أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - رامبو الأفضل














المزيد.....


رامبو الأفضل


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 998 - 2004 / 10 / 26 - 08:46
المحور: الادب والفن
    


الشاعر الفرنسي أرتور رامبو (1854 ـ 1891) شخصية أدبية أسطورية، وتفاصيل حياته تملك كلّ المقوّمات الكفيلة بصناعة الأسطورة. فقبل أن يبلغ سنّ العشرين أقلع عن كتابة الشعر، وكان وقتها قد بلغ مستوى رفيعاً من النضج الأدبي والأسلوبي، ومن السيطرة غير المألوفة ــ في تلك السنّ ــ على الفرنسية واللاتينية. بعد بضع سنوات من التسكع في أوروبا قرّر مغادرة هذا القارّة العجوز، والذهاب إلى الحبشة، وطرق الدروب الغامضة في الأصقاع المجهولة. حياته القصيرة انتهت بسرطان العظام، ولكنه كان لتوّه قد أصبح، وهكذا سيبقى حتى أمد غير منظور: شاعر التمرّد والقلق والتجديد، وشاعر ارتياد المجهول، و"الرائي" مشّاء الدروب الوعرة، و"العابر الهائل" على حدّ تعبير مالارميه.
وفي الذكرى الـ 150 لولادته، أجدني من جديد أمام واجب ــ وبالطبع، بهجة ــ تقريظ أفضل ترجمات أشعاره إلى العربية، وأعني "آرتور رامبو: الآثار الشعرية"، التي ترجمها عن الفرنسية وهيّأ حواشيها الصديق الشاعر العراقي كاظم جهاد، وصدرت سنة 1996 بالتعاون بين اليونسكو ودار المتنبي، في 472 صفحة. غنيّ عن القول، بادىء ذي بدء، أنّ هذه ترجمة لكامل الآثار الشعرية المعروفة، ولكنها ليست الأعمال الكاملة لأننا ببساطة لا نملك أكثر من ثلثي الكتابات التي تُنسب إلى الشاعر. غنيّ عن القول، كذلك، أنّ هذه ليست أولى الترجمات، وفي مقدمته يسجّل جهاد تحية للسابقين (صدقي إسماعيل، رمسيس يونان، خليل خوري، محسن بن حميدة)، دون أن يغفل نقده لهذه أو تلك من المثالب الكبيرة أو الصغيرة في ترجماتهم.
وثمة أسباب شتى لتقريظ ترجمة جهاد، ولن يكون تعدادها أكثر من تحصيل حاصل في تحيّة جهد استثنائي يبدأ من مشاقّ ترجمة شاعر شاقّ وغير مألوف، ولا ينتهي عند سخاء المترجم في تذييل القصائد بالحواشي والإشارات والتوضيحات والتعريفات. وهذه في واقع الحال لا تبدو ضرورية للإحاطة بالقصائد فحسب، بل هي جزء لا يتجزأ من الزاد اللازم لمرافقة رامبو في ترحاله واختراقاته وإشراقاته ومواسمه في جحيم الروح والجسد. وهي كذلك جزء لا يتجزأ من معرفة العتاد اللغوي المعقد الذي سخّره الشاعر على ذلك النحو الفريد الخاصّ الذي جعل تراثه الشعري يحظى بما يحظى به من مكانة.
وفي مقدّمته يوضح جهاد أنه حاول، "بقدر المستطاع" كما يقول، أن يعيد إلى رامبو في العربية "تعقيده الثريّ ومتانة خطابه". وتركز اهتمامه على أربعة أبعاد أو محاور:
1 ـ الاهتمام بالأواليات اللفظية والبنائية من "متوازيات نحوية وتصاديات داخلية"، وردّ الكلمات بعضها على البعض، و"محاكاة بعض التقفية الداخلية من دون حذلقة ولا قسر".
2 ـ الإنتباه إلى طبيعة النبر، وشحنة الصراخ أو الهمس، السخرية أو الرثاء، التعاطف أو الهجاء. ذلك لأنّ جهاد يرى أن شعرية" موسم في الجحيم"، على سبيل المثال، قريبة إلى "مزمور غير ديني يهمس به لنفسه كائن يضادّ قداسة الأناجيل بأناجيل شخصية دِناسية أو إناسية"، الأمر الذي يسمّيه الشاعر الفرنسي ميشيل دغي "الكلام دنيوياً بوسائل مستعارة من خطاب الوحي ومردودة عليه".
3 ـ مراعاة الطبيعة التشكيلية للأعمال، فشعرية "الإشراقات" عمل رائد في الكولاج الشعري، ينضد فيه رامبو الرؤى والمشاهدات، الأحلام والخيالات، الذكريات والمعاينات، الهواجس والعواطف والأفكار . وفي رأي جهاد أن المترجم يفسد هذه الشعرية عندما يبحث لعناصرها عن "ضوابط أو إمكانات ربط من نمط بسيكولوجي أو علّي، منطلقاً من عقلانية شعرية هي أول ما استهدفه رامبو إذ نصب آلة حربه الشعرية الباذخة".
4 ـ مجاراة سرعات رامبو المتعددة، من "البطء شبه التخشبي إلى الإنفلات الصاعق"، ومن الجملة الطويلة شبه غير المتناهية إلى بيت الكلمة الواحدة. وقدّر المترجم ضرورة الوعي لهذا والوفاء به، مع كل ما يقتضيه ذلك من إبطاء للإيقاع أو اختزال له، تفكيكه أو إدغامه.
ولعلّ هذا المقطع من قصيدة "المركب السكران" يصوّر بعض الجهد الكبير الذي بذله جهاد في التقاط مهارات رامبو، وجلاء أسرار أبجديته الشعرية والتصويرية: "حلمتُ بالليل الأخضر ذي الثلج المبهور/ قبلةً تَصّاعدّ بطيئاً في أعين البحار/ جريانَ الأنساغ العجيبة/ واليقظةَ صفراء زرقاءَ للفسفورات المغنّية... مجالِدُ، شموسٌ فظّةٌ، أمواجُ صدَفٍ، سمواتُ جمرٍ/ جنوحاتٌ بائسة وسط خلجانٍ سُمْرٍ/ حيث يلتهم البعوضُ أفاعيَ عملاقة/ تسقط من الأشجار الملوّنة، مع عطور سوداء"!
ولأنّ ترجمة آثار رامبو الشعرية كانت على الدوام حدثاً استثنائياً في حياة الثقافات والأمم، فإنّ من المشروع أنّ نحتفي مجدداً بالجهد المتميز النوعي الذي بذله كاظم جهاد في هذه الترجمة، وأن ننتظر منها المزيد من التأثير في الذائقة القرائية العربية إجمالاً، وفي الذائقة الشعرية بصفة خاصة.



