أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد صقر - المدرسة الشكلية الروسية ... قراءة في النقد المعاصر















المزيد.....

المدرسة الشكلية الروسية ... قراءة في النقد المعاصر


أحمد صقر

الحوار المتمدن-العدد: 3352 - 2011 / 5 / 1 - 22:40
المحور: الادب والفن
    


اتفق النقاد ودارسو الأدب والمسرح على أن الربع الأول من القرن العشرين شهد تحولا فى مجال الأدب بشكل عام، إذ ظهر على الساحة النقدية والأدبية العالمية جماعة من الشراح والمنظري الذين اهتموا بدراسة شكل الإبداع الأدبى فى مقابل الإهمال الكامل للمضمون، وهم فى ذلك ينطلقون من منهج نقدى يبتعد عن دراسة المؤثرات الخارجية سواء أكانت اجتماعية أم تاريخية أم نفسية مركزين جل اهتمامهم على النص من أجل التعرف على القوانين الداخلية التى تحكم هذا الإبداع محددين جوهر نظريتهم فى تطبيق اللغويات على دراسة الأدب.
إن المدرسة الشكلية بتركيزها على الشكل فى مقابل المضمون، إنما أحدثت أول ثورة نقدية وقتها فى تاريخ النقد، وذلك عندما طالبت بتحول النقد إلى داخل النص معارضة فى ذلك الاتجاهات الدرامية والنقدية السائدة، والمتمثلة فى الذاتية والرمزية، معتمدين فى ذلك على التركيز على لغة النص التى تقدم شكلا قابلا للتحليل، وكأن ما يدرس هو تنظيم بناء النص قبل مادة مضمون النص.
حددت المدرسة الشكلية منهجها فى تعاملها مع الأدب بشكل عام، وهى تعتبره مستقلاً عن الروافد الاجتماعية والاقتصادية التى تعمل على إفرازه. لقد توجهت الشكلية بهذه الفكرة أساساً نحو دحض ما نادت به المناهج التقليدية النقدية والمنهجية، وخاصة منها المنهج التاريخى، من ارتباط العمل الأدبى بروافده، تلك التى تدرس وتحلل معه على قدم المساواة، فلقد أكد شكلوفسكى أن العمل الأدبى يحتوى فى نفسه على مكونات ومقولات كافية فى دراساته واستيعابه، ولهذا لا داعى إلى اللجوء إلى العناصر الموجودة خارجه". ازدهرت الشكلية الروسية فى العقد الثانى من القرن العشرين قبل بلوغ ثورة 1917 وقد تبنت حلقة موسكو اللغوية وجمعية دارسى اللغة الأدبية فى بطرسبورج Opojaz تشجيع دراسة اللسانيات والشعرية، وهم فى ذلك ينطلقون من دراسة بعض القضايا المتعلقة بالبنية واللسانيات، غير أنهم لم يدعو إطلاق هذا المصطلح على أنفسهم، ذلك أن "خصوم تلك المدرسة أطلقوه عام 1924 شأنه فى ذلك مصطلح التكعيبية، حيث كرست مجلة الصحافة والثورة عدداً خاصاً حول الشكلية وباختين".
إن مصطلح الشكلية جاء رد فعل- كما سبق القول- للإبداع الذاتى والرمزى والواقعى، وكذا الإيديولوجى لمبدعى القرن التاسع عشر ومفكريه هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية فإن الشكلية الروسية مرت بمرحلتين أسهمتا معاً فى استمرارها طوال النصف الأول من القرن العشرين، بل استمرت فى بعض الاتجاهات الأخرى التى ظهرت مثل البنيوية، وما بعدها.
