وديع العبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 3358 - 2011 / 5 / 7 - 17:05
المحور:
الادب والفن
منفيون من جنة الشيطان23
"من الضغطةِ وَالدّينونةِ أُخِذَ. وفي جيلِهِ مَنْ كانَ يظنُّ أنَّهُ قُطِعَ من أرضِ الأحياءِ، أنَّهُ ضُرِبَ من أجلِ ذنبِ شعبي"
في ليالي الشِتاءِ البَارِدِ
يُخرِجونَ مُؤخّراتِهمْ
في الهَواءِ الطَلقِ
وَيُغنُّونَ بِصَوتٍ مَسْمُوعٍ
لا يَربُطُهم شيءٌ
سِوى لَمعةٍ في العُيونِ
في كتيبةِ الدَّبَّاباتِ المُدَرَّعَةِ
يَسْتطيعُ المَرْءُ أنْ يُحِسّ
بِالسَّعَادَةِ
لِمُجَرَّدِ أنَّهُ أفضَلُ من غيرِهِ
في البَدْءِ يتقدَّمُ المَشَاُة
ثمَّ تزحَفُ الدَّبَّاباتُ
قالَ ضابطُ رُكْنِ الفِرْقةِ
فَصَفَّقَ جُنودُ الكتيبَةِ
بينَمَا لَوى جُنودُ المَشاةُ أعْناقهُمْ
مِثلَ شِياهٍ مَحْجُوزةٍ لِلنَّحْرِ
أشيَاءُ كثيرَةٌ تبعَثُ عَلى الفَرَحِ
وَالسَّعادَةِ وَالطَّيَرانِ
مثلاً
التعرّي في الهواءِ الطَلقِ
في لَيالي الشّتاءِ البَارِدَةِ
وَفي أيَّامِ الصَّيْفِ المُقْمِرَةِ
يَكفي شَرْشَفٌ خَفيفٌ
هُوَ في الحَقيقةِ
أكياسُ اللَّحْمِ البُلْغاريِّ
غُسِلَتْ جَيِّدَاً
وَخيطتْ بِبَعضِهَا
- شكراً لأبي عيسى-
لِتقومَ بِوظيفةِ الشَّرْشَفِ
بَعْدَ أنْ تكونَ لُحومُ البُلْغارِ
تَجَمَّعَتْ في ألْغامِ الغائِطِ
عَلى مَسافةٍ غَيرِ بَعيدَةٍ
من مَلاجئِ الدَّبَّاباتِ..
الذينَ وُلِدوا لِلْحربِ فَقَطْ
وَالّذينَ خَدَمُوا..
في وِحْداتِ القاطِعِ الأوْسَطِ
أو الجُنوبيِّ
يَعرِفُونَ لَذَّةَ الغِناءِ
بِمُؤخَّراتٍ مَكشوفَةٍ
يُرَدِّدُونَ فيها أسْمَاءَ نِسَاءٍ
رَأوهُنَّ أوْ تَحَدَّثوا إليهُنَّ
أو قَرَّرُوا خِطْبَتَهُنَّ
في الإجَازةِ المقبِلةِ
نِسَاءِ جَميلاتٍ
بِغُرُورِهُنَّ
أو نَظرَةِ العَطفِ في عُيونِهُنَّ
"عُيُوني أبُو خليل"
"خَطِيّة تعْبَانين"
في مَكانٍ آخَرٍ أيْضَاً
خَلَعَتِ الحَرْبُ نَعْليهَا
وَتَمَشَّتْ في حُقولِ الألْغامِ
لِلتوّ كانتْ مُسْتيقِظةً
مِن النَّومِ
عَفرَاءَ.. مُتجَهِّمَةً.. مُتَهَدِّلَةَ الثِيابِ
على عَجيزَتِها المُتوَرِّمَةِ (عَجيزَةِ الحَرْبِ)
فلَمْ تَجِدْ مَنْ يَمشي في أثرِهَا
لَكِنَّ أبْناءَ تِلكَ البِلادِ
هَرَبُوا مِنهَا في كلِّ الجَّهَاتِ
كما لو كانتْ مَجنونَةً
تَخترِقُ الحَيِّ
لم تَجدْ مَنْ يُصَفِّقُ لَها
أو ضِدَّهَا..
