أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسنين السراج - التكبر والأستعلاء بين العقل الأيماني والتماهي مع الجلاد















المزيد.....


التكبر والأستعلاء بين العقل الأيماني والتماهي مع الجلاد


حسنين السراج

الحوار المتمدن-العدد: 3345 - 2011 / 4 / 23 - 22:00
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


حدثني أحد أصدقائي مرة عن حادثة حصلت معه حين كان يراجع أحدى المستشفيات وكان هناك طابور طويل في الانتظار قبل الوصول الى الطبيب وحين وصل الدور لصديقي قرر أن ينحني قليلا ليحدث الطبيب دون أن يتمكن باقي المراجعين من سماعه كونه كان يعاني من حالة محرجة نوعا ما. وأثناء حديثه نظر اليه الطبيب بوجه مليء بالأنزعاج وقال له :( أوكف عدل واحجي ) . فما كان من صديقي الا أن مزق الملف الخاص للمراجعة الخاص بهذا المستشفى وقال للطبيب :( أنت طبيب مو ضابط وأني مريض مو جندي عندك ) وخرج من المستشفى لا يلوي على شيء .

شعر هذا الطبيب بالأهانة حين أنحنى المريض ووضع يده على المنضدة . شعر بأنه فقد توازنه وفقد وضعه الطبيعي كطبيب يملك مكانة رفيعة تشعره انه أعلى من أن يتعامل معه المريض بعفوية . ما يجعل هذا الطبيب يسلك هذا السلوك هو شعوره المفرط بالرفعة والعلو والرقي قياسا بالمريض . فهو يعتقد بانه أنسان من طراز رفيع تمكن من الحصول على شهادة الطب بمجهود وذكاء غيرعاديين يستطيع الأنسان العادي من تحقيقه . مما يعطيه شعور بانه أكثر رقي من أن يتحدث ببساطة وبدون تكلف مع المرضى .

يقول الوردي علي :

كنت أصبغ حذائي ذات يوم على رصيف شارع في نيويورك , وكان الصباغ يتوقف عن الصبغ بين لحظة وأخرى ليتحدث الى رجل كان واقفا بجانبه وعليه سيماء الوقار . لقد كانا يتحدثان عن رحلة للصيد قام بها ذلك الرجل الوقور هو وزوجته في سواحل كاليفورنيا ... وبعد ذهاب ذلك الرجل سألت الصباغ عنه فقال :( أنه صديق .. وهو مدير هذا المستشفى ) وأشار بيده الى مستشفى قريب كبير جدا لعل مستشفانا الحكومي لا يصلح أن يكون مطبخا فيه . لقد ذهلت حقا حين وجدت ذلك المدير الكبير يتحدث الى الصباغ الذي كان يصبغ حذائي . ولقد تذكرت انذاك ما يروى عن علي أبن أبي طالب من أنه كان أيام خلافته في الكوفة يكثر من الجلوس في دكان بقال , أذ كان البقال صديقه , وكان الخليفة يبيع التمر مكانه أذا غاب . يقول جعفر بن محمد : ( ما من رجل تكبر أو تجبر ألا لذلة وجدها في نفسه وهذا قول يصدق في حالات كثيرة . (1)

ان الكثير من الأشخاص الذين وصلوا الى مناصب رفيعة يقومون ببعض السلوكيات الغريبة والملفتة للنظر في ان واحد . حيث أن بعضهم يقوم بشكل متعمد بعدم أدخال الضيف الى مكتبه ألا بعد مرور وقت معين مع أنه غير منشغل , لأشعاره بأنه لم يدخل ببساطة وليأخذ انطباع أنه دخل الى أنسان ذو مكانة مرموقة لا يتاح بسهولة ودائم الانشغال . هذا كله فضلا عن التحدث مع المراجع بلغة جافة ممتلئة بألاستعلاء والتكلف. وكأنه يقول : ( انا مسؤول وأنت مواطن عادي يجب أن أشعرك بهذه الحقيقة وأثبتها لك بشتى الوسائل وألا لم ولن تحترمني ) .

