|
سوريانا -مغالطات منطقيّة-
لمى محمد
كاتبة، طبيبة نفسية أخصائية طب نفسي جسدي-طب نفسي تجميلي، ناشطة حقوق إنسان
(Lama Muhammad)
الحوار المتمدن-العدد: 3340 - 2011 / 4 / 18 - 14:45
المحور:
الادب والفن
-اضرب بعض الرأي ببعض يتولد منه الصواب.- "علي بن أبي طالب"
بينما أنا أقلّب أوراق ذلك الكتاب، وصل إلى مسمعي صوت غاضب يتحدث السوريّة، كانت لهجته و غضبه يحملان من الإيحاء ما يكفي ليدللّ على موضوع النقاش الدائر. ربما كنت قد عقدت العزم على استراق السمع عندما حملت كتابي قاصدة الطاولة المجاورة لصاحب الصوت الذي توسط جلسة مؤلفة من رجلين و امرأة.
لم أعرف أني قد هربت من حزني و جلوسي المطوّل أمام العالم الافتراضي (الفيسبوكي)، لأصبح على موعد جديد مع وطني في قلب المقهى الملحق بأحد محلات بيع الكتب في أمريكا.
جلست بجاسوسيتيّ حسنة النيّة على وقع رائحة القهوة - التي تحمل أمي إلى الذاكرة فتنعشها - استحضر بأصوات السوريين عالمي الافتراضيّ من جديد، ليحلّ وطني صاحباً للمكان و لأي مكان يحملني بأخطائي، و بشريتي. **********
- ست "هدى" كيف تريديني أن أقتنع بأنّ الإصلاحات في الطريق و أننا سنمسي بلداً ديمقراطياً بين قوسين من دماء لم تجف، و ظلم لم يبرأ، فلتنظري إليّ أنا أمامك مبعد و منبوذ من قبل وطني لا لبندقية حملتها في وجه أحد، و لا لجرم اقترفته، بل لرأي نطقت به، أين أنا من ثورة الإصلاح؟!
- أنا لم أطلب منك أن تقتنع، كل ما قلته أن الأمر يحتاج تهدئة، كثيرون دخلوا على الخط و المؤامرة أصبحت موجودة شئت أم أبيت، من يحب سوريا اليوم يحمل في قلبه مكاناً لصفحة جديدة، و أمل جديد.
- (ع الوعد يا كمون).. لا تصدقي كل ما تسمعيه، ما نراه من مشاهد على الانترنت يكفي لنعرف أية وعود تنتظرنا، و لا تقولي لي أنّها مزوّرة لأنني لا أصدق ترهات الإعلام الرسمي الذي كان مثاراً للسخرية منذ الأزل.
- لا ليس الإعلام الرسمي، انظر إلى سوريا قبل الاحتجاجات.. بلد مستقر و آمن و قابل للتطور، و أقرب ما يكون للعلمانية، يوجد فساد أُقر به، و إذا ما قمنا بمعالجته ستمسي البلد جنّة
صوت ثالث: - يا جماعة طولوا بالكم، نحنا جايين نغيّر جو( مو) نتخانق.. طولي بالك يا "هدى"
- هذه تربيتنا، إذا لم توافقني في الرأي فأنت عدوي.. عادي هذه تربيّة بعثيّة.
- مانك ملاحظ يا "جهاد" إنك زودتها، ماذا تريد الآن ..تشعل البلد و تغرق في بحر دم ؟ هيك ترتاح و أنت قاعد تشرب القهوة في (ستار بكس).. نرجع إلى بلدنا لنسأل: من بقي على قيد الحياة؟!
- إذاً أنت توافقينني بأنّ الخوف من ليبيا أخرى هو ما يسكت السوريين!
