|
ذكريات سياسية - عشت احداثا وكنت شاهدا عليها - الحلقة الخامسة
فاضل عباس البدراوي
الحوار المتمدن-العدد: 3351 - 2011 / 4 / 30 - 21:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
القسم الخامس
قانون الاحزاب وتداعيات تطبيقه بعد ان وعد الزعيم بسن قانون للاحزاب السياسية في بداية عام ،1960 تم بالفعل سن قانون للاحزاب، وفي اوائل كانون الثاني من ذلك العام اصبح قانون الاحزاب ساري المفعول. تقدم الحزب الشيوعي العراقي بطلب اجازة رسمية للحزب، موقعا من قبل خمسة عشر قياديا، وكان على رأس الهيئة المؤسسة الرفيق الفقيد زكي خيري كونه اكبر الاعضاء سنا واقدمهم في الحزب بالرغم من انه كان من بين الموقعين على الطلب سكرتير اللجنة المركزية للحزب الرفيق الشهيد حسين احمد الرضي (سلام عادل) كما وقع على تأييد الطلب وحسب القانون اكثر من خمسين عضوا في الحزب من مختلف المدن والمهن، كما تقدم الحزب الوطني الديموقراطي هو الاخر بطلب لاجازته، لكن مؤسس الحزب ورئيسه الراحل كامل الجادرجي رفض التوقيع على الطلب، بسبب خلافاته مع نائبه الراحل محمد حديد وعدد اخر من قياديي الحزب، لاتهامه لهم بانهم مندفعون اكثر من اللزوم خلف الزعيم وسياسته المناوئة للديموقراطية وطلب من وزيري الحزب في الحكومة محمد حديد وهديب الحاج حمود بالاستقالة، ولما رفضا تنفيذ ذلك، احجم الجادرجي عن توقيع قائمة الطلب الا انه بعد فترة ( استقال السيد هديب من الوزارة)، ووقع الطلب المرحوم محمد حديد بصفته رئيسا للهيئة المؤسسة للحزب، كذلك تقدم الحزب الديموقراطي الكردستاني بطلب الاجازة وكان على رأس الهيئة المؤسسة المرحوم الملا مصطفي البارزاني. وتقدم عدد من الشخصيات الديموقراطية المعروفة بطلب تأسيس حزب سياسي، تحت اسم الحزب الجمهوري العراقي، وكانت الشخصية الديموقراطية المعروفة، المرحوم عبد الفتاح ابراهيم رئيسا للهيئة المؤسسة للحزب، وضمت الهيئة المؤسسة نخبة من الوجوه الديموقراطية امثال المرحومين، كل من المحاميين، احمد الاوقاتي وصالح الشالجي وناجي يوسف وعبد المجيد الونداوي ونيازي فرنكول وعالم الاثار المعروف طه باقر والدكاترة، احمد الجلبي وعبد القادر الطالباني وغيرهم. وبدعم من الاستخبارات العسكرية والامن العامة، قدم المحامي داود الصائغ طلبا لتأسيس حزب باسم الحزب الشيوعي العراقي، من المعلوم ان الصائغ قاد انشقاقا عن الحزب عام 1943 وشكل كتلة تحت تسمية رابطة الشيوعيين العراقيين واصدر جريدة سرية باسم العمل، وقد انتهت تلك الكتلة بعد اعتقال الصائغ عام 1947 وسجنه، وعند اكمال مدة محكوميته ترك العمل السياسي، الا انه يبدو ان الحزب كمحاولة منه للملمة العناصر القديمة، اختاره الكونفرنس الحزبي الذي عقد عام 1956، كمرشح لعضوية اللجنة المركزية، وبعد عمله لفترة قصيرة في صفوف الحزب ترك العمل، قبل ثورة تموز، ومنحته حكومة الزعيم امتياز صحيفة يومية باسم المبدأ. تشويه صارخ لحرية النشاط الحزبي ظلت وزارة الداخلية تماطل في منح الحزب الشيوعي العراقي اجازة العمل العلني تحت ذرائع مختلفة، حتى انتهت المدة القانونية، وقدرها شهر، واذا بالوزارة ترفض منح الحزب الشيوعي اجازة العمل العلني، رغم توفر كافة الشروط القانونية في طلب الحزب واجابته عن استفسارات وزارة الداخلية، ذهبت الوزارة ابعد من ذلك، حيث منحت