|
حانت ساعة العمل
رامي الغف
الحوار المتمدن-العدد: 3326 - 2011 / 4 / 4 - 20:15
المحور:
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
منذ إنعقاد مؤتمر السلام في مدريد، والإسرائيليين والولايات المتحدة والعالم أجمع يعرفون أن القدس خط أحمر فلسطينيا وعربيا وإسلاميا ومسيحيا، لذلك فقد تعرضت القدس وضواحيها ومنذ إحتلالها إلي أبشع أنواع مصادرة الأراضي والتهويد والتغير الديمغرافي، واستهدفت العديد من منازلها ومؤسساتها إلى الهدم بحجة عدم الترخيص أو المصادرة لإدعاء الملكية أو إنها أملاك غائبين، وفي كلتا الحالتين يتم إسكان مستوطنين في تلك البيوت ورفع علم إسرائيل فوق سطوحها، وتعيين أطقم حراسة من حرس الحدود وبذلك يجعلون المنطقة بكاملها تعيش تحت الإرهاب الصهيوني.
إسرائيل عمدت كذلك على إحاطة القدس بمجموعة هائلة من أحزمة المستوطنات وركزت على إغتصاب الأرض وطرد السكان عبر أساليب استيطانية خبيثة ابرزها النوايا، والدعاية، وقوانين الضم بهدف تصفية حقوق السكان في املاكهم باعتبارها أملاكا تم الاستيلاء عليها بحكم الاحتلال والقوانين الصادرة عنه وتصفية المؤسسات الوطنية الاسلامية والمسيحية، وهدم جميع الأبنية الأثرية الملاصقة للمسجد الاقصى والكائنة حولة، وباشروا في اجراء حفريات في ارجاءة بحثا عن اثار يدعونها.
حكومة الإحتلال تستهدف المواطنين العرب من أبناء القدس عبر ترحيلهم وترهيبهم وقمعهم، والتخلص منهم عبر تكثيف الوجود اليهودي من خلال النزوح اليهودي إلى القدس وتصعيد حركة الإستيطان وإضفاء الطابع اليهودي على المدينة لخلق أمر واقع يساند ويعاضد الإدعاء الإسرائيلي بإعتبار القدس عاصمة أبدية لدولة إسرائيل. وهذا ما عبر عنه " الصهيوني المتشدد هرتزل" عندما قال "إذا حصلنا يوما على القدس وكنت لا أزال حيا وقادرا على القيام باي شيء فسوف ازيل كل شيء ليس مقدسا لدى اليهود فيها. وسوف أحرق الآثار التي مرت عيها قرون، وهو هنا يعارض الأنثرولوجيا والتاريخ، فاليهود لم يملكون يوما بمعنى الإمتلاك شيئا في القدس، بل أن وجودهم كان عابرا على المنطقة والمدينة. وكان "بنغوريون"يردد دائما لا معنى لإسرائيل بدون القدس ولا معنى للقدس بدون الهيكل.
اذا إن المرحلة التي يمر بها الشعب الفلسطيني وقضيتة الوطنية ومقدساتة الإسلامية والمسيحبة تعتبر من أدق وأخطر المراحل التي مر بها حتى الآن، "فالقدس" وهي أبرز الثوابت المعاصرة التي لا جدل حولها، ففوق جبالها تتبلور حالات الحضور لتعد النوارس بالقيامة، والقدس الوطن الأشم والذاكرة الخالدة المزدوجة بجملة الحقائق والأشياء، يمشط شعرها تاريخ الأجداد والآباء والشموخ الجبلي الداخل في الطقوس اللاهبة، إنها إمتزاج الحلم بالتراجيديا، أولادها وبناتها يغزلون مستقبل الحب والسلام وينشدونه ويرتلونه. فإن إرادة السماء منذ ان وطأت أقدام المسيح للوطن المقدس، شاءت ان تكون القدس فاتحة التكوين وعاصمة فلسطين وفلسطين بإذن الله ستنتصر.
فإذا كانت حكومة الإحتلال ومستوطنيهم في ظل زوبعة الأحداث الجارية في الوطن العربي قد إتخذوا خطوات جديدة إستباقية فيما يخص معركة القدس، فان الشعب الفلسطيني بكافة أطيافه وألوانه السياسية ومعه الشعب العربي يدركون جيدا أن القدس هي النقطة التي لا تهاون ولا تردد فيها، ويدركون كذلك أن القدس هي مشكلة المشاكل وأن حقهم فيها لا يمكن أن يقتصر على قدر متواضع كرفع العلم أو الإكتفاء بجزء من الأماكن المقدسة، فمقدساتهم هي إسلامية مسيحية وهي مقدسات في إطار حقوقهم الكبيرة في عاصمتهم الخالدة القدس. وهم يعلنون دعمهم ووقوفهم بجانب القيادة الفلسطينية ورئيسها "محمود عباس" الذي أبدى صمودا وثباتا حديديا على الموقف الفلسطيني الثابت حيال القضايا المصيرية للشعب الفلسطينى وعلى رأسها القضية المركزية"القدس"، وقالها مدوية لا لتقسيم القدس ولا للمخططات الأمريكية الأسرائيلية التي تريد إنتقاص حقوقنا.