أن ما يدفع مسؤولا ما الى التعامل بهذه الطريقة هو محاولة أثبات شيء ما . في داخل هذا الأنسان شعور عميق يلج في ظلمات عقله يقول له : ( أنا أضعف من ان أثبت وجودي . انا أوهن من بيت العنكبوت . أنا أبدو كأنسان لا يملك القدرة على أدارة هذا المنصب لذلك سياكلوني من هم اكثر مني قوة ويدحروني ) لذلك يحاول جاهدا أثبات العكس . فتطفو هذه السلوكيات على السطح وبشكل مستمر لمصارعة أحساسه العميق بالنقص . وهكذا سلوكيات تعطيه شعور مؤقت بالامان .

كما يعلم الجميع فان الوزارات في العراق تقسم على الكتل السياسية حسب حجم الكتلة ولكل كتلة حصة توازي عدد مقاعدها في مجلس النواب . و يعلم الجميع مقدار الاحساس العالي بعدم الثقة بين هذه الكتل . فضلا عن وجود ثنائية الخير والشر . فكل كتلة تعتقد انها تمثل الخير الذي جاء لينقذ ما يمكن أنقاذه من يد الشر . كل هذا أدى الى ظهور ظاهرة جديرة بالاهتمام وهي أن كل وزير يستلم وزارة يقوم بتطهيرها من فريق عمل الوزير السابق ويقوم بزرعها بفريق عمل جديد يدين بالولاء والأخلاص للوزير الجديد . وكل وزير ياتي يحاول اثبات وجوده ووجود فريقه في هذه الوزارة . وكما نعلم ان موظفي الوزارة ثابتين لا يتغيرون لكن الرؤوس الكبيرة تتغير بشكل مستمر مع تغير شخص الوزير . ويحدث هذا خصوصا حين يستلم وزير جديد ينتمي لكتلة مختلفة عن كتلة الوزير الأسبق .

أن الفريق السياسي الذي يتصور أنه يقف في صف الخير وجاء لينقذ ما يمكن أنقاذه . سيعطي لنفسه مساحة واسعة من الحركة تستثنى منها الكثير من الثوابت . ذلك لأنه سيفكر بطريقة ( الغاية تبرر الوسيلة ) وقد يقوم بامور غير مقبولة عرفا وشرعا وقانونا . لكن لأنه يقوم بها لأيقاف الشر ستكون مقبولة ومسوغة . ونتائج هذا واضحة في طريقة أدارة الوزارات . فكل وزير يعتقد انه جاء لتنظيف هذه الوزارة والسمو بها وتخليصها من أمراض الوزير السابق . لكنه لا يعلم ان الوزير السابق حين جاء كان يملك نفس الطريقة في التفكير وهي تخليص الوزارة من أمراض الوزير الذي سبقه .

ولنكون منصفين لا بد ان نقول ان الواقع في العراق يجعل سياسة عدم الثقة في الاخر مبررة الى حد ما . فلا يوجد أمام اي وزير جديد طريق للعمل الا أثبات الوجود وتحجيم فريق العمل الخاص بالوزير السابق لعدم وجود ثقة في نواياهم وأهدافهم . فحين نضع أنفسنا محل الوزير لن نجد طريقة لأستلام الوزارة بقوة غير طريقة اثبات الوجود والتخلص من الألغام المحتملة . والمشكلة لا تكمن في أثبات الوجود وتأمين الطريق لوضع خطة عمل . المشكلة تكمن في طريقة أثبات الوجود وفي الية تامين الطريق وفي الية وضع خطة عمل .