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المؤسسة الصهيونية: فحشاء القوّة في الطور البربري
- رحيل الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا (1930 ـ 2004): مَن بعده سيتو ...
- جدران محاكم التفتيش
- في أيّ سوق نصرف وعيد إياد علاوي ودموع برهم صالح؟
- دريدا والزرقاوي
- التعديل الوزاري في سورية: مَن سيرمي رامي مخلوف بباقة زهور؟
- أشواق المستهام
- توني بلير الأحدث: صوت سيّده أكثر فأكثر
- ما الذي يمنع سيّد العالم من اعتلاء العالم
- طبيب -طاسة الرعبة-
- واشنطن ودمشق: الضجيج الذي قد ينذر بالعاصفة
- العمل الفني الأعظم
- -الخطر الأخضر- الذي عوّض الغرب عن -الخطر الأحمر-
- طرزانات أمريكا
- من دمشق إلى بيروت: تمديد الرئاسة أم تقزيم الوجود السوري؟
- طبقات الشعراء
- بيريس وحزب العمل : زالت المصطلحات وبقيت الانتهازية العتيقة
- حكمة الوقواق
- بعد نصف قرن على المصطلح: ما الذي يتبقى من كتلة عدم الإنحياز؟
- نوستالجيا الأبيض والأسود


المزيد.....




- وصف مصر: كنز نابليون العلمي الذي كشف أسرار الفراعنة
- سوريا.. انتفاضة طلابية و-جلسة سرية- في المعهد العالي للفنون ...
- العراق.. نقابة الفنانين تتخذ عدة إجراءات ضد فنانة شهيرة بينه ...
- إعلان القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية 2025 ...
- بينالي الفنون الإسلامية : مخطوطات نادرة في منتدى المدار
- ذكريات عمّان على الجدران.. أكثر من ألف -آرمة- تؤرخ نشأة مجتم ...
- سباق سيارات بين صخور العلا بالسعودية؟ فنانة تتخيل كيف سيبدو ...
- معرض 1-54 في مراكش: منصة عالمية للفنانين الأفارقة
- الكويتية نجمة إدريس تفوز بجائزة الملتقى للقصة القصيرة العربي ...
- -نيويورك تايمز-: تغير موقف الولايات المتحدة تجاه أوروبا يشبه ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - رامبو الأفضل