|
الشخصيَّات المعتوهة، والمجنونة، والمضطربة نفسيًّا في رواية-وراء الفردوس-
رفيقة عثمان
الحوار المتمدن-العدد: 3336 - 2011 / 4 / 14 - 20:17
المحور:
الادب والفن
تقديم: رفيقة عثمان الشخصيَّات المعتوهة، والمجنونة، والمضطربة نفسيًّا في القصص قراءة في رواية وراء الفردوس: منصورة عزالدين، 2009 اخترت أن أسلِّط الضوء على شخصيَّة المعتوهة، أو الهبلة في رواية وراء الفردوس. برع الأدباء والكتاب، والشعراء الغربيون، ومن ثمَّ العرب، في اختيار شخصيَّة بهلوانيَّة، أو شخصيَّة تتَّصف بالجنون، أو الأمراض النفسيَّة، وهنالك أمثلة عديدة لروايات، وقصص، وشعر، لعدد كبير من الكتَّاب، والروائيين، والشعراء المُبدِعين. أمثال: دوستيويفسكي في رواية الأبله، التي تناول فيها شخصيَّة الأبله – الأمير مشكين- حيث أراد من خلالها أن يدخل إلى أعماق المجتمع الروسي بكل تفاصيله، وخفاياه، وكذلك رواية الجريمة، والعقاب، والكاتب موباسان في قصَّة "الهورلا"، حيث عبَّر الكاتب عن حالة الريبة، والهذيان التي يعيشها المريض العقلي، وفي قصَّة قصيرة أخرى "الشعَر" سارد القصَّة، المجنون والطبيب نجح الكاتب موبسان بالتعبير عن حالات الجنون بشفافية بلا تدخُّل في التحليل النفسي. نجد في الأدب العربي، قصصًا، وروايات متعدِّدة، مثل: رواية "عرس الزين"، للكاتب الطيِّب الصالح، وكذلك للأديب نجيب محفوظ، في "حديث المساء والصباح"، حيث عبَّر فيها عن الانفعالات والمواقف اللا واعية، والاضطرابات النفسيَّة، من خلال شخصيَّة قاسم أحد أبطاله، وفي شخصيَّة الشحاذ، المجنون، وغيرهما من الأدباء المُبدعين. استخدام الشخصيات غير السوية يعكس أحيانًا حياة الأدباء الخاصَّة، المضطربة، والاجتماعيَّة السيِّئة، جنس الأدب، واختيار شخوص القصَّة أو الروايَة، للتعبير الحر عن الحالة النفسيَّة للراوي، أو التعبير عن أوضاع المجتمع السّيِئة في حقبة زمنيَّة معيَّنة، فيعكس الكاتب هذه الأوضاع، بواسطة تحريك شخصيَّة الأبله، أو المضطرب نفسيًّا، كما تجلَّى لنا من خلال رواية "مارغوريت دورا"، التي بُليت بوفاة ابنها بعد ولادتها، مما أثَّر على نفسيَّتها، وكتبت رواية "السفهاء" وكان أدبها منتميًا للحياة التقليديَّة، عام 1943، وروايتها "حياة ماديَّة" (1987)، حيث تطرَّقت إلى حالة الإدمان على الكحول، أحبت هذه الكاتبة، شخصيَّاتها الفاشلة، والتعيسة، كما عبَّرت عن ذلك " لا أحب سوى الشخصيَّات الهشَّ، هم وحدهم أحياء في الحقيقة". (أبو زيد منيرة، أدب الأمراض النفسيَّة، والعقليَّة).ِ اختارت الروائية منصورة، إحدى بطلات قصَّتها الفتاة المجنونة، وأسمتها بدر الهبلة، التي احتلت أكثر من ثلاث صفحات من الرواية، وأنهت سطور الرواية الأخيرة حولها ص70، "لم يبقَ منها غير ملابسها القديمة في دولاب أمها، وورقة منسوخة تحمل "فوتوكوبي" الاسم: بدر ابراهيم السيد. السن: 39 عاما، الحالة: متخلفة عقليًّا". كانت بدر الهبلة شخصيَّة محوريَّة، عبَّرت الراوية من خلالها، عن القيود الاجتماعيَّة الصعبة التي أحاطتها في المجتمع الريفي التقليدي، الذي ينبذ كل ما هو غير مألوف عن التقاليد، والعادات الاجتماعيَّة المُتوارثَة، وخاصَّة المرأة الريفيَّة، التي تبحث عن ذاتها، وتسعى بحثًا عن الحريّة المفقودة، وكسر معايير التقاليد الاجتماعيَّة التي تفرضها السلطة الأبويَّة، الرجعيَّة، كما تجلَّى ذلك في الرواية. "كانت بدر الهبلة قد هربت من الرقابة اللصيقة لوالدها، ونزلت للاستحمام في النيل". صفحة 66، "أدركوا أن من أثارت خوفهم هي بدر الهبلة، وليست إحدى الجنيَّات التي يتخيلونهن دومًا" صفحة 67. لقد حذت الراوية منصورة حذو الكاتبة الأمريكيَّة "سيلفيا بلاث" في رواية "الناقوس الزجاجي"، حيث اختارت بطلتها إستر التي وجدت رغبة في نفسها التمرُّد ضد الدور النسوي، والنظر لجسد المرأة بأنه مهان، فتواجدت استر نفسها محاطة دائما بناقوس زجاجي، يفصلها عمن حولها، ويسبب