داود الصائغ اجازة العمل باسم الحزب الشيوعي، بالرغم من ان طلبه كان يفتقر الى ابسط الشروط القانونية، فمثلا انه لم يستطع تدبير خمسة عشر توقيعا للهيئة المؤسسة وعجز عن جمع خمسين توقيعا لتأييد الطلب كما ينص عليه القانون، وكان هذا اكبر انتهاك لحرية العمل الحزبي وتراجع اخر في مجال الحريات الديموقراطية. لم تكتف وزارة داخلية الزعيم برفض طلب الحزب الشيوعي بل رفضت ايضا طلب عبد الفتاح ابراهيم وزملائه بتأسيس الحزب الجمهوري، بالرغم من ان الزعيم قد اسند منصبا كبيرا له في وزارة النفط بعد استحداثها وكان ذلك ايضا انتهاك غير مبرر لحرية العمل الحزبي. مشاكل الحزب الوطني الديموقراطي بعد ان منحت وزارة الداخلية اجازة تأسيس الحزب الوطني الديموقراطي، وعقد مؤتمره، الذي غاب عنه مؤسس الحزب كامل الجادرجي، حدثت بلبلة كبيرة في صفوف المؤتمرين ووجهوا رسالة الى الجادرجي طالبين منه العودة لقيادة الحزب، امام ذلك الاصرار الكبير من لدن غالبية اعضاء المؤتمر انسحب المرحوم محمد حديد من الحزب وتضامن معه عدد من القياديين، امثال المرحومين محمد السعدون وخدوري خدوري ونائل سمحيري وعباس حسن جمعة ورجب الصفار والدكتورين رضا حلاوي وجعفر الحسني والمحامي سلمان العزاوي والقائد الفلاحي المرحوم عراك الزكم (ابو فائز)، حيث اسسوا حزبا جديدا باسم الحزب الوطني التقدمي واصدروا جريدة يومية ناطقة باسم الحزب تحت اسم البيان، كان اتجاه الحزب الجديد دعم سياسة حكومة الزعيم بشكل مطلق تقريبا، اما الحزب الوطني الديموقراطي، فقد عقد مؤتمرا استثنائيا، انتخب فيه المرحوم كامل الحادرجي رئيسا والسيد هديب الحاج حمود نائبا للرئيس والمرحوم حسين جميل سكرتيرا عاما للحزب، ما ان مضت بضعة اشهر على ذلك المؤتمر حتى دب خلاف جديد بين قيادة الحزب، اذ استقال منه السكرتير العام للحزب حسين جميل ونائب رئيس الحزب هديب الحاج حمود وعضوا اللجنة المركزية المحاميان مظهر العزاوي وعواد علي النجم، وظهر ان سبب الخلاف بين الجادرجي والمجموعة الاخرى في الحزب، التي تزعمها حسين جميل، هو ان مجموعة حسين جميل كانوا قد طرحوا موضوع التقارب او حتى اقامة جبهة مع البعثيين والقوميين، لكن ذلك لاقى رفضا من السيد الجادرجي ومجموعته، حيث كان الجادرجي يدعو على الدوام باقامة جبهة وطنية واسعة تضم الى جانب الوطني الديموقراطي الحزب الشيوعي والقوى والشخصيات اليسارية والديموقراطية وحتى البعثيين والقوميين ان ارتضوا سلوك العمل السياسي الديموقراطي، للعمل من اجل انهاء فترة الانتقال واجراء انتخابات نيابية حرة واطلاق الحريات الديموقراطية. عقد الحزب الوطني الديموقراطي مؤتمرا استثنائيا جديدا لا اتذكر تاريخ انعقاده بالضبط لكن اعتقد انه عقد في نهاية عام 1960 ، انتخب فيه الجادرجي مجددا رئيسا للحزب والمرحوم جعفر البدر رئيس فرع البصرة نائبا للرئيس والمرحوم الدكتور صادق مهدي السعيد سكرتيرا عاما للحزب مع ستة اخرين كاعضاء في اللجنة المركزية للحزب. لم يستمر الحزب في عمله طويلا، اذ جمد نشاطه السياسي اواسط عام 1961، واوقف اصدار جريدته صوت الاهالي، وقد اصدر بيانا يوضح فيه اسباب تجميد الحزب لنشاطه، واهمها هو عدم انهاء فترة الانتقال واستمرارالاحكام العرفية وعدم اجراء انتخابات نيابية، وعدم توفر اجواء ديموقراطية حقيقية في ممارسة