|
طاغية
علي هارون الزنجاني
الحوار المتمدن-العدد: 3357 - 2011 / 5 / 6 - 01:02
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
- قف... لن تستطيع الهرب
صرخ المخبر الذي كان يحاول القبض علي. كنت اعرف ان ما يقوله صحيح. اين ساختبئ من كل هؤلاء المخبرين. لا اريد ان افكر بما سيحدث لي خلال التحقيق. كان هناك ثلاث رجال دخلوا من باب المطبخ حاولت ان اركض الى سطح المنزل. صعدت السلم. ما هذا الغباء. لماذا وضعت نفسي في مثل هذا الموقف. ماذا استفدت من تلك العبارات الفارغة التي كنت انتقد بها سرطام. يبدوا ان احدهم قد وشا بي. ليس من الصعب ان تشي بشيوعي سابق. يجب ان اقفز الى سطح البيت المجاور. اصوات المخبرين خلفي. يجب ان اتصرف بسرعة. فجأة وعند محاولتي القفز. سمعت صوت طلق ناري. اختل توازني. لا اعرف ماذا جرى لي بعد ذلك. يبدو انني اسقط الى الارض.
****
افقت من غيبوبة غريبة لاجد نفسي جالسا على كرسي، موثق اليدين. كل جزء من جسمي يؤلمني. لابد اني قد قضيت اسبوع في المستشفى على الاقل. حاولت ان اتفحص المكان الذي اجلس فيه. يبدو انها غرفة تحقيق. كل شئ فيها مظلم. الهواء ثقيل. لم استطع ان اميز مكان الباب. لا توجد في الغرفة نوافذ. كيف يمكن ان يكونوا قد ادخلوني الى هنا. اللعنة، انهم خبراء في تعذيب الناس وانتزاع اعترافاتهم. كل شئ في الغرفة كان مرعب. فجأة انتبهت ان هناك رجلين يجلسان امامي. كانهما قد ظهرا من العدم. لم استطع التمعن في ملامحهما. ربما لان الخوف كان مسيطرا علي. ابتدرني احد الرجلين
- نحن نعرف كل شئ عنك. لن يكون الانكار في صالحك
- عن ماذا تتحدث. انا لم افعل شيئا
- لا تجبرني على استعمال العنف معك. انا قادر على فعل اي شئ.
شئ ما في نبرة صوته كان ينبئني انه يعني ما يقول. استجمعت قواي في محاولة يائسة
- انا املك حقوق. لن تستطيع ان تفعل لي شيئا. هناك قانون في البلد.
انفجر كلا الرجلين بنوبة ضحك هستيري.
- عن اي حقوق تتحدث. اجابني الرجل الثاني. الحقوق الوحيدة الموجودة هنا نمتلكها نحن.
- انا مواطن شريف. لم اخالف القانون في حياتي. لم اسرق ولم ارتشي ولم اقتل احدا.
- نعلم انك لم تفعل اي من تلك الجرائم. ربما كنا سنسامحك او نغض الطرف عنك لو كانت جريمتك بسيطة كاحدى الجرائم التي ذكرتها. تعلم جيدا انك اقترفت ما هو ابشع منها جميعا، لقد تجرأت على سب جلالته. كل شئ واضح الان. تهمتي سب الطاغية. عقوبة سب الملك في هذه البلاد هي الاعدام. في هذه اللحظة ايقنت ان مصيري الموت لا محالة. حتى لو اقنعت هذين المحققين انني برئ فلن يجرئا على اقرار ذلك وتبرئتي. الكل خائف في هذا البلد. كنت اتساءل احيانا إن كان سرطام نفسه يخاف من النظام الذي صنعه. ثم اني كنت اسبه فعلا، فلا فائدة من الانكار. قررت ان امثل دور الشجاع لاخر مرة في حياتي. ليس لدي ما اخسره الان. - نعم لقد كنت اسب الطاغية وانتقد تصرفاته. انه سبب كل ماسينا.
- يالك من وغد متعجرف. لا تعلم كمية العذاب الذي تنتظرك. بعد كل انجازات جلالته لك ولقومك تقول هذا الكلام؟
- عن اي انجازات تتكلم؟ حاولت ان ارسم ابتسامة كاذبة على شفتي - لولا جلالته لكنت الان لا شئ.
- كم اتمنى لو انني كنت لا شي فعلا بدل ان احيا كل هذا العذاب. هل تدرك كمية الظلم الذي نتعرض لها؟ هل تعرف كم من الناس تنام جياعا كل يوم؟ هل تعلم عدد الاطفال الذين يموتون ولا يجدون من يقدم لهم العلاج؟
- جلالته غير مسؤول عن كل هذا، ايها النتن. انتم من تفعلون هذا بانفسكم. فكثير منكم فاسدون وبدون ضمير؟
- ولماذا لا يقوم طاغيتكم بايقافهم عند حدهم؟ الا يستطيع ذلك؟
- طبعا يستطيع. لكنه يؤجل ذلك فقط.
- لكن لماذا؟
- هذه سياسة عليا لا يفهما امثالك
- اذا كنت لا افهم هذه السياسة فكيف تطلب مني اذن ان اوافق عليها وهي تسبب لي ولاهلي كل هذا العذاب.
