|
من سيحمي المدنيين الليبيين .. من صواريخ توما هوك .. ... ؟؟
علي الأسدي
الحوار المتمدن-العدد: 3345 - 2011 / 4 / 23 - 00:50
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
المظاهرات السلمية التي انطلقت قبل أسابيع في المدن الليبية ، والتي عبر الليبيون فيها عن الرغبة في الاصلاحات الديمقراطية في بلدهم ، قد حظيت بتأييد واسع من محبي الحرية في أرجاء العالم. وكان المؤمل أن تتعامل الحكومة الليبية مع مطالب المتظاهرين بشفافية ، فترسل مسئولين منها إلى قيادات الانتفاضة لتستطلع مطالبهم وشكاواهم ، لكن الحكومة الليبية اختارت المواجهة مع المتظاهرين ، بحجة أن مثيريها يتحركون بايعاز من أطراف خارجية تحاول زعزعة استقرار الدولة الليبية تحت ستار الاحتجاج السلمي المدني. وبصرف النظر عن صحة تلك المخاوف التي ثبتت صحتها بعد أن افتضح الدور الخليجي فيها ، ما كان للسلطة الليبية أن تتخذ موقفا متشنجا من المحتجين ، عبر عنه خطاب القذافي الأب وابنه سيف الاسلام. فهذا الخطاب قد جوبه بردود فعل غاضبة من جانب المتظاهرين المحبطين ،عبروا عنه بأعمال عنف ضد مؤسسات الدولة الأمنية والمدنية ، تطورت إلى هجوم على مخازن السلاح ونهب ما فيها من عتاد ، استخدم لاحقا ضد رموز السلطة وأنصار القذافي في أجواء من الفوضى وعدم الشعور بالمسئولية الوطنية .
موقف القيادة الليبية غير المدروس من المظاهرات الشعبية ، قدم خدمة مجانية للدوائر الاستعمارية التي استثمرت الاحتجاجات ، لدفع الوضع السياسي الى مزيد من التأزم والفوضى. وبدون أي تردد أيدت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وايطاليا المحتجين ، وأعلنوا أن القذافي فقد الشرعية وعليه أن يرحل. فرنسا التي لم تنتظر طويلا، اعترفت بتجمع المعارضة كممثل للشعب الليبي في خطوة حمقاء خالفت فيها مبادئ الشرعية الدولية التي تقضي باحترام السيادة الوطنية للدول ، كما قامت في الوقت نفسه هي وبريطانيا بالسعي لفرض الحظر الجوي على الطيران الليبي ، لمنع السلطات الليبية من استخدامه ضد المحتجين. وبدعم من بلدان عربية عميلة للولايات المتحدة تمكنت الدول الغربية من اصدار قرار من مجلس الأمن ، يجيز اقامة منطقة الحظر الجوي. حتى تلك اللحظة بدا الأمر وكأنه استجابة الغرب الانسانية لتطلعات الشعب الليبي نحو الديمقراطية ، ولم نكتشف نحن الذين أيدنا تطلعات الليبيين للديمقراطية السم الذي دس لنا في العسل عبر اعلامه الموجه الذي نفذته بمهنية عالية قناتا الجزيرة القطرية والعربية السعودية. فقد انحزنا منذ البداية دون وعي سياسي نحو قرار الحظر الجوي ، تحت تأثير مشاعر التضامن مع المطالبين بالديمقراطية ، بينما الواقع هو مكيدة كبيرة ، كان يكفي لاكتشافها التمعن بالحماس الذي مارسته القناتان المشبوهتان. فحماية المدنيين لم تكن الاغطاء زائفا لعملية استعمارية تم التحضير لها بعناية مسبقا ، بالتنسيق مع رئيس الجامعة العربية ، ودولا عربية عميلة للولايات المتحدة هي قطر والامارات والسعودية،وهي الأكثر رجعية ومعاداة للديمقراطية في العالم المعاصر.