النشاط السياسي والحزبي وغيرها من الامور. هكذا تعرض حزب ديموقراطي عريق الى التشتت والانقسام بسب تلك الاوضاع الشاذة التي سادت البلاد. اصدر احد قادة الحزب الوطني الديموقراطي، وهو المحامي المرحوم عبدالله عباس الذي كان مقربا جدا من المرحوم الجادرجي جريدة يومية باسم ، المواطن وذلك في بداية عام 1962 وكانت الجريدة في الحقيقة تعبر عن وجهة نظر الحزب الوطني الديموقراطي وزعيمه كامل الجادرجي، واستمرت في الصدور الى يوم 8 شباط الاسود حيث اغلقت من قبل النظام البعثي الفاشي. اما فيما يخص الحزب الديموقراطي الكردستاني، فقد بدأت خلافاته مع الزعيم بداية عام 1961 ، اذ كان الحزب يأمل بعد التغيير الذي حصل في العراق واقامة النظام الجمهوري ووقوف الحزب بقوة مع النظام الجديد بل انه اسهم في محاربة قوى الردة في كردستان التي رفعت رؤوسها عام 1959 بدعم من حكومة شاه ايران، كان يأمل الحزب وجماهير الشعب الكردي بأن تمنح حكومة الزعيم بعض الحقوق القومية للشعب الكردي، وكانت مطاليب الكرد في ذلك الوقت بسيطة جدا، فلم تكن تتعدى عن ادارة ذاتية للمنطقة الكردية، الا ان الزعيم لم يستجب لمطالب الكرد، مما حدا بالحزب الديموقراطي الكردستاني بقيادة المرحوم البارزاني الى غلق مقراته وايقاف جريدته المركزية (خه بات) عن الصدور والصعود الى الجبل واعلان الثورة، في ايلول من ذلك العام، شنت حكومة الزعيم بتحريض من القادة الرجعيين والشوفينيين في الجيش العراقي حربا ضد الثورة الكردية، استعملت فيها حتى بعض الاسلحة المحرمة دوليا كسلاح النابالم، الا ان جميع تلك المحاولات باءت بالفشل، وقدم الجيش العراقي عددا كبيرا من الضحايا، كذلك قدم الشعب الكردي ضحايا كثيرة بالارواح والممتلكات. لو كانت النوايا حسنة واستجابت الحكومة لتلك المطاليب البسيطة للكرد، لوفرت على البلاد تلك المآسي جراء اقتتال الاخوة. حشد الحزب الشيوعي كل قواه في سائر ارجاء الوطن ومعه كل الخيرين من المخلصين لثورة تموز من اجل ايقاف اقتتال الاخوة واللجوء الى طريق المفاوضات لايجاد حل سلمي للمشكلة الكردية، فقد نظم الحزب الشيوعي مظاهرة جماهيرية ضخمة قدر عدد المتظاهرين فيها باكثر من عشرين الف متظاهر اوائل عام 1962، انطلقت من شارع السعدون، قرب سينما النصر واتجهت الى الباب الشرقي ثم سارت باتجاه شارع الكفاح، كان الشعار المركزي للمسيرة هو( يا شعب طفي النيران، السلم في كردستان) كذلك رفعت شعارات، تدعو الى الديموقراطية للعراق والسلم في كردستان، من الملاحظ ان تلك الشعارات كانت كلها من اجل صيانة الجمهورية، ولم يكن فيها أي شعار معاد لحكومة الزعيم، بالرغم من ذلك هاجمت قوات الشرطة والانضباط العسكري المتظاهرين عندما وصلت المظاهرة الى منطقة باب الشيخ، استعمل فيها الرصاص الحي، واصيب عدد من المتظاهرين بجروح، واعتقل عدد اخر منهم، دون مسوغ معقول لان التظاهرة لم تكن ضد الحكومة بقدر مطالبة القائمين بها لوأد الفتنة وصيانة الجمهورية والاستجابة للمطالب المشروعة لابناء القومية الثانية في العراق، الذين صانوا الجمهورية ودافعوا عنها بالارواح والاموال، ولو استجابت حكومة الزعيم لتلك المطالب، لكانت قد تجنبت الكثير من المآسي ووفرت الكثير من الدماء، ولقطعت الطريق امام التدخلات المشبوهة التي مهدت الطريق للانقضاض على ثورة تموز