيضا متوفّر على الأنترنت.
21- "القانون الأساسي للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية"، الخاتمة ، ص 24 ، وهو كذلك متوفّر على الأنترنت.





4
القانون الأساسي للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية
1- القانون الأساسي
2- ملحق : " الشيوعية كعلم "
-------------------------------------
مدخل : المبادئ الأساسية للحزب الشيوعي الثوري، الولايات المتحدة الأمريكية.
لتحرير الإنسانية يحتاج العالم للثورة و الشيوعية :
يتطلب العالم اليوم تغييرا جذريا. فنحن نحيا على كوكب حيث عشرات ملايين الناس ماتوا أثناء الحربين العالميتين فى القرن العشرين وفى حروب أخرى منذ ذلك الحين...و حيث تستمرّ أجزاء كبرى من الإنسانية الآن فى أسر الحروب الوحشية والتدميرية و ما ينجر عنها من خسائر جمّة فى الأرواح ومن عذابات لا تحصى.
نحيا فى عالم فيه يموت الملايين جراء أمراض يمكن الوقاية منها بسهولة... وما زالت أعداد أكبر تواجه الجوع كحقيقة حياة يومية . إننا أسرى نظام إقتصادي عالمي يوزّع الفتات ويمدّ بالإمتيازات عددا صغيرا نسبيا، بينما يجبر الملايين على البحث بيأس عن عمل فى كثير من الأحيان يدمّّر العقل ويسحق الجسد...نظام إقتصادي دمّر وسلب الطبيعة نفسها ووضع الآن مستقبل الحياة الإنسانية موضع سؤال.
نقضى أيامنا فى عالم حيث حياة عدد لا يحصى من الأطفال تطحن وتحطّم ،البعض كعمال أطفال حتى عبيد تماما، و البعض الآخر كضحايا الفقر والإذلال... وتسحق إمكانياتهم وتختصر حياتهم. وفى كلّ مكان لا تزال النساء، نصف الإنسانية !، تواجه قفّاز الإغتصاب وسوء المعاملة والإضطهاد بأشكال تقليدية وأخرى "حديثة ".
والناس ذوو التوجّه الجنسي أو الهوية المختلفين عن التعابير السائدة فى المجتمع ( ويقع هذا بالخصوص وبصفة حادة أين يتعارض بصورة هامة مع النظام الأبوى السائد ) تتمّ معالمتهم معاملة تتّسم بالتمييز والإضطهاد و العديد منهم يتعرضون لهجمات وحشية و حتى قاتلة.
وعشرات ملايين الناس فى هذه البلاد يواجهون حياة الإستغلال الطاحن و اليأس المُرّ والكثير منهم أتوا إلى هذه البلاد من بلدان نهبها الرأسمال الأمريكي ليجدوا أنفسهم فقط ملقبين ب"غير الشرعيين" و مجبرين على العيش فى ظلال الإضطهاد التى تشبه الغستابو. و خصوصا ، ضمن السود، وكذلك غيرهم من الألوان و القوميات المضطهدة ، وقع تهميش جموع من الجماهير الشعبية لأن إستغلالها لم يعد مربحا. و عوض الإعتراف بإنسانيتها وإطلاق عنان إمكانياتها ، جرّمها هذا النظام ( واحد من تسعة سكان سود فى السجن و الشباب السود و اللاتينيون يواجهون المضايقات و الوحشية و التهديد المستمرّ بالقتل على أيدى الشرطة كلّما خرجوا إلى الشارع. فى حين ينتشر إنتشار الوباء التمييز العنصري الأمريكي و يفيض بقيحة فى أغلب الأحيان بأشكال قديمة و جديدة.
و على قمّة هذا كلّه، يملى هذا النظام الإقتصادي و الإجتماعي على كلّ شخص النظر لكلّ شخص آخر و التعامل معه كمنافس و خصم محتملين.
"حوت يأكل حوت" و " إبحث عن أن تكون الأول" هما الشعاران الحقيقيتان لهذا المجتمع. و الذين يسعون لجعل الأشياء أفضل ، ضمن حدود هذا النظام ، يجدون بصفة ثابتة جهودهم محبطة، غير قادرين على التوصّل إلى جذور المشاكل.
و نتيجة لكلّ هذا فإن الإغتراب و اليأس مستشريان و يشعر الناس كما لو أن حياتهم فارغة لا معنى لها. و ما الذى ينقذهم؟ إما المطاردة المجنونة للحصول على مزيد السلع أو الخيالات الخاطئة و العزاء الديني.
بيد أن الحقيقة القاسية لكلّ هذا هي أنه لا يجب أن يكون الأمر كذلك ! وهذا هو التناقض الساطع ، فى عالم اليوم ، إنتاج الأشياء و توزيع المنتجات ينجزه بشكل كبير عدد كبير من الناس الذين يعملون جماعيا وهم منظّمون فى شبكات عالية التنسيق. و فى أساس هذه السيرورة جميعها توجد البروليتاريا وهي طبقة عالمية لا تملك شيئا رغم أنها قد صنعت هذه القوى المنتجة ذات الطابع الإجتماعي الهائل وهي التى تشغّلها.وهذه القوى الإنتاجية العظيمة بوسعها أن توفّر للإنسانية ليس تلبية الحاجيات الأساسية لكلّ فرد على الكوكب فحسب بل بناء مجتمع جديد له جملة من العلاقات الإجتماعية و القيم المختلفة كلّيا... مجتمع حيث يستطيع كلّ الناس أن يزدهروا سوية حقا و بالكامل. ومع ذلك لا يستطيع هذا أن يحدث و لا يحدث وعوض ذلك بالنسبة للغالبية العظمى من الإنسانية و لأعداد كبيرة من الناس فى هذه البلاد، تسوء الأمور ويبدو على الدوام أنه ميؤوس منها أكثر فأكثر.
لماذا؟ لأن هذه القوى المنتجة تخلق و تشغّل إجتماعيا عبر عمل أعداد كبيرة من الناس ، لكن يملكها و يسيطر عليها حفنة نسبية من الناس : الطبقة الرأسمالية-الإمبريالية. و التملّك الخاص بالإمبرياليين للثروة المنتجة إجتماعيا يدعمه القانون و العادة ... و القوة المسلّحة للدولة. وما يشغل بال كافة هؤلاء الإمبرياليين - و كلّ ما يمكن أن يشغلوا به بالهم بحكم قوانين نظامهم الرأسمالي- هو الدافع اللانهائي لمراكمة الربح و مزيد الربح و التوسّع العنيف و الدفاع عن الإمبراطوريات المقامة لضمان تلك المراكمة.
هذا التناقض الحارق بين الطابع الإجتماعي للإنتاج و التملّك الفردي و السيطرة الفردية عليه هو الجوهر الذى يقرّر طابع و توجه المجتمع
و العالم ككلّ. إنه السبب الجذري لتواصل تحمّل هذه الفظاعات. و على هذه العلاقات الإقتصادية الأساسية تنهض هيكلة كاملة من الدولة و السياسة
و الثقافة و الأفكار و الأخلاق. و مهما كانت الإصطلاحات و/أو التعبيرات الشكلية المدخلة فطالما أن نفس النظام قائم و نفس الطبقة تحكم فإن الإساءات التى يعانى منها الناس عبر العالم ستستمرّ و يعاد إنتاجها و ستصبح أكثر تشويها حتى.
لهذه المشكلة حلّ واحد فقط هو ثورة تطيح بهذا النظام و الطبقة الرأسمالية-الإمبريالية التى تجسّده و تسيّره، ثورة ستؤسّس فورا سلطة جديدة.
و على هذه السلطة الثورية الجديدة أن تصادر على الفور ممتلكات وسلطة الطبقة الرأسمالية-الإمبريالية. و على الفور ستشرع فى تلبية أكثر حاجيات الشعب إلحاحية و ستحلّ ما كانت تبدو إلى الآن مشاكلا "عصيّة على الحلّ". و ستقوم بكل هذا خدمة ل و كجزء من شيئ أعظم هو الثورة العالمية ، المؤدية للتحرير الشامل للإنسانية جمعاء. وهذه السلطة الجديدة كدولة إشتراكية متجذّرة فى النشاط الواعي لعشرات الملايين من الناس، ستنطلق فى سلسلة من النضالات الأخرى لإجتثاث جذور الإستغلال والإضطهاد فى كافة المجالات ، من الإنتاج إلى المؤسسات الإجتماعية إلى الأفكار، فى سيرورة مليئة بالتحدّيات العظيمة و بالحيوية و التنوّع الحقيقيين.
و ستكون هذه الثورة سيرورة خلالها يحوّل الناس ظروف حياتهم و هم يقومون بذلك يغيّرون أنفسهم و من جديد، ينجز هذا كجزء من و بإرتباط بالثورة فى جميع أنحاء العالم. و سيكون الهدف و ينبغى أن يكون لا شيئ أقلّ من مجتمع فيه سيعرف الناس فى النهاية ماذا يعنى أن يكونوا أحرارا: مجتمع شيوعي حقا ، مجتمع عالمي قد إجتثّ و تجاوز الإنقسامات الطبقية و كافة العلاقات الإجتماعية الإضطهادية و ما يتناسب معها من أفكار و ثقافة. و هذا لا يعنى و لا يمكن أن يعني تحرّرا من كافة القيود إذ أنه يظلّ على الناس أن يعملوا معا لإنتاج ضرورات الحياة و أن يتعاملوا مع الطبيعة و إلتزامات بعضهم تجاه بعض. لكنّه سيعنى أن الناس سيكونون أحرارا فى القيام بذلك بطريقة لا تقسّمهم إلى قوى متنافسة عدائية...أحرارا من الجهل المفروض الذى يمثّل جزءا لا يتجزّأ من عالم اليوم... و أحرارا فى النهاية ، فى تطوير مستمرّ لشكل المجتمع العالمي الحقيقي لبشر يزدهرون بصفة متصاعدة ، ليس فقط كأفراد و لكن بأكثر جوهرية فى علاقاتهم المتبادلة و تفاعلاتهم مع بعضهم البعض.
هذه هي السيرورة و هذا هو الهدف النهائي للثورة الشيوعية.
و الحزب الشيوعي الثوري، الولايات المتحدة الأمريكية يوجد لهذا الغرض و ليس لغرض آخر: قيادة الجماهير للقيام بالثورة الشيوعية الضرورية كجزء من النضال العالمي فى سبيل عالم متحرّر حقّا.
لايمكن للشيوعية أن تتحقق إلا من خلال الثورة البروليتارية :
يقال للناس اليوم "كونوا واقعيين" بمعنى حدّدوا أهدافكم فى دفع الحكومات للإصلاح و " لتحقيق المثل الديمقراطية الحقيقية ".
لا يمكن لهذا أن يعمل! تعليق الآمال و الجهود على ذلك ليس بوسعه إلاّ أن يزيد الأمور سوءا. و مثل هذه السيرورة ليست "واقعية"، إنها ذات نهاية مسدودة. لماذا؟ عبّر عن ذلك بوب آفاكيان ، الرئيس المؤسس للحزب الشيوعي الثوري، الولايات المتحدة الأمريكية ، على النحو التالي :
" فى عالم متميّز بإنقسامات طبقية و لامساواة إجتماعية عميقتين، الحديث عن "الديمقراطية" دون الحديث عن الطبيعة الطبقية لهذه الديمقراطية وأي طبقة تخدم ، لامعنى له بل أسوأ. طالما أن المجتمع منقسم إلى طبقات ، لا يمكن أن توجد "ديمقراطية للجميع" ، طبقة أو أخرى ستحكم و ستدافع عن و تروّج لهذا النوع من الديمقراطية الذى يخدم مصالحها وأهدافها. المسألة هي: أي طبقة ستحكم و إذا كان حكمها و نظامها الديمقراطي سيخدم فى النهاية إستمرار أو إلغاء الإنقسامات الطبقية و العلاقات الإستغلالية والإضطهادية و اللامساواة المناسبة لها ".
إن الجيوش البشغة و قوات الشرطة الوحشية التى تشكّل جوهر دولة اليوم إنبنت طوال قرون من الحفاظ على و خدمة مصالح و أهداف طبقة الرأسماليين-الإمبرياليين. وهذه الطبقة وحدها هي التى تقرّر متى ، كيف و ضدّ من سيستعمل الجيش و ستستعمل الشرطة و بأية أغراض... وإحتكارهم ل " القوّة الشرعية " يكشف كون الديمقراطية الأمريكية ( شأنها شأن جميع الديمقراطيات)، جوهريا ، دكتاتورية طبقة على طبقة أخرى وفى موضوع الحال ، دكتاتورية الإمبرياليين. و التاريخ الكامل لهذه البلاد من السطو وإبادة الهنود الأمريكيين الأصليين ، إلى عدد كبير من الحروب والأعمال العسكرية التى خاضتها هذه البلاد... إلى جريمة التأسيس المفزعة إلى العبودية ، إلى القمع العنيف الموجه ضد كلّ حركة جذرية ظهرت فى هذه البلاد لتقاتل من أجل عالم أفضل ، أثبتت هذه النقطة مرارا و تكرارا.
على الثورة أن تطيح بآلة دولة هؤلاء الرأسماليين-الإمبرياليين و أن ترسي سلطة دولة جديدة تخدم المصالح الثورية للطبقة المستغَلّة سابقا ، البروليتاريا فى تحرير الإنسانية و دفع المجتمع و العالم بإتجاه القضاء على الإنقسامات الطبقية و العلاقات الإستغلالية ككلّ. و ستكون هذه الدولة الثورية دكتاتورية البروليتاريا، دولة ستكون مغايرة راديكاليا لكافة أشكال الدول السابقة.
جميع الدول السابقة خدمت توسيع علاقات الإنتاج و الدفاع عنها، و فرضت هيمنة الطبقات الإستغلالية و حصّنت نفسها ضد أي تغيير جوهري فى هذه العلاقات. و بالعكس ،تهدف دكتاتورية البروليتاريا فى النهاية إلى القضاء على الدولة ذاتها و إلغاء الإختلافات الطبقية و كافة العلاقات الإجتماعية العدائية المؤيدة للإستغلال و الإضطهاد و إعادة الإنتاج المستمرّة للنزاعات الهدّامة بين الناس. و لأجل مواصلة التقدّم بإتجاه ذلك الهدف ، ينبغى على دكتاتورية البروليتاريا على نحو متزايد أن تجلب بصورة متنامية الجماهير الشعبية ، من عديد الشرائح الإجتماعي المتنوعة إلى المشاركة ذات المغزى فى سيرورة تسيير المجتمع و التقدّم صوب الهدف النهائي ،الشيوعية فى كافة أنحاء العالم. و ستتميّز هذه السيرورة بأناس يفكّرون و ينشطون بطرق مختلفة و مبدعة...ستكون مليئة بالخميرة[ يعنى صراع الأفكار] و المعارضة و النقاش حول كلّ من طابع المجتمع و سيره فى أي زمن معطى... و ستكون لها قيادة تمارس إطلاق العنان لهذا و بالمعنى الشامل لتوجيه هذا نحو الهدف النهائي، الشيوعية.
و تتناسب هذه الدولة مع و ستكون ضرورية على طول المجتمع الإشتراكي لكن الإشتراكية ليست هدفا فى حدّ ذاته ( إنها مرحلة إنتقالية حرجة و ضرورية غايتها الهدف النهائي، الشيوعية) و على الدولة الإشتراكية أن تمرّ بإستمرار بتغييرات راديكالية تتوافق مع الخطّ و تخدم التقدّم بإتجاه هذا الهدف النهائي الذى سيتضمّن القضاء النهائي على الإنقسامات بين الدولة و بقية المجتمع و إلغاء الدولة ذاتها ، مع إلغاء الإنقسامات الطبقية و العلاقات الإضطهادية ضمن الشعب، عبر العالم.
ستقود الدولة الإشتراكية و ستدعم الناس فى إنجاز تحويلات جذرية فى كلّ مجال من مجالات المجتمع. ستشيّد نظاما إقتصاديا إشتراكيا ،بأولا مصادرة وسائل الإنتاج الرئيسية ( المصانع ،الأرض و المناجم، الآلات و غيرها من التكنولوجيا إلخ) التى إمتلكها و سيطر عليها الرأسماليون الكبار كملكية خاصة، محوّلة هذه الوسائل إلى ملكية دولة إشتراكية و مستعملة إياها لتلبية حاجيات الشعب، فى حين تقدم الدعم للنضال الثوري عبر العالم. و ستلعب الدولة الإشتراكية دورا حاسما فى تحرّك المجتمع عبر موجات و مراحل مختلفة من النضال المتعدّد الأوجه و التغييرات الإجتماعية ، بإتجاه الرؤية الشيوعية لضمان وفرة عامة مشتركة للناس جميعا و تتجاوز التقسيم القديم بين الذين يقومون بعمل فكري و الذين يقومون بعمل يدوي ( بين العمل الفكري و العمل اليدوي) وكذلك إنقسامات إضطهادية أخرى بين الناس. و ستسعى لمنع عودة المستغِلِّين القدامى
و لمقاومة الهجمات الإمبريالية. و ستمكّن من نوع مغاير من الديمقراطية على نطاق أوسع و برؤية و ممارسة أكثر راديكالية للحرية الإنسانية من أي شيئ اليوم فى إتساق مع الهدف النهائي وهوتخطّى الديمقراطية ذاتها ، كشكل من أشكال الدولة ، و يناقش الناس و يقرّرون جماعيا مسار الأشياء دون اللجوء إلى أي نوع من أجهزة القمع العنيف. و فى النهاية ستبنى الدولة الثورية الجديدة على أنها " قاعدة إرتكاز" للثورة العالمية، قاعدة و مركز دعم للنضالات فى البلدان الأخرى ، و الكلّ يعمل سويّة لبلوغ عالم خال من الإستغلال والإضطهاد.
مرحلة جديدة من الثورة الشيوعية :
إنطلقت الحركة الشيوعية الثورية فى 1848 عندما وضع ماركس وإنجلز الأسس النظرية و النظرة الأساسية فى " بيان الحزب الشيوعي" .
و تضمّنت المرحلة الأولى من هذه الحركة ثلاث ثورات ملحمية هي كمونة باريس و الثورة السوفياتية و الثورة الصينية التى إنطوت على الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى كقمة ما بلغته. و قد أحدثت هذه الثورات تغييرات لم يسبق لها مثيل و مدهشة، و ألهمت رؤيتها و إنجازاتها الناس عبر العالم لكن الإمبريالية العالمية ظلّت مهيمنة و كانت هذه جهودا جديدة وأولية رغم النضالات البطولية فإنها تباعا هزمتها فى النهاية القوى الرجعية. و عقب هذه الهزائم ، جرى الإفتراء عليها بلا هوادة و أهيل عليها التراب و حرّفت. و فى الواقع ، أثبتت هذه الثورات أنه من الممكن إيجاد عالم أفضل حقّا و من خلال هذه الثورات راكمت الإنسانية تجربة لا تقدّر بثمن و نقطة إنطلاق جديدة تماما.
لكن مضت الآن عقودعلى مسك البروليتاريا الثورية سلطة فى أي بلد ،و مهما كانت المسميات ، لا يوجد اليوم أي بلد إشتراكي. تحتاج الإنسانية بسرعة لمرحلة جديدة من الثورة الشيوعية تقوم على الدفاع عن و حقّا التعلّم تماما من المكاسب الماضية و على هذا الأساس تحليل النواقص والأخطاء و التقدّم بالأشياء بطرق جديدة ، نحو قمم جديدة. و تحدّى التوليف/ التلخيص العميق للتجربة الماضية و خطّ الطريق إلى الأمام نهض به بوب آفاكيان و بقيامه بذلك طوّر أكثر النظرية العلمية و النظرة التحرّرية الشيوعية توجد الآن فى مفترق الطرق هذا.
لا بد من حزب ثوري لكي تنجز ثورة :
إنجاز ثورة ضد العدوّ القويّ و الخبيث و الإستمرار من ثمّ نحو إيجاد عالم جديد كلّيا ، دون إستغلال وإضطهاد ، سيرورة باعثة على التحدّى
و معقّدة بصفة لا تصدّق! و تتطلّب مثل هذه الثورة قيادة ، إنها تتطلّب تنظيما يتمتّع برؤية شاملة و منهج علمي لتحليل الواقع و كيفية تغييره وبإنضباط جدّي ، تنظيم بمقدوره أن يستنهض و يطلق العنان للقوة الثورية الكامنة لدي الجماهير الشعبية و أن يوجه غضبها إلى العدوّ الحقيقي
و يرفع نظرها نحو تحرير الإنسانية جمعاء، تنظيم بمقدوره أن يرسم الطريق عبر التقلبات الكبرى والإلتواءات و المنعرجات الخطيرة. و هذه المنظّمة هي الحزب الثوري الطليعي. و فقط بمثل هذه المنظمة بوسع الجماهير أن تواجه التحديات التاريخية و تكسب تحرّرها.
و الحزب الشيوعي الثوري، الولايات المتحدة الأمريكية أخذ على عاتقه تلك المسؤولية فى الولايات المتحدة . وأعضاؤه متحدون فى رغبتهم العميقة فى عالم مختلف راديكاليا و أفضل و فى فهمهم للحاجة للثورة للحصول على ذلك العالم. و قد كرّسوا أنفسهم بإخلاص للثورة و على ذلك الأساس يحوّلون قدراتهم الفردية و عواطفهم من أجل قضية و حاجيات هذه الثورة.
تتطلّب الثورة الشيوعية فهما علميا للمجتمع. و علم الثورة هذا نشأ وواصل التطوّر فى تفاعل مستمرّ مع كافة التيارات الكبرى للحياة الإجتماعية الفكرية و العلمية و الثقافية و كذلك مع الصراع الطبقي و الصراع من أجل الإنتاج. [ للمزيد حول علم الشيوعية ، انظروا الملحق]وهذا العلم لم ينشأ و لم يستطع أن ينشأ عفويا من الظروف الملموسة للمضطهَدين ، أو حتى من النضالات التى تنفجر ضد الإمبرياليين، فذلك الإطار ضيّق جدا، مُشبعُُ و مليئ للغاية بنظرة و طرق مقاربة الأشياء من النظام ذاته الذى يهيمن على الجماهير. لهذا ، إلى جانب كون النظام ينكر على الجماهير التدرّب على النظرية و الوصول إليها، فإن هذا العلم يجب أن يجلب للجماهير من " خارج " تجربتها و ظروفها المباشرة. و هذا يتطلّب حزبا متجذّرا فى فهم علمي للنظام و لنوع الثورة التى ينبغى أن تعوّضه.
دون مثل هذا الحزب ، لا يمكن أن تحدث ثورة . الحزب يقود الجماهير عبر المدّ و الجزر ، فى سيرورة تشبه الأمواج لرفع فهمها و قيادتها فى الصراع ضد العدوّ.
وفى قيادة الجماهير فى النضال ضد البرجوازية ، على الحزب أن يناضل ضد الطرق التى من خلالها تمارس العلاقات الإجتماعية السائدة جاذبية نحوها على الحزب ل "يستقرّ" و يتكيف مع الإمبريالية و لا يستهدف أي شيئ أكثر من إصلاحات داخل هذا النظام الإستغلالي. و حين يصير فى موقع قيادي فى الدولة الثورية الجديدة ، يخضع الحزب ، مرّة أخرى لضغوطات هائلة فى شكل تواصل العلاقات والأفكار القديمة فى المجتمع ( و التى لا يمكن إجتثاثها بالكامل إلاّ خلال فترة زمنية طويلة) سويّة مع التهديدات و العدوان المفتوح الإمبرياليين . و يجد هذا تعبيره المركّز فى قوى داخل الحزب توافق ،إزاء ذلك، على خطوط و سياسات توقف إنجاز الثورة فى نصف الطريق و فى الحقيقة تجرّ المجتمع إلى الرأسمالية –الإمبريالية. و يجب الكفاح ضد هذا أيضا و بدرجة أكبر حتى.
لكن السيرورة الثورية المستمرّة التى على الحزب إطلاقها و قيادتها هي المفتاح فى معالجة هذا التناقض بخوض الصراع مرارا و تكرارا للبقاء على الطريق الثوري ( و جلب الجماهير بأكبر قدر ممكن ) و النضال بثبات من أجل إقامة علاقة حيّة بين ما يفعله فى أي وقت معيّن و الهدف النهائي، الشيوعية. و فقط ببلوغ الشيوعية فعليا سيقع تجاوز الحاجة إلى مثل هذا الحزب أي إلى مجموعة قيادية مؤسساتية فى المجتمع.
و حتى ذلك الوقت، الحزب الطليعي أداة مطلقة الضرورة الأساسية لتحرير الجماهير ،أولا فى النضال الثوري لبلوغ السلطة و ثمّ على طول النضال فى منتهى التعقيد للحفاظ على السلطة و التقدّم بإتجاه الشيوعية . و فى حدّ ذاته الحزب أثمن ما تملكه الجماهير.
لإفتكاك السلطة على الشعب الثوري أن يواجه العدوّ و يهزمه :
فى بلد مثل الولايات المتحدة ، لايمكن للإطاحة الثورية بهذا النظام أن تتحقّق إلاّ إذا وُجد تغيّر كبير ، نوعي فى طبيعة الوضع الموضوعي ، كأن يُوجد المجتمع ككلّ فى قبضة أزمة عميقة ، تهزّ الطبيعة و العمل الجوهريين للنظام ذاته وإلى جانب ذلك ، يظهر شعب ثوري يعدّ بالملايين
و الملايين ، واعي لحاجة التغيير الثوري و مصمّم على النضال من أجلها. و فى هذا النضال فى سبيل التغيير الثوري ، سيواجه الشعب الثوري
و الذين يقودونه العنف القمعي لقوّة آلة الدولة التى تجسّد و تعزّز النظام الإستغلالي و الإضطهادي القائم، و ليحقّق النضال الثوري الظفر، سيحتاج إلى مواجهة و هزم العنف القمعي لقوّة النظام القديم الإستغلالي والإضطهادي.
قبل تطوّر وضع ثوري و كعمل جوهري لتطوير شعب ثوري ، فى بلد كالولايات المتحدة ، على الذين يرون الحاجة و ينشدون المساهمة فى ثورة أن يركّزوا جهودهم على رفع الوعي السياسي والإيديولوجي لجماهير الشعب و يبنوا مقاومة سياسية جماهيرية للطرق الرئيسية التى ، فى أي وقت ،تتركّز فيها طبيعة هذا النظام الإستغلالي والإضطهادي فى سياسات و أعمال الطبقة الحاكمة و مؤسساتها ووكالاتها ، مكافحين كلّ هذا للسماح لأعداد متزايدة من الناس بإدراك كلّ من الحاجة للثورة ولإمكانيتها عندما تظهر الظروف الضرورية ، كنتيجة لإنكشاف تناقضات النظام نفسه و كذلك لعمل الثوريين السياسي والإيديولوجي.
كلّ عمل الحزب - كلّ ما يقوم به- يهدف إلى القيام بالثورة و التقدّم نحو الشيوعية . ومثلما أشرنا إلى ذلك أعلاه ، لا بدّ من أزمة فى المجتمع وداخل الحكومة ذاتها كي تبرز فرصة حقيقية للثورة . لكن طليعة ثورية حقيقية لا تستطيع أن تنتظر فقط بشكل سلبي أن يحصل ذلك إذ عليها أن تعجّل تطوير هكذا وضع بفضل عملها الإيديولوجي و السياسي، " معدّة العقول " و " منظمة القوى من أجل الثورة " و ساعية بنشاط لتشكيل
" المجال السياسي" الذى على أساسه يمكن للوضع الثوري أن ينشأ فى المستقبل.
هذا العمل " التعجيل بينما يتم الإنتظار " يتطلب أن يبذل الحزب جهده ضد حدود الوضع السياسي الموضوعي الذى يواجهه ، ساعيا لتغيير الوضع إلى الدرجة القصوى الممكنة فى كلّ وقت معيّن و بالقيام بذلك فى علاقة بأية إمكانية لظهور فرص للثورة و مبقيا يقضته على أشدّها لأجل ذلك . و للقيام بهذا يقود مجموعة من الإعدادات الثورية ، وصحافة الحزب و نشر النظرة الشيوعية خصوصا كما ركّزت فى جملة أعمال و منهج و نظرة بوب آفاكيان ، كأركان أساسية لذلك النشاط.
وإنطلاقا من أسس توجهه و أهدافه الثورية ، ينبغى على الحزب أن يعبّأ المقاومة الجماهيرية لإعتداءات النظام ، و عليه أن يجعل الجماهير تشارك بأوسع شكل ممكن فى أهمّ مسائل الثورة ، و من خلال كلّ هذا عليه أن يضمّ إلى صفوفه أعضاءا جددا بأوسع قدر ممكن ( بالإستناد إلى المستويات العليا التى لخصناها فى المبادئ التنظيمية أسفله) و كجزء رئيسي لهذا ، يعمل الحزب على إستنهاض الشعب من كافة الشرائح الإجتماعية، وبشكل خاص العامود الفقري للثورة ، أولئك فى أسفل السلّم الإجتماعي و ليس لهم ما يفقدونه سوى سلاسلهم ،حول شعار " قتال السلطة و تغيير الناس من أجل الثورة ".
و ينطلق الحزب فى كلّ ما ينهض به من وجهة نظر البروليتاريا العالمية و شعوب العالم قاطبة. و هذا التوجّه الأساسي هو الأممية البروليتارية .
إنه قائم على فهم أن البروليتاريا طبقة عالمية و أن الإمبريالية نظام عالمي متكامل واحد، حتى وإن كانت تمزّقه التناقضات و النزاعات، وأن الثورة الشيوعية سيرورة عالمية واحدة، حتى و إن حصلت فى عديد البلدان المعينة. و هذا يعنى القيام بكلّ ما نقدر عليه لإنجاز الثورة فى كلّ بلد معيّن بينما نساند سياسيا هذا التوجّه و النظرة عينهما و نعمل لنتقدّم بالقضية الشيوعية فى جميع أنحاء العالم.
الجبهة المتحدة فى ظلّ قيادة البروليتاريا : إستراتيجيا إنجاز الثورة و مواصلتها :
لتحقيق النصر ، سيترتب على الحزب أن يوحّد القوى السياسية والإجتماعية ذات وجهات النظر المتنوّعة ،للمساهمة بنشاط فى الثورة و دعمها. وإستراتيجيا الحزب للقيام بذلك هي الجبهة المتحدة فى ظلّ قيادة البروليتاريا. إن المصالح الجوهرية لغالبية الناس فى هذا المجتمع ليست متوقفة على الإمبرياليين. وهذه الحقيقة البسيطة لكن العميقة جزء مهمّ من القاعدة المادية الموضوعية التى تجعل الثورة فى هذه البلاد فى آن معا ضرورية و ممكنة. تحتجّ عديد الشرائح المختلفة و تتمرّد ضد ما يقوم به هذا النظام ، و هذه الإحتجاجات يجب و يمكن أن تدعم و تعزّز ، و هذا يعنى إبعادها عن الوقوع تحت تأثير ممثّلى النظام و جعلها رافدا للحركة الثورية. ستتصارع عديد الأفكار المتباينة ممثّلة فى النهاية طبقات متباينة لقيادة هذه النضالات، لكن فقط نظرة البروليتاريا و برنامجها ( كون هذه الطبقة ليس لها ما تخسره سوى قيودها) يمكن أن يقودا النضال من أجل الثورة و الشيوعية.
سيشكّل الذين ظروف حياتهم تتناسب مع طابع " ليس لهم ما يخسرونه "، بالأساس العامود الفقري – القاعدة الإجتماعية الأصلب- للنضال للإطاحة بهذا النظام و لصنع نظام جديد. و فى نفس الوقت، عديد الناس من طبقات مختلفة سيلتحقون كذلك بنشاط بالثورة أو على الأقلّ سيدعمونها. و الشيئ الرئيسي هو وجود لبّ كبير و نامي ، متجذّر ضمن البروليتاريا لكنه يجلب إليه من جميع شرائح الشعب ، يكون مشبعا بوجهة نظر الشيوعية و أهدافها و مناهجها، متحرّكا كقوّة قيادية و " قطب مغناطيسي" حوله يمكن تجميع الشعب الثوري.
وفى موقع القلب من الجبهة المتحدة و كعنصر حاسم فيها هناك تحالف التيارين الكبيرين للنضال : حركة الإطاحة بالرأسمالية و تركيز الدولة الإشتراكية الجديدة ، كمرحلة إنتقالية بإتجاه الشيوعية ( حركة يجب أن تكون متكوّنة من جميع القوميات) متحدة مع نضالات السود و الشيكانو و البورتوريكانس و الهنود الأمريكان الأصليين و قوميات مضطهَدة أخرى لإنهاء إضطهادها كشعوب ( أي الإضطهاد القومي). والإبادة الجماعية للأمريكيين الأصليين وإستعباد السود يقعان بالضبط فى جذور المجتمع الأمريكي ذاته. و هذا الإضطهاد لم ينته و إنما – فضلا عن إضطهاد أقليات قومية أخرى- إتخذ أشكالا جديدة و حتى أشكالا ملتوية لدرجة أكبر. و هذا كذلك على الرغم من النضالات الكبرى و العميقة ضد هذا الإضطهاد ،
و التضحيات الجسام التى قدّمتها الجماهير فى هذه النضالات. و الحقيقة الباردة لكنّها المحرّرة هي أن هذا الإضطهاد لا يمكن أن ينتهي إلا – وفى الواقع سوف ينتهى- بفضل الثورة ضد هذا النظام.
و يواجه هذان التياران من النضال عدوّا مشتركا و لهما حلاّ مشتركا، وواقع أن قطاعا كبيرا من البروليتاريا تشكّله القوميات المضطهَدة ، يزيد فى تعزيز القاعدة المادية لهذه الوحدة. و فى نفس الوقت، هناك كذلك برامجا و نظرات مختلفة فى صفوف الحركات المناهضة للإضطهاد القومي ، تمثّل فى النهاية قوى طبقية مختلفة، و الصياغة الفعلية لهذا التحالف الرئيسي ستكون سيرورة ديناميكية مليئة بالنضال الموحّد ضد العدوّ المشترك و النقاش الحادّ حول الطريق إلى الأمام و النظرة اللازمة للتحرّر و الهدف النهائي.
ثمة تناقضات إجتماعية أخرى هامة جدّا تغذّى الحركة الثورية و تساعد على التوجّه نحوها. و بصفة خاصة إضطهاد النساء مرتبط بإنقسام المجتمع إلى طبقات وهو متجذّر بعمق فى كلّ مجال من مجالات الحياة الأمريكية، بما فى ذلك هيكلة الأسرة ذاتها، و هناك حاجة صارخة - بالضبط الآن- لتطوير جديد لقوّة من النساء و الرجال تكرّس لإجتثاث هذا الإضطهاد. و علاوة على ذلك، هذه مسألة "محكّ" بالنسبة للحركة الثورية ذلك أنه يتعيّن أن تقاتل الثورة ضد إضطهاد النساء الآن حيثما يظهر و أن تواصل القتال ضدّه فى الظروف الأكثر مواتاة بكثير بعد إفتكاك السلطة، بهدف لا أقلّ من التحرير التام.
و يتركّز السؤال الملحّ حول المهاجرين و غالبيتهم جاؤوا إلى هنا من أمم تضطهِدها الإمبريالية الأمريكية. بإستمرار يثير الإمبرياليون الغضب
و الكراهية ضدّهم مستعملينهم كبش فداء ، وعلى عكسهم تماما ، ترحّب الحركة الثورية بالمهاجرين و تعمل على توحيدهم فى النضال للتخلّص من الإمبريالية و للتقدّم بالثورة نحو الهدف النهائي ، الشيوعية فى جميع أرجاء العالم.
و تجعل إستراتيجيا الجبهة المتحدة فى ظلّ قيادة البروليتاريا كذلك ممكنا بناء وحدة مع الطبقة المتوسّطة الواسعة و المتنوّعة فى الولايات المتحدة الأمريكية ، وهي تتضمّن المثقفين و الفنانين و الحرفيين و عديد المزارعين و رجال الأعمال إلخ .على أساس تقديم قويّ للحاجة لثورة أصيلة
و عرض رؤيته للمجتمع المستقبلي، بإمكان الحزب أن يمدّ اليد و يكسب العديد من الناس من الطبقة الوسطى إلى الثورة الشيوعية، والمزيد منهم لمستويات متفاوتة من الدعم أو على الأقلّ " لحياد الصديق ". و حاسم ضمن هذه الشرائح هو الشباب الذين ليسوا متمسّكين بالأشياء القائمة و يمكن أن يكونوا أكثر إنفتاحا على التغيير الراديكالي و الثوري فى كلّ شرائح المجتمع جزء حاسم من إستراتيجيا الحزب و العمل الثوري.
و يطبّق الحزب طريقة وحدة- صراع- وحدة فى تكوين الجبهة المتحدة. و هذا يتضمّن ، فى كلّ مرحلة معينة من النضال، توحيد كافة الذين يمكن توحيدهم حول المعارك السياسية المباشرة والإستعجالية الراهنة، و فى نفس الوقت ، يكافح بشدّة بصدد كلّ من الهدف النهائي للنضال
و النظرة و المنهج اللذان ينبغى أن يرشداه. و من خلال كلّ هذا يقصد الحزب كسب أكبر قدر ممكن من الناس ليتبنوا تماما النظرة و المنهج الشيوعيين وهو يسعى أيضا للتأثير المتصاعد على فكر و قيم الناس فى المجتمع ككلّ فى ذلك الإتجاه.
ومطبقا هذه الإستراتيجيا وهذا المنهج عبر الإلتواءات و المنعرجات ،و معجلا بينما ينتظر تطوّر وضع ثوري ، و منشئا عبرعديد الدروب المتنوعة شعبا ثوريا يعدّ بالملايين و يجيئ من كافة مناحي الحياة ، و فى نفس الوقت دارسا النظرية و التجربة التاريخية ذات العلاقة و المطلوبة للقيام بالثورة و مطوّرا مذهبا يمكن أن يهزم فعلا الإمبرياليين...من خلال هذه المجموعة الكاملة من العمل الثوري ، يقوم الحزب بكلّ ما فى وسعه لتقريب زمن إنجاز الثورة و إعداد الناس لذلك.
حينها سيلتحق الملايين بالحياة السياسية بشتى ضروب وجهات النظر لكن مع تطوّر الأزمة و عبر القيادة العلمية للطليعة ، سيحدث إستقطاب حاد فى المجتمع، و ستتواجه قوتان رئيسيتان ، الطبقة الحاكمة و القوات المسلحة الرجعية (و الرجعيون الآخرون) القادرة على تنظيمها من جهة ، و الحركة الثورية للملايين و لعشرات الملايين ، من جهة أخرى. و سيصبح المجتمع عندئذ تقريبا "مضغوطا" حول هذا "القطب" أو ذاك من القطبين المتنازعين.
و جلّ الذين يلتحقون بالثورة عند تلك النقطة لن يفعلوا ذلك لإيمان عميق بالهدف النهائي ، الشيوعية، بل لأنهم أدركوا أن برنامج الثوريين وحده بإمكانه أن يعالج بسرعة المشاكل الحادّة و الملحّة التى تنخر المجتمع. بيد ان هذا " الضغط" النسبي و المؤقت س" يرتخى" عندما يتمّ إفتكاك السلطة الثورية الجديدة و تعزيزها. و سيكون المجتمع الجديد مرّة أخرى متميّزا بأنواع كثيرة من القوى الإجتماعية التى تحتلّ مواقعا ( و إن كانت متغيّرة) تتناسب (تقريبا) مع وجهات النظر المختلفة و المتنوعة بشأن ما يجب القيام به و لماذا ، فى أي وقت كان.
و يتعيّن على الحزب أن يفهم هذا فهما جيّدا و أن يواصل تطبيق إستراتيجيته للجبهة المتحدة بقيادة البروليتاريا فى الظروف الجديدة والأنسب
- لكن المغايرة- بعد إفتكاك السلطة. و ينطوى هذا على تطبيق طريقة وحدة- صراع- وحدة ، على طول المرحلة الإنتقالية نحو الشيوعية. و مرّة أخرى، هذا متجذّر فى الإختلافات بين الناس التى ستبقى ، لفترة تاريخية كاملة ، إثر إفتكاك السلطة ( إرث اللامساواة بأشكال مختلفة- مثلا الإختلافات بين الذين ينجزون بالأساس عملا فكريا و الذين ينجزون بالأساس عملا يدويا). فى المجتمع الإشتراكي الجديد، عند التقدّم فى الإنتقال إلى الهدف النهائي ،الشيوعية ،سيكون توجه الدولة الإشتراكية و الحزب الطليعي إنتهاج سياسة طويلة المدى من "التعايش" و التحويل مع الذين موقعهم فى العمل و نظرتهم للعالم تميّز الطبقات الوسطى. و هذا يعنى العمل بلا هوادة بإتجاه هدف تجاوز هذه الخلافات المادية القائمة ضمن الشعب و تأثيراتها الإيديولوجية ، بينما يبذل الجهد لكسب أعداد متزايدة من الناس للتبنى الواعي لنظرة و أهداف الثورة الشيوعية.
فى كلّ هذا ستكون قيادة الحزب ضرورية.
-----------------------
المبادئ التنظيمية
يتكون الحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية من أناس تجمعوا للمساعدة على تلبية الحاجة الكبرى للإنسانية : القيام بالثورة كخطوة أولى بإتجاه الشيوعية. و كرّسوا حياتهم بالكامل إلى هذا ، بجدّية عظيمة و حبّ عظيم ، بتصميم عظيم و حماس عظيم أيضا.
خط الحزب حاسم :
أكثر الأشياء جوهرية و حسما بالنسبة للحزب هو خطه. و خطّ الحزب يشمل فهمه للمنهج العلمي و مجمل معرفة الشيوعية ( النظرية الشيوعية بالمعنى الأشمل) و تطبيقه لتلك النظرية على الواقع، و المبادئ والإستراتيجيا و السياسة الأساسيين المنجرّة عن ذلك التطبيق.
إذا كان خطّ الحزب صحيحا ـ إذا كان يتناسب و " يستوعب" الحركة الجوهرية للواقع و تطوّره ،عندئذ لا يهمّ مهما كان صغيرا فى زمن معين ، فإن الحزب سيظلّ قادرا على التقدّم بإتجاه الثورة و المساهمة فى تحرير الإنسانية طالما إتخذ هذا الخط الصحيح كأساس لحياته الداخلية و لعمله فى صفوف الجماهير. لكن ، بالعكس، إذا كان الخطّ مخطأ فى مسائل رئيسية و أسوأ حتى إذا إستمرّ الحزب فى خطّ خاطئ بصدد مسألة جوهرية و فى خضمّ ذلك ، إذا تغيّر توجّه الحزب و بات الحزب ذاته تحريفيا، أي تحلّل خطه و فسد و صار موضوعيا متكيّفا مع الإمبريالية و تخلّى بالأساس عن البحث عن القيام بالثورة ، حتى و إن لم يعترف بذلك...بالتالي مهما كان عدد الناس الذين إنجذبوا إليه فى المدى القريب ، فإن الحزب فى النهاية لن يكون سوى سكّين آخر فى ظهر الجماهير. هنا فقط مدى جوهرية مسألة الخطّ : إنه الإختلاف بين الثورة و الثورة المضادة.
إن الغاية الأسمى لهذا الخط هي تغيير العالم. و هناك مراوحة بين تطوير الخطّ و تغيير العالم تقود هذه السيرورة بأسرها. هذه هي ديناميكية النظرية/ الممارسة/ النظرية ، وهي لبّ حياة الحزب.
لقد شخّص بوب آفاكيان هذه الديناميكية على النحو التالي:
" العمل فى أي وقت معيّن على أساس نظرتنا و خطّنا ، كما حدّدناه جماعيا و عبر هياكل كل الحزب و قنواته و سيروراته، وإستخلاص الدروس من ممارستنا و رفعها إلى مستوى التجريد النظري( لكن أيضا إستخلاص الدروس من عديد المصادر الأخرى، بما فى ذلك تفكير و رؤى الآخرين و أفكارهم الثاقبة ) و تطبيق النظرة و المنهج الشيوعيين العلميين، المادية الجدلية للتوليف /التلخيص المتكرّر لكلّ هذا إلى مستوى أرقى ، فى تطوير و جدال النظرية و الخطّ ، وإعادتهما إلى الممارسة العملية ، على ما ينبغى أن يكون أساسا أعمق و أغنى. و هكذا دواليك."
بإختصار ، الخط هو العامل الأساسي و الديناميكي فى التفاعل بين الحزب و العالم الموضوعي الأرحب. و النضال من أجل تطوير الخطّ و إستيعابه و تطبيقه و خلال السيرورة تعميقه وإثراءه ، و حيث يجب تصحيحه...هذا النضال هو شريان حياة الحزب ، و هو فى موقع القلب من كافة أنشطة وواجبات كلّ عضو بالحزب.
توجه أساسي – " قوتنا فى عملنا الجماعي" :
فى تطوير و تطبيق هذا الخطّ ، يعمل الحزب كمنظمة جماعية ، ليس مجرّد مجموعة أفراد. كلّ عضو فى الحزب قائد للجماهير و كلّ واحد
" يجلب إلى المائدة " رؤاه وأفكاره الثاقبة و تجربة و قدرة و إبداع ثمينة. و كلّ الأعمال الفردية فى كلّ وضع معطى يمكن أن تكون لها إنعكاسات هائلة إيجابية كانت أم سلبية. و فى نفس الوقت ، يمكّن الحزب الناس من الدفع الجماعي نحو فهم العالم و تغييره. يجمع الأعضاء رؤاهم و مبادراتهم فى سيرورة و عربة جماعية ، وهذه الجماعية تخوّل لنا تحليلا أعمق و أبعد نظرا للواقع و تعبئة أقوى و أعمق للناس لتغيير ذلك الواقع، أبعد بكثير مما يقدر على فعله شخص يعمل بمفرده، أو حتى ما يمكن أن ينجزه مجموعة أفراد تجمعهم روابط رخوة.
فى صفوف الحزب ، يشترك الرفاق و الرفيقات فى الحلو و المرّ ، و يعتنون ببعضهم البعض : وهذا أيضا تعبير عن نظرتنا الثورية و عن جماعيتنا. فى صفوف الحزب ، هناك ( و يجب أن يوجد على الدوام) نقاش و جدال جماعي حول ما يتعيّن عمله و حول الصواب و الخطإ فى تطوّر النظرية و الممارسة الثوريين اللتان يساهم فيهما كافة الرفاق ، هذه هي " عصارة " حياة الحزب. لكن تجاه العدوّ ، نضمّ صفوفنا بإحكام
و نقدّمها كجدار قوي لا شقوق فيه متّحد و موالي للقيادة بما يجعل من الصعب جدّا على هذا العدوّ خرق صفوفنا.
المركزية الديمقراطية :
تتجلى جماعيتنا و تتحقّق عبر التسيير الجماعي للوحدات و التشكيلات الحزبية الأخرى على مختلف المستويات. الحزب بكاملة ملتحم فى سلسلة معرفة و سلسلة قيادة على قاعدة المركزية الديمقراطية.
تعرض قيادة الحزب المبادئ و التحليلات الأساسية و تركّز الإنتباه على المسائل الرئيسية أمام الثورة ، و توجّه الحزب عبر البحث الصارم
و النقاش الحيوي لكلّ هذا. و هكذا تمكّن من إيجاد سيرورة غنية من النقاش و الجدال فى صفوف الحزب على أساس علمي. و عندما يحدّد الخطّ ، بحماس يمارسه كلّ شخص عمليا. َمظهَرا المركزية الديمقراطية كلاهما- الجدال حول الخط و تطبيقه الموحّد- ضروريان للسيرورة الشاملة لمعرفة العالم و تغييره على أكثر الأسس الممكنة صحّة و عمقا. و المركزية الديمقراطية لا تخوّل للحزب جماعيا فقط أن يستخلص ، على قاعدة علمية، أفكار الرفاق فى الحزب و توليفها / تلخيصها ...لكن أيضا التعلّم من تفكير الجماهير الشعبية خارج الحزب ، و تطوير و تعزيز روابطه معها ، كجزء هام من تكريس العملية الجدلية لتعميق فهمه للواقع فى علاقة متبادلة مع قدرته على قيادة الجماهير الشعبية لتغيير الواقع ثوريا بإتجاه هدف الشيوعية.