أحد الوزاء. قرر بعد أستلامه الوزارة أقفال الطابق الذي فيه مكتبه عن باقي الموظفين :
- لأشعارهم بالرفعة والقوة والقدرة .
- وقد يكون هناك سبب اخر وهو محاولة التعتيم على قلة الخبرة أو أنعدامها لدى كادر الوزير .
ومن الامور المثيرة للاهتمام والتي اثارت أزعاج الموظفين في تلك الوزارة هي أستمارات المعلومات المتكررة التي تحوي أسئلة تثير أجواء الشك والاتهام . وتشعر أي انسان بمقدار هائل عدم الارتياح .
وهناك أمر غريب قام به معالي الوزير وهو استخدام مفردة ( سحت وحرام )في ورقة رسمية حين رفض صرف مكافئات لمجموعة من الموظفين . ولست أبحث هنا عن أستحقاق الموظفين للمكافاة من عدم أستحقاقهم فهذا أمر يحتمل الوجهين . الذي يستحق البحث هو أستخدام أسلوب مخاطبة فقهي في مخاطبة رسمية .
لنتأمل الصور السابقة ونحاول الربط بين تفاصيلها لنصل الى الالية التي يفكر بها الوزير

- وزير يقفل طابقه عن موظفي الوزارة
- وزير يستعمل مصطلح فقهي في ورقة رسمية
- وزير يتعامل بعدم ثقة (مبررة او غير مبررة)

أن أفقال الطابق واستخدام مصطلحات فقهية توحي بلون جديد من ألوان التصوف الاداري . فهو يريد ان ينقطع عن الناس العاديين ويفتح التواصل على مصراعيه مع السماء . أنه في الواقع يمثل صورة من صور الوفاء للسماء . هو يعتقد على الارجح ان للسماء دور في وصوله للمنصب . وقد يعتقد ان هذا المنصب هو ابتلاء وأمتحان لمدى أيمانه .

لا يخصنا مستوى علاقة المسؤول مع الله ولا يخصنا تجلياته مع الله ولا يخصنا بكائه عند الدعاء ولا يخصنا ان كان يصلي صلاة الليل ويصوم في تموز . ما يخصنا هو مدى ألتزامه بمفردات القانون اللفظية والأجرائية . والواقع يقول ان كل هذا ليس مهم والحقيقة المطلقة هي ان الكتلة التي ينتمي أليها هي من أوصلته الى منصبه . نحن أبناء الارض ونلتزم بمنطقها ولا يخصنا بشيء ان كان هذا الانسان مسدد من الله أو باء بغضب من الله فالامر سيان . وهناك وزراء وصلوا الى مناصبهم وليس لديهم أي علاقة تذكر مع الله .

الارتجال و اللامركزية

استمارات المعلومات قد تكون مبررة على ضوء الخروقات الامنية والمعلوماتية المتكررة في المؤسسات الرسمية . ولا أعتقد ان هناك من يلوم الوزير على هذه السياسة بل يجب ان نلتمس له العذر . لكن هناك نتائج متوقعة بسبب هذه السياسة . حتى وأن كانت مبررة . فهي تخلق شعور عام بعدم الأرتياح لدى الفئة الأكثر اهمية وهي الموظفين المحايدين والمهنيين . أن انعدام التفاعل المباشر من قبل شخص الوزير مع كوادر الوزارة يعتبر نقطة ضعف قد يستغلها بعض المتنفذين من الموظفين ذوي الخبرة من خلال اتخاذ قرارات ارتجالية أو أعاقة تطبيق بعض قرارات الوزير. مما يؤدي الى لامركزية سلبية . وهذا يعني ان سياسة الوزير جائت بنتائج عكسية .
أن ضعف تفاعل الوزير مع كوادر الوزارة من شانه :

1- خلق حاجز يؤدي الى منع الرؤية نسبيا عن الوزير .
2- خلق حاجز نفسي يعيق العمل ويعرقل انسيابيته ومرونته .
3- ظهور مشاعر سلبية تجاه شخص الوزير .
4- تراجع مستوى اداء الموظفين وتراجع درجة شعورهم بالانتماء للمؤسسة .

ليس مهم أبدا من يكون هذا الوزير فهو كانسان مقدر ومحترم ولكننا نتحدث عن المنصب وما يهمنا هو المنصب والكيفية التي يدار بها وليس لشخص الوزير أي اهمية تذكر .