- انت احمق، لا فائدة معك قالها المحقق وانهمك في كتابة طويلة. يبدوا انهم حصلوا على اعترافات كافية. انهم ينهون تحقيقهم معي، يا لي من غبي. لابد انهم سيرسلونني الى ساحة الاعدام. ربما خلال ساعات او حتى دقائق. - قبل ان ترسلني الى حيث اعدم، اريد ان اسالك سؤالا
- اعدام؟! عن اي اعدام تتحدث؟ الاعدام نعيم مقارنة بما ستراه بعد قليل. لكني ساكون كريم معك. فانت لم تتعبنا خلال التحقيق. اعترفت بكل شئ لوحدك. وكمكافئة لك، سوف اجيبك عن اي سؤال تسأله.
- اذا كانت هناك سياسات عليا لا افهمها تمنعكم من معاقبة المجرمين الكبار الان. فلماذا لا تعاقبون المجرمين الصغار على الاقل. ليس هناك من يحمي هولاء. ابدؤوا بابو محمود مثلا. صاحب الدكان المجاور لمنزلي. ليس هناك طريقة للغش الا واتبعها. انا شخصيا كدت ان اموت بسبب بضاعته الفاسدة في الصيف الماضي.
- ابو محمود بالذات معروف لدينا. سيأتي دوره خلال ايام. كمية الغش الذي يقوم به تجاوزت كل الحدود. لكن، ولاكون صادقا معك، فاننا لن نعذبه الا لفترة قصيرة. فقد اثبت انه مخلص لجلالته اشد الاخلاص. وانه وعائلته يحبون جلالته حبا كبيرا هنا لم استطع السيطرة على نفسي، لابد انني اعيش في مشفى للامراض العقلية. وان اكبر المجانين قام بكتابة قانون هذا المشفى - لابد انكم مجانين. انتم وسرطامكم اللعين. كيف تعذبون ابرياء فقط لانهم سبوا شخصا ما؟ وكيف تسامحون مجرمين لانهم يحبون شخصا ما... حتى لو كان هذا الشخص ملكا للبلاد
- عن اي سرطام تتحدث ايها الاخرق؟
- سرطامكم الذي قبضتم علي لانني اسبه هنا انفجر المحققين بالضحك للمرة الثانية. - سرطام! هل تعتقد اننا ضباط امن؟ يبدوا اننا نسينا ان نقدم لك انفسنا. نحن لا نعمل لحساب سرطامك هذا. وهذه ليست غرفة من غرف التحقيق التابعة له. ايها الشيوعي الزنديق مخبرو سرطام قد قتلوك فعلا عندما كنت تحاول الفرار. لقد اصبت بطلق ناري، وسقطت من سطح منزلك. انت الان في قبرك ونحن نحقق معك لانك كنت تسب جلالة الخالق ولا تؤمن به. انا منكر وهذا صاحبي نكير وقعت علي هذه العبارات مثل الصاعقة. تمعنت في وجهي الرجلين، كيف فاتني الانتباه لاعينهم النحاسية وانيابهم الصغيرة. لا يمكن ان يكونا بشر ابدا. انهما لا يمزحان. يال المصيبة. هل يعقل ان تكون كل الكتب التي قرأتها قد اخطأت. هل يعقل ان يكون الهراء الذي كنا نسمعه من سماعات الجوامع حقيقي. لا اصدق ذلك. لابد انني احلم. زاد فزعي بعد ان ادركت ان معنى هذا الكلام هو العذاب الابدي. حتى الموت لن ينقذني من هؤلاء الوحوش. - اللعنة، الان يجب ان نعيد التحقيق من البداية. تمتم نكير بانزعاج ظاهر. اطرقت قليلا. تملكني الفزع. استرجعت الحوار الذي دار بيننا قبل قليل. كنت احمقا جدا. يجب ان اخترع قصة تبرر ما كنت اقوله من هرطقات وانا حي. او ربما يجب ان اعترف بذنبي واتوسل علني احصل على القليل من الرحمة. يال الكارثة. كم كنت متسرعا. ازعجتني المبادئ التي كنت اتبجح بها قبل قليل. ادركت انها بلا معنى. ازعجني المنطق الذي كنت اتفلسف به لانفي وجود الله. كم كان صديقي حسن الذي كنت ادعوه بالساذج اكثر حكمة مني. ماذا تبقى لي. لقد خانني المنطق وها انا ذا اريد ان اخون المبادئ. ها انا ذا اريد ان انافق الطاغية. طاغية اكبر واكثر قوة. لا املك ادنى امل في الانتصار عليه او الهرب منه. لكن هل هذا مبرر لكي انافقه؟ ماذا سيبقى لي اذن؟ اغمضت عيني. تقاذفتني كل هذه الافكار معا. احسست ان الزمن قد توقف. انسابت مني كلمات ثقيلة عرفت اني ساندم على قولها
- لا حاجة لاعادة التحقيق، فاقوالي في طاغوت الارض هي نفسها اقوالي في طاغوت السماء
#علي_هارون_الزنجاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لوباريزيان: سجن 3 طلاب أرادوا إنشاء دولة إسلامية بفرنسا
-
“هالصيصان شو حلوين”.. اضبط تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024
...
-
“شاور شاور”.. استقبل تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ال
...
-
قصة الاختراق الكبير.. 30 جاسوسا معظمهم يهود لخدمة إيران
-
بالفيديو: خطاب قائد الثورة الإسلامية وضع النقاط على الحروف
-
السفير الديلمي: كل بلدان العالم الاسلامي مستهدفة
-
مقتل وزير اللاجئين في حركة طالبان الأفغانية بانفجار في كابول
...
-
المرشد الأعلى الإيراني: الولايات المتحدة والنظام الإسرائيلي
...
-
المرشد الأعلى في إيران يعلق على ما حدث في سوريا
-
بابا الفاتيكان يوجه رسالة للقيادة الجديدة في سوريا
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|