أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - على عبد اللطيف - حـريق القـــاهرة فى قصص محـمود البـدوى















المزيد.....

حـريق القـــاهرة فى قصص محـمود البـدوى


على عبد اللطيف

الحوار المتمدن-العدد: 995 - 2004 / 10 / 23 - 05:48
المحور: الادب والفن
    


القاهرة تحترق:
فى يوم الجمعة 25 يناير 1952 نشبت معـركة بين جنـود بلـوك النظام المصريين والإنجليز فى الإسماعيلية ، وفرغ السلاح من الجـنود وهم فى داخل مبنى المحافظة ، وحاصرت الدبابات الانجليزية المبنى ودكته على من فيه بالمدافع الثقيلة ومدافع الدبابات وقضت على الجنود .
وفى اليوم التالى ظهرت العناوين المثيرة فى صحف الصباح تحمل أنبـاء المعركة .
واشتمت رائحة الثورة فى الأنفاس المتحركة فى الطرقات ، وتحركت الجماهير وثارت ، وسارت المظاهرات ، وأدرك الناس أن هذا هو رد الشعب على العدوان .
وتدفقت الجماهير فى أكثر من مكان فى قلب القاهرة ، وتجمعت متحمسة وتصيح ، وهدرت الأصوات كهزيم الرعد ، وفى كل لحظة تزداد هياجا وغضبا ، وترتد عن الشارع الذى تسير فيه ، ثم تعود اليه .
كانت الجماهير تتحرك من تلقاء نفسها بفعل الغضب وحده ، تتحرك وهى ترعد ، ومن عيـونها يطل الشرر ، والأخـبار المثيرة عن معركة الأمس تصل إلى المسامع فتلهب الحماس وتزيد من الغضب .
وأخذت الجموع تجرى من مكان إلى مكان فى نفس الحى دون أن تدرى الغاية من العدو ، وتوقفت ، وأخـذت تسير فى صفوف متراصة تسد عين الشمس ، وأخذت الضوضاء ترتفع ويعلو ضجيجها .
وتدخـل المشردون والرقـاع والسـوقة ، ووجـد المخربـون والفوضويون فرصة مواتية لن تفلت من أيديهم ، فتركزوا فى القلب حيث المتاجر الكبيرة الغنية بما فيها ، فأشعلوا فيها النيران ، والغضب الأسود للجماهير جعلهم يؤدون مهمتهم بنجاح .
الأثاث يلقى من النـوافذ والشرفات ، وأبواب المتـاجر تتحطم ، ونفـر من الناس بمنظرهم الوحشى يتسللون كالسيل فى موج يدفعه موج إلى الداخـل يلتقطون المجـوهرات والساعات فى لمح البصر ، ويحشون بها جيوبهم ، ونهبت معظم الحوانيت فى منطقة وسط البلد وحرقت .
واندفعت الجماهير الغاضبة إلى داخل العمارات يبحثون فيها عن الإنجليز ، ومن يعترض طريقهم ، تسحقه أيديهم وتفتك به .
ويطل السكان من النوافذ فى رعب قاتل وهم يرون الجماهير وهم على حالهم من الغضب ولا عقل لهم فى ثورتهم .
وامتدت النيران إلى حى البنوك ، والبيوت والمتـاجر تشـتعل ، وأخشاب العمارات تطقطق ، والسماء تلفها سحب الدخان الكثيفة .
وامتلأت الطرقات بالهباب وبعروق الخشب المتساقطة ، والنوافذ المحطمة ، وقطع الزجاج المهشم ، فى شوارع عماد الدين وفؤاد وابراهيم وسليمان باشا وعبد الخالق ثروت . وضباب الدخان يملأ الجو ويصل إلى الخياشيم ويضيق به الصدور ، والشعر خلط بالهباب والغبار والعرق والناس تفر وتجرى مذعورة فى الشوارع ، والاذاعة تذيع أخبـار الحريق .
وأجراس عربات المطافىء تدوى وهى تسير ، والخراطيم تمتد على الأرض ، والسلالم الطويلة تصل إلى السقوف ، والماء يتدفق فى الشوارع ويغسل واجهات البيوت العالية .
بوغت البوليس بالحريق ونهب المتاجر فى كل مكان فى القاهرة الواسعة ، ولما تحرك بعد أن أفاق من وقع الصدمة ، كان الزمام قد فلت وهرب هؤلاء واختفوا بأسلابهم ، ووجد البوليس أكثر ما وجد فى الشارع الذين لا علاقة لهم بالسلب والنهب ، ووجد الذين يتفرجون على النـيران ، والعائدين بعـد العمـل إلى بيوتهم ، ويريد أن يثبت وجوده ، فحاجز الجميع واختلط الحابل بالنابل ، وكمن البوليس فى محطة القاهرة يراقب الداخل والخـارج منها ، وحاصرت فصيلة من الجنود الميدان وقبضت على من كان فيه . وأدخلوهم كقطعان الماشية إلى "قسم الأزبكية" وفيهم الشبان والشيوخ ولابسى الجلابيب ومرتدى البدل . وكانت غرفة الحجز لا تسعهم جميعا ، فقسموهم إلى نصفين ، ووضعوا الأول فى غرفة الحجز والثانى فى غرفة مجاورة كما اتفق ، والحـجرة لاتتسع لأكثر من عشرة اشخـاص ، وعلى البابين وقف الحراس بالسلاح .