تنظيم الحزب
الفصل الأول – العضوية :
تعنى العضوية فى الحزب إلتزاما مدى الحياة بالثورة و تحرير الإنسانية. أولئك الذين ينضمون إلى الحزب يكرّسون حياتهم للقيام بكلّ العمل الشاق و العمل الخطر و العمل فى أغلب الأحيان غير المرغوب فيه شعبيا و "ضد التيار" ، لتحقيق أهدافنا فى الواقع. بعد الإنضمام للحزب ، لا يجب على أي شخص أن يتركه أبدا ما لم يصبح مقتنعا ، إثر فترة طويلة من خوض الصراع، بأنه صار تحريفيا بلا رجعة أي أنه تحلّل و فسد و خان قضية الثورة ،حتى و إن ظلّ يدعو نفسه "شيوعي".
واجبات الأعضاء :
- أ / على أساس موقفهم و توجههم الثوريين ، على أعضاء الحزب أن ينشدوا الثورة بدرجة كبيرة بحيث أنهم يرغبون و يصمّمون على أن يتعاملوا معها بصفة علمية. يعمل أعضاء الحزب بإستمرار ليعمّقوا فهمهم و ممارستهم للنظرة و المنهج الشيوعيين العلميين. ويصارعون من أجل ما يعرفون أنه حقيقة بينما يحافظون على فكر نقدي و ذهن مفتوح على إمكانية أن يكونوا مخطئين.
إن أعظم مسؤوليات كلّ عضو فى الحزب هي الصراع من أجل صيانة خطّ الحزب و تطويره أكثر كخطّ ثوري . يجب على كلّ عضو فى الحزب أن يتجرأ على الذهاب ضد تيار الخطوط التحريفية ( من جديد ، خطوط ستقود إلى خيانة الثورة) و فى نفس الوقت ، يجب على كلّ عضو أن يرفع مستواه النظري ليكون أقدر على معرفة هذه الخطوط و النضال ضدّها. و على أعضاء الحزب أن يبذلوا جهدهم للحفاظ على تركيز نظرهم على المسائل الكبرى للثورة ، و العمل فى إنسجام مع الأهداف الإستراتيجية العامة، و لضمان أن يكون النشاط المنجز فى أية لحظة معطاة منسجما مع و مساهما فى تلك الأهداف الإستراتيجية البعيدة المدى.
- ب / أعضاء الحزب مستعدّون للتضحية بكلّ شيئ بإرادتهم و بحماس بأية مهمّة توكل لهم و النهوض بأية مسؤولية ، مهما كان التحدّي لأجل التقدّم بالقضية الثورية ، ليس فى بلد معيّن فحسب بل عالميا.
لا ينضمّ الشيوعيون للحزب كمهنة أو ك " نمط حياة بديل" و إنما لقيادة الجماهير للقيام بالثورة . و أعضاء الحزب مستعدّون لمواجهة أي قمع على أيدى العدوّ.
- ت / يحمى أعضاء الحزب سلامة قنوات الحزب و قيادة الحزب. يدافعون عن الإنضباط الحزبي و يعزّزونه و يشكلون جدارا فى وجه العدوّ .
- ث / يمثّل أعضاء الحزب النظرة و الموقف و الأخلاق الشيوعية فى صفوف الجماهير و يكرّسونها فى حياتهم الخاصة. ينشرون الأفكار الشيوعية و يقودون الجماهير فى القتال ضد العدوّ. يؤمن الرفاق فى الحزب بأن الجماهير قادرة على الفهم العلمي للعالم و يصارعونها من أجل ذلك، و لا يؤمن أعضاء الحزب بالآلهة أو الأرواح و يعارضون بجرأة الأفكار الدينية فى صفوف الجماهير، و كذلك كافة الإيديولوجيات الأخرى التى تقف حجر عثرة أمام ( أو تعارض) الثورة و التى فى النهاية ستقبل فى أحسن الأحوال بإصلاحات ضمن النظام الرأسمالي- و ذلك حتى حين سنبحث عن التوحّد و الصراع معها و التعلّم من حاملى تلك الأفكار. و يعرف أعضاء الحزب أيضا أنّ الجماهير تنظر إليهم و تعلّق عليهم آمالا كبيرة ( تتوقّع الأفضل من الرفاق) و يعيشون حياتهم منتبهين إلى ذلك.
يتوجه الرفاق فى الحزب بدقّة نحو إستغلال أية فرصة ممكنة للترويج للنضال الثوري و أهداف الثورة و الشيوعية، فى كلّ ما يقومون به.
و بحماس ينفذون المهام و يتجرأون على أخذ المبادرة. يسعون لتفادي الأخطاء لكنهم لا يهابونها.
- ج / يقدّم أعضاء الحزب بنشاط لوحداتهم و للقيادة تقاريرا عن ما يتعلّمونه و ما يفكّرون فيه. و يتضمّن هذا نقاشهم للمسائل النظرية والإستراتيجية و التطورات الكبرى فى العالم، و تأملاتهم فى الثقافة و العلم ، و كذلك تلخيصهم للتجربة المكتسبة من نشاط معيّن و أفكار و نظرة الجماهير. و يتحمّل أعضاء الحزب مسؤولية المشاركة فى تطوير المفاهيم الإستراتيجية فى مختلف مجالات عمل الحزب.
سيرورة الإنضمام إلى الحزب :
على الذين يتقدّمون بطلب للإنضمام إلى الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية أن يمثّلوا شعلة من النار من أجل الثورة. يجب أن يقفوا إلى جانب الجماهير الشعبية و يجب أن يكونوا قد قطعوا مع النظرة البرجوازية للعالم ( حتى و إن واصلوا النضال ضد تأثيراتها المستمرّة) . ويجب أن يمتلكوا إدراكا أساسيا للنظرة الشيوعية ووحدة جوهرية مع خطّ الحزب و كذلك تشوّق لمزيد التعلّم. كما يجب أن يستوعبوا بعمق أهمية هذا الحزب بالنسبة للجماهير و قضية الثورة. و يجب ان يكون لديهم فهما جيدا و إن أساسيا لخطّ الحزب ( مثلما عرض فى هذا القانون الأساسي و ملحقه) ويجب أن تكون لديهم تجربة فى تطبيق كلّ هذا فى النضال الثوري العملي و المراوحة بين النظرية و الممارسة.
كلّ من يتقدّم بطلب للحصول على العضوية ، يجب أن يجيب على إستمارة ، سواء كتابيا أو شفويا ، موضحا نقاط عدّة : تاريخ حياته و لماذا صار شيوعيا ، التغييرات و التحولات التى شهدها فى فهمه ووجهة نظره حتى التوصّل لذلك القرار ، و كيف يفهم قفزة الإلتزام بالإنضمام إلى الحزب. و على الهيكل الحزبي المعني أن يقدّم هذا على ضوء التطوّر العام للشخص ، بما فى ذلك موقفه من الجماهير و علاقته بها و مدى تكريس نفسه للثورة، و أن يعيّن رفيقا أو رفيقان لنقاش كلّ هذا مع مقدّم المطلب و لتوضيح أية أسئلة حول خطّ الحزب و مسؤوليات الأعضاء. وفى الوقت المناسب، على الهيكل الحزبي المعني أن يتخذ قرارا إما بقبول مطلب العضوية أو رفضه و هذا القرار يبلّغ عبر قنوات الحزب للمستويات العليا لقيادة الحزب.
الفصل الثاني- الإنضباط الحزبي :
يعتمد الحزب على الفهم الواعي لأعضائه للحفاظ على إنضباطه تجاه العدوّ. و تعكس قواعد الحزب إلتزاما بصيانة الحزب كتنظيم مركزي ديمقراطي مكرّس للا أقلّ من – و لا لشيئ آخر سوى- الثورة الشيوعية.
أ) يجب أن تكون هناك نقاشات نشيطة فى صفوف كافة الرفاق ، و مع الجماهير ،حول المسائل السياسية و الإيديولوجية المحورية. و على عاتق أعضاء الحزب تقع مسؤولية رفع أي خلافات مع الخطّ و السياسة إلى الإجتماع المنتظم للهيكل الحزبي الأعلى الذى إليه يعودون بالنظر، بطريقة مفتوحة و صريحة. و بالمقابل ، لا يتعيّن أن يذهب أعضاء الحزب خارج قنوات الحزب ليتحدّثوا عن هذه الخلافات و النقد و لا يتعيّن أن يشكّلوا مجموعات او كتل معارضة لخطّ الحزب فمثل هذه الكتل تحرف و تنخر و تقوّض - و إن ظلّت غير مراقبة ستحطّم فى النهاية- سلسلة المعرفة
و سلسلة قيادة الحزب.
ب) إذا كان أعضاء الحزب يحملون وجهات نظر مختلفة فيما يتعلّق بقرارات أو توجيهات الهيكل الحزبي الذى إليه ينتمون أو آخر أعلى منه، بإمكانهم الإحتفاظ برأيهم بينما يحافظون على الإنضباط الحزبي و يطبقون القرارات و التوجيهات. و لهم الحقّ فى تجاوز القيادة المباشرة و فى تقديم تقرير أو اللجوء مباشرة للمستويات الأعلى ،حتى اللجنة المركزية . و يحظر حظرا كلّيا على القيادة أن تقمع النقد أو أن تنتقم منه. من الضروري إيجاد وضع فيه توجد كلّ من المركزية و الديمقراطية، كلّ من الخطّ الموحّد و المبادرة الواسعة ، كلّ من الإنضباط و الصراع الإيديولوجي ، كلّ من وحدة الإرادة و العمل ، و سهولة التعبير عن الذات و حيوية وصراع الأفكار.
ت) يجب على كافة أعضاء الحزب أن يعارضوا "الليبرالية" أي يجب أن ينقدوا بصراحة الأشياء الخاطئة و التى تنتهك خطّ الحزب وإنضباطه وألا " يدعوا الأشياء تمر ّ" لأجل "صداقة " أو "لإنجاز العمل" إلخ. إن هذه الليبرالية عامل تآكل ينخر قلب الحزب.
ث) يعتمد الحزب على الإنضباط الواعي لأعضائه لتنفيذ الخطّ و للدفاع عن المعايير فى مقاومة و مواجهة العدوّ إيديولوجيا و سياسيا و تنظيميا.
و حيث ينتهك أعضاء الحزب هذا الإنضباط ، ستطبّق القيادة العقوبات. فى كافة حالات الإنضباط ، للعضو الحق فى اللجوء مرّة أخرى حتى إلى اللجنة المركزية. و تتضمّن العقوبات : التحذير ، والتحذير الجدّي ، والإقالة من المنصب ، والوضع موضع التجربة داخل الحزب ،و إنهاء العضوية من الحزب أو الطرد.
لئن تبيّن مرارا و تكرارا من خلال معارضة وإنتهاك المركزية الديمقراطية أن رفاقا لم يعودوا ينتمون إلى الحزب ، أو تحلّلت و فسدت إرادتهم الثورية فيتمّ العمل على إقناعهم بالإستقالة . وفى حال تحلّل و فساد الموقف و الفهم الإيديلوجي و السياسي لعضو من أعضاء الحزب و ليس متحدا جوهريا مع خطّ الحزب ، يجب أن يتمّ إقناعه بالإستقالة. وإذا أقرّت قيادة الحزب ذلك لكن الشخص ذاته ( الإنسانة ذاتها) لم يقرّ بذلك او قبل بذلك
و لا يريد الإستقالة ، أو حتى يرفض الإستقالة ، يعالج هذا الأمر عبر تعميق الصراع حول المسألة إلى درجة أن يتوصّل كافة المعنيين بالأمر إلى إتفاق بشأن أن الشخص المعني لا ينتمى ( أو فى الواقع ينتمى ) إلى الحزب. و إذا لم يجر التوصّل إلى هكذا إتفاق فإن على قيادة الحزب فى المستوى المعني أن تتخذ قرارا بما إذا كان يتعيّن أم لا سحب عضوية الشخص ، وهذا القرار يجب أن يرفع فى تقرير و تصادق عليه القيادة الأعلى التالية، قبل أن يدخل حيّز التنفيذ. وفى هذه الحال كذلك - كما فى جميع حالات الإجراءات المتصلة بالإنضباط بشأن عضو من الحزب - لعضو الحزب موضع السؤال أن يلتجأ صعودا إلى اللجنة المركزية.
ينبغى إنهاء عضوية الإنتهازيين و المنتهكين المزمنين للإنضباط الحزبي و/أو العناصر المعادية للثورة البروليتارية. المناهضون للثورة الفعليون و عملاء الطبقة الحاكمة و دولتها و الذين يبحثون عن تنظيم أركان قيادة داخل الحزب فى معارضة لخطّ الحزب و قيادته و مبادئه المركزية الديمقراطية يجب طردهم دون رجعة.
الفصل الثالث – القيادة :
القيادة الشيوعية – الخطّ و المنهج و التوجه :
القيادة الشيوعية هي قبل كلّ شيئ مسألة خطّ وبذل الجهد لقيادة الآخرين لتطبيق علم الثورة بطريقة حيّة على الواقع الموضوعي لتطوير خطّ أصحّ ما أمكن و لتنفيذ هذا الخطّ لبناء حر كة ثورية بإتجاه الهدف النهائي ،الشيوعية.
يجتهد القادة الشيوعيون ليقدّموا للناس الذين يقودون الفهم الأشمل ممكنا للخطّ و للتعلّم منهم و هم يقودون ،و على ذلك الأساس يطلقون حماسهم الثوري و مبادرتهم و نشاطهم الواعيين. يعملون مع الناس لتلخيص نتائج جهودهم ، مساعدينهم على التعلّم بأكمل قدر ممكن من هذه التجربة و للمساهمة فى تعميق الخطّ و مزيد تحويل العالم على ذلك الأساس.
أ- يجب على أعضاء الحزب و بالخصوص على قادة الحزب على كافة المستويات أن يستمعوا لآراء الجماهير داخل الحزب و خارجه و أن يشجعوها على النقد. و لأعضاء الحزب الحقّ و مسؤولية النقد و تقديم المقترحات إلى الناس فى كلّ مستويات الحزب ، بما فى ذلك قادة الحزب
و هياكله القيادية.
ب- إن إختيار القيادة مسؤولية مهمّة من مسؤوليات أعضاء الحزب ، تقترب من النهوض بمسؤولية خطّ الحزب. و الأعضاء فى كلّ مستوى من مستويات الحزب يختارون قيادتهم بالإستناد إلى معايير القيادة الملخّصة أعلاه، ووحدة الحزب تقدّم تاليا تقريرا للهيكل الأعلى التالي الذى يراجع هذا الإختيار. و إذا كانت هناك إختلافات بين المستويين بصدد ذلك فإنه يجب أن يوجد قدر معقول من النقاش المتبادل لحلّ هذا.
ت – قادة الحزب ثمينون و يجب أن يتمّ الدفاع عنهم و حمايتهم من العدوّ الطبقي. و يتحمّل الرفاق كافة المسؤولية فى ذلك.
الهياكل القيادية :
- ا- مؤتمر الحزب هو أعلى هيكل من هياكل الحزب. إنه يضع التوجه الأساسي للحزب و أهدافه ، لا سيما فى ظروف حاسمة من الصراع الطبقي. و المؤتمر الوطني للحزب يجب أن ينعقد فى فترات مفاتيح بالنسبة للحركة الثورية عدا الظروف الإستثنائية ، و تقريبا كلّ سبع سنوات.
ينتخب المؤتمر اللجنة المركزية التى تطوّر الخطّ و السياسة لمواجهة تحدّيات قيادة النضال الثوري، عبر جميع إلتواءاته و منعرجاته. واللجنة المركزية هي أعلى الهياكل القيادية للحزب ـ عندما لا يكون المؤتمر منعقدا. وفى الفترات بين مؤتمرات الحزب ، على اللجنة المركزية أن تقدّم تقاريرا لأعضاء الحزب .
-ب- تنتخب اللجنة المركزية رئيس الحزب والقادة المركزيين الآخرين و الأجهزة الدائمة التى إليها توكل كلّ سلطتها متى لا تكون منعقدة. و اللجنة المركزية ، فى ظلّ قيادة رئيسها و القادة المركزيين الآخرين ، يجب أن تشكّل عددا من الأجهزة الضرورية على مختلف المستويات لتقود كافة عمل الحزب.
الفصل الرابع- وحدات الحزب :
مهام وحدات الحزب:
تمزج وحدات الحزب قوّة أعضائها و النظرة الجماعية للعالم و القيام بالثورة ، مع الإحاطة و الصرامة ، الخيال و الإتقان ، الإبداع و المثابرة ـ و الصراع و الوحدة. الوحدة هي الموقع الرئيسي حيث يعمل الأعضاء بصفة منظمة ليدركوا و يطبقوا و يعمّقوا و يطوّروا و يتصارعوا بشأن خطّ الحزب. و تقوم الوحدات الأساسية على ديناميكية النظرية/ الممارسة/ النظرية ، قائدة أعضاءها فى سيرورة مستمرّة من معرفة العالم و تغييره.
من واجب الوحدات أن :
أ / تقدّم توجيها ثابتا لأعضاء الحزب و الناس الذين يقودون ، بشأن الخطّ الإيديولوجي و السياسي للحزب، بداية بالمسائل الأكثر حيوية التى تواجه الشيوعيين و الجماهير الثورية.
ب / تقود الأعضاء فى خوض صراع خطين و مقارنة و مواجهة الخطوط الصحيحة و الخاطئة و محتوياتها و نتائجها لكي يرفعوا قدراتهم على تمييز الصواب و الخطإ و خاصة التمييز بين الشيوعية و التحريفية. وفى نفس الوقت، يجب أن تنمّي روح و جوّ من جرأة التجاسر على التفكير
و العمل و عدم الإرتباط بالأعراف و " التحليق فى الأعالي و الطيران دون شبكة أمان".
-ت- قيادة كلّ رفاق الحزب فى إنجاز المتطلبات الأساسية لأعضاء الحزب كما جرى تعدادها فى الفصل الأول.
-ث- الحفاظ على الصلات الوثيقة مع الجماهير: تلخيص ظروفها و البحث بنشاط فى ما تفكّر فيه و كيف تفكّر ، خائضين نضالا إيديلوجيا معها ،
و قائدينها فى النضال ضد العدوّ- التعلّم بينما نقود و القيادة بينما نتعلّم.
-ج- ضمّ أعضاء جدد للحزب ، و جسّ النبض الإيديولوجي لكافة الأعضاء و فرض الإنضباط الحزبي و دعم و توسيع منظمات الحزب.
و على وحدات الحزب أن تشتغل مثل الفرق العلمية ، منغمسة فى صراع نشيط حول طبيعة و ديناميكية الواقع المادي الذى تواجهه ثمّ مطبّقة التحليل الناجم عن ذلك لتغيير الواقع، ملخصة النتائج بنفس التوجّه و المنهج ، بأكبر قدر ممكن من الإلمام و الإحكام و كجزء من مجمل سلسلة المعرفة و سلسلة قيادة الحزب.
الخاتمة :
أخذ الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية على عاتقه مسؤولية قيادة الثورة فى الولايات المتحدة ، قلب الوحش الإمبريالي، كمساهمة رئيسية منه فى الثورة العالمية و الهدف النهائي، الشيوعية . وهذا تعهّد عظيم و تاريخي و كلّ الذين يتطلعون لرؤية حدوث هذا يجب أن يلتحقوا بهذه الطليعة و أن يساندوها عاملين سوية مع هذا الحزب ، و بانين له الدعم و على أساس تبنّى قضية و نظرة الشيوعية ، ينضمون إليه. تحرير الإنسانية قاطبة : هذا و لاشيئ أقلّ من هذا هو هدفنا ، ليس هناك من قضية أعظم و لا هدف أسمى له نكرّس حياتنا.
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
الملحق
الشيوعية كعلم.
الشيوعية فى آن معا علم و حركة سياسية ثورية. ليست هدفا مثاليا بل هدفا تحرّريا تقع قاعدته الممكنة ضمن وضع يواجه الإنسانية ، وضع حيث قفزة نحو عالم مختلف راديكاليا و أفضل بكثير ممكنة التحقّق.
لفهم العالم وتغييره فى مصلحة الإنسانية ، يحتاج الناس إلى نظرية علمية. و العلم ليس مجموعة من القوانين الغامضة "يملكها العلماء" . العلم ، كلّ علم حقيقي، نشاط إنساني حيوي يهدف إلى معرفة أسباب الظاهرة ، لماذا تحدث الأشياء و كيف تتطوّر و يبحث عن هذه الأسباب فى العالم المادي الذى يشمل المجتمع الإنساني. و النظرة العلمية لا تبحث عن " تفسيرات" ماورائية و لا تقبل بأي تفسيرات لا يمكن إختبارها و التحقّق منها أو تفنيدها فى العالم المادي الحقيقي، لكن بدلا من ذلك يطوّر نظرية أولية مستندة على دليل من العالم و إختبارات خارج النظرية فى الممارسة العملية و ضد النتائج المحققة و من خلال هذه السيرورة يتوصّل إلى فهم معمّق لما هو الحقيقة. و هذا الفهم يجب أن يطبّق مجدّدا على الواقع.
تمثّل الشيوعية قطيعة راديكالية مع كافة النظرات الدينية. و قد بيّنت طريق القضاء على العبودية الروحية التى كبّلت الطبقات المضطهَدة عبر التاريخ. و من المهمّ معرفة ما هو حقيقي . فلا حاجة لإختراع آلهة من المفترض أنها تتحكّم فى العالم الطبيعي و مصير الإنسانية. دون نظرة علمية يُحرم الناس من فهم وسائل و ديناميكية التغيير و دورهم المحتمل فى إحداث التغيير و بهجة و عظمة الإكتشاف.
وفضلا عن القطيعة مع الدين التقليدي ، لا يمكن للنظرة العلمية و الثورية حقّا ( و لا يجب أن تتضمّن أي عنصر من ) "بعث " فكر ديني بأشكال جديدة. الشيوعية ليست دوغما أو مجموعة كتب مقدّسة. و مثلما ليس هناك إلاه فى الجنّة ، ليست هناك نسخة مثالية من "الطبيعة" أو "التاريخ" تعملان بإتجاه هدف الشيوعية "الحتمي". و الميول نحو مثل هذا التفكير التى وجدت فى تاريخ الحركة الشيوعية ينبغى القطع معها. نحتاج إلى العلم، نحتاج إلى نظرة علمية لكلّ شيئ . و المنهج و النظرة الشيوعيين يوفّران هذه المقاربة .
تهمة كلاسيكية توجه للشيوعيين هي أنهم إبتدعوا رؤية "عالم مثالي" و بعد ذلك يحاولون فرض هذه الرؤية الطوباوية المثالية على الجميع. هذا ما يسمى الإدعاء "المعادي للشمولية " بأن للشيوعيين أحلام و مخططات طوباوية يمكن أن تبدو جيدة لكن ليس لها أساس أو قاعدة فى الواقع لذا
( يُواصل الإتهام ) يضطرّ الشيوعيون على نحو متزايد لإستعمال القسر ضد الناس ذاتهم الذين بإسمهم يُعلنون هذه المثل الطوباوية و ينتهون إلى إستعمال أشنع الوسائل لفرضها. الأمر ليس كذلك. فالشوعية تفحص بطريقة حيّة التيارات و الديناميكية الحقيقيين للمجتمع و تشير إلى الإتجاه الذى إليه تقود التناقضات الكامنة. إن منهج ماركس و المنهج الشيوعي كما تطوّر منذ زمن ماركس ليس بتاتا نظرة ميتافيزيقية تنطلق من مبادئ و مفاهيم مجرّدة و تبحث عن تركيبها على الحقيقة.
ينبغى على الشيوعيين أن يشتغلوا على الحقيقة ، على قاعدة ذات أكبر قدر ممكن من العلمية فى أي وقت كان. و فى هذه العملية ، يتفاعل الشيوعيون مع الآخرين الذين يطبّقون وجهات نظر و مقاربات مغايرة ذات أهداف مختلفة. تفكيرهم و أهدافهم و ميولاتهم و أفكارهم ( البعض منها يمكن أن تعكس بصفة أفضل الواقع من فهمنا أحيانا لبعض الظواهر) جزء من الواقع الموضوعي الأوسع الذى على الشيوعيين الإشتغال عليه. و من الضروري إمتلاك نظرة علمية لذلك كذلك. ووجهة النظر الشيوعية توفّر بصورة منظّمة و ثابتة و شاملة وسائل علمية للقيام بذلك ، إذا كان ذلك ما ينهض به و يطبقه فعلا الشيوعيون ، و لا يفسدونه بمثل دينية أو مفاهيم و نظرات فلسفية مثالية و ميتافيزيقية.
يجب أن تفهم الشيوعية كعلم حيّ و متطوّر بإستمرار. لقد وضع ماركس أسسها الجوهرية . وإستمرّت النظرية الشيوعية فى التطوّر منذ زمن ماركس لمزيد فهم الواقع المتغيّر و للتعلّم نقديا من التجربة التاريخية للحركة الشيوعية العالمية و للتعلّم من أوسع مجالات الفكر و التجربة الإنسانيين و كلّ هذا لمواجهة و تلبية حاجيات القيام بالثورة فى عالم متغيّر. النظرية الشيوعية ( على الأقلّ النظرية الشيوعيةالحقيقية) نظرة شاملة و منهج علمي يمكن و يجب أن يطبّقا فى كافة مجالات الحياة و الواقع و فى سيرورة متطوّرة أكثر فأكثر.
إختراق ماركس:
كان ماركس وهو يعمل مع إنجلز، أوّل من صاغ و نظّم الأساس النظري و المنهجي للشيوعية ، المادية الجدلية و المادية التاريخية ( مطبّقا المادية الجدلية على المجتمع الإنساني و تطوّره).
و توفّر المادية الجدلية قاعدة نظرة علمية منظّمة و شاملة و متسقة كمادية تعكس حقيقة كون كافة الواقع يتشكّل كلّيا من مادة متحرّكة و لا شيء آخر. ليس هناك شيء أبديّ ، ثابت، لا يتغيّر إلخ و ليس هناك أي روح أو وعي مطلقان عن أشكال معينة من المادة المتحرّكة. و تعكس المادية الجدلية كون لكلّ شيء تناقضا و حركة داخليين و يتفاعل كلّ شيء مع الأشكال الأخرى من المادة المتحرّكة. و فى ظروف معيّنة، تشهد المادة تغيّرا نوعيا، طفرات و إنقطاعات ، منها تظهر أشياء جديدة.
على طول فترة أكثر من 150 سنة منذ زمن صياغة ماركس و إنجلز لأوّل مرّة الشيوعية كنظرية علمية ، وجد كذلك إثراء مستمرّ لفهم المادية الجدلية ذاتها ، على أساس التعلّم من الإكتشافات المتواصلة فى علم الطبيعة و علم الإجتماع و التاريخ و حقول أخرى. ليست المسألة أنّ هذه الإكتشافات و التطوّرات لم تبيّن فقط ، مع ذلك ، أن الواقع لا يتكوّن فحسب من مادّة فى حركة بل كذلك أنها عمّقت فهمنا لما يعنيه ذلك و فى نفس الوقت وضعت تحدّيات جديدة فى فهم أشكال معيّنة من المادة و مظاهر معيّنة من قوانين حركة المادّة.
مثّل تطبيق ماركس للمادية الجدلية على المجتمع الإنساني و تطوّره حقّا ثورة فى الفكر الإنساني ، ممهّدا الطريق للثورة عمليا. وضع هذا الإختراق ، المادية التاريخية ، فهم المجتمع الإنساني و قواه المحرّكة على قواعد علمية للمرّة الأولى فى التاريخ.
وأحدث هذا الفهم المادي التاريخي الجديد ثقبا فى التشويش والأساطير المضلّلة بأن التاريخ نتاج قوى ماورائية مثل "الآلهة" أو هو محدّد بإرادة و عمل "رجال عظماء" و بفعل "طبيعة بشرية" ثابتة. بالأحرى ،يحدث التطوّر فى الطبيعة عبر التفاعل الجدلي بين الضرورة و الصدفة ( السببية و الصدفة) وفى حال التاريخ الإنساني بين القوى المادية التحتية و النشاط الواعي و نضال الناس. و لكن هذا لا يعنى أن التاريخ كلّه صُدفة أو أن التاريخ ما نصنعه. و من هنا تتاتى أهمية رؤية حاسمة أخرى لماركس ألا وهي أن الناس يصنعون التاريخ لكن ليس على النحو الذى يتمنونه، يقومون بذلك على أساس مادي مؤكد، مستقلّ عن إرادتهم. يمكن للناس أن يغيّروا راديكاليا الواقع وفق مصالحهم الجوهرية ، لكن يمكنهم القيام بذلك فقط على أساس الواقع المادي القائم فعلا. و بقدر ما يفهم الناس بصورة صحيحة الواقع و كيف صار على هذا النحو و كيف يتحرّك و يتغيّر بإستمرار ، بقدر ما سيقدر الناس على معرفة التغييرات الراديكالية و العمل على التأثير في هذه التغييرات الراديكالية التى هي فى الأخير وجوهريا فى مصلحة الإنسانية. و بينما لا يتطوّر تاريخ الإنسانية وفق أي " إرادة عليا " أو غاية ( وليس له هدف محدّد) هناك كما أشار إلى ذلك ماركس ، تماسك مؤكد فى التاريخ الإنساني. وذلك التماسك متجذّر فى حقيقة أن كلّ جيل يرث القوى المنتجة ( الأرض و التقنية و المصانع و المعرفة و مهارات الناس إلخ) من الأجيال السابقة و عموما يُطوّرها أكثر و ينقلها إلى الجيل التالي.
و تبيّن المادية التاريخية أن ّ القاعدة الأساسية لأي مجتمع هي نظامه الإقتصادي ، نظام إنتاجه و إعادة إنتاجه لمتطلبات الحياة. لكن الناس لا ينتجون فقط بالطرق القديمة ، إنهم يدخلون فى علاقات إنتاج إجتماعية خاصة سماّها ماركس " القاعدة الإقتصادية " للمجتمع. و فى المجتمع الطبقي كلّ هذا تسيطر عليه الطبقة الحاكمة التى تنظّم الإنتاج و تخلق و تهيمن على الهياكل السياسية الحاكمة و التى تهيمن كذلك على أفكار و ثقافة إلخ ذلك المجتمع. و يستمرّ هذا حتى مزيد تطوّر قوى الإنتاج إلى نزاع جوهري مع علاقات الإنتاج الموجودة. ثمّ يجب أن تحدث ثورة فى البنية الفوقية السياسية خلالها تطيح الطبقة الصاعدة بالطبقة الحاكمة القديمة لتولد علاقات إنتاج جديدة تتناسب مع قوى الإنتاج الجديدة... و تصعد طبقة جديدة إلى السلطة.
لم يكن ماركس السبّاق فى تحليل وجود و مميّزات الطبقات و الصراع الطبقي بينها .غير أنه جذّر كلّ هذا فى الفهم المادي التاريخي بأن وجود الطبقات و الصراع بين الطبقات يرتبط بمراحل خاصّة من التطوّر التاريخي للإنتاج.
و بالطبع لم يقف ماركس عند هذا الحدّ. فقد بيّنت النظرية الشيوعية أساس و مهّدت الطريق لنوع من الثورة فى التاريخ الإنساني جديد كلّيا : الثورة البروليتارية. و ظهرت طبقة ، البروليتاريا التى لا تملك شيئا سوى قدرتها على العمل ، تشتغل بصورة مشتركة فى شبكات الإنتاج على وسائل الإنتاج الواسعة والإجتماعية ( و المعولمة على نحو متزايد) التى أوجدتها الرأسمالية. و البروليتاريا و هذا الإنتاج الإجتماعي فى نزاع جوهري مع الملكية الخاصة الرأسمالية للثروة المنتجة إجتماعيا ، فى شكل رأسمال خاص، و طبيعته الداخلية هي الإستغلال و التنافس على نطاق متسع ، مع ما يحمله من نتائج مدمّرة بالنسبة للإنسانية. و تتوسّع أعداد البروليتاريا بشكل متصاعد وهي فى موقع إستراتيجي و طبقة عالمية. لكن ما هو أهمّ هو أن هذه الطبقة تمثّل إمكانية علاقات إنتاج إشتراكية و هكذا طريقة جديدة إشتراكية للإستعمال الجماعي لقوى الإنتاج كملكية عامة للإنسانية، دون إستغلال و دون إنقسامات طبقية.
لهذا السبب الأساسي ، البروليتاريا هي الطبقة الأولى فى التاريخ التى يتطلّب تحريرها نوعا من الثورة سيقضى على كافة ، ليس بعض بل كافة، العلاقات الإستغلالية و الإضطهادية و الهياكل السياسية و طرق التفكير الناجمة عنها و التى تعزّز هذه العلاقات . و تؤدّى الثورة البروليتارية إلى تركيز دكتاتورية البروليتاريا ، دولة مختلفة راديكاليا عن كافة أشكال الدول السابقة التى كانت كلّها دكتاتوريات طبقية تخدم الطبقات المستغِلّة و هيمنتها السياسية. و هذه الدولة الجديدة يجب أن تكون هي ذاتها دولة إنتقالية إلى المجتمع الشيوعي، ملغِية كلّ الإختلافات الطبقية و الدولة نفسها. بإختصار، لتحقيق تحرّرها ، يتعيّن على البروليتاريا أن تقود ، بطريقة عميقة حقّا ، ثورة كمحرّرة للإنسانية.
وقد طوّرت النظرية الشيوعية التى أسسها ماركس هذا الفهم و أرسته على قاعدة علمية لم يسبق لها مثيل ، مثلما فعل داروين فى العلوم الطبيعية. هنا، الإطار لا يسمح بالإشارة إلى عديد العناصر المتنوعة للنظرية الشيوعية التى طوّرها ماركس ...و حتى إلى عدد أقلّ من التطوّرات الهامة للنظرية منذ أسسها ماركس فالمسألة ليست هي جوهر الموضوع هنا. بالأحرى جوهر المسألة هو لفت النظر لسبب قولنا إن الشيوعية ينبغى أن تفهم و تدرك و تطبّق و تطوّر كعلم و عرض سريع لذلك من خلال الإشارة إلى سيرورة تطوّرها.
ما طوّره ماركس كان و ما زال أساسا ، و فى نفس الوقت كما نستشف من كونه أساس كان البداية. و العلم يجب أن يتطوّر و إلاّ ليس علما. و لكلّ علم عناصر ناقصة و خاطئة فى الفهم ، يجب أن يتساءل حول مفاهيمه الخاصّة مرارا و تكرارا ، فاحصا النقد . الذى ينجزه آخرون و مصحّحا ما تبيّن أنه خاطئ ، ملخّصا نتائج الممارسة. و أبعد من ذلك، العالم الذى يراد فهمه متغيّر بإستمرا ر و النظرية الشيوعية تطوّرت و يجب أن تواصل التطوّر لتلبية هذه الحاجيات الكبرى.
فهم علمي للإمبريالية و مزيد تطوير الثورة البروليتارية :
مع نهاية القرن التاسع عشر ، إثر وفاة ماركس، شهدت الرأسمالية تطوّرا نوعيا. فى أوروبا و أمريكا الشمالية و اليابان ، برزت إحتكارات عملاقة ، وحدات كبيرة مركّزة و قويّة للغاية تحت ملكية و سيطرة رأسماليين. و إلى جانب هذا ، وسعت القوى الرأسمالية هيمنتها وإستغلالها البشع على نحو رئيسي إلى كافة أنحاء العالم. بهذا و بتغييرات أخرى ذات العلاقة، تطوّرت الرأسمالية و تحوّلت إلى رأسمالية إمبريالية. كان هذا ظاهرة جديدة واجهت الثوريين و شعوب العالم بضرورة جديدة كبرى، ظروف جديدة وجب فهمها علميا ، واقع جديد وجب تغييره لإنجاز الثورة.
مطبّقا النظرة و المنهج الشيوعيين ، حلّل لينين الميزات الجوهرية و الديناميكية اللصوصية للتطوّر الجديد للرأسمالية إلى إمبريالية، العاملة الآن على نطاق عالمي، و من هنا تعمّق تطوّر علم الشيوعية.
حلّل عمل لينين كيف و ما هي إنعكاسات نموّ إنقسام عميق بين الأمم الإمبريالية و الغالبية الساحقة من الإنسانية التى تعيش ضمن الأمم التى تضطهدها الإمبريالية و كيف أن ذلك الإنقسام هو فعلا علاقة إنتاج عالمية إستغلالية توجدها الإمبريالية فى قلب طريقة عمل الرأسمالية فى هذا العصر. و هذه السيرورة المستمرّة للمراكمة تشمل الآن إستخراج " أرباح هائلة " من الأمم المضطهَدة. و بيّن تحليل لينين تأثيرات "طفيلية " الإمبريالية فى "البلدان الأم" الإمبريالية ذاتها ما يشمل إنتشار جزء من الغنائم إلى شرائح معينة داخل البلدان الإمبريالية، بما فى ذلك "رشوة " قسم من الطبقة العاملة. و نجم عن هذا وضع جديد نسبة لما أرتآه ماركس الذى توقّع حدوث الثورة البروليتارية أوّلا فى أوروبا حيث الرأسمالية تطوّرت أوّلا ، و حيث ولّد تطوّرها تفقيرا جماهيريا وإستغلالا للبروليتاريين. لكن مثلما حلّل لينين ، بهذه الإنقسامات الجديدة فى العالم، بينما توسّعت فعلا قاعدة الثورة البروليتارية و تعمّقت عالميا، مؤقتا تراجعت نوعا ما فى أوروبا. لذا كان هذا أمرا جديدا فى الشيوعية. تحديدا كعلم ، تطوّرت الشيوعية نابذة و معدّلة بعض العناصر بينما حافظت على و طوّرت لبّها الأساسي . و بعيدا عن تفنيدها ، دلّل هذا و طوّر الطابع العلمي الحي للفهم الشيوعي.
و تطلّبت كذلك التغييرات التى أحدثها الإستغلال و النهب الإمبرياليين الشاملين تغييرات أخرى فى النظرية الشيوعية والإستراتيجيا الثورية. وعلى سبيل المثال ، مع التغييرات التى أحدثتها الإمبريالية ل "بلدانها الأم" بما فى ذلك عنصر الطفيلية الموصوف أعلاه، شدّد لينين على دلالة "الإنشقاق" الناجم عن ذلك ضمن الطبقة العاملة هناك ( بين الأقسام الأكثر رشوة و"برجزة") و حاجة للثورة البروليتارية لأكثر قاعدتها جوهرية أوطأ و أعمق ضمن البروليتاريا ، ضمن أقسامها الأفقر و الأكثر إستغلالا.
وهذا أيضا عصر حيث التنافس و الحرب بين مختلف الدول –الأمم شأن تقسيم و إعادة تقسيم العالم تجسّد فى نداءات قومية متنوّعة : " الدفاع عن بلادنا " إلى جانب "صيانة الديمقراطية " إلخ. كما طوّرها لينين ، حلّلت الشيوعية الأساس الرجعي للغاية لهذه النداءات القومية الإمبريالية، إنها تعبير عن إنتشار الإمبريالية فى جميع أنحاء الكرة الأرضية ، و مدّ أصابع الأخطبوط العالمية الإستغلالية و النزاع القومي لتنافس الدول الإمبريالية. و منطلقا من هذا ، و مطبّقا و مطوّرا، فى الظروف الجديدة شعار " بيان الحزب الشيوعي" " ليس للعماّل وطن" ، طوّر و شحذ أكثر الفهم الشيوعي للأممية البروليتارية. و فى نفس الوقت، أخذ يطوّر النظرية الشيوعية لتشمل الدور الثوري الكبير الممكن ، فى عصر الإمبريالية ، للنضال من أجل التحرّر الوطني فى الأمم المضطهَدة، و لفهم حاجة و قاعدة هذه النضالات من أجل التحرّر الوطني لقيادة البروليتاريا ، كجزء من الثورة العالمية وهدفها النهائي، الشيوعية.
بهذه و غيرها من التطوّرات ، كانت النظرية الشيوعية قادرة على توليف/تلخيص فهم منهجي لكيف أن الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية و أرست قاعدة حتى أعمق و أكثر عالمية للثورة البروليتارية يجب أن تضع حدّا للنظام الرأسمالي الإمبريالي.
فى الجزء الأول من القرن العشرين، أنجزت الحركة الشيوعية قفزات جديدة ووجدت كمّية واسعة من التجربة الجديدة المكدّسة فى القيام بالثورة البروليتارية و فى التركيز الفعلي لسلطة الدولة الثورية ، دكتاتورية البروليتاريا، فى الإتحاد السوفياتي. و مثّل هذا قفزة غير مسبوقة ، بداية تجربة جديدة تماما بالنسبة للإنسانية. و يمكن رؤية هذه التجربة التحرّرية جوهريا كمراكمة لقدر هائل من "المادة الخام" لمزيد الفهم العلمي و مزيد القدرة على التقدّم. و فى الواقع ، شهدت النظرية الشيوعية مزيد التطويرات بما فيها تطويرات فى الحاجة إلى حزب طليعي و فى طبيعة الدولة الثورية.
و مثلما شرح لينين السبب الرئيسي للحاجة و لدور الحزب كطليعة للثورة الشيوعية هو إدراك أنّ هذه الثورة تتطلّب قيادة و نظرة علمية لإحداث تغيير راديكالي للمجتمع. إعتبارا للتناقضات ذاتها التى تجعل الثورة ضرورية ، بما فى ذلك كون غالبية الجماهير تهمّش بصفة واسعة عن التدريب الفكري و "العمل الفكري" فإن تحريرها لنفسها يستدعى قيادة ، قيادة علمية. و بالفعل، هذا النوع من القيادة هو أفضل أداة لإطلاق العنان للفهم و المبادرة الواعيين للجماهير وهو بالضبط هدف و موضوع مؤلف لينين حول مسألة الحزب. و فهم لينين كذلك أنّ الحزب الطليعي فى حاجة إلى أن يكون عالي التنظيم. و الحزب ينظّم نفسه بغاية تجميع قوّة معرفته الجماعية و لإستعمال هذا الفهم بأقوى طريقة فى القيام بالثورة. و يجب أن ينظّم نفسه ضد محاولات قمعه و إبادته. يتعيّن أن يقود الجماهير الشعبية فى نضال جماهيري ثوري لتغيير العالم و لتغيير ذاته فى خضمّ العملية.
و ترتبط الحاجة إلى حزب طليعي بكون النضال العفوي للجماهير لوحده لن ينجز ثورة. فالتأثير العفوي للإيديولوجيا البرجوازية التى تهيمن على المجتمع و تتخلله سيدفع على الدوام إلى خفض فهم و أهداف النضال و جعلها فى النهاية إصلاحية. و هذا النضال العفوي يجب أن يتغيّر بفضل قيادة شيوعية علمية. و هذا الموقف من نوع الطليعة يتناقض بالضبط مع "نخبة تعوّض الجماهير". بالأحرى ،المسألة هي تمكين قطاعات واسعة من الجماهير من الفهم العلمي لأهداف و طرق التحرّر الثوري ، فى كلّ من النظرية و التحليل المستمرّ للأحداث من كافة النواحي فى المجتمع و العالم قاطبة. و مثلما صرنا ندرك بشكل أعمق ، يعنى هذا أيضا إطلاق سيرورة خلالها الجماهير ذاتها تساهم بصورة متزايدة فى الخوض فى وحلّ أهمّ قضايا الثورة. و كلّ هذا جوهري فى آن معا فى المرحلة السابقة على إفتكاك السلطة و مرحلة ما بعد إفتكاك السلطة، فى التقدّم بالنضال فى المجتمع الإشتراكي، و هدفه النهائي، الشيوعية عبر العالم.
كجزء لا يتجزأ من هذه التجربة الرائدة فى الإعداد ثمّ فى قيادة الثورة الروسية لإفتكاك السلطة و تعزيز السلطة الجديدة من خلال حرب أهلية
(فيها شاركت القوات المسلّحة الإمبريالية و الدول الرجعية بنشاط إلى جانب الثورة المضادة) و بعد ذلك الشروع فى التحويل الإشتراكي للمجتمع ، طوّر أكثر لينين النظرة الشيوعية للدولة. بناءا على التلخيص الأوّلي ، و إن كان بعيد النظر، الذى أنجزه ماركس للتجربة الثورية لكمونة باريس 1871 التى لم تعمّر طويلا ، عمّق لينين الإختراق و طبّق النظرية الشيوعية التى بيّنت أن الثورة البروليتارية ليس بوسعها ببساطة مسك آلة الدولة القائمة بعدُ التى وجدت داخل المجتمع القديم و خدمته ، بل عليها أن تحطّم جهاز الدولة و تنشأ بدلا عنه دكتاتورية البروليتاريا. و هذه نوع جديد راديكاليا من الدول فى آن معا تعنى قيادة الحزب و التشريك المتزايد للجماهير فى تسيير المجتمع، منجزة تغييرات ثورية بإتجاه الشيوعية و القضاء فى النهاية على كلّ من الحزب و الدولة ذاتهما.
الثورة فى الأمم المضطهَدة ... و مواصلة الثورة فى ظلّ الإشتراكية :
تبنّى ماو تسى تونغ النظرية الشيوعية عندما تردّدت رسالتها بقوّة عبر الكوكب فى أعقاب إنتصار الثورة فى الإتحاد السوفياتي . لكن النظرية الشيوعية كانت إلى حدّ بعيد متخلّفة فى علاقة بالميزات الخاصّة و بسيرورة الثورة فى المناطق الشاسعة من العالم التى تهيمن عليها الإمبريالية و التى تعانى من الظروف شبه الإقطاعية و الإستعمارية أو شبه الإستعمارية. فى تفنيد حيّ لفكرة أنّ الشيوعية كانت إيديولوجيا لا يمكن تطبيقها إلاّ فى أوروبا ، تبنّى ماو تسى تونغ النظرة و المنهج و المبادئ الشيوعية العلمية و طبّقها على الوضع ، محلّلا المجتمع الصيني وإقتصاده و علاقاته الإجتماعية . و إستمرّ ماو فى إنجاز تحليل جديد للطبقات و لعلاقات الإنتاج و لتجربة المقاومة و الثورة ، بما فى ذلك النكسات و الهزائم اللتان منيوا بها فى المراحل الأولى من الثورة فى الصين، و التى كانت تعزى ، فى جانب منها، لمحاولات الإتباع الدغمائي و الميكانيكي للتجربة و "النماذج" الثورية السابقة و بالخصوص تلك فى الإتحاد السوفياتي ، بدلا من تطبيق النظرة و المنهج الشيوعيين العلميين بطريقة حيّة.
من أعمال ماو و من المراوحة بين النظرية و الممارسة ، تطوّر مفهوم الثورة "الديمقراطية الجديدة " فى البلدان شبه المستعمرة شبه الإقطاعية و الإمبريالية و تركيز سلطة دولة جديدة ، شكلا جديدا من دكتاتورية البروليتاريا بينما لا يكون مباشرة إشتراكي ، يفتح الباب للإنتقال الإشتراكي إلى الشيوعية. و طوّر ماو كذلك نظرية و ممارسة حرب الشعب طويلة الأمد كوسيلة مركزية لإنجاز الثورة الديمقراطية الجديدة. و هذا التقدّم فى النظرية الشيوعية لا يزال يزوّدنا بتوجه و قاعدة أساسيين للثورة فى ذلك النوع من البلدان، حتى بينما ثمّة كذلك تحدّى ملحّ لأن نأخذ بعين الإعتبار التغييرات الكبرى فى العالم مذّاك و أن نطوّر أكثر إستراتيجيا الثورة للنضال و تحقيق الإنتصار فى هذه الظروف المتغيّرة.
ثمّ بعد إفتكاك السلطة و الإنطلاق على طريق الإنتقال الإشتراكي فى الصين ،واجهت الثورة الشيوعية تطوّرا آخر لم يسبق له مثيل إلى حينها. فى أواخر الخمسينات حدث إنقلاب على الإشتراكية فى الإتحاد السوفياتي و أعيد تركيز الرأسمالية، تحت قناع إشتراكي. و لم يكن إنقلابا جاء من الخارج و إنما من الداخل و بقيادة زعماء "شيوعيين" من الإتحاد السوفياتي ذاته. لم يتمّ التعرّف على ذلك حينذاك و كان شيئا جديدا تماما و فى الحقيقة لم يكن متوقّعا بصورة كبيرة فى النظرية كما تطوّرت إلى تلك النقطة. و كذلك لم يفهم بوضوح حينذاك ، وجود قوى مماثلة كانت تعمل فى الصين مشكّلة خطر إنقلاب على الشيوعية هناك ، أيضا.
ردّا على ذلك ،و من خلال الجهود المستمرّة التى دامت عقدين تقريبا ، إلى وفاته فى 1976 ، إشتغل ماو تسى تونغ و طوّر كلّ من نظرية و ممارسة مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاري. بهذا ، إقتحم ماو أرضا جديدة فى النظرية الشيوعية ، بما فى ذلك فى كلا مجالي السياسة و الفلسفة. مطوّرا أكثر فهم المجتمع الإشتراكي كمرحلة إنتقالية نحو الشيوعية، صاغ ماو فهما أعمق للنضال الطويل الأمد و الحاد فى أغلب الأحيان لتجاوز " بقايا " المجتمع القديم داخل المجتمع الجديد، إلى جانب فهم قاعدة تواصل ولادة تعبيرات المجتمع القديم هذه داخل المجتمع الإشتراكي، إقتصاديا و سياسيا و إيديولوجيا. و مؤسسا على مساهمات لينين فى فهم أهمّية البناء الفوقي و الوعي لدى الشعب فى إنجاز الثورة الإشتراكية ، شدّد ماو تشديدا كبيرا على إطلاق العنان و قيادة الدور الواعي للجماهير فى خوض الصراع الطبقي ضد الخطوط و السياسات الإيديولوجية والسياسية التى تبحث عن توسيع ، لا تحديد " الحق البرجوازي" ( الطريقة التى وفقها العلاقات السلعية الموجودة و اللامساواة الباقية من الرأسمالية ،بالضبط صلب المجتمع الإشتراكي ، تعزّز بعضها البعض بصورة متبادلة و تنعكس فى البنية الفوقية ، المؤسسات السياسية و طرق التفكير و الثقافة و ما إلى ذلك، و كيف أن كلّ هذا يشكّل حواجزا أمام مواصلة التقدّم الثوري فى ظلّ الإشتراكية و يجب تحديده و فى النهاية تجاوزه كجزء حاسم من النضال لمنع إعادة تركيز الرأسمالية و بلوغ الهدف النهائي ،الشيوعية).
فى حين وجدت أخطار جسيمة و ضغوط من كلّ الأنواع ( عسكرية وإقتصادية و غيرها) من خارج الصين ، رأى ماو أنّ لبّ خطر إعادة تركيز الرأسمالية مصدره موجود داخل الحزب الشيوعي ذاته. لكن فهمه كان فهما ماديا و علميا و ليس سطحيا و شعبويا . مطبّقا و مطوّرا المادية الشيوعية ، على نقيض "الحكمة الشعبية" لم ينظر ماو لجوهر المسألة على أنه مشكل بيروقراطية أو " فساد قادة ". بالأحرى ، جوهر التحدّى هو أنه عندما يتم الإستيلاء على السلطة و تركيز الملكية الإشتراكية ، فإن السيطرة على وسائل الإنتاج و العلاقات الإقتصادية تتركّز فى القيادة السياسية. و على وجه الخصوص ، تجد تعبيرتها السياسية و كذلك الإيديولوجية ، فى الخطّ و التوجّه، أي إذا كان الخطّ يقود نحو مزيد تثوير هذه العلاقات أو نحو تعزيز و إعادة إنتاج العلاقات القديمة ، معيدا الرأسمالية. و مثلما وضع ذلك ماو و رفاقه " أتباع الطريق الرأسمالي يمثلون علاقات الإنتاج الرأسمالية ".
عملياّ، بلغ النضال لمنع إعادة تركيز الرأسمالية قمّته طوال عقد "الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى" فى الصين و نجح لعشر سنوات ، إلى إنقلاب أتباع الطريق الرأسمالي بعيد وفاة ماو، فى 1976 ، و ما نجم عنه من سرعة إستقطاب إجتماعي عميق و الفظائع التامة للرأسمالية التى نراها فى الصين اليوم. هذه هي بالضبط النتيجة التى حذّر منها ماو و رفاقه و ناضلوا ضدّها. و قد تجهّزوا بإختراقات أخرى فى الفهم العلمي الذى صاغه ماو ، إستطاعوا فهم هذا الخطر و مصادره الأساسية و تعبئة الملايين فى محاولة لصدّه و التقدّم بالثورة. مقارنة بالتجربة السابقة لإعادة تركيز الرأسمالية فى الإتحاد السوفياتي ، التى تعزّزت هناك مع أواخر الخمسينات دون معركة عظيمة مماثلة ضد ذلك ، تقف الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى على النقيض تماما. و تعدّ العناصر الجديدة الهامّة فى الفهم العلمي للتقدّم بالثورة فى ظلّ الإشتراكية ، التى طوّرها ماو و رفاقه الثوريين ، عناصرا هامة كقاعدة إنطلاق منها ينجز مزيد التقدّم فى النظرية و الممارسة الشيوعية الثورية.
نهاية مرحلة ... بداية مرحلة جديدة :
مع الإنقلاب على الإشتراكية فى الصين ، فى 1976 والذى حدث بعد عقدين من ذلك الذى جدّ فى الإتحاد السوفياتي فى الخمسينات، إنتهت الموجة الأولى من الثورات الإشتراكية و اليوم ، لا توجد أية دولة إشتراكية فى العالم. إزاء هذا ، و فى وسط إفتراءات غير مبدئية و مقبولة دون نقد فى أغلب الأحيان أيضا ، من الضروري إنجاز توليف/تلخيص علمي حقا لهذه التجربة التاريخية لأجل تحقيق تقدّم عظيم جديد.
وفى نفس الوقت، هناك تغييرات كبرى فى العالم ، تسارعت كثيرا بعد إنحلال الإتحاد السوفياتي الذى صار بعدُ رأسماليا – إمبرياليا، فى بداية التسعينات و بقاء الولايات المتحدة القوّة العظمى " الوحيدة القائمة " فى العالم. وإنتشرت عبر الكوكب موجة عملاقة من "العولمة " الإمبريالية معجّلة التوغّل والإدماج الرأسمالي الأعمق والأوسع لعديد أجزاء العالم و منتجة عديد الفظائع الجديدة ، بما فى ذلك الدمار البيئي المهدّد للكوكب. وجاء هذا مترافقا مع إنعكاسات تفكيكية و زعزعة و تدمير لأقسام كبيرة من البشرية ، لا سيما و ليس فقط ، فى الأمم المضطهَدة و حدثت هجرة كبرى ، هجرة عالمية و داخل البلدان المضطهَدة حيث إنتقلت أعداد كبيرة من السكان من المناطق الريفية إلى المدن بما تسبّب فى إنتشار مدن الصفيح. و خلقت هذه التطوّرات و التغيّرات البالغة الأثر فى الظروف تحدّيات جديدة للإستراتيجيا الثورية و النضال الثوري عبر العالم.
كلّ هذا يطرح ، من جديد، الحاجة العظيمة للشيوعية. فبينما لا توجد ولو دولة إشتراكية واحدة فى العالم ، توجد تجربة الثورات الإشتراكية
و توجد جملة أعمال ثرية للنظرية العلمية الثورية التى تطوّرت خلال الموجة الأولى من الثورات الإشتراكية علينا إعتمادها قاعدة لتشييد صرح جديد. بيد أن نظرية و ممارسة الثورة الشيوعية تتطلبان تقدّما لمواجهة تحدّيات هذا الوضع ، التناول العلمي وإستخلاص الدروس الضرورية من التجربة الشاملة للموجة الأولى من الثورة الإشتراكية و ما يترتب إستراتيجيا عن التغييرات الواسعة التى تجدّ فى العالم.
تولّى بوب آفاكيان هذه المسؤولية و طوّر جملة من الأعمال و المنهج و النظرة الشيوعيين تجيب عن هذه الحاجات و التحديات العظيمة.
لقد أنجز توليفا/تلخيصا علميا للموجة الأولى من الثورات الإشتراكية فى الإتحاد السوفياتي و فى الصين. و كنقطة إنطلاق دحض فكرة "موت الشيوعية"، مدافعا عن الإنجازات العظيمة لهذه الثورات. و طوّر أكثر تحليلا للمشاكل الحقيقية التى واجهتها فى المجتمعات التى "ورثتها" ، و فى إتخاذ الخطوات الأولى للتحويل الإشتراكي فى إطار عالم تهيمن عليه الإمبريالية. وهو يدافع بعمق عن السمة الرئيسية لهذه الثورات ، حلّل آفاكيان أيضا السمات السلبية فى هذه التجربة. و تضمّن هذا فحص كلّ من المفاهيم السياسية و الفلسفية التى قادت الموجة الأولى من الثورة الإشتراكية.
و تطلّب التوليف/ التلخيص العلمي لهذه التجربة ونقدها إعادة النظر و إعادة التركيب على أساس نظرة و منهج ماديين جدليين ، إنسجاما مع الحاجة لمواصلة الثورة و التقدّم نحو الشيوعية.
من هذا العمل ، طوّر آفاكيان توليفا/تلخيصا جديدا له عديد الأبعاد تشمل الفلسفة و السياسة والإستراتيجيا. فى مفهومه للمجتمع الإشتراكي ، يعتمد هذا التوليف/التلخيص الجديد بصلابة على تقدير تام للحاجة الجوهرية للبروليتاريا ، و على نحو مركّز عبر حزبها الطليعي، لقيادة سلطة الدولة و التمسّك بها بقوّة، ودون ذلك ستضيع كافة مكاسب الثورة و ستعود كافة فظائع الرأسمالية و بصفة ثأرية. و لكنه أيضا يتضمّن مفاهيما جديدة لكيفية
ممارسة القيادة الشيوعية و سلطة الدولة الثورية ليعبّرا تمام التعبير على الإمكانية التحرّرية للمجتمع الإشتراكي و ليتقدّم إلى أقصى حدّ ممكن ، فى كلّ لحظة، فى التحويلات صوب الشيوعية. و يتصوّر هذا أنه إلى جانب البناء على الأشكال الإشتراكية السابقة لتشريك الجماهير فى تسيير المجتمع الإشتراكي و فى ممارسة السلطة ، يجب أن يتسم المجتمع الإشتراكي بأكبر قدر من الخميرة و المعارضة من ذى قبل، و ليس فقط لأنه من المهمّ لأن يكون حيويّا حقيقة لكن خدمة لسيرورة تشريك أوسع الجماهير فى الجدال الممكن الأعمق للقضايا، لكي تتوصّل إلى الحقيقة على وجه أكمل و ليرفع وعيها و مشاركتها فى جميع مجالات المجتمع و تغييرها. و بينما لن يُسمح للرأسماليين المستغِلين السابقين للمجتمع بحقّ التنظّم ليعودوا إلى السلطة، فإن المعارضة بين صفوف الجماهير العريضة لمختلف السياسات و حتى للإشتراكية ذاتها لن تقمع بل سيجرى نقاشها و خوض الصراع معها طالما أن هذه المعارضة لا تتخذ شكل محاولات منظّمة للإطاحة بالدولة الإشتراكية.
و ينطوى هذا التوليف/التلخيص الجديد كذلك على تقدير أعظم للدور الهام للمثقفين و الفنانين خلال ( كامل السيرورة فى كلّ من متابعة آراءهم الخاصة و مساهمة أفكارهم فى الخميرة الأوسع- و كلّ هذا مجدّدا ضروري للحصول على سيرورة أغنى. و الدولة الإشتراكية بما فى ذلك الجيش و المحاكم يجب أن تكون مسؤولة أمام الحزب لكن أيضا عليها أن تكون مسؤولة أمام الدستور الإشتراكي الذى لا ينبغى للحزب أن يبحث عن
" تجاوزه " و الذى ينبغى أن يضمن حقوقا أساسية و إجراءات قانونية ، إلى جانب تحديد الأشكال الأساسية للدولة الإشتراكية وللإقتصاد فى مرحلة معيّنة من الثورة. و الغاية هي توفير إطار قانوني لمرحلة معطاة من التحويلات الثورية الجارية فى ظلّ الإشتراكية و للناس بضبط واضح و مؤسساتيّا للقوانين و الحقوق و لتوفير حيوية فكرية سويّة مع بعض " الهوامش ".
بإختصار ، فى التوليف/التلخيص الجديد كما طوّره بوب آفاكيان ، يتعيّن أن يوجد لبّ صلب و كثير من المرونة. و هذا ، قبل كلّ شيئ ،منهج
و نظرة تنطبق على نحو واسع جداّ. إنه قائم على فهم علمي بأن الواقع هو بالفعل ، حقيقة - وهو متكوّن من أشكال معيّنة من المادة فى حركة ، و لكلّ منها هويّة معيّنة- لكن فى نفس الوقت كلّ شيئ معيّن فى حركة و يتغيّر و يتفاعل مع الأشياء الأخرى فى مستويات مختلفة. وإستيعاب واضح لكلا المظهرين و تفاعلهما ، ضروري لفهم الواقع و تغييره، فى كافة المجالات وهو حاسم فى إنجاز التغييرات الثورية فى المجتمع الإشتراكي.
و هذا المنهج و هذه النظرة يقدّران الحاجة إلى قيادة بضمن ذلك تمييز الأوقات و الظروف التى يمكن و يجب فيها بوضوح وصلابة إستخلاص الدروس و تقديم القيادة مباشرة و بشكل حاسم جدّا. و يعنى هذا أيضا تحديد الأوقات و الظروف التى لا تستطيع و/ أو لا يجب أن تقوم فيها بذلك. وهذه النظرة إلى القيادة تقدّر أن هناك العديد من الظروف كذلك التى فيها درجة أكبر بكثير من "المرونة " ليست ممكنة بل ضرورية للغاية، قيادة تقدّر الحاجة للمبادرة و الإبداع و صراع وجهات النظر و الخميرة الواسعتين و تشجعهما. و لا وجود للبّ صلب دون مرونة أو مرونة دون لبّ صلب. فى ممارسة القيادة الثورية ، من الضروري التعلّم بينما نقود و نقود بينما نتعلّم. و من اللازم كلّ من العمل على توسيع لبّ صلب ( وهو نفسه يشهد تغييرات مستمرّة) و العمل على تشجيع المرونة لأكبر درجة ممكنة فى وقت معيّن بينما نبقى "مراقبة الثمن" بوضوح على الثورة و الشيوعية عبر كلّ هذا.
مطبّقة على المجتمع الإشتراكي ، هذه النظرة للبّ الصلب و المرونة الكبيرة تشمل الحاجة إلى لبّ قيادي متوسّع له وضوح بصدد الحاجة إلى دكتاتورية البروليتاريا و هدف مواصلة الثورة الإشتراكية كجزء من الصراع العالمي من أجل الشيوعية ، و مصمّم على مواصلة التقدّم بهذا الصراع خلال كافة الإلتواءات و المنعرجات. وفى نفس الوقت ، سيوجد بالضرورة العديد من الناس و التيارات المختلفة فى المجتمع الإشتراكي تدفع فى إتجاهات مختلفة و كلّ هذا سيساهم فى النهاية فى عملية التوصّل للحقيقة و بلوغ الشيوعية. و سيكون هذا أحيانا حادّا و ستكون صعوبة الإلمام بكلّ هذا ، فى أثناء مواصلة قيادة كلّ هذه السيرورة بإتجاه الشيوعية، كما وضع ذلك آفاكيان، تشبه التفكيك و التركيب مرارا و تكرارا. وكلّ هذا عسير لكنه ضروري وهو سيرورة مرحّب بها. إنه السبيل الوحيد للوصول إلى هناك، السبيل الوحيد لبلوغ الشيوعية. و مثلما لخّص ذلك آفاكيان نفسه :
" يتضمّن هذا التوليف/ التلخيص إعادة تفكيك و إعادة تركيب المظاهر الإيجابية لتجربة الحركة الشيوعية و المجتمع الإشتراكي إلى الآن، بينما يتمّ التعلّم من المظاهر السلبية لهذه التجربة ، فى الفلسفة و الإيديولوجيا إضافة للأبعاد السياسية لكي نحصل على توجّه و منهج و نظرة علميين أعمق و أكثر تجذّرا ♦ بشأن ليس فحسب القيام بالثورة وإفتكاك السلطة لكن أيضا ،نعم، لتلبية الحاجيات المادية للمجتمع و حاجيات جماهير الشعب ، على نحو متزايد ، فى المجتمع الإشتراكي، متجاوزين الندوب العميقة للماضى و مواصلين التحويل الثوري للمجتمع و فى نفس الوقت مساندين بنشاط الصراع الثوري العالمي و متصرّفين وفق الإعتراف بأن المجال العالمي و الصراع العالمي هما الأكثر جوهرية و أهمّية ، بصورة عامّة ، سويّة مع فتح مجال أفسح نوعيا للتعبير أمام الحاجيات الفكرية و الثقافية للناس، مفهومة بمعنى شامل،ممكّنين من إيجاد سيرورة أكثر تنوّعا و أغنى من الإستكشاف و التجربة فى حقول الحياة العلمية و الثقافية و الفكرية عامة ، زيادة على توسيع المجال أمام تنافس الأفكار و مدارس الفكر المتنوعة
و أمام المبادرات والإبداع الفرديين و حماية الحقوق الفردية بما فى ذلك مجال تفاعل الأفراد مع " المجتمع المدني" بإستقلال عن الدولة ،و كلّ هذا فى إطار تعاوني و جماعي مع الإبقاء فى نفس الوقت على سلطة الدولة و تطويرها كسلطة دولة ثورية فى خدمة مصالح الثورة البروليتارية ، فى بلد معيّن و عالميا وهذه الدولة تقود وهي العنصر المحوري فى الإقتصاد و فى التوجّه الشامل للمجتمع، بينما الدولة ذاتها تتغيّر بإستمرار إلى شيئ مختلف جوهريا عن كافة الدول السابقة ، كجزء من التقدّم الحاسم بإتجاه القضاء النهائي على الدولة مع بلوغ الشيوعية على النطاق العالمي"
( "القيام بالثورة و تحرير الإنسانية" الجزء الأول).
فى تناغم مع هذا التوليف/التلخيص الجديد و فى إرتباط به ، طوّر بوب آفاكيان ووسّع مبدأ قدّمه ماو تسى تونغ : الماركسية تشمل لا تعوّض ، شتى مجالات العلم و الفنّ ، فضلا عن مجالات أخرى من النشاط الإنساني ، فالشيوعية هي النظرة العلمية الأكثر نظامية والأشمل لكن هذا لا يعنى أن إمتلاك الماركسية و المنهج يساوى تماما إمتلاك الحقيقة بشأن أي شيئ معيّن. الشيوعية ليست دوغما. و النظرة و المنهج الشيوعيين ينبغى تطبيقهما على الأشياء المعيّنة ، على مختلف الحقول، على الواقع المتغيّر أبدا. و غير الشيوعيين ، بضمنهم معارضى الشيوعية ، سيكتشفون حقائقا معينة هامة لم يكتشفها الشيوعيون . لذا يجب على الشيوعية أن تشمل كافة الواقع و ليس فقط جزءا منه و عليها القيام بذلك بطريقة مفتوحة و علمية. يجب أن تتصل و تتفاعل مع مدارس التفكير الأخرى. و من خلال هذا النوع من الإلتزام – على إفتراض أن الشيوعيين يقاربونها كشيوعيين ، يمكن التوصّل بإستمرار إلى حقائق جيدة و الشيوعية ذاتها يمكن و يجب أن تثرى و تتعزّز.
بتوافق مع كلّ هذا ، ناضل بوب آفاكيان بثبات من أجل أن تفهم الشيوعية و تطبّق كعلم حيّ.
الشيوعية : توليف/ تلخيص حيّ :
مثلما عبّر عن ذلك بوب آفاكيان ، الشيوعية فلسفة و نظرية سياسية كاملين و فى نفس الوقت هي حيّة ، نقدية و علم مستمرّ التطوّر. ليس إضافة كمّية لأفكار أفراد لعبوا دورا قياديا فى تطويرها ( و لا يعنى أن كلّ فكرة و سياسة و تكتيك معيّنين إتبعوهما كانا خاليان من الخطإ). الإيديولوجيا الشيوعية توليف/تلخيص لتطوّر و بالخصوص للإختراقات النوعية التى أنجزتها النظرية الشيوعية منذ تأسيسها على أيدى ماركس إلى يومنا هذا.
و بما أن الشيوعية ، نظرية و حركة ثورية ، تنهض و تتقدّم لمواجهة التحدّيات التى يفرضها الواقع الراهن ، فإن حزبنا ، الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية يتمسّك تمام التمسّك بالتالى من كتاب بوب آفاكيان " من أجل حصار التنانين" :
" فى آخر التحليل ، كما عبّر عن ذلك إنجلز مرّة ، يجب على البروليتاريا أن تكسب تحرّرها فى ساحة المعركة. لكن ليس هناك فقط مسألة الكسب بهذا المعنى ، بل مسألة كيف نكسب بالمعنى الأشمل. واحدة من الطرق الهامّة و ربّما غير الملحوظة أو فى الأغلب لا تلاحظ إلا إلى حدود ،من خلالها يبحث العدوّ حتى عند الهزيمة ، عن الإنتقام من الثورة هي زرع بذور فشلها المستقبلي ما يجبر الثوريين على أن يصبحوا لأجل إلحاق الهزيمة به. يتلخّص الأمر فى ما يلى ، علينا أن نواجهه فى الخنادق و أن نهزمه وسط دمار فظيع لكن لا ينبغى علينا فى السيرورة أن نقضي على الإختلاف الجوهري بيننا و بين العدوّ. و هنا ينهض مثال ماركس بمثابة منارة لنا حيث قاتل مرارا و تكرارا و عن قرب إيديولوجيو البرجوازية
و مادحوها لكن أبدا لم يقاتلهم على طريقتهم أو بوجهة نظرهم، طريقة ماركس مبهجة مثلما هو ملهم هدفه. يجب أن نقدر على المحافظة على صلابتنا على المبادئ لكن فى نفس الوقت على مرونتنا ، على ما ديتنا و على جدليتنا ، على واقعيتنا و على رومنسيتنا ، على إحساسنا الجدّي بالهدف و إحساسنا بالمرح ".
-------------------------------
♦ كتب آفاكيان بعمق عن أهمّية " توجه و منهج و نظرة علميين أعمق و أكثر تجذّرا " [ أنظروا "القيام بالثورة و تحرير الإنسانية"]و عن " أهمّية الوحدة بين إستيعاب الماركسية و تطبيقها لتناول كافة الواقع ، من جهة و تطبيقها الخاص على قضايا القيام بالثورة ، من جهة أخرى" [ أنظروا "نظرة علمية للماوية ، نظرة علمية للعلم" ضمن كتاب "ملاحظات حول الفنّ و الثقافة، العلم و الفلسفة" " ص 89]
متحدّثا عن أهمّية التوليف/التلخيص الجديد على هذا الضوء ، شدّد آفاكيان على :
" غاية فى الأهمية هو عدم التقليل من أهمية التوليف/التلخيص وقوّته الإيجابية الكامنة : نقد أخطاء ونواقص هامة و القطع معها بينما نقدّم ونعيد بريق ما كان إيجابيا فى التجربة التاريخية للحركات الشيوعية العالمية و البلدان الإشتراكية التى وجدت إلى الآن، وبمعنى حقيقي نعيد إحياء – على قاعدة جديدة وأكثر تقدّما – قابلية نجاح ونعم الرغبة فى عالم جديد ومختلف جذريا ،و إقامة هذا على أساس أصلب من المادية الجدلية. إن
هذاالتوليف/التلخيص الجديد وثيق الإرتباط و متداخل مع القطيعة الرئيسية فى حقل الإبستيمولوجيا ، قطيعة مع الذرائعية و الماقبلية و الدغمائية
] POSITIVISME و التفكير الديني و الفلسفة الواقعية[
و التجريبية و البراغماتية وكذلك مع القومية فى مجال كيفية نظرنا لكافة سيرورة التقدّم صوب الشيوعية" [ " القيام بالثورة و تحرير الإنسانية" الجزء الأول].




