أما عن المرحلة الأولى فتمثلت فى إعلانها الثورة على آراء كارل ماركس وتنظيراته هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية فقد أعلن الشكليون الروس رفضهم لنظرية الانعكاس التى قدمها جورج لوكاتش، وأعلنوا أن النقد لابد وأن ينتقل إلى داخل العمل، أما المرحلة الثانية فتمثلت فى انبعاثها فى ثوب جديد على يد جاكوبسون وباختين بعد أن أدرك جاكوبسون أن الموت يكاد يحدق بها وذلك بسبب الحصار الروسى لها عام 1930 بسبب إنكارها للجوانب السياسية للإبداع.
حرص ميخائيل باختين على ضرورة عقد المصالحة بين الشكلية والماركسية، وذلك عندما أعلن قناعته باجتماعية اللغة، لأنها تعد فى الأساس ظاهرة اجتماعية، وبذلك يبتعد باختين قليلاً عن القطعية التى أعلنها الشكليون الأوائل مع ما هو خارج النص، وهو ما سبب موضوعا للبحث، غير أن باختين ظل محتفظاً بمسافة بينه وبين الشكلين، تلك المسافة التى جعلته لا يقر بنظرية الانعكاس، وإنما تركزت نظرته على ديناميكية اللغة بسبب قناعته بظاهريتها الاجتماعية.
أما جاكوبسون فقد كان حلقة الوصل بين الشكلية والبنيوية، إذ حاول من خلال تطبيقاته على الشعر الوصول إلى تطابق الشكل والمحتوى فقد تحدث عن العلاقات القائمة بين اللغة اليومية واللغة الشعرية، وأشار إلى الشعرية، وذلك فى مقالته "اللسانيات والشعرية" (1960) وطرح هذا السؤال "ما الذى يجعل من الرسالة الكلامية عملاً فنياً، وإذا كانت اللسانيات علما بنى اللغة فإن الشعرية تشكل أحد فروعها، وتتميز بحسب هذا الإدعاء العلمى عن النقد الأدبى .إن جاكوبسون يصل من خلال حديثه عن الشعرية إلى تحديد نظرية للاتصال يمثل جوانب هذه النظرية المرسل الذى يقوم ببث رسالته عبر قناة داخل سياق، تحمل هذه الرسالة شفرة أو عددا من الشفرات، يقوم المتلقى بحل شفراتها. "وكل من هذه العوامل يولد وظيفة لسانية مختلفة عن الأخرى، لكن الرسالة تستخدم عدة وظائف متنوعة فى مرتبيتها" .
أعطى رواد الشكلية كل اهتماهم للرواية، وقدموا فى ذلك تصورهم الخاص لمفهوم الحبكة Plot محددين مجال النص القصصى مجالاً رحباً للحبكة، مفرقين بين نوعين من المصطلحات المستخدمة فى القص أولهما Fabula التى ترتب فيها الأحداث ترتيباً زمنياً ومصطلح الـ Syuzhet أى الكيفية التى تقدم بها الحكاية فى النص، وهم فى تلك مركزون على كيفية تقديم الأحداث وتوزيعها فى العمل القصصى دون التركيز على الأحداث ذاتها، وقد طبق شكلوفسكى ذلك المنهج مركزاً على دراسة "العلاقات القائمة بين طرائف الحبكة والطرائف العامة للأسلوب، وهناك قوانين نوعية تحكم الحبكة، كما هو الأمر فى الحكايات مثلا. وهكذا يظهر الشكل الجديد ليعبر عن مضمون جديد، إنما ليحل محل شكل قديم فقد فضليته الأدبية، فإذا ما خلق الشكل مضموناً له فإننا نجد أمثلة على ذلك فى التكرار والتوازى، وفى التأخير أمثال ذلك المساعدة التى تأتى متأخرة فى روايات المغامرات، وهكذا يتحول الحدث إلى شكل".
