سُلاف رشيد
الحوار المتمدن-العدد: 3363 - 2011 / 5 / 12 - 08:51
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
في مثل هذا اليوم الثاني عشر من أيار 1982، يكون قد مر على اعتقال والدي للمرة الأخيرة تسعة وعشرين عاما، كنت واثقة من أنه لن يعود ثانية إلينا، مثلما واثقة من عدم تخاذله أمام أزلام نظام القتلة، ورغم كل هذه القناعة، إلا أن أخي قبل الصغير ( والذي اختفى أثره بعد خمسة أعوام من سقوط النظام) كان يقف في كل يوم مواجهة أمام بوابة سجن أبو غريب، لعله يسمع أو يعرف شيئا عنه، يعطي أوصافه للزائرين، ويهمس في أذانهم (أبوية شيوعي)، ولكن لا يترشح أي خبر عنه، فبوابة السجن حديدها أحمق مثل السجانين، لا تنقل ما يدور خلفها، مرت علينا السنوات بغيابه ثقالا، كان خيمتنا وبيتنا الكبير، يمتص كل أحزاننا بفرحه الدائم، ورغم كل وجعنا بغيابه، ازددنا فخراً حين ظهر أسمه ضمن قوائم الشهداء، وكنا ولا زلنا لا نطمح إلى أكثر من هذا الشرف الذي ما بعده من شرف، وهذا بحق أثمن ميراث لنا منه، ولكن ما يجعل الروح ملتاعة هي الأسئلة الحارقة، كانت هذه الأسئلة تدور في أذهاننا منذ أن تهشم الأمل في عودته ثانية إلينا، كيف تم إعدامه؟؟ وأين اعدم؟؟ كنا نسمع الكثير عن وسائل الإعدام التي يستخدمها نظام القتلة، من سحب الدم إلى التقطيع والثرم، ترى !! كيف تم إعدام والدنا؟؟ وهل تم إعدام آخرين معه؟؟ وأين دفن جثمانه إذا كانت طريقة الإعدام شنقا؟؟
وهاهي ثمان سنوات مرت على سقوط نظام القتلة، ومازالت حرقة الأسئلة تصلي الروح بعذاباتها، لم نعرف شيئا عن والدي، ربما عثروا على رفات الكثير من الشهداء، ولكن ماذا عن أبي؟؟ إلا يحق لي أن أجلس عند قبره وأخفف الروح من هموم الحياة حين أناجيه؟ ألا يحق لي أن أضع الورد على قبره في يوم الشهيد وعند كل زيارة؟ كيف أتمكن من العثور على رفاته؟؟
مرت ثمان سنوات وحكامنا همهم توزيع الامتيازات بينهم، وهم لا يعرفون لولا دماء الشهداء، ما كان لهم من حظوة في الجلوس على كراسي الحكم، يبدو حقا كانوا يتاجرون بهذه الدماء الزكية، وها هم اليوم نسوا أو تناسوا بكائهم على الشهداء، من منهم فكر أن يجعل من قلاع السجون التي اعدم فيها الشهداء مقابر تحوي شواهد بأسماء من تم إعدامهم.
كمواطنة عراقية، أطالب الحكومة العراقية أن تعثر على رفات أبي، مثلما أطالبهم بالعثور على رفات الآلاف من أبناء شعبي، أطالب أعضاء مجلس النواب أن يكونوا بجرأة وشجاعة الشهداء، وينتصروا لكل الشهداء، ليس بالمنح المالية، وإنما بتخليد الشهداء، والشهداء جميعا، في الشوارع والساحات وقاعات الثقافة والرياضة، فلا أجمل ولا اشرف من أن يطلق أسماء الشهداء على كل هذه الأمكنة.
#سُلاف_رشيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