5
من أجل تحرير النساء و تحرير الإنسانية جمعاء
ألقوا نظرة على الكرة الأرضية. فى كلّ زاوية منها تشاهدون أن النساء يعاملن بدونية و يوضعن فى موقع خلفي.
من الصين...
حيث يحيّى الأطفال الذكور بحشود الإحتفال و البهجة . و الأطفال الإناث ، بالمناسبة ، تجلب التعازي و فى أغلب الأحيان توجه لنفايات القمامة وسط تلال القمامة السيئة...(1)
إلى السلفادور...
حيث تمنع النساء من دخول غرف إستعجالي المستشفيات إذا تمّ الشكّ فى أنهنّ أجهضن و حيث سجلاتهن الطبيّة إستولت عليها الدولة و حتى أرحامهن إستعملت كدليل للزجّ بهنّ فى السجون(2).
نحتاج إلى ثورة!
من بانكوك و بنغلور و مولدافيا...
حيث يجرى تماما إختطاف شابات أو تبيعهن عائلاتهن الجائعة ،أو يغرّر بهنّ بوعود تشغيل ثمّ يجرى بيعهن عبر الحدود إلى تجارة عبيد الجنس على نطاق غير مسبوق تاريخيا...
إلى الصين و فتنام و سليكون فالي ، الولايات المتحدة ...
حيث زوّد عمل النساء فى شبكة محلات العمل الشاق العالمية العقدين الأخيرين من التوسّع الرأسمالي ... و حيثن تعود الآن هذه النساء ذاتهن إلى منازلهن بيد فارغة و الأخرى لا شيئ فيها و قد إستهلكن جسديا ،و هنّ واقعات فى رحي الأزمة الرأسمالية.
نحتاج إلى ثورة!
من جيوب الإمتياز فى الضواحي...
حيث يجب على بنات الطبقة المتوسّطة أن تمضي حياتهن فى إصدار رسائل خاصّة متعارضة – أن تكون جذابات جنسيا لكن تحافظن على "نقاوتهن" ، أن تتسلّقن سلّم الترقية المهنية لكن عليهن التذكّر بأن الشيئ الأكثر أهمّية الذى يمكنهن القيام به أبدا هو أن تصبحن أمهات تضع عائلاتهن فوق كل شيئ آخر- و حيث فى بعض الأماكن يتجذّر تقديس توراتي للبكارة، بآباء يعطون لبناتهم "خواتم نقاوة" و الملايين تعلن "وعود الإمتناع" ، و حيث المراهقات يقطعن من غذائهن و يجوّعن أنفسهن إلى حدود الوباء.
إلى الشوارع البائسة لوسط المدن ...
حيث ضمن الأكثر إضطهادا ، نشأ جيل عل ثقافة تسخر من النساء و تعتبرهن "كلاب"و"ملك رجل" ،و بوضوح تشجّع على الدعارة و العنف ضد النساء ، و حيث على الرغم من إفتخارها ب "الحريات العظيمة" ، فإن الولايات المتحدة تضع بين جدران سجونها ثلث السجينات فى العالم(3)، وحيث يتمّ إقناع المراهقات بأن المعنى الوحيد و الذى له قيمة فى الحياة يكمن فى إمتلاك طفل ثم تجبر على تحمّل الفاقة و الإذلال و فى أغلب الأحيان تتخذ إجراءات يائسة و مذلّة لتغذية أطفالهن و حيث نساء من المكسيك وبلدان أخرى من أمريكا اللاتينية تواجه خطر الإغتصاب ، أو خطر الجوع و الموت فى الصحراء للمرور إلى "الشمال" لتتمكّن من العمل لساعات لا تنتهى لإعالة أسرهن فى وطنهن الأصلي ، وهنّ غالبا عُرضة للتحرّش الجنسي من قبل وكلاء الهجرة ورؤساء العمل و رجال آخرون يعلمون أنهن ضعيفات لا تمتلكن أوراقا قانونية.
نحتاج إلى ثورة!
من الأراضى التى مزّقتها الحروب...
حيث فى الكنغو كما فى البوسنة قبلها ، كان إغتصاب النساء جزءا منظما من الحرب الأهلية و حيث عشرات آلاف النساء
و الشابات إغتصبن بقسوة إلى درجة تمزّق دواخلهن و عدم قدرتهن على حمل مثاناتهن أو أمعائهن.(4)
إلى موقد العائلة ...
سواء فى الولايات المتحدة ،حيث تضرب إمرأة من قبل شريكها كلّ 15 ثانية و تقتل ثلاث نساء كلّ يوم من قبل الأحباء الغيورين و الأزواج القساة...(5)
أو فى مناطق من أفريقيا ،حيث تملى العادات أن تمزّق الأسر أطفالها ، قاطعة الأعضاء الجنسية للبنات البالغات لبتر الإحساس الجنسي مدى الحياة و "لتهيئتهن" لموقع "زوجة مناسبة و موالية" لا يغرّر بها للإبتعاد عن زوجها... أو الهند ، حيث مئات ، لعلّ آلاف النساء تحرق و تقتل سنويا من طرف الأزواج أو النساء ، بعد دفع المهر ( المال المدفوع لعائلة العروس) ...أو عبر العالم بأسره ،حيث تحثّ الأصولية الدينية و العلاقات الإجتماعية المتخلّفة ، على قتل الإخوة و الآباء للنساء لو "جلبن العار" للعائلة.
نحتاج إلى ثورة!
من "النذور المقدّسة"...
حيث "الملكة ليوم" ، العروس تلبس "الأبيض العذري" ضمن طقوس يوم الزفاف ، و قد تعزّزت تلك العادة اليوم إلى حدود الجنون فى بلدان مثل الولايات المتحدة . فى الواقع يسجّل ذلك اليوم مرور المرأة فى الغالب إلى حياة الكدح و التبعية المنزلية ،سواء كانت أم لم تكن تعمل كذلك خارج المنزل و غالبا حتى و إن كانت تتمتّع بمستوى تعليمي متقدّم و بموقع مرموق فى مهنة ما.
إلى " النصوص المقدّسة"...
التى فى كلّ دين من الأديان الرئيسية يتمّ تقديس إخضاع النساء عبر الأسطورة ( سواء تتسبّب فى " سقوط الرجل") و عبر الرمز ( القرآن و الشريعة اللذان يقدمان شهادة المرأة بنصف شهادة الرجل و يسمح للرجل بضرب زوجته و إستعمال السوط ضدّها لإبقاءها مطيعة) و عبر الصلاة ( صلاة اليهودية لرجل يشكر الإلاه لأنه لم يولد إمرأة).
نحتاج إلى ثورة!
من المهد...
و فيه منذ ولادتها تجد البنت نفسها فى مسار – رغم دعاوى أن فى البلدان "الحديثة " مثل الولايات المتحدة الأمريكية ، ليس هناك من حدود لما يمكن للبنات أن تصبحن- سيكون فى الواقع متميّزا بعديد القيود و المهانات ، يفرضها المجتمع على البنات و النساء.
إلى "الشيخوخة"...
حيث المرأة المسنّة فى كثير من الأحيان ، منسية و محتقرة و موضع سخرية و بخس ...
إلى اللحد...
تموت النساء سدى ،عند الولادة و فى حالات الإجهاض غير الآمنة وبعدم تقديم الرعاية الصحية و الغذاء أو الماء النظيف. تموت النساء موتا عنيفا على أيدى الأزواج و الإخوة و الآباء و النسباء و الجنود الغزاة و القوادين . تموت النساء بلا قيمة : توضع فى مواقع العمل الأكثر خطورة و مناطق الحرب و الشوارع دون أسماء.
نحتاج إلى ثورة –ثورة حقيقية-
الثورة الأكثر جذرية و تحريرا فى التاريخ!
إن مصنع إضطهاد النساء منحوت بعمق بأيدى النساء السجينات فى محلات العمل الشاق فى الصين و الهندوراس . إنه ملتفّ على وجوه الشابات فى العربية السعودية و أندونيسيا. إنه ينزع من أجسام الفتيات فى مولدافيا و بنكوك ،هذه الفتيات التى تباع فى المباغى حول العالم، وهو يلبس كالجائزة من قبل المراهقات فى الولايات المتحدة و أوروبا اللاتى يتمّ تعليمهن اللباس و التحرّك مثل عارضات الجنس حتى قبل فترة طويلة من فهمهن ما هو الجنس . إن جذور هذا الإضطهاد ممتدّة فى التاريخ و هي تشمل العالم بأسره وهي مزروعة فى كافة الأديان و "القيم الأخلاقية" المهيمنة و متوغّلة فى جميع مسام المجتمعات الإنسانية. إنه حجاب ثقيل يشيع ظلام الإنقسامات الإضطهادية الأولى للإنسانية على الحياة و الأحلام و الآفاق فى كلّ زاوية من زوايا الإنسانية فى القرن 21.
لا يمكن تبرير العيش هكذا على هذا الكوكب فى القرن 21 و لا يمكن قبوله. لا يمكن أن نتحمّل أي شيئ من هذا أو نجد له عذرا و نصبر عليه...

نعلنها : يكفى!
تحتاج النساء للإنعتاق . تحتاج النساء للتحرّر من آلاف السنين من قيود العادات . هذا بيان عام قائم على الإعتراف الواضح بأنه لكي تتقدّم الإنسانية ككلّ ، يجب أن تحرّر نصف الإنسانية من قرون من وجودها ملكا للرجال و مستغلِّة بلا رحمة ، مهانة و مذلِّة بآلاف الأساليب.
النساء لسن مربيات. النساء لسن كائنات دونية. النساء لسن أشياء خلقت للمتعة الجنسية للرجال. النساء بشر قادرات على المساهمة التامة و على حدّ سواء فى مجالات العمل الإنساني كافة. عندما تهان النساء، فإن الإنسانية قاطبة تمنع من التقدّم. على النساء أن تكسب تحرّرهن و لا يمكنهن التحرّر إلا عبر تغيير العالم و تحرير الإنسانية جمعاء ثوريا و عبر التحوّل إلى قوّة محرّكة شديدة فى هذه الثورة.
فى الوقت الذى يعلن فيه الكثيرون أن إيجاد "أرضية مشتركة" مع الأصوليين الدينيين أمر ضروري ، أو حتى مرغوب فيه ، فإن هذا البيان يرفض و لن يساوم على إستعباد النساء . ليس لهذا البيان صبر على الذين يقولون لنا "كونوا واقعيين" فى حين أنّ ما يعنونه هو الإصلاح فى إطار الحدود المروّعة للعالم كما هو حاليا. يعلن هذا البيان الإفلاس الأخلاقي و الإيديولوجي للذين يدّعون عباءة تقدّم النساء و يعنون فقط "دخول" العالم كما هو. لخوض ما لا يمكن أن يكون إلا معركة خاسرة و منحرفة من أجل "حقوق" النساء فى المساواة فى إدارة إمبراطورية ، مستغِلَّة الآخرين، أو حتى أسفل إلى مستوى مذلّ من إمتلاك تسويق أجسادهن الخاصة كسلع جنسية.
مثلما يجرأ على قوله عدد قليل من الناس، فإن هذا البيان العام يدعو إلى شيئ غير مرئي لأجيال: سيل لا يساوم من النساء و الرجال فى العالم يرفضون رؤية النساء مضطهدات و عرضة للضرب و مسجونات و مهانات و مغتصبات و منتهكات و متحرش بهن جنسيا و مستغلات و مقتولات و مبصوق عليهن و مرمى عليهن الحامض و مجلوب عليهن العار و مبخوسات القيمة بصفة منظمة.
هذا البيان العام ينادى بالثورة – ثورة تتخذ من التحرير التام للنساء حجر زاويتها، ثورة تطلق العنان لغضب النساء كقوة جبارة ، و ثورة تدرك مدى مركزية هذه المسألة بالنسبة للقضاء على كافة العلاقات الإجتماعية الإستغلالية و الإضطهادية و على الإهانة و الإفكار التى تنسجم معها ،ضمن البشر ككلّ ،عبر العالم بأسره.
هذا البيان بيان شيوعي يدعو إلى حركة ثورية يقودها محررو الإنسانية. هذا و لا شيئ أقلّ منه هو التحدّى الذى نرفعه أمامنا.
إضطهاد النساء ليس " طبيعيا ": إنه مرتبط بإنقسام المجتمع إلى مستغِلِّين و مستغَلِّين و تنسجه و تؤبده الرأسمالية "الحديثة"...
و قد نشأنا فى مجتمع ما ، من السهل التفكير فى أن نمط عيشنا ، و الأفكار التى نعتنقها و العلاقات اليومية التى نعتاد عليها ، ببساطة فقط "طبيعية" أو حتى ،كما يقال لنا فى غالبية الأحيان أنها مقدّرة من إلاه ما و كائنات أو قوى خارقة أخرى. من المحتمل أنه ليس من مجال ينسحب عليه هذا قدر ما ينسحب على طريقة تفكير الناس بشأن الأسرة بالإضافة إلى العلاقات بين الرجال و النساء.
لكن لا وجود لشيئ ثابت، لا يتغير و لا وجود لنظام طبيعي – إلاهي أو بيولوجي . فتاريخ الأسرة مثل "الطبيعة الإنسانية" ذاتها، شهد تغييرات مستمرّة. كانت أكثر المجتمعات الإنسانية البدائية تنسب الأطفال إلى الأم. و بينما كان فى هذه المجتمعات تقسيم للعمل بين النساء و الرجال مستند بشكل كبير على دور النساء فى الولادة و ضرورة الرعاية المطولة للمولود فى ذلك الوقت ، فإنها لم تؤسس علاقات إضطهاد أو هيمنة بين الرجال و النساء . لكن فقط مع تطوّر قدرة المجتمع على إنتاج فائض على ما كان ضروريا لمجرّد البقاء قيد الحياة، و ظهور الملكية الخاصة على ذلك الأساس ، إنقسم الناس إلى مستغِلّين و مستغَلين و ظهرت الدولة لتفرض هيمنة طبقة على طبقة أخرى. وبإرتباط بذلك التطوّر حدث تغيير أعمق فى تقسيم العمل الأصلي بين الجنسين إلى علاقة إضطهاد و هيمنة ذكورية على النساء.
و ظهرت الأسرة و مؤسسة الزواج ، أولا ليس كمشاركة رومنسية بين الذكر و الأنثى و مجال لتنشأة الأطفال و الإهتمام بهم لكن كوحدة إقتصادية و إجتماعية دعمت علاقات الثروة و السلطة ضمن المجتمع بالإضافة إلى خطوط الميراث التى عبرها يحافظ على الثروة و السلطة المراكمتين، أو القليلتين من جيل لآخر. جذر كلمة "عائلة"/أسرة يكشف إلى حدّ كبير وظيفتها الأولى. فأصله هو الكلمة اللاتينية "فاميليا" ( بمعنى "عائلة العبيد") المستعملة فى روما القديمة و هو يشير إلى العائلة التى على رأسها ذكر وهي تتضمن ليس العبيد و الخدم فحسب بل أيضا الزوجات و الأبناء و تعدّ ملكا للرجل الذى كان له على الجميع سلطة الحياة و الموت.
منذ ظهور الملكية الفردية للثروة المنتجة إجتماعيا و سوية مع ذلك ، إنقسام الناس إلى طبقات ،إنقسام يقوم على الأدوار المختلفة فى إنتاج تلك الثروة و على الحصّة الصغيرة أو الكبيرة من الثروة التى يتمّ الحصول عليها، كان يتوقّع ان تحافظ النساء على بكارتهن قبل الزواج و ثمّ تصبح أمهات تلحق بصورة مطلقة و تحوّل آماهن و أحلامهن إلى إرضاء الزوج
و تربية أطفاله. و النساء اللواتى فشلن أو رفضن القيام بذلك إعتبرت "عاهرات" أو بطريقة أخرى جرى إذلالهن و إضطهادهن ،و أخضعت للإحتقار و غالبا للعنف و لا تعتبر مفيدة إلا كأجسام للمتعة الجنسية و للنهب، أو جميعها معا.
و عبر تشكيلة من الثقافات و الحقب و الأساطير الدينية ، من الوجوه التوراتية إلى مريم العذراء و جيزابال إلى "إيقونات موسيقى البوب" مثل بريتنى سبيرز و إنتقالها الذى غطته الصحف الشعبية ، من براءة الطفولة إلى الغاوية المحتقرة، هذان النموذجان ، من "المرأة العفيفة" و "العاهرة" قد ترسخا (و أحيانا جرى دمجهما بشكل منحرف كما هو الحال بالنسبة لصورة "العاهرة العفيفة" – "الفاتنة" على الدوام لكن بعيدة المنال- التى خلقها صانعو "الثقافة الجماهيرية" فى بلدان مثل الولايات المتحدة).و من الهجوم الديني الحالي على الإجهاض و مراقبة الولادات إلى الشبكات العالمية للإستعباد الجنسي و الدعارة ،هذان النموذجان يواصلان تشويه حياة البلايين على هذا الكوكب و يسممان الجوّ الذى يرتبط فيه كلّ ذكر و أنثى.
بهذه الطريقة ، لآلاف السنوات ، جيل بعد جيل من النساء و البنات، أي نصف الإنسانية، بدّدت و خنقت إنسانيتها و قدراتها و مزّقت نفسياتهن و حياتهن. تمّ تقليصهن إلى لا أكثر من قدرتهن البيولوجية على تربية الأطفال و فائدتهن للرجال.
هذا هو الجذر الحقيقي للأسرة الذى يدافع عنه على أنه حجر الزاوية فى البناء الإجتماعي . لهذا صارت حقيقة الحياة العائلية لعديد النساء سجنا مليئا بالمهزلة القاسية من الحبّ و الحنان و الدعم المطلوبين فى الأصل . لهذا حتى حيث يتجمّع الناس على أساس أواصر حبّ حقيقية و رغبة حقيقية فى المساواة و الإحترام ، فإن كيفية هيكلة العائلة و المجتمع ، كجزء من علاقات الهيمنة و الإستغلال و الإضطهاد الشاملين السائدين فى كلّ جزء من عالم اليوم ، تدفع الناس فى أغلب الأحيان إلى أدوار عاهدوا أنفسهم أنهم لن يقبلوا بها. لهذا كله العائلة، بالنسبة للعديد من النساء بالإضافة إلى الأطفال، مجال سحق و إذلال و رعب.
وحشية و قيود العائلة هذه ليست خيانة لمؤسسة رومانسية و محبوبة و عزيزة. إنها جذورها الفعلية و دورها المستمرّ فى مجتمعات اليوم ، سواء "المتخلّفة" أو "الحديثة" ، مفسدة و لاوية عنق حتى أفضل نوايا الناس.
يرتبط الإنقسام السابق للمجتمع إلى مستغِلين و مستغَلين ، مع بعض الناس يأسرون و يستعبدون البعض الآخر، بظهور العلاقات الإضطهادية بين الرجل و المرأة ( أخذ النساء "غنائم حرب" و إستعمالهن جواريا –عبيد جنس- لعب دورا هاما فى ظهور علاقات سيد/عبد. و جرى تقديس هذا ،و فى الحقيقة الإحتفال به، فى " النصوص المقدّسة" للأديان الكبرى، مثل الكتب المقدّسة "اليهودية –المسيحية" و قرآن الإسلام.
منذ زمن مجتمعات العبيد القديمة حيث كان الإقتصاد يعتمد على الزراعة و/أو تربية قطعان الماشية ،فإن إمتلاك عدد كبير من الأطفال كان مهمّا لمالكي الأراضي الذكور و الملاكين الآخرين كمصدر عمل لفلاحة الأرض أو رعاية القطعان و فى حال الذكور ، مصدر للمحاربين ينفذون الغارات و المعارك ضد القبائل و القرى المنافسة أو يشنون الحروب ضد الإمبراطوريات المنافسة. و الدور الأساسي للعائلة و بالخصوص للمرأة ( زوجة و أم) داخل الأسرة ، هو تزويد رئيس العائلة الذكر بالأطفال و تربيتهم لينهضوا بدورهم بأدوارهم "الخاصة" ، وفق تقسيم العمل فى المجتمع ، بما فى ذلك تقسيم العمل بين الرجال و النساء للحفاظ على و تأبيد علاقات الملكية السائدة ،التى فيها أطفال الرجل و كذلك زوجته ملك له،
و هذا يفرضه القانون أو على الأقلّ التقاليد و العادات و الأعراف السائدة. و هكذا كانت العائلة "خلية" للمجتمع الأوسع ،
و كانت حاسمة فى إعادة إنتاج ليس أفراد ذلك المجتمع فحسب بل أيضا لهيمنة العلاقات الإجتماعية ( بما فى ذلك الملكية أو عدم الملكية) ،علاقات لامساواة و إستغلال.
و حيث حلّ التصنيع و حلّت الرأسمالية محلّ الفلاحة و تربية قطعان الماشية كأهمّ قاعدة للإقتصاد ،واصلت العائلة لعب دور جوهري ك"خلية" للمجتمع، ناهضة بدور مركزي فى الحفاظ على وإعادة إنتاج العلاقات الإستغلالية و الإضطهادية التى تميّز الرأسمالية. و الرأسمالية شكل من أشكال المجتمعات فيه تنتج ضرورات الحياة و السلع و الخدمات عموما و يتمّ تبادلها كسلع، أشياء تشترى و تباع. و فى هذا المجتمع ،القدرة على العمل ( قوّة العمل) ذاتها تمسى سلعة : تباع القدرة على العمل ،إن أمكن العثور على العمل، إلى ربّ عمل رأسمالي ليستعملها لصالحه، مقابل أجر أو راتب.
و ينغمس الرأسماليون فى المنافسة الحادة مع الرأسماليين الآخرين و لا يستطيعون الهروب منها مدفوعين بضرورة التوسّع أو الموت.و يبحث الرأسماليون عبر سيرورة إستعمال قوّة عمل الآخرين (الذين لا يملكون راسمال) عن الزيادة المستمرة فى مراكمة راسمالهم. و فيما تتطلّب الرأسمالية فئات مختلفة من الناس يخدمونها و يخدمون نظامها السياسي و آخرين أدوارهم ضرورية ( و فى كلّ الأحوال تنسجم مع) الهيكلة و التواصل الشاملين للمجتمع الرأسمالي، بعضها يحصل على أجر جيّد ، فى قاع السلّم الإجتماعي ،على نطاق واسع و مركّز يلقى الذين ينفذون سيرورة الإنتاج الفعلية ، مزيدا من الإستغلال بلا رحمة لهؤلاء العمال (البروليتاريين) ومن خلال ذلك يبحث الرأسماليون عن الزيادة المطّردة لقسمهم من رأس المال. و إذا لم يقوموا بذلك على أساس الضرورة فإنهم يعرضون أنفسهم للإنهيار. و مقابل هذا ، يحصل الذين يستغلهم الرأسماليون على هذا النحو على أجر يكفى فقط لبقائهم على قيد الحياة ولبقائهم فى ظروف تمكّنهم من مواصلة العمل – و الإستغلال- و لتنشأة أجيال جديدة تكون فى الموقع نفسه. هذه هي القاعدة و هذا هو المنطق الأساسيين للرأسمالية. و أحيانا ، فى توافق مع متطلبات مراكمة رأس المال، يصرف الرأسماليون جزءا من قوّة عملهم ، بينما يستغلون بأكثر حدّة الباقين أو يغلقون المصانع بأكملها و يوجهون رأس المال إلى مجالات الإقتصاد أو المناطق أو أنحاء العالم ،أين الناس أكثر عرضة للإستغلال و أين تبدو أفاق "إستثمار مربح" أكثر.
و اليوم أكثر من أي وقت مضى ، يحدث هذا على نطاق عالمي، و ضحايا الرأسمالية هم الناس الفقراء و المستغَلين بلا رحمة بشكل كبير فى ما يسمى بالعالم الثالث لأمريكا اللاتينية و أفريقيا و آسيا. لكن حتى داخل بلاد مثل الولايات المتحدة ، هناك جماهير المفقرين و المستغًلين و المضطهدين بمرارة ،و هم يعدّون عشرات الملايين.
فى إطار العلاقات الأساسية للرأسمالية ، أجر أو راتب المستخدمين "يمرّ" عبر مؤسسة العائلة : تلبى الحاجيات و المتطلبات عبر الأسرة ( إلى الدرجة الممكنة) و تربى الأجيال الجديدة و يعاد إنتاج مجدّد ليس فقط للسكان و إنما أيضا للعلاقات السائدة، للامساواة و الإستغلال، فى المجتمع ككلّ . و فى إطار الرأسمالية ،حتى حيث يمكن لعديد النساء أن تحصل على وظائف ، كاسبة أجرا و راتبا فإن جماهير النساء لا يمكنها الهروب من الإنقسامات الكبرى فى المجتمع، بما فى ذلك التقسيم الإضطهادي للعمل بين الرجال و النساء ، فيه تواصل النساء تولى المسؤولية الأساسية فى تربية الأطفال
( و تمنح العناية الأساسية لأعضاء الأسرة من كلّ الأعمار) و تقيّم جوهريا من ناحية فائدتهن للرجال، كأمهات و زوجات
و أجسام للمتعة الجنسية. و هذه العلاقات موروثة لآلاف السنوات عن المجتمع البطرياركي/الأبوي ( الذى يهيمن عليه الذكور) و تتعزّز ليس فحسب بتقاليد قوية لكن أيضا بسير الرأسمالية و تأثيراتها ذاتها،التى فيها كلّ شيئ حتى العلاقات الزوجية و العلاقات الجنسية ، علاقات جوهرية للملكية و لتبادل السلع و التى عبرها الجانب الوحيد و الجانب الذكوري هو الذى يواصل الهيمنة . حتى إن تركنا جانبا التعبير الفجّ لهذا ، فى أشياء مثل "إتفاقيات ما قبل الزواج" ، كم من الزيجات أو العلاقات الحميمة الأخرى بين الرجال و النساء فى هذا المجتمع ، لا تعنى ، من ناحية الرجل ، أن مطلب الجنس ( بالإضافة إلى صيانة العائلة و تربية أطفاله) مقابل أن يكون عائلا للأسرة ( و لربما نادرا ما يكون معينا فى الشؤون المنزلية) و من ناحية المرأة الإستسلام للجنس ( و "خدمات" أخرى للرجل) مقابل الأمن المالي ( أو ببساطة البقاء قيد الحياة)؟
لماذا نجد أن الدعارة ميزة مشتركة بين كلّ المجتمعات القائمة على الإستغلال و التى تشمل كجزء رئيسي من ذلك ، علاقات و تقاليد النظام الأبوي و الهيمنة الذكورية؟ لماذا نجد أن البرنوغرافيا سوية مع الدعارة ،و كل مهانة النساء التى تنطوى عليها ، واسعة الإنتشار جدا فى بلد مثل الولايات المتحدة ؟ لماذا توجد "معايير مزدوجة" حسبها تعتبر الأنثى التى لها علاقات جنسية مع عديد الناس مذمومة ك"فاسقة" فيما الذكر الذى يقوم بالشيئ نفسه يحتفى به ك" فحل" ؟ هذا إمتداد لعلاقات الملكية الأساسية بين الرجال و النساء و بالخصوص علاقات الزواج التى عبرها يبحث الرجال عموما عن مراقبة النشاط الجنسي لزوجاتهم و فى نفس الوقت يريدون – و يشعرون بأن "لهم حقّ" المتعة الجنسية و إذا إعتقدوا أن الجنس مع زوجاتهم لم يعد يرضيهم لا يحاولون التعامل مع هذا بالبحث عن علاقة أكثر حبا و ألفة مع زوجاتهم لكن بدلا من ذلك يشعرون بأنهم منقادون و قادرون و مشجعون على التوجه إلى نساء أخريات للمتعة الجنسية ،بما فى ذلك فى شكل الدعارة و / أو البرنوغرافيا. و يتفادى الرجال الزواج أو يأخرونه لما يفرضه عليهم نظريا من "تعقيدات" و " قيود" وضمنها "قيود" الزواج الأحادي ،و يفتشون عوض ذلك ،عن المتعة الجنسية دون إلتزامات، فى لقاءات مناسباتية و عبر البرنوغرافيا و/أو الدعارة. و لماذا هناك نساء متوفرات يمكن إستعمالهن و إنتهاكهن من خلال الدعارة و البرنوغرافيا؟ لأن كنتيجة للطبيعة الجوهرية و طرق سير النظام القائم على دفع الرأسماليين إلى المراكمة المستمرّة لمزيد من رأس المال –
و بالعلاقات الإضطهادية المرتبطة به ، لا سيما الهياكل و التأثيرات الإيديولوجية للنظام الأبوي و الهيمنة الذكورية،- هناك أعداد كبيرة من النساء الفقيرات و اليائسات و الضعيفات ، يمكن الإيقاع بهن و خداعهن و محاصرتهن و إختطافهن
و ضربهن و حقنهن بالمخدرات و طرق أخرى لإجبارهن على بيع أجسادهن و بسبب الثقافة المهيمنة التى تشجع عليها البلدان الرأسمالية ، فى كل مناسبة ، فكرة أن أجسام النساء سلعة و تكيف و تشجع ليس الرجال فحسب و إنما النساء ذاتهن على رأيتهن و إستعمالهن كسلع. و فى عالم اليوم ، هناك ظاهرة عالمية ، بملايين و ملايين النساء و حتى ببنات شابات تورّط و تعنّف فى تجارة جنس عالمية و فى "صناعة الجنس" التى هي مصدر بلايين الدولارات من الأرباح و رأس المال.
إلى جانب كلّ هذا ، ثمة حوادث شائعة للغاية ، فى بلد مثل الولايات المتحدة ،حيث تسعى المرأة للإنفصال عن زوج أو خليل سيّئ ، فيطاردها هذا الأخير و حتى يقتلها ،و أحيانا يقتل معها أطفالها. هذا أيضا تعبير ،بشكل متطرّف، عن العلاقات و التقاليد التى فيها المرأة و الأطفال ملك للرجل، إنه إفراز للعقلية القائلة إذا لم يعد يستطيع التحكم فى هذه الملكية فلن يتحكّم فيها أحد! هذه هي العقلية الأساسية وهي تعكس نفس نوع العلاقات الإضطهادية شأنها فى ذلك شأن ما يحدث فى ثقافات أخرى حيث تقتل المرأة أو البنت غير المتزوجة من طرف أعضاء ذكور من عائلتها الخاصة ،لأنها "فقدت عذريتها" و لذا ، حتى و إن كان ذلك نتيجة إغتصاب، تخفض قيمتها كملكية عائلتها و أبوها بشكل خاص يعوّل على تبادلها ضمن ترتيبات الزواج.
المسألة بشأن كل هذا ليست أنه جوهريا "خطأ " الرجال أو أن "الرجال هم الأعداء". بالأحرى ما يعكسه هذا و يكشفه هو أن العلاقات ضمن البشر التى تطوّرت طوال آلاف السنين ، منذ زمن ظهور الملكية الفردية للأرض (ووسائل إنتاج أخرى) و تقسيم المجتمع إلى مستغِلين و مستغَلين ،هو أنها كانت و تبقى قائمة على الإضطهاد ... و أن الرأسمالية هي الأخيرة و التجسيد المتطوّر جدا لهذه العلاقات الإضطهادية ... و أن الإطاحة بالرأسمالية و الإجتثاث مثل هذه العلاقات و القضاء المبرم عليها ، فى كلّ مكان من العالم ، لمصلحة الأغلبية الساحقة للبشر ، الرجال و كذلك النساء ... و أن تحرير النساء هدف حيوي و جزء حيوي أيضا و يجب أن يكون كذلك ، من النضال للقضاء النهائي على كافة هذه العلاقات الإضطهادية.
دمجت الرأسمالية بالخصوص كما تطورت على نحو متزايد كنظام رأسمالي إمبريالي عالمي ،ضمن سيرورتها الشاملة لمراكمة الثروة و رأس المال، عديد علاقات الإستغلال و الإضطهاد ما قبل الرأسمالية خاصة فى ما يسمى بالعالم الثالث ،الممتدّ ،و ضمنها إضطهاد النساء هذا بأشكال يشجعها بصوت عال المدافعون عن الرأسمالية "الحديثة" و "التنويرية" و "الديمقراطية" ،و فى نفس الوقت تزدهر هذه الرأسمالية "الحديثة" و "التنويرية" و "الديمقراطية" و ليس بمقدورها الإزدهار دون تلك الأشكال بالذات من الإضطهاد و التى تعمل بالتالى على الحفاظ عليها فى المناطق "المتخلفة "من العالم الذى تهيمن عليه و تستغلّه، إلى جانب الإبقاء على أنماط معينة من الإستغلال و الإضطهاد بما فيها إضطهاد النساء ، التى هي عميقة فى نسيج هذه البلدان الرأسمالية ذاتها. و يعدّ منتهى التفقير والمهانة اللذان تواجههما الجماهير الشعبية فى كافة أنحاء الأحياء الفقيرة والأرياف الممتدّة من ما يسمى بالعالم الثالث ، بمثابة شريان حياة نظام مصّاص الدماء ،النظام الرأسمالي الإمبريالي. و هذه الجماهير على ما يبدو مصدرا لانهائيا لليأس و أكثر قابلية للإستغلال و فى عيون المستغِلين بشر "لافائدة منهم بعد الإستعمال" ، و يستعملون و يستغلون متى كان الأمر مربحا و و للتخلص منهم عندما تبدو مصادر أخرى للإستغلال أوفر ربحا. و ضمن كلّ هذا ، إستغلال و إضطهاد النساء لا غنى عنه بالنسبة للرأسمال الإمبريالي، كمصدر ل"العمل الرخيص" و لتنشأة و تربية أجيال جديدة من "العمل الرخيص" . هذا بالأساس سبب عمل الرأسمال الإمبريالي "الديمقراطي" و "التنويري" على عدم القضاء بل بالأحرى على تأبيد ليس الأشكال "الحديثة" فقط و إنما أيضا "القروسطية" لإضطهاد النساء.
بإختصار : ورث المجتمع الرأسمالي "الحديث" ،أو فى الواقع النظام الرأسمالي الإمبريالي العالمي ، إضطهاد النساء من المجتمعات القديمة التى من صلبها ولدت الرأسمالية و بينما غيّر بعض أشكال إضطهاد النساء ،لم يُزل و لا يستطيع إزالة هذا الإضطهاد ، وأدمج الأشكال ما قبل رأسمالية لهذا الإضطهاد ،فى عديد مناطق العالم، لا سيما ما يسمى بالعالم الثالث،بالنظام العالمي الشامل للإستغلال و الإضطهاد وهو يؤبّد كلّ هذا عبر العلاقات الجوهرية ، وسيرورة المراكمة القائمة و السير العام للنظام الرأسمالي الإمبريالي ذاته.
إضطهاد النساء غير ضروري مطلقا :
الثورة طريق الخلاص و طريق المضي إلى الأمام
لم تعد توجد حاجة لأن يكون دور النساء فى المجتمع مفروضا بالدور البيولوجي فى الحمل و الولادة . لم تعد توجد حاجة للإنسانية أن تأسرها التقاليد الأبوية و الأخلاق الدينية الإضطهادية . اليوم، هذا جنون و قاسي مثلما هو غير ضروري بالمرّة .
لأول مرّة فى تاريخ الإنسانية ، من الممكن ليس الحلم فقط بل تحقيق عالم لا يتميّز بإخضاع نصف البشرية. و اليوم ، من الممكن كسر القيود التى تربط النساء بالإضافة إلى إجتثاث و تجاوز الإنقسامات الطبقية ذاتها و ما يتناسب معها من تقاليد تدافع عن إضطهاد النساء و تعزّزه.
الرأسمالية ، بتطويرها للتقنية و النقل و الإتصالات ووسائل الإنتاج الهائلة ،خلقت القاعدة المادية لكافة الإنسانية لتعيش فى وفرة جماعية – إذا سُحبت وسائل الإنتاج هذه من أيدى الطبقة الرأسمالية الحاكمة ووُضعت فى خدمة الإنسانية و إذا
غُيّرت العلاقات بين الناس و الأفكار كذلك تغييرا راديكاليا.
و هذا يتطلّب ثورة أي يتطلب الإطاحة بهذا النظام و الطبقة الرأسمالية –الإمبريالية التى تجسده و تسيّره و تركيز سلطة دولة ثورية جديدة.
مثلما يشرح ذلك " القانون الأساسي للحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية ":
" على هذه السلطة الثورية الجديدة أن تصادر على الفور ممتلكات وسلطة الطبقة الرأسمالية-الإمبريالية. و على الفور ستشرع فى تلبية أكثر حاجيات الشعب إلحاحية و ستحلّ ما كانت تبدو إلى الآن مشاكلا "عصيّة على الحلّ". و ستقوم بكل هذا خدمة ل و كجزء من شيئ أعظم هو الثورة العالمية ، المؤدية للتحرير الشامل للإنسانية جمعاء. وهذه السلطة الجديدة كدولة إشتراكية متجذّرة فى النشاط الواعي لعشرات الملايين من الناس، ستنطلق فى سلسلة من النضالات الأخرى لإجتثاث جذور الإستغلال والإضطهاد فى كافة المجالات ، من الإنتاج إلى المؤسسات الإجتماعية إلى الأفكار، فى سيرورة مليئة بالتحدّيات العظيمة و بالحيوية و التنوّع الحقيقيين. " (6)