إن الشكلين الروس ينطلقون فى دراساتهم للأدب من اللغة، لكنهم لا يركزون على اللغة العادية التى تستخدمها فى حياتنا اليومية، بل لغة الأدب تلك اللغة التى تجعلنا نصف هذا العمل بكونه عملاً أديباً، وأن هذا مجرد كلام أو عمل لا يرقى إلى مستوى الأدب والأمر مرجعه فى ذلك إلى الخلفية والمناخ- وكذا أحكام القيمة- الذى يجعل من أعمال كتاب مرجعه فى ذلك إلى الخلفية والمناخ – وكذا أحكام القيمة- الذى يجعل من أعمال كتاب المسرح اليونانى منذ ظهورها إلى اليوم أعمالاً تتمتع بصفة الأدبية، يقول جاكوبسون فى هذا الصدد "إن موضوع علم الأدب ليس الأدب إنما أدبيته. أى تلك العناصر التى تجعل من عمل ما عملاً أديباً، وبذلك ينقطع الشكليون الروس عن التاريخ ويوجهون دراساتهم نحو اللسانيات باعتبارها علماً يهتم بالشعرية، ويقابلون اللغة الشعرية بلغة الحياة اليومية".
أثار النص المقسم إلى وحدات بنائية اهتمام الشكليين وعنايتهم بالشكل وأدبيته، أثارت هذه القضية الآزلية فما يتمثل فى ثنائية الشكل والمضمون فى الإبداع، وقد أسقط الشكليون منذ البداية هذه الثنائية مركزين على الشكل الداخلى للإبداع من خلال الاعتماد على لغة النص التى تقدم شكلاً قابلاً للتحليل، وقد فسر د.فتوح أحمد "مقولة الشكليين فيما يتعلق بالشكل الخارجى والشكل الداخلى وسعيهما إلى المحافظة على وحدة العمل الأدبى.إن الشكلية بذلك هى محاولة لتطبيق اللغويات على دراسة الأدب، إلا أن اللغويات التى حددوها" من نوع شكلى "تهتم ببنيات اللغة أكثر من اهتمامها بما قد يقوله المرء فعلاً، فقد تغاضى الشكليون عن تحليل "المضمون" الأدبى (حيث يكون المرء، على الدوام، عرضه لغواية الدخول إلى علم النفس أو علم الاجتماع) بهدف دراسة الشكل الأدبى وبدلاً من أن ينظروا إلى الشكل على أنه التعبير عن المضمون، جعلوا العلاقة تقف على رأسها: فالمضمون هو مجرد "الحافز" للشكل، مجرد مناسبة أو فرصة لنوع خاص من التدريب الشكلى".
إن الشكليين يضربون مثالاً، لذلك نستطيع أن نجد مثيلاً له فى أعمال أدبية أخرى- إذ ما تقبلناها من وجهة نظر الشكليين- فقد ألمحوا إلى أن الأعمال الأدبية- وأعطوا مثالاً لذلك بمسرحية "دون كيخوته" – أنها ليست رواية تحمل قصة عن هذا الشاب كفاحه، بل هى نوع من الإبداع يقدم لنا نوعاً من التقنية الروائية، وهم بذلك يلغون كل شىء فى هذا الإبداع عدا مجموعة العناصر الأدبية التى تميز هذا الإبداع وتلحق به صفة الأدبية.
إن الشكليين بذلك لا نعدهم تقليديين فى آرائهم هذه، بل هم ينادون بالتجديد "ويدعون إلى الابتكار والابتداع Inventiveness وتكسير القوالب الفنية العامة واللفظية التى غدت لكثرة ترديدها باردة لا طعم لهاStale ، ويحتلفون بالبراعة الصياغية والمهارة فى التشكيل والبناء (الذى يصل إلى حد التعقيد الراقىStaphistication ) والبحث الدائم عن طرائق فنية جديدة، ولذلك رحبوا بمذهب "التركبية"Constructinism أى تركيب الأعمال الفنية من مواد البناء المتاحة كافة، وخصوصاً من منجزات العلم والتكنولوجيا".
إن الشكلية بذلك لا تتبع آراء الاتجاهات التقليدية، بل تثور على آراء السابقين من التقليديين والرمزيين الذين يبتعدون عن سبل استخدام الكلمة بالمعنى التقليدى، إذ هم يرفضون استخدام الرمزيين للكلمة الشعرية مصبغين إياها بالصبغة الدينية أو النفسية التى ترتبط بطبيعة الحال بالشاعر، كما يرحبون بالنزعة المستقبلية Futurism فى الأدب والفن.