العنجهية الايمانية

بعض المؤمنين من هذا الطراز الذي كرس نفسه للعبادة . وتحري الحلال والحرام في أبسط الأمور . قد تصيبه لعنة الغرور من حيث يدري أو من حيث لا يدري . فبمرور الزمن سيشعر أنه بعباداته وتحريه الحكم الشرعي في الصغيرة والكبيرة وصل الى درجة عالية من الأيمان التي تجعله يشعر أنه أرفع وأسمى من باقي البشر . ويؤدي به ذلك الشعور الى أمر مؤسف وهو ( سوء الخلق ) . من حيث يشعر ومن حيث لا يشعر . ويبدأ بالتحدث مع الفاسقين من تاركي الصلاة أو مع الفاسدين من شاربي الخمور . بطريقة متعجرفة ملؤها الاحتقار . ولو أمتلك أدوات القدرة على الاخرين سيعطي لنفسه الحق في سلب أرادتهم وتحقيرهم . ان هذا الغرور الايماني هو أسوء انواع الغرور لأنه يشعر صاحبه انه يملك الحق في دفع الناس نحو الفضيلة ولو وجد رد فعل سلبي سيقول في نفسه (هؤلاء ليسوا وجه نعمة فأنا أتمنى لهم الخير وأدفعهم الى دخول الجنة وهم يريدون دخول النار ) . لدى البعض تجليات خاصة مع الله تعطيه شعور بأنه من رجال الله وأحبائه وقد يشعر احيانا أنه سيف الله ورمحه . مما يبرر له أمام نفسه الكثير من السلوكيات الغير مقبولة وحين يعاتب عليها سرعان ما سيقحم الله فيها ليبرر فعله .

يقول الكاتب حسن أبراهيم أحمد :

مجتمع المؤمنين لا يجد سنده ومبرراته في الواقع المعاش من قبل جمهور الناس الاخرين , بل يجده في القوى المتعالية , قوى الغيب , قوى الفوق , المتحكمة بقوى التحت , والمؤمن لا يرضيه قال فلان الكاتب او الاديب أو المفكر أو العالم , بل يرضيه قال الله أو أحد أنبيائه أو احد أوليائه , أو أحد أفراد السلالات المقدسة المتناسلة عبر الايام . أذن المشروعية الفكرية والثقافية للعقل الايماني ليست راضية بل مرتبطة بقوى السماء الموجهة لقوى الارض وبالتالي هي أعلى منها رتبة , وكلما علت مرتبة المرجع الذي يتم الرجوع اليه كلما علا مكان وموقع المرتبطين به . التعالي ياتي من الارتباط بقوى فوق الطبيعية وتمثيل هذه القوى في ارض الواقع .(2)

تسبيحة الديمقراطية

نصيحة لأي مسؤول يشعر أنه ما وصل لمنصبه ألا لأن الله وفقه (كونه خاصة الخاصة والباقي هم عامة العامة ) أو اي أنسان عادي يشعر بوجود هالة فوق راسه ويشعر بوجود ملاك حارس يحميه . نصيحتي لهم ان يمسكوا السبحة (أم 101) التي لا تفارق أياديهم الطاهرة وبعد القيام بالتسبيحات الشرعية التي تحميهم من كيد الفجار وشر الاشرار ان يرددوا التسبيحات التالية بشكل يومي :

- سأتفاعل مع الجميع . ليشعر بوجودي الجميع 101 مرة
- أنا مجرد موظف 101مرة
- الشعب ولي نعمتي من حقه محاسبتي 101 مرة
- راتبي يصرفه لي الشعب 101 مرة
- يجب أن أتفاعل مع المجتمع بصدر رحب 101 مرة
- لست المؤمن الوحيد في العالم 101 مرة
- علاقتي مع الله مكتومة ولا تخص احد وتخصني وحدي 101 مرة

ويستحب حسب الفقة الديمقراطي أن يرددها بصوت مرتفع ومسموع ويستحب اكثر أن يرددها وهو واقف امام المراة ليرى نفسه كم هو انسان عادي وكم هو مثير للشفقة لانه لا يعلم أنه أنسان عادي . وهذه التسبيحة مجربة ومضمونة للشفاء من مرض العنجهية والتكبر والغرور الفارغ الذي يدل على الخواء الفكري .