وفى إنسجام مع كلّ ما قد أكدنا عليه أعلاه هنا ،سيكون أحد أحجار زاوية - و هدف جوهري و قوّة محرّكة -هذا التغيير التاريخي للمجتمع و بالفعل العالم كلّه ،الكفاح من أجل تحرير النساء تحريرا تاما.
☼ ☼
اليوم ، دُفن تاريخ الثورة الشيوعية و نُثر عليه الإزدراء .و إعتبره مدّعو أبطال التقدّم مشروعا فاشلا . لكن إذا وجب تقييم أي نظام على أنه فشل كبير لتبذيره و سلبه الإنسانية ككل و النساء بوجه خاص، فذلك النظام هو النظام الرأسمالي. و كما رأينا ، لم تحرّر الرأسمالية النساء ، بالكاد أخذت إضطهاد النساء الساحق فى القدم و جدّدته و دمجته ضمن أكثر الأشكال التنظيمية للإنسانية إضطهادا و تفقيرا جماهيريا عرفته الكرة الأرضية. و كلّ يوم توسّع الرأسمالية ثروتها و تطحن حياة
و أجسام الملايين و تدفعهم إلى النسيان كنفاية إنسانية ،وهي لا تترك أي منطقة من الكرة الأرضية بعيدة عن هذا المسار.
على الرغم من حقيقة هذا الرعب و حقيقة أنه نتاج النظام القديم العهد الذى نعيش ضمنه ، نجد الإنهيار و الإستسلام التام ل"حدود الممكن" من ناحية أولئك الذين رفعوا مرّة راية تحرير النساء.
فى الوقت الذى يتعلّق فيه الحق الأساسي للسيطرة على متى و ما إذا يجرى الحمل ، بخيط ،فى الوقت الذى يقع فيه الإجهاض و حتى مراقبة الولادات تحت النار ، نادرا ما تستطيع الحركة "النسائية" حتى أن تنبس بكلمة إجهاض و تعترف بصورة خاطئة و شنيعة بأن هناك شيئ خاطئ أخلاقيا. مثل هذه " التسويات " نسيت ، أو إبتعدت عن الحقيقة الجوهرية أنّ النساء اللاتى منعن حق و قدرة التقرير بأنفسهن ما إذا و متى يجرى الحمل ، و اللاتى لسن لهن حتى إجراء سيطرة على أجسادهن ، قد تحوّلت إلى وضع بمثابة العبودية.
زمن أزمات غذائية هائلة و أزمات إقتصادية شاملة و حروب إمبريالية تسلب حياة الملايين ، فى الوقت الذى هناك حاجة أكبر و أكثر إلحاحية من أي وقت مضى ، لإيجاد عالم مختلف راديكاليا فيه تكسر قيود الإنسانية جمعاء ، ها هي " القيادات النسائية " لا تهدف سوى إلى النضال من أجل تمكين النساء منفردات من " الحصول على" فوائد التواجد فى غمرة " كلب يأكل كلبا " و حتى اللاتى تكرّسن حياتهن لتحسين وضع النساء المضطهدات و الأفقر تقمن بذلك بآمال و جهود ما زالت مرتبطة بالنظام الإضطهادي الحالي ، وهي مهمّة يائسة و مثيرة للإحباط حقّا.
المساواة و تحرير النساء لم يتحقّقا و لا يمكنهما أن يتحققا فى ظلّ هذا النظام : ما أنجزته و ما لم تنجزه حركة تحرير النساء فى الستينات و بداية السبعينات
لفهم هذه النظريات المنخفضة الأفق ، من اللازم الحديث عن بعض التقدّم و كذلك نواقص حركة تحرير النساء التى شكلت ، إلى درجة هامة جدا ، الثقافة فى الولايات المتحدة فى الستينات و السبعينات و كذلك بعض التطورات الرئيسية منذ ذلك الحين.
أولا و الأهمّ هو أنه كان نضالا إيجابيا للغايةَ !
من الصعب على الناس الذين لم يعيشوا تلك الأوقات أن يفهموا كم كانت الأمور شنيعة حقّا بالنسبة للنساء فى الخمسينات فى الولايات المتحدة. وراء الوجوه الرومانسية ل " الأب يعرف أفضل" للنعيم المحلى ، كانت النساء تحيا حياة حنق ووحشية. كان الملايين منهن مقيدات فى كآبة عميقة و عزلة جنونية. و كان تفاعلهن الإجتماعي محدّدا ،إلى درجة كبيرة فى أبنائهن و كانت آفاقهن المفترضة لا ترتقى أعلى من "تدبير جيّد للمنزل". كان الإجهاض و تحديد النسل ( أو على الأقل عديد أشكال تحديد النسل) غير قانونية فى الكثير من الولايات و لم يوجد حق عام فى البلاد لمراقبة الولادات أو للإجهاض . و كانت النساء ممنوعات من عديد الوظائف و المتزوجات كانت لديهن سيطرة قليلة أو منعدمة على الملكية و التمويل بإستقلال عن أزواجهم و فى غالبية الولايات كان للأزواج حق إغتصاب زوجاتهم .
إنه لأمر جيّد جدّا بالنسبة لكافة الناس أن يتمّ تحدّى ذلك بقوّة فى الستينات و السبعينات! كان أمرا جيدا أن رفعت النساء رؤوسهن و طالبن بالمساواة . و قد ألهمها نضال تحرّر السود و مستعملة جلسات " الحديث عن المرارات " كتلك التى أقيمت ضمن الفلاحين المتمرّدين فى الصين الثورية ، شكّلت النساء مجموعات رفع الوعي حطّمت بفضلها عزلتهن.
و كسبت القوّة و الدعم لترك الزيجات السيئة و لتضع معاييرا جديدة يجب أن تتوفّر فى الشريك. و دخلت المدارس و كافة مجالات العمل بأعداد متزايدة . و تحدّت الأعراف التى خنقت العلاقات مكتشفة و متحدية الأفكار المسبقة عن الجنس لدى النساء . و من المهمّ للغاية أن ناضلت النساء من أجل – و كسبت- حقّ الإجهاض! و شرع الرجال كذلك فى التغيّر، فعدد كبير منهم غيّروا مواقفهم و أخذوا يرون نضال النساء من أجل تحرّرهن مفتاحا لأي نضال من أجل عالم أفضل. كلّ هذا أثار و أعطى المزيد من المبادرة لتغييرات حدثت فى هيكلة الولايات المتحدة و الإقتصاديات العالمية التى أخرجت المزيد من النساء من بيوتهن و حولتهن إلى قوّة عمل.
لكن هذا حدث على خلفية نهوض ثوري عبر العالم قاطبة. كان زمن ثورة إجتماعية كبرى و صراعات إيديولوجية هائلة و تضحيات جريئة بالذات و زمن كفاح. فى الولايات المتحدة ، نشأ جيل ساخط بعمق على حرب الفتنام – و عديد الفرق العسكرية تمرّدت- ، و هزّ نضال تحرير السود البلاد هزّا و من جذورها و كانت الثقافة طافحة بالتحدّى و الأحلام المحلّقة بعالم مغاير.
لكن حتى منذ إنطلاقها ، تنازع تياران مختلفان داخل الحركة النسائية، تيار كان برجوازيا يعزل مسألة منزلة المرأة عن الأشكال الأخرى من الإضطهاد و ناضل من أجل مجرّد إصلاحات و من أجل حق النساء فى المساواة صلب العالم كما هو حاليا. و كان التيار الآخر ، تيارا أكثر راديكالية بكثير مثّل الثوريون صميمه وهو يمتلك فهما جوهريا بأن إنعتاق النساء مرتبط بتحرير الإنسانية من الإضطهاد و الإستغلال من كلّ الأنواع ،و فى نفس الوقت ، أدرك أنه لا يمكن تحقيق تقدّم حقيقي إذا ظلّت النساء فى حالة تبعية.
لسوء الحظّ ، إنتهى النهوض الثوري لذلك الوقت قبل إنجاز الثورة . وهنا علينا أن نشدّد على أن بالثورة لا نقصد مجرّد تغيّر كبير فى المواقف أو ثورة إجتماعية هامة. تشير الثورة لإطاحة طبقة بطبقة أخرى و تركيز سلطة دولة جديدة بعلاقات إنتاج و علاقات عامة بين الناس جديدة راديكاليا. عوض ذلك ، بقي النظام الرأسمالي بقاعدته الإقتصادية و نسيجه الإجتماعي مفروضين بآلة سلطته و العنف ، سليما لذا إستحالت المتابعة أو حتى الحفاظ على معظم ما قد كُسب.
بسرعة كبيرة ، فى ظلّ رئاسة رونالد ريغان فى الثمانينات ، أطلق العنان لردّ فعل ضد كلّ شيئ إيجابي قد تحقّق.
و شرع العديد من الذين تطلّعوا فى وقت ما لإعادة تشكيل العالم فى أقلمة أحلامهم و تخفيضها. عبر المجتمع وفى كافة أنحاء العالم ، عُكست المبادرة . بالنسبة لحكّام الولايات المتحدة ، إعادة التأكيد على "العائلة التقليدية" و "القيم العائلية" صار جزءا لا غنى عنه ليس فقط لإعادة التأكيد على البطرياركية / النظام الأبوي لكن أيضا إعادة ترميم النسيج الإجتماعي الرجعي الذى قد تصدّع بصورة ملحوظة.
ونال الفاشيون المسيحيون دعما قويا من قبل القوى الطبقية الحاكمة فشنّوا، تحت غطاء " القيم العائلية"،حملات مطاردة و مضايقة للنساء اللاتى أردن الإجهاض. لقد ذهبوا بعيدا إلى حدّ تفجير العيادات و قتل الأطباء . و دفعوا خزي و جهل
" الإمتناع فقط" فى المعاهد العمومية و هاجموا تدريس الحقائق العلمية للتطوّر. و عملوا لتهميش الحقوق التى كسبها المثليون و لإعادة تشريع تزمت الخوف من المثلية. و بصفة منحرفة ، صار هذا التأكيد على الدين و البطرياركية حتى طريقة لجلب الكثيريرن الذين كانوا غاضبين بعمق و لا زالوا مضطهدين بمراراة إلى خندقهم الرجعي.
حيال ردّ الفعل هذا ، سوية مع إنحسار الحركات الثورية و توجّه القتال لأجل التغيير عبر الحركة السياسية الجماهيرية المستقلة ، أصبح التيار البرجوازي فى الحركة النسوية يعتبر المخرج الوحيد للمعنيين بالمنزلة اللامتساوية و الإضطهادية للنساء ،و تفاقم ذلك مع إرتباط و تبعية هذا التيار البرجوازي أكثر فأكثر بالطبقة الحاكمة ،و الحزب الديمقراطي بوجه خاص.
إبتلاع "الحركة النسوية الرسمية " من قبل الحزب الديمقراطي ،و تبعيتها المطلقة له حتى فى السياسات الإنتخابية ، أضرّ أيما ضرر بالحركة. طوال أكثر من عقدين الآن شجعت هذه "الحركة النسوية " و أثرت على أناس تقدّميين للتأقلم مع ديناميكية حيث غدا غضب الأمس "موقف مساومة" اليوم. و حدود الغد يمكن تخيلها. و ساهمت المواقف الدفاعية الجبانة لهذه الحركة تجاه الفاشيين المسيحيين بوجه خاص و رفضها قتالهم حقا بشأن أخلاقية الإجهاض ، لضرب مثال واحد معبّر، فى تضليل جيلين من النساء الشابات و كذلك الرجال.
وقادت هذه التطورات فى الثمانينات و بالخصوص ردّ الفعل الرجعي هذا ضد النساء عالميا إلى وضع وصفه قبل 20 سنة رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية ، بوب آفاكيان ، وهو وصف يبدو فى جوانب شتى منه أقوى الآن :
" تطرح مسألة موقع و دور النساء فى المجتمع برمتها نفسها بأكثر فأكثر حدّة فى ظروف اليوم الشديدة للغاية ... ليس من المعقول أن يجد كلّ هذا أي حلّ آخر ما عدا الحلّ الأكثر جذرية...و المسألة التى تحتاج بعدُ للتحديد هي هل سيكون حلاّ جذريا رجعيا أم حلاّ جذريا ثوريا ، هل يتمّ السعي لتعزيز سلاسل الإستعباد أم لتحطيم أكثر الروابط حسما فى هذه السلاسل و فسح المجال لإمكانية إنجاز القضاء التام على كافة هكذا أشكال إستعباد ؟ " ( "رصاصات من كتابات بوب آفاكيان و خطاباته و لقاءاته الصحفية "، منشورات الحزب الشيوعي الثوري ، 1985، ص 183).
و كلّ هذا موضع تحدّى ، من الضروري أن نفحصه و نفضح بعض الأساليب الخاطئة و النهايات المسدودة التى تقف فى طريق الإنعتاق.
حواجز فى طريق الإنعتاق:
1- الإمبريالية الأمريكية و الأصولية الإسلامية : خيار " خسارة/خسارة " و فخّ قاتل:
أكثر هذه الرؤى الخاطئة بذاءة هي تلك التى تكيل المديح للديمقراطية الإمبريالية للولايات المتحدة بإعتبارها أفضل المجتمعات الممكنة و التى تذهب حتى إلى حدّ إعتبار أن القوّة العسكرية للولايات المتحدة قوّة يمكن أن تحرّر النساء. يشير أصحاب هذه الرؤية إلى أن الأصولية الإسلامية عبء لا يطاق إذ هي ترجم النساء بالحجارة حتى الموت و تحبسهن فى بيوتهن و فى الخمار الذى يغطى من الرأس إلى أخمص الأصبعين، ك " دليل" على تفوّق" نمط الحياة الأمريكي" .
و يشيرون إلى صعود نساء مثل هيلاري كلينتون- التى ككاتبة دولة تشارك فى جهاز الولايات المتحدة للنهب و الموت
و الدمار الشامل- كخطوة عظيمة بإتجاه تحقيق المساواة للنساء.
فى الواقع ، لا "خيار" للنساء و الإنسانية بصورة أوسع بين الإمبريالية الأمريكية و الأصولية الإسلامية فالنساء مخضعات و مضطهدات أيضا فى البلدان الإمبريالية ، هناك الظاهرة البارزة لصعود الفاشيين المسيحيين فى الولايات المتحدة الذين هم كذلك رجعيون و معادون للمرأة و " قروسطيون" كأي رجل دين إسلامي و الذين يدافعون عن و يقاتلون بتعصّب من أجل ما هي فى الحقيقة أكبر قوّة إضطهادية فى عالم اليوم : الإمبريالية الأمريكية.
إضافة إلى ذلك ، لا يمكن أبدا لتحرير النساء أن يتمّ عبر أسلحة الجيش الإمبريالي و أحذيته و سفنه الحربية. بيان حديث لمنظمة نساء 8 مارس ( إيران- أفغانستان) يضع الإصبع بقوة على المسألة :
" قد غزت الإمبريالية الأمريكية أفغانستان و العراق بإسم "الحرب على الإرهاب" و "تحرير النساء". وإنتهى الأمر إلى صبّ جام الإرهاب على شعبي أفغانستان و العراق و تعزيز السلطات الدينية و العشائرية و الأبوية. فقبل الإحتلال الأمريكي للعراق ،كانت النساء تتمتّع بأكثر مساواة إذ كانت تستطيع التحرّك بسهولة في المدن ،دون حجاب إسلامي." (7)
بينما قد يبدوان مختلفين جدا ، فرضت الأصولية الإسلامية المتعصبة الخمار من جهة و "سير من الجلد" معلن على نحو واسع و مروّج له على أنه " لباس داخلي جنسي" بالنسبة للنساء فى المجتمع الرأسمالي "الحديث" ، من جهة أخرى، كلاهما رمزان و تجسيدان قبيحان لمهانة النساء . ما يجمعهما بالأساس هو أنهما مظهران لعالم متميّز بأشكال فظيعة من الإضطهاد معا " تقليدية " و "حديثة " ، عالم تهيمن عليه عامة الرأسمالية الإمبريالية ، عالم يحتاج إلى أن يقلب رأسا على عقب و يتمّ تحويله جذريا.
كما أشار بوب آفاكيان عند حديثه عن ظاهرة ما إنفكّت تشكّل حياة الملايين العديدة حول العالم :
" إن ما نراه فى نزاع هنا بين الجهاد من جهة و حرب /ماك العالمية من جهة أخرى ، هو نزاع بين فئة قديمة العهد تاريخيا ضمن الإنسانية المستعمَرة و المضطهَدة ضد الفئة الحاكمة قديمة العهد تاريخيا فى النظام الإمبريالي. و هذان القطبان الرجعيان يعزّزان بعضهما البعض ، حتى و هما يتعارضان. إذا وقفت إلى جانب أي منهما ، فإنك ستنتهى إلى تقويتهما معا".
من هذين النمطين "القديمي العهد" ، الطبقات الإمبريالية الحاكمة و طبقة الولايات المتحدة على الخصوص ،هي التى إلى حدّ بعيد ، تسببت بالأذى الأكبر للإنسانية وهي التى تشكّل التهديدات الأكبر لها. فى الواقع ، الهيمنة الإمبريالية ذاتها فى الشرق الأوسط و أندونيسيا و غيرها من المناطق ، إضافة إلى العراقيل و التفكيك اللذان ينجمان عن هذه الهيمنة و الفساد
و القمع الخبيث للحكومات المحلّية المرتبطة بالإمبريالية و الخادمة لها، يوفّر الوقود العظيم لنار الأصولية الإسلامية كردّ فعل على كلّ هذا و إن كان ردّ فعل رجعي. و كلّ من يستعمل أوراق إعتماد الدفاع عن النساء لتشريع أي جزء من العدوان الإمبريالي الوحشي للولايات المتحدة مفلس أدبيا. إذا إستطاعوا القيام بذلك فيما يعملون على الإبقاء على خداع أنفسهم بأن الذين يسيرون الأمور حقا فإنهم ربّما عبروا الجسر إلى عالم المجانين إجراميا.
ما نحتاج تقديمه على نحو ملحّ هو طريق آخر، طريق يعارض كلتا القوتين الرجعيتين القديمتي العهد .و بقدر ما ندفع هذا النوع من الحركة و المقاومة القوية إلى الأمام فى الولايات المتحدة ، بقدر ما يتوفّر متنفسا و مبادرة للثوريين الحقيقيين فى أنحاء العالم الذين يفيضون كراهية تماما للإمبريالية الأمريكية.
و المطلوب قبل كلّ شيئ ، هو ثورة لجرف الرأسمالية الإمبريالية و كافة الأنظمة و العلاقات الرجعية التى عفا عليها الزمن ... و كافة أساليب إهانة نصف الإنسانية و إضطهادها من قبل نظام متعفّن و مجرم تتحكّم فيه زمرة نسبية من المستغِلين العديمي الرحمة.
كما ناقشنا ، الرأسمالية، لا سيما فى هذا العصر من الرأسمالية الإمبريالية المعولمة جدا ، نظام إستغلال عالمي. و تجسّد الرأسمالية "الحديثة" و "الديمقراطية" مثلما يعبّر عنها فى بلدان كالولايات المتحدة ، و بالفعل تقوم على إستغلال جماهير الشعب و الهيمنة عليها جعلها تابعة لها و إهانتها و إغترابها ، بالضبط داخل حدودها ، و فى علاقة متلازمة مع و مرّة أخرى تقوم على ، حتى أشكال أتعس من كلّ هذا فى انحاء العالم ، خاصة ما يسمى بالعالم الثالث. و أية محاولة ل"إصلاح" و "تحسين" الأشكال الأكثر "حداثة " و " ديمقراطية " ضمن " الوطن " الإمبريالي مآلها الفشل فى إجتثاث أو فى إحداث تغيير جوهري للعلاقات الإضطهادية فى " الوطن". و أنكى حتى، سيقود ذلك فى الواقع إن لم يكن دائما فى النية ، إلى محاولة منحرفة للإلتحاق بنهب بقية العالم ، إلى " فى أحسن الأحوال" مساومة لتحسين وضع بعض المضطهدِين و المهمشين فى البلد الإمبريالي ذاته ، مقابل مساندة الحكام الإمبرياليين فى مسعاهم لتعزيز و توسيع إمبراطوريتهم للإستغلال و النهب. لن تخفق المحاولة فى تحقيق تحرير النساء و مضطهَدين آخرين فى أي مكان فقط بل ستؤدى إلى التواطئ مع الجرائم الشنيعة لهذا النظام و/أو إلى الإحباط و كسر الروح المعنوية . و يعزى هذا ، مرّة أخرى ، ببساطة و بصفة أساسية إلى كون هذا النظام الرأسمالي الإمبريالي يعتمد على و متجذّر فى علاقات الإستغلال و الإضطهاد و لا يستطيع العيش دون هكذا علاقات ، الأكثر " تقليدية " و الأكثر "حداثة ". لا يملك إمكانية إلغاء كلّ هذا لكنه مصدره الرئيسي و محرّكه و معزّزه فى عالمنا الراهن.
2/ بعدُ كفانا عبادة للأمومة !
بعد ثلاث عقود من هجمات الفاشيين المسيحيين و الطبقة الحاكمة لإعادة الأخلاق التقليدية ، ركنت " الحركة النسوية " على نحو متزايد إلى عبادة كاملة للأمومة. صارت هذه المناضلات النسائيات البرجوازيات فى موقع دفاعي حول الإجهاض
و بدأ الكثيرات بإختيار " الموجة " القادمة من الحركة النسوية ككفاح من أجل "حقوق الأمومة".
لكن بالرغم من أن أكثر من بضعة حالات حيث بعض النساء ،و خاصة نساء فقيرات و/أو جزء من الأقليات المضطهَدة، خُدعن أو أجبرن على التعقيم أو بطريقة أخرى حرمن من القدرة على أن يكون لديهن أطفال و هذا كذلك ينبغى أن نعارضه و نقاتله بشدّة، فإن المشكل الرئيسي فى عالم اليوم ، فى ما يتصل بإضطهاد النساء على وجه الخصوص ، بالكاد هو الهجوم على حقّ النساء فى أن يكون لهن أطفال. ملايين و ملايين النساء تجبر على الأمومة ضد إرادتهن على الدوام ! إنما هو حق ّ النساء فى أن تتحرّر بالكامل كبشر يواجهون خطر دفنهم.
النضال فى سبيل " حق النساء أن تحترم كأمهات" ليس تماما مثل النضال فى سبيل أن تكون عنصرا بشريا كاملا و متساويا مع غيره. إلى أن تقطعن مع فكرة أنّ الدور المحوري للنساء هو تربية الأطفال- و بالخصوص إن كنتن أنتن ذاتكن تدعون لهذه الفكرة ، حتى بأفضل النوايا، ستنتهين إلى تعزيز ذات الفظائع و الإهانات الموجهة للنساء و الأطفال التى تحركتن من أجل وضع نهاية لها ، لا غير.
لا شيئ مقدّس بشأن الأمومة . لقد شكّل الدور البيولوجي للنساء فى ولادة الأطفال بالضرورة التقسيمات الأولى للعمل فى المجتعات الإنسانية حيث عاش الناس مستهلكين ما ينتجونه مباشرة .إثر ذلك لآلاف السنين بأشكال متنوعة من المجتمعات الطبقية، تحوّل هذا التقسيم للعمل إلى علاقة إضطهادة و إخضاع ،مفروضة من قبل العائلات و التقاليد و الدولة . و قد تدعّم بالخرافة الدينية و إيديولوجيا التفوّق الذكوري. لكن اليوم ، تجاوزنا منذ مدّة طويلة كون الدور البيولوجي للنساء فى ولادة الأطفال يجب أن يكون الجزء المحدّد لحياتهن أو جزءا من دور النساء فى المجتمع بصورة أشمل. و هذا شي جيّد جدّا!
لم يعد "طبيعيا " بالنسبة للنساء أن تشارك فى تربية الأطفال و الشيئ نفسه بالنسبة للرجال. يبدو الأمر كذلك بفعل كيفية تنظيم المجتمعات لآلاف السنين – و كيف يتمّ تلقين الأطفال بإستمرار منذ ولادتهم. ليس الأمر كون الطريقة الوحيدة أو الفضلى لتنشأة و إزدهار الأطفال هي العائلة النووية و النساء أوّل المانحين للعناية الأساسية. فالروابط الإيجابية بين البشر لا تنجم عن الجينات أو عن الهرمونات و إنما تنجم عن الإهتمام و القرب و الإستماع و التعاطف و التعليم كما التعلّم،و عن الإشتراك فى الكفاح و السرّاء و الضرّاء و سيرورة الإكتشاف . كلّ هذا هو و يمكن أن يكون خصالا بشرية عامة و لا يجب أن يكون شيئا خاصا أو مهمّة خاصة لجنس واحد فقط.
حين ترفع راية الأمومة ك"موجة قادمة" من الحركة النسوية ، يكون الوقت قد حان لقول: يكفى! يمكن أن يتخذ هذا أمثلة صورة ميشال أوباما ، إمرأة ذات نفوذ كبير وذات مهمة نموذجية وهي تأكّد أنها "تضع أولادها فى المقام الأول". أو يمكن أن يتخذ شكل شخص خيالي فى فلم "بلوك باستن" "جونو" المتحدّث عن طالبة جامعية تختار أن تنجب طفلا عوض الإجهاض ثمّ تصوّر كبطلة لتقديمها الرضيع لإمرأة تشعر بأنها ستبقى ناقصة طالما لم تستطع أن تغدو أمّا. الرسالة التى تتكرّر بلا إنقطاع هي : الأمومة هي جوهر و تتويج تحقيق المرأة لذاتها. هذا مجرّد خزعبلات قديمة ، مداورة محدودة الجدّة نسبة للحياة الشديدة للخمسينات ، "مجدّدة " بعض الشيئ لكنّها لا زالت تمثّل نفس الحزمة الرجعية العامة.
كان لزاما، منذ زمن بعيد، أن يركّز معيار جديد. من المستحيل الدفاع عن دور الأم بإعتباره المحدّد لمنزلة النساء و أعلى المعايير دون القبول بكلّ شيئ يتوافق مع ذلك ، وضمنه سجن المرأة فى بيولوجيتها ، فى تربية الأطفال و التبعية للرجال و حكم ولائمة التفوّق الذكوري. على كلّ من يبحث بصدق عن تحرير النساء و الإنسانية جمعاء أن يقطع بصفة حاسمة مع عبادة الأمومة. و النساء بشر ، قادرات على المساواة مع الرجال و المساهمة التامّة فى كلّ مجال من مجالات المجتمع و يجب أن يقيّموا و أن يجدوا هويّتهم الخاصة طبقا لهذا.
من جديد ، من حق و حرية المرأة أن تقرّر متى و إن كانت تريد أن تنجب أطفالا،أو أن تتزوج أو لا تتزوج ، و أن تكسر الحدود الخانقة لتحديد هدف و قيمة المرأة بكونها زوجة أو أم ، أمر حاسم فى تحرير النساء من منزلة مساوية بأشكال عدّة لمنزلة العبيد و فى تصوّر و إدراك عالم مختلف راديكاليا و مستقبل أفضل بكثير للنساء و للإنسانية جمعاء.
3/ "العائلات القوية " ليست الحلّ بالنسبة للمضطَهَدِين :
هناك إعتقاد واسع الإنتشار ، إعتقاد يطرقه بشكل ثابت الناطقون الرسميون و شتى " ممثلى " الطبقة الحاكمة ، بداية من باراك أوباما ذاته، بأن المضطهَدين يحتاجون بالضبط الآن إلى "عائلات سليمة يرأسها الأب" . لقد تطرقنا للمسألة فى بيان لحزبنا هو " إضطهاد السود، جرائم النظام و الثورة التى نحتاجها " (" الثورة " عدد ممتاز ،عدد144 ،متوفّر على الأنترنت...)
" بينما هناك إنهيار كبير فى عائلات السود فى العقود الماضية الأخيرة ، نجم هذا أيضا عن سير النظام الذى دفع العديد من الرجال السود إلى هوامش المجتمع، فتقريبا مليون منهم فى السجن و أنتم تطالعون هذا. تبخّرت القاعدة الإقتصادية ل "أبوين مستقرّين". و يمكن أن يساهم كلّ أب أسود بنشاط فى العناية بكلّ طفل أسود لكن الواقع سيظلّ كما هو : لا يملك هذا النظام مستقبل لملايين و ملايين هؤلاء الشباب، بوجود أو عدم وجود آباء.
إذا إعتقدتم حقا بأن عائلة ب " أبوين مستقرين" ستعالج المشكل ، ألقوا نظرة إلى الوراء ، إلى سنوات إرهاب الكلو كلوكس كلان و أعمال القتل و التمييز العنصري فى الجنوب. حينها غالبية عائلات السود كانت عائلات أبوين تقليديين. لكن هذا لم يستطع ان يمنع التأثيرات المدمّرة لتفوّق البيض و الإستغلال و الإضطهاد الرأسماليين.
غير أنه هناك مشكل أعمق حتى مع عدم التفسير هذا ذلك أنه يوجه المضطهَدين نحو نظرة ستعزّز قيود الإضطهاد و تبعدهم عن التحرّر..."إعادة الرجل على رأٍس العائلة " يحجب حقيقة ما يعنيه ذلك بالنسبة للنساء اللاتى تعامل بالضبط مثل العبيد سواء تلك "المفضّلة " أو تلك التى تتعرّض للضرب ،و الإنتهاك و الخيانة و الإغتصاب ضمن "الحدود المقدّسة " للعائلة ( وهي هكذا عادة ما تنهار). عندما نتعمّق فى الأمر يتكشف لنا أن هذا " الدور الصحيح للرجل" هراء، مجرّد هراء ينمّ عن عقلية من يريد أن يكون سيد عبيد. و كلّ الكلام الآخر عن " ملك من؟ " و "كلاب" ...كلّ هذه الكراهية للمثليين و الحديث عن " الحزمات " و إضطهاد و ضرب و أحيانا قتل فعليين لكلّ من تشذّ مشاعره الجنسية عن "القاعدة " ... كلّ هذه المادة تمثل نفس العقلية التدميرية الملخبطة.
لسنا فى حاجة إلى هذا ، ولن يفضي أبدا إلى تحرير و إلى عالم أفضل!! بينما ستزيل الثورة الشيوعية على الفور العقبات التى وضعها المجتمع أمام تشكيل عائلات سود ولن تفعل ذلك على قاعدة العلاقات و الأفكار التقليدية السائدة فى المجتمع الرأسمالي ، بل على أساس المساواة و الحبّ و الإحترام المتبادلين، و العمل خارجها على إنجاز تغيير كافة المجتمع ، بما فى ذلك إطلاق العنان للمشاركة التامّة للنساء فى المجالات جميعها. و لا يحتاج الرجال السود و غيرهم إلى "إستعمال حقّ"هم لتأكيد هيمنتهم داخل العائلة على النساء و الأطفال بل يحتاجون إلى النهوض معا مع النساء فى مساواة كجزء من تحرير الإنسانية جمعاء.
و لا يحتاج الأطفال السود إلى "نماذج أدوار رجال" و إنما يحتاجون إلى وضع نهاية للظروف الشديدة التى تعرقلهم فى كلّ نقطة. يحتاجون إلى ثورة ،و يحتاجون إلى نماذج ثورية ، من النساء و الرجال معا. يحتاجون إلى رؤية الرجال و النساء الذين يكرسون الإحترام و المساواة اللذان يعكسان العالم الذى نقاتل من أجله : عالم جديد تماما متحرّر أين تكبر البنات قويات و دون خوف من الإغتصاب و الإهانة أو الإنتهاك و أين لا يعتبر أي طفل "غير شرعي" ، و أين يجد الرجال شأنهم شأن أي شخص آخر قيمتهم فى المساهمة فى تحسين وضع الإنسانية قاطبة عبر التغيير الثوري للمجتمع بأسره بدلا من المشاركة فى حتى قسط ضئيل من إضطهاد هذا العالم الكابوس" .
4/ أن تكون سلعة جنس ليس فى شيئ " خيارا " تحرريا
إحدى الأشياء العظيمة بصدد نضالات الستينات و السبعينات كان كيفية تحدّيها العار و الخزي اللذان خيّما بظلالهما على جنسانية النساء. كان ل "الثورة الجنسية " كما سمّيت ، عديد المظاهر الإيجابية إذ شجعت على الإنفتاح الصحّي بشأن جنسانية النساء و أجسادهن و المثلية و حتى حقّ النساء فى التمتّع بوضوح بالجنس و بإستكشاف جنسانية المرء دون التعرّض للذلّ بسبب ذلك.
و فى نفس الوقت ،كان هذا يحدث فى سياق أوسع من البطرياركية و السلعنة الرأسمالية لكلّ شيئ بما فى ذلك الجنس.
و بالنتيجة ، جرى حرف كلّ هذا و ليّ عنقه إلى أشكال متأنقة قليلا من تفوّق الرجل السحيق فى القدم . وصارت البرنوغرافيا منتشرة و إتخذت مظهرا جديدا من " الإحترام " ، حتى عندما أصبحت أعنف و أكثر إهانة و سادية. عوض النضال للتخلّص من التشييئ الجنسي و العلاقات الحميمة المتميّزة بالإستعمال و الإساءة معا ، كافح البعض من أجل "حق" النساء فى المشاركة فى هذا أيضا. و الذين عارضوا هذا إعتُبروا "متوترين" و "محتشمين" و "متزمتين".
و اليوم ، الأولاد من الكليات الخاصة إلى الجامعات فى المدن الصغرى يعلنون بجلاء قانون " روّح عن نفسك قبل أن تكون تابعا " . و تتعلّم البنات مبكّرا أنه إذا لم ترد أن تُستثنى من زملائهن يجب أن تجدن مكانتهنا فى المشهد الحقيقي ل"لالتقاط بالصنارة" المناسباتية و أعمال الترويح " بلا معنى" ( دائما وفق نفس الشرط).غير بعيد أبدا عن السطح ،توجد حقيقة أن النساء اللاتى لا تساهم "طوعا " كثيرا ما تجد نفسها مرغمات و مجبرات تماما على القيام بذلك مكتشفات عادة صورا و فيديو محطين من منزلتهن توزّع و تكون موضع سخرية على الهواتف و الفايسبوك.
بينما الأولاد الذين يشاركون فى هذا يصفعون على الظهر أو على الأقلّ يتمّ عذرهم ( " أنتم تعلمون ، الأولاد سيكونون أولاد ") ، توصم البنات بالعار و تعزل و تدفع للشعور بأنهن عديمات القيمة. و يثار هذا الخزي بخبث ثمّ يستغله الأصوليون المسيحيون الذين ينادون بأن قيمة البنات تنحصر فى بكارتهن و يؤكدون على أن يكون الآباء أكثر صرامة
و يقضة فى مراقبة بناتهن.
ثمّ هناك على ما يبدو أكثر تطوّرا لكن مشوّش جدا ، جيل البنات " ما بعد الحركة النسوية " المربات على الجنس على طراز المدينة " الإنجاز النسائي" و العبودية النسائية. لكن فكرة شراء الأحذية الفاحشة الغلاء ،و ممارسة الجنس مع النصابين ،أصحاب الأموال الطائلة ،و الهوس بالجنس بشكل لانهائي مع ما يسمى "بالصديقات" هو نوع من " تقوية النساء" سيكون فقط بصراحة محرجا إن لم يكن سامّ للغاية. كل ما يفعله هذا هو تركيز نظر النساء الشابات على أن تكون فارغة و ضيقة الأفق ، ممحورة إهتمامتهن حول ذاتهن و راضيات جوهريا عن العالم كما هو ، و ضمن ذلك ليس أقلّ من وضعهن التبعي كنساء.
حتى تلك اللاتى ،لفترة، كانت قادرات على إقناع أنفسهن بأن هذا "الإختيار" يقوّى نوعا ما النساء لم تكن لتستطيع فعل ذلك بالقبول بشروط تذلّهن و نساء آخريات فى وضع تفوّق ذكوري. و حتى أعمق من ذلك، لا تحصلن على " حق أن تكون جذابة " أو أن تكون "مالكة جسدها كسلعة جنسية " دون عالم يفرز مفهوم أن النساء يجب أن تقيّم من خلال أجسادهن
و جاذبيتهن الجنسية، و يزدهر ذلك العالم و يأمر بشحن النساء فى مجموعات عبر الحدود كأثاث إنساني ، إلى المباغي
و " محطاّت الرفاهة " للفيالق العسكرية الأمريكية و كعرائس مطلوبة بريديا. لا ينبغى أن يقبل أي إنسان بهذا أو يساهم فيه.
سوية مع هذه الأفكار المخفضة الآفاق عن " تقوية " النساء ، ينتشر وهم يروّج على نطاق واسع أن فى البلدان مثل الولايات المتحدة ، النساء و بخاصة النساء البيض و من الطبقة الوسطى لا "حدود و لا قيود " عليهن فى التمكّن من أن تصبحن ما تردن ، فى حين أن فى الواقع آفاقهن و كذلك طموحاتهن تتكيّف و فى النهاية تنحصر فى العلاقات السائدة فى المجتمع، بالنسبة للنساء . و هناك عدد هام ، لا سيما ضمن النساء الشابات ،اللاتى تقعن فى مثل هذه الأوهام ،و فى الكثير
و الكثير من الحالات، يقودهن هذا إلى الإحباط و وهن العزيمة و الكآبة عندما لا يمكن أن تحقّق طموحاتهن و "أحلامهن" ... أو عندما ، فى أي حال، تصطدم آمالهن و أحلامهن بواقع أن الولايات المتحدة تظلّ مجتمعا متميّزا بالبطرياركية
و الهيمنة الذكورية و بالطرق العديدة التى يتمّ من خلالها "إحتقار" النساء و كذلك آخرين و يهانون فى مجتمع كهذا... الذى يحيط النساء ، ليس الأفقر فحسب بل حتى النساء الأكثر إمتيازات ، من كلّ جانب و يتسرّب إلى أكثر علاقاتهن الخاصة
و الحميمة.
أكثر راديكالية- أكثر تحررا
إنّ الطرق الخاطئة و النهايات المسدودة التى فحصناها أسوأ من كونها عديمة الفائدة . إنها لا تخفق فى ما يتطلبه هذا الزمن و الإمكانية المتوفرة الآن لتحرير حقيقي فقط بل هي تنحرف عن الحلّ الحقيقي وهي تفضى بالناس إلى التفكير على نحو ضيّق كأفراد يهتمون بأنفسهم حصرا و يكتفون بالحدود المروّعة لواقع اليوم.
لم تجلب الرأسمالية تحرير النساء و لا يمكنها أن تجلبه . فالرأسمالية بالكاد غيّرت أشكال إضطهاد النساء و أخفت طبيعة هيكلة هذا الإخضاع النظامي و المنظّم الذى تواجهه النساء و غيرهن . فى حين أن النضال من أجل مساواة النساء جزء أساسي بالتأكيد فى تحرير النساء ، فإنه فى حدّ ذاته ليس تقريبا جذريا بما فيه الكفاية. إذا تحدّدت المعركة من أجل المساواة بالآفاق الضيّقة للعالم الرأسمالي و إذا بقي النظام الرأسمالي نفسه سليما ، ستغدو النساء " فى أفضل الأحوال" "مالكات" لذواتهن كسلعة ، أو يمكنهن كسب السيطرة على آخرين معاملات إياهم كسلع، بيد أنه لن يمكنهن مطلقا الخروج عن الحدود الضيقة و التتقلصة لهذا النظام الإستغلالي. بعد الإنقسام الأول للإنسانية إلى طبقات ، و فيما لا تستطيع الرأسمالية تحرير النساء ، خلقت قاعدة الثورة التى بوسعها فى النهاية أن تضع حدّا ليس لهذا الشكل أو ذاك من الإضطهاد أو الإستغلال فحسب و إنما للإستغلال و الإضطهاد ككلّ . إلاّ أنه لكي تنجز ذلك ، على هذه الثورة أن تتضمّن كمكوّن هام و محوري من مكوناتها تحرير النساء.
هذه الثورة و هذا المستقبل ممكنان. و هذه النظرة بالذات للعالم هي التى ينبغى أن تقودنا اليوم، فى كلّ من المكان الذى إليه نرنو الذهاب و فى كيفية الحياة و الترابط خلال النضال للتوصّل إلى ذلك.
و هذا يعنى اليوم أنه علينا أن نكسر كلّ الحواجز أمام التحرير التام للنساء فى كلّ مجال من مجالات المجتمع و مشاركتهن التامة فى كلّ مظهر من مظاهر النضال فى سبيل تغيير المجتمع. و هذا يعنى خوض نضال لتغيير كافة العلاقات بين النساء و الرجال لإيجاد جوّ ليس مساندا لمواجهة النساء و نفاذ صبرهن من أجل تحريرهن فقط ،لكن كذلك يشحذ حقّا و يرحّب بنفاذ الصبر كقوّة يمكن أن تدفعنا جميعنا إلى الأمام. و يعنى هذا أنّ على الرجال أن يغيّروا مواقفهم، الآن و ليس فى زمن لاحق فى المستقبل كيما يناضلوا من أجل عالم يستحق حقّا العيش فيه و لإيجاد أفضل الأجواء للنساء كيما تطلق العنان كلّيا فى الكفاح الراهن.
سلطة الدولة الثورية- أكثر الأشياء تحريرا
تصّوروا لو أطلق العنان للغضب المكبوت و كذلك للإبداع و التوق إلى طريقة جديدة فى الحياة اللذان يعتملان و يشتعلان كالنار فى دواخل النساء ،و قُدِّمت لذلك قيادة واعية ،ل و صار وقودا ليس لتحدّى أي و كلّ أشكال إضطهاد النساء فقط بل كذلك للمساهمة فى تطوير و تثوير المجتمع و العالم برمّته.
تصّوروا لو أن نصف الإنسانية لم يعد مجبرا على العيش بالمعرفة الدائمة الحضور أن فى أي وقت من النهار أو الليل ، فى المنازل الخاصة و فى الشوارع يمكن أن تقع مهاجمة النساء و إغتصابهن من قبل الجنود الغزاة و اللصوص الغرباء
و فى أغلب الأحيان من قبل ما يسمى "أحبابهم" ذاتهم. تصوروا ماذا سيكون شعور النساء اللاتى يمكنهن السير على الأرض و قد تخلصن من هذا النوع من الخوف.
ليس مجرّد حلم ، إنه ممكن التحقيق.
تصوّروا لو أنه لم تعد إمرأة أخرى تعرف ما كان أن تبيع جسدها كمخرج يائس أخير لتطعم نفسها و أطفالها أو بأية طريقة أخرى أو ما كان أن تجد نفسها مجبرة جبرا على الجنس.
تصوّروا ، بدلا من ذلك، لو أضحت الجنسانية و الألفة بالنسبة لكل إنسان شيئا يقوم به فقط حين يكون حرا ،و طوعيا و على أساس الإحترام المتبادل و المساواة و الرغبة المشتركة. تصوروا الشباب يكبر بتربية و دعم يحتاجه لإكتشاف العلاقات الصحّية و الجنس لمّا يكون مستعدّا لذلك ، متخلّصا من الخطر الطبيعي أو الأذى العاطفي غير الضروري.
ليس مجرّد حلم ، إنه ممكن التحقيق.
فكّروا فى ما يعنيه أن بالنسبة للرجال فى يومنا هذا لا وجود لشتيمة أقسى من أن يدعى " مرة " أو " فقير" . و الآن تصوروا يوما فيه ينظر الناس إلى الوراء نحو المفاهيم التقليدية اليوم عن الجنس ، عن معنى أن نكون "رجلا " و معنى أن نكون" إمرأة " كسخافات لامعقولة للماضي الإضطهادي للإنسانية.
تصوّروا مجتمعا حيث النساء لا تُقيّم على أساس معايير الجمال الجسدي و لا تكون قيمتها و قدراتها الإنسانية مقلّصة لجزء أو آخر من جسدها ، لكن بدلا من ذلك يجرى الإرتباط معها كبشر ، بأتمّ معنى الكلمة.
تصوّروا لو كان الإجهاض و مراقبة الولادات متوفّران لكافة النساء فى كلّ وقت دون خجل أو إعتذار . تصوروا أن كل إنسان حصّل العلم بشأن بيولوجيا النساء و كذلك العلم و المنهج العلمي بصفة أشمل ، لكي لا يتلاعب البعض و لا يسمّوا مرّة أخرى "رجال مقدّسون" بجهل الناس و شدّة وزن التقاليد و قيود الأمومة الإجبارية و خنق الخزي للنساء لممارسة أكثر حقوقهن جوهرية.
ليس مجرّد حلم ، إنه ممكن، وهو يصرخ بإلحاح لتحقيقه
لكن تصوروا أكثر من ذلك.
تصوّروا إذا تمّ التشديد على كلّ هذا ووفرت له دولة ثورية جديدة و قيادتها الشيوعية القيادة و المصادر.الآن تصوروا ، إذا أطلق العنان ، ى هذا السياق و على هذا الأساس ، لسيرورة كاملة فيها النقاش و المعارضة يشجعان فعليا عبر المجتمع حيث الذين كانوا متلهفين لنسق التغيير لا يقمعون و إنما يوفّر لهم مجال النقد و عنان التجربة. تصوروا أناسا من جميع نواحي المجتمع و من خلفيات متنوعة يعملون معا للقفز عاليا و ليغيروا راديكاليا كافة العلاقات الإنسانية المركزة عبر آلاف السنين من سلاسل التقاليد.
تصوّروا إذا بدلا من أن تكون مكانا فيه تحبط عادة حاجة الناس للحبّ و الحنان و يستهزأ بها حتى ، تشهد العائلات نفسها تغييرا جذريا . تصوروا الزواج و الشراكة يقامان على أساس طوعي فى إطار من الحب و الإحترام و الحنان و المساواة يميزون بصفة متصاعدة طريقة إرتباط الناس فى المجتمع . تصوروا لو كان للناس مجال خاص و عقل منفتح داخل بيوتهم و فى نفس الوقت ، يعرف كلّ فرد أنه لو واجه إساءة أو أشكال أخرى من المهانة سيدعمه المجتمع و مؤسساته إن تقدّم لفضح الإساءة و النضال ضدّها أو لقطع العلاقة.
تصوّروا لو أنّ الناس يهدفون للذهاب حتى أبعد مطوّرين أشكالا جديدة من التعاون و الأساليب التى من خلالها يعاضد بعضهم البعض و يزدهرون سوية ، و يحطّمون على نحو متزايد و يوجدون أساسا للتجاوز النهائي لمؤسسة العائلة القائمة على علاقات دموية و الروابط الحيوية الضيقة و المتمادية فى الضيق.
تصوّروا إذا ، كمرحلة إنتقالية إلى ذلك ، بسبل متنوعة ، من مختلف الجماعات و فى علاقاتها المتبادلة ، المجتمع ككلّ ،معا رجالا و نساءا، شرعوا فى تولّى مسؤولية تربية الأجيال الجديدة و ببهجة. لن يكون الأطفال ملكا لآبائهم و لن ينتظر منهم أن يحققوا أحلام آبائهم ولن يكونوا منحصرى الآفاق بسبب مشاق آبائهم،و فكرة " غير شرعي " تضمحلّ من الوجود و ينظر إليها كأمر عفا عليه الزمن و مفهوم شنيع فى حدّ ذاته. تصوروا جيلا جديدا كاملا ربّي على مسرح الحياة و لم تغرس فى العقول الصغيرة مفاهيم الأولاد أفضل من البنات أو أناس أفضل من آخرين. تصوروا كل جيل جديد يكبر متشبعا بأخلاقيات مجتمع جديد يفضّل المصلحة العامة بينما يطلق العنان للتفكير النقدي و الإبداع و التعبير عن الذات.
تصوّروا مجتمعا حيث الطاقات الإبداعية لا تحوّل إلى إنحدار دائم إلى طرق جديدة لإذلال النساء و التشديد من الإنقسامات الإجتماعية الإضطهادية، بل بدلا من ذلك ، دون قيود الجنس /النوع الإجتماعي أو إنقسامات إجتماعية إضطهادية أخرى، ينشأ الناس بشكل واسع ضمن سيرورة إبداع فنّي يرفع من وعي الناس و يتحدّاهم ليفكّروا نقديا و يوسّع آفاقهم. تخيلوا الأولاد و الرجال غير مطبوعين ب" ثقافة الرجل" الإضطهادية الغبيّة ولم يعودوا متأثرين بحياة قصف بصور أجساد نساء ، نصف عاريات و نصف جائعات تستعمل لتسويق كلّ شيئ من السلع الإستهلاكية إلى الإيديولوجيا و الحروب. و الأولاد
و الرجال قادرون عوض ذلك على الإرتباط بالنساء كبشر متساوين. تصوّروا إزدهار هذه الثقافة الجديدة الراديكالية
و المحرّرة، القائمة على المساواة و الإحترام المتبادل بين الرجال و النساء و بين مختلف الثقافات و الشعوب ، تعجّ بالتنوّع و مليئة بالمرح و كذلك بالجدية ، بمعنى إضافة الفكر النقدي للمرح و كذلك الإكتشاف و الجمال.
تصوّروا كيف أنّ كلّ هذا سيخلق جوّا مغايرا تماما فيه الناس يتلاقون و يترابطون و تصوروا النقاشات التى يفرزه و التفكير الجديد الذى يولّده. تصوروا إذا ، كما قالت إمرأة شابة إثر توسّع آفاقها بالإلتحاق بالحركة الثورية "تدخل المقاهي و تسمع الشابات تتحدّث عن الفلسفة و كيف تعالج أهمّ القضايا الكبرى للإنسانية عوض الحديث عن حجم أحذتهن." تصوروا كيف أن هذا سيساعد على دفع المبادرة وتشجيعها و التفاعل الإيجابي مع التحديثات فى العلوم و الرياضة و التعليم و الفلسفة و كلّ المجالات الأخرى للنشاط البشري و الفكري.
تصوّروا إذا لم يقع سحق نهوض النضال ضد بقايا إضطهاد النساء ،حتى و إن ذهبت ضد أو " عرقلت" جهود هامة أخرى لمعالجة حاجيات إجتماعية حقيقية ،و لم تقمع بل دفعت إلى الأمام و أحييت و مُكِّنت من لعب دور جوهري فى عملية تغيير العالم. إذا وفّرت القيادة لكي تصبح هذه التحديات ،كذلك ،جزءا من تعميق التعلّم حول التغييرات الإجتماعية الضرورية
و كيف يمكن تلبية حاجيات المجتمع بطرق جديدة ، طرق تتوافق مع و تمثّل تقدّما بإتجاه الهدف النهائي لعالم شيوعي ، خال من جميع أشكال الإضطهاد و الإستغلال.
طوباوي ؟ ليس كذلك بأي شكل من الأشكال؟
كلّ هذا ليس ممكنا فقط بل إن إنجازات عظيمة فى هذا الإتجاه قد تحققت فعلا فى المرحلة الأولى من الثورة الشيوعية . كان هذا صحيحا بصورة خاصة فى الصين من 1949إلى 1976 ، فى ظلّ قيادة ماو تسى تونغ . هناك إستغرق الأمر اقلّ من عقد لتختفي الدعارة كظاهرة إجتماعية و لتقدم النساء على المشي وحيدة ليلا فى المدن الكبرى مثل شنغاي دون خوف.
و القول المشترك بين الفلاحين الرجال بأنّ المرأة المتزوجة كمهرة مشتراة- سأركبها و أضربها بالسوط كما أشاء " إستبدل بشعار جديد "النساء نصف السماء!". و جرى الإعتناء بأساليب جماعية جديدة لتجاوز ما يبقى النساء سجينات البيوت ،مثل رعاية الأطفال و الطبخ و الغسيل. و إشتركت النساء فى العمل المنتج ، و تولّت مسؤوليات فى الدولة و إنخرطن فى الجيش و قصدن المدارس و أصبحن قياديات فى الحزب الثوري. و الرجال أيضا ، شرعوا فى التغيّر و فى الإرتباط بالنساء على نحو جديد ، عاملين جنبا إلى جنب مع النساء فى المجالات العامة و محوّلين المجال المنزلي بالمشاركة فى رعاية الأطفال
و الشؤون المنزلية على أساس المساواة.
و من المهمّ للغاية أن شهدت الفنون و الثقافة ككلّ تغييرا راديكاليا بغية أن يكبر جيل جديد من الفتيات و النساء الشابات مع بطلات هنّ نساء قويات و لهنّ الثقة فى أنفسهن ، و لم يحدث أبدا أن فكّرن فى أنه لا يمكنهن فعل ما يفعله الأولاد. لضرب مثل مركز واحد : قبل وصول الثورة إلى السلطة، كانت ممارسة "ربط الأقدام" ، كسر العظام ثم ربط أقدام البنات الشابات لتستطيع بالكاد أن تمشي و ذلك بإسم "الجاذبية الجنسية" ، منتشرة و دامت مئات السنين . و لم تضع الثورة الصينية حدّا لهذه الممارسة القاسية فحسب بل فى عقدين ،كانت النساء الصينيات فى الباليه تتحدّى التقاليد لتصوّر مقاتلات و جنديات ثوريات ،و تقوم بإختراقات بخلق أشكال جديدة من ألعاب القوى للنساء و الجماليات فى الباليه و فى الفنّ و الثقافة ككلّ.
و بالطبع ، لم يتمّ القضاء بالكامل على إضطهاد النساء فآلاف السنين من العلاقات الإضطهادية لا تضمحلّ بين ليلة و ضحاها، وفى الواقع حتى بعد إفتكاك السلطة،يبقى النضال الصارم ضروري لإقتلاع أوشام المجتمع القديم. و كلّ تقدّم وصفناه هنا لم يأت إلاّ نتيجة صراع حاد ، شاركت فيه عشرات و مئات ملايين النساء و الرجال. لكن الشيئ الأروع هو كمّ ما تحقق و سرعة شروع الأمور فى التغيّر ،بطرق جديدة راديكاليا. كانت سلطة الدولة بأيدى الجماهير و كانت القيادة الثورية للمجتمع تدعم و تحثّ على مبادرة الذين يتقدّمون و من ثمّة ، تصارع من أجل نشر هذا التقدّم عبر المجتمع.
و صحيح أنه أطيح بالثورة فى الصين و أن الرأسمالية قد أعيد تركيزها عقب وفاة ماو تسى تونغ فى 1976 ( و يضاف ذلك إلى إعادة تركيز الرأسمالية فى الإتحاد السوفياتي سابقا ، قبل عقدين من ذلك).و كجزء مركزي من هذه الإعادة لتركيز الرأسمالية يوجد إضطهاد النساء و منه ليس التمييز المنظّم ضد النساء و إهانتهن فحسب لكن أيضا الدعارة المنتشرة وقتل البنات ، فى إرتباط بالوضع السائد حيث ينظر إلى الإناث مرّة أخرى بدونية و أعيد إحياء هذا على نحو ثأريّ. فى "الشيوعية : بداية مرحلة جديدة ،بيان للحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية " (8) حلّلنا أسباب الإنقلاب على الإشتراكية و الدروس التى يتعيّن أن نستخلصها من هذه النكسة المُرّة لكن أيضا من المكاسب العظيمة للثورة و التجربة الإشتراكية فى الصين ( و كذلك من التجربة الأوسع للحركة الشيوعية الثورية ككلّ ، عالميا و تاريخيا)، و كل هذا حيوي لنبني على أساسه مجدّدا و نتقدّم و نحدث إختراقات جديدة و نقوم بالأفضل ، على طريق الثورة و الشيوعية . هنا ، من المهمّ التشديد على أن حقيقة ما أنجز ،فى فترة قصيرة نسبيا من الإشتراكية ، فى الصين ( بالإضافة إلى التقدّم العام الآخر فى الإتحاد السوفياتي حين كان إشتراكيا و إن لم يكن بمدى ما حصل فى الصين.) يشير بقوّة شديدة لإمكانية التحقيق النهائي لتحرير النساء و الإنسانية جمعاء ،من القيود التقليدية ، كافة العلاقات الإستغلالية والإضطهادية ، و طرق التفكير التى ترافقها و تعزّز هكذا علاقات.
من خلال تلخيص و تحليل المكاسب العظيمة و كذلك النواقص فى مفاهيم و منهج و ممارسة هذه الثورات الأولى ، إلى جانب إكتشافات أوسع فى مجالات أخرى ، صاغ بوب آفاكيان ، رئيس الحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية تلخيصا / تأليفا جديدا للثورة الشيوعية. لم يوجد فى السابق أبدا تيار فكري أو مسعى إنسانيين أكثر راديكالية عندما يتعلّق الأمر بتحرير النساء من راديكالية الشيوعية ،و لم تكن الشيوعية أبدا بعيدة النظر و راديكالية و علمية من تطوّرها بفعل قيادة بوب آفاكيان.
فيما يتعلّق بالكفاح لقلب حكم الرأسمالية الإمبريالية و بالتالى التقدّم ، فى المجتمع الجديد ، على الطريق الإشتراكي نحو الهدف النهائي لعالم شيوعي ، شدّد بوب آفاكيان على دور حتى أكبر للصراع فى مجال الإيديولوجيا. و قد أكّد على الحاجة إلى التذبذب/ الديناميكية و الخميرة /الصراعات فى المجتمع عموما ،و كذلك الحاجة للتبادل المتواصل بين التغييرات الإقتصادية و السياسية المنجزة و النقاشات الدائرة فى حقول العلم و الفلسفة و الفنون. أقرّ بضرورة إتخاذ خطوات حتى أكبر من كسر الحواجز أمام المشاركة فى كافة مجالات المجتمع و النضال من أجل تغيير المجتمع من قبل الناس الذين كانوا فى السابق مبعدين من دائرة إعمال الفكر. و كجزء مركزي من هذا التلخيص/ التأليف الجديد ، أكّد على توجه الإعتراف بالدور الإيجابي للنضال الدائر للإجتثاث التام لكافة بقايا إضطهاد النساء ( وكذلك البقايا الأخرى للمجتمع الإضطهادي) فى كافة سيرورة تثوير جميع العلاقات الإنسانية و التفكير و كيف ينبغى أن تعالج من طرف القيادة الثورية و إطلاق عنانها كجزء من الحيلولة دون "إعادة تركيز الرأسمالية " بدلا من المضيّ قدما فى النضال صوب الشيوعية. و أكّد آفاكيان على الحاجة إلى تحليل أعمق لهياكل هذا الإضطهاد ووسائل تجاوزه، بما فى ذلك عبر التلخيص العلمي الأعمق لتجربة ماضى المجتمعات الثورية ، و مقاومة هذا الإضطهاد عمليا حتى بصورة أشدّ ، طوال النضال الثوري ، ليس فقط بعد بل كذلك قبل إفتكاك سلطة الدولة ، بداية من الآن.
و طوال قيامه بدوره كقائد للحزب الشيوعي الثوري ، ما إنفكّ يؤكّد على أن تكون الحركة الثورية اليوم مثالا حيّا على العلاقات الإجتماعية الجديدة بين الرجال و النساء والأخلاق الجديدة التى تتبنى الإحترام المتبادل و المساواة كما وضع ذلك ، تقريبا قبل ثلاثة عقود:
" بطرق عديدة ، بالخصوص بالنسبة للرجال ، قضية المرأة و ما إذا كان المرء يبحث عن القضاء التام أو عن المحافظة على الملكية و العلاقات الإجتماعية القائمة و ما يرافقها من إيديولوجيا تستعبد النساء ( أو ربّما " فقط القليل" منهن) مسألة محكّ "ضمن المضطهَدين " ذاتهم . إنه خطّ تمايز بين " إرادة البقاء ضمن و "إرادة الخروج من " ، بين القتال لإنهاء الإضطهاد و الإستغلال كافة – و تقسيم المجتمع ذاته إلى طبقات- و البحث فى آخر التحليل عن الحصول على حصّتك منه" ( "نهاية مرعبة أم نهاية الرعب؟ " منشورات الحزب الشيوعي الثوري ، 1984 ص 140-141).
الثورة ممكنة
نحتاج إلى حركة ثورية الآن
تحدّى
هناك قسط غير مستغلّ من الغضب الذى يعتمل داخل النساء عبر الكوكب
إبراز هذا و إطلاق العنان لهذا الغضب و جعله قوّة هائلة من أجل ثورة فعلية...
إعتبار نضال تحرير النساء جزءا مركزيا من تحرير الإنسانية ككلّ ...
بناء مقاومة قوية لا تساوم حيال أي هجوم على النساء اليوم...
صياغة أخلاق مختلفة و تحريرية تماما ، متجذّرة فى هدف و نضال إجتثاث جميع أشكال الإستغلال و الإضطهاد...
التعمّق فى و تبنى علم الشيوعية الراديكالي و الحقيقي الذى قدّمه هذا الحزب و قيادته ، بوب آفاكيان...
كلّ هذا مسؤولية و فرصة كلّ من يتطلّع إلى عالم مختلف.
نحيا فى زمن خطر كبير ، زمن فيه تواجه حياة النساء على الكوكب بأسره هجوما شديدا , نحيا أيضا لأوّل مرّة فى مجتمع إنساني فيه من الممكن ليس الحلم فحسب بل القتال من أجل إيجاد عالم جديد كلّيا حيث بإمكان كافة الإنسانية أن تزدهر، أن ترفع نهائيا و إلى الأبد الحجاب و الوزن الثقيل لإضطهاد النساء و أن تجلب يوما تحرريا للناس فى كلّ مكان.
مجدّدا نقتبس من القانون الأساسي لحزبنا :
" ليست هناك قضية أعظم ، هدف أعظم له نكرّس حياتنا ".
-------------------------------------------------------------------------
الهوامش :
1- إيريك باكوليناو " الصين تتصارع مع إرث بناتها المنفقودات" أم إس إن بى سي ، 14 سبتمبر 2004.
2- جاك هيتس ، " أمّة معارضة للإجهاض" ، مجلّة نيويورك تايمز، 9 أفريل 2006.
3- روي والمسلاي ،" قائمة سجن النساء العالمي" ( الكلية الملكية ، لندن 2006) .
4- " حرب ضد النساء: إستعمال الإغتصاب كسلاح فى الحرب الأهلية فى الكنغو" 60 دقيقة ، 17 أوت 2008،
" الإغتصاب الجماعي ، و التعذيب و الإستعباد للنساء المسلمات تهم وجهتها محكمة الإجرام العالمية فى أول إحالة على المحكمة متعلّق بالإهانات الجنسية " ( محكمة الإجرام العالمية ليوغسلافيا السابقة). بيان صحفي ، 27 جوان 1996 .
5- "حملة إيقاف العنف ضد النساء " منظمة العفو الدولية ،الولايات المتحدة وفقا ل " ضحايا قتل الأقرباء بسبب الجنس"
( الولايات المتحدة ، قسم القضاء ، مكتب إحصائيات القضاء ، 1181 إمرأة فى الولايات المتحدة كّن ضحايا " قتل الأقرباء" فى 2005 ، و هذا يساوى تقريبا 3 ضحايا فى اليوم الواحد.
6-" القانون الأساسي للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية "،منشورات الحزب الشيوعي الثوري ، 2008 ، ص 3 متوفر على الأنترنت.
7- عفيف سرحان " القتلة يطالبون ب100 دولار للضحية مع تصاعد جرائم الشرف فى البصرة " ، الغوارديان، 20 نوفمبر 2008.
8- " الشيوعية : بداية مرحلة جديدة ، بيان عام للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية "، منشورات الحزب الشيوعي الثوري 2008 ، متوفّر على الأنترنت.