كانت الفوضى ضـاربة أطنـابها مع كثرة الجـنود داخـل القسم وخارجه ، وأخذت التليفونات داخل القسم تدق باستمرار ، والمـأمور يستشير رئيسه فى استحالة بقاء هؤلاء فى القسم إلى الصباح ، وتلقى الإشارة بنقلهم إلى سجن مصر .
ولم يكن المحبوسـون داخـل القسم يعرفون شيئا عما يجرى فى الخارج ، وسرى الخوف فى نفوسهم ، فهم محبوسون كالجرزان دون عقوبة ودون سبب ، وأحسوا بالاختناق والعرق المتصبب رغم برد الشتاء ، وشل الخوف والرعب كل حركاتهم ، ومنهم من تبول على نفسه وهو واقف وقاعد ، وكان من بينهم من دخـل سجون الأقسام قبل ذلك ، فأخذ الأمر كله بعدم مبالاة واستهتار ، ولكنه أفاق لنفسه عندما سمع ممن حوله أن الأمر هذه المرة يختلف ، وأن الجريمة الجديدة عقوبتها الأشغال الشاقة المؤبدة .
وحينما جاء الليل ، وأضيئت المصـابيح الكابيـة داخل القسم ، أخرجوهم إلى الصالة وتجمعوا كقطيع الغنم فى مكان واحد ضيق ، وتحرك لوريا ضخما حتى أصبح ملاصقا لبابه ، وكان حوله الجنود فى ملابسم السوداء ذات الأزرار النحاسية التى طمسها الدخان ، وبرز بعض الضباط من الحجرات الجانبية وبعض المخـبرين يلبسون البلاطى على الجلابيب ويغطون رؤوسهم بالطواقى والملاحـف ، يستـعرضون الوجوه فى الصالة ، وتحرك المحبوسون ببطء إلى اللورى وشحن اللورى الأول وتحرك إلى السجن ، وجاء اللورى الثانى .
كان الجمـهور فى الخـارج قد شعر بهؤلاء المقبوض عليهم فى الداخل ، فأخذ افراده يتجمعون خارج القسم وكثر عددهم ، وخشى الجنود أن يفلت منهم الزمام بعد تكاثر أهالى المحبوسين ، فيخرجون المحبوسين بالقوة ، ويصل الاضطراب إلى مداه ، فحركوا اللورى ، وجعلوه يقف بالطول ، ومؤخرته قريبة من سلم القسم ، وفى الظلام ما أمكن .
وأخذ البوليس يطارد أصحاب الأسماء المسجلة فى سجلاته والذين قبض عليهم من قبل فى المظاهرات ، فبعد كل حادث وكل مظاهرة تقفز الأسماء إلى رؤوسهم ويشدونهم كلما حلى لهم بعد كل حادث ولو لم يكن قد اشترك طول حياته فى أى عمل من أعمال التخريب أو حتى مجرد تكسير فانوس .
ومنع التجول فى الطرقات ، وقارب الليل من منتصفه ، والنيران مشتعلة ، والقاهرة تحترق ، والدخان يملأ جو السماء ويحجب كل الرؤى وانهارت البيوت وأكلتها النيران ، وأصبحت أكواما من التراب .
وفى صبـاح اليوم التالى تحولت النار إلى رماد ، وشعاع الشـمس الذهبى يطارد الدخان ، وخرجت الصحف بعناوين سوداء مثيرة ، بعد أن احترقت المدينة الجميلة .
******
المراجع من قصص محمود البدوى عن حريق القاهرة:
1- الهـــارب ... نشرت بمجــلة الجيــل 24|6|1957
وأعيد نشرها بمجموعة الغزال فى المصيدة
2- مجموعـة الطوابع ... نشرت بصحيفة الشعب 29|7|1957
وأعيد نشرها بمجموعة الزلة الأولى
3- الغضـــب ... نشرت بمجــلة القصــة يوليـو 1964
4- المــــارد ... نشرت بمجــلة الثقــافة مـايو 1980
وأعيد نشرها بمجموعة الغزال فى المصيدة



#على_عبد_اللطيف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حرب اكتوبر1973 فى قصص محمود البدوى


المزيد.....




- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - على عبد اللطيف - حـريق القـــاهرة فى قصص محـمود البـدوى