بَعْدَ أيّامٍ.. كانتِ الحَرْبُ لِوَحْدِهَا
وَأهلُ البِلادِ هَاجَرُوا
كتبُوا قصَصَهُم قبلَ أنْ يَرْحَلُوا
وَتمثّلُوا المَأسَاةَ التي لم يَنتظِرُوها
وَعَلى شاشاتِ التِلفزيونِ
بَكُوا وَاشْتكُوا وَتَوَجَّعُوا
دَفعُوا بَعْضَ بَكارَاتِ النِّسَاءِ
وَأطرَافِ بَعْضِ الأطفالِ
لِيَحْصَلُوا عَلى تذكَرَةِ القِطارِ
الصَّاعِدِ عَكسَ اتّجاهَ الدّانوبِ
في كلِّ بَلَدٍ اسْتقبَلوهُمْ كَضَحَايَا
وَفي كلِّ بيتٍ
أعْطُوهُمُ الغِذاءَ وَالكَسَاءَ
الجّميعُ اعْتقَدُوا أنَّهُمْ ضُيوفٌ
بَعْضَ الوَقتِ ثمَّ يَرْجِعُونَ..
هَكَذا يَقولُ كلُّ مَنْ يَسْمَعُهُمْ
يُوَلْوِلُونَ
وَيُشيرُونَ بِأيديهم تِجَاَه الحَرْبِ
يَتَحَدَّثُونَ عَن ابنٍ مَفقودٍ
أوْ أبٍ مَقتولٍ.. أوْ..
الحَرْبُ هَذِهِ كانَتْ فُرْصَةً..
لِبَعْضِ الدُّوَلِ
لِلتّظاهُرِ بِالإنسَانيَّةِ
التي تسيلُ عَلى الأرْضِ
حتّى أولَئِكَ الّذينَ غَرّرُوا بِالحَرْبِ
وَدَفَعُوا لِتغادِرَ مَخدَعَهُا
وَتمشي فوقَ الألْغامِ!..
مِسْكينةٌ هِيَ هَذِهِ الحَرْبُ
مِنْ أينَ لَها أنْ تعْرِفَ
أنَّ هَذِهِ الألغامَ
خَراءُ جُنُودٍ عِرَاقيّينَ
اهْتمَّتْ بِتصنيعِهِ الحَضارَةُ الأوربيَّةُ
لِمُكافحَةِ مُعَدَّلاتِ البَطالةِ المُرْتفِعَةِ
وَتصديرِ جَداولِ التّضخُّمِ
مَسَاكينٌ
الجُنودُ العِرَاقيُّونَ
مَساكينٌ وَخَطِيّهْ
تَقولُ النِّسَاءُ في المُدُنِ
من أينَ لهم أنْ يَعرِفُوا
أنَّ خَرَاءَهُم يَدخلُ في "رفاهِ الأمَمِ"
لِدَفعِ عَجَلَةِ الاقتِصادِ العالميِّ
البوسنة.. رواندا.. الكونغو.. كوسوفو
من أينَ لَهُمْ أنْ يَعرِفوا
دَورَهُمْ في النّظامِ العَالميِّ الجَّديدِ
المُتعةُ الوَحيدَةُ المُتاحَةُ لَهُمْ
في لَيالي الشِتاءِ البَارِدَةِ
وَهُم يَعْرِضُونَ مُؤخَّراتِهم لِلهَواءِ الطّلِقِ
سَتكبّدُ العَالَمَ ثَمَناً بَاهِضَاً
أكّدَ ضَابطُ الاسْتِخبَاراتِ
أنَّ أجْهِزَةَ المُرَاقبةِ وَالتّجَسُّسِ
تقومُ بِعَمَلِهَا حتّى في اللّيلِ
لَيالي الشِتاءِ القارِصَةِ أيْضَاً..