وانجازاتها الكبيرة. هيكلية تنظيمية جديدة للحزب الشيوعي بالرغم من عدم اجازة الحكومة للحزب الشيوعي بممارسة نشاطه العلني، الا انه لم يؤثر على نشاط الحزب، فقد توسعت القاعدة الحزبية بشكل كبير، واعاد الحزب هيكلة منظماته، على اساس توزيع المحليات الى المناطق، فتشكلت لجنة المنطقة الجنوبية من محليات البصرة والناصرية والعمارة، ولجنة منطقة الفرات الاوسط من محليات، الحلة والديوانية وكربلاء والنجف، ولجنة المنطقة الوسطى، من محليات الكوت وديالى والرمادي واطراف بغداد، اضافة لفرع الحزب في كردستان. تكونت لجنة منطقة بغداد، من محليات الرصافة والكرخ والكاظمية والكرادة الشرقية واللجنة الطلابية لجامعة بغداد ولجنة ثانويات بغداد، وانقسمت المحلية العمالية الى ثلاث محليات، محلية المشاريع الكبرى، وتضم منظمات الحزب في السكك والكهرباء والنفط والبريد، ومحلية المشاريع الوسطى وتضم منظمات الحزب في الغزل والنسيج والسكائر والسمنت والمياه الغازية والمصارف والاعمال التجارية والزيوت النباتية، وتشكلت محلية المشاريع الصغرى من منظمات، المطابع والميكانيك والبناء والنجارة والخياطة والخدمات والمخابز والافران والاحذية والجلود والدباغة، واستحدثت لجان متفرعة تتبع اللجان المحلية لكل مهنة او محلة او كلية...الخ ، وتتبع اللجان المتفرعة عدة لجان تابعة تقود الخلايا الحزبية. بالنسبة لمنظمتنا، متفرعة عمال المطابع التي تشكلت في النصف الاول من عام 1960 نسب لمسؤليتها الرفيق، مهدي احمد الرضي، ابو صلاح ( شقيق الرفيق الشهيد سلام عادل) حيث كان يعمل عاملا ميكانيكيا في مطبعة فريد التي كان الحزب يطبع فيها جريدته المركزية، اتحاد الشعب، الحقيقة ان الرفيق ابو صلاح كان يتمتع بدماثة خلق وسعة صدر، كان هادئ الطباع يحترم جدا رفاق المنظمة ويستمع الى ارائهم ويناقشهم بها، رغم ان ثقافته النظرية كانت محدودة انذاك، في تلك الفترة انضم الى متفرعتنا رفيق قادم من كردستان، كان قد خرج توا من المعتقل، كان يدعى، ابراهيم محمد علي مخموري، عند التحاق الرفيق المذكور بالمنظمة اضاف اليها اضافة نوعية، حيث كان اقدمنا في الحزب (نال العضوية كما اخبرني عام 1954 ) وسجن عام 1957 وخرج من السجن بعد العفو العام الذي صدر بعد ثورة تموز، اخبرني شخصيا انه اصبح عضوا في اللجنة المحلية للحزب في اربيل، الا انه اختلف مع مسؤلها الرفيق الفقيد عادل سليم، ولم يشرح اساب الخلافات بينهما، اثر ذلك عوقب حزبيا، وانزلت درجته الحزبية الى عضو متفرعة. كان الرفيق ابراهيم مبدأيا ومخلصا جدا للحزب ينفذ تعليمات الحزب دون تردد ويتمتع بثقافة سياسية ونظرية جيدة، كان ودودا جدا، وصلبا للغاية واثبتت صلابته عندما اعتقله اوباش الحرس القومي بعد انقلاب شباط الاسود فاستشهد تحت التعذيب، ولم يتمكن الجلادون ان يحصلوا منه على اية معلومة تخص الحزب، حافظ على اسرار حزبه ورفاقه بأمانة، لم اجد مسوغا لمعاقبة رفيق بمثل هذه المزايا، ارتبطت معه شخصيا بوشائج صداقة حميمة اضافة لعملنا المشترك في المنظمة، ونظرا لمؤهلاته تلك استلم مسؤولية المتفرعة من الرفيق ابو صلاح نهاية عام 1960 واصبحت انا مساعدا له، بعد ان انتقل الرفيق مهدي الى مسؤولية المطابع السرية للحزب. وفي بداية عام 1961 التحق رفيق اخر من كردستان بمنظمتنا ونسب بتوصية من الحزب الى