عماد مسعد محمد السبع
الحوار المتمدن-العدد: 3328 - 2011 / 4 / 6 - 00:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قبل أن يعلن مبارك تنحيه عن السلطة سارع المجلس الأعلى للقوات المسلحة بأصدار بيانه الأول بانتقال حكم مصر اليه , وفى تونس تسلم الجيش والجنرال / عمار رشيد مقاليد السلطة بمجرد رحيل أبن على , و بعد أيام قليلة قادمة سيحدث ذات الأمر فى اليمن عند الإطاحة ب " على عبد الله صالح ".
التفسير السائد أن " الجيش " يبدو مؤهلآ للإمساك بالسلطة السياسية وأدارة عمليات النظام وكمؤسسة قوية مالكة لقوة القمع المادى ومنضبطة داخليآ .
ولكن ثمة تساؤل يفرض نفسه حول الأبعاد والمصادرالطبقية التى دعمت تبوأ " المؤسسة العسكرية " لهذه المكانة داخل التكوينات الإجتماعية العربية التى تتسم بطابعها الإقطاعى وعلاقات وقوى أنتاجها الأسيوى / التقليدى .
المدخل لتقديم أجابة مناسبة عن التساؤل تمرعبر فهم أسباب ظاهرة ( العسكرة ) داخل هذه التكوينات و كأحد تجليات البنية السياسة الفوقية , وفى سياق علاقات أجتماعية محددة بحقبة تاريخية بعينها.
هذاالأمر يستوجب تجريدات نظرية تبدأ بتعريف موقع "الجيش " وبحسب كونه أداة قمع يبرهن صعود طور " رأس المال الإحتكاري "علي صورته النموذجية , و يهدف فى التحليل النهائى لتحقيق سيطرة الطبقات الإجتماعية المهيمنة أقتصاديآ وسياسيآ وأيديولوجيا.
وفى ذلك يشير ( لينين ) إلى أن " العسكرة هى نتيجة للرأسمالية , وتجلى حيوى للرأسمالية : كقوة حربية تستخدمها الدول الرأسمالية فى مصادماتها الخارجية , وكسلاح فى يد الطبقات السائدة من أجل قمع حركات البروليتاريا من كل شاكلة وطراز " ( المختارات فى 10 مجلدات - دار التقدم - موسكو 1976 - ص453 ) ..
ولذلك يتعين فهم تطور دور ومكانة المؤسسة العسكرية من خلال رصد الصراع الطبقى الداخلى من جانب , وعملية الإصطفاف الطبقى العالمى وأوليات عمل الإمبريالية من جانب آخر.
وحيث تنشأ بين التحالفات الطبقية المسيطرة في الدولة الإستبداية التابعة ( كما فى نموذج / مصر وتونس ) وبين دول المركزالرأسمالي المتطور أواصر جامعة , و لكن تحت وصاية وكفالة و سيطرة المركز الحاضن له , ووفق منظومة تقسيم العمل الدولى وتوزيع وظائفه بين المركز والمحيط .
ولكن داخل المركز تحتدم تناقضات الأزمة الدورية الحاكمة لعملية الإنتاج الرأسمالى , كما تجرى على تخومه تحولات فى بنية العلاقات الإجتماعية والإقتصادية وحيث تتبوأ صدارة السلطة السياسية فى البلدان المتخلفة فئات أجتماعية تؤدى لظهور تحالفات طبقية متنوعة .
وتحاول هذه التحالفات الجديدة الحفاظ على أوضاعه السلطوية الهشة حيث تعانى فى السياق الإقتصادى من حدوث تفاوت مستمر بين قوى وعلاقات الإنتاج المادى , و تعجزعن انجاز عملية الإنتقال من التشكيلة الإقطاعية إلى الرأسمالية وفق معطيات تطورها الذاتى.
ولذلك تعانى هذه الطبقة الحاكمة الغربة والأزمة الداخلية الإجتماعية والإقتصادية المتفاقمة , فى وقت تظل محكومة فيه بظروف التطور الرأسمالى التبعى وبواقع أندماجها الرأسى المتعاظم مع المراكز الإمبريالى .
ومع احتدام تناقضات أقتصادها التابع و المأزوم وعجز آلياتها السياسية عن ضبط عملية التطور الرأسمالى تنشأ أشكالية السيطرة على السلطة السياسية وعلى الطبقات المقهورة فى هذه البلدان .
ومن هنا يبرز دورالوسائط ( ما فوق الإقتصادية ) كمعلاج وضابط لهذا الوضع , و حيث تتنامى نزعات العودة لممارسات الطابق الثانى من البناء الفوقى / أى مستوى القمع الملموس – على حد تعبير التوسير- وكأداة كابحة و للحيلولة دون أنفجارالموقف .
وعبر أحداثيات هذا التناقض , وفشل الإنتقال لطور الرأسمالية تتقدم الوظيفة الخاصة " للجيش " داخل هذه التكوينات الإجتماعية , وحيث يصبح الجيش أحدالأجهزة الحقيقية للسلطة الحاكمة , ويترجم أختصاصه ووظيفته فى ممارسة الدولة الطبقية لسلطتها.