--------------------------------------------------------------------------------------------6--------
ملاحق
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
1- رسالة مفتوحة إلى الشيوعيين الثوريين و كلّ شخص يفكّر جدّيا فى الثورة
بصدد دور بوب آفاكيان و اهمّيته.
فيما يلى نصّ كتبه شخص إنخرط بنشاط فى الحركة الشيوعية منذ أواخر الستينات و تابع و درس عن كثب تجربة هذه الحركة عالميا و تاريخيا.
الرفاق الأعزّاء ،
أكتب هذه الرسالة آملا أن تساهم بطريقة ما فى النقاش الدّائر حاليا بشأن دور رئيس الحزب بوب آفاكيان و أهمّيته بالنسبة للنضال فى سبيل عالم شيوعي.
لقد تبيّن أن مسألة تقييم المرء للدور الذى نهض به بوب أفاكيان فى الحركة الثورية فى الولايات المتحدة و عالميا طوال تقريبا 40 سنة ، مسألة نظرة المرء للثورة الشيوعية ذاتها بمعنى هل أننا معها أم ضدّها. و ليس هذا مطلقا و لا أقترح أنّه فى أي وقت معيّن كلّ من لا وضوح لديه حول دور بوب آفاكيان كان/وهو بالتالي عن وعي ضد الثورة الشيوعيةفمثل هذه النظرة الميكانيكية ستكون فىآن خاطئة و ضارّة. المعرفة و الفهم شيئان متحركان ،يتطوران ( كما تطوّر و يتطوّر دور بوب آفاكيان ). لذا هي مسألة "فى أخر التحليل" و فى نفس الوقت ، و مثلما دلّلت على ذلك التجربة بصورة متكرّرة ، أنّ الأمر صحيح موضوعيا و هذه الحقيقة عاجلا أم آجلا ستتأكّد لدى الفهم الذاتي أيضا.
سمعت عن بوب أفاكيان أوّل ما سمعت عندما كنت أدرس فى الولايات المتحدة فى أواخر الستينات و معنيّ بالسياسة الثورية.قُدّم لى من مصدرين إثنين: الأول كان "صفحات حمراء 1و 2" اللذان مثّلا الوثائق الأساسية للإتحاد الثوري ، المنظمة التى ستؤسس الحزب الشيوعي الثوري،الولايات المتحدة الأمريكية . كان البعض فى الكلّية التى كنت أدرس بها على صلة بالإتحاد الثوري و كانوا يوزّعون "صفحات حمراء" كمساهمات هامة فى فهم كيفية إنجاز ثورة الطبقة العاملة فى الولايات المتحدة الأمريكية. حتى حينها كان يتمّ الحديث عن آفاكيان كأحد أهمّ قادة الإتحاد الثوري و كتّاب "صفحات حمراء".
شرعت فى قراءة "صفحات حمراء" فأعجبنى المنهج المنظّم و الجدّي لتقديم التحاليل التى تضمنتها . و ليس هذا حقا مثل فهم هذا التحليل بطريقة أعمق ، لكن كما أشرت أعلاه : المعرفة تتطوّرو ما كانت تلك سوى البداية.
و مسلكي الثاني إلى أفاكيان جاء فى شكل شريطين وثائقيين أنجزتهما مجموعة تدعى نيوز ريل ( فلم إخباري) كانت توزّع فى ذلك الوقت. أحد الفلمين معنون "غرّة ماي(النمور السود) " و كان موضوعهمسيرة غرّة ماي فى سان فرانسيسكو نظّمها حزب النمور السود فى 1969( على ما أعتقد). و الفلم الآخر حمل عنوان "إضراب نفط ريتشموند" و أحداثه تدور حول إضراب العمّال بمحطّة تصفية النفط بريتشموند ( كاليفورنيا) و كيف أنّ الثوريين إتحدوا مع هؤلاء العماّل و ساندوهم.
و قد ظهر بوب آفاكيان فى كلتا الشريطين و كان لظهوره خاصّة فى مظاهرة النمور السود كبير الإنطباع عليّ.
كما يدرك العديد من الناس ، حينها كان النمور السود مكوّنا هاما للمرحلة الأكثر تقدّما للحركة الثورية فى الولايات المتحدة الأمريكية. موقفهم الثوري الذى لا مساومة فيه تجاه الإمبريالية الأمريكية و إزاء القمع الخبيث و المجرم كان عنصرا جوهريا فى المشهد السياسي فى تلك الأيام. لقد سمعت أن أفاكيان و الإتحاد الثوري كانا يعملان عن قرب مع النمور . لكن السماع عن هذا شيئ و بالفعل كانت رؤية ذلك فى فلم شيئا مغايرا. كان آفاكيان هنلك على مسرح الأحداث وهو يحمل كتابا أحمر فى يده وهو يقول "دعوني أقول شيئا واحدا للناس البيض ضمن الحضور ... " ثمّ إستمرّ ليؤكّد بقوّة كبيرة جدّا على أنه بينما إتخذ النمور السود موقفا صلبا بأن الناس البيض ليسوا العدوّ ، لا ينبغى أن يُفهم من هذا أن البيض أعفيوا من مسؤولية المساهمة النشيطة فى القتال ضد إضطهاد السود وضد النظام الإمبريالي ككلّ. يمكننى تذكّر أّنى قلتع فى قرارة نفسي" نجاح باهر ، هذا الأخ يمكن أن يمضي بعيدا حقا."
كونه كان يفيض حماسا و كذلك كونه نوعا ما يؤثر فى سامعه ، كلّ هذا كان كافيا لإقناعي بأن بوب أفاكيان سيغدو زعيما مهمّا فى أي ثورة تقع فى الولايات المتحدة الأمريكية . عند التفكير بما حدث فى السابق ، كان ذلك بداهة تخمينا و ليس تقييما قائما على أرضية علمية. تخمين عن حسن نيّة لكنّه على الرغم من ذلك تخمين. ما كان بإمكان أي كا حينئذ توقّع كيف سيصبح ذلك حقيقة ، و ليس فقط بالنسبة للولايات المتحدة وحدها.
مع تطوّر الأمور بداية و ظهور منعرجات تلك المرحلة ، غضطلع آفاكيان بالفعل بدور قيادي فى رسم طريق المضيّ قُدما و فى "السير ضد التيار" لمواجهة و إلحاق الهزيمة بالخطوط و التيارات الخاطئة التى كانت ستسير بالأمور فى الولايا المتحدة عبر طريق خاطئ أو آخر. إنّه يصف هذه الصراعات على نحو حيوي و قويّ للغاية فى مذكّراته "من إيك إلى ماو و ما بعد، رحلتي من السائد الأمريكي إلى شيوعي ثوري".
فى تلك الأيام ، كان لأشياء مثل القومية و المغامراتية إلخ كبير التأثير على الناس ذوى الوعي الثوري بما أن عديد المسائل الأساسية لم تعالج (1). و غالبا ما هاجم الذين كانوا يروّجون لهذه الأنواع من الخطوط الخاطئة آفاكيان شخصيا عوض التركيز على المسائل المبدئية الراهنة التى كانت على بساط البحث. لذا ما ينبثق راهنا منبعض المرلكز القيادية ليس جديدا بالمرّة. تعلّم النظر من خلال هذه الأنواع من الهجمات اللامبدئية و التركيز على المسائل الرئيسية للخطّ السياسي كان تدريبا مهمّا بالنسبة للصراعات اللاحقة. و الخطّ الذى قاد بوب أفاكيان صياغته و نشره و المنهج الذى إتبعه فى القيام بذلك و كونه لم يتردّد إزاء هذه الهجمات لعبوا دورا حاسما فى هذا التدريب.
حتى فى سنوات التشكّل الفكري تلك و بإعتبار كافة الإنحرافات و النهايات المسدودة التى كان يجب الإبحار عبرها بنجاح للتقدّم على طريق صحيح فى الأساس ، ما الذى كان سيرشح لو أن بوب أفاكيان لمينهض بالدور النى نهض به؟ هل يعقل ، فى المقام الأوّل، أن يكون الحزب الشيوعي الثورين الولايات المتحدة الأمريكية تشكّل؟ و إن تشكّل ، ما طراز الحزب الذى كان سيكونه؟ دون الدور الذى نهض به بوب أفاكيان ما الذى كان سيعزّز ، إن تعزّز شيئ، داخل الولايات المتحدة نتيجة للنهوض الثوري العظيم الذى إكتسح العالم فى الستينات و بداية السبعينات؟(2).
عندما حدث الإنقلاب فى الصين ، شهدت الأمور قفزة ... واحدة من " الحاجيات الكبرى" التى تحدّث عنها الحزب الشيوعي الثوري فى وثائقه الأخيرة صارت أعظم. حينذاك بالذات ، لم يكن مدى إنطباق الأمر على هذا الواقع مسألة واضحة ، و لو كان صحيحا موضوعيا. و مثلما يعيد روايتها فى "من إيك إلى ماو و بعد..." كتب آفاكيان " التحريفيون هم التحريفيون و لا يجب دعمهم و الثوريون هم الثوريون و يجب دعمهم". فى هذا النصّ فضح الخطّ التحريفي الذى إستولى على السلطة عقب وفاة ماو،و دافع أفاكيان عن خطّ ماو و الأربعة (3). لقد مثّل ذلك القاعدة التى وحّدت الناس لإلحاق الهزيمة بالكتلة المنشفية الموالية لدنك سياو بينغ ،فى إجتماع اللجنة المركزية الذى عُقد للبتّ فى قضية موقف الحزب الشيوعي الثوري من التطورات فى الصين. (4). و على حدّ علمي ، لم يوجد حزب أو منظمة ماويين فى العالم إستطاعا إنتاج هكذا وثيقة ، لسوء الحظّ.
لمّا تقرؤون عن هذا فى "من إيك إلى ماو و بعد..." تلمسون حقّا عمق مسكه بكون مسألة صحّة تقييم الإنقلاب كانت ، كما تحدّث عنها ، " مسألة حيوية" حولها لم يكن من الممكن " المساومة". إنجاز تقييم صحيح و كسب الصراع فى إجتماع اللجنة المركزية حول هذه القضية كان حاسما ليس فى إلقاء الحزب الشيوعي الثوري على الطريق الثوري، بل كذلك فى تمهيد كامل مسار التطوّر اللاحق. و سرعان ما غدت القوى الماوية التى قامت بتقييم خاطئ لهذه القضية تحريفية. تقريبا كلّ الذين إعتقدوا أنّه بإمكانهم عدم الخوض فى المسألة أو شعروا بأنتّها معقّدة جدّا أو صعبة جدّا للفهم، إستمكروا – إن ظلوا موجودين و لم يصحّحوا هذا الخطإ- يعانون من التفكير اللاأدري و البراغماتي الذى سمح بمثل هذا الموقف. و حتى عديد الذين إتخذوا موقفا صائبا فى الأساس بصدد الإنقلاب ، و لم يقيموا هذا التقييم علة نوع التحليل العميق الذى أنجزه آفاكيان ، وجدوا صعوبات كبرى ليس فى إدراك إختراقات ماو فى فهم الطابع المتناقض للإشتراكية كمجتمع إنتقالي ثوري ،فحسب لكن أيضا فى إنتهاج مقاربة علمية لعلم الثورة عموما.
ماذا كان سيحدث او أنّ آفاكيان لم يستوعب هذه المسألة كما إستوعبها ، بما فى ذلك فهم و توجه أن هذا كان مسألة حياة أو موت دون إمكانية تراجع؟
فى تلك الفترة ، كتب آفاكيانت أيضا " مساهمات ماو تسى تونغ الخالدة ". و بالنسبة للذين لم يطّلعوا عليه ، نقول إنه عمل رئيسي يلخّص المساهمات النوعية لماو فى علم الثورة. و رغم أنّ الأمور تقدّمت أكثر نوعا ما منذ ذلك الحين ، إذا نظرتم لهذا العمل سترون أن آفاكيان لا يكتفى بفقط نقاش ما قاله ماو حول المسائل الجوهرية التى يعالجها الكتاب. حين يتعلّق الأمر ببوب آفاكيان و المسائل المبدئية السياسية الهامّة ، لا وجود أبدا لأية سطحية ، أو كما صاغ ذلك فى "من إيك إلى ماو و ما بعد..." " حينما أتناول موضوعا ما ، أحبّ تناوله بعمق..." ( ص 248) ( و هذا شيئ أحبط و أغضب فى آن معارضيه على مرّ كلّ هذه السنوات).(5).
كلّ فصل من فصول "مساهمات ماو تسى تونغ الخالدة" يبدأ بأولا تلخيص آفاكيان لأفكار ماركس و إنجلز و لينين و ستالين حول هذه القضايا و بعد ذلك يشرح كيف تقدّم ماو نوعيا بالفهم الشيوعي بشأن الموضوع المعيّن. و فى الفصل الأخير ،كعادته، يتناول أفاكيان ماو جدليا و يشرح فى نقاش أوّلي بعض نقاط ضعفه أيضا. بكلمات أخرى ، إ،ه يتطرق لكل هذا بطريقة شاملة و عميقة . من الواضح أنّه لم يتعمّق فقط فى ماو ، بل فى الماركسية-اللينينية ككلّ. و كما برز ، كان هذا الجهد الأكثر تقدّما من نوعه فى أـي مكان و قد وفّر القاعدة الانظرية لكلّ من الدفاع عن مساهمات ماو و التجربة الثورية فى الصين و كذلك نقطة إنطلاق لمزيد تعميق فهم هذه المساهمات ( لكل من المظهرين الإيجابي و السلبي).(6).
لم لم يقدر عهلى القيام بكلّ هذا / ما الذى كان سيوجد فى عالم اليومتجاه التطويرات النوعية لماو للعلم الثوري و تجاه التجربة الإشتراكية فى الصين ككلّ؟
و تذكّروا ،حينها لم توجد فقط التحريفية القادمة من الصين، بل وجدت الدغما-تحريفية القادمة من ألبانيا التى كانت تدّعى أن ماو لم يكن أبدا شيوعيا و أن الصين لم تكن أبدا إشتراكية. مهما بدا ذلك مضحكا اليوم ، حينذاك ، كان هذا الخطّ يمارس ضغطا كبيرا فى صفوف القوى الماوية سابقا عالميا. دون قيادة آفاكيان ، ما الذى كان سيحصل للحزب الشيوعي الثوري، الولايات المتحدة ،من ناحية البقاء على الطريق الثوري؟ و تذكروا أن لا حزب آخر فى بلد غمبريالي كان قادرا على البقاء قيد الحياة كحزب ثوري فى أعقاب الإنقلاب فى الصين: و لا حزبا واحدا. و قد وجد العديد منها ، بما فيها بضعة كانت ـوسع صفوفا و أكثر تأثيرا من الحزب الشيوعي الثوري حينئذ.(7)
فى إرتباط بهذا الصراع ، كما وثّق الحزب الشيوعي الثوري، هناك إيضا إعهادة إكتشاف، عن أمكن القول، لمؤلَّف لينين " ما العمل؟" و لو أن "إعادة الإكتشاف" هذه كانت لا تزال فى بداياتها مختلطة بتأثير الإقتصادوية وو الآن جرى تلخيص أنه طوال العقدين الأخيرين ظهرت مشاكل جديدة بهذا المضمار. ما الذى كان سيحدث لو أن " إعادة الإكتشاف " فى بداياتها لم تتمّ فى ذلك الوقت؟ هل كان سيمكن التوصّل أبدا إلى الفهم الراهن ل " ما العمل؟ المغني"؟
بعد هذه المرحلة ، واصل آفاكيان الدفع على الأمام – حتى نعبّر عن ذلك بصورة معتدلة. أذكر حين ظهر لأول مرّة " كسب الاعالم؟ واجب البروليتاريا العالمية و هدفها" . فى "نقاش مع الرفاق حول الإبستيمولوجيا " يشير إلى ذلككبداية ل "قطيعة إبستيمولوجية"(8). أشاطره ذلك تماما. بالنسبة للبعض ، التحليل /التلخيص الذى قام به فى تلك الوثيقة – كلّ من المقاربة المنهجية و الإستنتاجات السياسية-كانت مثل مزلاج البرق، وكان آخرون أقلّ حماسا ( على أقلّ تقدير). و أولئك الأقلّ حماسا " رلأوا أن هذه الوثيقة نوعا من البداع بما أنّها نقدت بدرجة كبيرة التفكير المهيمن و المترسّخ طويلا فى صفوف الحركة الشيوعية العالمية بصدد المسائل التى يعالجها. مجدّدا ، كان آفاكيان يذهب ضد تيار كبير حقّا مطبّقا – و مطوّرا أكثر- مبدأ " التوجه إلى الحقيقة" مهما كان المكان الذى إليه تقود و الشخص الذى قد تسيئ إليه.
مثّل " كسب العالم؟" حجر الزاوية الأولى لما سيصبح لاحقا تحليلا و نقدا شاملا لطريقة " الحقيقة السياسية" وهي داء قد أصاب تاريخيا حركتنا. الطريقة التى بها يتمسّك آفاكيان بصلابة بالمبادئ الصحيحة الأساسية و التقدّم الحقيقي، لكن فى نفس الوقت يقطع مع المألوف و يقوم بتقييم نقدي/نقدي ذاتي واقعي لتاريخ حركتنا و ممارستها إلى ذلك الوقت، أمر رائع حقّا. أعرف أن هذا قد فتح لى نافذة نظرة جديدة تماما لتاريخ صراعنا و كذلك لكيف أننا نحتاج إلى مقاربة الأشياء عموما إذا ما أردنا المضي إلى حيث نتطلّع.
من ضمن كافة الرؤى العميقة التى صاغها آفاكيان فى "كسب العالم؟" – وهي كثيرة- فإن التحليل للثورة البروليتارية بإعتبارها سيرورة عالمية مندمجة فيها المجال العالمي رئيسي بوجه عام، برأيى، قفزة تاريخية –عالمية فى فهمنا لهذا الموضوع. يضع كمل مسألة الأممية البروليتارية و جدلية الدفاع/ التقدّم و المقاربة الصحيحة للعوامل التقييمية المأثّرة على الثورة عالميا- و على بلدان معيّنة- فى ضوء أكثر علمية مختلف و نوعي تماما. أوافق تقدير الحزب الشيوعي الثوري أنّ هذا الفهم له دلالة جوهرية بالنسبة للإستراتيجيا و التكتيك الشيوعيين عبر العالم و فى كلّ بلاد.
ووفّرت هذه الرؤية قاعدة لإسنتنتاج آفاكيان بأنّ الإشتراكية فى بلد معيّن يجب فى المقام الأوّل أن تبنى كقاعدة إرتكاز للثورة العالمية. هذا النموذج قطيعة جوهرية بشأن هذه المسألة، قطيعة تفتح دروبا جديدة كبرى من الحرّية لتقدّم كفاحنا فى بلدان معينة و عبر العالم. لسوء الحظّ ، فإن عددا كبيرا لم يكونوا – لأسباب متنوعة- قادرين أو راغبين فى إستيعاب هذا الفهم. و أعتقد أنّه لا مبالغة فى قول إنّه إذا لم تتبنى حركتنا مقارنة آفاكيان لهذه المسألة و تطبقها ،سيكون من غير الممكن
بلوغ الشيوعية.
إن لم يواصل آفاكيان التقدّم و القيام بهذه الإختراقات ما الذى كان سيحصل لحركتنا عالميّا؟ هل كان تأسيس الحركة الأممية الثورية و صياغة بيانها ( بمحتواه) سيكون ممكنا دون كلّ هذا؟ و ما هو الإتجاه الذى كان سيتبعه الحزب الشيوعي الثوري لو لم يتطوّر هذا الفهم؟
كما تكشّف " كسب العالم؟" كان فقط نقطة إنطلاق لما كان طوال 25 سنة من إستمرار فى تحليل و قفزات و تقدّم فى تقييم و تلخيص تجربة المشروع الشيوعي: الإقتصاد السياسي للإمبريالية و مسألة الديمقراطية ، و إنهيار التحريفية و مسألة المبادئ والأخلاق الشيوعية إلخ، و دور المثقفين و الفنّ و " التهيّب و التعجّب " على نطاق واسع، و الإبستيمولوجيا و الفلسفة عموما، و الإستراتيجيا الثورية فى البلدان الإمبريالية و دور الطليعة ، تناقض قياد/ مقادين ( لبّ صلب/مرونة) و كلّ التطورات المتعدّدة الوجوه الأخرى فى فهم طبيعة الإشتراكية الثورية حقا و كيفية البقاء على الطريق المؤدّى للشيوعية، و هلمجرا...بإختصار كلّ المكونات التى برزت كتلخيص/ تأليف جديد لبوب آفاكيان.
هذا ليس المجال ( و لست الشخص) لمحاولة التوغّل فى كلّ هذا . و لكن أودّ فقط أن أعلّق سريعا على مظهر واحد هو مسألة كيف سننجز " الأفضل فى المرّة القادمة ".أولا ، كون آفاكيان تناولف تقييم تجربة الموجة الألى من الثورة الشيوعية بهذا التوجّه فى حدّ ذاته عامل إيجابي هام للغاية. كان لزاما بصورة مطلقة بالنسبة لنا أن نكون قد خضنا معر كةشديدة للدفاع عن الإختراقات الثورية الحقيقية و المكاسب العظيمة التى حققها إلى الآن اللنضال الشيوعي – وهي كثيرة. و من الناحية الأخرى، صار واضحا جدّا أيضا على مرّ السنين أن فقط الدفاع عن "أفضل ما تحقّق" غير كاف: غير كاف للإجابة بعمق و شمولية على النقد و الأعداء ضد حركتنا و حتى أكثر أهمّية غير كاف للتمكّن من إنجاز"الأفضل فى المرّة القادمة".
و مثلما تركّز فى الصياغة "لبّ صلب و كثير من المرونة" ، قطع آفاكيان أرضا جديدة فى فهمنا لكيفيةالإستعمال الصحيح لتناقضات المجتمع الإشتراكي كمحرّك لدفعه إلى الأمام، برأيى ، ما قام به بهذا الخصوص يشبه فى العديد من الأوجه ما قام به فى "كسب العالم؟" لكن ربّما بأهمّية أكبر مدى و أعمق إنعكاسات: إنه قفزة نموذجية أخرى. و هذه المرّة فى فهمنا و مقاربتنا الشاملين للمسألة الحيوية ،مسألة دكتاتورية البروليتاريا كإنتقال ثوري نحو الشيوعية.(9) و بينما يؤيد التقدّم العظيم الذى تحقّق فى الإتحاد السوفياتي و ، على مستوى أرقى نوعيا، فى الصين لمّا كان هذان البلدان إشتراكيان،و يبنى على المساهمات النظرية للذين قادوها قبل ، أخضع لآفاكيان هذه التجربة لتقييم علمي شامل و أصيل. و من ذلك التقييمات النقدية الرئيسية لتلك التجربة ( من صديق و خصم على حدّ سواء).
خلال تعميق إستيعابنا للطبيعة و أهمية و دور الحقيقة فى النضال من أجل الشيوعية ، طوّر مفهوم أنّ إطلاق العنان مرارا و تكرارا لكلّ المجتمع فى محاولة لإكتشاف الحقيقة و مسكها و على ذلك الأساس تغيير الواقع ( المجتمع و الطبيعة عموما ، بما فى ذلك طريقة تفكير الناس) على مستوى أعمق بشكل مستمرّ- سوية مع تقدّم الثورة العالمية ككلّ – عنصر مركزى للإبقاء على المجتمع الإشتراكي على الطريق الثوري.و بتعميق فهمنا لمعنى "يشمل و لا يعوّض" و إنجاز قطيعة مؤثرة مع " الحقيقة السياسية" و البراغماتية و التجريبيةى و الإختزالية و الذرائعية إلخ ، قد شخّص بطريقة جديدة كلّيا القاعدة المادية و ضرورة و دور الخميرة و المعارضة فى المجتمع الإشتراكي. و قد قاد هذا أيضا إلى إعادة تشكيل فهمنا للتناقض بين الفرد و الدولة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا.(10). بإختصار ، فى أعقاب الهزيمة التى أشرت لنهاية الموجة الأولى من الثورة الشيوعية ،و الإضطراب الذى نجم عن ذلك حول الإمكانية النظرية و العملية لتجاوز المجتمع الطبقي، دشّن نظرة جديدة نوعيا للإشتراكية الثورية كنقطة عبور نحو المستقبل الشيوعي : مجتمع فعّال مثلما هو تحرّري.
و نظرا لمدى إلحاحية الحاجة لهذا التقدّم ، إنه حقا من العسير جدا أن نأخذ مأخذ الجدّ الذين يدعون أنه "غير ضروري" أو أهمّيتهم بسيطة فى "أحسن الأحوال" أو " لا شيئ جديد". علاوة على ذلك ، متمركز كما هو فى الولايات المتحدة الأمريكية- القلب الإستراتيجي الحالي للنظام الإمبريالي العالمي- الحزب الشيوعي الثوري متموقع تموقعا جيدا ليقوم بإختراقات كبرى تقدّم الدعم الهائل للنضال العالمي للبروليتاريا الأممية فى سبيل تحرير نفسها و كافة الإنسانية. و نظرا لنوع القيادة التى إضطلع بها آفاكيان فى حزبه لثلاثة عقود تقريبا ، الشيئ الذى تأكّد مرّة أخرى بكلّ محتويات البيان العام
الجديد الذى أصدره مؤخرا الحزب الشيوعي الثوري ( الشيوعية : بداية مرحلة جديدة)بما فى ذلك ما يقال هناك حول الدور الذى نهض به آفاكيان فى الدعوة إلى "ثورلاة ثقافية داخل الحزب الشيوعي الثوري" تنجز " فى خضمّ مسيرة كبرى" : نظرا لكلّ هذا ، فى منتهى الصعوبة فهم كيف أن أي شخص منخرط عن وعي فى النضال من أجل الشيوعية سيستوةعب كيف أنّ القيادة المستمرّة لرئيس الحزب آفاكيان تنمّى بلا حدود فرص ثورة شيوعية فى الولايات المتحدة طوال حياتنا و بالتالى كيف أن الدور الذى يلعبه هو أيضا بمعنى عامل إيجابي للغاية بالنسبة للثورة العالمية ككلّ.
يثير بعض الناس مسألة ببساطة من هو بوب آفاكيان ليدّعي أنّه أنتج هكذا مساهمة فى علمنا و فهمنا الشيوعيين. و بعد ذلك يصرّحون ،مع ذلك " ماذا قدّم؟".فى المقام الأوّل ، تخفق هذه النظرة فى معالجة المسألة – المسألة ليست مسألة " دعاوى و دعاوى مضادة" . تفحّصوا و قيّموا التلخيص/ التأليف الجديد. هناك يكمن بيت القصيدو الإجابة على هذا "السؤال". إضافة إلى ذلك، تاركين جانبا كون بوب آفاكيان لم يكن وحده فى القيام بهذا التقييم لمساهماته، و دون تكرار كلّ ما قد قيل هنا بمعنى " ما قدّمه بوب آفاكيان، فإن هناك مشاكل منهجية جوهرية مع خطّ تفكير " ما الذى قدّمه".
لقد جرى نقاش مطوّل فى مجالات أخرى لمثال ماركس و النظرة التى إعتمدها للوصول إلى الفهم العلمي لسير المجتمع الإنسانيو الطبيعة ككلّ.(11). لكن بإقتضابتعتمد إختراقات ماركس فى هذا المضمار على كلّ من مساهمته النشيطة – و دوره القيادي- فى الحركة الشيوعية فى زمنه، و تقييمات إمتدّت لسنوات لمعلومات تشمل العالم قاطبة و تاريخ المجتمع الإنساني، بالإضافة إلى إلتزامه نقد تشكيلة واسة من المفكّرين و المحلّلين الآخرين. من خلال تطويره ثمّ تطبيقه للمنهج المادي الجدلي على سيرورة المعلومات الميدانية التى كانت تحت تصرفه- و بتطبيق معرفته الشاملة بالطبيعة و المجتمع الإنساني سوية مع موهبته الهائلة فى التفكير الخلاّق- غعستطاع ماركس ( يد بيد مع إنجلز) أن يكشف و يلخّص القوانين الأساسية للطبيعة و المجتمع : الماركسية. و يتضمّن هذا فهما علميا للسير الداخلي لنمط الإنتاج الرأسمالي و كذلك للحاجة إلى و لإمكانية بلوغ الشيوعية. و يبقى عمله اليوم حجر زاوية الشيوعية العلمية.
كما أشار إلى ذلك آخرون أيضا ، ما قام به بوب آفاكيان طوال ال30 سنة و أكثر مماثل إلى حدّ كبير . أوّلا ، كرئيس للحزب الشيوعي الثوري ،واصل تزويد حزبه بالقيادة الشاملة فى تنفيذ العمل الثوريو النضال داخل الولايات المتحدة و كذلك فى لعب دور قيادي فى حركتنا عالميا. و فى نفس الوقت ، و كما تحدّثنا عن ذلك أعلاه ، لقد تعمّق فى التجربة التاريخية لحركتنا ،و فى الإطار النظري الذى قاد تجربته ،و نقد و تقييمات الإشتراكية المتأتّية من كافة النواحي ، و النقاشات و الخطابات الفلسفية و الأخلاقية و السياسية لزمننا الحاضر، و التطوّرات و التحدّيات التى ظهرت على إمتداد العقود الثلاثة الفارطة. ينطوى الإنتاج المتراكم لأعماله طوال هذه الفترة على فهم جديد لعلم الثورة " تعنى الخلاصة الجديدة إعادة تشكيل و إعادة تركيب الجوانب الإيجابية لتجربة الحركة الشيوعية و المجتمع الإشتراكي إلى الآن ،بينما يتمّ التعلّم من الجوانب السلبية لهذه التجربة بابعادها الفلسفية والإيديولوجية و كذلك السياسية". ( آفاكيان "القيام بالثورة و تحرير الإنسانية" ). هذه هي السيرورة و الديناميكية التى عبرها ولدت جملة كاملة من مؤلفات بوب آفاكيان.
مثلما لم يكن ماركس ليستطيع كتابة رأس المال بالتوجه إلى العمل فى مصنع ، يكون خاطئ على حدّ سواء الإصرار على أن آفاكيان ليس بوسعه تقديم تلخيص/تأليف جديد لأنه لم يشارك شخصيا فى كلّ الصراعات الكبرى لحركتنا على مدى الأربعين سنة الماضية. شيئ كهذا غير ممكن و إقتراح أنه شرط القيام بقفزة إلى "مرحلة المعرفة العقلانية" ( كما شرحها ماو فى " فى الممارسة العملية") هو غبتعاد جوهري عن منهج ماركس. و فى التحليل النهائي، بما أنه لا يمكن أبدا توفّر هذا الشرط فسيعنى أنه ليس ممكنا إحداث مزيد التقدّم الشاملالنوعي فى تطوير علمنا.
و بعض الذين يعتمدون على حجة"ماذا قدّم؟" هذه إمّا يشدّدون على أو يدلّلون على أنه من أجل تحقيق التقدّم النظري الذى أنجزه آفاكيان ، على المرء أن يكون قد قاد أوّلا إفتكاكا ناجحا للسلطة ،أو على الأقلّ حربا ثورية كبرى. لكن هذه الحجّة ليست مرّىة أخرى سوى تعبير آخر عن البراغماتية و التجريبية ( مرفوقة فى بعض الحالات بجرعة كبيرة من القومية.) لو أنه تمّ تطبيق هذه المعايير نفسها على ماركس و إنجلز ، ألن نكون مجبورين على إستنتاج أنهما ما كانا أكثر من ثرثارين؟ نعم ، خرجا للشوارع فى شبابهما و كذلك فعل بوب آفاكيان. و على أي حال ،مثل كافة قادة الشيوعيين الآخرين ، فإن القيادة السياسية التى قدّماها ومساهماتهما النظرية، كانت بشكل كبير مستندة على المعرفة غير المباشرة و ليس على التجربة الشخصية المباشرة. لم يقودا أيّة حروب ثورية و لم يعيشا أبدا فى ظلّ مجتمع إشتراكي. و لم يكونا حتى حاضرين شخصيا عندما حدثت كمونة باريس ، إفتكاك سلطة ثوري أوّل ووحيد طوال حياتهما. و بالرغم من غياب مشاركتهما المباشرة فى ذلك الحدث فإنهما لم يتوقفا عن التفكير فى أنه بإمكانهما تلخيصها و إستخلاص دروس نظرية و سياسية حيوية من هذا الحدث القصير زمنيا و مع ذلك المزلزل للأرض.
و ربّما بدرجة أـهمّ ، لئن وقع إتباع المقاربات الخاطئة التى وصفنا هنا فإن سنحصل على نتيجتين خطيرتين –و مترابطتين. أولا أن المهمّة المطروحة موضوعيا مهمّة التقييم النقدي للموجة الأولى من الثورة الشيوعية و تمييز من ضمن الكمّ الهائل من تجربة التقدّم النظري و العملي ما يجب الدفاع عنه و البناء على أساسه، و كذلك الأخطاء و النواقص و أسبابها ، حتى يكون من الممكن القيام ب "الأفضل فى المرّة القادمة" ، هذه المهمّة لم تكن لتنجز . ثانيا، دون إنجاز هذه المهمّة إلى حدّ ما و نظرا لكلّ من ضعف "الموجة الأولى" و كلّ التغيّرات التى حدثت فى العالم منذ أن إفتكّت البروليتاريا سلطة الدولة آخر مرّة ، ثورة أخرى بقيادة شيوعية ما كان يمكن أبدا أن تحدث أو ، إن حدثت لن تقود، على الأرجح إلى فهم ضرورة –و إمكانية – البقاء على الطريق الثوري لفترة زمنية هامّة.
لعلّ لنظرة "من هو؟" و "ما الذى قدّمه؟" بعض الصلاحية على كوكب "اللاأدرية و البراغماتية و التجريبية" لكن هنا على الأرض، المنهج الذى طبّقه آفاكيان فى مواجهة و تحويل الضرورة التى واجهتها حركتنا من ناحية تحليل و فهم تجربة أوّل موجة من الثورة الشيوعية و التطورات مذّاك تنسجم بالضبط مع المنهج و النظرة العلميين الأساسيين اللذين طوّرهما أولا ماركس و إنجلز و طبقاهما. وهو يقوم بذلك ،وضع آفاكيان مستوى عالى جدّا بالحفاظ على نظرة مبدئية للغاية حيال كافة البحوث و النقاشات و الصراعات- بما فى ذلك إحترام كبير لمساهمات و آراء الآخرين. و النتائج ببساطة أكثر من ممتازة... إنها حقّا بالغة الأهمّية و منارات.
أمّا بالنسبة لإدعاءات "عبادة الفرد" التى رفعت ، فإن هناك نقطتان ينبغى إثارتهما. قبل كلّ شيئ ، تتعلّق المسألة بالحاجة للقيادة و دورها و ليس ب"عبادة" . الحاجة للقيادة ليست شيئا يُفرض على الواقع من قبل الشيوعيين، بالأحرى تظهر جوهريا من التناقضات الكامنة و ظروف المجتمع الطبقي و السيرورة التى عبرها تتطوّر المعرفة العقلية.
هناك سؤالان أساسيان يجب التطرّق إليهما:
1- هل يمثّل تلخيص/ تأليف بوب آفاكيان الجديد إختراقا فى غلمنا كما يقدّم ،نعم أم لا؟ و حتى إن أجبتم ب"لا" ، يظلّ من اللازم الخوض فى أعماله و شرح لماذا "لآ"... ليس بوسعكم ببساطة أن تصدروا هذا الرأي تأسيسا على حجج صغيرة لامادية أو حتى ضيقة. ( إذا إتخذتم موقفا جدّيا و صارما و لا زلتم غير مقتنعين ، حينها على الأقلّ ، حججكم ستساعد شخصا آخر على الفهم) . و
2- إذا أجبتم ب "نعم" ألا تواجهون ضرورة المساعدة على جعل كلّ من التلخيص/ التأليف الجديد و مؤلفه معروفا على أوسع نطاقممكن عبر المجتمع...إذا كان بوب آفاكيان يضطلع فعلا بالدور الذى عنه تحدّثنا ، بالتالى أليس من الضرورة الملحّة أن يتنبه لهذا الناس فى كلّ مكان و لكافة الأبعاد التى يعنيها بالنسبة لصراعنا و أعمالهم إلخ؟
لا أحد يتحدّث عن القبول الخانع للتلخيص/ التأليف الجديد، بل بالأحرى عن نقاش نقدي و صراع مبدئي و فهم واعي...فهذا لا علاقة له ب"العبادة" أو الخرافة من أي نوع و لا بالترويج لضرب من القائد الشامل المعرفة و المعصوم من الخطإ فوق كلّ نقد. فى الحقيقة ، ما تتمّ الدعوة إليه هنا هو بالضبط نقيض مثل هذه الأفكار.
فى مقدّمته ل ستّ قطع سهلة" ، وصف الفيزيائي ريشارد فاينمان المبدأ العلمي بالجملة التالية: " محكّ كلّ المعرفة هو التجربة " و كتب "التجربة هي المعيار الوحيد للحقيقة العلمية ". لكنه يتساءل "ماهو مصدر المعرفة ؟ من أين تأتي القوانين التى سنعرّضها للتجربة؟ " (12)و أجاب "التجربة يمكن أن توفّر لنا "تلميحات"بشأن قوانين الطبيعة الكامنة لكن بلوغ " التعميمات العظيمة" –التعميم النظري للقوانين الكامنة ذاتها – هناك حاجة أيضا إلى الخيال".
و فى حين أن فاينمان ليس ماديا جدليا(13) ، -و هكذا يضع حدودا لماديته- و لا يرى عمله فى إطار أو مرتبط بالنضال فى سبيل الشيوعية ، فإنه مع ذلك يسجّل هنا نقطة هامّة للغاية ، نقطة صحيحة كذلك بالنسبة لتطوير النظرية الشيوعية. لحدوث قفزة ، على أي نوع من النظرية العلمية الصحيحة بما فى ذلك النظرية الشيوعية أن يشتمل على صورة ( نحت مفاهيم) لم توجد بعدُ ( أو ،فى العلم، تأكّدت عبر التجربة) أي ينبغى أن " تتقدّم الممارسة ".
و يتطلّب التقدّم النظري النوعي فى النظرية الشيوعية ليس فقط المعلومات الميدانية المتحصّل عليها عبر النضال الثوري و أوسع نطاق من الأشكال الأخرى من الممارسة، كلن أيضا إلى نظرة مادية جدلية و تطبيق خيال و رؤية للسصيرورة و تلخيص تلك المعلومات . و قد بيّن بوب ىفاكيان مرارا و تكرارا مسكا عميقا بالمنهج المادي الجدلي و "بخيال شيوعي" من طراز إستثنائي و بحث إستراتيجي – ممزوج مع صرامة علمية وروح ثورية رومنسية و حبّ للشعب. إنه نوع نادر للعالم الرديكالي الذى، إلى الآن على الأقلّ يبظهر مرّة أو مرّتين فى جيل- هذا إذا ما ظهر.
علاوة على ذلك ،هذه الصفات الإيجابية و الدقرات لا تسقط من السماء فى شكل منمهي. إنّ تطوّر آفاكيان السياسي شأنه شأن كلّ شخص آخر ، نتيجة للضرورة و الصدفة. هناك الكثيرمن الصدف هنا. بالعودة إلى 1969 لم يوجد مطلقا ضمان مهما كان أن بوب آفاكيان سيابع الطريق الذى إتبعه و يتقدّم فيه إلى الحدّ الذى تقدّم. كان هناك أكثر من بضعة أشخاص لهم خلفيات و صفات مشابهة جدّا و باشروا ذات الطريق العام فى ذات الوقت تقريبا و تاهوا أو نزلوا على حافة الطريق فى منعرج منم المنعرجات المتعدّدة طوال المسار. لذا مساهمات بوب آفاكيان ليست نتيجة بعض العبقرية الفطرية أو سير الأحداث المقدّر و الحتمي أو "إبداع فردي" إنها نتاج سيرورة معقدة محدّدة تاريخيا كان من الممكن- فى إرتباط بعدد كبير من العوامل- أن تفرز تماما نتائج مناسبة أقلّ.(14)
فى الختام ، و إذا سمحتم لى هنا أن أعيد صياغة :" دعونى أقول شيئا للشيوعيين الثوريين ضمن الجمهور..."
بوجه خاص ،النقطة الأخيرة أعلاه يجب أن تستخدم للتشديد فقط على مدى فرادة و أهمّية رفيقنا بوب آفاكيان بالنسبة لقضيتنا و نضالنا المشتركين. فى منتهى الأهمية إستيعاب هذا و فهمه.
حينما مات ماو فى 1976 كان الحدث كما لو أن الحركة الشيوعية بأكملها مسكت أنفاسها و ظلّت تتأمّل ما سيجدّ: ليس فحسب داخل الصين ذاتها لكن أيضا فى علاقة بما سنقوم به دون القائد العظيم على رأس صفوفنا. فى ذلك الوقت، ألقى بوب آفاكيان خطابا فى إجتماع إحياء لذكرى ماو فيه قال:
" لذا عندما يثيرون مسألة من سيكونون ورثة ماو تسى تونغ فإن الطبقة العاملة جاهزة بإجابتها : نحن سنكون ورثة ماو تسى تونغ، بملاييننا و مئات ملاييننا و سنواصل القضية التى من أجلها قاتل و التى من أجلها قادنا و التى إليها كرّس كامل حياته ، إلى البلوغ النهائي للهدف العظيم ، هدف القضاء على الإستغلال و الإضطهاد و الشيوعية" (15).
كان هذا توجها مهمّا جدّا للإرساء و موقفا وجب إتخاذه فى ذلك الوضع. و لأن الجماهير ، فى آخر التحليل ،هي صانعة التاريخ- و لإعادة صياغة لبوب آفاكيان ، و على هذه الجماهير فى النهاية أن تحرّر نفسها- من الصحيح أيضا قول إن الجماهير بملايينها ستكون وريثة ماو تسى تونغ. بيد أنه بعد قول ذلك ، و بالعودة إليه الآن ، أعتقد أنه علينا أن نقرّ بانّ موقفه نوعا ما أحادي الجانب.
الجماهير تصنع التاريخ لكن إذا أريد للتاريخ أن يقود إلى عالم شيوعي فإنها تحتاج إلى قيادة : قيادة شيوعية أصيلة، بما فى ذلك الوجوه النادرة و البارزة مثل ماو تسى تونغ. لبذا فإن المسألة حينها كانت كذلك : ما هو القائد أو القادة الذى سيتقدّم أو الذين سيتقدّمون لتلبية تلك "الحاجة العظيمة"؟ هنا ثمّة جدليةمهمّة. دون أناس قادرين على القيام بمساهمات إستثنائية على مستوى ماو تسى تونغ ، من غير الممكن لأي شخص آخر تقديم أقصى مساهماته و للإنسانية ككلّ أن تبلغ يوما فيه يزول تقسيم العمل المؤسساتي و الدائم بين قادة و مقودين. (16)
فى ضوء كلّ ما قيل هنا ، ينبغى أن يكون واضحا أنّ من رأيى أنه لا جدال أن بوب آفاكيان ، غير كافة إلتواءات و منعرجات اللعقود الثلاث الماضية،و رفع التحدّىو تقدّم للنهوض بالدور و تلبية الحاجة الموضوعيين. و لم يظلّ فى السباق فقط بل ألّف "جملة أعمال" تتضمّن تلخيصا جديدا لفهنا لعلم الشيوعية: مستوى جديد من الحرّية منه ننطلق فى التغيير على نحو ثوري للضرورة التى نواجه حاليا. و هذا عامل إيجابي عظيم لمواصلة التقدّم بالكفاح الملحمي فى سبيل عالم شيوعي.
هكذا ، لهذا السبب و غيره من الأسباب المحلّلة أعلاه يجب علينا و دون تحفّظ أن نعتزّ بالرفيق آفاكيان و ندافع عنه و نحتفى به : و بفخر و جرأة نعرّف جماهير الشعب فى كلّ مكا بدوره و مساهماته و بهذا نساعد على جعل تلخيصه/ تأليفه الجديد قوّة مادية لتغيير العالم . بوسعنا و من واجبنا أن نعلن أن رئيس الحزب بوب آفاكيان فى الحقيقة مثال بارز لما يعنيه أن نكون منابر خطابة و فى خدمة الشعب ، محرري إنسانية فعليين.
مع أحرّ و أصدق تحياتي الشيوعية.
-------------------------------------------
1/ و هذا لا يعنى أن مثل هذه النزعات الخاطئة غير موجودة أو ليس لها تأثير اليوم، لكن فى ذلك الوقت وُجد قدر كبير من نقص الوضوح حول ما إذا كان يجب أن تقيم هذه المسائل على قاعدة ماركسية-لينينية أم بنظرة أخرى؟
2/ أنا لا أستطيع هنا أن أعالج المظهر الذى أثير فى مختلف الوثائق المنشورة من قبل آفاكيان و الحزب الشيوعي الثوري و التى فيها يتمّ التصريح بأنّ تأسيس الحزب ، فى جوانب معينة ، ونظرا لتأثير الإقتصادوية ، يُعدّ تقدّما كبيرا كما أنّه "نقطته المنخفضة".و كان من الأفضل بكثير ، بداهة، أن تكون لنا "نقطة منخفضة" إنطلاقا منها بإمكاننا أن نبني ، من أن لا تكون لنا مثل هذه النقطة.
3/ يشير هذا إلى رفاق ماو، الأربعة قادة الأقرب إليه أثناء الثورة الثقافية وزمن وفاته. مثّل إيقافهم قلب الإنقلاب المضاد للثورة الذى نظّمه دنك سياو بينغ و التحريفيون الآخرون فى الصين.
4/ أهمّ وثائق هذا الصراع نشرها الحزب الشيوعي الثوري فى كتاب " الثورة و الثورة المضادة : الإنقلاب التحريفي فى الصين و الصراع صلب الحزب الشيوعي الثوري".
5/ فى "الثورة و الثورة المضادة " حيث نشرت أهمّ وثائق قيادة الحزب الشيوعي الثوري إلى جانب وثائق "مركز قيادة جرفيس-برغمان" ( المناشفة) ، هناك نصّ " الصين تتقدّم على الطريق الإشتراكي" (هكذا). و فيه يعتبر المناشفة "إنقلابا" إجتماع اللجنة المركزية أين إستطاع آفاكيان أن يكسب الأغلبية لمساندة موقفه حول الصين. و يذهبون إلى حدود الإعتراض على كون نصّه وزّع إلى القيادات العليا- و هم ضمنهم- قبل الإجتماع ،كما لو أن التصرّف بصورة مفتوحة و صريحة أمر سلبي.و يمضون فى مناقشة أسباب عدم قيامهم "بوضع حواجز طريق حقيقية فى طريق الحزب". و فى محاولة شرح هذا "الإخفاق" و لماذا فى نهاية النقاش فى إجتماع اللجنة المركزية صوّتوا عمليا لصالح الموقف الذى قدّمه آفاكيان، و بعد ذلك قرّروا "التمرّد" ، إحدى الأسباب التى ساقوها هي "...خوفنا من مواجهة رئيس الحزب فى معركة وجها لوجه..." هل أنّ ما أسموه "خوف" يعزى لكون آفاكيان كان يقضى ليليه فى مشاهدة ألإلام بروسلي ،لذا بإستطاعته سحب أدوات قتال و إستعمالها ضدّهم؟ أم هل أن " المناشفة" "يخافون" نتيجة إتخاذ آفاكيان مواقفا تقوم على تحليل صلب وهو مستعدّ و قادر على تقديمها بطريقة مقنعة و الدفاع عنها بعناد، بينما من جهتهم ، كان المناشفة يذرون الرماد لا غير؟ ( أنظروا "الثورة و الثورة المضادة ... – ص 143-144).
6/ و كذلك حينذاك، وجدت برامج رئيسية نظّمت فى نيويورك و سان فرانسسكو فيها شرح آفاكيان السير الصحيح للأحداث التى قادت إلى إنقلاب فى الصين و جعلته إنقلابا ناجحا. و قد نشر فى كرّاسبعنوان "خسارة الصين و الإرث الثوري لماو تسى تونغ".
7/ و يمكننى أن أضيف هنا و فقط لتأكيد النقطة ، أنه منذ ذلك الوقت لم يتشكّل حزب وحيد له غنعكاسات كبرى فى بلد غمبريالي. يمكن أن يقدّم البعض أفكارا حول سبب ذلك، و ما يعنيه أن توجد فى بلد غمبريالي الأقوى عالميا راهنا ،طليعة شيوعية حقيقية و علاقتها بالدور الذى نهض به آفاكيان.
8/ " بوب آفاكيان فى نقاش مع الرفاق حول الإبستيمولوجيا : حول معرفة العالم و تغييره"مذكور فى "ملاحظات حول الفنّ والثقافة ، العلم و الفلسفة "، صفحة 44 .
9/ المسألة هنا ليست محاولة "مقارنة " هذه الأشياء بعضها ببعض ،هذه مسألة تطوير المعرفة و الفهم: الأوّل أرسى فى الحقيقة قاعدة للثاني و ساعد على الوصول إليه.
10/ كما يشرح بدقة أكبر فى "القيام بالثورة و تحرير الإنسانية" فإن هذا يتضمّن " فسح مزيد من المجال للتعبير عن الحاجيات الفكرية و الثقافية للناس ، بالمعنى الواسع ، و السماح بسيرورة أكثر تنوّعا و أغنى ، سيرورة الإكتشاف و التجربة فى مجالات العلم و الفنّ و الثقافة و الحياة الفكرية عموما، و مجال متزليد لنزاع مختلف الأفكار و المدارس الفكرية و المبادرة و الخلق الفرديين و صيانة الحقوق الفردية بما فى ذلك مساحة لتفاعل الأفراد فى "المجتمع المدني" بإستقلالية عن الدولة ، كلّ هذا فى إطار تعاون و جماعي و فى نفس الوقت بما أن سلطة الدولة مموسوكة و متطوّرة كسلطة دولة ثورية فى خدمة مصالح الثورة البروليتارية ، فى بلد معيّن و عالميا،و الدولة هي العنصر القائد و المركزي فى الإقتصاد و فى التوجه العام للمجتمع، بينما الدولة ذاتها تعرف تغيّرا مستمرّا إلى شيئ مختلف راديكاليا عن الدولة السابقة، كجزء حيوي من التطوّر نحو تالقضاء الممكن على الدولة ببلوغ الشيوعية على النطاق العالمي."
11/ لتنظروا على سبيل المثال إلى : "الإلتصاق ب"الواقع الرأسمالي الفظيع" أم رسم طريق للمستقبل الشيوعي ؟ ردّ على رسائل مايك آلي التسع" ،بقلم مجموعة كتابة من الحزب الشيوعي الثوري.
12/ "ستّ قطع سهلة : مبادئ أساسية فى الفيزياء " شرحها الأستاذ الأبرز، ريتشارد فايمان وهو فيزيائي أمريكي شهير فى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى وفاته فى 1988. فى 1965 حاز على جائزة نوبل فى الفيزياء لعمله حول الديناميكا الكهربائية الكمّية. و "ستّ قطع سهلة" مجوعة محاضرات فى الفيزياء قُدّمت فى الأصل فى 1963 . و المقتطف بكمله يقرأ فيه ما يلى :" مبدأ العلم، مفهومه هو تقريبا التالي: محكّ كلّ المعرفة هو التجربة .التجربة هي المعيار الوحيد للحقيقة العلمية . لكنه ماهو مصدر المعرفة ؟ من أين تأتي القوانين التى سنعرّضها للتجربة ؟ التجربة يمكن أن توفّر لنا "تلميحات"بشأن قوانين الطبيعة الكامنة لكن بلوغ " التعميمات العظيمة" –التعميم النظري للقوانين الكامنة ذاتها – هناك حاجة أيضا إلى الخيال". - إفتراض الأنماط الرائعة و البسيطة لكن الغريبة جدّا وراءها كلّ شيئ و ثمّ التجريب للتحقّق ثانية من أنّنا قدّمنا الفرضية الصحيحة"( ص 2 ، التشديد كلّه فى النصّ الأصلي)
13/ فايمان ، على حدّ علمي ، لم يعتبر نفسه ماديا جدليا . لكن بلوغ تلك الومضات حول ميكانيكا الكم كما بلغ ، بديهيا فرضت عليه أن يتخذ عموما نظرة مادية للواقع. و مثلا ، يقوم كذلك بالتعليق التالي : " إذا تعرّضت كافة معرفتنا العلمية ،بسبب كطارثة ما ، للتحطّم و إنتقلت جولة واحدة إلى ألجيال اللاحقة ، ما هي الجملة الوحيدة التى ستتضمّن أوفر المعلومات فى اٌقلّ عدد من الكلمات ؟ أعتقد أنّها الفرضية الذرّية ...بأنّ كافة الأشياء متكوّنة من الذرّات- الجزيئات التى تدور فى حركة دائمة ، جاذبة بعضها البعض حين تفصل بينها مسافة صغيرة ، لكنّها تتباعد عند محاولة دمجها ببعض".
( المصدر السابق ،ص 4 ، التشديدي فى النصّ الأصلي).
14/ فى " من إيك إلى ماو و ما بعد ..." يقدّم آفاكيان وصفا غنيّا للتفاعل العام للضرورة و الصدفة العاملين هنا: حياته العائلية فى طفولته و مرضه الذى كان يمكن أن يقتله، تأثراته الأولى الشخصية و الإجتماعية و الثقافية وولوج الحياة السياسية فى بركلى فى بداية الستينات، و تجربة التجذّر مع لقاء هوى نيوتن و ألد ردج كليفر، و تأثير ليبال برغمان فى دفعه نحو الماركسية-اللينينية و الشيوعية، وتأسيس الإتحاد الثوري و الحزب الشيوعي الثوري إلخ: قصّة حياته الساحرة ،و زمن و تأثير تفاعله مع الناس و الأحداث – و العكس بالعكس.
15/ مقتبس من "الثورة و الثورة المضادة" ، ص 13.
16/ و لهذه الجدلية جانبها الآخر أيضا: بقدر ما نساهم أكثر فى النضال العام، بقدر ما ترتفع أكثر قاعدة مستوى مساهمات قادتنا البارزين أيضا.

