|
متى؟ وكيف؟ ولماذا تندلع الثورات؟
شاكر النابلسي
الحوار المتمدن-العدد: 3328 - 2011 / 4 / 6 - 16:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
متى؟ وكيف؟ ولماذا تندلع الثورات؟
شاكر النابلسي
-1-
في عام 2003 نشرتُ كتابي بعنوان (الشارع العربي: دراسة تاريخية سياسية) وكنتُ في مقدمته، أعبر عن خيبة ظني، وفقدان الأمل المرجو من هذا الشارع، قائلاً: " أصبح الشارع العربي فضاء الحرية، حيث لا فضاء غيره. فيه تتعلم الجموع ألف باء وعي الذات الجمعية، وتدرك روح التضامن، وتتواصل إلى الانتماء الكلي الإنساني. وهو برلمان العرب الحقيقي، بعيداً عن الزيف، والكذب، والخداع، والمراوغة. ولكن الشارع العربي – متمثلاً بالطلبة والمثقفين غالباً – أصبح بمثابة الرأي العام العربي، الذي نادراً ما يضع النقاط على الحروف، ويقول كلمته فيما يجري، في ظل غياب الحرية والديمقراطية، واضطهاد الرأي الآخر، وقمع المعارضة ومصادرتها وقتلها في بعض الأحيان. ونتيجة لذلك، كان الشارع العربي لا يتحرك إلا بالمناسبات القومية كالقضية الفلسطينية مثلاً. وتقوم المظاهرات لتندد لا بالأنظمة العربية، ولكن بأمريكا، وإسرائيل، والغرب عامة. فالشارع العربي في الحقيقة غير موجود. فلم نشهد أن هذا الشارع – مثلاً - ثار ضد الفساد والفاسدين، أو طالب بتعديل دستوري."
فالشارع العربي عام 2003 ، وما بعد ذلك، وما قبل ذلك، كان هاجداً ونائماً نوم أهل الكهف. وهذا النوم لم نثره نحن فقط في كتابنا، بل لفت انتباه الغرب عامة.
-2-
وفجأة ثار هذا الشارع ضد الفساد والفاسدين، وطالب بتعديل الدساتير، أو بكتابة دستور جديد. وقال لي بعض القراء، أن عليَّ مراجعة كتابي، وإعادة النظر في كثير من أبوابه، على ضوء ما جرى ويجري الآن من ثورات في العالم العربي. وهذا مطلب مُحق. ففكر الباحث مهما بلغ من العمق، وصواب الرؤية، ودقة البحث، لا بُدَّ له من مراجعة بين الحين والآخر.
وفي الحقيقة، فإن هذه الثورات، لم يكن من الممكن لي أو لغيري التنبؤ بها. فالصحافي الفرنسي آلان غريش في مقاله في " اللوموند ديبلوماتيك" بعنوان "اليقظة العربية تغير النظام الإقليمي"، يُقرُّ هو الآخر، بأن الدوائر الغربية لم تتمكن من التنبؤ بقيام الثورات، التي تجري الآن في العالم العربي. ويقول إن " التهكم على الشارع العربي أصبح أمراً اعتيادياً في أروقة قصر الإليزيه، كما في وزارات الخارجية الغربية. فهل كان يجب الأخذ بعين الاعتبار ما كان يفكر فيه مئات الملايين من الأشخاص، الذين كان لا يتوقع منهم في أفضل الأحوال سوى رفع شعارات إسلامية معادية للغرب؟"
-3-
شبّه كثير من علماء السياسة ومؤرخيها الثورات في العالم بالبراكين. وأصبحت علوم الأرض في العصر الحديث، قادرة على رصد البراكين، والتنبؤ بانفجارها بشكل تقريبي جداً. ولكن الثورات التي تشبه البراكين في غليان معادنها تحت الأرض، وما أن تجد قشرة أرض رقيقة حتى تنفجر منها، مرسلة حممها، ودمارها الفظيع.
إذن، لماذا كان من الصعب توقُّع اندلاع الثورة؟
تقول عالمة الاقتصاد السياسي روزا لوكسمبورغ ( 1871-1919)، وهي تشير الى الثورات الأوروبية في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين إن "الثورة لا يمكن التنبؤ بها ساعة واحدة قبل اندلاعها." فرغم امتلاك أمريكا أكبر جهاز مخابرات في العالم CIA ، إلا أن هذا الجهاز عجز عن التنبؤ أو التحذير من ثورتي تونس ومصر مثلاً. ومن المعروف أن البيت الأبيض والكونجرس الأمريكي وجها انتقادات شديدة إلى جهاز المخابرات الأمريكية لعجزه عن توقع الثورة في مصر وسقوط بن علي ومبارك حليفي الولايات المتحدة. وذكرت شبكة "سي بي إس" أن باراك أوباما أبلغ رئيس المخابرات الأمريكية، خيبة أمله في العاملين بالمخابرات الأمريكية، نظراً لإخفاقهم في التنبؤ باندلاع المظاهرات التي أدت إلى الإطاحة ببن علي وحسني مبارك. ولكن كان على أوباما - المثقف لا السياسي - أن يعلم أن التنبؤ بالثورات، يكاد يكون مستحيلاً. وهو ما عبَّر عنه فيكتور هيجو تعليقاً على انقلاب لويس بونابارت بقوله إن الثورات تندلع فجأة "كرعد من سماء صافية الأديم".