إن الشكلية بعد أن صدرت من قبل الروس إلى بولنده وتشيكوسلوفاكيا فى مرحلة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية صارت متصلة بآراء فكرية فلسفية، مما جعلها فى مرحلتها المتأخرة تخالف ما كان سائداً من قبل إذ "انتقل التأكيد من العلاقة بين اللغة الأدبية وغير الأدبية إلى المظاهر اللغوية والشكلية فى النصوص الأدبية نفسها- وقد حاول "جاكوبسون" و "تنيانوف" أن يثبتا أن الأدوات الأدبية نفسها غدت مألوفة أيضاً. ونقلا التركيز إلى الوسائل التى تصير بها الأدوات الأدبية مسيطرة فى النصوص الأدبية تتولى مهمة تغريبية فيما يتصل بأدوات أو مظاهر أخرى تدرك بلغة مألوفة أو آلية"، وهو ما أوصل بالشكليين بعد ذلك إلى أن ينظروا إلى العمل الأدبى على اعتبار أنه تجميع اعتباطى للأدوات بطريقة أو بأخرى والمقصود هنا باعتباطية الأدوات التى يتكون منها الإبداع أى التجميع العشوائى للأدوات أو للنص الأدبى، غير أنهم عادوا وأكدوا ترابط هذه العناصر التى يتركب منها النص، إلا أنهم أيضاً وصلوا إلى عنصر هام ومشترك يجمع بين عناصر العمل الأدبى، وهو ما يسمى بالإغراب أو التغريبAlienation ( ) وهو يقصد هنا جعل الشىء الذى نتعامل معه غريباً عنا، ولكى يحدث ذلك لابد أن نجعله غير مألوف، أى يجب أن ننزع عنه الألفية، وهم هنا يقصدون اللغة الأدبية التى يجب ألا تصبح مألوفة مثلما نألف لغة الحياة اليومية.
إن الشكليين الروس- وعلى رأسهم شكلوفسكى- ينادون بضرورة أن نعاود النظر فى اللغة الأدبية المستخدمه، وبدلاً من "القول بالرجوع إلى لغة البسطاء، ينادون بزيادة مدخول النظام التصورى من جانب الأديب المبدع، ولهذا فإن التغريب لا يعنى بالضرورة عند "شكلوفسكى" كسر ألفة مفردات اللغة، بل كسر ألفة الأشياء ذاتها، مفردات العالم الخارجى حتى يبدو المألوف غير مألوف، ويتحقق ذلك عن طريق إعادة ترتيب الأشياء أو تقديم وجهة نظر جديدة.
إن الرأى السابق بذلك يدعونا إلى النظر فى المألوف والمسيطر سواء فى حياتنا اليومية أو فى الإبداع بشكل عام، ذلك أن المسيطر الذى يعنى بطبيعة الحال سيطرة مجموعة من الأفكار أو العناصر الفنية أو مذهب من المذاهب يعتاده الناس، ومن ثم تثبت العناصر ويتطور الأمر فى مجال بحثنا- ونقصد اللغة أو الكلمة- فتفقد تأثيرها وتصبح معتادة فلا تحرك فى المتلقى جديداً.
إن الخطاب الأدبى الذى اعتاد الناس على تقبله- كما يرى الشكليون – بأسلوب تقليدى لا يجعلهم يدركون أبعاد الوسيط المتمثل فى اللغة، ذلك أنهم لا يتوقفون كثيراً على اللغة فى حالة تغريب الخطاب الأدبى، فإن ذلك يصل بنا "على نحو متناقض" إلى امتلاك للخبرة أكثر اكتمالاً وحميمية.