إعادة تصوّر الثورة و الشيوعية
2- ما هي الخلاصة الجديدة لبوب آفاكيان؟
/ " الإنسانية فى حاجة إلى الثورة و الشيوعية "I
اليوم نتحدّث عن الخلاصة / التأليف الجديدة لبوب آفاكيان و إعادة تصوّر الثورة و الشيوعية . وللخوض فى هذا المضمار يتعين الحديث أولا عن لماذا نحتاج إلى الثورة و الشيوعية .
أودّ أن أقرأ مقتطفا من جريدتنا ، " الثورة " ، حول مراقبة الإتحاد الأمريكي للحقوق المدنية للسلوك من قبل 4600 شرطي فى المعاهد الحكومية فى نيويورك . لقد ورد فى تقارير يومية أنه ثمّة وجبة يومية من التحرّش و الإهانة اللفظية
و مثال بعد آخر من العنف السافر. و هذا يشمل ضمن ما يشمل حال بيكو أدواردس الذى كان يتجه نحو قسمه للكيمياء حين أوقفه نائب المدير . و عندما إحتجّ بيكو لعدم السماح له بالإلتحاق بقسمه ، نادى نائب المدير الشرطة. و جاء فى تقرير الإتحاد الأمريكي للحقوق المدنية، وصف لما جدّ بعدئذ :
" الضابط ريفيرا أمسك عندئذ بيكو و دفعه ضد باب تقسيم من الأجر ،متسببا فى جروح فى وجه بيكو و تدفق للدماء, ثمّ رشّ الضابط ريفيرا مادة فى عيني بيكو وعلى وجهه ممّا تسبب فى حروق بعينيه و عوض معالجة الطالب ، طالب الضابط ريفيرا حينها بتعزيزات عبر الراديو و مضى فى تقييد بيكو...و نقل بيكو إلى المستشفى حيث قضى تقريبا ساعتين لعلاج جروحه،و قضى معظم الوقت فى المستشفى وهو مقيّد إلى كرسي ... وهو الآن يواجه خمس تهم إجرامية " (1)
بالنسبة للذين يعرفون ستيفان بيكو ، الثوري من جنوب أفريقيا و الذى سمّي على الأرجح هذا الشاب على إسمه ، يلفون سخرية حادّة و مُرّة هنا. ذلك أن ستيفان بيكو ضرب حدّ الموت فى سجن من قبل شرطة جنوب أفريقيا خلال عهد التمييز العنصري [ الأبرتايد] لحكومة عنصرية أهمّ مسانديها الولايات المتحدة . وتعكس الإهانة التى لحقت ببيكو إدواردس ما يتكرّر يوميا فى كلّ معهد غيتو ، فى نيويورك و عبر البلاد.
أي نوع من النظام يقوم بهذا تجاه شبابه ؟
و دعونى أتقاسم معكم مقتبس من مقال نشر قبل بضعة أسبيع فى مجلّة النيويورك تايمز،وهو يتطرق لوحدة أمريكية مناهضة للتمرّد فى أفغانستان. ضمن عديد الفظائع الأخرى ، يصف هجوما دام ليلة بأكملها على قرية و كيف أن ، بعد الهجوم، للإستشهاد بالمقال:" الملازم الأول مات بيوسا وهو متخرّج من واست بوينت وله من العمر 24 سنة ...أرسل بالراديو رسالة مفادها أن شيوخ القرية كانوا يطالبون بدفن موتاهم .و قد جمعوا الجرحى من المدنيين . النتيجة كانت ثقيلة: 5 قتلى و 11 جريحا ، كلّهم نساء و بنات و أطفال" . و أدعوكم لقراءة المقال بأكمله لتدركوا قليلا ممّا يفعله القتلة الذين يسمّيهم باراك أوباما و هيلاري كلينتون " رجالنا و نساؤنا الشجعان فى الزيّ الموحّد"(2)
الجيش إمتداد للمجتمع الذى عنه يدافع، فما هو نوع المجتمع الذى يفرز جيشا يقاتل على هذا النحو ؟
لنلقى نظرة على أفضل العوالم الممكنة المعولم. تحدّثوا إلى أُسر 150 ألف مزارع فى الهند الذين و قد أفلستهم الرأسمالية المعولمة ، إنتحروا فى العقد الماضي ، عادة بشرب مبيدات الحشرات. وإذهبوا لأنغولا ، فى أفريقيا حيث ، لنقتبس من مقال من التايمز " الأطفال عراة حتى من الملابس الداخلية ،يرقصون فى جداول المجاري و يتزحلقون فوق نفايات القمامة بزلاجات صنعت من اللوح المعدني و يتغوطون فى البرك و يفسدونها. بينما يتفنّن ممثّلو شركات النفط فى عقد الصفقات فى نزل تمتاز بالرفاهة."(3) و لتتوقفوا فى شرقي أوروبا ، حيث آلاف النساء كلّ سنة يختطفون و يجعل منهم عبيد جنس لأجل ذات السوق المعولم.(4).ثمّ توجهوا إلى المكسيك و زوروا أسرة أي من ال 400 رجل و إمرأة الذين يموتون سنويا بسبب العطش و هم يحاولون قطع صحراء آريزونا فى بحث يائس عن العمل.(5) فكّروا فى هؤلاء الناس و قولوا لي و لهم و لأنفسكم إنّ هذا العالم لا يحتاج إلى تغيير جوهري ،رأسا على عقب. قولوا لي إن هذا العالم لا يحتاج إلى ثورة.
ثمّ يثار سؤال "هل يمكن أن توجد ثورة يمكن أن تغيّر حقّا الأشياء؟ ألم يحاول الناس ذلك و فشلوا؟ و حتى إن تمكّنت ثورة من تغيير كلّ هذا ، كيف سيتمّ ذلك فى بلد مثل هذا؟
كانت هذه الأسئلة محورية بالنسبة لأعمال بوب آفاكيان – لما نسميه الخلاصة الجديدة. وهي الأسئلة التى سنخوض فيها اليوم. بديهيا لا يمكن لحديثي أن يشمل جميع ال30 سنة من مؤلفات بوب آفاكيان فى ساعتين. لكن ما أتمنّى إنجازه هو إعطاء معنى لطريقة شاملة جديدة لمقاربة تحرير الإنسانية و التغيير الجوهري ، بالبناء على أفضل ما حصل فى السابق لكن بالسموّ به إلى مستوى جديد.
ولنتوغّل فى الموضوع.
بداية مرحلة جديدة من الثورة :
قبل 160 سنة ، أعلن ماركس و إنجلز فى " بيان الحزب الشيوعي " أن عمال العالم –البروليتاريا الأممية- لم يكن لهم ما يخسرونه سوى قيودهم و لهم عالم يربحونه. و قد وضع ذلك البيان أسس الإختراق التى شقّت طريق قيادة النضال.
و بعد 25 سنة ، حصلت أوّل محاولة قصيرة لثورة بروليتارية مع كمونة باريس و بعد 50 سنة من ذلك ، أوّل إختراق فعلي – أوّل ثورة إشتراكية معزّزة ، جدّت فى الإتحاد السوفياتي ، فى ظلّ قيادة لينين و عقب وفاة لينين ، ستالين. و إلتحقت الصين بالركب حيث توصّلت الثورة إلى السلطة فى 1949 و حيث إثر 17 سنة، شنّ قائد تلك الثورة ، ماو تسى تونغ الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى ، ثورة داخل الثورة ، للحيلولة دون إعادة تركيز الرأسمالية فى الصين و أيضا لأجل مزيد التوجه الفعلي نحو الشيوعية.
و إنتهت هذه المرحلة الأولى من الثورة الشيوعية برمتها فى 1976 إذ لمّا توفي ماو ، جرى إنقلاب مضاد للثورة فى الصين سجن و /أو قتل الذين وقفوا مع ماو فى قيادة الثورة الثقافية. و السياسات التى لطالما ناضل ضدّها وضعت موضع الممارسة العملية و أعيد تركيز الرأسمالية. و اليوم لا وجود لبلدان إشتراكية حقيقية فى العالم. و يشعر الناس عبر العالم و يناضلون بذلك الثقل كلّ يوم ، سواء يعلمون بذلك أو لا يعلمون.
لذا ، كيف التقدّم فى وجه هذا؟ كيف الإبحار فى مرحلة جديدة من الثورة ؟ فى هذا الوضع ، قاد بوب آفاكيان الدفاع عن المكاسب الهائلة لتلك الثورات و الرؤى المضيئة لمفكّريها و قادتها العظام و رفع رايتها و بنى على أساسها. لكنه و بعمق حلّل الأخطاء و النواقص فى المفاهيم و المنهج اللذان أفضيا إلى هذه الأخطاء. و على هذه القاعدة ، صاغ إطارا نظريا متماسكا و شاملا هو الخلاصة و بينما بالتأكيد ينتج هذا و ينبنى على ما حصل قبلا ، فإن هذا التقدّم يتضمّن أيضا قطيعة حقيقية مع الفهم و التجربة الماضيين كعنصر حيوي و لهذا نسميها خلاصة جديدة.
و اليوم سأناقش هذا فى حقول ثلاثة : الفلسفة أو كيف نفهم العالم ، و السياسة ، بالخصوص و ليس حصرا المفاهيم السياسية التى قادت المحاولات الأولى لبناء المجتمعات الإشتراكية و القيام بالتغيير الإشتراكي ،و المفهوم الإستراتيجي الذى يركّز على كيف سننجز عمليا ثورة فى بلد مثل هذا .
الهوامش :
، مارس 2008. ACLU نيويورك ، CLU 1- " تجريم القسم : المبالغة فى عمل الشرطة فى معاهد مدينة نيويورك "
2- "شركة بايل هناك" ، أليزابيت روبين ، مجلّة نيويورك تايمز، 24 فيفري2008 .
3- " فى أنغولا الغنية بالنفط ، الكوليرا تكتسح الأفقر"، شارون لافرانيار، نيويورك تايمز، 16 جوان 2008.
4- أنيتا غرادين ، مبعوث الإتحاد الأوروبي ، مرتينا فندنبارغ، "المرأة اللامرئية" موسكو تايمز ،8 أكتوبر 1997.
5- مجموعة عمل أمريكا اللاتينية.
------------------------
/ فلسفة لفهم العالم و تغييره :II
الآن بالفلسفة نعنى طريقة مستنبطة نوعا ما لفهم العالم تقود و تأثّر على كيفية رؤية الناس لموقعهم فيها و ما يفكرون أنه يمكن أو يجب أن يفعل بصدده. إذا فكّرتم أن الناس "ينزعون إلى أن يكونوا أنانيين بسبب إرثهم الجيني " هذه فلسفة. إنها طريقة فهم كافة العالم و المجتمع وهي ستقود ما تعتقدون أنه يمكن و يجب القيام به.
إذا قلتم إنه ليست لديكم فلسفة ، أنتم تقبلون بما ينجح ، و للأسف هذه أيضا فلسفة ، فلسفة البراغماتية المصنوعة فى الولايات المتحدة الأمريكية. إذا تبنيتم هذه الفلسفة ، لا تفكّرون كثيرا فى الأسباب الكامنة ،و الديناميكية الأوسع التى تشكّل العالم – فقط تقبلون بالعالم كما هو و تحصرون أنفسكم فى إصلاحات جزئية.
و إذا قلتم إنّ جميع الفلسفات هي فقط " منشآت إجتماعية " جميعها متساوية الصلاحية أو اللاصلاحية، لبلوغ الحقيقة ، و إذا تساءلتم حتى عن وجود مثل هكذا شيئ كالحقيقة ، هذه أيضا فلسفة وهي النسبية ، فلسفة منتشرة جدّا. لسوء الحظّ و إن كان متوقعا ، تنسجم مع عدم القناعة بالمعارضة الصارمة و النضال الفعلي ضد كافة الجرائم الحقيقية للقوى السائدة.
للفلسفة أهمّية ،بكلمات أخرى ، لها أهمّية فى ما تفعلون.
حسنا ، الشيوعية كذلك تتبنّى فلسفة. و فى موقع القلب من الخلاصة الجديدة يوجد عمل بوب آفاكيان للتساؤل النقدي أو التحليل لأسس الشيوعية ووضع هذه الأسس لفهم كيف أن ذلك كذلك ، سيتعيّن علينا معالجة بعض المفاهيم المعقّدة جدّا. و بعض هذه المفاهيم فى البداية ستكون معقّدة و ربّما غير معتاد عليها لكن إبقوا معنا ، فلكل هذا تبعات فى منتهى الأهمّية بالنسبة ل"العالم الحقيقي" و أرجو أن تصبح الأمور واضحة.
إختراقات ماركس:
كان كارل ماركس و فريديريك إنجلز طالبان يدرسان المنهج الجدلي الذى طوّره الفيلسوف الأماني هيغل الذى أدرك أن كلّ شيئ فى العالم يتغيّر و يتطوّر بإستمرار. و هذا التطوّر مردّه إلى القوى المتنازعة التى تتواجه و تتصارع داخل كل ظاهرة و سيرورة . حتى عندما يظهر شيئ ما على أنه مستقرّ نسبيا... فإن الصراع و التغيّر و التطوّر لا يحدثون داخله فقط بل يعطونه طابعه بالذات.و هيغل تقدّم بأنه عبر صراع الأضداد يمكن أن يمسي أحد المظهرين مهيمنا ، و النتيجة قفزة نحو شيئ جديد جوهريا.
لنأخذ مثالا، لم يكن بالمناسبة بإمكان هيغل معرفته .فالشمس تبدو فى شكل كرة صلبة حمراء حارة، و فى الواقع ، هي مجموعة من الإنفجارات الحرارية النووية المتواصلة التى تحوّل الهدروجان على سطح الشمس إلى هيليوم بما يشعّ حرارة و ضوءا. و شمسنا ستشهد مراحلا من التطوّر ، مغيّرة تكوينها و حجمها و كمّية الحرارة و الضوء اللذان تفرزهما ، إلى أن تموت كما هو محتمل و تغدو غذاءا لنجوم جديدة. إنّه مثال للوحدة و الصراع و تغيّر الأضداد بما يفرز شيئا جديدا.
غير أن هيغل حدّد مصدر كلّ التطوّر فى مجال الأفكار السابق الوجود و هذه الأفكار تظهر تاليا فى العالم المادي. بهذا المعنى ، كان هيغل مثاليا فلسفيا. و الآن ، للمثالية فى الحقل الفلسفي معنى مختلفا عن المعنى فى حياتنا اليومية . فى حياتنا اليومية ، عادة ما تعنى المثالية أن الإنسان يهتمّ بأكثر من نفسه. لكن فى حقل الفلسفة ، المثالية تحيل على مفهوم أن الأفكار تأتى قبل العالم المادي ، أو توجد فى مجال أرقى مستقلّ عن هذا العالم.
لنأخذ الدين. "فى البدء كانت الكلمة" ،أو " كلّ شيئ يسيطر عليه و يخلقه إلاه يوجد فى مجال مختلف و غير مادي" أو " كلّ عذابي هو فعلا جزء من ما قدّره لى الإلاه" – هذه جميعها تشكّل الفلسفة المثالية. أو لنأخذ كتاب "السرّ" الذى يقول إنّكم تخلقون عالمكم بأفكاركم. مجدّدا هذه مثالية ذلك أنّ فى الواقع ، تفكيركم يتطوّر فى علاقة و فى إطار المجتمع المعين الذى فيه ولدتم و موقعكم فى ذلك المجتمع، و "الخيارات" التى يقدّمها إليك.
فى تعارض مع المثالية توجد المادية. و من جديد ، يختلف الإستعمال الفلسفي اليومي لتلك الكلمة . اليوم حين يتحدّث غالبية الناس عن المادية يقصدون شيئا مثل الإستهلاكية...حبّ المادة/المال لكن فى حقل الفلسفة ،تقف المادية من أجل نظرة تبحث عن أسباب الظاهرة ، بما فيها أفكارنا ، فى الديناميكية الحقيقية للعالم المادي. والوعي خاصيّة شكل معيّن من المادة المفكّرة ، أي البشر.
طوال زمن ماركس ، كانت المادية السائدة ميكانيكية أي أن ماديي ذلك الزمن إستوعبوا أنه يمكن معرفة قوانين العالم الفيزيائي ، إلاّ أنهم كانوا ينزعون إلى رؤية هذه القوانين كشيئ مستقرّ و شبيه بالميكانيكا ، نوع من العالم الذى يعمل مثل الساعة. إستطاعوا أن يروا الأرض تدور حول الشمس و قوانين الجاذبية التى وفقها تعمل ،و الطرق التى بها كانت تستطيع مواصلة الحركة ، غير أنهم لم يدركوا الطريقة التى بها الشمس ذاتها ظهرت و التطوّر الذى شهدته و كيف ستموت و من ثمّة كانت وجهات نظرهم محدودة و إنعكس ذلك فى فلسفتهم . ببساطة لم يستطيعوا إدراك كيف أن التغيير النوعي ، نشوء الأشياء الجديدة كليا، أو" الطفرات" ،يمكن أن تنجم عن الأسباب المادية.
أخذ ماركس و إنجلز الفكرة اللامعة العظيمة للجدلية من هيغل ، فكرة أن كلّ شيئ يتغيّر بفعل صراع قوى الأضداد ،و خلّصاها من مثاليته ، و تبنيا الفهم المادي بأن الواقع يوجد بإستقلالية عن و قبل كلّ فكر و خلصاه من المادية ذات الطابع الميكانيكي. فكانت الخلاصة المادية الجدلية : فهم أنّ كلّ شيئ فى العالم يشهد تغييرا و تطورا مستمرين بفعل القوى المتضادة صلبه و انّ الفكر الإنساني ذاته إفراز و إنعكاس لهذه السيرورة ، و يتفاعل معها.
وضع دراسة المجتمع على أساس علمي :
و طبّقا ذلك على وضع دراسة المجتمع الإنساني على أساس علمي و طوّرا المادية التاريخية. فقد حلّلا قبل كل شيئ كونه يترتب على الناس أن ينتجوا ضروريات الحياة ، و أنه عليهم أن يدخلوا فى علاقات مع بعضهم البعض لإنتاج ذلك – أي فى علاقات إنتاج.
و تتناسب علاقات الإنتاج هذه تقريبا مع مستوى معيّن من قوى الإنتاج، أي من التقنية و المصادر و معرفة الناس فى أي مجتمع معيّن و زمن معيّن. فى النظام العبودي ، جرى الإنتاج عبر علاقات بين الناس فيها كانت طبقة تمتلك تماما طبقة أخرى . و تتناسب عموما علاقات الإنتاج هذه خلال العبودية مع فلاحة واسعة النطاق بأدوات بدائية للغاية.
فى الرأسمالية ، يتمّ الإنتاج عبر العلاقات بين الناس حيث طبقة هي الرأسماليون تمتلك المصانع و المخازن و ما إلى ذلك و حيث الطبقة الرئيسية الأخرى أي العمّال أو البروليتاريون لا يملكون شيئا سوى قدرتهم على العمل، و عليهم بيع تلك القدرة لأجل البقاء على قيد الحياة. الرأسماليون لا يمتلكون العمال كلّيا ، لكن عوض ذلك يدفعون لهم أجورا حينما يستطيعون الإستفادة منهم و يطردونهم حينما لا يستطيعون مثلما نري ذلك من حولنا الآن ، بالمناسبة. و تتناسب علاقات الإنتاج هذه مع وجود واسع النطاق لوسائل إنتاج تتطلّب تعاون الناس للقيام بالعمل ، عندما يذهب الناس لمصنع لصناعة الحديد و الجرارات ، عليهم العمل بصفة مشتركة للقيام بذلك.
كل من الرأسمالية و العبودية نظامان إستغلاليان ، لكن علاقات الإنتاج مختلفة. لذا للمجتمعات المختلفة نوعيا علاقات إنتاج مختلفة. و أبعد من ذلك ، تنشأ علاقات الإنتاج المختلفة نوعيا حكومات نوعيا و مفاهيم مختلفة عن الحقوق و الواجبات و الأخلاق المختلفة.
مثلا كُتبت التوراة ، بما فى ذلك العهد الجديد ، خلال عهد كان فيه جزء هام من الإنتاج ينجز عبر علاقات العبودية . لهذا لا وجود بأي معنى فى أي مكان من الإنجيل بأن العبودية جريمة ضد الإنسانية، بإستثناء حصولها للإسرائيليين فى "العهد القديم "من قبل غير اليهود. و هكذا إستعمل الإنجيل ببساطة من طرف سادة العبيد فى الجنوب القديم لتبرير العبودية .
و اليوم ، و الحال أنّ العبودية لم تعد تتناسب مع مصالح الطبقة السائدة ، فإن الرأي العام السياسي و الثقافي يجدها فظيعة. لكن إستغلال العمال من قبل الرأسماليين و طرد هؤلاء العمال عندما لم يعودوا مصدر إستغلال مربح، ينظر إليه فقط
ك " هذا حال الأشياء و هذه طبيعة الإنسان" ، بالضبط مثلما كانت العبودية. مثل العاملين على إلغاء العبودية قبل الحرب الأهلية الأمريكية ، لكن على أساس أكثر علمية ، نحتاج إلى فضح أن هذه ليست طبيعة الإنسان مثلما لم تكن كذلك فى العبودية ، لكن ببساطة هي نتيجة العلاقات الرأسمالية و علينا أن نتقدّم بأخلاقنا المختلفة و المعارضة لذلك، القائمة على جملة مختلفة من علاقات الإنتاج و العلاقات الإجتماعية.
لنعتمد مقاربة علمية ، مادية تاريخية للحال التى بدأت بها الخطاب، ما الذى قاد إلى تعنيف بيكو أدواردس و الطلبة الآخرين؟ هل كان " تصرّفا غير قانوني" ليس لسبب وجيه ؟ حسنا ، يجب أن تنظروا إلى الإطار الإجتماعي الشامل و التاريخ الأوسع و الأشمل لما قاد لذلك الحدث. عليكم التساؤل : كيف إنعكست علاقات الإنتاج فى المجتمع- و مختلف الطرق التى أجبر السود من خلالها على إيجاد علاقتهم بها ، عبر التاريخ، على هذا ؟ عليكم أن تحلّلوا علميا ما الذى حوّل الأمريكان ذوى الجذور الأفريقية إلى أوّلا عبيد ، مختطفين و منزوعين من منازلهم و مجلوبين إلى هنا مقيدين بالسلاسل ليشيّدوا الثروة العظيمة لهذه البلاد و ثمّ إلى مزارعين محصورين فى المزارع بعد الحرب الأهلية و ثمّ قيدوا و سحبوا إلى المدن بالأساس كعمّال فى أكبر الأعمال إستغلالا و إضطهادا...و الآن إلى وضع حيث غالبية الأمريكان من جذور إفريقية هم سواء عبيد مأجورين أو يعاملون كفائض بشر- و فى حال شباب السود مثل بيكو إدواردس يعاملون كمجرمين ( و مرّة أخرى مقتبسين من" النيويورك تايمز "، يوجد1 من 9 شبان سود فى السجن ما يمثّل أعلى نسبة مسجونين فى العالم) (1).
عليكم تحليل المؤسسات و الأفكار التى ظهرت و تركّزت و جرى تشجيعها فى كلّ فترة من هذه الفترات. عليكم أن تحلّلوا كيف أنّ تفوّق البيض شهد تغيرات ، لكنه يظلّ قويا للغاية عبر كافة المؤسسات فى المجتمع. عليكم أن تنظروا إلى كلّ هذا فى علاقة بكلّ الظواهر الهامة الأخرى فى المجتمع. و ثمّ على أساس كلّ ذلك يمكنكم أن تشرعوا فى تحليل علمي من أين أتى و يأتى هذا الإضطهاد و ما الذى يجب أن تفعلونه للتخلّص منه. لذا هذا مثال للمقاربة المادية التاريخية.
تجاوز النواقص :
من الصعب التشديد على أهمّية إكتشاف ماركس و مساهماته عامة فى الفكر الإنساني و تحرير الإنسانية. لقد صاغ سوية مع إنجلز القاعدة النظرية فعبّدا الطريق .
لكن وجدت، و هذا ليس أمرا عجيبا، نواقص فى طريقة ماركس و إنجلز مع ذلك و إمتزجت هذه المشاكل مع هنات منهجية جدّية لدى ستالين الذى قاد الإتحاد السوفياتي و الحركة الشيوعية العالمية لتقريبا ثلاثين سنة بعد وفاة لينين. و الأسوأ هو أن هذه الأخطاء جاءت فى وقت كانت هناك حاجة ماسة للتقدّم فى الفهم. لقد ناضل ماو ، قائد الثورة الصينية، ضد هذا المشكل، غير أنه هو ذاته كان يصارع ضد إطار موروث و لم يكن حرّا من تأثيره. و كانت لهذه النواقص تبعات.
الآن ، حدّد بوب آفاكيان و بعمق نقد الهنات من أربع أبعاد فى الفلسفة الشيوعية. وهي تخصّ أوّلا ، قطيعة أتمّ مع مثالية ، و حتى تقريبا دينية، أشكال التفكير التى وجدت طريقها إلى تأسيس الماركسية و لم يقع القطع معها، و ثانيا، فهم نوعي و أبعد و أعمق للطرق التى بها تتداخل المادة و الوعي و تتحوّل الواحدة إلى الأخرى ، ثالثا ، نقد طيف من المشاكل المرتبطة بالبراغماتية و التيارات الفلسفية المرتبطة بها و رابعا ، إبستيمولوجيا أو طريقة بلوغ الحقيقة مختلفة. و فى القيام بهذا ، وضع الماركسية على قاعدة أكثر علمية.
بداية ، حفر آفاكيان و نقد و قطع مع بعض النزعات المشابهة للدين الثانوية لكن مع ذلك الهامة ، التى وجدت سابقا داخل الحركة الشيوعية و النظرية الشيوعية ، نزعات رؤية بلوغ الشيوعية ك " حتمية تاريخية " و النظرة المرتبطة بالشيوعية كأنها تقريبا جنّة ، نوع من " مملكة التناغم الكبير" ، دون تناقضات و صراعات ضمن الناس. لكن الشيوعية ليست حتمية . لا وجود لتاريخ "يشبه الإلاه" ب حرف "ت" كبير يدفع الأمور نحو الشيوعية . و بينما سوف تضع الشيوعية نهاية للعدائية و النزعات العنيفة بين البشر ، ستتميّز بعدُ بالتناقضات و النقاشات و الصراعات التى ستخاض دون نزاع عنيف وهي ستكون فعلا أمرا جيدا جدّا، بما أنّ هذا سيساهم بإستمرار فى تحقيق مزيد فهم و مزيد تقدّم تحويل الواقع فى إنسجام مع المصالح الشاملة للإنسانية.
كانت نظرة كون إنتصار الشيوعية "حتمي" و يدفعه التاريخ ب "ت" كبيرة و نزعة رؤية الشيوعية كنوع من الطوباوية دون تناقض و صراع ، بالأحرى بارزة لدى ستالين و لكنها وُجدت فى الماركسية إلى درجة معيّنة بصورة عامة. فى بعض مظاهرها و على درجة معيّنة ، قطع ماو مع هذه الأنواع من النظرات و المناهج ، غير أن المسألة هي أنه وُجد بعدُ ، حتى لدى ماو ، مظهر من "الحتمية " و التيارات المرتبطة بها ، وقام آفاكيان بمزيد القطع مع هذه الطرق فى التفكير ، هذه الطرق التى توحي بعنصر ديني داخل الماركسية ، حتى عندما لم يكن ذلك العنصر أبدا رئيسيا أو محدّدا بالمعنى الخاص بالنظرية الماركسية ذاتها . فى هذا الصدد ( و كذلك بالمعنى العام ) لم يقم آفاكيان بالدفاع عن ماو و لخّص مساهماته فى الثورة و فى النظرية الشيوعية فقط بل أنجز القطيعة التى مثلها ماو مع ستالين ، و على ذلك الأساس قام آفاكيان الآن ببعض القطيعة مع بعض الفهم لدى ماو أيضا.
قول إنّ الشيوعية ليست حتمية لايساوى قول إن التاريخ هو ببساطة خليط . بالفعل ، ثمّة منطق تاريخي ، كما وضعه ماركس ، إعتمادا على أنّ القوى الناتجة ( مرّة أخرى الأرض و التقنية و الموارد و الناس بمعارفهم) تورّث من جيل إلى آخر وهي تتطوّر بإستمرار ،و أنّه عندما تصبح العلاقات التى يدخل فيها الناس لإنجاز الإنتاج معرقلة لمزيد تطوّر هذه القوى، يحدث تغيّر كبير . و صارت علاقات العبودية الجنوبية ،التى وجدت لعقود مع و غذّت الرأسمالية الشمالية ، بالأساس معرقلة لتوسّع الرأسمالية الشمالية فكانت النتيجة حربا أهلية.
و حدث كما قلت تغييرا كبيرا.
الآن حلّ هذا حلاّ إيجابيا ، تقدّمنا على طريق الحياة الشيوعية الممكنة حاليا ، أمر غير "مضمون". إنه مرتهن بنا و بما إذا نقوم بالعمل الصعب لتطوير كلّ من فهمنا العلمي للمجتمع و للطبيعة و قدرتنا على إنتزاع حرّية من التحدّيات التى تواجهنا.
مثل الإعتقاد الديني ، يمكن " لضمان الحتمية " أن يواسيكم و يهوّن عليكم ، إلاّ أنه غير صحيح و يذهب ضد مواجهة الواقع كما هو . بالفعل إنه يقيّد تفكيركم فى ما يتعلّق بمختلف الطرق الممكنة للتطوّر الإنساني ، الطرق التى هي عرضة لحواجز فعلية حقا وهي "محدّدة " بهذا المعنى ، لكنها لا تسير بإتجاه محدّد سلفا.
و الشيوعية لن تكون جنّة أو مملكة الإنسجام العظيم ، كما قلت ، شأنها فى ذلك شأن كلّ شيئ آخر، ستتغيّر و تتطوّر عبر فعل تناقضات الصراع ، بإختلاف بالأحرى هائل ألا وهو أن هذا الصراع لن يحدث بعدُ على نحو عنيف، عبر فئات إجتماعية عدائية ،و سيكون الناس ذاتهم قد تجاوزوا التفكير الضيق و العادات الخبيثة التى تفرزه الرأسمالية ، وكذلك البطرياركية و الإضطهاد القومي الذين يعرفون كطبيعة إنسانية .
دور الوعي و قوته الكامنة :
ثانيا ، و فى إرتباط بذلك ، طوّر آفاكيان فهما أعمق للدور و القوة الممكنين للوعي . ولنعبر عن ذلك على النحو التالي : بقدرما تقومون علميا وتفهمون بعمق طابع المجتمع المتناقض المعقّد و المتعدّد المستويات ، بجميع عراقيله و إمكانيات طرقه العديدة بقدر ما تكبر حرية تأثيركم فى الوضع إلى حدود هائلة.
قبلا، لم تكن أهمية القاعدة الإقتصادية ( أي علاقات الإنتاج) معروفة فقط بل جرى التشديد عليها أكثر من اللازم. فكانت هذه نزعة نحو الإختزالية ،أي تقليص ظاهرة معقّدة إلى سبب وحيد ضروري ، مستبعدين سيرورات لها عدّة مستويات بطريقة لا تتناسب و تحرف الواقع فعلا. نعم ، المؤسسات السياسية و الأفكار و أخلاق المجتمع ، بكلمات أخرى ،البناء الفوقي للمجتمع ، تنشأ فى آخر المطاف عن علاقاته الإجتماعية ، وهذه فكرة لامعة أساسية من أفكار ماركس .
بيد أنّه لهذه المؤسسات و أفكار البنية الفوقية حياة خاصّة نسبيا ، إضافة إلى أنها تعمل و تاثّر فى بعضها البعض ،على كثير من المستويات المتنوعة و المتداخلة. غير ممكن فقط تقليصها تقليصا مسطّحا إلى أنها نتائج مباشرة خطيّا لعلاقات الإنتاج و العلاقات الطبقية . لنأخذ مثالا . عنصرية البيض ، فكرة أن هناك "عنصر" من الناس مختلف و أنّ السود عنصر أدنى خدعة يدّعى أنها علمية أو محض كذب ، ظهرت فى بداية القرن 19. نشأت و تعزّزت بالعلاقات العبودية و بخاصة الطبقة مالكة العبيد. لكن تأثير هذه الفكرة إتسع أكثر من ذلك ، متحوّلة إلى تفريخ مفاهيم ما يعنيه أن يكون المرء أمريكيا و ما تعنيه الديمقراطية ، وهي نقطة تعمّق فيها آفاكيان كثيرا فى خطابه حول "ديمقراطية جيفرسون"(2) و أخذت تلك الفكرة تتطوّر بذاتها و تأثّر على تفكير الجميع ،و علينا النضال ضدّها بالذات فى المجتمع الإشتراكي ،حتى و إن يتمّ حفر جذورها حاليا.
بينما قام لينين و خاصة ماو بمساهمات هامة فى فهم أصحّ و أكثر جدلية لكيفية فهم " سير" هذه العلاقة بين القاعدة و البنية الفوقية ، فإنهما لم يدركا تماما مدى و سلاسة هذه الإستقلالية النسبية بالعمق الكافى أو بطريقة منضّدة بما فيه الكفاية .
القطع مع النزعات البراغماتية :
ثالثا، وجدت كذلك نزعات و مشاكل فلسفية سلبية أخرى فى المنهج و العديد منها مرتبطة بالبراغماتية وهي فلسفة كما قلت سابقا ، تعارض البحث فى الواقع الأعمق بإسم " ما ينجح " وهي كذلك تحافظ على تلك الأفكار على أنها حقيقة طالما أنها مفيدة. و هذه النقطة الأخيرة تثير سؤال " مفيدة لماذا؟ ". و أهمّ ،عمليا تنكر المعيار الواقعي للحقيقة – ما إذا كانت الفكرة تناسب الواقع. فكرة أنّ صدّام حسين يملك أسلحة دمار شامل كانت مفيدة لبوش لكن ذلك لم يجعل منها حقيقة.
و أثّرت هذه النزعات الفلسفية الخاطئة ،خاصة لدى ستالين، على الحركة الشيوعية و حتى تسربت إلى نسيجها. هنا سأسألكم أن تركّزوا معى و أنا أحاول أن أشرح و تذكّروا أن لهذا إنعكاسات جدّية . إنها تشمل الذرائعية التى تحيل على إستعمال النظرية كأداة لتبرير بعض الأهداف القصيرة المدى أكثر منها وسيلة للبحث عن الحقيقة، التجريبية ،وهي تقيّم الحقيقة على اساس التجربة العينية المباشرة فى إطار ضيّق، و الماقبلية التى تعنى فرض المفاهيم على العالم عوض إستخلاصها من العالم ذاته ،فى تفاعل معقّد بين الممارسة و النظرية، و الإيجابية وهي طريقة تنزع نحو تحديد و تقليص العالم إلى وصف و تصنيف الملاحظات ، مركّزة على معيار القياس الكمّي و التنبؤ.
لدقيقة . -positivism لنركّز على الإيجابية -
وجهة النظر هذه تنكر و تعتبر دون معنى تحليل المستويات الأعمق للديناميكية و التوجّه. بسبب ذلك ، تنحو إلى عزل الظاهرة عن الأطر الأوسع و المستويات المختلفة و كذلك تسعى لتقليص الأشياء و السيرورات إلى سبب وحيد بسيط.
و بالتالى تنحو إلى إنكار أو نفي الطرق التى يمكن فيها للنظرية و يجب أن " تفرزها " الممارسة ، الطرق التى يمكن عبر التحليل العميق للتجربة أن توفّر لنا أفكارا أعمق عن الديناميكية و التوجهات الكامنة ( أو الممكنة) داخل الواقع و أن تفتح طرقا جديدة لتغيير ذلك الواقع. دون نظرية "طليعية " سيكون الناس غير قادرين على فهم أي شيئ مغاير نوعيا عن ما هو معلوم بعدُ ، دون نظرية طليعية ، كيف إستطاع ماركس و إنجلز أن يكتبا "بيان الحزب الشيوعي " ؟
دعوني أقدّم نوعا من المثال البارز لإعطاء معنى لإنعكاسات هذه المقاربات المنهجية الخاطئة. و هذا المثال يتّصل بعالم جيني إسمه ليسنكو فى الإتحاد السوفياتي خلال بدايات الثلاثينات. شدّد ليسنكو على أن الميزات المكتسبة يمكن أن تورّث بكلمات أخرى ، إذا كنت فعلا نحيلا لكنك صرت بدينا بزيادة الوزن و المنشّطات ، فإن أطفالك سيرثون هذا النوع من الجسد . حسنا ، هذه النظرة خاطئة فعلا . لكن لأنّ لليسنكو برنامج كامل عن كيفية الحصول على الكثير من القمع بسرعة كبيرة فى بلد كان عرضة للمجاعة و لأنه حقّق بعض النجاح على المدى القصير فى هذا بالقيام ببعض الطعوم ، أعلنت أن ذلك صحيحا.
لننظر فى هذا عن كثب. هناك براغماتية –حكم أن فكرة حقيقة بالإعتماد على " أنها تعمل" لهدف أو آخر قصير المدى.
و هناك تجريبية – حكم أن فكرة حقيقة فقط بمجموعة ضيقة من التجارب الملموسة . عوض ذلك ، عليكم أن تضعوا ما تقومون به و ما تتعلمونه فى إطار ما نعرفه فى أي وقت على أنه حقيقة- صورتنا الممكنة الأتمّ و الأحدّ ، أو النموذج ،الواقع الموضوعي.ثمّ عليكم أن تربطوها كذلك بالأدلّة الفاعلة المتوفرة من مصادر أخرى. كيف إرتبطت نظرية ليسنكو بما عرفنا أنه حقيقة ، بما فى ذلك نظرية داروين ، و بعض الأعمال المختلفة المقامة للتدليل عليها؟ لو وجدت تناقضات بين نتائج ليسنكو و ما يمكن أن يكون متوقعا من قبل نظرية داروين، كيف نفهم هذه التناقضات؟
لكنهم لم يتصرفوا على هذا النحو . و كانت النتائج كارثية، ليس فقط على علماء الجينات الذين مُنعوا حقّ العمل و قمعوا حتى بأكثر قساوة فى بعض الحالات لأنهم لو يوافقوا على ذلك ، و ليس فقط بالنسبة للطرق التى علّموها للناس و مقاربتهم و تقييمهم للأفكار فى كافة المجالات.
و الآن لنضرب مثالا من الماقبلية و كذلك التجريبية . كانت لستالين فكرة مسبّقة عن كون حين تكون الفلاحة قد تمّت مكننتها و حين يكون الإنتاج فى الأساس قد وُضع ضمن الملكية الإشتراكية فى الثلاثينات ، لن توجد بعدُ طبقات متعادية فى المجتمع السوفياتي. بيد أن الصراع مع ذلك تواصل. و بما أن " نموذج " ستالين الماقبلي للمجتمع الإشتراكي دون طبقات متعادية لم يكن ليستطيع إدراك هذا ، قاده الأمر إلى إستخلاص أن كلّ معارضة يجب أن تكون بفعل عملاء الإمبريالية. و كانت النتائج خطيرة ، من زوايا شتّى.
الآن ، لاحقا و بصورة مهمّة جرى نقد هذا و معارضته من قبل ماو و إحدى مساهمات ماو العظيمة تتعلّق بتواصل الصراع الطبقي فى ظلّ الإشتراكية و كجزء من هذا نقد قدرا هاما من نزعات ستالين الفلسفية نحو الإستهانة و عدم الإقرار بالتناقض. لكن هذه النزعات من الإيجابية و الذرائعية و ما إلى ذلك تسببت فى خسائر فادحة و لم يقع التعرف عليها تمام التعرّف بإعتبارها كذلك و القطع المنظم معها قبل آفاكيان.
تقدّم آفاكيان الراديكالي فى الإبستيمولوجيا :
و فى الأخير و فى منتهى الأهمية ، نقد بوب آفاكيان و قطع مع النظرات الإبستيمولوجية السائدة لمدّة طويلة فى الحركة الشيوعية. و الإبستيمولوجيا تعود على نظرية المعرفة أي كيف نصل إلى فهم الحقيقة. و تشمل هذه النظرات الإبستيمولوجية الخاطئة فكرة أن " للحقيقة طابع طبقي" . فى الواقع ، الحقيقة هي بالضبط الحقيقة و الكلام الفارغ هو بالضبط الكلام الفارغ بغضّ النظر عن من يقوله. و الآن يجب على المادية و الجدلية كمنهج شامل أن يخولا لكم الوصول إلى الحقيقة بصفة أفضل، إذا كنتم صريحين فى تطبيقهما على الواقع لكن مهما كانت الفكرة التى تخرجون بها يتعين الحكم عليها بكونها حقيقة أو لا بالإعتماد على أساس ما إذا كانت تتطابق جوهريا و الواقع و ليس كيف توصلتم إليها.
فى الواقع ، الناس الذين لا يستعملون هذا المنهج و يمقتونه فعلا ، يمكن أن يكتشفوا حقائقا هامة. لا وجود لحقائق منفصلة خاصة بمختلف الطبقات و لا وجود ل" هذا شيئ بروليتاري ..و لن تفهموه". هناك واقع واحد. و لأن البروليتاريا كطبقة لا تحتاج لتغطية الطابع الجوهري للمجتمع الإنساني ، فإن المادية الجدلية و التاريخية تتناسب مع مصالحها الجوهرية ، لكن تقليص هذه النقطة الشاملة إلى " للحقيقة طابع طبقي" يمكن أن يقود إلى رفض تعلّم أي شيئ من المفكّرين البرجوازيين أو حتى المفكرين الذين ليسوا برجوازيين و لا هم ضمن إطار ماركسي. و يمكن حتى أن تقود إلى التفكير فى أنه ببساطة لأن الإنسان من البروليتاريا له نوع من الإمتلاك الخاص للحقيقة.
هنا أيضا علينا أن نتعلّم من التجربة السلبية لليسنكو . كان يُعتقد أنه نظرا لأن ليسنكو أصوله الطبقية من الجماهير الكادحة و نظرا لأنه يدعم السلطة السوفياتية ... و نظرا لأن الذين عارضوه إلى حدّ بعيد أصلهم من ما كانت طبقات ذات إمتيازات فى المجتمع القديم و لا يساندون السلطة السوفياتية...حسنا ، كان كلّ هذا ببساطة و مزيدا من الدلائل على صحّة نظريات ليسنكو. بيد أنه لا علاقة للأصل الطبقي أو يجب أن تكون له علاقة بتقييم ما إذا كانت أفكارهم صحيحة أم خاطئة.
و ليس صحيحا أنّ الأفكار محدّدة بما إذا كانت "مفيدة " بالمعنى الفوري. و قادت هذه المقاربة البراغماتية إلى التعامى
و إلى " التسريع" أو حتى حرف الواقع وفى حال ليسنكو ، مرّة أخرى، إعتبرت نظريته حقيقة لأنها كانت تبدو مفيدة فورا.
الآن ، ليست مسألة "البحث عن الحقيقة " منفصلة عن الصراع من أجل تغيير العالم. و لا هو "الحقيقة ستجعلك حرّا " إذ هي لن تفعل دون صراع. لكن إذا لم تفهم بصورة سليمة تقريبا العالم ، إذا لم تعرف ما هي الحقيقة ،لن تصبح كذلك حرّا. سوف تقوم بأشياء لا تتطابق مع الديناميكية و التناقضات الفعلية للواقع و لن تستطيع أن تغيّر ذلك الواقع، على الأقلّ ليس فى إتجاه سيجعلك أقرب إلى الثورة و الشيوعية.
هناك غنى هائل فى هذه السيرورة . لا يمكن للأفكار اللامعة لماركس و حتى تلك المعادية للشيوعية لا أن تُستبعد و لا ببساطة أن تتبنى جميعها ، يجب أن يتمّ تمحيصها نقديا و أن تلخّص عادة و أن يعاد سبكها ،لكن إذا قطعت نفسك عن هذا ،وهو ما صار " تقليدا " فى الحركة الشيوعية، كيف يمكنك أن ترجو أن تملك معنى للعالم حيث نعيش وهو فى تغيير مستمرّ و يولّد أشياء جديدة و غير مسبوقة ؟ فعلا ، تحتاجون إلى صراع الأفكار ، تحتاجون إلى النقاش و الجدال و الخميرة و إلى أناس يتبعون طرقا يمكن على ما يبدو الاّ " تساهم فى الأشياء " و يمكن، من جهة أخرى، أن تثمر أفكارا لامعة جديدة . فى الواقع ، تعيق نظرة أن " للحقيقة طابع طبقي" هذه السيرورة الحيوية الضرورية و تحرفها .
ولنكن صريحين هنا . هناك حقائق ، على المدى القصير و بالمعنى المباشر الخطّي، تذهب ضد النضال من أجل الشيوعية لكنها حين توضع فى إطار أوسع و بالمنهج والمقاربة التى يقدّمهما آفاكيان ، تساهم عمليا فى ذلك الصراع. و يشمل هذا
" الحقائق التى تجعلنا نخجل " وهي حقائق حول المظاهر السلبية لتجربة الحركة الشيوعية العالمية، و المجتمعات الإشتراكية التى قادها الشيوعيون و لكن كذلك بصورة أعمّ ،الحقائق المكتشفة التى تبيّن الحقيقة ، فى بعض جوانبها، مغايرة لما كان يفهمه الشيوعيون سابقا، أو الناس بصورة أعمّ.
فى علاقة بأهمّية " الحقائق التى تجعلنا نخجل" تجدر بنا العودة إلى ليسنكو للمرّة الأخيرة. على نحو تقليدي ، يشير المعادون للشيوعية إلى قصة ليسنكو كدليل على أن الشيوعية تنزع إلى تشويه الحقيقة... و إلى قمع المثقفين. و ينأى بعض الشيوعيين بأنفسهم عن حادثة ليسنكو بطريقة سهلة ،و البعض ببساطة يتجاهلونها ، لكن فى الأساس لا يريدون حقّا "الذهاب إلى هناك " من وجهة نظر كيف انّ الشيوعيين يطبقون بصورة صحيحة الماركسية ليقودوا كلّ مجالات المجتمع الجديد. و بالعكس ، يؤكّد آفاكيان على المواجهة التامة لهذه التجربة ، عائدا إليها فى عديد الأعمال المختلفة و مستخلصا الدروس الأعمق: ما كانت الأفكار الخاطئة فى المنهج و النظرة اللذان قادا إلى ذلك ...و ما كان الإطار الذى دفع نحو ذلك... و ما الذى على الشيوعيين القيام به للقطع مع هذا النوع من النظرة و على مستوى أعمق ، هذا النوع من الممارسة لكي يستطيعوا حقّا المضيّ بالعالم إلى مكان أفضل.
مجدّدا لأنّ المسألة هنا ليست "البحث عن الحقيقة " لكن القيام بذلك على قاعدة نظرة و منهج مادي جدلي ، علمي محكم الإدارك الصحيح للعلاقة بين هذا و الصراع من أجل الثورة و فى النهاية الشيوعية- و الحصول على الغنى التام لما يعنيه هذا . الإقرار بأهمية البحث عن الحقيقة بهذه الطريقة و التأكيد عليه، دون عرقلة الإعتبارات الضيقة البراغماتية و الذرائعية لما يبدو أكثر مواتاة وقتئذ أو ما يبدو متماشيا أكثر مع أهداف شيوعية خاصّة مباشرة و فورية...البحث عن الحقيقة بتطبيق النظرة و المنهج العلميين للمادية الجدلية بالطريقة الأشمل و الأكثر صراحة بغاية مواجهة الواقع كما هو فعلا و على ذلك الأساس ، تغييره على نحو ثوري بإتجاه الهدف الشيوعي. هذا أمر جديد راديكاليا و يمثّل جزءا مفتاحا فى غنى الخلاصة الجديدة التى تقدّم بها بوب آفاكيان . هذا هو المعنى التام لما ركّز فى موقف أن "كلّ ما هو فعلا حقيقي جيد بالنسبة للبروليتاريا ، كلّ الحقائق يمكن أن تساعدنا على الوصول إلى الشيوعية ".
بإمكانكم مقارنة هذا الموقف ب " كلّ ما هو فى مصلحة البروليتاريا سيساعدنا على بلوغ الشيوعية حقيقي" و هذه النظرة الأخيرة بمضمونها و مقاربتها البراغماتية الذرائعية قد تغلغلت إلى درجة كبيرة فى تاريخ الحركة الشيوعية العالمية و بالفعل هي نقيض ما رُكّز فى موقف بوب آفاكيان أعلاه. و هذا جزء مفتاح من القطيعة الراديكالية التى يجسّدها هذا المنهج و هذه المقاربة و الغناء الإبستيمولوجي الذى تقدّم به و لنضاله من أجل أن يتبناه الشيوعيون.
فى النصف الساعة الأخير ، إستطعت فقط أن ألمس بالكاد الأساس الفلسفي و المنهجي النقدي لهذه الخلاصة الجديدة.
و لمزيد التوغّل فى هذا ، سأحيلكم على كتابي " ملاحظات..." و " الماركسية و نداء المستقبل" (3) لكن الآن اودّ أن أنتقل إلى الإنعكاسات السياسية لكلّ هذا .
الهوامش
1- " الولايات المتحدة تسجن واحد من مائة من الكهول حسب تقرير" آدام ليبتاك، نيويورك تايمز، 29/ 02/2008.
2- التسجيل الصوتي لخطاب "الشيوعية و ديمقراطية جيفرسون" متوفّر على الإنترنت...
3- بوب آفاكيان "ملاحظات حول الفنّ و الثقافة و العلم و الفلسفة" (شيكاغو: إنسايت براس 2005) و بوب آفاكيان و بيل مارتن " الماركسية و نداء المستقبل : أحاديث حول الجماليات و التاريخ و السياسة" ( شيكاغو:أوبن كوربليشنغ ، كاروس بليشينغ ، 2005).
----------------------
/ الخلاصة الجديدة : الإنعكاسات السياسية- البعد الأممي III
هنا سأركّزعلى شيئين إثنين هما الأممية ، و الديمقراطية و الدكتاتورية فى المرحلة الإنتقالية إلى الشيوعية .
و الآن من جديد ،أحتاج أن أعطي خلفية صغيرة . دعا ماركس و إنجلز عمال العالم إلى الوحدة . و الأساس المادي لهذا النداء كان أن الرأسمالية لم تظهر فى عصر الأمم الحديثة و الأمم-الدول فقط بل أوجدت سوقا عالمية ، و أن البروليتاريا كانت طبقة عالمية واحدة و عليها أن تتخطى الإنقسام إلى أمم و كذلك إلى طبقات ،لأجل بلوغ عالم دون تناقضات عدائية بين الشعوب.
فى أواخر القرن التاسع عشر ، صار الرأسمال الإحتكاري مهيمنا على البلدان الرأسمالية المتقدّمة و إندمج الرأسمال البنكي و الرأسمال الصناعي معا فى كتل رأسمالية مالية هائلة، و شرعت هذه الأمم فى تصدير ليس السلع فحسب بل الرأسمال ذاته نحو البلدان الأقلّ تطوّرا. لقد بنوا مصانعا و سككا حديدية فى تلك البلدان و أدخلوها إلى "الحياة المعاصرة " بطريقة جديدة لكن على أساس إضطهاد و تبعية. و إشتدّ التنافس بين القوى العظمى من أجل مجالات التأثير كما إشتدّت العسكرة و الحرب لأسناد ذلك التنافس ،و تواصل كلّ هذا و إحتدّ إلى يومنا هذا ، عبر حربين عالميتين ، أخذت معا حياة أكثر من 60 مليونا! و ثمّ إنتصار الولايات المتحدة فى ما سُمّي الحرب الباردة ضد الإتحاد السوفياتي . والإنتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى ذو طابع عالمي، لكن الملكية و التصرّف و تنظيم رأس المال لا تزال كلّها متجذّرة فى أمم مضطهِدة و مضطهَدَة.
لا تقوم الأمم المضطهِدة مثل الولايات المتحدة بمجرّد نهب الأمم المضطهَدة مثل المكسيك. إنّما إقتصاد الأمّة المضطهَدَة برمته مندمج بشدّة بسيرورة المراكمة الإمبريالية على أساس تبعي مشوّه و مفكّك خدمة لهذه السيرورة . و تجد الأزمات الآن تعبيراتها كنزاعات جغراسياسية حادة حول إعادة تقسيم العالم بين القوى الإمبريالية وهي نزاعات يمكن أن تندلع و قد إندلعت أحيانا لتتحوّل إلى عواصف نارية فظيعة مثلما حصل خلال الحربين العالميتين. و تخلّلت هذه الحروب فرصا متصاعدة للثورة... مع ذلك لو كنتم تجريبيين أو إيجابيين ، كان الأمر سيبدو على العكس ، و عند إندلاع الحرب العالمية الأولى، مثلا ، فى واقع الأمر كافة الحركة الإشتراكية العالمية الأولى ، بإستثناء ملحوظ للبلاشفة بقيادة لينين و قوى أخرى قليلة ، إنهارت و إرتدّت.
و فى نفس الوقف ، لعبت هذه الحروب دور " الأزمات الكلاسيكية " فى ظلّ الرأسمالية أي كسر الإطار القديم لمراكمة رأس المال الذى صار معرقلا للغاية و إقامة إطار جديد. لقد قاد آفاكيان تعميق تحليل لينين للإمبريالية و النموذج الذى عرض كذلك قطع مع ما قد أضحى الخطّ المهيمن داخل الحركة الشيوعية ، نظرة أنّ الإمبريالية فى أزمة عامّة و كانت تتجه رأسا نحو الإنهيار . تأسيسا على كلّ هذا ، طوّر آفاكيان مبدأ أن الصراع الطبقي فى كلّ بلد معيّن محدّد أكثر بالمجال العالمي أكثر منه بالتناقضات المتجلّية داخل بلد معيّن ، نوعا ما خارجه أو بإنفصال عن ذلك الإطار. إنّ الوضع الثوري الذى سمح للينين بقيادة البلاشفة لإفتكاك السلطة ، ظهر فى إطار وضع حرب عالمية أثّرت تأثيرا راديكاليا على الوضع فى روسيا و سمحت بإنجاز إختراق ، أممية لينين و إدراكه الأعمق نوعيا للمادية و الجدلية خوّلا له رؤية هذه الإمكانية فى حين ان الجميع فى القيادة ، على الأقلّ فى البداية ، عارضوا فكرة التوجه نحو الثورة. و بصورة مشابهة ، حصلت الثورة الصينية فى إطار عالمي خاص للحرب العالمية الثانية و غزو اليابان.
الآن بإستطاعتكم حرف هذا ليعني أنّكم لا تستطيعون القيام بأي شيئ لو أنّ عالميا " ميزان القوى غير مناسب" . هذا غير صحيح و الثورة حتى المحاولات الثورية ، داخل بلدان معيّنة يمكن أن تأثّر جذريا على ميزان القوى. لكنكم تلعبون فى مجال عالمي و عليكم أن تفهموا الديناميكية على هذا المستوى، "كافة " النظام الإمبريالي أكبر من مجموع الأمم التى تكوّنه منفصلة.
لذا لا يمكنكم فهمه من منطلق " ننطلق من بلدنا أولا " و القيام بهذا بالمناسبة مثال آخر عن الإيجابية. و لا يمكنكم رؤية الأممية كشيئ " توسّعونه " لبلدان أخرى ، نقطة الإنطلاق ينبغى أن تكون العالم بأسره. لا يمثّل الشيوعيون هذه الأمّة أو تلك ، إننا (و من المفروض أن نكون) دعاة إلغاء كافة الأمم ، حتى و نحن نعلم أنه علينا أن "نعمل عبر" عالم ستوجد فيه لفترة طويلة من الزمن فى المستقبل أمم و حتى أمم إشتراكية ، و حيث يجب أن توجد فترة كاملة أوّلا لتحقيق المساواة بين الأمم لأجل تجاوزها. لكن طوال كلّ هذه الفترة ، على الحركة الشيوعية أن تبقى "عينيها على الجائزة " للمجتمع العالمي للإنسانية ، و تربط كلّ ما تقوم به بذلك.
و من السخرية أنه إذا تعاملتم إنطلاقا من " ننطلق من بلدنا أولا "ستفشلون فى المسك بالإمكانيات الواقعية للثورة فى بلد معيّن فيه توجدون بالصدفة. لن تروا كيف أن نهوضا غير منتظر فى هذا الجزء أو ذاك من العالم أو هذا المظهر أو ذاك من النظام ، يمكن أن يوفّر فجوات يمكن إستغلالها. ستكونون ذهنيا منغلقين أيضا إذا جاز القول، فى القومية و لن تروا حتى أساس خوض نضال ناجح من أجل التحرّر الوطني. و هذا الإنغلاق فى الأرض كان جزءا ممّا قاد إلى الفكر المحافظ و حتى أتعس، إلى الإستسلام فى زمن خطر كبير... لكن ، نعم أيضا زمن إمكانيات كبيرة لتقدّم ثوري.
تعزّزت كلّ هذه المقاربة الخاطئة فى إطار وضع فيه وُلد الإتحاد السوفياتي محاصرا بقوى إمبريالية عدوّة تحاول خنقه و قمّة ذلك كانت الهجوم النازي الذى أخذ حياة أكثر من 25 مليون سوفياتي. كان الدفاع عن أوّل دولة إشتراكية ضرورة واقعية. لكن هذا الدفاع وجد فى تناقض مع ،و فى علاقة مع ، ضرورة التقدّم بالثورة فى بلدان أخرى فى نفس الوقت. لإخفاقه فى الإقرار ب أو إنكاره لوجود هذا التناقض ، غالبا ما ضحّى الإتحاد السوفياتي ، أو حاول التضحية ، بالنضال الثوري فى هذه البلدان لصالح الدفاع عنه هو . و إستمرّت هذه النقطة الخفية بصراح لدى ماو. إذا لم تعترفوا بهذا كتناقض و لم تنطلقوا من الواقع الجوهري لكون الإمبريالية قد ادمجت كافة العالم فى وحدة و أنّ السيرورة الثورية سيرورة عالمية مندمجة ،حتى و لمختلف البلدان ثوراتها المنفصلة ،و إن كانت مترابطة ، لن تتوفّر لكم فرصة معالجته.
فى نقده ، كان آفاكيان بعيدا عن البساطة أو الإسكولستيكية. فقد اكّد على تقييم شامل لما كانت الدول الإشتراكية تواجهه فعلا. لكن على هذا الأساس حفر ما كانت تعتقد أنها كانت تقوم به و لماذا ، و قام ببحث نقدي لفهمهم النظري.
و كجزء من هذا ، طوّر آفاكيان مبدأ أنّ البروليتاريا فى السلطة يجب أن " تضع تطوّر الثورة العالمية فوق كلّ إعتبار ، حتى فوق تقدّم الثورة فى بلد معيّن – بناء الإشتراكية قبل كلّ شيئ كقاعدة إرتكاز للثورة العالمية ". و بصفة جدّ هامة ، صاغ أيضا مبدأ أنّ على الثوريين ، فى ذات الوقت، أن يبحثوا عن إحداث أكبر تقدّم ممكن فى بناء حركة ثورية و الإعداد لوضع ثوري فى كلّ البلدان ،بينما كذلك يكونون منتبهين ل "أ وضاع خاصة تصبح عند نقطة معيّنة نقاطا مركزية للتناقضات العالمية و العلاقات الضعيفة الممكنة... و حيث بالتالى يجب أم يركّز عليها إنتباه البروليتاريا العالمية و طاقاتها بصورة خاصّة ". و هنا سأحيلكم على عملين فيهما جرى التعمّق فى الموضوع هما " كسب العالم ؟ واجب و إرادة البروليتاريا العالمية " و " التقدّم بالحركة الثورية العالمية : مسائل توجّه إستراتيجي" (1).
و أبعد من ذلك ، رفع آفاكيان راية فهم لينين و عمّقه ، هذا الفهم الذى يفيد أن تقسيم العالم بين القوى الإمبريالية و الأمم المضطهَدَة أفرز داخل القوى الإمبريالية قطاعا من الطبقة العاملة ،و قطاعا حتى أكبر من الطبقة الوسطى ، لا تستفيد فقط ماديا من طفيلية الإمبريالية و نهبها ، لكن أيضا تتماثل سياسيا مع أسيادها الإمبرياليين. و تابع نقطة لينين حول الحاجة من ثمّة على الإرتكاز على تلك القطاعات من الجماهير التى لا تستفيد كثيرا أو هي ، فى كلّ الحالات ، تنزع أكثر إلى معارضة الإمبريالية. وهذا يعنى أنّه من واجب الشيوعيين أن يطمحوا لأن يكونوا غير مرغوب فيهم شعبيا و ان يذهبوا ضد تيار الشوفينية القومية فى البلدان الإمبريالية ،سواء إتخذ ذلك شكل تفشّى خبيث حقيقة للشوفينية الأمريكية القبيحة أو كذلك الشكل المجرم للمشاركة السلبية.
الهوامش
1- "كسب العالم؟ واجب و إرادة البروليتاريا العالمية " نشر فى مجلّة "الثورة" ( ديسمبر 1981) متوفّر على الأنترنت...و " التقدّم بالحركة الثورية العالمية : مسائل توجه إستراتيجي" نشر فى مجلّة "الثورة " (ربيع 1984) متوفّر على الأنترنت.
--------------------------
/ الخلاصة الجديدة : الإنعكاسات السياسية – الدكتاتورية و الديمقراطية IV
وللخلاصة الجديدة إنعكاسات أيضا فى منتهى الأهمية فى ما يتصل بدكتاتورية البروليتاريا ،التى سمّاها ماركس المرحلة الإنتقالية الضرورية نحو المجتمع الشيوعي. بإختصار ، كيف تحافظ الدولة الإشتراكية على نفسها كسلطة إنتقالية إلى مجتمع شيوعي عالمي دون دول ، و لا تغدو هدفا فى حدّ ذاته ؟ كيف تواصل التقدّم و لا تقع إعادة تركيز الرأسمالية ؟
قضّى آفاكيان أكثر من 30 سنة ملخّصا بعمق تجربة الثورات الإشتراكية فى الإتحاد السوفياتي و الصين، بما فى ذلك مفاهيم و فرضيات و مناهج و مقاربات القادة الكبار الذين قادوا تلك الثورات. و هنا كذلك سأعرض بإقتضاب أو أرسم بعض النقاط المفاتيح و أحيل على الأعمال.
فى جزء كبير منه ، ما كتبه آفاكيان فى " القيام بالثورة و تحرير الإنسانية " ينطبق على كافة المرحلة الأولى من الحركة الشيوعية :
فى تاريخ الحركة الشيوعية و المجتمع الإشتراكي ،كان التوجه الأساسي ،توجه التعامل مع الواقع المادي و ظروف الجماهير الشعبية كأولوية ، كمركز و كأساس ، فى تعارض مع المقاربة البرجوازية لتجاهل ، أو فعلا تعزيز ، الظروف الإضطهادية للجماهير الشعبية ،الغالبية العظمى من الإنسانية. و من الهام جدّا أن نستوعب بصرامة أنه بإسم الفرد و "الحقوق الفردية " يرفع فعلا المدافعون عن هذا الشكل أو الآخر من النظرة البرجوازية ، مصالح طبقة و ديناميكية نظام فيه تحكم تلك الطبقة البرجوازية و حيث جماهير الشعب تحديدا بملايين الأفراد من الطبقات المستغَلّة و المضطهَدة بلا رحمة يتمّ إخضاعها و سحقها و حيث فرديتها و أي مفهوم عن فرديها لا معنى له .(1)
قاد الشيوعيون فى الإتحاد السوفياتي و فى الصين الجماهير لتستعمل سلطتها الثورية لتنجز أشياء مذهلة و غير مسبوقة. لقد جرت مشركة ملكية وسائل الإنتاج و وجهت نحو تلبية المتطلبات المادية للمجتمع و حاجيات الشعب. فى غضون سنوات قليلة، تحوّلت النساء فى تلك البلدان من الأكثر عبودية و قمعا فى العالم إلى الأكثر تحرّرا. و تحوّل الشعب من كونه جوهريا أُمّيا إلى تقريبا متعلّم كلّيا ، و التعليم و الثقافة فتحا أمام الذين أبعدوا عنهما قبلا. على وجه الخصوص ، بذل الإتحاد السوفياتي جهودا عظيمة بإتجاه المساواة داخل ما كان يسمّى بسجن الأمم و الشعوب المضطهَدَة . و شرع فى توفير الرعاية الصحّية للجميع أين قبل الثورة غالبية السكان لو يروا أبدا طبيبا.
لكن لا يمكنكم إبقاء الأمور على حالها هكذا. على ضرورته ليس كافيا أن نقف بصلابة و ندافع – و نعتزّ- بتلك الإنجازات فى وجه السدّ اللا متناهي من الكذب و التشويه. ليس كافيا مجرّد التعمّق فى بدايات هذه الثورات و القوى الخبيثة بلا رحمة التى واجهتها و التى يتعذّر وصفها.
رفع راية المكاسب و الإستماع إلى النقد :
على المرء أيضا أن يستمع إلى و أن يعالج بعمق نقد تلك التجارب من كلّ الجوانب و أن يتساءل : بأيّ ثمن؟ ينبغى على الدولة البروليتارية أن تتمسّك بالسلطة فى وجه مقاومة حياة أو موت من المستغِلِّين المطاح بهم و الهجوم الخبيث
من الخارج ، لكن هل يجب أن يجعل ذلك من الضروري أن نحاصر و حتّى أن نقمع المعارضة و الخميرة و تنوّع الأفكار ووجهات النظر – و منها أفكار ووجهات نظر معارضة للإشتراكية ؟ تواجه السلطة الجديدة مهمّة تاريخية – عالمية فى جلب الجماهير إلى الحياة الفكرية و الفنون و فى رسم ثقافة جديدة تماما و قد أنجزت أشياء مذهلة فى هذا المضمار فى الصين بصفة خاصة، لكن هل يجب أن نقيّد متابعة البحوث و التجارب من قبل أناس تدرّبوا كفنانين و علماء فى المجتمع القديم، أو حتى فى المجتمع الجديد؟ لأوّل مرّة هناك قاعدة و حاجة هائلة لمقاربة مسألة الحرّية كتعهّد إيجابي جماعي ، "كيف سنغيّر العالم و نخدم الشعب " و ليس " أريد أن أمتلك " لكن هل يجب أن يعني ذلك أنه لا حاجة أو دورا إيجابيا صغيرا للفردية و المجال الفردي؟ هناك حاجة " للقيام بالأشياء " لكن هل يرتبط ذلك بكون الدولة البروليتارية شكلا مختلفا راديكاليا من أشكال الدولة ، جالبة بإستمرار الجماهير إلى التوجه العام الفعلي و الإدارة المباشرة للدولة ؟
لا يمكنكم الإجابة على هذه الأسئلة حقا إذا تساهلتم فى الأمر. لتفكّروا لدقيقة فى الحرب الأهلية فى هذه البلاد وفترة إعادة البناء ، بالضبط بعد تحرير العبيد و من المفترض أنهم تحصّلوا على أرض و حقوق سياسية. و الآن لعديد السنوات ، القصّة التى تروى فى المعاهد ،و حتى أكثر فى الثقافة بكلمات مثل ذهب أدراج الرياح وولادة أمّة، أنّ إعادة البناء كانت فترة رهيبة فيها شهد الناس عذابا رهيبا.( بالمناسبة هذا فعلا يجب أن يعطيكم بعض الأفق حول المادة التى ترونها عن الثورات الإشتراكية تقريبا كلّ أسبوع فى قسم مراجعة الكتب ، فى النيويورك تايمز).
ما حدث بالفعل هو أنه من أجل كسر سلطة المزارعين فى الجنوب ، بداية حرم الرأسماليون فى الشمال بعضهم من حقوقهم السياسية لفترة و ساندوا العبيد السابقين فى محاولة الإنتخاب و تولّى وظائف و المطالبة بالأرض. لكن مع إعادة إدماج هؤلاء المزارعين الجنوبيين ضمن الطبقة الحاكمة على أساس تبعي الآن ، و مع شروع تناقضات أخرى فى أماكن أخرى من الولايات المتحدة فى الغليان ، سحب الرأسماليون الشماليون فيالقهم و سمحوا لأعداء الأمس بتنظيم عصابات الكو كلوكس كلان ، لتركيز أنظمة مشابهة للعبودية من العمل الشاق و الزراعة و لمنع جماهير السود من أية حقوق أصلا و لتوطيد هذا عبر القوانين و أيضا عبر القتل دون محاكمات.هذه الطقوس العربيدية من الثأر قلبت إعادة البناء و كانت رسميا مسماة ب "الخلاص" . و كتب التاريخ من طرف المنتصرين إلى أن عاد إليه جيل جديد فى الستينات و كشف الواقع و حقيقة الأمر الموضوعية.
كان التحقيق العملي لأهداف إعادة البناء يتطلّب منع مالكي العبيد السابقين من الحقوق السياسية و تعزيز ذلك. و بصراحة تامة كان سيكون داميا و بعض الناس الأبرياء يمكن أن يكونوا ذاقوا الويلات لكن
كان الأمر يستحق ذلك،
وعدم حصول تقريبا 5000 قتيل دون محاكمة فى فترة ما بعد هزيمة إعادة البناء و تأثيرات ذلك على ملايين السود ؟
كان هو الآخر يستحق ذلك،
و عدم حصول تحطيم الروح التى ذهبت بالنظام العام للتمييز العنصري؟
كان يستحق ذلك،
إيقاف جعل أشياء مثل العمل الشاق و مجموعات السلاسل و المعاهد الرهيبة و كلّ الأشياء الأخرى التى تلتصق بالناس اليوم مؤسسات أحيانا بأشكال مختلفة و أحيانا تقريبا دون تغيير؟
كان يستحق ذلك،
الآن لنرجع إلى صفحة الثورة الشيوعية وهي أكثر صراحة ، و أكثر جوهرية و راديكالية من أي محاولة أبدا لإعادة البناء و التى أتت إلى السلطة فى ظروف أصعب بكثير.
لم تواجه هذه الثورات المستغِلّين المطاح بهم فقط الذين، كما قال لينين مرّة، يمتلكون كلّ معارف التسيير و معنى التأهيل و العلاقات من قبل و الذين جاؤوكم بعشرات أضعاف الخبث و الخداع عندما يخسرون جنتهم ، لكن كذلك القوى الإمبريالية الأعظم و الأقوى عسكريا. لقد خاض السوفيات حربا أهلية من 1918 إلى 1921 كلّفتهم حياة الملايين و حطّمت بالأساس الصناعة القليلة التى لديهم وواجهوا فى تلك الحرب الأهلية تدخل و غزوات من 17 قوّة عسكرية مختلفة و منها الولايات المتحدة. و من جديد ، جاء الغزو النازي ، أقلّ حتى من 20 سنة من كسبهم الحرب الأهلية. و مع ذلك ، حتى و قد تفحّصنا هذا تماما ، علينا أن نخضع للسؤال ما أنجز و أن نحلّل النواقص فى كلّ من الممارسة و النظرية و أن نعدّ أنفسنا حقّا و نعدّ
الجماهير إلى إنجاز ما أفضل فى المرّة القادمة.
القطع بمزيد العمق مع الديمقراطية البرجوازية :
كجزء من إنجاز ما هو أفضل، و حتى لأجل الإجابة عن سؤال "بأي ثمن؟" على القاعدة الصحيحة ، من الضروري القيام بقطيعة صريحة أكثر مع تأثيرات الديمقراطية البرجوازية و كافة مفهوم " الديمقراطية اللاطبقية " فى صفوف الحركة الشيوعية . فى كتابه المَعلَم ، طرح آفاكيان مسألة : الديمقراطية : أليس بوسعنا إنجاز أفضل من ذلك؟ و أجاب بتشديد نعم بوسعنا .
و الآن أودّ تناول هذا بإقتضاب فى موقفين قصيرين من آفاكيان عادة ما ننشرهما فى جريدتنا :
الأوّل هو "جوهر ما يوجد فى الولايات المتحدة ليس ديمقراطية و إنما رأسمالية-إمبريالية و هياكل سياسية تعزّز الرأسمالية –الإمبريالية .و ما تنشره الولايات المتحدة عبر العالم ليس الديمقراطية و إنما الإمبريالية و الهياكل السياسية لتعزيز تلك الإمبريالية ".
و الثاني و من زاوية مغايرة ،" فى عالم متميّز بإنقسام طبقي و لامساواة إجتماعية عميقين ، الحديث عن "الديمقراطية" ، دون الحديث عن الطبيعة الطبقية لهذه الديمقراطية و أي طبقة تخدم ، لا معنى له ،و أسوأ . طالما أنّ المجتمع منقسم إلى طبقات ، لا يمكن أن توجد "ديمقراطية للجميع" ، طبقة أو أخرى ستحكم و ستدافع و تشجع هذا النوع من الديمقراطية الذى يخدم مصالحها و أهدافها. المسألة هي : أي طبقة ستحكم و إذا ما كان حكمها و نظام ديمقراطيتها سيخدم مواصلة ،أو القضاء المحتمل على الإنقسامات الطبقية و العلاقات المتناسبة معها من الإستغلال و الإضطهاد و اللامساواة."
لنتحدّث عن معنى ذلك. ولنبدأ بانه لا يمكنكم أن تستعملوا الدكتاتورية الرأسمالية –الجيوش و السجون و المحاكم و البيروقراطية الذين طوّرهم هذا النظام و شكّلهم لتوطيد و توسيع الإستغلال و الإمبريالية – لا يمكنكم أن تستعملوا تلك الأشياء عينها للقضاء على الإستغلال و إجتثاث الإضطهاد و الدفاع ضد الإمبرياليين. و لا يمكنكم إستعمال أدوات الديمقراطية البرجوازية التى تستهدف أوّلا معالجة النزاعات صلب المستغِلّين و ثانيا تخدع الجماهير الشعبية و تضلّلها و تجعلها سلبية، كوسيلة لتعبئة الناس و تفجير طاقاتهم للفهم الواعي و لتغيير العالم بأسره. و بينما صحيح ،كما عبّر عن ذلك لينين ، أنّ الإشتراكية أكثر ديمقراطية ألف مرّة بالنسبة لجماهير الشعب، فإن الإشتراكية ليست و لا يمكنها أن تكون إمتدادا للديمقراطية البرجوازية ( المؤسسة على الإستغلال) إلى المستغَلين. و هذا الدرس ليس مبنيا على أسس علمية فحسب و إنما دفع ثمنه دماء.
ال4 كلّ":
على دكتاتورية البروليتاريا ،النظام البروليتاري للديمقراطية، أن تكون مغايرة. عليها أن تخدم القضاء على الإنقسامات العدائية فى صفوف الشعب و على العلاقات و المؤسسات و الأفكار الناشئة عنه و ليس تعزيز هذه الإنقسامات. الان ستفعل السلطة الجديدة الكثير لتحقيق ذلك ، بما فى ذلك مصادرة وسائل الإنتاج الإجتماعية و الشروع فى إستخدامها لتلبية الحاجيات المادية للشعب و لتعميق الثورة العالمية.
لكن غداة الإنتصار سيكون لديكم مجتمع نشأ ضمنه الناس كعناصر طبقات إجتماعية متنوعة. و حتى واضعين جانبا الرأسماليين الكبار الذين لا ينبغى التغاضى عنهم بما أنهم لا زالوا موجودين و غير راضين عن مصادرة أملاكهم، ستوجد بعدُ إختلافات صلب الشعب بين الذين تدرّبوا على أشياء كالطبّ و الإدارة و الهندسة ، من جهة ،و الذين يفتقدون إلى هكذا أصناف من التدريب و كان عليهم العمل فى مصانع و مستشفيات أو حقول أو لم يستطيعوا إيجاد أي عمل بتاتا، من جهة أخرى. و هناك أيضا قوّة عادة القرون و خلالها الطريقة الوحيدة لتجمّع الناس لإنتاج حاجيات الحياة قد تمّت بواسطة أو عبر علاقات فيها تستغِلّ طبقة أساسية طبقة أخرى، و فيها ثمّة تقسيم دقيق بين الذين يعملون بأفكارهم و الذين يعملون بأجسادهم.
فضلا عن ذلك ، عليكم أن تعالجوا كلّ العلاقات الإجتماعية و الأفكار التى قد تحدّدت و تعزّزت بعلاقات الإستغلال. و ستعمل السلطة الجديدة على التوّ على تحطيم أسس هذا النظام مثل تفوّق البيض و التفوّق الذكوري وعلى تشريع المساواة الحقيقية. لكن حتى بعد الشروع فى هذه التغييرات و حتى بعد شروع تفكير الناس فى التحرّر بطرق عديدة و فى عكس العلاقات الإشتراكية الجديدة ، فإن قرون الإستغلال مع ذلك سيظلّ لها تأثير شديد على تفكير الناس. سيشبه ذلك علامات صدمة إثر إغتصاب ، هذا المجتمع و كلّ الناس فيه قد صدموا بمئات و آلاف السنين من الإضطهاد و نتائج ذلك على تفكير الناس كالعنصرية و الميز الحنسي و الشوفينية القومية لرقم واحد فى الولايات المتحدة الأمريكية و كره السكان الأصليين للناس من مختلف البلدان الأخرى و النخبوية و حتى شعور الدونية المنتشر ضمن الجماهير، جميعها سيجرى النضال ضدّها ، لكن لن تضمحلّ ببساطة. و هذه الأفكار ستغذّى اللامساواة المتبقّية و العلاقات الإقتصادية التى تتضمّن مظاهرا من العلاقات المشابهة للرأسمالية و التى لا يمكن كنسها بين عشيّة و ضحاها- ما يسمّى ب"الحق البرجوازي".و الأفكار و البرامج السياسية التى تمثّل هذه العلاقات ستنمو على التراب و ستأكّد ذاتها و توفّر قاعدة لولادة عناصر رأسمالية جديدة تنافس من أجل إفتكاك السلطة. و على السلطة الجديدة أن تستنهض الجماهير لتتعرّف على ذلك و تفهمه و تتجاوزه.
لذا ليس من اليسير كقول " حسنا ، نغيّر فقط العلاقات الإقتصادية ، و الباقي سيتداعى فى الحال و إلى الدرجة التى تصوّر فيها الشيوعيون و لا زالوا ذلك ، فإن الأمر مضرّ كبير الضرر. كلّ مجال من مجالات المجتمع يجب تغييره و تثويره على مدّة طويلة من الزمن أطول من تلك التى توقعها ماركس و لينين . و كلّ هذه المجالات كما وضّح ذلك ماركس علميا ، كلّ الإختلافات الطبقية و كلّ العلاقات الإجتماعية التى تنهض عليها و كلّ العلاقات الإجتماعية التى تقوم على هذا الأساس و كلّ الأفكار التى تتناسب مع هذه العلاقات ، أو "ال4 كلّ " بصيغة مختزلة ، يجب أن يتمّ القضاء عليها لأجل الذهاب إلى و كجزء من سيرورة بلوغ الشيوعية. (2)
نوعا مختلفا من الدكتاتورية و الديمقراطية :
و من هنا ستحتاجون إلى ممارسة الدكتاتورية على المستغِلين السابقين و الذين يهدفون إلى إعادة تركيز الإستغلال و ستحتاجون كذلك إلى الديمقراطية صلب الجماهير للإنجاز الحقيقي للتغييرات الضرورية. لكن يجب أن تكون دكتاتورية و ديمقراطية ذات طبيعة مختلفة نوعيا عن تلك التى لدينا الآن. و مجدّدا ، لا يمكنكم ببساطة قلب الأشياء ، بشتى الناس مستخدمين ذات الأدوات. ينبغى أن توجد أشكال عبرها تتقدّم الجماهير فعلا لتحي و لتخلق مجتمعا مختلفا جدا و لتغيير ذاتها فى السيرورة ،على نطاق بالكاد يمكن صراحة تصوّره داخل الحدود الذهنية "لما هو الحال" فى ظلّ هذا النظام.
و هذا يعنى إستنهاض الشعب و إطلاق طاقاته و قيادته و التعلّم منه لتخطّى اللامساواة و العلاقات الإجتماعية للمجتمع القديم، و جميعها تقوّض التقدّم بإتجاه شكل جديد من المجتمع. إنه يعنى تسليح أوسع فأوسع دوما للجماهير الشعبية بالأدوات النظرية للتحليل النقدي للمجتمع و لتقييم ما إذا و كيف يتحرّك عمليا فى إتجاه الشيوعية و ما يحتاج القيام به للمضي إلى أبعد نقطة ممكنة فى هذا الإتجاه فى أي زمن معطى.
وتتعارض هذه النظرة مباشرة مع فكرة أن ما ينبغى عليكم فعله فى الأساس ، فى ظلّ الإشتراكية هو " التزويد بالسلع" أي ضمان أن يرتفع مستوى حياة الناس و أن يتوفّر أمنا أكثر و غير ذلك من الأمور، و الإبقاء على الأشياء بأيدى " الذين يعرفون كيف يفعلون ذلك". بكلمات أخرى ، "غذّيهم " و " قُدهم". هذا ما يعرف بالنظرة التحريفية التى تبقى على إسم الشيوعية لكنها تحرّف جوهرها الثوري. و كان هذا هو خطّ الذين فى النهاية إفتكّوا السلطة فى الصين بعد وفاة ماو و أطاحوا بالذين تجمّعوا حول ماو و الآن رأينا إلى أي شيئ فى النهاية يؤدّى ذلك ، إلى جحيم رأسمالي بيافطة إشتراكية.
لذا المسألة هي هل أن الجماهير ستقاتل و تنتج لا غير؟ أم هل ستكون محرّرة للإنسانية ؟ هل يمكن للجماهير أن تواجه حقّا العالم كما هو و أن تفهمه و تغيّره؟
و الجواب يمكنها أن تواجه حقا العالم كما هو و أن تفهمه و تغيّره. إلاّ أنه لن يكون ذلك عفويا و دون قيادة. لا يمكن أن يقوم الناس بمبادرات واعية لتغيير العالم إذا لم يعرفوا كيف يعملون . هذا يتطلّب علما. و بما أن الأشياء جعلت بشكل يبعد الجماهير عن الإشتغال بالأفكار ، يحتاجون للحصول على ذلك العلم من أناس كانت لهم فرصة تحصيله. و مجدّدا يحتاجون إلى قيادة.
و لا ترتكبون أي خطإ بشأن ذلك فكلّ إنسان فى هذا المجتمع مُقاد فى إتجاه أو آخر. بالضبط الآن عديد الناس الذين يدعون أنّهم ليسوا مقادين يبذلون كلّ ضروب الجهود و المصادر و الآمال فى النزاع بين كلينتون و أوباما. و عندما يكون كلينتون أو أوباما أو ماك كاين فى الرئاسة- أي منهم كسب - فهو سيحدّد الإطار. سيقول لكم ما الذى يجب فعله – كما كانوا يقولون لكم – و سيفعلون ما يخدم الهيمنة الأمريكية على العالم و " النظام الإجتماعي" داخل أمريكا.
لهذا ليست المسألة إذا ما كان سيوجد قادة ، بل هي أي صنف من القادة ، فى خدمة أي أهداف. يعبّر بوب آفاكيان عن الأمر على النحو التالي فى " القيام بالثورة و تحرير الإنسانية " :
" طالما كان ذلك صحيحا ، تظلّ المسائل الجوهرية : ما هو مضمون و تأثير هذه القيادة – إلى أين ستقود الناس الذين تقود و كيف؟ ما الذى تسمح للناس بفعله أو تمنعهم من فعله؟ هل تساهم فى قدرتهم على الإدراك الفعلي للواقع و العمل بوعي لتغييره، فى إنسجام مع المصالح الجوهرية للإنسانية ،أم تشوّش عليه و تقوّضه؟ "(3).
من المهمّ التفكير فى هذا فى إرتباط بما شرحته سابقا حول المزايا و السلطة الباقيتين بعدُ لدى الإمبرياليين المطاح بهم
و علاقاتهم الدولية. لا يمكن للبروليتاريا أن تتقاسم السلطة مع البرجوازية ،أو ستُلتهم حيّة ،و مثلما قلت سابقا ، جرى تناول ذلك تناولا علميا ، فى أعمال جدال كتبها آفاكيان مثل " الديمقراطية : أكثر من أي زمن مضى بوسعنا و من واجبنا إنجاز أفضل من ذلك" ( الذى يوجد ضمن كتاب " ماتت الشيوعية الزائفة ... عاشت الشيوعية الحقيقية ") و نعم هذه دروس دُفع ثمنها دماءا. و على مستوى أعمق ، فقط البروليتاريا لها مصلحة كطبقة فى القضاء الفعلي على هذه " ال4 كلّ " و على الدولة أن تكون إمّا أداة للقضاء على هذه " ال4كلّ " و إمّا ستعزّزها.
بسبب كلّ هذا، ستحتاجون إلى دور قيادي مؤسساتي للحزب البروليتاري فى الدولة الإشتراكية ، طالما أنّ هناك طبقات عدائية و أرضية يمكن أن تنشأ تناقضات طبقية عدائية. و حين يقع القضاء على هذه الطبقات ، لن توجد عندئذ حاجة إلى قيادة مؤسساتية و قيادة للدولة معا.
و فى نفس الوقت ، علينا أن نقرّ بهذا التناقض وأن نعالجه و أن نثوّر بإستمرار و نعيد الحياة للحزب كي يواصل توفير ذلك النوع من القيادة و لا يتحوّل أعضاؤه إلى مضطهِدِين جدد. و هذا ليس بالمشكل البسيط و قد خصّه بوب آفاكيان بقدر كبير من الإهتمام وهو يشكّل جزءا كبيرا سأتناوله لاحقا : نظرة مختلفة نوعيا ،خلاصة جديدة ، لدكتاتورية البروليتاريا.
اللبّ الصلب مع الكثير من المرونة :
لنكن واضحين ، إننا نتحدّث عن تغييرات و قطيعة مع العديد من المقاربات فى المجتمعات التى إلي الآن يمكن قول إنّها كانت حقيقة إشتراكية و حقيقة ثورية لكن كانت لها رغم ذلك نواقصا هامة . و هذا ليس كما عبّر عن ذلك أحدهم بفكاهة
" أعرض المسرحيات الجيّدة و لا تعرض المسرحيات السيّئة " فهذه نظرة مغايرة تماما، معتمدة على إختراقات فى النظرة الشيوعية للعالم و الإبستيمولوجيا التى مرّت بنا أعلاه، طريقة للإجابة الصحيحة عن سؤال "بأي ثمن؟" و طريقة لقيادة اشياء بطريقة مغايرة و على مستوى أرقى.
لنأخذ مسألة الإيديولوجيا الرسمية التى كانت ميزة من ميزات المجتمعات الإشتراكية . الآن ، كما قلت، يجب على الحزب أن يقود فى المجتمع الإشتراكي و الحزب ذاته ينبغى أن يكون متّحدا حول الإيديولوجيا الشيوعية بما يسمح بقيادة الشعب من أجل الفهم الصحيح و تغيير الواقع . و الحزب ، مع ذلك ، تجمّع طوعي . لكن ما الذى يحدث لو أن كلّ فرد فى المجتمع ، داخل الحزب أم خارجه، عليه أن يعرب عن مواقفه مع الإيديولوجيا حتى يسُتمع له ، أو حتّى لمجرّد التقدّم؟
حسنا ، الواقع أنّ غالبية الناس لن يتبنوّا فعلا هذا كوجهة نظرهم مباشرة عقب الثورة ،و الخروج من المجتمع الرأسمالي. لقد إستعمل بوب آفاكيان إستعارة المظلّة لوصف كيف أن الأشياء تصبح مضغوطة زمن الثورة ،و كيف أنّ المجتمع ينقسم إلى قسمين ، قسم منخرط فى الخندق الثوري و ملتحم به، و قسم آخر يدافع عن الرجعية. لكن بعد الثورة ذلك الطابع المضغوط لقطب الشعب ينفتح ، مثل المظلّة. مثلما كتب آفاكيان فى " أسس و أهداف و مناهج الثورة الشيوعية "، إثر وصول الثورة إلى السلطة :
" ...كلّ البرامج السياسية و النظرات المتنوعة و النزعات المتنوعة و ما إلى ذلك التى تعكس مرّة أخرى علاقات الإنتاج و العلاقات الإجتماعية المتبقية فعليا و التى هي مميّزة للمجتمع القديم و كذلك ما يظهر جديدا فى المجتمع الذى وُلد نتيجة للإفتكاك الثوري للسلطة و لتعزيزها ، و كلّ هذه الأشياء تؤكّد و تعيد تأكيد نفسها . و إذا ما ذهبنا إلى فرضية أنّه لأن الناس قد توحّدوا حولكم فى تلك اللحظة الخاصة حين فقط برنامجكم إستطاع إحداث إختراق ، إذا حددتم الأمور على فرضية أنّهم جميعا سيمضون خلفكم فى صفّ متراص و فى إتفاق معكم فى كلّ نقطة طوال الطريق إلى الشيوعية ،فستقترفون أخطاء جدّية للغاية...(4).
ليست اللحظة التى تظهر حيث كلّ شخص تائه و " يرى النور" و يقول ،شكرا لله! إنه مجتمع إشتراكي. يمكنكم قيادة الناس للقيام بعديد الأشياء الجديدة ،عديد الأشياء الهامة و التحريرية و تركيز سيرورة شاملة فيها يُغيّر الناس المجتمع
و ذواتهم فى الإتجاه الإيجابي...لكن لن ينهض ذلك كما لو أنّ كلّ شخص لم يفهم فجأة فقط بل شرع فى تبنى و تطبيق المنهج و الموقف ووجهة النظر الشيوعيين. و إذا حاولتم القيادة كما لو أن الأمر كذلك ، أ- لن تتصرّفوا فى إنسجام مع ما هو حقيقة و ب- بالنتيجة ستهيلون التراب على و تشوّهون السيرورة بأسرها التى من خلالها يتوصّل الناس إلى الحقيقة و سيفرز ذلك جوّا خانقا أو محبطا.
يجب أن توجد إيديولوجيا قائدة ،و الإختلاف فى المجتمع الإشتراكي هو أنّنا سنعبّر عنها بوضوح ، عوض حجب الرأسماليين لها لكن الناس الذين ليسوا متأكّدين أنّهم يتفقون معها ينبغى أن يشعروا بأنّهم أحرار فى قول ذلك و الذين لا يتفقون معها ينبغى أن يقولوا ذلك بالتأكيد و يجب خوض نقاش بهذا الصدد.
و يتعيّن تطبيق مبدأ آخر فى السياسة. فعلى مستوى معيّن ، ينبغى أن يمسك الحزب بزمام المبادرة و يعبّئ الجماهير و يطلق طاقاتها بشأن أهداف مفاتيح. و عليه أن يحدّد إطار النقاش. و نعم ، يمكن و يجب أن تكون سيرورة حيوية و ملهمة و فاتحة للذهن، و قد كانت كذلك فى الماضي ليس فى الصين فقط بل فى الإتحاد السوفياتي أيضا على الأقلّ فى العقد و نصف العقد الأولين تقريبا.
لكن ماذا عن العفوية من الأسفل ؟ ماذا عن الأشياء التى تبدو خارجة عن النطاق تماما فى إتجاه مختلف ،أو التى تعارض الإطار و النشاط السياسيين جوهريا اللذان يرسمهما الحزب؟ ماذا عن عروض فى الفنّ تبرز لوحدها مثل عروض المقاهي فى الخمسينات و الستينات ب " الضربات /البيتس" أو عروض الهيب هوب و طواقم الرسم على الجدران التى ظهرت فى ساوث بروكس قبل 30 سن من الآن ، أو جولات شعر الكلمة المنطوقة فى التسعينات ، أشياء ستنشأ من الناس ، العديد منها يمكن ان يكون معارضا أو على الأقلّ تتميّز بأنها "خارج السيطرة " ؟ ماذا عن المجموعات السياسية التى تريد أن تناقش مسائل دون وجود عناصر من الحزب ، أو تنظّم تحركات ضد المشاريع ،حتى مشاريع هامّة يرعاها الحزب و الحكومة ذاتهما ؟ ماذا عن الأساتذة الذين يريدون تدريس نظريا ت و تأويلات لا تتوافق مع فهم الحزب ؟
حتى نكون صرحاء ، لم يتوفّر مجال واسع لهذا النوع من الأشياء فى المجتمعات الإشتراكية السابقة . فى" القيام بالثورة و تحرير الإنسانية " ، نقد آفاكيان نزعة كلّ من الصين و حتى أكثر ، فى الإتحاد السوفياتي "نحو الإنقباض فى ... سيرورة التغيير الإشتراكي ،وبقدر ما فرضت هذه النزعة ذاتها ، قادت إلى نوع من عدم المسك بالعلاقة بين الهدف و السيرورة ، حتى أنّ ما يحصل فى وقت معيّن يصبح ، أو يتجه نحو التماهي مع الهدف ذاته ، عوض فهمه كجزء من سيرورة نحو هدف اعمّ. و إلى جانب هذا وُجد تحديد للعلاقة بين الإتجاه الجوهري الضروري ، بالمعنى الجوهري للكلمة، وما كان موضوعيا يمثّل "الإنعطافات" أو الإنحرافات عنه لكن جرى النظر إليها و جرى تناولها كإنحرافات خطيرة عن التوجه الجوهري. و قد قاد هذا إلى درجة معيّنة و أحيانا إلى درجة معتبرة، إلى خنق الإبداع و المبادرة و التعبير الذاتي و نعم ، الحقوق الفردية فى السيرورة العامة لا سيما حين بدا أنها تتعارض ، أو تعارضت فعلا ، على المدى القصير ن مع الأهداف المعلنة للدولة الإشتراكية و حزبها القائد."(5).
على مستوى جدّ أساسي ، تحتاجون عمليا إلى خميرة فكرية لفهم العالم . خميرة ، نقاش و تجريب – "هواء فكري" – يوفّرون لكم نافذة على كلّ ما يتمخّض تحت سطح المجتمع فى أي وقت كان و الطرق الممكنة للمعالجة و التقدّم التى يفتحها هذا المخاض ، إنه سيساعدكم على رؤية أين تخطؤون فى العمل و أين تكرّسون نظرة إحادية الجانب. دون هذا،ستفتقد الجدلية بين الحزب و الجماهير، بين القادة و المقادين إلى أن تمسي "طريقا واحدا" ، و ستمسى الروح النقدية و الخلاقة عمياء ، فى كلا النهايتين.
لأنّه إذا حاولتم تقديم أدوات نقد للناس فى نوع من الجوّ البارد ، فإنها ببساطة لن "تعلق" إذ ينبغى أن يقاد الناس لكن أيضا ينبغى أن يتعلّموا بأنفسهم و القيادة ذاتها ينبغى أن تتغيّر و أن يجري تثويرها فى المسار. لتكون السيرورة سليمة يتطلّب الأمر خميرة و إحتجاجا و ببساطة تماما غليان أكثر فأكثر. وقد وجد الكثير من هذا فى الثورة الثقافية ،لكننا نتحدّث ضمن الخلاصة الجديدة عن شيئ على نطاق أعظم حتى ، بعناصر و ديناميكيات متنوعة فيه.
غالبية الصينيين لم يستوعبوا فعلا أبعاد المعركة الأخيرة. حسنا ، الطابع المختلف و البعد الأعظم للخميرة فى الخلاصة الجديدة هو جزء كبير من الإجابة عن كيف ننجز أفضل من ذلك فى المرّة القادمة.
" الذهاب إلى الشدّ و السحب إلى حدود التمزّق":
لقد أبرز آفاكيان التضارب بين إستعارة طرح خطّ كما لو كنتم تصطادون سمك الذبابة ...و " اللبّ الصلب مع الكثير من المرونة "، الذى يعبّر عنه هذا النوع من الحركة. لنضرب مثالا على ذلك . يمكن أن تجدوا وضعا حيث الحكومة الإشتراكية قرّرت بناء سدّ فى مكان ما تلبية لحاجيات ملحّة للشعب- و بالمناسبة فإن مجتمعا ثوريا هنا سيواجه متطلبات و حاجيات مادية عاجلة لأننا سنتوقف عن مصّ دماء الناس عبر الكوكب! – و شخص مثل آرونداتى روي ( وهي كاتبة رواية هندية شهيرة و غير شيوعية و ناشطة تقدّمية ) يمكن أن تقوم بالتحريض ضدّك. و وفق الخلاصة الجديدة ، لن تتسامحوا مع ذلك فحسب ، بل ستوفرون لها المجال و الوقت و المال ، حتى وهي ربّما تنظّم قوى ضدّكم و تقود مظاهرات و ربّما حتى نوعا من الإعتصامات الكبرى. عليكم الذهاب إلى هناك و الإلتحام و النقاش . إذا كانت على حقّ و لو جزئيا ، بالتالى ستتعلّمون منها. و إذا لم تكن على صواب ، يظلّ عليكم كسب الناس إليكم ، ليس فى نقاش مع رجل هشّ الفكر و إنّما مع مدافع عن موقف مقتنع به لبق و متحمّس. (6).
و لن يكون ذلك خاليا من المخاطر لأنّ الناس الذين لهم أهداف غير جيدة سيعملون بصورة أكيدة تقريبا و سيتصرفون فى إطار كلّ هذا و يحاولون جعله شيئا متحوّلا إلى محاولات فعلية لتحطيم الدولة الإشتراكية. و لا ننسى أنه إذا تخليتم عن السلطة ، إذا قبلتم بأن تعيد القوى البرجوازية ( القديمة منها و الجديدة ) تركيز الرأسمالية ، ستقترفون جريمة كبرى بحق كافة الناس الذين ضحّوا من أجل إفتكاك تلك السلطة ،و حتى أكثر ، فى حقّ الإنسانية بصورة أعمّ.
اللبّ الصلب سيحدّد المجال و الإطار لكن داخل هذا ، سيطلق العنان و يسمح بأقصى قدر ممكن من المرونة فى زمن معيّن بينما يظلّ ممسكا بالسلطة ،و ممسكا بها كسلطة تتجه نحو الشيوعية ، متقدّمة بإتجاه تحقيق "ال4 كلّ" سوية مع النضال العالمي ككلّ. و الآن سيواجه اللبّ الصلب عراقيلا فى زمن معيّن فى القيام بذلك ، بما فيها أنواع التهديدات الإمبريالية التى تواجهكم . أحيانا ستقدرون على الإنفتاح بصورة واسعة و أحيانا قد يكون عليكم كبح اللجام ، لكن إستراتيجيا ، بصفة عامة ، بالأساس ستعملون على تشجيع و تعملون بمرونة محاولين التعلّم من ذلك و محاولين إدراك كيف تقودون الأشياء لكي تصبح كلّها قوّة محرّكة تساهم فعلا ، حتى و إن لم يكن ذلك مباشرة و فورا، على المدى القصير، لكن على وجه العموم مساهمة فى الهدف الذى ترنون تحقيقه. و سيكون فهم الأمر فيه تحدّ ى و معقّد و مليئا أخطارا.
لهذا يتحدّث آفاكيان كثيرا عن " الذهاب إلى الشدّ و السحب إلى حدود التمزيق"،و البحث عن القيام بذلك! إن دور المعارضة دور كامل فى هذا النمط من الإشتراكية ،حتى مع وجود طرق فى وقت معيّن يمكن أن تعقّد جذريا المسألة كلّها. من جديد ، سينتهى لبّكم الصلب إلى أن يكون جدّ هشّ ... و المرونة لن تكون جدّ ...مرنة ، إلاّ إذا كنتم مستعدّين إلى الذهاب إلى الشدّ و السحب إلى حدود التمزيق- و الشدّ و السحب يحيل على نوع من التعذيب حيث يربطون الأيدى و الأرجل و يدفعون بها فى أربع إتجاهات مختلفة !. و فقط لنكون واضحين للغاية : هذا مفهوم إستراتيجي لا يتماثل و لا يجب مماثلته مع أو تقليصه إلى نفس الدفع فى عديد الإتجاهات بفعل عديد التحولات المتنوعة ، أو أن تكون لدينا مهام متنوعة. هذا المفهوم "الذهاب إلى الشدّ و السحب إلى حدود التمزيق" يقصد شيئا مغايرا تماما، شيئا أعقد و أعمق و إستراتيجيا أهمّ من ذلك.
إضافة إلى معارضة من هذا الطراز ، تقدّم آفاكيان بالنقاش كجزء من هذا النموذج من الأفكار عن : النزاع الإنتخابي حيث المسائل المفاتيح التى تواجه الدولة تناقش بحيوية و براهين حقيقية ، و دستور (بما فى ذلك القيود التى يضعها على الحزب) و نظرة واسعة لحقوق الأفراد ،و وجود مجتمع مدني و جمعيات مستقلّة عن الحكومة ،و معالجة شاملة جديدة للتناقض بين العمل الفكري و اليدوي ، و ضمنه نظرة مختلفة لدور المثقفين ، كلّها ليس بوسعى إلاّ الإشارة لها هنا، لكنّنى مستعدّ للخوض فيها خلال فترة الأسئلة.
و مسألة أخيرة فى هذه النقطة هي من هو اللبّ الصلب؟ اللبّ الصلب لا يساوى الحزب و لا يساوى البروليتاريا ، بنوع من منهج الوحدة الصماّء . فى أي وقت معطى يمثّل اللبّ الصلب أقلّية ،فى المراحل الأولى من المجتمع الإشتراكي هو أولئك الملتزمين بصلابة بالهدف الشامل لبلوغ الشيوعية ،و ثمّ لديكم درجات متنوّعة من الناس ، من مختلف الطبقات و الفئات ،مجتمعين فى علاقة بذلك . يجب أن يكون للبّ الصلب جذور فى البروليتاريا و يجب على القيادة بإستمرار أن تقدّم و تطلق طاقات أناس جدد من ضمن الذين فى المدى القصير يقطعون مع التناقضات التى بقيت من الرأسمالية – مثلا أناس لم يتدرّبوا على العمل الفكري فى المجتمع القديم ، أو نساء من فئات شتى ( و كذلك رجال ) يريدون دفع تحرير النساء إلى الأمام.
لكن البروليتاريا ذاتها ليست شيئا ثابتا . إنّها تتضمّن تنوّعا كبيرا و تشهد تغييرا ديناميكيا جدّا فى كلّ من مشاركتها فى كافة مجالات المجتمع و فى السيرورة العامة للعيش مع و تغيير – و التعلّم من – الطبقة الوسطى. لديكم مختلف الطبقات و لديكم مستويات متنوعة من الإلتزام بالمشروع الشيوعي و انتم تحاولون التعاطى مع هذا التناقض ،و لكن من فوق إلى تحت. و هذا يعنى إطلاق العنان لسيرورة ثمّ دخول السيرورة مع الجماهير.
هذه مفاهيم مغايرة جدّا لتلك السابقة ، قامت على نمط من النظرة "المجسّدة " للبروليتاريا ، نظرة تربك الدورالتاريخي – العالمي للبروليتاريا كطبقة تجسّد علاقات الإنتاج الجديدة مع الأفراد الذين يشكلون تلك الطبقة فى أي وقت معطى. و مثلما تعرضت لذلك قبلا فى نقاش "الحقيقة الطبقية" فإن هذا "التجسيد" للبروليتاريا إنعكس فى الكثير من التشديد على الأصول الطبقية للناس فى تقييم آراءهم ووضعها فى مواقع قيادية أو مواقع مسؤولية ،و فى الدفاع عن كونه بوضع العمال و الفلاحين فى هكذا مواقع ، تضعون نوعا ما من الضمانات ضد التحريفية. و كان هذا بارزا جدّا لدى ستالين ، لكنه وجد تعبيره بطرق مختلفة أيضا مع ماو و الثورة الصينية.
مرّة أخرى حول الخلاصة الجديدة :
هكذا تعرّضنا للكثير من الإنعكاسات السياسية للخلاصة الجديدة و على وجه الخصوص فى علاقة بالإشتراكية . لكن قبل الإنتقال إلى الإستراتيجيا ، و بناءا على كلّ ما قتله اودّ منكم أن تفكّروا فى مدى و قدر الأهمية العميقة لإستيعاب الوصف التالي للخلاصة الجديدة فى هذا المقتطف من الجزء الأول من " القيام بالثورة و تحرير الإنسانية " :
" تعنى الخلاصة الجديدة إعادة تشكيل و إعادة تركيب الجوانب الإيجابية لتجربة الحركة الشيوعية و المجتمع الإشتراكي إلى الآن ،بينما يتمّ التعلّم من الجوانب السلبية لهذه التجربة بابعادها الفلسفية والإيديولوجية و كذلك السياسية ، لأجل التوصّل إلى توجه و منهج و مقاربة علميين متجذّرين بصورة أعمق و أصلب فى علاقة ليس فقط بالقيام بالثورة و إفتكاك السلطة لكن ثمّ ،نعم، تلبية الحاجيات المادية للمجتمع و حاجيات جماهير الشعب ، بطريقة متزايدة الإتساع ، فى المجتمع الإشتراكي – متجاوزة ندب الماضى ومواصلة بعمق التغيير الثوري للمجتمع، بينما فى نفس الوقت ندعم بنشاط النضال الثوري عبر العالم و نعمل على أساس الإقرار بأن المجال العالمي و النضال العالمي هما الأكثر جوهرية و أهمّية ،بالمعنى العام – معا مع فتح نوعي لمزيد المجال للتعبير عن الحاجيات الفكرية و الثقافية للناس ،مفهوما بصورة واسعة ،و مخوّلين سيرورة أكثر تنوّعا و غنى للإكتشاف و التجريب فى مجالات العلم و الفنّ و الثقافة و الحياة الفكرية بصفة عامة ، مع مدى متزايد لنزاع مختلف الأفكار و المدارس الفكرية و المبادرة و الخلق الفرديين و حماية الحقوق الفردية ، بما فى ذلك مجال للأفراد ليتفاعلوا فى "مجتمع مدني" مستقلّ عن الدولة – كلّ هذا ضمن إطار شامل من التعاون و الجماعية و فى نفس الوقت الذى تكون فيه سلطة الدولة ممسوكة و متطوّرة أكثر كسلطة دولة ثورية تخدم مصالح الثورة البروليتارية ، فى بلد معيّن وعالميا و الدولة عنصر محوري ، فى الإقتصاد و فى التوجّه العام للمجتمع ، بينما الدولة ذاتها يتمّ بإستمرار تغييرها إلى شيئ مغاير راديكاليا عن الدول السابقة ،كجزء حيوي من التقدّم نحو القضاء النهائي على الدولة ببلوغ الشيوعية على النطاق العالمي. " (7).
و دعونى أضع الأمر كما يلى : كانت المرحلة الأولى لحركتنا تاريخية و بطولية – وهي تستحقّ و تتطلّب دراسة أعمق و يجب الدفاع عنها و رفع رايتها . لكن أفضل فهم لذلك لوحده لن يقود الإنسانية إلى الشيوعية. مع الخلاصة الجديدة ، أعيد فتح ذلك الأفق ، و كما قال أحد الرفاق ، إنّه يشبه البرعم الجديد فى جذع متطوّر.
الهوامش
1-" القيام بالثورة و تحرير الإنسانية " ضمن كتاب " الثورة " "الثورة الشيوعية : أساس و توجه إستراتيجي" (1 ماي 2008) ،ص 31 ، متوفّر على الإنترنت...
2- كارل ماركس " الصراع الطبقي فى فرنسا ،1848-1850 ، ضمن الأعمال المختارة لماركس –إنجلز ، المجلّد الأوّل.
3- " القيام بالثورة و تحرير الإنسانية " ... ص 52.
4- " أسس و أهداف و مناهج الثورة الشيوعية " ، متوفّر على الإنترنت.
5- " القيام بالثورة ..." ،ص 35.
6- السؤال الثالث من أسئلة و أجوبة من 7 خطابات (أوديو) ، نشرت فى 4 أوت 2006 فى موقع على الإنترنت.
7- " القيام بالثورة ..." ،ص 35.
-----------------------------
الإنعكاسات الإستراتيجية – القيام بالثورة / V
هذه نظرة ملهمة لا تصدّق عن مجتمع مختلف ، مجتمع فيه تريد حقّا الغالبية الغالبة للناس أن تعيش فيه.
لكن كيف نصل إلى هذا المجتمع الجديد ؟ هذا يقودنى إلى الجزء الأخير من عرضي هذا ، مسألة إسترتيجيا الثورة ، لا سيما فى البلدان الإمبريالية. من جديد ، لن أستطيع هنا سوى ملامسة بعض المفاهيم المفاتيح، و هذا سيكون مضغوطا أكثر من الجزء السابق من العرض.
أوّلا ، الثورات أمور جدّية . الثورات فى بلد مثل هذا لا يمكن أن تحدث إلاّ حين يكون المجتمع ككلّ فى قبضة أزمة عميقة ، نابعة جوهريا عن طبيعة و سير النظام ذاته، و إلى جانب ذلك ثمّة ظهور لشعب ثوري ، يعدّ الملايين و الملايين، واعي بالحاجة إلى تغيير ثوري و مقرّ العزم على القتال من أجله. إذا كنتم طليعة ، فإن كلّ ما تفعلونه ينبغى أن يكون بصدد بلوغ ذلك ، كلّ ما تفعلونه يقيّم فى علاقة بذلك، كلّ ما تفعلونه ينبغى أن يكون بصدد الثورة.و كلّ شيئ أقلّ من ذلك سيبترها و سيؤدّى إلى الإستسلام.
الموضوعي و الذاتي ... و التعجيل بينما ننتظر:
لكن كيف نصل إلى ذلك؟ مفهوم مهمّ هنا هو ما يسمّى علميا " العلاقة بين العامل الموضوعي و العامل الذاتي " . والعامل الموضوعي يشمل الظروف المادية للمجتمع و ديناميكيتها الكامنة و التيارات السياسية و الإيديولوجية الأوسع التى تتحرّك فى علاقة بذلك و بطرق مستقلّة عنها ؟ التوجّهات ( المتناقضة) التى فيها يتحرّك و يتغيّر كلّ هذا ، أمزجة و أحاسيس و أفكار مختلف قطاعات الناس ،و ما إلى ذلك. و العامل الذاتي يحيل على الناس الذين يسعون إلى تغيير كلّ هذا، و عادة نقصد بذلك الحزب لكن أحيانا يمكن أن نستعمل ذلك للإحالة على حركة أوسع ، طبقا للإطار.
الآن هذه علاقة جدلية حيث الموضوعي و الذاتي مختلفان ، لكنهما يتداخلان و يتحوّل الواحد منهما إلى الآخر. العامل الموضوعي يشبه الحقل الذى يلعب فيه الحزب وهو عموما يضع الشروط والإطار. لكن هذه الشروط و هذا الإطار ليسا ثابتين و محدّدين، فالحقل بإستمرار متغيّر الأبعاد و بإمكان العامل الموضوعي أن يأثّر فى العامل الذاتي . و أحيانا ، الحزب ذاته جزء هام من الوضع الموضوعي ، يمكن أن يقود نضالا عظيما ، أو أن يركّز هجوما ، أو أن يكون له تأثير كبير بمبادرة إيديولوجية ، سيتحدّث الناس عنه بفعل ذلك ، و هكذا تجدون العامل الذاتى جزءا من العامل الموضوعي. و فى نفس الوقت ، يدخل العامل الموضوعي فى العامل الذاتي إذ يتأثّر الحزب بشتى الطرق بأمزجة و أفكار الجماهير و الناس الذين حوله و يعملون معه و يلتحقون به.
لكن الحكمة التقليدية فى حركتنا كانت إقامة جدار مفهومي عازل بين الإثنين و تبنّى موقف سلبي تجاه العامل الموضوعي، و تقليص العمل الشيوعي إلى القيام بمبادرات تعكس بالأساس ما تقوم به بعدُ الجماهير أو هي مستعدّة للقيام به، و ثمّ
" تنظيم" ذلك. هذا النوع من النظرة لا يتحدّى الناس إيديولوجيا فضلا عن أنه لا "يمسك بمقاليد النضال "بيديه. أشار بوب آفاكيان إلى "الواقعية الحتمية " التى تقف وراء هذا أي فكرة أنّ أبعاد العمل الثوري تتحدّد و تتعيّن بصفة ضيقة جدّا و بما يوجد بعدُ و فرضية أّن ذلك سيتواصل بلا نهاية فى نفس الإتجاه ، دون قطيعة راديكالية أو تغييرات فجئية، دون أي شيئ مرتبط بذلك الإتجاه، و دون إمكانية ظهور أشياء جديدة بطرق غير متوقعة من التناقضات الموجودة.
لكن حاليا و فعليا يزخر الواقع بالتناقضات . التاريخ ، كالطبيعة ، مليئ بالقفزات الفجئية. لذلك فإن المبادرات الجريئة التى يتخذها العامل الذاتي ( طالما أنها معتمدة على ديناميكية حقيقية للواقع المادي) يمكن أن يكون لها تأثير كهربائي يمكن أن "يغيّر اللعب" لإستعمال صيغة مستعملة جدّا و لا زالت معبّرة. إلاّ أن النظرة الحتمية ليست حيوية أو منتهية للأحداث التى يمكن نهائيا أن تغيّر المعادلة بأكملها ، مرتهنا بما تفعله الطليعة.
الان لا يمكنكم ببساطة أن تقفزوا على الثورة على أساس الإرادة المطلقة . هذا سيضعكم و الجماهير فى وضع سيئ للغاية. بيد انه على وجه العموم ، التيار الأساسي فى البلدان الإمبريالية هو التخلّى عن الثورة فعلا إن لم يكن قولا، و عدم إدراك أو معارضة الديناميكية الممكنة الكبيرة للعامل الذاتي ، أو الوعي.
بناءا على فهم صحيح و عميق لهذا التناقض ، تبنى بوب آفاكيان مفهوم ماو : التعجيل بتطوير الثورة بينما ننتظر تطورات مواتية فى الوضع الموضوعي، تلك الأوقات التى فيها يذهب كلّ شيئ للمسكة . لكن هذا أيضا جدلي و ليس ميكانيكي إذ تعملون فى ظروف مع توقّع و فهم أن يتحول هذا إلى جزء من ليس فقط الإعداد لتغييرات كبرى فى الوضع الموضوعي ـ لكن متقدّمين و إلى أبعد حدّ ممكن مشكّلين هذه التغييرات عندما تجدّ. إنكم تبذلون طاقتكم ضد الحدود و تجتهدون ضد الإطار العام و تقومون بكلّ هذا بوعي بأنّ التناقضات الحادة لهذا النظام تجد تعبيراتها فى إتجاهات عديدة مختلفة و غير متوقعة. و هذا مقتطف آخر من الخطاب الحديث " القيام بالثورة و تحرير الإنسانية ":
" رغم أنّ التغيرات فى ما هو موضوعي بالنسبة لنا لن تأتي كلّيا أو ربّما لن تأتي حتى أساسا من خلال "فعلنا فى" الظروف الموضوعية ( بمعنى مباشر ، معنى واحد لواحد) ، فإن "فعلنا فيها" مع ذلك يمكن أن يجلب بعض التغيرات داخل إطار معطى من الظروف الموضوعية و الإرتباط مع و كجزء من "مزيج" من عديد العناصر ، منها القوى التى تفعل فى الواقع الموضوعي من وجهة نظرها هي ، فإن هذا يمكن ، فى ظلّ بعض الظروف ،أن يكون جزءا من تجمّع العوامل الذى ينتج تغير نوعيا . و مجدّدا ، من المهمّ التشديد على أن لا أحد بإمكانه أن يعرف بالضبط كيف سيسير كلّ هذا " (1)
لذا إذا ما تبنيتم هذا الخطّ و هذا التوجّه من " التعجيل بينما ننتظر" ليس مسألة أخلاقية و إنّما يتعلّق الأمر بما إذا سيبرز أبدا وضع ثوري أو إذا ، بصراحة تامة ستتوجهون أبدا و تقدرون على التعرّف على إمكانية ظهوره.
على ضوء هذا ، و على ضوء كلّ ما قد عرضنا اليوم ، فإن التالي ( وهو كذلك من " القيام بالثورة و تحرير الإنسانية" ،الجزء الأوّل) هو أحد أهمّ الفقرات فى مجمل أعمال بوب آفاكيان. وهو يستعمل الكثير من المفردات العلمية ، العديد منها شرحته أعلاه ، لكن لأجل إدراك هذا علينا أن نعرف أن مصطلح "الضرورة " فلسفيا يعود على الواقع الموضوعي فى زمن معيّن- التوجهات المتناقضة التى يتحرّك و يتطوّر ضمنها و كلّ من العوائق أمام التطوّر و الطرق الممكنة له – و أن "البناء الفوقي" يعود على المؤسسات السياسية و الثقافية و الأفكار و هكذا فى المجتمع ، بما هي مختلفة عن علاقات الإنتاج و إليكم ما كتب بوب آفاكيان :
" لكن جوهريا (و لنقل فى أساس كلّ هذا ) الحرّية تكمن فى الإعتراف بالضرورة و تغييرها . و المسألة هي أن هذا الإعتراف وهذه القدرة على إنجاز التغيير تمرّ مرتبطة بطريقة إيجابية أو إختزالية أو خطّية لكيفية طرح التناقضات الإجتماعية الجوهرية نفسها فى وقت معيّن . إذا كان الأمر كذلك ، أو إذا تناولنا الأمر على هذا النحو ، سنقضى على دور الفنّ و قدر كبير من البنية الفوقية عموما . لماذا نقاتل فى مجال الأخلاق؟ لأن هناك مبادرة و إستقلالية نسبية فى البناء الفوقي. و بقدر ما يعبّر عن ذلك بصورة صحيحة بقدر ما يكون الأمر أفضل، بمعنى نوع المجتمع الذى لدينا فى زمن معيّن و بمعنى قدرتنا على الإعتراف بالضرورة و خوض الصراع لتغيير الضرورة.(2)
إغناء فكر "ما العمل؟" :
هذا محوري بالنسبة للمفهوم الإستراتيجي الهام ل " إغناء فكر ما العمل؟ "و هذا المفهوم يذهب ضد تقليد تام فى الحركة الشيوعية يسمى "الإقتصادوية". و الإقتصادوية عنت فى الأصل تركيز إنتباه العمال فى المعارك حول الأجور ،و ظروف العمل و النقابات و ما إلى ذلك لكنه صار يشمل أي نوع من الإستراتيجيا التى تتركز على إستنهاض الجماهير للنضال من أجل "نتائج ملموسة". ما من أحد " يعترف"أبدا بعدم الرغب فى إيصال الشيوعية للجماهير، فقط يقولون إنّهالآن ليس الوقت المناسب" و إن " معرفة المطالب الحالية هي أفضل طريقة لنكون فى وضع القيام بذلك ..لاحقا".
لقد تطرّق لينين لهذه النظرة بالذات قبل قرن فى كتابه المَعلَم "ما العمل؟" فأشار إلى أنّ الشيوعية علم نشأ خارج البروليتاريا و يجب إيصاله إليها من الخارج. و قال إنّه يجب على الشيوعيين أن يكونوا خطباء أمام الشعب و يمكنهم إغتنام كلّ حدث كبير ليعرضوا أمام الجميع قناعاتهم الشيوعية و عارض بذلك ذهنية الكتاب العامين للنقابات الذين يقودون النضالات حول الحاجيات المباشرة لأعضائها. و قال إنّ للقيام بذلك و التقدّم فى المهام العديدة الأخرى الخاصة بالثورة ، لا بدّ من حزب طليعي، متشكّل من البروليتاريين و أناس من فئات أخرى يتبنون النظرة الشيوعية و يكرسون حياتهم لقضية الشيوعية.
و اليوم ، يبقى كلّ هذا محلّ نزاع . و ما يعنيه هذا النضال اليوم هو مسألة ما إذا كانت الجماهير ستُقاد لأن تكون محرِّرة واعية للإنسانية أو عوض ذلك ، ستُعامل كبيادق تغذّى و بالأساس يحكمها أناس تدرّبوا على العمل فى مجال الأفكار . لقد تحدّثت عن ذلك قبلا فى ما يتصل بدكتاتورية البروليتاريا ، لكنّ ذلك يجد تعبيرا صحيحا حادا عنه الآن.
أنظروا : التحوّل إلى محرري الإنسانية قطيعة عملاقة و لن تفعلوا ذلك دون قيادة. من جديد ، لا يمكن للناس أن يقوموا بمبادرات لتغيير العالم إذا لم يعرفوا كيف يسير العالم ، الأمر يستدعى العلم. و عليهم الحصول على هذا العلم من أناس كانت لهم فرصة تحصيله. دون ذلك ، دون طليعة تستحق فعلا إسمها ، لن تقع ثورة شيوعية . و لتغذية الناس بينما يكون لكم أنتم ما أطلق عليه أحد الرفاق " معبد المعرفة السرّية " ( و القيام بذلك بإسم الجماهير) سيكون محتقرا ، إن لم يكن جدّ هدّام و خطيرعلى نطاق واسع.
"إغناء فكر "ما العمل؟" مجموعة شاملة وليس محدودا فى شكل واحد من النشاط و لكي نمسك معنى هذا ، أوصيكم بقوّة بدراسة الجزء الثاني من " القيام بالثورة و تحرير الإنسانية " . بإختصار، مع ذلك ، فى حين ننطلق من توجه التعجيل بينما ننتظر وضعا ثوريا ، فإنه أحاط الدور المحوري للجريدة الثورية ، و الحاجة للنشر الجريئ للشيوعية فى كلّ ما نفعله، ،و أهمية الترويج لأعمال بوب آفاكيان ، و الحاجة إلى تنظيم الناس حول شعار "مقاتلة السلطة و تحويل الناس من أجل الثورة" لنشر الثورة و بناء مقاومة للطرق الرئيسية التى يهاجم بها النظام الجماهير ، و تخريط الناس فى الحزب، و إتخاذ مبادرات سياسية حول "الخطوط الحمراء" الإجتماعية التى تتركّز فيها أهمّ التناقضات الإجتماعية فى أي وقت معيّن، مثل النضال للإطاحة بنظام بوش.
وكذلك من المهمّ جدا هو التوجّه الإستراتيجي للجبهة المتحدة بقيادة البروليتاريا. هذا فى آن توجه و منهج ، مقاربة إستراتيجية لإعادة إصطفاف مختلفة القوى الطبقية بطريقة تقدّم هدف الثورة و النظرة الشيوعية الثورية التى ناقشت اليوم
و تركيزها فى موقع القيادة . و يحدث هذا عبر سيرورة معقّدة لما نسميه وحدة - صراع- وحدة ، أي تشكيل وحدة مع الناس ذوى الخلفيات و النظرات المختلفة جدّا حول المسائل الإجتماعية المفاتيح، كلّ من "الخطوط الحمراء" النقدية للنظام إضافة إلى مروحة أوسع ، خائضين الصراع داخل الوحدة حول مسائل كيفية رؤية العالم إيديولوجيا و سياسيا ،و عبر هذه السيرورة من التشابك الجدّي ، مطوّرين هذه الوحدة إلى مستوى أرقى و أعمق تجذّرا. و عبر كلّ هذا ، نهدف إلى إعادة تشكيل إستقطاب فى الوضع السياسي ، لتجاوز الإنقسامات و الفرقة و عدم الثقة و لقيادة الجبهة المتحدة التى ستكون ضرورية ليس للقيام بالثورة فقط بل للتقدّم بالأشياء على طول الطريق نحو المجتمع الشيوعي.
على ضوء كلّ هذا ، أريد أن ألفت الإنتباه إلى كتاب " لنطح بكافة الآلهة ! تحرير العقول و التغيير الراديكالي للعالم" الذى سيصدر فى الشهر القادم ... و الذى يتحدّى بقوّة شديدة الدين و الطريقة التى بها تعرقل المعتقدات الدينية الناس. و نشر هذا شعبيا بطريقة جدّ جريئة هو بالضبط نوع الشيئ المعني بتحدّى الناس ليقطعوا مع ذهنية العبودية و يخطوا خطوة إلى الأمام ليكونوا محرّري الإنسانية.