يقول علي الوردي :

أن جلاوزة العراق ومن لف لفهم من المتزلفين وأنصاف المتعلمين ينظرون الى أبناء الشعب الفقير نظرة ملؤها الاحتقار والاستصغار . ولعلهم لا يشعرون بهذا الأحتقار الذي يكنونه لأبناء الشعب , أذ هو أحتقار كامن في أغوار اللاشعور في أنفسهم , فهم ينساقون به وقد لا يعرفون ماتاه أحيانا . (3)

يبدو أن الحال لم يتغير كثيرا منذ منتصف القرن العشرين حين كان علي الوردي يمسك قلمه ويكتب كلماته عن زماننا هذا ما خلا مفردة جلاوزة فهي نسبية الى حد ما كون الواقع السياسي الحالي نتاج الشعب الى حد كبير .


التماهي مع أسلوب حياة المتسلط

سياسيينا الحاليين كانوا في عهد صدام من المستضعفين في الأرض . وتحدثوا كثيرا عن تعرضهم للظلم والاضطهاد وهم صادقين على الارجح . لكن لماذا يسلك بعضهم في طريقة تفاعله مع المجتمع نفس سلوك المسؤولين السابقين . من الابتعاد عن عامة الناس والتعالي عليهم وحتى حين يمرون بمواكب سياراتهم في الشارع يشعرون العامة من خلال تصرفات حماياتهم بانهم ارفع من أن يمرون بهدوء دون أصابة المارة بالذعر . وكأنهم يقولون ( أشعروا باهميتنا وقوتنا فنحن خاصتكم وأنتم عامتنا )
التماهي مع اسلوب حياة المتسلط وهي أحدى حالات التماهي مع الجلاد و يقوم فيها الشخص المقهور بمحاكاة حياة المتسلط الى حد كبير ومثير للدهشة . ويصنفها علم النفس بأنها من اخطر انواع التماهي مع المتسلط . لأنه يتم بدون عنف ظاهر , بل على العكس , من خلال رغبة الانسان المقهور في الذوبان في عالم المتسلط , بالتقرب من اسلوبه الحياتي (4)

يتحدث علم النفس عن التماهي مع حياة المتسلط اثناء وجوده في السلطة وليس بعد الأطاحة بنظامه. وظاهرة تماهي المقهور الذي وصل الى السلطة مع جلاده السابق قد يعاني منها نسبة كبيرة من سياسيينا الذين أختاروا نمط حياة شخصي يتماهى مع نمط حياة المتسلط الى حد كبير . بعد أن وصلوا الى السلطة وبعد ان سقط نظام الجلاد . وهذه المعظلة تستحق التامل حقا , لانها توحي لنا بان نسبة لا يستهان بها من السياسيين كانوا يعارضون صدام حسين حسدا منهم على نمط الحياة التي كان يعيشها ومقدار القوة التي كان يملكها وليس أحتجاجا على ظلمه وقتله للابرياء دون وجه حق .



البرلماني الغيور

قبل سنوات كنت أشاهد أجتماع لمجلس النواب وكان النقاش فيه يدور حول قانون التقاعد فقام أحد الاعضاء معترضا وقال ما مضمونه :( لا يمكن أن نساوي محامي بدأ العمل مع الدولة وهو بعمر 55 عام بمحامي بدأ العمل مع الدولة وهو بمعر 24 عام فالأول سيحصل على تقاعد بعد سنوات معدودة من الخدمة والثاني سيحصل على التقاعد بعد 30 سنة خدمة وهذا أمر غير عادل ) . يبدو أن الرجل على حق فعلا لا يمكن ان يتساوى من عمل في دوائر الدولة خمس سنوات بمن عمل مع دوائر الدولة لثلاث عقود . يبدو أن عضو مجلس النواب الذي تحدث عن هذه النقطة من النوع الذي لا يستطيع السكوت على عدم الأنصاف .