و قبل أن ترد " هدى" قال صاحب الصوت الثالث:
-لا اسمح لي "جهاد".. سوريا ليست ليبيا و لا مجال للمقارنة، و مع أنني لست مع النظام، لكنني لست ضده، لأسباب كثيرة منها أنني لست متفائلاً بالوعي الشعبي، و لا بانحسار البعد الطائفي للاحتجاجات، وعلى الرغم من لادينيتي فأنا أنتمي لأقليّة طائفية سوريّة، و أؤمن بأنّ الطائفية غول سيفترس الجميع، و بأنّ التعصب الطائفي و الديني عندما يدخل من الباب تخرج الحرية من الشباك.. هذا و أن أقليتي ليست هي الحاكمة، فما بالك لو كنت من الأقليّة الحاكمة ماذا ستعتقد أنني سأقول، و خاصة بعد ما قرضه "القرضاوي"؟!
- هكذا ننصب الفزاعات الوهميّة لنبرر جبننا و تخاذلنا.. و كأنك استطعت الزواج بمن تحب في سوريا.. أحب أن أذكرك بأن (البعبع) الديني موجود منذ هربت أنت و حبيبتك لتعقدا عقداً مدنيّاً في "قبرص" ، ثم تهربا إلى هنا لتعيشا كزوجين، هذا بدون فتح سيرة الوضع الاقتصادي الذي رمى بكما في آخر الأرض..
و قاطعه صوت "هدى": - أنت لا تريد أن تقتنع بأن أغلبية الشعب مع النظام، أنت حر، و لكن قل لي هل وجدت الحريّة في أمريكا؟ هل تعلم أننا أخذنا ترخيصاً قبل خروجنا في مظاهرة تأييد للنظام السوري، (مو كل ما طلع ع بال حدا بينط و بيعمل مظاهرة)، ماذا تتوقع ستفعل بنا الشرطة الأمريكية إن كسرنا أو أحرقنا.. أو هتفنا هتافات طائفيّة، و لا تقل لي هذا لم يحدث، و إلا لن نصل إلى نتيجة في نقاشنا هذا.
- أغلبية ؟! هل تمزحين؟!
رنّ صوت الهاتف المحمول، و سمعت الصوت الثالث يقول:
- مسافة الطريق و بكون عندك.
لم أنتظر حتى تفترق الأصوات، فما نابني من كم المغالطات المنطقيّة يكفيني لأعود إلى منزلي و إلى عالمي الافتراضي (الفيسبوكي) الذي وعلى ما يبدو لن يفارق أيّاً من لحظاتي.
في طريق عودتي و لأكن صادقة..أحسست بالغربة.. لم أتوقع يوماً أنني سأحس بالغربة كما الآن، و لم أعرف أن تفاصيلاً صغيرة عشتها في وطن صغير ستحتلّ سماء الولايات المتحدة كلّها، بينما أحاول جمع تفاصيل جديدة كبيرة، علّني لا أنقص من اللوحة شيئاً. مغالطات و مغالطات و المنطق موجود ليقنع كلاً بما يريد أن يسمعه. **********
أغلقت النوافذ بإحكام، شعور مخيف هذا الذي انتابني لا يفسره قلبي الباكي على الدماء السوريّة التي سالت، و لا قلة حيلتي و خوفي على وطني.. شعوري كان غريباً جداً جعل مني إنسانة خفيفة تطير في بيتها، و تخاف إن هي لمست الأرض من وابل الرصاص.
جلست بصحبة جهاز الكمبيوتر خاصتي.. رسائل كثيرة ملأت بريدي الإلكتروني، جاءت تخبرني عن أراء مختلفة، و رؤى متغايرة.. رسائل لم أر عنواناً يجمع بينها أفضل من "المغالطات المنطقيّة". و هو عنوان احدى الرسائل المميزة كُتب فيها:
(سلام سيدتي: بعد أن قرأت "مطر صيفي" أرغب في أن أخبرك عمّا يحدث في "سوريا"، عساني أفيدك في القصة القادمة:
ما يحدث في سوريا اليوم هو حلقة مفرغة من المغالطات المنطقية. المغالطة المنطقيّة تعريفاً هي: "رأي أو فكرة تبدو صحيحة و سليمة، لكنّها تتلاشى أمام التحليل العقلي". و بعد تحليلي و جدت أن أكثر المغالطات المستخدمة هي :
مغالطة التعميم المتسرع: و تستعمل من قبل جميع الأطراف، الموالي يقول كل المعارضة خونة، و المعارض يقول كل الموالين خونة، و الفقراء متلي بالنص يخافون التخوين أيّاً كان ما ينطقون به.