لها الضعف، والمعاناة، وصوَّرت الكاتبة الصراع الذي عايشته النساء في المجتمع الأمريكي في سنوات الخمسينات والستينات، وسعيهن لتحرير أنفسهن من قيود النطريَّات الذكوريَّة. (سراقبي رويدة: تحليل لروايات سلفيا بلاث "الناقوس الزجاجي"). كان صراع البطلة بدر الهبلة في رواية وراء الفردوس، مع أبيها الذي يُصوِّر السلطة الأبويَّة، والذكوريّة في المجتمع، الذي كان يربط ابنته بدر بالسلاسل الحديديّة، كي لا تفلت من محيطها، وأراد لها القيود الجسميَّة، والنفسيَّة، كما ورد صفحة 68، "كانت لا تطيق البقاء في البيت لأن والدها يحبسها في حجرتها، وقد ربط ساقها بجنزيرإلى السريرالضخم كي يمنعها من الخروج إلى الشارع خوفًا عليها ممن قد يستغلون جنونها". بينما كان صراع إستر ضد أمها التي تُمثِّل المبادئ القديمة، وبروز التأثير الذكوري في الرواية. (المصدر السابق)، أرى بأن هنالك تشابها كبيرا بين الروايتين، وتأثُّر روائيتنا منصورة عز الدين بهذا النوع من الأدب، وتناول شخصيَّة البطلة البلهاء، لتعبر من خلالها عن الصراعات النفسيّة التي تواجه النساء في ظل مجتمع تقليدي في سنوات الثمانينات، والتسعينات. رُبَّما أرادت الروائيةية أن تشير إلى نتيجة القيود القاسية التي عانت منها النساء الريفيَّات، وعدم التقبًّل لهذه الشخصيَّ، أدت إلى الهروب من الواقع الاجتماعي المرير، وضياع الهويَّة، تحرَّرت من العبودّيَة، بحثًا عن الذات والهويَّة الذاتيَّة، كما عبَّرت عنه الروائية في روايتها ص69، "بعد أقل من شهرين على إعلان الزواج، اختفت بدر الهبلة تمامًا... فكَّت الجنزير كالعادة، وهربت". يبدو التأثر الشديد للراوية، وتضامنها مع شخصية بدر "الهبلة"، التي أبدعت الروائية في استخدامها بطريقة مُقنعة للقارئ، في تصوير صورة اجتماعيَّة واقعيَّة مؤلمة للريف المصري التقليدي، ونظرة المجتمع للمرأة، والقيود المفروضة عليها، كما تجلَّى ذلك في نهاية الرواية صفحة ص 222، الطبيبة تسأل سلمى:"بالمناسبة مين بدر الهبلة؟ اللي كنت بتتكلمي عنها قبل ما تفوقي، ليه ما حكتيلي عنها قبل كده؟ "لم ترد سلمى عليها، كانت فقط تنصت لصوت ارتطام جنزير قديم يكبل ساق بدر بدرجات سلم بيت العائلة وهي تصعده زاحفة". هكذا أنهت الروائيَّة روايتها، على لسان الساردة سلمى، بأنها ظلت صامتة عندما سألتها الطبيبة عن بدر "الهبلة" التي كانت تهجس باسمها، يبدو أن سكوتها، وتذكرها للسلاسل الحديديَّة المربوطة في رجليها، وسماع أصداء صوت سلاسل الجنزير، ما زالت تقرع في رأسها، مما يدل على بقاء، وتأثير تجربة القيود الاجتماعيَّة، والنفسيَّة الشديدة، لها وقع شديد في نفس الراوية، لدرجة يصعب التعبير عنها، والبوح بها أمام الآخرين، وهروبًا من الواقع الصعب. استخدمت الروائيَّة شخصيَّة سلمى الساردة، والمضطربة، في التعبير عما يختلج نفسها بواسطة الكتابة، ص 80-81، " كثيرا ما أشعر اني غير طبيعيَّة، مجنونة بشكل أو بآخر لكنه ذلك النوع من الجنون الذي يصعب المساك به، أو ملاحظته من جانب المحيطين" ، أنا وحدي أشعر بهذا الجنون الأليف الذي ينمو بهدوء ودأب بداخلي، يبدو كسرطان كامن يأكلني من الداخل". خلاصة الحديث: ليس هنالك أدنى شك، بأن هنالك دور هام لاستخدام الشخصيَّات غير السويَّة في الرواية، أو القصَّة، ويُعتبر هذا النهج، نهجًا حديثًا في الأدب العربي المعاصر، وأسلوبًا من أساليب الإبداع للراوي، الذي ينجح في تحريك الشخصيَّة وِفق المواقف، والمضمون، بحيث يستطيع إبراز مكنونات، وخفايا النفس البشريَّة، وآفات المجتمع من خلال هذه الشخصيَّة.
#رفيقة_عثمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في رواية الأديبة سحر خليفة: في ندوة اليوم السابع- ندوة
...
-
الرمز للمقدسات في رواية-قلادة فينوس-
-
الشال الصغير الأحمر وتغييب دور الأمّ
-
العنقاء أبدا سيرة ذاتية وسيرة شعب
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|