وبذلك نكون قد خدمنا دون وعي وادراك للمصالح الاستعمارية لشركات الاحتكار النفطي وشركات السلاح والمضاربين الماليين الدوليين مصاصي دماء الشعوب. فهناك خطة لتقاسم المصالح النفطية والغازية الليبية المكتشفة حديثا من قبل شركات غربية تنقب في الصحراء الليبية ومياهها الاقليمية. الحكومة الليبية الحالية رفضت عقود المشاركة في الانتاج التي تقترحها الشركات الأجنبية ، وتفضل بدلا عنها خدمات مقابل أجور ، بينما تقوم الشركات الوطنية الليبية بالسيطرة على كل عمليات الاستثمار والانتاج والتسويق. لقد رفضت الشركات الغربية العرض الليبي لأنه يحرمها من موارد كانت ستحصل عليها وفق عقود تقاسم الانتاج التي تقوم بها في دول أخرى. ويبدو أن المعارضة الليبية قد وافقت بدون شروط على نظام المشاركة في الانتاج وفق شروط الشركات النفطية الغربية ، وهي اكسون موبيل وأوكستندال الأمريكيتان ، وبي بي وشل البريطانيتان ، وايني الايطالية وتوتال الفرنسية.
ولا يجب الاستغراب من العجالة التي اندفعت بها الدول الغربية لمساندة المعارضة في حربها ضد النظام الليبي ، مع علم دول التحالف الغربي جميعها ، أن كل دول القارة الأفريقية تخضع لحكومات ديكتاتورية فردية ، وتطمح إلى من يساعدها لتطبيق النظام الديمقراطي واحترام مبادئ حقوق الانسان في بلدانها ، لكن الدول الغربية معنية بالنفط قبل أي شيئ آخر. ولهذا السبب حولت الدول الغربية القرارالدولي رقم 1973 من قرار لمراقبة الطيران الليبي إلى اجازة غير مشروطة لتنفيذ عمليات الحرب الشاملة ، يقوم بها حلفها الأطلسي على الأراضي الليبية ، لتحويلها الى قاعدة متقدمة لها في القارة الأفريقية قريبا من البلدان النفطية فيها. انها جزءا من استراتيجية الاستعمار الجديد لاعادة الهيمنة على مقدرات العالم الاقتصادية ، والتحكم بمصائر شعوبها ، لتبقيها معتمدة اعتمادا شبه كلي على مساعدات الدول الغربية. ان ما يجري الآن في ليبيا هو حربا ماحقة لمعاقبة النظام الليبي ، ولتدمير القدرات والمكاسب الاقتصادية التي حققها الشعب الليبي منذ استقلاله. ويبدو ذلك واضحا جليا في ما تقوم به طائرات الحلف الأطلسي ، فهي منذ عدة أسابيع ودون توقف ، تقوم بقصف الصناعات المدنية ، ومشاريع البنية التحتية من موانئ بحرية مدنية وعسكرية ، وكافة المواقع العسكرية حتى التي لا صلة لها بالطيران الحربي الليبي ، كالمستشفيات والكليات العسكرية ومراكز التدريب ، ومراكز ومنشآت الاتصالات ، وطرق ووسائل المواصلات ، وتدمير الطرق البرية الاستراتيجية الواصلة بين مدن الغرب الليبي وشرقها. لا يحتاج المرء هنا الى عقل كعقل انشتاين ليدرك ان الغرض من تلك العمليات هو تقطيع أوصال ليبيا بين شرق وغرب وجنوب ، تمهيدا لتقسيمها الى دويلات قبلية ، تتقاتل فيما بينها حول المياه والنفط والغاز والأراضي والحدود. وقد أرسلت فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة أسلحة مختلفة بما فيها الثقيلة ، وفرقا من الكوماندوس ذات الخبرة بحرب العصابات والتخريب ، لتعزيز قدرات المعارضة على فرض سلطاتها في الأراضي التي تهيمن عليها ، تمهيدا لاعلانها دولة أو دويلات مستقلة ، بحجة حماية المدنيين من قوات القذافي.
