|
الثورة ... رؤية أبستمولوجية ( النقطة البنيوية )
هيبت بافي حلبجة
الحوار المتمدن-العدد: 3335 - 2011 / 4 / 13 - 16:07
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
في مقال سابق ، حول إنتفاضة القامشلي عام 2004 ، ولكي ننفي عنها معرفياُ معطيات مفهوم - الهبة - الذي أعتمده البعض ، وحيثيات مضمون - رد الفعل - الذي أعتمده بعض آخر ، حددنا ، آنئذ ، شروط محتوى الثورة بالآتي ، أولاُ ، أن يشمل فعل الحدث عموم المنطقة الجغرافية ، لإن فحوى الظلم ، هنا ، قسري جوهره اللاأنا هي بالضرورة الأنا ، ثانياُ ، أن يشمل فعل الحدث عموم شرائح المجتمع ، - بأستثناء بنيوية الثورة حسب ماركس ، وثورة سبارتاكوس ، وثورة الزنج في العراق ، وثورة الزنوج في الولايات المتحدة - ، لإن مضمون الظلم ، هنا ، لاأنتقائي ، دالي قمعي ، ثالثاُ ، أن تكون الجماهير اللامنظمة أس وأساس الفعل اللامنضبط في حركة وتفعيل الحدث ، وإلا ، ربما دنونا من مدلولات الإنقلاب أو المؤامرة ، حال الإنقلابات العديدة التي حصلت في سوريا ، وفي مصر عام 1952 ، وفي ليبيا عام 1969 ، رابعاُ ، أن يتمايز حد الحدث بشيء من العفوية التي هي أهم عنصر في تحديد ماهية الثورة ، خامساُ ، أن يلج مدلول الحدث على الصعيدين ، الفعلي والنظري ، منطقة التابو ( المحظور ) . إن هذه الشروط ، التي هي ، تحديداُ مقومات صيرورة الحدث كما هي ، لاتبطل ولا تنفي ولاتحدد ، أسباب الثورة ، ولا أهدافها ، ولا نتائجها ، التي هي مستقلة في تفسيرها عن شروط فعل الحدث ، وهذا التداخل مابين هذه الجهات الأربعة ، هو الذي أشكل في ذهن بعض علماء الأجتماع ، أمثال جيروم ديفيس ، كارل مانهايم . فالأول ، عالم أجتماع أمريكي ( 1891- 1979 ) لخص القضية في أربعة أمور رئيسة . الأول ، لابد من وجود حراك عيني مادي لدى شريحة عظمى من الأفراد ، أساسه عدم الرضى . الثاني ، أن يقفز هذا الحراك إلى مستوى التحريض الرفضي ، الداعي إلى التكتل الأولي . الثالث ، ولامحيص من أن يتجسد ذلك في شعور أجتماعي معين الذي ، سوف يقتضي لاحقاً الضبط والتنظيم وهذا هو جوهر الأمر ( الرابع ) . هذه الحيثيات ، رغم إننا لانتفق معها ، قد تؤلف في أفضل الأحوال مقدمات للثورة أو أسبابها ، لكنها لاتعني على الإطلاق ، إنها سوف تؤدي إلى الثورة أم لا ، وهي لاتفسر في الأطلاق فعل حدوث الثورة ، ولاصيرورة هذا الحدث ، ثم أن هذه الرؤيا تترك هامشاُ للضبابية ما بين ( الثورة ، المؤامرة ، الأنقلاب ، الإنتفاضة ) . أما الثاني ، كارل مانهايم ( 1893- 1947 ) الذي بعد أن حدد في مؤلفه – الإيديولوجيا واليوتوبيا - إن الإيديولوجيا هي نسق فكري منظم يعبر عن مصلحة ما ويحدد السلوكين الإجتماعي والسياسي المرادفين ، أضطر إلى القول إن الثورة تصرف عمدي وفعل قصدي ، يلعب اللاشعور دوره في بعض عوامله . ياترى ألا يلعب ( العمد والقصد ، واللاشعور ) الدور المطلوب في معطيات – المؤامرة ، الأنقلاب ، الإنتفاضة - !. ثم ياترى هل كل فعل ثوري هو بالضرورة مؤدلج !. ثم يا ترى هل لعب اللاشعور دوره – في بعض عوامله – في الثورة الأمريكية ( 1775 – 1783 ) ، والثورة الجزائرية ( 1954 – 1962 ) ، والثورة الأوكرانية البرتقالية ( 2004 ) ، وحتى في الثورة الفرنسية ( 1789 ) ، والثورة الروسية ( 1917 ) وغيرها ! . ولكن ، ألسنا هنا إزاء متعصية عظمى ، إذ كبف نمايز مابين ، مقدمات وأسباب وعوامل الثورة من جهة ، ومقومات فعل الحدث ( كما حددناها سابقاُ ) من جهة أخرى ، وأهدافها من جهة ثالثة ، ونتائجها من جهة رابعة ، أم إن في المسألة إشكالية معرفية لامحيض من إدراك شروطها الخاصة بها ، يقول عبد الكريم غلاب – بعد أن عكس المقدمات الأولية لدى ألبير كامو بصورة خاطئة – لكي لاتكون الثورة هادمة ، ينبغي أن تمتلك البديل الحضاري الجديد للحضاري القديم الذي عليه تثور ، إن هذا القول ليس له أي قيمة معرفية فيما يخص مفهوم الثورة ، وسيتجلى ذلك في طرحنا لمفهوم الثورة لدى كل من ماركس ، وتوماس كوهن . أولاُ ، لدى ماركس ، قد لانتفق كلياُ مع مفهوم ماركس حول الثورة ، لكن نؤكد على الجانب الذي نكترث له في هذا المقال ، ونلخص ، بما إن البنى التحتية تحدد ، حسب ميكانيزم خاص بها ، مقومات البنى الفوقية ، فإن القوى المنتجة تحدد ، هي الأخرى وبدرجة أقوى ، علاقات الأنتاج المؤتلفة منها وبها . وهي ، أي قوى الإنتاج ، لا تتطور حسب التقدم العلمي فقط ، إنما تتغاير كلياُ من حيث الطبيعة ومن حيث النوع ، وبالتالي تفرض على المجتمع والفكر والسياسة والسلوك ، بقوة الأمر الواقع ، حيثيات جديدة في المحتوى الموضوعي لعلاقات الأنتاج التي لامحيص إلا الإستجابة لدالتها ، وهذا ما يؤلف حالة من التعارض التناقضي مابين ( القوى المنتجة وعلاقات الأنتاج ) القديمة و ( القوى المنتجة وعلاقات الأنتاج ) الجديدة ، وهذا ما يختزله المفكرون تعسفاُ بالتناقض ما بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج ، وهذه هي ، ما أسميها ، بالنقطة البنيوية لدى ماركس ، إذ لابد من تحطيم علاقات الإنتاج كلياُ ونهائياُ . ثانياً ، لدى توماس صاموئيل كوهين ، الذي أبدع ، في تجسيد هذه النقطة اكثر من ماركس ، لكن على مستوى الثورات العلمية ، ففي مؤلفه ( بنية الثورات العلمية - 1962 ) يؤكد إن المحور المطلق لكل ثورة علمية هو ما يسميه بالأنموذج – الباراديغم – أي النمط الفكري الذي يفسر جوهر الفرضيات والقوانين العلمية السائدة ولايسمح ، بولوج نمط فكري جديد ، إلا إذا تحطم ، فلكل مرحلة تاريخية علمية نمط فكري – باراديغم – لايوائمه فقط إنما يحدد بالكلي والشمولي سلوكية وذهنية ومستوى الرؤيا العلمية ، لكن هذه الأخيرة – مثل قوى الأنتاج – في ديمومة واعية ( تؤدي دوراُ في ظهور أنواع جديدة من الظواهر ، فلا يندهش أحد للقول بأن وعياُ مماثلاُ وأعمق هو شرط ضروري لكل التغيرات النظرية – ص 144 ) ، وكأن التنازع والتناحر يترآى في إن ( مناصري البراديغمات المتنافسة يزاولون مهنتهم في عوالم مختلفة – ص 256 ) والمسألة لاتظهر إلا إذا تراكمت معضلات حقيقية ( ظواهر علمية ) أمام البراديغم السائد الذي لايبدي فقط عدم قدرته على تفسيرها ، إنما أيضاُ عجزه المطلق البنيوي في إدراكها ، عندها ، وبالضرورة ، نحن إزاء مستويين ، الأول هو ( إن الواقع والنظرية في مجال العلوم ، وكذلك الإكتشاف والإبداع ، ليست متمايزة بصورة دائمة وقطعية ، إنما هما متداخلان بشكل عضوي – ص 145 ) ، والثاني هو إن نمطاُ فكرياُ – باراديغماُ - جديداُ سوف يتمظهر ، لتجاوز مفهوم