لقد أصبح العنوان الرئيسي لحكومة نتنياهو خلال عمر ولايته الحالية أكثر وضوحا وهو "دعوة الفلسطينيين للإستسلام" والتخلي عن أهدافهم الوطنية العليا مقابل تسوية مرحلية طويلة الأمد تبقي "القدس" طابو مسجلة بإسم الكيان الإسرائيلي ويتم في إطارها منح المستوطنات شرعية التمدد حسب الرغبة الإسرائيلية.
إذا فالظروف والمتغيرات الدولية والتعنت الإسرائيلي قد تطور تجاه فلسطين وقضاياها الوطنية وعلى رأسها قضية القدس ليتأكد أن قوى الظلام في اسرائيل يرفضون هذه الخيارات، خاصة وهي تحاول دق الأسافين في عنق المسيرة السلمية وتقدم قوى التطرف في إسرائيل بأشرس هجمة إستيطانية على القدس الشريف وتحاول من خلال ذلك تزوير الجغرافيا والتاريخ، ولكن القدس التي تتمركز في وجدان كل فلسطيني وعربي هي القاعدة الاولى والأخيرة التي لا جدل حولها ابدا، فالقدس عاصمة الدولة الفلسطينية. فالمفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي والتي تتكلل دائما بالفشل بسبب المواقف الإسرائيلية المتصلبة والمتعنتة في أكبر القضايا حساسية "كمسيرة سلمية" يستطيع رئيس الوزراء "نتنياهو" أن يقدمها في كل لحظة على الطاولة لتضليل الرأي العام المحلى والإقليمي والدولي والتمسك بمقاليد الحكم والسلطة في هذا الكيان المأزوم بتناقضاتة الحزبية الضيقة والإجتماعية والسياسية، فلقد أوصلت مناوراته البهلوانية مسيرة السلام في الشرق الأوسط إلى عنق الزجاجة وبدت ملامح المواجهة الساخنة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي تلوح في الأفق يعززها واقع التوتر والقلق المشحون بالحشود العسكرية الإسرائيلية، وهذا الواقع المرير يعتبر إمتدادا طبيعيا لسياسة نتنياهو المتمثلة في حسم الأمور بضربة واحدة على طريقة العسكر.
حيال هذا التعنت بالقدس لدى كيان الإحتلال ومستوطنيه يجب أن نؤكد أن الإستخلاص الأساسي وهو أن كيان الإحتلال وأطراف الإحتلال غير معنية أو ناضجة لإستحقاقات السلام، وغير ناضجة للإستحقاقات الوطنية الفلسطينية في حده الأدنى وهو ما يعني بأنه ما زال أمام الشعب الفلسطيني وقيادتة السياسية مهمة إيجاد الكيفيات والآليات لإنضاج الرؤوس الحامية وهي كيفيات وآليات تسير على عدة محاور أساسية أهمها.