المضحك أنه نسي أنه سيحصل على راتب تقاعدي بعد أربع سنوات من العمل في مجلس النواب . لماذا لم يتحرك ضميره الحي حين تم مناقشة قانون تقاعد أعضاء مجلس النواب ؟ ولماذا لم يصرخ كما صرخ حين تم مناقشة قانون التقاعد لعامة الموظفين ؟ أتعلمون لماذا ؟

لأنه من هذا النوع من الناس الذين يشعرون أنهم لم يصلوا الى المكان الذي هم فيه ألا لانهم يستحقون ذلك . ويشعرون كذلك أنهم يقومون بخدمة جليلة للمجتمع لا يستطيع أي شخص أن يقدمها فهي خدمة أستثنائية يجب أن يشكرون عليها بشكل أستثنائي فهو يساهم في بناء دولة ديمقراطية وأقل ما يجب أن يقدم له من قبل الدولة هو راتب تقاعدي يبلغ مقداره 80 % من راتبه بعد أربع سنوات فقط لأنه في هذه السنوات الأربع أعطى للبلد كل عصارة جهده ومن حقه أن يتنعم بباقي عمره .

يقول الوردي :

أينما ذهبت رايت من ينصحك على المنوال التالي : النجاح بالمثابرة , كل من سار على الدرب وصل , الجد في الجد والحرمان في الكسل , من طلب جلب ومن جال نال ... الى غير ذلك من أقاويل سلطانية أخترعها لنا المغرورون وأصحاب العبيد . وقد رأينا في العراق في بدء حياته السياسية الجديدة أكواما من هذه الحكم والنصائح الفارغة . وقد امتلأت كتب المدارس ونصائح المعلمين بها الى درجة تسبب الصداع . فأخواننا الذين ساعدهم الوضع الشاذ او الصدفة على نوال المناصب العالية أخذوا ينظرون على من حولهم من البؤساء والمساكين بعين الكبرياء ويتبجحون عليهم بانهم وصلوا الى مناصبهم تلك بسعيهم وأرادتهم . وكثير منهم قد ثاروا في الحرب العالمية الأولى على الدولة العثمانية وأنحازوا الى صفوف أعدائها وكان من حسن حظهم ان تلك الدولة خرجت من الحرب مغلوبة فصعدوا هم من جراء ذلك الى مناصب لم يكونوا يحلمون بها وظلوا في معظم أوقاتهم يتحدثون عن كفاحهم ونظالهم ومساعيهم السالفة ثم يهتفون بمليء أفواههم : هذه هي نتيجة العمل والدأب والمثابرة . فلو أن تلك الحرب كانت قد أنتهت على عكس ما أنتهت عليه فعلا وهذا أمر ليس لهم يد فيه لكان مصيرهم كمصير الخونة أو العصاة المنشقين على الدولة العثمانية (العلية) .(5)

ليس كل من جد وجد وليس كل من زرع حصد . هناك الاف العاطلين عن العمل من حملة الشهادات . وهناك أميين يعملون في مناصب رفيعة جدا . نعم من جد وجد مقولة صحيحة حين يكون الحديث عن النتائج داخل الانسان . فمن يدرس بجد يرجح انه سيحصل على شهادة عليا لكن ليس من المؤكد أنه سيحصل على وظيفة محترمة . من يملك صوت جميل ويبذل قصارى جهده للوصول للاحتراف سيطور نفسه لكن ليس بالضرورة أن يتحول الى نجم .
أن من يصبح عضو مجلس نواب ويطالب بعدم منح تقاعد لفئة ما حرصا منه على مسواتهم مع البقية لكنه لا يمنع نفسه من الحصول على راتب تقاعدي فاخر بعد أربع سنوات فقط , فهو بكل تأكيد يعتقد الى درجة اليقين انه أعلى منزلة من الجميع وما يقوم به عمل مقدس .