عضوية لجنة تابعة، التي كنت مسؤلا لها، وهذا الرفيق ايضا كان اقدم مني في الحزب حيث نال العضوية كما اخبرني عام 1955 وهو من اهالي شقلاوة كان اسمه سليمان شيخ محمد (ابو سيروان) الذي اصبح فيما بعد عضوا في اللجنة المركزية للحزب، كان هذا الرفيق ايضا معاقبا كرفيقه ابراهيم، وكان يتمتع بنفس صفات الرفيق ابراهيم عدا انه كان اقل منه ثقافة ، لكنه كان مخلصا للغاية وذو خلق رفيع ينفذ التعليمات الحزبية دون تردد، اتساءل مرة اخرى لماذا كان يعاقب مثل هؤلاء الرفاق؟ في آذار عام 1961 اجرت حكومة الزعيم زيادة طفيفة على اسعار البنزين اعتقد انه كان المبلغ خمسة فلوس للتر الواحد، قامت ضجة كبيرة في البلاد، اضرب سواق السيارات عن العمل احتجاجا على تلك الزيادة، حدثت تظاهرات، في شوارع بغداد رافقتها اعمال عنف، حيث استغل البعثيون تلك الاحتجاجات وقاموا باعمال فوضوية صبيانية تخريبية، اذ قاموا بتحطيم سيارات مصلحة نقل الركاب المارة في مناطق الاعظمية والفضل وبعض مناطق الكرخ لكون لونها احمر! ومن سفاهاتهم وترهاتهم انهم منعوا بيع الطماطم في بعض من تلك المناطق بسبب اللون الاحمر كذلك منعوا البزازين من بيع القماش الاحمر، حتى وصل الاسفاف ببعضهم الى درجة، ان المذيع القومي او البعثي، لا اعرف بالضبط هويته، قاسم نعمان السعدي، كان يقوم بتقديم اغنية الفنانة مائدة نزهت التي كانت مشهورة جدا، وكان مطلعها، يا ام الفستان الاحمر، كان يقدمها السعدي من دارالاذاعة على النحو التالي: نقدم لكم اغنية الفنانة مائدة نزهت، ياام الفستان القرمزي! كم اذن وصلت التفاهة بهؤلاء الشقاة؟ لكن الحزب الشيوعي من جهته نظم ايضا تظاهرات استنكارا لزيادة اسعار البنزين لكنها كانت منظمة ولم تخرج عن الاطار السياسي العام. في بداية عام 1961 بدأ الاستحقاق الانتخابي للنقابات العمالية، فرضت الحكومة اجراء الانتخابات في ملعب الادارة المحلية في الكرخ (نادي الكرخ الرياضي حاليا) كان يحيط بالعمال المتوجهين الى صناديق الاقتراع عدد من الشقاة وهم يحملون الاسلحة الجارحة وبعضهم يحمل المسدسات، وكان هؤلاء من انصار القوائم التي سميت بالمستقلة، لكن في الحقيقة كانت قوائم بعثية، ولم يكن معظم هؤلاء من اعضاء النقابات، وكان رجال الامن يساعدونهم، في مهمتهم غير الشريفة، كانوا يشيعون جوا ارهابيا ويقومون بالاعتداءات على العمال، ويستعملون التهديد لمنعهم من انتخاب القوائم الديموقراطية، ويقوم بعض من رجال الامن باعتقال ومنع عدد كبير من العمال للوصول الى مكان الانتخاب. هكذا سهلت الاجهزة الامنية لحكومة الزعيم الطريق لسيطرة البعثيين على معظم النقابات العمالية، وجرى تضييق كبير على بقية المنظمات الديموقراطية كالشبيبة الديموقراطية واتحاد الطلبة ورابطة المرأة وغيرها بنفس الاسلوب المار ذكره. الاعتقال في العهد الجمهوري الزاهر! مع بداية عام 1961 جرت مفاوضات بين الكارتل النفطي الذي كان مسيطرا على نفط العراق من جهة وبين الحكومة العراقية من جهة اخرى، كان يترأس الوفد المفاوض العراقي الزعيم شخصيا وكانت تنقل محاضر جلسات المفاوضات يوميا من دار الاذاعة، اصدر الحزب الشيوعي عدة بيانات تأييدا لموقف الحكومة العراقية التي كانت تطالب بزيادة حصة العراق من عائدات النفط، كان ممثلو الشركات الاحتكارية النفطية يماطلون في المفاوضات