أولا: الإدارة السياسية الصحيحة للمرحلة القادمة وهي في حقيقتها قد تكون مرحلة فراغ، ومرحلة لا مفاوضات من حيث الجوهر وبغض النظر عن الأشكال أو التكتيكات. وهذه الإدراة السياسية يجب أن يكون هدفها تفكيك جبهة الخصوم وتقوية جبهة التحالفات، وإعطاء مناخات مناسبة لإستمرار المقاومة والإنتفاضة، وعدم عزلهما، وحشد المساندة الدولية، والعمل بكل المجهودات في الساحة الدولية الأمريكية والأوروبية وكذلك الساحة العربية والإسلامية وساحات الأشقاء والأصدقاء وأن تستخدم المنطلقات الإيجابية بصورة سلمية بارعة. ثانيا: إستمرار التمسك بالثوابت وبلا تردد، فهناك إتفاقيات إنتقالية لم تنفذ بعد، فيجب على الاسرائيليين تنفيذها فورا، وهناك قضايا الوضع النهائي التي قطعت أشواط والتي إستشهد من أجلها القائد الرمز ابو عمار، فلا يمكن الرجوع فيها إلى الوراء والتي تحتاج من الفلسطينيين المزيد من الخطوات إلى الأمام بحيث لا حل ولا أمن ولا إستقرار نهائي بدون القدس والأماكن المقدسة وحق العودة والأرض كاملة والإستقلال كاملا. ثالثا: التأكيد على إستمرار مقاومة الإحتلال المشروعة، فالمقاومة حق مشروع والإتفاقيات تجاوزت وقتها والشعب الفلسطيني لن ينتظر. رابعا: إستمرار الإنتفاضة وفعالياتها المدنية وتوسيع نطاقها وقاعدتها والمشاركة فيها وإستكشاف القوانين المناسبة لظروفها الوضوعية وخصائصها في هذه المرحلة من أجل تعزيزها والإستمرار بنقاط قوتها وإيجابياتها. خامسا: تحقيق الجاهزية وترتيب الوضع الذاتي والداخلي وإنهاء الإنقسام الحاصل بين شقى الوطن فورا من أجل الجاهزية لمعركة القدس الكبرى. فترتيب الوضع الداخلي لابد أن يعي الجميع أن علاج الوضع الذاتي يجب أن يبرمج بالجرعات العلاجية المناسبة، لأن الجرعات العلاجية الزائدة عن قدرة الإحتمال قاتلة، والجرعة العلاجية الناقصة من الإحتياجات غير مجدية. سادسا: تمتين كل صيغ الوحدة الوطنية وتمتين ودعم صنع لقاء ووحدة القوى الوطنية والاسلامية وعلى رأسهما حركتي فتح وحماس وتكامل المواقف في إتجاه الهدف الوطني لهذه المرحلة التاريخية، وهو هدف على طريق أحلام وتطلعات الشعب الفلسطيني ببعدها العربي وخيارها الحضاري والتاريخي العربي الاسلامي والمسيحي العربي.
وبناء على ما تقدم يمكننا القول أن إستهداف عملية السلام ومن ضمنها إستحقاقات القدس من قبل قوى اليمين المتطرف والمستوطنين الحاقدون على العرب والفلسطينيون يشكلون تهديدا خطيرا لمستقبل المنطقة، وهذا التقدير يبقى واردا في ظل تواطؤ رموز الحكومة الإسرائيلية بالشراكة مع المستوطنون العابرون والقادمون من "أوكرانيا وأثيوبا وبلغاريا وروسيا" وعجزهما عن إختراق الخط الفاصل بين الأيدلوجيا التوراتية والمتطرفة والسلام العادل وستكشف الاشهر القادمة ان "نتنياهو وزبانيته" ليس الا أرقام جاريا من سلسله الارقام التي جلسوا خلف مكتب رئيس الوزراء كشاهدين زور على عبث المستوطنين وأتباعهم بمستقبل عملية السلام.
#رامي_الغف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يوم الأرض رمزاً لوحدة الفلسطينين
-
لن يخضعون إلى لعبة عض الأصابع
-
نحن ننبت في الأرض والأرض تنبت فينا
-
كلما أقترب الفجر إحتدم الصراع
-
كفاحكم لن يذهب هدرا
-
واقع عربي رديء
-
أنتم ملح الأرض ونور العالم
-
لعبه تبادل الأدوار
-
لماذا الهروب من الحقيقة؟
-
نتن ياهو وسياسة الأرض المحروقة
-
الكيان العنصري
-
مركز الميزان يصدر تقريرا حول أثر الاعتداءات الاسرائيلية خلال
...
-
من ينقذ ثروة فلسطين البشرية
-
الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب تواصل حضاري وعطاء
...
-
الكيان الصهيوني اعتقل ربع الفلسطينيين وانتهك كرامتهم في الحي
...
-
إلى متى سيبقى الحصار مستمرا على الفلسطينيين؟؟؟
-
حب ذاتك
-
في يوم الطفل الفلسطيني
-
حوار مع الشاعرة والأديبة الجزائرية الدكتورة حنين عمر
-
المرأة العربية وعلاقتها بالتنميه الشامله
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
علاقة السيد - التابع مع الغرب
/ مازن كم الماز
-
روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي
...
/ أشرف إبراهيم زيدان
-
روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس
...
/ أشرف إبراهيم زيدان
-
انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي
/ فاروق الصيّاحي
-
بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح
/ محمد علي مقلد
-
حرب التحرير في البانيا
/ محمد شيخو
-
التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء
/ خالد الكزولي
-
عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر
/ أحمد القصير
-
الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي
/ معز الراجحي
-
البلشفية وقضايا الثورة الصينية
/ ستالين
المزيد.....
|