دورات الدمج نموذجا

من جد وجد ومن زرع حصد ... دورات الدمج . هي دورات لتخريج الضباط في الجيش والشرطة يقبل فيها طلاب يرشحون من الأحزاب التي كان لديها ميليشيات لمواجهة نظام صدام .(أسلامية وعلمانية) مدة الدورة أربعة اشهر يتخرج منها الطالب حاصلا على رتبة توازي عمره فاذا كان في عمر الثلاثين يحصل على رتبة نقيب أي رتبة توازي رتبة الضابط الذي تدرج في السلك العسكري بنفس العمر . الكثير من هؤلاء الضباط الدمج لم يحصلوا على شهادة دراسية تذكر ومنهم من حصل على شهادة المتوسطة ومنهم من حصل على شهادة الاعدادية وللانصاف بعضهم حاصل على شهادات عليا وبعضهم كانوا ضباط سابقين في الجيش العراقي . في العراق الان وفي هذه اللحظة يوجد الالاف من الحاصلين على شهادة البكلوريوس تطوعوا في الجيش برتبة (جندي مطوع )وفي الشرطة برتبة (شرطي مطوع) . المعظلة تكمن أن بعضهم ياتمرون بامرة ضباط (دمج ) حصلوا على شهادة المتوسطة . تخيل المنظر من حصل على شهادة البكلوريوس يقف يوميا من الصباح الباكر ليأخذ التحية العسكرية لضابط برتبة رائد حاصل على شهادة المتوسطة . من جد وجد ومن زرع حصد . الحاصل على شهادة البكلوريوس يحصل على رتبة شرطي مطوع والحاصل على شهادة المتوسطة يحصل على رتبة رائد . من جد وجد ومن زرع حصد . يا للسعادة والهناء ويا للروعة . حين يبذل الانسان جهد كبير للوصول لهدف ما ليكن مثلا الحصول على شهادة البكلوريوس في مجال ما سيجد معلومات أضافية في دماغه وليس بالضرورة سيجد عمل مرموق في مجال تخصصه فقد يجد هذا العمل شخص أنتهازي من أقارب الوزير مثلا أو من أقارب المسؤول الفلاني ليتبجح عليك يا صاحب الشهادة وصاحب المجهود وسهر الليالي بمقولة من جد وجد ومن زرع حصد .


البرج العاجي

الابراج العاجية ... مفردة تقترن بالأشخاص الذين يملكون صفة العجرفة والتكبر والتعالي مع الناس البسطاء وهم موجودين في كثير من المجالات . مفردة الابراج العاجية هي في الواقع تعبير مجازي وليس حقيقي . لكن أحد السياسيين العراقيين حاول جاهدا أن يحوله الى حقيقة واقعة . في يوم التظاهراة جاء حضرة جناب السياسي ليراقب التظاهرة عن قرب ويستمع لمطالب المتظاهرين فاختار أن يصعد الى أعلى البنايات قربا من التظاهرة .
لم أجد لحد الان تفسير منطقي أو غير منطقي لهذا السلوك . أذا لم يكن يملك الشجاعة لتقبل هتافات المتظاهرين وغضبهم . وأذا لم يكن يامن لردود فعلهم وأذا كان يتوقع منهم أفعال غير حضارية . ما الذي جاء به الى مكان المظاهرة ؟ أليس أمر محير ؟ أما كان أولى به أن يتابع المظارهة من بيته عن طريق التلفاز ؟
تصوروا المنظر أن المتظاهرين يعلمون أن فلان الفلاني في سطح اعلى بناية تطل عليهم ويريد الأطلاع على مطالبهم و التواصل معهم . كم هو أمر مهين ومثير للاشمئزاز . ما الذي دهاك يا رجل ؟ في الواقع لم أجد تفسير منطقي لهذه الحالة الغريبة . ومن المؤسف أن يكون لأصحاب هكذا عقليات دور بارز في كتلة سياسية مهمة لها دور فعال .