ويشرح المفكر التونسي العفيف الأخضر، قانون انتشار الثورات بقوله:
"إن الثورات تنتقل انتقال النار في حقول الهشيم. فهي تنتقل بتأثير قانون المحاكاة Mimétisme. وهذا القانون هو الذي يفسر أيضاً انتشار "الموضة" في بلدان عدة في وقت واحد، أو في أوقات متقاربة. فخوفاً من محاكاة الشباب الصيني لمشاهد الانتفاضة المصرية، حذفت الحكومة الصينية من شبكات الاتصال اسم مصر!
وهكذا يمكن فهم محاكاة انتحار التونسي محمد بوعزيزي حرقاً بالنار، غداة وقوعه في خمسة بلدان عربية على الأقل؛ وكان هو الصاعق الذي فجَّرَ الانتفاضة التونسية والمصرية، والبقية تأتي.
-4-
أما التفسير النفسي لاندلاع الثورات، فيرى العفيف الأخضر، أن الثورات العربية الدائرة الآن هي نوع من مرض الذُهان Psychiatric . والذُهان "حالة نفسية فردية أو جماعية، تُعبِّر عن نفسها بالمراوحة بين طورين: طور نوبات الهوس (الهياج والابتهاج) وطور نوبات الاكتئاب (الهمود والخمود)، الذي يصيب خاصة الشباب في سن 18 – 40 سنة. وحيث المعدل الوسطي لسن المهووسين 30 سنة. وفي طور نوبات الاكتئاب، يسقط المكتئِب في بئر بلا قاع، يجترُّ هذيان نهاية العالم، وخاصة نهايته الوشيكة هو نفسه. ويتهم نفسه الأمَّارة بالسوء، وتعذبه الأفكار الحزينة، والأفكار السوداء الانتحارية. وسرعان ما ينتقل من الفكرة إلى الفعل، عند أول صدمة نفسية، كقطيعة مع محبوب، أو شجار عائلي حاد، يُشعره بأنه غير مرغوب، وغير محبوب. ويبدو الانتحار للمكتئِب حلاً مثالياً للنزاع بين ذاته وبين العالم الخارجي، لأنه يقضي على الطرفين معاً. فالتصرفات الانتحارية – غالباً - لا تقرأ حساباً للعواقب. وهذا ما يجعل الانتحار سهلاً ودراماتيكيّاً مؤثراً. ويطغى جنون العظمة على الواقعية."
"فالذُهان Psychiatric إذن، هو العامل النفسي الكامن وراء الثورات، التي تفاجئ الجميع - بمن فيهم صانعيها أنفسهم- وهذا ليس حُكم قيمة، بقدر ما هو معاينة لواقعة تاريخية. فجزء مهم من تاريخ البشرية، صنعه المهووسون أفراداً أفْذاذاً، وجماعات هائجة."
#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما ضرورة الدولة -السلطوية- المستنيرة؟
-
التنوير الفكري في الحالة العربية
-
الشاويش صالح: الى الخلف دُرْ!
-
سوريا -بيضة قبّان- الثورة العربية
-
لا هوان لمصر في يوم الامتحان
-
لماذا يتعفف الإخوان حتى الآن عن الحكم؟
-
نيرون الألفية الثالثة يتحدى العالم!
-
مقتل الثورة الليبية في البيت الأبيض
-
شاكر النابلسي في حوار مفتوح حول: انفجار البراكين العربية
-
عن جذور التنوير الفكري والديمقراطية
-
عودة الروح للعرب بعد غياب طويل
-
ما تكوين عقل شباب 25 يناير؟
-
مصر: ثورة أم انقلاب عسكري؟
-
ما تكوين عقل الانتفاضة التونسية؟
-
الإخوان: من مجلس الشعب الى ميدان التحرير
-
العقلانية والخرافة في الفكر السياسي العربي
-
مبارك يدفع ثمن ديمقراطيته غالياً
-
مخاوف من تدمير تراث بورقيبة
-
هؤلاء هم أعداء ثورة بورقيبة
-
مخاطر وسلبيات الهيجان الشعبي
المزيد.....
-
شاهد.. رئيسة المكسيك تكشف تفاصيل مكالمتها مع ترامب التي أدت
...
-
-لم يتبق لها سوى أيام معدودة للعيش-.. رضيعة نٌقلت من غزة لتل
...
-
وزير الخارجية الأمريكي يتولى إدارة وكالة التنمية الدولية، وت
...
-
شهادات مرضى تناولوا عقار باركنسون -ريكويب-: هوس جنسي وإدمان
...
-
شاهد: الرئيس السوري الإنتقالي أحمد الشرع يؤدي مناسك العمرة ف
...
-
باريس تُسلِّم آخر قاعدة عسكرية لها في تشاد.. هل ولّى عصر -إف
...
-
أول رئيس ألماني يزور السعودية: بن سلمان يستقبل شتاينماير
-
لماذا تخشى إسرائيل تسليح الجيش المصري؟
-
-فايننشال تايمز-: بريطانيا تستعد للرد على الولايات المتحدة إ
...
-
الرئيس السوري أحمد الشرع يصدر بيانا إثر مغادرته السعودية
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|