لكسب الوقت، واقترب موعد الذكرى الثالثة لثورة تموز، وتهيأ الحزب للاحتفال بها، كعادته في كل عام بهذه الذكرى، خرجت مسيرة جماهيرية ضمت الافا من المواطنين، وهي تحمل شعارات تحي ذكرى ثورة تموز، وكان الشعار والهتاف الرئيسي للمسيرة، كما ابلغنا به الحزب (حصة شعبنا من النفط خمسين بالمية هذا النفط للشعب لا للحرامية) اذن كانت تلك الشعارات والهتافات دعما لموقف الحكومة وللزعيم شخصيا في مفاوضاته مع شركات النفط. كنت مكلفا مع رفاق اخرين، بمهمة ايصال التعليمات اولا بأول من القيادة الخارجية للمسيرة الى المسؤولين المباشرين عنها، حيث كنت اقف قرب احدى الاعمدة في منطقة رأس القرية استلم التعليمات واوصلها الى قيادة المسيرة، يبدو انني كنت مراقبا من قبل رجال الامن، وعلى حين غرة احاط بي عدد من رجال الامن وسحبوني الى احدى الازقة، وتعرضت الى الضرب من قبلهم، ثم نقلت الى نقطة تابعة للامن تحت جسر الاحرار القريب من ساحة الوثبة فوجدت هناك من سبقني في الاعتقال، وفي ظهر ذلك اليوم وبعد ان انتهت المسيرة، تم حشرنا في سيارة خاصة بالسجناء والمعتقلين، وكان عددنا يتراوح بين عشرين الى خمسة وعشرين معتقلا، اخذوا يدورون بنا الى المعتقلات، فرفضت معتقلات خلف السدة والموقف العام والامن العامة وغيرها استلامنا، لانها كانت مكتظة بالمعتقلين والاغلبية الكبيرة منهم من الشيوعيين والديموقراطيين، تصورا يعتقل ويزج انصار ثورة تموز وقيادتها المتمثلة بالزعيم في المعتقلات، والبعثيون وقوى الردة يصولون ويجولون!! اليست هذه مفارقة عجيبة غريبة؟ اخر محطة كانت في تجوالنا على المعتقلات هي مركز شرطة جسر ديالى، بعد حوالي الثلاثة اسابيع من اعتقالنا ارسل لنا الحزب المحاميين، عبد الواحد كرم الوتار وسامي النصراوي، فتوكلا عنا وتم اطلاق سراحنا، وقبل اطلاق سراحنا اخذونا الى الامن العامة، قالوا لنا ان السيد مدير الامن العام العقيد عبد المجيد جليل سيلقي بنا كلمة ابوية توجيهية، اخبرنا عدد من المعتقلين الذين سبقونا في تلك المقابلة، ان نتحاشى أي تعليق سلبا او ايجابا على محاضرة السيد العام، فعلا ادخلونا الى غرفة السيد العام، واذا به يكيل الشتائم لنا وللسوفيت ولفهد وستالين ويذكر اسم الزعيم السوفيتي السابق خروشوف بعبارات نابية مثل (خر شوف) بفتح حرفي الخاء والراء، ثم استدار على عفلق والبعثيين ولم يستثنيهم من شتائمه، هكذا غادرنا غرفة المسؤول الاول عن امن البلاد وعن حماية حكومة الزعيم، ونحن محمولون بالشتائم!
#فاضل_عباس_البدراوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ذكريات سياسية-عشت احداثا وكنت شاهدا عليها-الحلقة الرابعة
-
ذكريات سياسية - عشت احداثا وكنت شاهدا عليها - الحلقة الثالثة
-
ذكريات سياسية - عشت أحداثا وكنت شاهدا عليها - الحلقة الثانية
-
ذكريات سياسية - عشت احداثا وكنت شاهدا عليها - الحلقة الاولى
-
عام مر على استشهاد كامل شياع، والقتلة مجهولون!!
-
نظرة عن قرب على نتائج انتخابات مجالس المحافظات
المزيد.....
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
-
-استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله-
...
-
-التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن
...
-
مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|