راعي أم موظف ؟

قبل سنوات ظهر أحد السياسيين في أحدى القنوات الفضائية وسأله مقدم البرنامج السؤال التالي :( هل يمكننا ان نعتبر رئيس الوزراء في العهد الديمقراطي الجديد مجرد موظف يسير أعمال الشعب ليس أكثر ) فنظر أليه صاحبنا بغضب وأنزعاج وقال ( رئيس الوزراء راعي لمصالح الشعب ...ألخ)

شعرت بأحباط شديد وقتها لأني لم أكن أتوقع ان هناك سياسي بهذه الدرجة من السذاجة السياسية. النابعة من تعالي وتكبر مقصود . ما كنت أتوقعه هو أن يتعامل هذا السياسي بذكاء ويقول بدون تردد ( نعم رئيس الوزراء موظف يمكن أن يغيره الشعب كل أربع سنوات أذا لم يكن بالمستوى المطلوب) ليكسب بذلك القول بعض التعاطف اللحظي . من سخريات القدر أن أنسان يحمل هذه العقلية الساذجة واللئيمة يمارس السياسة وبأعلى المستويات . أن هذا (الأفندي) لديه أنطباع بأن مفردة موظف لو أطلقت على رئيس الوزراء ستحط من مستواه ومن مركزه السياسي .

.بعد ثلاث سنوات شاهدت نفس السياسي في أحدى القنوات وفي الحملة الانتخابية . يخاطب الجماهير بحماسة وصوت عالي قائلا ما مضمونه : ( بأمكانكم الان ان تحاسبونا وتسألونا عن أي شيء ... حتى رئيس الوزراء موظف لدى الشعب زمن القائد الأوحد قد أنتهى ونحن في عهد الديمقراطية والكلمة لكم ) .
بعد ثلاث سنوات فهم هذا السياسي أنه يجب ان يتحدث هكذا حديث ليكسب ود الجماهير . وصل بعد ثلاث سنوات الى قناعة أن هذه الكلمات تدغدغ مشاعر الناس فقالها للضرورة . وقد يصل بعد سنوات طويلة الى نتائج أخرى تجعله يفهم ان (العمل الحقيقي) هو سر البقاء في البلدان التي تملك راي عام قوي . وأن رئيس الوزراء أو اي مسؤول ليس فقط موظف لدى الشعب بل الشعب ولي نعمته .

المشكلة ان مستوى الادراك السياسي لدى المواطن العراقي يتنامى بسرعة أكبر من منه لدى السياسي العراقي . لذلك هناك أسبقية للمواطن لكن مع شديد الاسف أسبقية غير مفعلة لعدم وجود رد فعل يوازي مستوى الادراك . لذلك الأدراك السياسي للمواطن العراقي لم يؤثر بشيء على تحركات السياسي العراقي فهو في الواقع أدراك ليس ذو قيمة لأنه أدراك صامت . ليس فيه رد فعل . الأ انه في الاونة الاخيرة وبعد تظاهرات 25 شباط حدث تغير يدعو الى التفائل في مستقبل الرأي العام العراقي ومدى ديناميكيته مع الواقع السياسي وعمق تأثيره على مستوى وأتجاه المسؤول ذو المنصب الرفيع .




المصادر:
1- علي الوردي – خوارق اللاشعور – 213- 214
2- حسن أبراهيم أحمد – العقل الأيماني - 138
3- علي الوردي – خوارق اللاشعور – 215 – 216
4- مصطفى حجازي - التخلف الاجتماعي- 134
5- علي الوردي – خوارق اللاشعور –109 -110



#حسنين_السراج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللوطي الموجب والحصانة الاجتماعية
- الكلاسيكو السياسي
- قناة العراقية ... أنا ولي نعمتك
- برميل القدر
- الارض أسطوانية أرتفاعها ثلاثة أضعاف عرضها ... فلاسفة الأغريق ...
- جرائم أرتكبتها ... حين كنت حارسا لدين الله
- صولجان الألحاد وسيف الأيمان
- الألحاد من فكرة الى عقيدة ... أسماعيل أدهم
- الإنسان وحده تحدث عن الآلهة ودعا إلى الإيمان بها ... عبد الل ...
- الخمار المؤمن
- لو كان النبي محمد من الصين
- تخيل دولة عربستان لتفهم دولة كردستان
- حقيقة الله


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسنين السراج - التكبر والأستعلاء بين العقل الأيماني والتماهي مع الجلاد