يحاول الاعلام الغربي الموجه اقناعنا بتلك الحجة ، فكيف لعاقل أن يصدق بأن صواريخ توماهوك التي تطلق من على بعد عشرات الكيلومترات لها القدرة على التمييز بين جنود كتائب القذافي ومجاهدي المعارضة الديمقراطيين جدا و المدنيين؟ لو كان للدول الغربية نوايا حسنة حقا لأرسلوا الأمين العام للأمم المتحدة لتسهيل عملية بناء الجسور بين الحكومة والمعارضة بحثا عن حلول سلمية للأزمة بينهما ، لم يحدث شيئا مثل هذا ، ولا نية أيضا لهم للقيام بذلك. انهم لا يرغبون باقامة انظمة ديمقراطية حقيقية ، فالأنظمة الديمقراطية الحقيقية ستخدم مجتمعاتها بالتأكيد ، لكن ما يرغبون به هو أنظمة تابعة لها ، حتى لو كانت تحكم بأنظمة القرون الوسطى أو ماقبلها. والا ما معنى أن تحمي جيوش الولايات المتحدة أنظمة كالسعودية والبحرين في حين يحرم مواطنوها من حق التعبير وتأسيس الأحزاب والصحافة الحرة ، أما المرأة فلا تتمتع بأي حقوق مدنية على الاطلاق ، فهل في حضارات شعوب العالم كلها شيئا شبيها بهذا التخلف ؟
لقد خطط لليبيا على ما يبدو أن تنهج نهج العراق المضطرب الذي لم يستعد بعض حيوته رغم مرور ثماني سنوات على دخوله " العهد الديمقراطي " ، وسيكتب لها مثل ما خطط لنا ، صراعا دمويا حول السلطة والموارد والنفوذ ، وربما من أجل نظام للخلافة الاسلامي وفق " الدين الوهابي " االذي أثبتت تجربته في دول الخليج الديمقراطي ، أنه الأكثر انسجاما مع السياسة الأمريكية في المنطقة ، والأكثر استقرارا وطاعة للأمريكيين من بين كل الأنظمة المتخلفة في العالم. لقد خدعنا .. وسرنا كالصم والبكم بايحاء الاعلام الموجه أطلسيا ورحنا نردد كالببغاوات ، ما رددته الجماهير في الساحات المصرية والسورية والتونسية والعراقية واليمنية والبحرينية ، نريد اسقاط النظام ، وقد ثبت بالدليل أن النظام لا يسقط إلا اذا أرادت له الولايات المتحدة ذلك. فمظاهرات السعوديين والسعوديات والبحرينيين والبحرينيات تم تجاهلها تماما من قبل الأمريكيين بجمهورييهم وديمقراطييهم ، وتم قمعها في المهد أمام صمت لندن وواشنطن وباريس والمنظمات الدولية لحقوق الانسان. القوى السياسية الليبية التي وضعت مصيرها في أيدي الغرب ستنال السلطة ، لكنها لن تكون أكثر من خادم مطيع وذليل للامبريالية العالمية. علي ألأسدي
#علي_الأسدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قطر وحلف الناتو.... لا يصدران الديمقراطية الى ليبيا...؛؛؛
-
هل تتجه ليبيا القذافي ... نحو التقسيم..؟؟
-
ليبيا ... في الذكرى الثامنة لغزو العراق..
-
هل أعطت واشنطن الضوء الأخضر للقذافي .. لإبادة شعبه.. ؟؟
-
الوجه الآخر ... الحقيقي لرئيس وزراء العراق...؛؛
-
أيها الليبيون .. اسألوا العراقيين عن الإحسان الأمريكي.. .؛؛
-
المرجعيات الدينية العراقية .. خيبت آمال الشعب..؛
-
ما وراء صمت أوباما ... عن حمامات الدم في ليبيا ….؟؟
-
قلوب العراقيين معكم ... أيها الليبيون الأبطال ..
-
هل تنحني حكومة بغداد ...لثورة العبيد... ؟
-
العراقيون .... لو ثاروا....؟؟
-
العراق .. بعد تونس ومصر ... يرفع من الديوانية راية ثورته..
-
العراق على طريق الديكتاتورية من جديد.. ..؛
-
ثورة التونسيين ... لا تدق ناقوس الخطر في العراق…… ؛؛
-
ملاحظات حول مقال - لينين صانع رأسمالية الدولة الاحتكارية - .
...
-
ملاحظات حول مقال - لينين صانع رأسمالية الدولة الاحتكارية -..
...
-
الحرب الباردة ... وانهيار التجربة الاشتراكية ... ( السادس وا
...
-
الحرب الباردة ... ونهاية التجربة الاشتراكية ...(الجزء الخامس
...
-
الحرب الباردة … ونهاية التجربة الاشتراكية … ( 4)…
-
الحرب الباردة ... ونهاية التجربة الاشتراكية ... ( الجزء الثا
...
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|