إننا نستنشق الهواء أغلب الوقت دون أن نكون واعين به: ومثله مثل اللغة فإنه- هو ذاته- الوسيط الذى تتحرك فيه "لكن إذا أصبح الهواء فجأة كثيفاً أو ملوثاً، نضطر للإلتفات إلى أنفسنا بانتباه جديد".
إن نيوتن يسوق لنا مثلاً هو رواية "العارShame " لتولستوى، يقول أنه يجعل المألوف يبدو غريباً بعدم تسمية الشىء المألوف وهو يصف الشىء كأنه رآه أول مرة، ويصف الحادثة كأنها حدثت أول مرة وهو وصف شىء من الأشياء يتجنب الأسماء المعترف بها لأجزائه ويستعيض عنها بأسماء توافق أجزاء لأشياء أخرى، ففى روايته "العار" يعمد "تولستوى" إلى "تغريب فكرة الضرب بالسوط".
مجالات تطبيق المدرسة الشكلية الروسية المسرح الملحمى
(نظرية التغريب)
إن إعمال منهج الشكلية الروسية فى نظرية المسرح الملحمى أمر يحقق الكثير مما نادى به رواد الشكلية الروسية خاصة فى مراحلهم الأخيرة – من خلال آراء باختين على سبيل المثال- حيث لم يكتفوا فى تعاملهم مع هذا المنهج بالتركيز على النواحى الشكلية، بل قاربوا بينها وبين الماركسية فى ضرورة الاعتراف بإجتماعية اللغة، وهم فى ذلك لا ينكرون الخلفية الاجتماعية والتاريخية للغة، ومن ثم للابداع بشكل عام.
عارض برتولت بريخت من خلال نظرية المسرح الملحمى المسيطر على ساحة المسرح الملحمى فيما تمثل من آراء كتاب المسرح التقليدى الذين ركزوا فى إبداعاتهم على الجوانب الذاتية والرمزية والواقعية، واكتشفت أن على المسرح الملحمى أن يعارض المسيطر على حركة المسرح الملحمى، لذلك طالب بضرورة أن يقدم العمل المسرحى "متحرراً من قيود التقاليد الواقعية، وخصوصاً المتعلقة بالمسرحية المحكمة الصنع القوية الحبك. يجب على المسرحية الملحمية أن تكون وصفاً عقلانياً لا اندماجياً لموضوع سياسى أو اجتماعى، نظراً لتحررها من الواقعية، فإنها تطرح مضمونها للتمحيص.
إن المسرح الملحمى بذلك يسعى إلى التركيز على عناصر الشكل الداخلية وتجديدها إلا أن هذا لم يأت على حساب المضمون ذلك أن بريخت اهتم بعرض قضايا المجتمع من منطلق اجتماعى وسياسى يهدف إلى ضرورة أن يعمل المشاهد عقله فيما يراه أو يسمعه، وبذلك يتمكن من إصدار الآراء والوصول إلى حل بعد مناقشة جوانب القضية، غير أن بريخت بذلك- ومن خلال أدواته الفنية والأدبية المستخدمة فى كتابة النص- يهتم بوحدة الموضوع أو الحدث أو البناء الدرامى الموحد للمسرحية أو الصراع المركز بين طرفيه أو الشخصيات المحددة الأبعاد، وأهم من ذلك فإن بريخت استعان بعنصر هام، ويعد هو أساس نظرية المسرح الملحمى، وأعنى به التغريب (التغريب/ التبعيد=Alienation/ verfremdung ) إذ كان هدفه "خلق حالة من الانفصال بين الجمهور والمسرح لمنع الجمهور من التوحد مع المسرحية، ولتمكينه من أن ينقد المسرحية نقداً بناءً من وجهة نظر اجتماعية" ذلك أن المسرح وهم ويجب أن يبقى الجمهور واعياً بهذه الحقيقة عن طريق هدم مفهوم الحائط الرابع الذى يفصل الجمهور عن المسرح، إذ يجب أن يدرك المشاهد أن المسرحية ليست حقيقة، إنما هى "توضيح لحالات يمكن أن تغير ويجب أن تغير فى الحياة الحقيقة".