مغالطة إزاحة قائمتي المرمى حتى لا تدخل الكرة: هون يا دكتورة، شو ما قلت في مين يطلعلك بفن جديد، فلا تحاولي.. الأراء هون متل البوشار، شي عم يفرقع بالهوا شي ملزق بالطنجرة .
مغالطة اللعب على المشاعر: يا حرام الشوم شو ساووا المتظاهرين بالبلد، و بيحطولك غنية وطنيّة مع صور وطنك. يا عيب الشوم شو عملوا بالمتظاهرين المساكين و غنية وطنيّة. و محسوبك دكتورة عاطفي و درويش ببكي هون شوي و هون شوي. و ما بقى بعرف شو عم يصير.
مغالطة التهجم على شخص مخالفك و ليس على فكرته: انفتحت ملفات كتير عالم معارضين و موالين و الشاطر بدو يضرب بالتاني، برأيك أنت: هل يُعقل هذا؟!
مغالطة الرجل القش: هي ما رح احكي عنها شي لأني بستخدمها
الوضع يا سيدتي لا يحتمل المزيد من المغالطات، و لا يحتاج انقساماً أكثر من الذي حصل على الفيسبوك خاصتي بين الموالين و المعارضين، و لا شرخاً طائفيّاً أكبر بين السنة و العلويين، حتى اليوم خسر السوريون دماء غالية، و اكتشفوا أن مرآة الرأي إذا ما تهشمت مجدداً ستصيب الجميع بشظاياها. عاشت سوريا .) **********
أنهيت رسالة الأخ السوري، أغلقت جهاز (الكمبيوتر)، و جلست مع الذاكرة.
تذكرت أنني مررت بلحظات غربة في وطني، تذكرت كيف كانت تضمحل عندما أفتح باب بيتي القديم لتطلّ منه" شام".
و " شام" طفلة في الخامسة تستقبلك دوماً بضحكة بريئة تُضيّق عينيها البنيتين الواسعتين، لتظهر غمازتين دقيقتين على الوجه الملائكي الأبيض، و قبل أن تنط خصلات شعرها الدائرية السوداء، تكون الشمس قد أدفأت قلبي الوحيد الحزين. -"ماما" (ثو ذبتيلي)
"شام" التي تركتها هناك مع جدتها، أراها الآن تعبر المحيطات لتمسي في لحظة واحدة بين ذراعيّ و في قلبي.
يتبع...
#لمى_محمد (هاشتاغ)
Lama_Muhammad#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سوريانا-مطر صيفي-
-
بالماء يا وطني
-
على قيد الأمل...
-
كالفرق بين غادة عبد الرازق و نوال السعداوي
-
ثورة خالد سعيد
-
ب (تونس) بيك
-
فضائيّة تحت (الطاقيّة)
-
عن ماذا سأحدثك يا صغيرة؟!
-
بين الإلحاد و (الكونغرس)
-
ملوك اليمين
-
كارما الكراهية
-
أسرار جنسيّة: طفولة مسروقة
-
يا عرب السك..ك، تعرّوا
-
إني لأرى -ذيولا- قد أينعت ..
-
مشجع ألماني عميل
-
إرضاع الصراصير، ثم إرضاع الكبير
-
ناقصات عقل
-
لا أحد كامل إلا..الضفدع كامل
-
لماذا يتزوج الرجال من (عاهرات) ؟!
-
سرطان تعسفي
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|