الأزمة لدى النمط القديم بتحطيمه بنيوياً ، وهذا مايسميه كوهن تحول الباراديغم ومفهوم الدورة في الثورات العلمية ، وهي تمثل النقطة البنيوية لديه ، ونقتنص أمثلة توضيحية ، التحول من فيزياء نيوتون إلى نسبية آينشتاين ، التحول من رؤية بطليموس إلى رؤية كوبرنيكوس . وهذه النقطة البنيوية – على صعيد السوسيولوجيا العربية الحالية - تبرز الإشكالية من منطلق إن المستقبل العربي يرفض بنيوياُ حاضره ، لإن هذا الأخير عاجز بنفس الدرجة من القفز من مستوى زمني منتهي إلى مستوى زمني جديد ، وهذا العجز يستبان في الأمور التالية . الأمر الأول : إن العقل العربي في محنة مستعصية الحل لاسيما بعد أن أقر فقدانه أهليته في قيادة ذاته والدولة والمجتمع ، فلقد أستقال من منصبه أو على الأرجح أقيل لعدم كفاءته . الأمر الثاني : نعتقد إن الفكر العربي نفسه ضجر وسأم من أجترار حالة مستهلكة إلى درجة الأشمئزاز ، حيث التشابك والتداخل ما بين المقدمات والأسباب والعوامل والنتائج والظواهر . الأمر الثالث : نعتقد إن السوسيولوجيا العربية كرهت مدلولاتها وغدت مستلبة الإرادة في عقرها ، فتمردت على ذاتها ، والعقل ، والفكر ، وأحدث قطيعة في الزمن ، فلكي تعبر هي ونعبر نحن إلى المستقبل لامناص من نقطة بنيوية في السوسيولوجيا الحديثة .... [email protected]
#هيبت_بافي_حلبجة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سوريا ... مابين الإنتفاضة والثورة البنيوية
-
الثورة ... ما بين الإدراك والتدارك
-
رؤية معرفية في واقع لامعرفي ( سياسة الطفل )
-
برهان غليون والخطاب المتهافت
-
الكورد والعرب وجدلية الزمن ( مفهوم الثورة )
-
لعبة الأمم الجديدة ( صناعة أيران )
-
الشيخ سعد الحريري ما بين العملية السياسية والدهنية الديمقراط
...
-
الدالة الفارغة ما بين هوبز وأفلاطون ( الحلقة الثانية )
-
الدالة الفارغة ما بين هوبز وأفلاطون ( الحلقة الأولى )
-
الدكرى الثامنة لإنطلاقة الحوار المتمدن
-
البيئي والجسمي مابين الفلسفة والعلم
-
المعارضة السورية مابين الإشتقاق والبنيوية
-
فلسفة ديكارت ... مابين السقوط والتساقط
-
فلسفة كانط ... ما بين السقوط والتساقط
-
فلسفة هيجل ... ما بين التهافت والنقض
-
الفكر ما بين الإشكاليات والتصور الغائب ( رؤية جديدة في تصور
...
-
الشرق الأوسط ....ما بين مخلبين الفارسي والرأسمالي
-
نقض نظرية الأخلاق لدى سقراط
-
مابعد غزة .... ما بين الوهم والتوهم
-
الرد على الدكتورة واثبة داود السعدي
المزيد.....
-
إعلان وصول الرهائن السبعة المفرج عنهم من خان يونس إلى إسرائي
...
-
إصابة شاب برصاص الجيش الإسرائيلي في مخيم جنين واقتحامات غربي
...
-
ترامب يطرح سؤالا على برج مراقبة مطار ريغان
-
سماعات ذكية لمراقبة صحة القلب
-
جهاز للمساعدة في تحسين النوم والتغلب على الأرق
-
ماذا يعني حظر إسرائيل للأونروا بالنسبة لملايين الفلسطينيين؟
...
-
كيف يفكر دونالد ترامب في إعادة إعمار غزة؟
-
الإمارات تتسلم أول دفعة من مقاتلات -رافال- الفرنسية في صفقة
...
-
ميركل تنتقد زعيم حزبها بسبب تمرير خطة اللجوء بأصوات -البديل-
...
-
الجيش الإسرائيلي يغتال أسيرا محررا في نابلس (صورة)
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|