ولكى يتحقق بريخت التغريب- الإغراب- كان يعمد إلى إنهاء المشاهد ويقطع استمرار الحدث لكى يذكر المشاهد دائماً أنه فى المسرح، هذا إلى جانب استخدامه عدداً آخر من العناصر والوسائل أسهمت بدورها فى تحقيق التغريب فى مسرحه الملحمى وهى عناصر لا تتمثل فى بنية النص المكتوب وحسب، ولكنها تتجسد وتظهر على خشبة المسرح، وهذه الوسائل هى:-
1- التأريخة 2- الراوى
3- الشخصيات 4- الكورس
5- القناع 6- الموسيقى
7- التمثيل 8- الإنارة.
9- تصميم المناظر الخاص بالديكور.
وبذلك نستطيع القول إن بريخت طور ليس فقط سبل استخدام اللغة القولية والبصرية فى مسرحه وحسب، بل طور كافة عناصر الشكل الداخلى والشكل الخارجى للمسرحية، وهو بذلك استطاع أن يصدم المشاهد فيما أتى به من لغة سمعية أو بصرية لم تكن معتادة من قبل من المشاهد، وهو يقصد من وراء ذلك إطلاق صيحة مخالفة للسائد، وهى بطبيعة الحال تحريرية تجريبية مستقبليـة تحقـق وتلتقى كثيراً بما نادى به رواد الشكلية الروسية، إلا أنـه – وكما سبق القول- يختلف عنهم فى تركيزهم على الشكل دون المضمون هذا من ناحية.
ومن ناحية ثانية يعد من المجربين، وهم فى ذلك يمثلون تطوراً واستمراراً أتت به البنيوية- بعد ذلك- والتى تعد استمراراً وتواصلاً مع آرائهم التجريبية. "إن تجريبية البنيوية لا تعتبر نتيجة، بل سبباً لرفضهم المبدئى للذات الديكارتيه، بل إن القول الذى يردده بعض مؤرخى النقد الأدبى فى القرن العشرين بأن البنيوية نسخة من الشكلية الروسية، يرجع إلى اشتراكهما فى الحماس للمنهج العلمى التجريبى".



#أحمد_صقر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قلبي يئن لكن مستقبل مصر أهم
- شهداء 25 يناير وعيد الأم .
- المسرح المصري في السبعينيات وقضايا الانفتاح الاقتصادي .
- الكوميديا في المسرح المصري (دراسة في نظرية الكوميديا العربية ...
- مشروع المسرح الفيدرالي وانعكاساته الايجابية علي استمرار الدر ...
- الشخصية النسائية في مسرح توفيق الحكيم .
- العلاقة بين المسرح بوصفه ظاهرة احتفالية اجتماعية وبين الحيز ...
- مسرحية السلطان الحائر .. الرؤية الإخراجية وضياع القضية ( رؤي ...
- صورة المرأة بين المسرح النسائي ومسرح نصرة المرأة .
- قراءة نقدية تحليلية في مسرح نجيب سرور .
- رسالة عاجلة إلي وزير التربية والتعليم العالي
- الكوميديا في االمسرح المصري ..دراسة في نظرية الكوميدية العرب ...
- لا .. لسارقي أحلام شباب 25 يناير .قراءة في ثقافة المتسلقين .
- الخطاب المسرحي في مسرحية مغامرة رأس المملوك جابر التراثية (ر ...
- مسرح المونودراما وخصوصية البنية النصية والعرض .
- ماذا ننتظر وينتظر مبارك من بقائه في شرم الشيخ .
- الثورة المصرية بين وطنية النشأة وعولمة العلاج في التصدي لها
- المونودراما ... ظاهرة المسرح الفردي بين القبول والرفض .
- ملفات الفساد
- المسرح المدرسي وإشكالية مسرحة المناهج .


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد صقر - المدرسة الشكلية الروسية ... قراءة في النقد المعاصر