"حول إمكانية الثورة ":
فى النهاية ، من المهمّ هنا الحديث عن مسألة ذات دلالة كبيرة جدّا ألا وهي هل من الممكن فى بلد مثل هذا أن ننتصر؟ فى علاقة بهذا ، أرغب فى أن أقرأ بإقتضاب من المقال الهام للغاية الذى صدر فى جريدتنا ، "حول إمكانية الثورة ". يشير المقال إلى أن :
" فى خطاب له السنة الفارطة " التقدّم بطريقة أخرى" ( و الذى قد نشر تباعا فى "الثورة " و نشر برمته على الإنترنت) ، شدّ بوب آفاكيان الإنتباه إلى كون هناك "شيئان إثنان لا نعرف كيف نقوم بهما ، تحديدا ،مواجهة القمع و الإنتصار الفعلي حين يحين الوقت.الآن نقطة قول إن هذان شيئان لا نعرف كيف نقوم بهما ...هي لفت للإنتباه إلى أنه يتعيّن علينا العمل على هذه الأشياء ، بالطريقة المناسبة و ليس بالطرق غير المناسبة."
و يسترسل ليقول ، فى علاقة بمسألة الإنتصار حين يحين الوقت :
" علينا أن نعالج هذه المسألة و أن ننظر لمسألة الإنتصار على نحو جدّي للغاية و ليس على نحو طفولي ،و ليس على نحو يجعله حتى أسهل لهذا النوع من السلطة الرجعية الممركزة [ المتجسّدة فى الطبقة الحاكمة الإمبرياليةٍ] لتسحق أية محاولة لإيجاد عالم جديد."
لمزيد التشديد على هذا التوجه ، ضمّن بوب آفاكيان " التقدّم بطريقة أخرى" موقفا نشر فى "الثورة" ، "بعض النقاط الحيوية فى التوجّه الثوري – فى معارضة الموقف الطفولي و تشويهات الثورة " . يبدأ هذا الموقف قائلا :
" الثورة مسألة غاية فى الجدية و ينبغى تناولها بطريقة جدّية و علمية ،و ليس عبر عبارات الإحباط و المواقف و تحركات الذاتية و الفردية التى تذهب ضد تطوّر حركة ثورية جماهيرية إليها نتوق – و التى يجب أن تتميّز بوسائل جوهريا متّسقة مع و تخدم إيجاد عالم مختلف راديكاليا أفضل بكثير. الثورة و بصورة خاصة الثورة الشيوعية هي و لا يمكنها إلاّ أن تكون فعل جماهير الشعب ، منظمة و مقادة لإنجاز صراع متزايد الوعي للقضاء على كافة الأنظمة و علاقات الإستغلال و الإضطهاد و التقدّم بالإنسانية إلى الأمام " ( " بعض النقاط الحيوية " نشر فى الأصل فى العدد 55 من "الثورة" ، 30 جويلية 2007 ،و أعيد نشره كملحق لكتاب " الثورة و الشيوعية : أساس و توجه إستراتيجي" ،ص 91)
بتوافق مع ذات هذا التوجه فى " التقدّم بطريقة أخرى " ، إنطلاقا من أساس ما قيل فى " بعض النقاط الحيوية " ، نادى آفاكيان للدراسة و الجدال فى مجال النظرية و المفاهيم ، فى علاقة بمشكل الإنتصار حين يحين الوقت. وكما عبّر عن ذلك :
" الآن ، فى خطابات سابقة ،تحدّثت عن عربتين فى علاقة بالإنتصار ، فى علاقة بإفتكاك السلطة عندما يظهر وضع ثوري و شعب ثوري بالملايين. و على ضوء ما قرأت أخيرا ( وهو كلّ "بعض النقاط الحيوية للتوجه الثوري- فى معارضة الموقف الطفولي و تشويهات الثورة ") و بهذا كأساس ، إذا أردتم ، أو كقاعدة ، و من وجهة نظر إستراتيجية و ليس من وجهة نظر آنية ، علينا أن نفهم دور هتين العربتين و العلاقة الجدلية بينهما . إنهما أمران منفصلان و فقط بتغيير نوعي فى الوضع ( كما تمّ الحديث عنه فى ما قرأت أخيرا من "بعض النقاط الحيوية") ...يمكن أن يوجد دمج للعربتين . إلى حينها ، يمكن أن يتطوّرا بصورة صحيحة و يجب أن يتطوّرا على نحو منفصل. العربة الأولى وهي أهمّ مركز إهتمام ومضمون الأشياء الآن ، هي العمل السياسي و الإيديولوجي للجبهة المتحدة بقيادة البروليتاريا ، منتبهين و معدّين سياسيا لظهور وضع ثوري و شعب ثوري على نطاق جماهيري واسع. و هذا ما يعنيه " التعجيل بينما ننتظر" تطوّر وضع ثوري.
العربة الثانية تحيل على وهي جوهريا تطوير النظرية و التوجه الإستراتيجي للقدرة على التعاطى مع الوضع و الإنتصار حين يمكن و يجب أن تدمج العربتان ، مع تغيّر نوعي فى المجال السياسي الموضوعي عند ظهور الوضع الثوري و الشعب الثوري ( كما تحدّثت عن ذلك هنا و كما عُبّر عنه بشكل مركّز فى "بعض النقاط الحيوية").
و من المناسب الآن بهذا المضمار إعارة الإنتباه إلى الحقل النظري و التفكير و الفهم الإستراتيجيين و التعلّم بطريقة عميقة و شاملة من شتى التجارب. و هناك حاجة لدراسة كلّ هذه التجارب المختلفة نوعيا و تلخيصها من أفق إستراتيجي صحيح ، كلّ هذا لأجل مراكمة المعرفة لتعميق الفهم النظري و المفهوم الإستراتيجي".
و بناءا على نقطة أثارها ماو ، شدّد آفاكيان على التوجه الجوهري الذى هو فى منتهى الأهمّية ألا وهو مدى أسر النفس بالخرافات و التقاليد و بما إعتبر إلى حدّ الآن صحيحا ، لكن عوض ذلك مقاربة كافة المشاكل بفكر نقدي و خلاّق ، قائم على مبادئ و مناهج علمية ".(3)
لذا بصدد تلك المسألة الكبرى ، مسألة الإنتصار حين يحين الوقت ، أودّ أن أوصي بقوّة بأن يقتني الناس كتاب " الثورة و الشيوعية : أساس و توجه إستراتيجي" وهو يحتوى على ذلك المقال أو التوجه إلى الأنترنت و قراءة المقال الذى قاده منهج بوب آفاكيان.
الخاتمة :
هذا هو إذا عرض عام للخلاصة الجديدة و إعادة تصوّر الثورة و الشيوعية لأجل مجتمع مغاير راديكاليا وفى النهاية،عالم شيوعي ، دون إستغلال و دون علاقات إضطهاد بين الناس. و هذه الخلاصة الجديدة قد "أدلجت" الثورة و أعادتها إلى الركح وهي تمثّل موضوعيا ، كما قال آفاكيان "مصدر أمل و جرأة على أساس علمي صلب"(4)
هنا نحتاج إلى أن نتمكّن من هذا جدّيا و أن نتوغّل فيه و نجعله قوّة إيديولوجية و سياسية شديدة لتغيير العالم ، بينما فى نفس الوقت " نشتبك" على نحو أشمل و بطريقة مستمرّة ، مع مجمل الأعمال الواسعة و المتواصلة التطوّر و الغنية و كذلك المنهج و النظرة اللذان يقدّمهما بوب آفاكيان .
و أرغب فى ان اختم بالتالى ، بقراءة فقرة من " الديمقراطية : أليس بوسعنا أن ننجز أفضل من ذلك؟ " فهي تصوّر المستقبل الشيوعي الذى من أجله نقاتل :
" اليوم من الممكن فقط أن نتخيّل و أن نحلم بالتعبيرات الإجتماعية التى سيتخذها المجتمع الشيوعي المستقبلي و كيف سيتم حلّها . كيف يمكن مقاربة مشكل مزج قوى الإنتاج المتقدّمة ،التى تتطلّب درجة هامة من المركزة،مع اللامركزية و المبادرة المحلية ( مهما كان معنى "المحلية" حينها)؟ كيف يمكن معالجة تربية أجيال جديدة من الناس ،وهي عملية منجزة الآن على نحو متفرّق و عبر علاقات إضطهادية ،فى العائلة ؟ كيف سيُعار الإنتباه لمجالات خاصّة من المعرفة ، أو للتركيز على مشاريع معينة ،دون جعلها" محميّة خاصّة" لبعض الناس ؟ كيف يمكن معالجة تناقض تمكين الناس من الحصول على قدرات و معرفة شاملين و فى نفس الوقت تلبية الحاجة إلى بعض الإختصاص؟ ما العلاقة بين المبادرات الفردية للناس و المساعى الشخصية من جهة و مسؤولياتهم و مساهماتهم الإجتماعية من جهة أخرى؟ يبدو أنه سيكون على الدوام حال أن بشأن مسألة خصوصية أو خلافية ، ستوجد مجموعة – و كقانون عام فى البداية أقلّية- سيكون لها فهم أصحّ و أكثر تقدّما ، لكن كيف سيستخدم هذا من أجل المصلحة العامة و فى نفس الوقت تمنع المجموعات من التصلّب و التحوّل إلى "مجموعات مصالح"؟ كيف ستكون العلاقات بين مختلف المناطق و الجهات ، بما أنه لن تبقى موجودة بعدُ بلدان مختلفة، و كيف تعالج التناقضات بين ما يمكن تسميته ب" المجتمعات المحلّية" و التجمعات الأعلى ، صعودا إلى النطاق العالمي؟ ماذا سيعنى بالملموس أنّ الناس مواطنو العالم حقيقة بالخصوص بمعنى المكان الذى يعيشون فيه و يعملون و ما إلى ذلك ، هل "سيتنقلون" من منطقة إلى أخرى من العالم؟ و كيف ستعالج مسألة التنوّع اللغوي و الثقافي فى مقابل الوحدة الإنسانية للعالم؟ و هل سيقدر الناس حينئذ ، حتى بكلّ هذا الفهم للتاريخ ، فعلا أن يعتقدوا فى أنّ مجتمعا مثل الذى نحن سجناء فيه الان قد وُجد ، فما بالك بإعلان أنه أبَديّ و اعلى قمّة إستطاعت الإنسانية بلوغها؟ من جديد هذه الأسئلة و عديد ، عديد الأسئلة الأخرى لا يمكن إلاّ أن تكون موضوع تخمين و حلم اليوم ، لكن حتى طرح هذه الأسئلة و محاولة تصوّر كيف ستتمّ معالجتها ، فى مجتمع لم يعد فيه إنقسام طبقي و عدائية إجتماعية و هيمنة سياسية و فى حدّ ذاته محرّر تحريرا هائلا بالنسبة لإنسان ليس له أي أدنى مصلحة فى النظام الحالي.(5)
أليس هذا مستقبل يستحق أن تكرسوا له حياتكم؟
لنمسك بالخلاصة الجديدة ! لنكن جزءا من تحرير الإنسانية !
الهوامش
1/ " القيام بالثورة..." ،ص 40
2/ "القيام بالثورة..." ، ص11
3/ "حول إمكانية الثورة " ضمن كتاب " الثورة و الشيوعية : أساس و توجه إستراتيجي" ( 1 ماي 2008) ،ص 80-81 ، متوفّر على الأنترنت.
4/ "القيام بالثورة..."،ص 37
5/ "الديمقراطية : أليس بوسعنا إنجاز أفضل من ذلك؟ " ( شيكاغو : بانر براس ،1986)
3- حول القادة و القيادة
بمناسبة الذكرى العشرين لتأسيسه ،أصدر الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية قرارات حول القادة و القيادة تعتزّ " الثورة" بتقديمها للقراء : يُعالج الجزء الأوّل " لا يوجد الحزب إلاّ بهدف خدمة الجماهير ،القيام بالثورة" مسألة القادة و القيادة. و يتطرّق الجزء الثاني " بعض النقاط حول القيادة الثورية و القياديين " لعدد من المسائل المتعلّقة بالحاجة إلى قيادة ثورية و كيف يرى الشيوعيون مؤهلات القيادة و العلاقة بين القادة و الحركة ككلّ.
1-
أكثر من أيّ شي ، نحتاج إلى ثورة بروليتارية : نحتاج على الإطاحة بالطبقة البرجوازية فى السلطة بإلحاق الهزيمة بقوّتها المسلّحة عبر الحرب الثورية ،و إلى تحطيم جهاز دولتها بأكمله،و الشروع فى بناء مجتمع جديد و معاير جذريّا فيه تكون الجماهير مركز ركح مسرح الحياة.
لا طريقة لإنجاز ذلك دون التطبيق الجدّي للمبادئ و المنهج العلمي للماركسية-اللينينية-الماوية ( الم-الل-الم) فى كلّ البلد و على النطاق العالمي .و الإلمام و النظرة التاريخية و التحليل الملموس للظروف الإجتماعية الدائمة التغيّر يجب أن نمزجها و طبّقها بإتساق لجل أن ترشد الممارسة الثورية و أن تعالج بطريقة صحيحة المسائل العملية للحركة الثورية.
و كلّ هذا يستدعى أكثر من أفكار و نوايا حسنة . غنّه يستدعي تنظيما ثوريّا حقّا و قيادة ثورية حقّا تعتمد برسوخ على هذه المبادئ الأساسية و هذا المنهج الأساسي ، قيادة يمكن ، فى كافة الأوقات، أن تحافظ بصلابة على الأهداف الإستراتيجية فى المقام الأوّل على الممارسة الثورية. قيادة تستطيع بإتساق و فعليّا أن تحافظ على الحركة الثورية من الإنحراف و يمكن أن تتعرّف على الإنفتاحات و تستفيد منها من أجل التقدّم بالعمل
لقد ولد حزبنا فى خضمّ نضالات أناس ذوى أفكار ثورية، قبل بضعة سنوات. ومع مرور السنين تعلّمنا الكثير ،و ثابرنا على الطريق الثوري. و اليوم يوجد حزبنا كتعبير و خلاصة و تركيز لنضالات الجماهير الشعبية من أجل التغيير الثوري.
لا يوجد الحزب إلاّ بهدف خدمة جماهير الشعب ، لتمكينها من القيام بالثورة و تغيير العالم. دون الجماهير لن يمثّل الحزب شيئا.
حزبنا تنظيم جماعي ، ليسس مجرّد مجموعة أشخاص. نقرّر الأمور جماعيّا و نعمل جماعيا . قوّتنا تكمن فى طابعنا الجماعي – وهو ما يسمح لنا بالربط الصحيح بمبادرة الجماهير و إطلاق العنان لها و قيادتها و إعطاء ذلك أكثر التعابير الثورية قوّة فى إنسجام مع المصالح الجوهرية للجماهير. و تترجم هذه الجماعية و تتحقّق عبر العمل الجماعي لوحدات الحزب على مختلف المستويات ،و عبر سلسلة المعرفة الحزبية و سلسلة القيادة و على إمتداد الحزب.
حزبنا منظّم على أساس المركزية الديمقراطية وهي طريقة تخوّل لنا أن نمزج درجة عالية من الإلتزام و المبادرة الفرديين ( من الأفراد ووحدات الحزب على جميع المستويات ) مع درجة عالية من وحدة الإرادة و العمل و يخوّل لنا قتال العدوّ بطريقة منظّمة و منضبطة. و يمكّننا هذا من عمل سلسلة المعرفة الحزبية و سلسلة القيادة الحزبية التي تربط الحزب بالجماهير لقيادتها فى النضال من أجل مصالحها الثورية . و المركزية الديمقراطية تعبير منظّم عن الخطّ الجماهيري.
كلا مظهري المركزية الديمقراطية جوهريّان لتكريس الخطّ الجماهيري ، السيرورة التي نقدّم من خلالها و نستخلص أفكار و تجارب و مساهمات الجماهير الشعبية ( فى كلّ من داخل الحزب و خارجه) و تجميعها مع الدروس المستخلصة من التاريخ، و النظرة الأكثر إلماما لما يمكن أن يكون عليه المستقبل ، لأجل تركيز أفضل للمعرفة و التجربة الجماعيتين للجماهير عبر الزمان و إعادتها إلى الجماهير فى شكل خطّ و سياسات ثوريين و توجّه ثوري عمليّ. و نقوم بهذا بينما نبقى على أقوى جدار ممكن من الوحدة و الإنضباط يصعب على العدوّ إختراقه.
كافة أعضاء حزبنا قادة ثوريّون بحدّ ذاتهم، لهم قدرات متنوّعة و مستويات من التطوّر. كلّهم لا يقدّرون بثمن: إنّهم يخدمون الشعب و يجب دعمهم و الدفاع عنهم ضد الهجمات.
صلب الحزب ، يتقاسم الرفاق الأفراح و الأتراح و يعتنون ببعضهم البعض: و هذا أيضا تعبير عن جماعيتنا و نظرتنا الثورية. صلب الحزب ، هناك ( و يجب أن يوجد على الدوام) الكثير من النقاش الجماعي و الصراعات حول ما ينبغى القيام به ، حول الصحيح و الخاطئ فى تطوير النظرية و الممارسة الثوريين اللذين يساهم فيهما الرفاق كافة.
يتكوّن تنظم الحزب من مختلف المجموعات و الوحدات الصغيرة ، لكلّ منها قائدها الخاص، وهو أمر ينسحب على كافة الأجهزة القيادية العليا . و العمل الحزبي ككلّ يتركز و يمثّل أفضل تمثيل فى لجنتنا المركزية.
مثل جميع هياكل الحزب ، تعمل اللجنة المركزية بصورة جماعية،وهي متشكّلة من رفاق أثبتوا ولاءهم للجماهير و للقضية الثورية ، والذين هم مستندون إستنادا جيّدا على المبادئ الجوهرية و المنهج الأساسي للماركسية-اللينينية-الماوية ن تعيّن اللجنة المركزية جماعيّا القائد المناسب أكثر لقيادة اللجنة المركزية عينها ،و من خلالها الحزب بأسره.
بوب آفاكيان هو هذا القائد لقادة حزبنا.
من كافة قادة حزبنا ، بوب آفاكيان هو قائد اللجنة المركزية الذى يُعدّ:
= الأقدر على قيادة العمل الجماعي للجنة المركزية و أجهزتها القائمة و بهذه الطريقة و عبر الهياكل الجماعية للحزب و أجهزته القيادية ، قيادة الحزب و الجماهير.
= الأقدر على رسم جماعية الحزب لإستخلاص و تركيز ما يتأتى من أسفل ،من الجماهير الشعبية داخل الحزب و خارجه.
= الأقدر على إستخلاص و تركيز الدروس التاريخية و النضال الثوري للبروليتاريا العالمية بوجه خاص.
= الأقدر على إستخلاص و تركيز المادئ السياسية و الإيديولوجية و التنظيمية الجوهرية للماركسية-اللينينية-الماوية حتى الآن و لقيادة تكريسها عمليّا.
= الأقدر على الإستيعاب و الصراع الواعي حول المنهج العلمي المفتاح أي المادية الجدلية و التاريخية فى علاقة بكلّ مجال من مجالات الممارسة و النظرية ، لأجل رسم الطريق غير المرسوم و موصلة إنجازعمل ثوري فى إرتباط اوثق مع المصالح الموضوعية و الأهداف الإستراتيجية الشاملة لطبقتنا.
= الأقدر على مزج و ربط الإلمام و النظرة التاريخية الشاملة و أرضية تطوّر إيديولوجي و منهجي إلى جانب فهم حقيقي لمشاعر الجماهير و فهم عميق للمشاكل العملية للحركة الثورية.
= الأقدر على قيادة القوى الثورية لحزبنا فى صراع خطّين ضد التحريفية و الإنتهازية و فى الذهاب ضد كافة التيارات الخاطئة.
= الأقدر على وضع معايير الأممية البروليتارية الحقيقية و لقيادة حزبنا فى النهوض بمسؤوليّاته الأممية كفيلق من فيالق الحركة الشيوعية العالمية ،كجزء من الحركة الأممية الثورية.
وتعتبر الجماعيّة الأكبر أي اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الثوري أنّ الشخص الذى يجسّد أفضل تجسيد هذه التعابير – و الذى أكّد ذلك مرّة تلو المرّة ، بما فى ذلك فى ظروف حرجة من تاريخ حزبنا و الحركة الشيوعية العالمية- هو بوضوح بوب آفاكيان
إنّ الرفيق آفاكيان هو تماما نقيض القائد البرجوازي : إنّه معروف بدرجة عالية من المبدئية و الإستقامة الشخصية و السياسية الهائلة؛لقد وضع خدمة الشعب فوق كلّ شيئ آخر فى حياته، وهو يحيى و يتنفّس من أجل جماهير الشعب ،و كان نموذجا لتطبيق منهج الماركسية-اللينينية-الماوية فى النقد و النقد الذاتي ؛ لقد ظلّ برسوخ ثوريا فى وجه مخاطر كبرى تعرّض لها شخصيّا ؛ و إضطلع بدور حيوي فى إستيعاب و نشر علم الماركسية-اللينينية –الماوية و رسم أرضية جديدة فى تطبيقه فى الممارسة العملية ؛ لقد قاد الحزب فى البحث فى جذور الأخطاء و التعلّم منها و تصحيحها ؛ و بيّن أنّه قادر على أن يستخلص و يركّز و يدفع الإستعمال بمهارة للقوّة الجماعية لتنظيمنا الثوري؛ و لم يخسر أبدا روح الفكاهة لديه!
و عليه تؤكّد اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الثوري بحماس إحترامها و حبّها و دعمها بصلابة للرفيق آفاكيان و دوره كرئيس للجنة المركزية للحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية..
و كجزء من الإرتقاء بنضالنا الجماعي لرفع تحدّيات زمننا هذا و مواجهة فرص هذا الزمن على أفضل وجه ، تحثّ بهذا اللجنة المركزية جميع أعضاء الحزب و الثوريين لمزيد إعمال الفكر و نقاش ما تمثّله بالضبط القيادة الثورية الحقيقية، و عكسها و التعلّم من الدور المتميّز لرئيس لجنتنا المركزية و مساهماته فى هذا السياق.
و كذلك بهذا تكرّر اللجنة المركزية التأكيد على تصميمها على منع العدوّ من إسكات الصوت الثوري الحيوي لرئيس حزبنا ، آفاكيان أو إنكار قيادته الثورية للجماهير الثورية ،و على تصميمنا المتجدّد على ضمان أن تصل قيادته و منهجه إلى جمهور دائم الإتساع.
و هكذا تحثّ اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية كافة ذوى الفكر الثوري على الإلتحاق بنا فى هذا الإلتزام .
اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية ،سنة 1995.
2-
واحدة من أهمّ المسائل بالنسبة لأيّة قوّة أينما كانت –و بالنسبة لحلفائها و مسانديها- هي مسألة القادة و القيادة . هل يحتاج الثوريون أبداإ إلى قادة؟ ببساطة ما الذى يجعل ثوريّا قائدأ ثوريّا؟ ما الذى يجعل قائدا " أفضل " فى القيادة من قائد آخر؟ ما هو المقياس الذى يتعيّن إتباعه لتقييم القادة و أدوارهم؟ إن لم يكن القادة بشر خارقون و يمكن أن تكون لديهم نقاط ضعف أو أن يرتكبوا أخطاء ، هل يجب أن نروّج لهم حتّى؟ هل أنّ غالبية القادة يتجهون إلى الإستسلام، أو الإنكسار او الموت؟ لماذا حتى التجرّأ على تقديم قادة و الترويج لهم إن كان هذا قد يؤدّى إلى أن تقدّسهم الجماهير كآلهة،و قد يتسبّب إيقاف القادة أو إنكسارهم أو سحقهم فى الإحباط والشلل ؟ هل أنّ الدعاية للقادة يمكن أن تقف حاجزا دون تشجيع الجماهير على معرفة الحاجة إلى المبادرة و التحوّل إلى نشطاء ثوريين واعين و قادة هم ذاتهم؟ إذا كنّا مع الجماعية فى وسائل عملنا و نجتهد من أجل روح و نمط حياة شيوعيين ، فبالتالى لماذا نسلّط الضوء على قادة دون سواهم؟ و ماذا عن المبادرة فى صفوف الحزب ذاته: هل أنّ الإعتراف بالقادة و الدعاية و الترويج لهم ينحو إلى إحباط مبادرة الأعضاء القاعديين أو الكوادر الأدنى مستوى و مشاركتهم الشاملة؟ ما هي العلاقة الصحيحة بين القايدة و المقادين؟
===========
تستحقّ الأسئلة المثارة أعلاه جميعها النقاش الأعمق . فأناس من مختلف الفئات و ذوى تجارب حياتية متنوّعة ( و مستويات مختلفة من التجربة السياسية) يتجهون نحو أن يقدّموا أجوبة متباينة لهذه الأسئلة.
إنّ غالبية الناس الجدّيين بشأن القيام بالثورة يقرّون بالحاجة إلى نوع من الهيكلة ، و التنظيم و القيادة لأجل قيادة و تنسيق منهجيين للعمل الثوري و لأجل إفتكاك السلطة السياسية فى النهاية و الشروع فى بناء نوع جديد تماما من المجتمع. و غالبا ما يسرع القاعديون بوجه خاص ،و نظرا لكونهم عادة جدّ معتادين على اليد القمعية للعدوّ ، إلى الإشارة إلى أنّ سلطة الأجهزة ليس بالإمكان جدّيا تحدّيها و إلحاق الهزيمة بها دون تنظيم محكم و خطوط قيادة واضحة. و كذلك هناك ضمن الجماهير القاعدية – بالخصوص و و ليس حصرا ، فى بلد مثل الولايات المتحدة – قدر هام من الإستخفاف بالقادة الثوريين : نظرة كون القادة " سيبيعون" القضية ، أو انّهم إن لم "يبيعوها" سيحرم العدوّ الجماهير منها و ليس هناك ما يمكن فعله إزاء ذلك. و هذا النوع من الإستخفاف أمر يجب إيلاؤه الإهتمام ،برسم العلاقة بين الجماهير القاعدية و القيادة ،و مسؤوليّات كلّ منهما تجاه الآخر.
فى غالب الأحيان ، أناس من الفئات الوسطى ،بخاصة المثقفون ،هم الذين يطرحون أكثريّة " الأسئلة" بصدد ما إذا من " الصحيح" أو لا ، أن نملك قادة و نروّج لهم صلب الحركة الشيوعية الثورية. إنّهم ينظرون للمسألة فى إطار فراغ كبير او بصورة مطلقة ، منفصلة عن الواقع المادي و حاجيات الحقبة التاريخية الخاصّة التي نحن جزء منها. لكنّ أمر واقع مادي هو أنّ الإنسانية لم تبلغ بعدُ مرحلة حيث بوسعها أن توفّر تقسيما رسميّا للعمل و هياكلا و مستويات قيادية. السؤال ينبغى أن يكون: ما هي طبيعة هذه الهياكل و ما هي المصالح التي تخدمها.
هناك عدد قليل جدّا من الناس الذين يحاولن نقاش التحرّك بصدد قضايا جدّ قليلة، و ذات أبعاد محدودة لا غير، قد يتمكّنوا أحيانا من القيام بذلك عبر " إتفاق عام" ،دون هيكلة قيادة و قادة.لكن مع إتباع نطاق الأهداف على أبعد من خلفية المرء لتشمل تحمّل مسؤولية التغيير الثوري لنظام المجتمع و على النطاق العالمي، سرعان ما تبرز الحاجة إلى أشدّ تقسيم منهجي للعمل و الهيكلة و القيادة ، تبرز بديهية . خاصّة و أنّ هذه الجهود لتغيير العالم تواجه معارضة من الذين هم فى السلطة !
لكن لئن كان كلّ هذا صحيحا، فإنّ ظهور بعض الثوريين كتعبير مركّز لهذه السيرورة، و تحوّلهم إلى تعبير مركّز لأفضل ميزات القيادة الثورية- بما فى ذلك بذل النفس بلا أنانية من أجل القضيّة الثورية و الحبّ العميق للجماهير ، و كذلك إستيعاب قوي للمنهج العلمي لإطلاق العنان للجماهير و رسم طريق الثورة فى تناغم مع مصالحها الموضوعية- بالتالى لا يكون وجود هكذا قائد أو قادة مصدر إزعاج و إنّما شيئا يرحّب به و يحتفى! إنّه جزء من قوّة الشعب.
و على سبيل التورية التهكّمية، هذه القوى الوسطية الأكثر حرجا من " قبول" القيادة الثورية ، عادة ما تخفق فى رؤية مدى كونها بعدُ " مقادة" فى كلّ مجال من مجالات الحياة و المجتمع بالذات بفعل عمل الديناميكية الكامنة للنظام و القوى و المؤسسات المهيمنة الإضطهادية و القمعية! إنهم فى حاجة إلى الإعتراف بأنّ البديل الحقيقي الوحيد لهذا هو إختيار أن نقاد بشكل مختلف من القيادة ، بأهداف مختلفة جذريّا و تعلّم التحوّل إلى هذا النوع من القادة هم أنفسهم.
و يخفق هكذا أناس فى التفكير كفاية فى التبعات العملية لكون هناك تطوّر متفاوت فى جميع السيرورات و الأشياء ، بما فى ذلك فى صفوف الشعب. و هذا صحيح أيضا ضمن القوى الطليعية و ضمن الجماهير الشعبية عموما. كيف يمكن لذلك أن يكون غير ما هو عليه؟ لكن هذا التفاوت ليس شيئا سيّئا : مفهوم بصورة سليمة من منظور المادية الجدلية ، التفاوت هو ذاته مصدر نموّ و تطوّر و محفّز على التقدّم.
لكن هذا لا يعنى أن المسائل المطروحة من قبل عديد المفكّرين حول القيادة و تشجيع القادة صلب القادة فى الأحزاب و الحركات الثورية، لا تستحقّ النقاش الجدّي. مثلا ، فى الحركة الثورية تطرح نفسها مسائل عمليّة حقيقية ( و يجب تفحّصها بصفة متكرّرة عمليّا) بشأن كيف نطلق تماما عنان المبادرة الواعية لجماهير الشعب و نقاتل أيّة توجّهات تكون لديها من " التخلّى عن القيادة للآخرين". و كذلك ، صلب الثوريين ، من المهمّ التحذير من تطوّر أي نوع من " ذهنية الموظّف" لدى الذين يسعون ببساطة للقبول ، دون نقد و بصفة غير ملهمة / لخطوط و سياسات نابعة من " فوق".
و بالنظر إلى هذا ، من المهمّ التذكير بنقطة شدّد عليها الرفيق آفاكيان مرارا و تكرارا: بقدر ما تكون القيادة حقّا ثورية ، بقدر ما تنهض بدورها القيادي بصورة صحيحة ، فى إنسجام مع مبادئ الماركسية-اللينينية-الماوية، بقدر ما تكون أعظم المبادرة الواعية للجماهير.
و هناك أيضا أسئلة حقيقية حول كيف تبنى أفضل وحدة على أساس ثوري ، فى صفوف الجماهير و ضمن القوى الثورية المنظّمة . غالبا ما يوجد توجّه نحو تفاوت التطوّر و الإختلافات بصدد عدد من المسائل ،مع أرضية تغدو عادة أعقد بفعل هجمات العدوّ و إمكانية الإنتكاسات و الهزائم.
كي نتناول تناولا سليما مسألة القيادة ،كما كافة المسائل الأخرى، علينا جميعا أن نقف على قاعدة راسخة من العلم و المنهج الماركسي-اللينيني-الماوي. و على هذا الأساس ، لا غيره، علينا أن نقيّم الخطوط و السياسات و نحدّد ما الذى يمكن أن يدفع الأمور إلى الأمام فى الإتجاه الصحيحو فصلها عن تلك التي يمكنها ذلك. ثمّ ينبغى علينا أن نجد طرق تشجيع هذه الخطوط و السياسات التي تتقدّم بالأمور فى إتجاه ثوري ، و أن ندعم بالملموس هؤلاء الأشخاص و هذه المنظّمات التي تركّزها و تجسّدها فى أي زمن معطى.
لا أحد يولد قائدا ثوريّا ، و ليست هناك وصفة جاهزة لكيف نصبح قادة ثوريين. فكلّ قائد ثوري مزيج معقّد من التجارب الحياتية الشخصية و التجارب الإجتماعية الأوسع ، لا سيما فى الحركة الثورية ، و يمكن أن يكون القادة الثوريون من أي عنصر ، أو قومية و من كلا الجنسين و ينبعوا من عدّة خلفيّات متنوّعة. و ذات المعيار الموضوعي لتحديد أنّ شخصا يناسب بصفة خاصّة دور و مسؤوليّات القيادة الثورية يجب أن ينسحب على الجميع: الشيئ الأساسي هو أنّهم يظهرون أكبر قدرة على إتخاذ و تطبيق موقف ووجهة نظر و منهج البروليتاريا العالمية. و قد أثبتت هذا تجربة الحرة الشيوعية العالمية ، و اليوم أفرزت الأحزاب و المنظّمات الماركسية-اللينينية-الماوية عبر العالم – و ستواصل إفراز- عدد من القادة يمثّلون قوّة كبرى للتقدّم بالثورة البروليتارية العالمية.
و تتعلّم الجماهير القاعدية فى الغالب ،من عمق تجربة الحياة ، أنّ السلطة المركّزة للعدوّ لا يمكن تحدّيها بمجرّد " أفكار جيّدة" و " نوايا حسنة" و " إتفاق عام" ضبابي فى الصفوف الثورية. إنّه يقتضى تنظيما محكما و قيادة حقيقية سياسية و إيديولوجية و تنظيمية للتقدّم و قيادة و تكريس السلطة الصاعدة الجديدة و الروح القتالية للشعب.
و هكذا تعترف الجماهير الثورية بالحاجة إلى قادة. بيد أنّ هذا غير كاف. القادة الثوريون الحقيقيون يفرزهم الثوريون و يطوّرونهم و يغذّونهم و يدعمونهم ،و على الثوريين أن يفهموا على أتمّ وجه العلاقة بينهما.فالقادة الثوريون بمعنى حقيقي هم زهرة و ثمرة الثوريين ،و هم ذاتهم جذور و طلقات الثورة.
دون ثوريين لا قيمة للقادة. و دون قادة ثوريين حقيقيين لرسم المسار عبر حقول الألغام ، لن يجد الشعب طريقة لإنجاز إختراقات ثورية حقيقية حين تكون ممكنة. دون قيادة ثورية سيقع ، المرّة تلو المرّة ، سحق مقاومة الشعب و لن يحرز النجاح فى " الإنتقال إلى الضفّة الأخرى". و القادة ما هم بآلهة و لا أناس خارقون. لديهم نقاط ضعفهم الشخصية مثل أي إنسان آخر، و سيقترفون أخطاء حتى حين ، بوجه عام ، ينجزون عملا جيّدا فى قيادة الثورة.
و بعضهم حتى سيقومون بأسوء من ذلك و سينكسرون فى لحظة ما أو بطريقة ما سيستسلمون للعدوّ و يخونون الثورة. و البعض سيحرمنا منهم العدوّ و يسجنهم أو يقتلهم.
من واجب كلّ إمرء أن يفهم انّ هكذا أشياء يمكن أن تحصل و يجب أن تعدّ لمثل هذه الإحتمالات ، للتقليص من إمكانيّة أن تحرف جوهريّا ضربات من هذا القبيل سيرورة و توجّها ثوريين. بيد أنّ هذه الإمكانيّات لا يمكن أن تجعلنا مستخفّين أو محبطين من إمكانية الثورة ذلك أنّ لبّ قوّة الثورة هو القاعدة الثورية ن هو الثوريون ذاتهم. و من الصحيح أنّه طالما أنّ هناك إضطهاد فإنّ الشعب سيفرز قادة ثوريون جددا ليعوّضوا الذين سقطوا شهداء أو الذين حرمنا منهم. إلاّ أنّه ينبغى كذلك التأكيد على أنّه بمعنى حقيقي جدّا ، مسؤولية الحزب ، إلى جانب الجماهير الثورية ، هي التقليص من هذه الخسائر ،و أيضا التعاطى مع الوضع حين تحصل مثل هذه الخسائر.
لا بدّ للقادة الثوريين أنفسهم أن ينتبهوا إلى تشجيع العمل الثوري الجماعي على أقصى حدّ ممكن و إلى أكبر درجة نموّ ممكنة و تطوّر شامل للصفوف الثورية و لعديد القادة المحنّكين القدامى و البارزين حديثا لأجل أن يكون آخرون، إلى أبعد الحدود الممكنة، إن حرمنا منهم ، على إستعداد لتولّى مناصبهم.
هذا من جهة و من جهة أخرى لا يجب إنكار التالى: خسارة قائد ثوري حقيقي – لا سيما إن كان شخصا ينهض بدور قيادي محوري و حيوي- بمثابة إقتلاع القلب من صدرنا الجماعي. عندما تحدث هكذا أمور ، علينا أن نعالجها- يجب أن يتقدّم قادة جدد و يفرزوا لمواصلة قيادة القضيّة الثورية. غير أنّه علينا أوّلا و قبل كلّ شيئ أن ننجز كلّ ما فى وسعنا للحيلولة دون وقوع هذه الأشياء ز
يترتّب علينا الدفاع عن القادة الثوريين المحوريين و حمايتهم بكلّ ما نملك. و بالفعل ، إنهم الثوريون فى شكل مركّز. إنّهم يجسّدون أفضل ما يمكن التجسيد ما يمكن أن يفرزه الشعب فى لحظة تاريخية معيّنة. إحترام القادة الثوريين و حمايتهم و الدفاع عنهم هو إحترام للشعب ذاته و دفاع عنه.
فى صفو الثوريين سيوجد على الدوام ( و يجب أن يوجد دائما) نقاش و صراع حول عديد الأمور المختلفة و حول ببساطة الطريق الصحيح للمضيّ قدما. وهو أمر جدّ صحيّ و هام و تعبير عن الخطّ الجماهيريداخل الصفوف الثورية و سيكون بطرق شتّى " عصارة" الثورة و المجتمع المستقبلي الذى سيجرى بناؤه.
لكن تجاه العدوّ نرصّ صفوفنا رصّا ،و نقدّمها له كجدار صلب لا يعتوره أيّ شرخ، جدار وحدة وولاء للقيادة ما يجعل أصعب عليه أن يخترق صفوفنا. ينبغى أن نجعل العدوّ يشعر بهذا بصورة حادّة: إذا أردتم مهاجمة قادتنا الثوريين فعليكم أوّلا أن تهاجمونا نحن و الثوريين. جدّيتنا تبلغ هذا الحدّ.
ماذا يعنى أن تكون قائدا شيوعيّا ثورياّ؟ للحزب الثوري عديد القادة من شتّى المستويات ذوى قدرات متنوّعة. إنّهم يجسّدون جملة من القوات المختلفة. و كلهم منظرون و ممارسونللصراع الثوري ،غير أنّ ما من أحد يمكنه أن يجسّد كافة أفضل مميزات الثوريين اليوم أو المجتمع المستقبلي الجديد الذى ننضال فى سبيل ولادته. و هذا تعبير آخر عن كون قوّة الحزب و سلطته يعبّر عنها أفضل تعبير عمله الجماعي.
و مع ذلك ، كلّ قائد فرد جزء هام من سيرورة إنجاز الثورة و تحويل المجتمع الجديد إلى واقع. وكلّ فرد يساهم فى الثورة بخليطه الخاص من القوى و القدرات و المؤهلات. كلّ يناضل من أجل دراسة و تطبيق المنهج العلمي للمادية الجدلية و التاريخية لمعالجة مشاكل إنجاز الثورة.
و كلّ فرد تدفعه ليس المشاغل الصغرى و المصالح الشخصية و إنّما نظرة كيف أنّ الأشياء يمكن القيام بها لكي نلبّي على أفضل وجه حاجيات الغالبية الساحقة للإنسانية . كلّ فرد عرضة للتعب أحيانا ، لكنّه تاليا يناضل مجدّدا و يبذل قصارى جهده. كلّ فرد يعتريه أحيانا الخوف ، لكنّه تاليا يناضل من جديد ليكون جسورا لا يهاب شيئا.