عِندَها يَسْتَعصي عَلى جُنودِ الدّرْعِ
إحصَاءُ عَدَدِ التِلفزيوناتِ
التي عَرَضَتْ مُؤخّرَاتِهُمْ
وَعَدَدَ ملياراتِ المُشاهدينَ
الّذين اختزنُوا البَثّ في رُؤوسِهُمْ
الجُنودُ العِراقيُّونَ
أشَاوِسٌ..
أشَاوِسٌ وَأبْطالٌ..
وَلا يَخافونَ المَوْتِ
وَذلكَ لِأمْرَيْنِ..
أوَّلُهُما لا قيمةَ لِلْحَياةِ
وَثانياً أنَّ المَوتَ حِرْفَةٌ يَوميَّةٌ
وَأقلُّ كلفةً من الحَيَاةِ
هَكَذا كمَا ترَونَ
وَكمَا يقولُ المَثلُ الشّهيرُ..
مُرْغمٌ أخَاكَ لا بَطلٌ…
بَطلٌ على الأقلِّ هَذِهِ الأيَّامِ
التي تسُودُ فيه الفيرانِ
نَعودُ مَرَّةً أخرَى إلى مَسْألةِ الحَرْبِ
تلكَ التي خَلََتْ نَعْلَيها
وَدَخَلتِ الوَادي المُقدَّسَ
أقصُدُ حَقلَ الألغامِ
هُناكَ.. في المُنتَصِفِ
اكتشفتْ أنْ لا أطفالَ وَرَاءَها
وَلا تصْفيقَ.. وَلا هَلِّلُويَا..
لا طُبولَ تقرَعُ لَهَا..
لا (رَقصَ عَلى أكتافِ المَوتِ)
لا أغانيَ شَعْبيَّةً
لا شبابَ يَتفاخَرُونَ
وَلا شيوخَ يَتدَافعُونَ
"عَلى حْسابْ وُلْدِ الْخَايبَهْ"
عَرَفتْ أنَّهَا وَحيدَةٌ
مَترُوكةٌ في الأرْضِ الحَرَامِ
حتّى تِلفزيوناتُ العَالَمِ
وَمُراسِلُو الصَّحَافَةِ
يُفضِّلُونَ المَوتَ بِالرِّصَاصِ
وَالسّلاحِ الأبْيَضِ
وَلكنْ لَيسَ بِالألغامِ
هلْ يُفكِّرُ أحَدٌ
سِيّمَا أهْلُ تلكَ البِلادِ الهَارِبَةِ
بِمُقدارِ الخيبِةِ الّتي
تَعيشُهَا الحَرْبُ..
وَالّتي لم يَتَسَبَّب بِهَا أحَدٌ غيرُهم
لكنَّ الحَرْبَ
امْرَأةٌ وَلا ألفُ رَجُلٍ
امْرَأةٌ وَلا مليونُ وَلا مليارُ رَجُلٍ..
نعم..
لم تبكِ وَلم تتَشَكَّ
سَحبَتْ شَظِيَّةَ لُغْمٍ
وَقَصَّتْ شَعْرَها
وَضَعَتْ يَديها عَلى صَدرِهَا
وَشقَّت ثيابَها نِصْفَينِ
وَبَقيتْ
وَاقفَةً هُناكَ
عَاريَةً كَمَا خَلَقها الله
مقصوصةَ الشَّعْرِ..
تترَصَّدُها الأقمارُ الصِّنَاعِيَّةُ
لِوَحْدِهَا..
في الأرْضِ الحَرَامِ!!.
25/5/2001
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
• أشعياء ابن آموص 53: 8
• (رفاه الأمم) عنوان كتاب الاقتصادي الانجليزي الكلاسيكي آدم سمث.
• (الرقص على أكتاف الموت) عنوان رواية عادل عبد الجبار، صدرت في الثمانينات في بغداد.
•
#وديع_العبيدي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