وهنا تتوارى فكرة القيام بهذا الدور لأجل تحقيق " المصلحة الإقتصادية والسياسية للفئة المسيطرة " بل من أجل تحقيق " المصلحة العامة " التى تمثلها الدولة , وحماية للشرعية الدستورية وفق التصور القانونى والحقوقى الليبرالى .
وحيث يكتسب القمع المادى المنظم " ممثلآ فى صورة / الجيش الحديث " شرعية التواجد على المسرح السياسى و الدستورى , و يصبح أستخدامه وقفآ على السلطة السياسية, ويخضع للقواعد المنظمة لدولة القانون - وبحسب الكود البرجوازى المقترح لهذه المهمة .
وترتيبآ على ذلك يصبح هذا القمع المسلح عنفآ مشروعآ يستند لقواعد الدستور , ويتفق مع المصلحة العامة للشعب , و يتم تسويقه عبر تنمية الهواجس والمخاوف من الأطماع الخارجية , والتأكيد على أهمية دور الجيش فى " حماية التراب الوطنى للأمة "و من خلال" المنحى التاريخي " التى أضطلع به فى هذاالإطار.
كما تجرى " تعمية عمدبة " على الطبيعة الطبقية للجيش ووظيفته العضوية فى ضمان سيطرة فئة معينة على الثروة والسلطة , ويتم عزله " صوريآ " عن " السياسة وباعتباره " قوة حياد طبقى و سياسى " , و خاضع لرقابة الرأى العام .
غير أن ذلك لا يمكن أن ينفى الطابع العارى لهذا القمع المادى المسلح فى الدولة الرأسمالية والذى نبه اليه " ماركس " -الذى أوضح بجلاء علاقة البنى السياسية بالقوة – فهو من ناحية : قمع مجرد من أية مبررات غير سياسية , وهو من ناحية آخرى : متغلغل فى مؤسسات الدولة – الطبقية .
تنامى دور " الجيش " وأضطلاعه بهذه المكانة فى مصر و تونس عقب الثورة يتقدم على سند من هذه الأرضية الإجتماعية و الطبقية المرتبطة بنموذج الدولة الإستبدادية وأستيلابها المتواصل فى أجندة عمل المركز الرأسمالى .
فعجز التحالفات الطبقية ( لسلطة مبارك و أبن على ) عن حل تناقضات واقعها الإقتصادى المتداخل والمشوه ( تشابك قوى وعلافات انتاج قديمة وجديدة – غياب التوازن فى ظل أعطاب جهاز الأثمان – الاندفاع نحو الخصخصة وفق برامج التكييف الهيكلي المفروض من صندوق النقد - الفساد .. ) وعدم تحقيق عملية الضبط الإقتصادى المنشود دفعها نحو تعظيم " مكانة الجيش " وكخط خلفي داعم وساند للتحالف الطبقي الأمامي .
ومن هنا تقدم الجيش إلى الأمام كترجمة لعجزالطبقة السياسية الحكمة عن ضبط أيقاع الصراع الإجتماعى , وعن أعادة أنتاج البنية بكل مستوياتها " بدون عوائق " , وعجزالآليات الاقتصادية عن انجاز تلك المهمة , وفشل الخطاب الأيديولوجى فى إعادة إنتاج البنية الإجتماعية فى مرحلة التحول الرأسمالى .
ومن الهام أثبات أن هذا التقدم الأخير جاء على أرضية تم التمهيد لها عبر عقود طويلة وحيث أكتسب منحى العسكرة أبعادآ هامة ( كأيديولوجيا وسياسة ) ومن أجل ضمان " اعتراف " المجتمع العام بهيبة وفوقية تلك المؤسسة العسكرية كقوة " كلية القدرة" بعيدة عن الفساد و حامية للشرعية والأمة .
كما جرى حجب الإنفاق الحربي المتزايد وأمتيازات العسكريين الإقتصادية والاجتماعية الهائلة عن الوسائل الرقابية والبرلمانية وتحصينها بسياج السرية , والتأكيد على ابتعاد المؤسسة العسكرية عن " فساد وتناقضات " المجتمع المدني وأجهزة الدولة.
الجيش في مصر وتونس يلعب الآن دورآ قياديآ فى صدارة المشهد السياسي و بهدف ينتمي لمهمته العضوية ضمن تكوينه الاجتماعي الحاضن له , و باعتباره حاميآ لقواعد الرأس مال و مؤسسة الملكية الخاصة و ضامن لاستمرار أوجه التبعية الاقتصادية و العسكرية مع المركز الرأسمالي .
ولذلك ليس غريبا تأكيد العسكر في هاتين الدولتين - ومنذ الأيام الأولى لاستيلائهما على السلطة - على استمرارالإرتباط بنهج السوق الرأسمالي وأفكار التحرير الإقتصادى , ووفاء مصر وتونس بالتزاماتهما و تعهداتهما الدولية في هذا الإطار .
أخطر ما في مشهد الثورتين المصرية و التونسية أنه في وقت يسيطر ويقود فيه الجيش مؤسسات الهيمنة الطبقية و يضمن أستمراريتها و الحفاظ عليها , فأنه يجرى تشويه الوعي بشأن هذا الدور , والدعاية لزهد العسكر عن ممارسة الحكم و السلطة .. بل وانحيازهم لمجتمع الإشتراكية والمساواة والعدالة الاجتماعية !!.
عماد مسعد محمد السبع .
#عماد_مسعد_محمد_السبع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