بادئ ذى بدء ، أهمّ مظهر مشترك بين كافة القادة الشيوعيين الثوريين الحقيقيين هو الآتى: ثقتهم الإستراتيجية فى الجماهير الشعبية و إستنادهم إلى المادية الجدلية. حياة القائد الثوري هي حياة تضحية و كدّ ،و إحباطات متواترة ،و شكّ فى النفس نو مخاطر بليغة ، و مع ذلك هي حياة تفانى بلا أنانية فى خدمة الجماهير و نضال من أجل عالم أفضل. وهي أيضا شيئ آخر: لا سيما فى أوقات تكون فيها الجماهير قد تخلصت فى الحال من حظيرة الإزدراء و الخوف و اليأس و تتقدّم بحماس و تحدّى و تأخذ قرارا مصيريا بالإلتحاق بالحركة الثورية ،و الروح الإنتصارية الشاملة و الوحدة القوية للشعب فيسرى تعبيرها الثوري فى الصفوف الثورية و ينعش روح كلّ ثوري حقيقي على نحو لم يسبق له مثيل! إنّه لأمر هائل و أمر لن تستطيع البرجوازية التي لا رحمة لديها - التي تتغذّى على حساب الجماهير الشعبية و لا يمكنها البقاء و أن توفّر لنفسها الغذاء مع التحرّر المتنامي للجماهير الشعبية- أن ترحّب بهذا التحرّر بل هي تخشاه.لكن بالنسبة إلينا هذا أمر يستحقّ العناء.
الرفاق الثوريون:يجب أن ندافع عن و أن ندعم و أن نحتفي بحزبنا . برفاقنا الثوريين و بشعبنا الثوري و برؤيتنا لمستقبل ثوري. إنهم مترابطون فعلا وثيق الإرتباط!
------------------------------
عن بوب آفاكيان ، رئيس اللجنة المركزية لحزبنا
كيف نعرف عمليّا أنّ الرفيق أفاكيان ، رئيس لجنتنا المركزية ، قيادي ثوري كبير؟ هذا سؤال مشروع و على المرء أن يكون جريئا و دقيقا فى الإجابة عنه:نعرف أنّه فى النهاية سيكون مسار التاريخ و نشاطات الجماهير هما اللذان ستقدّمان الدليل على ذلك.غير أنّه فى الأثناء لا يمكن إعتبار أنّه لا توجد بعدُ عديد الإشارات !
من المعبّر مثلا أنّ الروح الجماعية للجنة المركزية لحزبنا، أفضل تعبير و تركيز لجماعية كامل حزبنا ، واصلت إختياره طوال سنوات و سنوات لقيادة اللجنة المركزية و من خلالها لقيادة الحزب بأسره.
و من المعبّر كذلك أنّه راكم الكثير من السنوات من الممارسة العملية المتسقة فى مجتمع و عالم متغيّرين ،و أنّه لم يتخلّ و لم يبع القضية أو ينحرف أبدا عن الطريق الثوري. و مهما كانت خصوصية الظروف الخاصّة التي وجد نفسه فيها ، فقد وجد على الدوام طرق إدراك المسائل و المشاعر السياسية و الإيديولوجية المفاتيح للجماهير –تحديدا بالتعويل على الحزب.
و من المعبّر أنّه أثبت أنّه فى ظروف حاسمة وقف صامدا فى وجه تعقب العدوّ البرجوازي و تهديده له. لقد وقف فى وجه هجمات شخصية و سياسية لإنتهازيين و لقوى مضادة للثورة صلب الحركة الثورية- و بالفعل هذه الهجمات لم تنجح إلاّ فى جعله و الحزب الذى يقود أشدّ قوّة.
لم يجعل منه موقعه القيادي رأسا منتفخا و لم يخسر أبدا حبّه الأساسي للشعب و لا أنساه أنّ القائد الثوري – و الثورة ذاتها- هي فقط جيّد و بالغ الأثر بقدر ما يدفع بها الشعب إلى الأمام.
لكنّه لم يتنكّر قطّ لتحمّل لالمسؤولية. فى الأوقات الحرجة ،وجدنا من تخلّى عن المسؤولية و تبرّم منها أو لجأ إلى إلقاء اللوم على الغير- القادة ،الجماهير أو كلاهما- لتلك الصعوبات. هذا ما لم يفعله الرفيق آفاكيان : حين توجد مشاكل ،موقفه هو أوّلا الحفاظ على ثقته الإستراتيجية فى الحزب و فى الجماهير و ثانيا السعي حتى بأكثر شدّة إلى غستعمال منهج الماركسية-اللينينية –الماوية لتمثّل حتى أفضل لما يتعيّن القيام به. وهو شيئ يمكننا جميعا التعلّم منه!
زمن نهوض جماهيري و تقدّم ثوري ، يكرّس الرفيق آفاكيان ذاته بطاقة و حماس فيّاضين للمساعدة على رفع نسب المكاسب فى كلّ من المعارك المباشرة و خاصّة فى أهدافها الإستراتيجية البعيدة المدى،و فى نفس الوقت يبحث فى خضمّ هكذا نهوض و تقدّم " للعودة إلى الوراء" و النظر فى التيارات الأوسع و المسائل الأشمل المطروحة أو التي تفاقمت حدّتها بفعل هذا النهوض. و ينبغى علينا جميعا التعلّم من هذا أيضا.
تشبه قيادة الثورة قليلا قيادة سفينة عبر شعاب مرجانية ، أو قيادة فيلق عبر حقل ألغام. كلّ يوم هناك خيارات و قرارات يجب إتخاذها: ما هي الأولويّات التي يجب تحديدها و ما هي الفخاخ التي يجب تجنبها ، ما هي الإنفتاحات التي يجب التوغّل عبرها. كيف نحبط بنجاحهجمات العدوّ بينما ننجز أقصى قدر من التقدّم و نعزّز القوى الثورية و نحافظ على أنظارنا مركّزة على المستقبل بأكبر قدر ممكن من الإلمام و النظرة التاريخيين.
وجدت مناسبات- مرّة أخرى ظروف دقيقة فى تطوّر النهج الثوري فى الولايات المتحدة و عالميّا- فيها وقف الرفيق آفاكيان بقدراته مطبّقا المنهج الماركسي-اللينيني-الماوي ليحلّل تحليلا صحيحا الظروف المتغيّرة و على أساس من ذلك قدّم للقوى الثورية توجها و أرشادا حاسمين . و تحليل الطابع المضاد للثورة لأحداث الصين إثر وفاة ماو و كيف أنّها تتجه نحو إعادة تركيز الرأسمالية فى تلك القلعة الثورية السابقة ، كان حاسما فى زمن إضطراب كبير فقدان البوصلة و تشويش كبير فى صفوف الثوريين عالميّا . وهو مثال دامغ على ذلك.
و فى الكثير من المناسبات الأخرى ، إستطاع الرفيق آفاكيان أن يجنّب القوى الثورية ألغام مميتة كامنة برزت فى شكل الإقتصادوية و الإصلاحية بشتّى التمظهرات ،و المغامراتية و الإشتراكية الشوفينية و أشكال أخرى متنوّعة من الإستسلام المفضوح أو غير المفضوح للعدوّ أو للخطوط و التيارات السياسية المناهضة للثورة التي تظهر فى صفوف الثورة .
لكن الرفيق آفكيان لم يفعل ذلك من خلال نوع من " السحر". لقد قام بذلك منهجيّا و بإتساق مكرّسا مؤهلاته الخاصّة على إستخلاص الدروس من التاريخ و تركيزها و تطبيق المبادئ الأساسية و المنهج العلمي للماركسية-اللينينية –الماوية فى تحليل الظروف الموضوعية و الذاتية المتغيّرة أبدا ، بما فى ذلك تطوّر متطلّبات الحركة الثورية. بمؤهّلاته الخاصّة على ربط الإلمام و النظرة التاريخيين و المنهج الدقيق للغاية للماركسية-اللينينية –الماوية مع إدراك عميق لمشاعر الجماهير و فهم عميق لمشاكل ممارسة الحركة الثورية، قاد الرفيق آفاكيان بصورة متكرّرة آخرين للتمييز بين الخطوط و التيّارات الثورية من جهة و التيارات المناهضة للثورة من جهة ثانية و للتحديد العملي لما يمكن و يجب القيام به للتقدّم بإتجاه أهدافنا الإستراتيجية الشاملة. مطبّقا موقف و نظرة و منهج الماركسية-اللينينية-الماوية تجرّأ الرفيق آفاكيان مرارا ة تكرارا على المضيّ ضد التيارات الخاطئة مهما كانت قوّتها فى وقت معيّن ، و قاد القوى الثورية لحزبنا فى خوض صراع الخطين و فى توحيد من يمكن توحيدهم حول الخطّ الصحيح.
لا أحد قام بهذا أفضل من الرفيق آفاكيان.
و ربّما لهذا أكثر من أي شيئ نكنّ له أعظم الحبّ و التقدير فى حزبنا. إنّه دون مغالاة أعظم مصدر و سلاح يملكه حزبنا. و فى نفس الوقت فهم و قدّم القيادة فى فهم أنّ هذا متجذّر فى الروح الجماعية فى الحزب و دى الجماهير الشعبية و يتغذّى منها و يجب أن يخدمها.
اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية ،سنة 1995.
-------------------------------
4- لمزيد فهم خطّ الحزب الشيوعي الثوري ،الولايات المتحدة الأمريكية: من أهمّ المواقع على النات.
www.revcom.us; http://www.bobavakian.net; http://www.thisiscommunism.org

-----------------------------------
www.revcom.us
_______________________________________________________________________
About the Revolutionary Communist Party, USA

COMMUNISM: THE BEGINNING OF A NEW STAGE
A Manifesto from the Revolutionary Communist Party, USA
September 2008
Also available in: Spanish

Farsi

Turkish


Call for Translation of the Manifesto into Many Languages


________________________________________

CONSTITUTION
For the New Socialist Republic In North America (Draft Proposal)
From the Revolutionary Communist Party, USA
2010



CONSTITUTION of the
Revolutionary Communist Party, USA
2008

A DECLARATION: FOR WOMEN’S LIBERATION AND THE EMANCIPATION OF ALL HUMANITY
March 8, 2009
The Oppression of Black People, The Crimes of This System and the Revolution We Need

The Revolution We Need...
The Leadership We Have
A Message, And A Call, From The Revolutionary Communist Party, USA
This Is NOT The Best of All Possible Worlds…
And We Do NOT Have to Live This Way
July 19, 2009
1995 Leadership Resolutions on Leaders and Leadership:
Part I: The Party Exists for No Other Reason than to Serve the Masses, to Make Revolution
Part II: Some Points on the Question of Revolutionary Leadership and Individual Leaders

Voice of the Revolutionary Communist Party, USA
This is the official website for Revolution newspaper, voice of the Revolutionary Communist Party, USA. We extend our endorsement to the site, bobavakian.net, for authentic audio recordings (and related promotional materials) of talks by the Chairman of the Revolutionary Communist Party, Bob Avakian.
There are many websites that link to revcom.us, and this site sometimes links to other sites. Such links do not imply endorsement by Revolution newspaper of the content of those other websites (nor are those other websites responsible for the content of revcom.us).
Three Main Points
What do we in the Revolutionary Communist Party want people to learn from all that is exposed and revealed in this newspaper?
Read On…
---------------------
Who Is Bob Avakian?
Bob Avakian is the leader of the Revolutionary Communist Party, USA. And he is more than that: he s an innovative and critical thinker who has taken Marxism to a new place; he s a provocative commentator on everything from basketball to religion, doo-wop music to science and he s a pit-bull fighter against oppression who s kept both his solemn sense of purpose and his irrepressible sense of humor.
From Ike to Mao and Beyond: My Journey from Mainstream America to Revolutionary Communist
A Memoir by Bob Avakian
Bob Avakian has written a memoir containing three unique but interwoven stories. The first tells of a white middle-class kid growing up in ’50s America who goes to an integrated high school and has his world turned around; the second of a young man who overcomes a nearfatal disease and jumps with both feet into the heady swirl of Berkeley in the 60s; and the third of a radical activist who matures into a tempered revolutionary communist leader. If you think about the past or if you urgently care about the future... if you want to hear a unique voice of utter realism and deep humanity... and if you dare to have your assumptions challenged and your stereotypes overturned then you won’t want to miss this book.
Click here to listen to Bob Avakian reading from his memoir.
Order the book from the publisher: Insight Press
On the Leadership of Bob Avakian
An Open Letter to the Revolutionary Communists and Everyone Seriously Thinking About Revolution: On the Role and Importance of Bob Avakian
Some Thoughts on the Importance of Bob Avakian to Building a Revolutionary Movement by Sunsara Taylor
Learning from Bob Avakian: Understanding the World in Order to Change It, by Raymond Lotta
Traveling with Chairman Avakian: A Determined Revolutionary Leader, and a Fired Man, for Decades, by Carl Dix
On the Revolutionary Road with Chairman Avakian
A contribution to the conversation on the unique and irreplaceable contributions of our Chairman: a few thoughts on approach and method, by Lenny Wolff What others are saying
Prisoners write on Bob Avakian
• Letter from Prisoner on Reading Bob Avakian’s Works: "Like a cool drink of water in the middle of the desert"
• Just Finished Reading Away With All Gods!
• Without Revolution, This Concrete Tomb Would Be a Hopeless Place Indeed
• “In one year of being locked up, I read more books than I had in my whole life”: Prisons as Universities of Revolution
From blurbs & reviews of Bob Avakian s Books
Speaking of From Ike to Mao and Beyond My Journey from Mainstream America to Revolutionary Communist,
A Memoir by Bob Avakian
"A truly interesting account of Bob Avakian’s life, a humanizing portrait of someone who is often seen only as a hard-line revolutionary. I can understand why Bob Avakian has drawn so many ardent supporters. He speaks to people’s alienation from a warlike and capitalist society, and holds out the possibility for radical change." — Howard Zinn, author of People s History of the United States
"Bob Avakian brings candor and sometimes retrospective insight into what it means to grow up white and male in our patriarchal, capitalistic culture and still to emerge as a leader of the fight against social injustice. His memoir is fascinating and inspirational." — Carol Downer, co-founder, Feminist Women’s Health Centers
"…leaves a breathtaking impression. Having deepened and purified his convictions over 40 years of personal and political struggle, Avakian sounds a high, sustained cry for complete social transformation almost as if he were the trumpet of Lenin himself."— San Francisco Chronicle
"…screams out to the rap generation."— Elemental Magazine
"In addition to recounting a life lived during very interesting and important times; in addition to recounting his involvement with significant historical figures and events; beyond sharing his personal story; in From Ike to Mao and Beyond, Bob Avakian offers a fresh, new look at a system of thought that has, by some, been consigned to the ash heap of history. … Bob Avakian s new and innovative conception of "Communism" deserves consideration."— The Free Press
"His shared experiences, with unflinching candor and generous warmth, are his respects for those of strong heart and clear mind, those ready to do the work of getting to the other side of history." — Open Letter from Professor Juan Gomez-Quiñones
"They say a photo is worth a thousand words, and there is one in the book that says it all. Avakian, in football gear, is seen running the ball through a horde of tacklers, eluding them with the help of an African American teammate. On the gridiron he was, "a little guy...brimming with confidence...the field general," and that same determination, that will to win against the menace of racism, sexism, capitalism, and imperialism embodies his spirit on the political ramparts."-- Herb Boyd, Amsterdam News, Malcolm X, Mao and a radical s memoir
Speaking of Marxism and the Call of the Future: Conversations on Ethics, History and Politics. by Bob Avakian and Bill Martin
"...so important that it should stand on the shelf of everyone who cares about the destiny of the political Left... marks the beginning of a new approach." - Slavoj Žižek, from the Forward
Send us your comments.
Articles by Topic and Country
Writings of Bob Avakian
• Revolutionary Strategy, Morality...
Katrina: The Crimes of a System
Posters, Photos and Graphics
Bourgeois Politics, Law
• Elections 2004, Censorship...
Racism, National Oppression
• Affirmative Action, Native peoples...
The Arts
• Film, Imagination, Sports....
Nature, Science & Society
• Evolution, Economy, Global Warming, AIDS....
The Truth About Socialism and Communism
• Setting the record straight on socialism and communism
• Bob Avakian has written extensively on socialism and communism
Crimes of Imperialism
• CIA-Cocaine, Internet...
Police Brutality
• Stolen Lives, Criminalization....
Prisons
• Prisoners, Death Penalty...
Movements of Resistance
• Resistance, strikes, justice, heroes...
Revolutionary Internationalist Movement
• Documents and statements
Peoples History
• Slaves, May First, Tibet, ...
In Memory Of...
• Edward Said, Rachel Corrie... Worldwide Afghanistan
Albania
Africa
Asia
Azania
Australia
Bolivia
Cambodia
Chile
China
Colombia
Congo (Zaire)
Cuba
Dominican Republic
East Timor
France
Guatemala
Germany
Haiti
India
Indonesia
Iran
Iraq
Ireland
Israel (Occupied Palestine)
Jordan
Kashmir
Korea
Mexico
Nepal
Pakistan
Palestine
Peru
Philippines
Puerto Rico
Russia
Somalia
South Africa
Sudan
Tibet
Turkey
Venezuela
Vietnam
Yugoslavia

Christian Fascism
Atheism & Religion
• Evolution, Bible, Morality
The Science of Evolution and The Myth of Creationism... Knowing What s Real—and Why it Matters by Ardea Skybreak
Immigrants
• the war on the border
Political Prisoners
• Mumia, Peltier, Puerto Rico...
Women s Liberation
• Reproductive Rights...
Gay and Lesbian
• The War on Gay Marriage, AIDS, Anti-Bigotry, Equality...
The Revolution Interview
• Howard Zinn, Lynn Stewart ...

www.bobavakian.net

Audio Downloads and Other Recent Works
Home
About
Audio Downloads:
– Seven Talks
– Radio Ready Clips
– From Ike to Mao & Beyond
– All Played Out
– Other Audio

Download Instructions

REVOLUTION / REVOLUCIÓN (DVD/Video)

Articles and Books
Works by Bob Avakian
Essays and Articles Books (Complete List)

 BIRDS CANNOT GIVE BIRTH TO CROCODILES, BUT HUMANITY CAN SOAR BEYOND THE HORIZON
 PART 1: REVOLUTION AND THE STATE (November 2010)
 New: PART 2: BUILDING THE MOVEMENT FOR REVOLUTION (March 2011)
 Some Principles for Building A Movement for Revolution (May 2010)
 Some Observations on the Culture Wars: Textbooks, Movies, Sham Shakespearean Tragedies and Crude Lies (April 2010)
 THERE IS NO "PERMANENT NECESSITY" FOR THINGS TO BE THIS WAY
A RADICALLY DIFFERENT AND BETTER WORLD CAN BE BROUGHT INTO BEING THROUGH REVOLUTION (March 2010)
 Unresolved Contradictions, Driving Forces for Revolution (November 2009)
 RUMINATIONS AND WRANGLINGS
On the Importance of Marxist Materialism, Communism as a Science, Meaningful Revolutionary Work, and a Life with Meaning (April 2009)
 "Out Into the World—As a Vanguard of the Future" (February 2009)
 Communism and Jeffersonian Democracy (October 2008)
 The Objective Situation, The Bush Regime and The Bourgeois Elections (September 2008)
 Making Revolution and Emancipating Humanity: (November 2007)
 Part 1: Beyond the Narrow Horizon of Bourgeois Right
 Part 2: Everything We re Doing Is About Revolution
 Excerpts from AWAY WITH ALL GODS! Unchaining the Mind and Radically Changing the World: (October 2007)
 Religious Fundamentalism, Imperialism and "The War on Terror"
 Why Is Religious Fundamentalism Growing in Today s World – And What Is the Real Alternative?
 Bringing Forward Another Way (March 2007)
 The Basis, The Goals, And The Methods of The Communist Revolution (March 2006)
 Views on Socialism and Communism: A Radically New Kind Of State, A Radically Different And Far Greater Vision Of Freedom (March 2006)
 More on "The Coming Civil War" (January 2006)
 Statement on the Death of Willy "Mobile" Shaw (December 2005)
 The Deadly Illusion of the Swinging Pendulum (October 2005)
 Bob Avakian in a Discussion with Comrades on Epistemology – On Knowing and Changing the World (December 2004)
 Elections, Resistance, and Revolution
The Pyramid of Power And the Struggle to Turn This Whole Thing Upside Down (March 2004)
more complete list of the works of Bob Avakian (on revcom.us – English / Spanish)

BAsics
from the talks and writings of Bob Avakian
"You can t change the world if you don t know the BAsics."
BAsics, from the talks and writings of Bob Avakian is a book of quotations and short essays that speaks powerfully to questions of revolution and human emancipation. More...

Away With All Gods!
Unchaining the Mind and Radically Changing the World
by Bob Avakian
"Whether readers enthusiastically embrace or reject its claims and arguments, Away With All Gods! is a book that cannot be ignored."
— Peter McLaren, Professor, Graduate School of Education and Information Studies, University of California
From Ike to Mao and Beyond:
My Journey from Mainstream America to Revolutionary Communist
A Memoir by Bob Avakian
"Bob Avakian is a long distance runner in the freedom struggle against imperialism, racism and capitalism. His voice and witness are indispensable in our efforts to enhance the wretched of the earth. And his powerful story of commitment is timely."
— Cornel West
Preaching from a Pulpit of Bones
(We Need Morality But Not Traditional Morality)
by Bob Avakian
"What is ethical thinking in a time of social fragmentation and imperialist globalization? Bob Avakian convincingly argues that moriality has to be tied to a vision of a good society, a society free of exploitation and every form of domination. Even more does morality have to do with the struggle to create such a society. Avakian points the way toward what some doubt is possible, a materialist ethics. Like Mao s, this is a Marxism that aims at a social analysis that is clear and systematic but not cold – a Marxism with heart."
— Bill Martin, Associate Professor of Philosophy, DePaul University, Chicago






Audio Downloads and Other Recent Works
Home
About
Audio Downloads:
– Seven Talks
– Radio Ready Clips
– From Ike to Mao & Beyond
– All Played Out
– Other Audio

Download Instructions

REVOLUTION / REVOLUCIÓN (DVD/Video)

Articles and Books

1 Why We re in the Situation We re in Today... And What to Do About It: A Thoroughly Rotten System and the Need for Revolution

2 Communism and Jeffersonian Democracy

3 Communism: A Whole New World and the Emancipation of All Humanity—Not "The Last Shall Be First, and The First Shall Be Last"

4 The NBA: Marketing the Minstrel Show and Serving the Big Gangsters

5 Communism and Religion: Getting Up and Getting Free—Making Revolution to Change the Real World, Not Relying on "Things Unseen"

6 Conservatism, Christian Fundamentalism, Liberalism and Paternalism ... Bill Cosby and Bill Clinton ... Not All "Right" But All Wrong!

7 "Balance" Is the Wrong Criterion—and a Cover for a Witch-hunt—What We Need Is the Search for the Truth: Education, Real Academic Freedom, Critical Thinking and Dissent

Q&A Question and Answer Session with Concluding Remarks







www.thisiscommunism.org

ABOUT RAYMOND LOTTA | RESOURCES | POINT/COUNTERPOINT | SOCIALIST EXPERIENCE | COMMUNISM S FUTURE


November 6–8, 2009
Set the Record Straight Co-Sponsored a Remarkable Symposium
at University of California, Berkeley
“REDISCOVERING CHINA’S CULTURAL REVOLUTION: Art and Politics, Lived Experience, Legacies of Liberation”
This symposium, the second of its kind (the first was held in New York in 2008), was a powerful and moving rebuke to the dominant and distorted narrative of the Cultural Revolution as “mass persecution and madness,” and opened up new space for contesting this narrative and reaching broader audiences. Set the Record Straight contributed to the report on the symposium in Revolution newspaper, here.
**NEW—AUDIO AND VIDEO OF SYMPOSIUM**
Video documentation of the panels
List of Panels and Presenters
________________________________________
NEW! Pop Quiz: Think you know about communism and capitalism? Then take this quiz…and think again.
________________________________________
Watch Raymond Lotta on YouTube
• Everything You’ve Been Told About Communism is Wrong
• China’s Liberating Economic Achievements under Mao, in Contrast to “Development Models” such as Taiwan, Singapore, South Korea
• Taking on the Lies about Mao’s Great Leap Forward
• Tibet During the Cultural Revolution
• Health Care Under Capitalism, Health Care Under Socialism
• The Rape of the Congo & Your Cell Phone

Also watch Sunsara Taylor take on Nicholas Kristof & Sheryl WuDunn’s historically inaccurate and completely misleading new book

________________________________________


Set the Record Straight seeks to challenge the paralyzing conventional wisdom about communism that has seeped so deeply into popular understanding and to raise people’s sights to a far better future for humanity. Read our mission statement...
Funds are needed for all aspects of Set the Record Straight s work. Contributions to Set the Record Straight, a project of the International Humanities Center, are tax-deductible to the extent permitted by law. Checks should be made payable to IHCenter/SRS.


To make an online credit card donation without establishing a PayPal user ID,
enter your desired amount below.
[For donations exceeding $3,000, please email [email protected]]
Donation Amount


Donation to IHCenter / Set the Record Straight


GET INVOLVED
SUPPORT THE PROJECT TO SET THE RECORD STRAIGHT—Contact Us!
Set the Record Straight is a program of the International Humanities Center, a nonprofit organization under Section 501(c)(3) of the IRS code.
Contact [email protected]



ABOUT RAYMOND LOTTA | RESOURCES | POINT/COUNTERPOINT | SOCIALIST EXPERIENCE | COMMUNISM S FUTURE


SOCIALIST EXPERIENCE
________________________________________
Revolution talks with Raymond Lotta: Socialist Revolution in the 20th Century—Controversies and Lessons
Part 1, Revolution #166, 5/31/2009
Part 2, Revolution #167, 6/7/2009
Part 3, Revolution #169, 6/28/2009
Dictatorship and Democracy, and the Socialist Transition to Communism, by Bob Avakian, Chairman of the Revolutionary Communist Party, USA
Socialism Is Much Better than Capitalism, and Communism Will Be a Far Better World, speech by Raymond Lotta
Conquer the World? The International Proletariat Must and Will, by Bob Avakian, Chairman of the RCP, USA
Advancing the World Revolutionary Movement: Questions of Strategic Orientation, by Bob Avakian, Chairman of the RCP, USA
The End of a Stage—The Beginning of a New Stage, Mao More Than Ever! (PDF) by Bob Avakian, Chairman of the RCP, USA
On Proletarian Democracy and Proletarian Dictatorship—A Radically Different View of Leading Society, excerpts from “Getting Over the Two Great Humps: Further Thoughts on Conquering the World,” by Bob Avakian, Chairman of the RCP, USA
Critical Thinking and the Search for the Truth: Today and in Socialist Society, by Raymond Lotta, Revolution #081, 3/11/2007
Frequently Asked Questions: What Is Communism? What Is Its Real History? What Does It Have to Do With the World Today? (PDF) by Set the Record Straight, 10/8/2006

Revolutionary China (1949-1976)
The TRUE Story of Mao Tsetung and the Communist Revolution in China, by Li Onesto with a Revolution Writers Group
Part 1, Revolution #140, 8/17/2008
Part 2, Revolution #141, 8/24/2008
When China Was Socialist, Revolution #137, 7/27/2008
Naomi Klein s The Shock Doctrine and its Anti-Communist Distortions—Unfortunately, No Shock There, by Bob Avakian, Revolution #118, 2/3/2008
“Now We Know Too Much”…Or Do We? The New Yorker, Mao, and Twisting the Numbers, by Raymond Lotta, Revolution #109, 11/18/2007
Social and Economic Achievements Under Mao, Fact Sheet by Set the Record Straight, (PDF version)
Everything You’ve Been Told about Communism Is Wrong: Capitalism Is a Failure, Revolution Is the Solution (PDF), 10/05/2009
Mao Zedong: Not Fairy-Tale Monster, But Greatest Liberator of Mid-20th Century, (PDF) by Raymond Lotta, 11/6/2005
Bush Cheers New Anti-Mao Biography, Authors Are “Thrilled” – Maoist Scholar Says: “Big Liars and Big Anti-Communists Deserve Each Other,” Press Release by Set the Record Straight, Revolution #033, 2/5/2006
Remembering William Hinton (1919-2004), by Raymond Lotta, Revolutionary Worker #1253, 10/3/2004
Socialist Planning or “Market Socialism”? by Raymond Lotta, Revolutionary Worker #1166, 9/15/2002
From A World to Win: Celebrate the 50th Anniversary of the Chinese Revolution, excerpts of speech by Carl Dix, National Spokesperson for the RCP,USA, Revolutionary Worker #1083, 12/17/2000
When the People Had Power: The Economic Miracles of Maoist China, by Raymond Lotta, Revolutionary Worker #1029, 11/7/1999
Mao Tsetung: The Art of War, Part 1: Luring the Enemy in Deep, Revolutionary Worker #1030, 11/14/1999; Part 2: The War Against Japanese Aggression, Revolutionary Worker #1031, 11/21/1999
The End of Deng Xiaoping: Enemy of the People, excerpt from speech by Bob Avakian, Chairman of the RCP,USA – January 29, 1979, Revolutionary Worker #896, 3/2/1997
How Maoist Revolution Wiped Out Drug Addiction in China, by C. Clark Kissinger, Revolutionary Worker #734, 12/5/1993

Great Proletarian Cultural Revolution (1966-1976)
Dongping Han: The Unknown Cultural Revolution – Life and Change in a Chinese Village, Revolution #174, 8/30/2009, Q&A
Interview with Bai Di: Growing Up in Revolutionary China, Revolution #161, 4/12/2009
Check It Out: New Book – The Battle for China’s Past, by Mobo Gao, Revolution #140, 8/17/2008
The Truth About the Cultural Revolution: Fact Sheet by Set the Record Straight, PDF version (PDF)
Yang Ban Xi: Model Revolutionary Works in Revolutionary China, by Li Onesto, Revolution #051, 6/18/2006, PDF version
“We had a dream that the world can be better than today,” Set the Record Straight interviews Wang Zheng, author of Some of Us: Chinese Women Growing Up in the Mao Era. Revolution #059, 9/3/2006
Daring to Scale the Heights for the Emancipation of Humanity: In Tribute to Zhang Chunqiao: 1917-2005, by Raymond Lotta, Revolution #003, 5/22/2005
Zhang Chunqiao and the Anting Incident, Revolution #003, 5/22/2005
From “On Exercising All-Round Dictatorship Over the Bourgeoisie” by Zhang Chunqiao (written in 1975), Revolution #003, 5/22/2005
The Red Guards: Hong Wei Bing – In 1966, millions of youth stormed the heavens during China s Cultural Revolution, Revolutionary Worker #966, 7/19/1998
Chiang Ching The Revolutionary Ambitions of a Communist Leader A World To Win #19, 1993
Chiang Ching: A Revolutionary Life, Revolutionary Worker #610, 6/16/1991
Lotta, Raymond, ed., And Mao Makes 5, Chicago: Banner Press, 1978. Collection of a large number of primary texts that document the battle led by Mao and his closest followers, the so-called "gang of four," against a powerful neo-capitalist headquarters in the Communist Party led by Zhou Enlai and Deng Xiaoping. With an Introduction by Raymond Lotta that traces the political struggle as it unfolded from the 10th Congress of the Communist Party of China in 1973 to the arrest of the Four and triumph of counterrevolution following Mao s death in 1976.

Ending Women s Oppression
Interview with Bai Di: Growing Up in Revolutionary China, Revolution #161, 4/12/2009
Watching “The People’s Republic of Capitalism” and Remembering the Liberated Women of Socialist China, Revolution #140, 8/17/2008
“We had a dream that the world can be better than today,” Set the Record Straight interviews Wang Zheng, author of Some of Us: Chinese Women Growing Up in the Mao Era. Revolution #059, 9/3/2006
The Experience of Socialism in the Soviet Union and China: Women’s Liberation on the Cutting Edge, Revolution #038, 3/12/2006 Breaking All Tradition s Chains: A Glimpse of the Future from Maoist China, An Interview with Mary Lou Greenberg, Revolutionary Worker #1045, 3/5/2000
How Collective Childcare Liberated Women in Maoist China, by Li Onesto, Revolutionary Worker #956, 5/10/1998

Environment and Socialism
Capitalism, the Environment, and Ecology Under Socialism, by Raymond Lotta, Revolution #052, 6/25/2006

Art and Culture
Yang Ban Xi: Model Revolutionary Works in Revolutionary China, by Li Onesto, Revolution #051, 6/18/2006, PDF version
Writing for the Revolution: The Story of Lu Xun (1881-1936), Revolutionary Worker #970, 8/23/1998
Chiang Ching The Revolutionary Ambitions of a Communist Leader A World To Win #19, 1993
Chiang Ching: A Revolutionary Life, Revolutionary Worker #610, 6/16/1991

Tibet
Some Points to Consider about the Efforts to Boycott the China Olympics, by Li Onesto, Revolution #127, 4/20/2008
The Protests in Tibet and the Discontent Below, by Li Onesto, Revolution #125, 4/6/2008
Tibet: From Brutal Theocracy to Socialist Liberation to Capitalist Nightmare, Revolution #125, 4/6/2008
Tibet: The True Story of Maoist Revolution in Tibet, Parts 1-6, Zipped PDF version

Soviet Union (1917-1956)
The Outrageous Equating of Communism with Nazism, Revolution #011, 8/14/2005
Background for the Movie Enemy At the Gate: The Red Street Fighters of Stalingrad, Revolutionary Worker #1098, 4/15/2001
The 1917 October Revolution: How the Bolsheviks Seized Power, Part 1: The Bolsheviks Win the Masses, Revolutionary Worker #931, 11/9/1997; Part 2: Leninist Tactics: Triple Audacity and Relying on the Masses, Revolutionary Worker #932, 11/16/1997; Part 3: To Delay Is Fatal, Revolutionary Worker #933, 11/23/1997; Part 4: The New Day Dawns, Revolutionary Worker #934, 11/30/1997

History of Socialism
Story of the Red Flag, Revolution #047, 5/21/2006
The Communist Manifesto Today: Still True, Still Dangerous, Still the Hope of the Hopeless, by Raymond Lotta, Part 1; Part 2, Revolutionary Worker #958-9, 5/24&31/1998
150th Anniversary: The Story of the Communist Manifesto, Revolutionary Worker #936, 12/14/1997
The Origins of May First: Haymarket 1886 and the “Troublesome Element,” Revolutionary Worker #351, 4/14/1986

Political Economy of Socialism
When the People Had Power: The Economic Miracles of Maoist China, by Raymond Lotta, Revolutionary Worker #1029, 11/7/1999
Marx, Karl, Critique of the Gotha Programme. Peking: Foreign Languages Press, 1972.
Marx did not set down a systematic account of how a socialist economy would function. But in this brief work, written towards the end of his life, he does offer more extensive comments on the conditions of emergence and the economic and social organization of socialist and communist society.
Lenin, V.I., The State and Revolution, Peking: Foreign Languages Press, 1973.
Taking Marx s ideas further, and defending them against revisionist assault, Lenin discusses the nature of the proletarian state and the economic and political factors involved in the transition from socialism to communism.
Stalin, Joseph, Economic Problems of Socialism in the U.S.S.R., Peking: Foreign Languages Press, 1972.
In this essay, written in 1952, Stalin attempts to identify and address key problems arising from the remnants of capitalism still surviving under socialism. The discussion ranges over such issues as the law of value, commodity production, and their effects on the regulation of socialist production, and the continuing contradiction between the forces and relations of production. A serious work of socialist political economy, although also seriously flawed. See next reference.
Mao, Tsetung, A Critique of Soviet Economics, New York: Montly Review Press, 1977.
Pathbreaking writings dating from the late 1950s and early 1960s, Mao critically examines the Soviet model of socialist construction and its associated principles of socialist political economy. Set against the canvas of the Great Leap Forward, Mao probes the process of continuing revolution and the nature of the transition from socialism to communism—and in so doing stakes out new conceptual territory for Marxism.
Chun-chiao, Chang, “On Exercising All-Round Dictatorship Over the Bourgeoisie,” in Lotta, Raymond, ed., And Mao Makes Five, Chicago: Banner Press, 1978; also in Peking Review (14), 4 April 1975.
Chang was a key leader of the Cultural Revolution and part of the radical leadership core on whom Mao relied during his last great battle. This essay was written in 1975, as the struggle within the Chinese Communist Party over whether China would remain on the socialist road was coming to a fateful head. It is a highly important analysis of the relations of production under socialism, the contradictions within its ownership system, and the material and ideological conditions giving rise to new privileged and exploiting forces.
Avakian, Bob, Mao Tsetung s Immortal Contributions, Chicago: RCP Publications, 1979.
A lucid synthesis of Mao s contributions to various fields of Marxism, including the political economy of socialism, that is also a stimulating survey of the development of Marxist theory. The work provides ground as well for understanding key historical and developmental issues of the Chinese revolution.
Lotta, Raymond, ed., Maoist Economics and the Revolutionary Road to Communism: The Shanghai Textbook, New York: Banner Press, 1994.
Originally published in China during the Great Proletarian Cultural Revolution, this is an English-language edition of a textbook explaining the goals, principles, and operational features of China s economy during the time it was socialist (1949-1976). The book was suppressed by the post-Mao leadership. With an Introduction and Afterword by Raymond Lotta on Mao s breakthroughs in understanding of the nature of the socialist period of transition and the theory and practice of Maoist planning.

Modern Revisionism
U.S. Imperialism, the Cuban Revolution, and Fidel Castro, by Raymond Lotta, Revolution #056, 8/13/2006

Current China (under capitalist rule)
“One World, One Dream” and Beijing Olympics: What World, and Whose Dream? Revolution #140, 8/17/2008
Beijing Olympics: U.S. – China Rivalry...On and Off the Field, Revolution #139, 8/10/2008
Shifts and Faultlines in the World Economy and Great Power Rivalry: What Is Happening and What It Might Mean, Part 2. China s Capitalist Development and China s Rise in the World Imperialist System: Its Nature and Implications, by Raymond Lotta, Revolution #137, 7/27/2008
When China Was Socialist, Revolution #137, 7/27/2008
The Capitalist Ground Shaken by the Earthquake in China, by Li Onesto, Revolution #131, 6/1/2008
Some Points to Consider about the Efforts to Boycott the China Olympics, by Li Onesto, Revolution #127, 4/20/2008
Slave Labor in Today’s Capitalist China: The Real Face of the “Chinese Miracle,” from A World to Win News Service, Revolution #107, 11/4/2007
From A World to Win News Service: Snail Fever in China: Scourges of Old Come Back to Life, Revolution #006, 6/19/2005
SARS: Disease and the Dictatorship in China, From A World to Win News Service, Revolutionary Worker #1198, 5/11/2003
Workers Revolt in Capitalist China, Revolutionary Worker #1173, 11/3/2002
Toy Story in China: If Barbie Could Talk, Revolutionary Worker #1166, 9/15/2002
China: AIDS and the epidemic of Capitalism, Revolutionary Worker #1116, 8/26/2001
The Raid of Yuntang: Troops fire on rebel peasants in China, Revolutionary Worker #1101, 5/6/2001
The Demise of the Barefoot Doctors & the Health Crisis in China s Countryside, Revolutionary Worker #1096, 3/25/2001
Women in China: Free Market Slavery, Revolutionary Worker #1001, 4/11/1999
The Tiananmen Events 1989
• Tiananmen: It s Right to Rebel, Revolutionary Worker #1009, 6/6/1999
• The Tiananmen Square Rebellion: An Inside Story, The RW Interview, Revolutionary Worker #1009, 6/6/1999
• China, 1989: The Days of Defiance, Revolutionary Worker #1009, 6/6/1999
• Down With the Blood-Soaked Capitalist Regime in China! Excerpt from 1989 Statement by CORIM, Revolutionary Worker #1009, 6/6/1999
• Chairman Bob Avakian on Revolution & Counter-Revolution in China, Revolutionary Worker #1009, 6/6/1999
• Revolt in China: The Crisis of Revisionism, or Why Mao Tsetung Was Right, by Raymond Lotta, Revolutionary Worker #508, 5/28/1989

Set the Record Straight is a program of the International Humanities Center, a nonprofit organization under Section 501(c)(3) of the IRS code.
Contact [email protected]
ABOUT RAYMOND LOTTA | RESOURCES | POINT/COUNTERPOINT | SOCIALIST EXPERIENCE | COMMUNISM S FUTURE


COMMUNISM S FUTURE
________________________________________
Dictatorship and Democracy, and the Socialist Transition to Communism
by Bob Avakian, Chairman of the Revolutionary Communist Party, USA

Series of essays and talks from Bob Avakian, Chairman of the RCP, USA, on issues and contradictions involved in the socialist transition to communism

Phony Communism Is Dead…Long Live Real Communism, by Bob Avakian, Chicago: RCP Publications, 2nd ed., 2004, Excerpts from the Publisher s preface; book available at Amazon.com

Getting Over the Hump, RCP Chairman Bob Avakian on the so-called “demise of communism” and the advance to communism worldwide — the struggle of the proletarian revolution in particular countries and on a worldscale to “get over the hump” and defeat the imperialist system:
• Ruling the Court Is Not A Straight Line Thing, Revolutionary Worker #927, 10/12/1997

• Getting Over the Hump: What Will It Take to Get Rid of This Obsolete System? Revolutionary Worker #930, 11/2/1998

• The Problem of Lowered Sights, Revolutionary Worker #932, 11/16/1997

• The Problems of Uneven Development and "Leftovers", Revolutionary Worker #936, 12/14/1997

• Breaking Down the Division Between Mental and Manual: Stalin and Mao, Revolutionary Worker #937, 12/21/1997

• A Radical Revolution, A Radical Rupture, Revolutionary Worker #938, 12/28/1997

• Strategic Double-C, RW #939, January 11, 1998

• Two Humps in the World Revolution: Putting the Enemy on the Run, Revolutionary Worker #940, 1/18/1998


Set the Record Straight is a program of the International Humanities Center, a nonprofit organization under Section 501(c)(3) of the IRS code.
Contact [email protected]



-----------------------------------------------------إنتهى 2011---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------



#شادي_الشماوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غيفارا ، دوبريه و التحريفية المسلّحة_ ليني وولف
- الإمبريالية و السيدا / الأيدز فى أفريقيا( مقتطف من كتاب - عا ...
- بيع النساء : تجارة البشر العالمية ( مقتطف من كتاب - عالم آخر ...
- من تجارب دكتاتورية البروليتاريا بصدد تحرير المرأة (التجربة ا ...
- هدف الماركسية هو الشيوعية ( مقتطف من كتاب - عالم آخر، أفضل ض ...
- الرأسمالية ، البيئة و حماية البيئة فى ظل الإشتراكية ( مقتطف ...
- حقيقة الحرس الأحمر( مقتطف من كتاب- الثورة الماوية فى الصين: ...
- شهادات حيّة عن الحياة فى ظلّ صين ماو الإشتراكية (الفصل الثان ...
- حقيقة التيبت : من الدالاي لاما إلى الثورة ( مقتطف من كتاب- ا ...
- الوجه الحقيقي لل-معجزة الصينية - (مقتطف من كتاب- الثورة الما ...
- حول تلخيص الحركة الشيوعية النيبالية ( مقتطف من كتاب – لندرس ...
- الحركة الشيوعية العالمية و دروسها التاريخية( مقتطف من كتاب- ...
- ما هي الشيوعية ؟ ما هو تاريخها الحقيقي؟ ما هي علاقتها بعالم ...
- أساس الاقتصاد السياسي لحرب الشعب فى النيبال( من كتاب – لندرس ...
- الماركسية-اللينينية-الماوية :من وثائق أحزاب شيوعية ماوية( ال ...
- الحركة الأممية الثورية : بيان سنة 1984 و بيان سنة 1993( الفص ...
- مشاركة النساء فى حرب الشعب الماوية فى النيبال (الفصل الثالث ...
- لنكسر القيود ، لنطلق غضب النساء كقوّة جباّرة من أجل الثورة ! ...
- الثورة البروليتارية و تحرير النساء (الفصل الخامس من كتاب - ت ...
- الإعداد للثورة الشيوعية مستحيل دون النضال ضد إضطهاد المرأة! ...


المزيد.....




- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 583
- تشيليك: إسرائيل كانت تستثمر في حزب العمال الكردستاني وتعوّل ...
- في الذكرى الرابعة عشرة لاندلاع الثورة التونسية: ما أشبه اليو ...
- التصريح الصحفي للجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد خل ...
- السلطات المحلية بأكادير تواصل تضييقها وحصارها على النهج الدي ...
- الصين.. تنفيذ حكم الإعدام بحق مسؤول رفيع سابق في الحزب الشيو ...
- بابا نويل الفقراء: مبادرة إنسانية في ضواحي بوينس آيرس
- محاولة لفرض التطبيع.. الأحزاب الشيوعية العربية تدين العدوان ...
- المحرر السياسي لطريق الشعب: توجهات مثيرة للقلق
- القتل الجماعي من أجل -حماية البيئة-: ما هي الفاشية البيئية؟ ...


المزيد.....

- الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل / آدم بوث
- الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها ... / غازي الصوراني
- الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟ / محمد حسام
- طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و ... / شادي الشماوي
- النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا ... / حسام عامر
- الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا ... / أزيكي عمر
- الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) / شادي الشماوي
- هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي ... / ثاناسيس سبانيديس
- حركة المثليين: التحرر والثورة / أليسيو ماركوني
- إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - الماوية : نظرية و ممارسة - 9 -المعرفة الأساسية لخطّ الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية