|
الثورة ... ما بين الإدراك والتدارك
هيبت بافي حلبجة
الحوار المتمدن-العدد: 3324 - 2011 / 4 / 2 - 15:56
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الثورة ... مابين الإدراك والتدارك هيبت بافي حلبجة إن العلاقة الجدلية التي تحكم الأشياء في طبعها وطبائعيتها لاتكمن ، على الإطلاق ، في واحديتها ولا في وحدة الإئتلاف فيما بينها ، إنما في السمة السائدة ، ذات العلاقة الوحيدة المستحكمة في مفهوم التناقض ، والتي لاتقف عند حد البنى التحتية ، بل تتجاوزها لإنجاب الوعي المرادف وتمثيله في ما بعد تمثيلها ، هي بالذات . كما إن هذه العلاقة الجدلية لاتظهر على السطح دائماُ ، بل هي تبقى على الأرجح مثل اللاشعور المعرفي ، يرانا ونحن لانراه ، يتجسد فينا كما يتجسد الضوء في الظلام ونحن نعتقد ، بل نحن واثقون كل الثقة ، كالأغبياء ، من إننا أحرار مدركون ، الإدراك كله ، لقوة النفاذ إلى ( الحقيقة ) ، وكأننا جزء سرمدي من الوعي الذي يتأبد ويقهر التناقض ويهشم السمة السائدة و يهرس تلك العلاقة الجدلية ، بل وكأننا ذاك السر الدفين في الذات الإلهية ، كذروة الإئتلاف في مبدأ وحدة الوجود . وإذا كانت هذه العلاقة الجدلية لاتظهر ، لاتستبان ، فلإن ، من زاوية أولى ، وعينا ليس جزءاُ من التاد الصيني ،ولا من دهارما في الفلسفة الهندية ، ولا من اللوغوس الهيراقليطيسي ، ولا من النوس الأناكساغوراسي ، إنما هو وعي للتاريخ البشري ، ليس مفارقاُ عنه ، وعي للتجربة الإنسانية كبعد مولود منها وبها لكنه فاعل ينجب ، كألوحدة في اللاكثرة ، كأللاكثرة في الواحد ( بعكس ما أعتقد لالاند ، وليفي شتراوس ) ، ومن زاوية ثانية ، الوعي البشري مسكون ، للأسف ، وربما من حسن الحظ ، بالمكان ، مقهور بأبعاده ، منتهك بمكنوناته ، مستباح بأجتياحه ، ومن زاوية ثالثة ، الوعي الإنساني تكاملي وليس تفاضلياُ ، وهذه هي السمة والخاصية الأكثر سلبية في ماهيته ، والأكثر قبحاُ وشناعة في آدائه ، وفي اتساقه . إن هذه الزوايا الثلاثة تميط اللثام عن مدى الغبن والإجحاف اللذان لحقا بالعلاقة الجدلية على يد فيلسوفين ، أحدهما ، كبير وهو هيجل ، والثاني ، أقل شأواُ وعظمة منه ، لكنه لايقل أجتهاداُ ، وهو هربرت ماركيوز . فالأول ، أي هيجل ، أخضع بصفة مطلقة مفهوم العلاقة الجدلية لمحتوى الفكرة المطلقة ، وجعله وسيلة لتطور هذه الفكرة ، بحيث أمسينا إزاء الأنتقال من مقولة إلى أخرى بأصطناع حالة سيولية لاتمت إلى الحالة الوقائعية الفاعلة ، حسب تعبير جان بول سارتر ، وكأننا إزاء تاريخ الفكرة نفسها لبلوغ العقل الكلي أو الوعي المطلق . أما الثاني ، أي هربرت ماركيوز ، فقد سعى جاهداُ إلى إنقاذ العلاقة الجدلية من التهيش الباهت بتقويم مسارها لدى سيده هيجل ، ومنحها شيئاُ من أبعاد الفلسفة و التاريخ والتمازج فيما بينهما ، بل حتى التماهي ، إلا إنه حينما أجتهد بإضافة منطوق الوعي ، أضحى فريسة لهذه الثلاثية ( الفلسفة ، التاريخ ، الوعي ) ، وأنكمش ضمن إشكالية الوعي السلبي ، فغدا التاريخ لديه تاريخ الأستلاب ، والفلسفة لديه هي فلسفة النفي ، والوعي كبح وأبطل لديه الحيوية المفترضة للعلاقة الجدلية . وفي الجانب الآخر ، المعاكس ، لتأصيل هذه المسألة ، برز كارل ماركس وصاحبه أنجلس ، وكل من غرامشي ، وأرنستو كلاو ، ومهدي عامل . لم يدرك كارل ماركس ولاصاحبه أنجلس ، في البداية ، الدور الوظيفي المناط بالعلاقة الجدلية ما بين الموضوع والمحمول ، أو الدور التاريخي في الأنتقال من مرحلة أدنى إلى مرحلة أعلى ، وحينما أدركا عظمة ووظيفة هذه المقولة ، أدركا بالتوازي وبصورة أفضل أرتباط المقولات السابقة فيما بينها ، لأنها ترسخت ، لديهما ، على قاعدة أكثر ( تاريخانية ، فلسفية ، علمية ) ، وتأكدا فيما بعد إن المقولة الوحيدة التي كانت تنقذهما ، على طول المتقاطعات ، هي الأستغلال . أما غرامشي فقد أضفى إليها شيئاُ من العلمية في أدراك عظمة هذه العلاقة من خلال مفهوم الوظيفة الإفرازية لطبقات ( وشرائح ) المجتمع ، وأما أرنستو كلاو فقد أستكشفها من خلال محتوى مقولة القمع ، وأما مهدي عامل فقد أستنطقها من خلال تناقضات الواقع الفعلي . وهذا المحتوى الإيجابي والأكيد للعلاقة الجدلية ، فيما يتعلق بالأحداث ( الثورات ) التي تجتاح الآفاق العربية ، هو مايبدو غائباً في ذهن المفكر العربي . هذا الذهن الذي يسعى خطأ إلى ربط ( هذه الثورات ) سواء بإحدى هذه المفاهيم أو كلها مجتمعة ( الفقر والجوع ، العطالة والبطالة ، القمع والعنف ، الأستبداد والظلم ، القهر والضغط ، الغبن والإجحاف ) أو ( عدم وجود أصلاحات ، تطبيق حالة الطوارىء ، عدم وجود قوانين للأحزاب ، عدم وجود تقنين للحريات العامة ، الأعتقالات التعسفية ) أو ( السلب والنهب ، أستشراء الفساد ، المحسوبية ) أو ( السياسة ومضامينها ومجالاتها المتعددة والمتباينة بالمعنى المحض لها ) أو ( أحتجاز كرسي الحكم إلى الأبد ) . من المؤكد إن هذه العوامل جميعها مجتمعة ، أو بصورة متفرقة ، ساهمت وتساهم في نفي العلاقة ما بين السلطة والنظام وبين مجمل شرائح المجتمع وأطيافه وفئاته ، لكن الذي يجري على الساحة العربية الآن تحديداُ يتعدى هذه الأمور رغم أهميتها القصوى بل القاتلة ، لإن العلاقة هنا هي علاقة تبادل ، توازن ، مقادير كمية ، فعل ورد فعل ، لاترتقي إلى مستوى العلاقة الجدلية التي هي جزء أصيل من فحوى الحدث وقيمته الإدراكية ، لذلك كيلا نغدر بها نحن ، نعتقد إنها ، أي العلاقة الجدلية ، في الحدث ( الثورات ) تماهت وتتماهى من ثلاثة مسائل هي ، المسألة الأولى ، إن الشعور العربي حايث كلياُ حالة الأغتراب ليس في مكنوناته ، إنما في كينونته ، فهو في الحقيقة لايتمرد على ( السلطة والنظام ) فقط ، إنما هو يتمرد قبل ذلك على ذاته ، على فشله التاريخي ، على تبعيته المقيته ، لذلك تصرف ( ولم يقرر ، لإنه أصلاُ لايستطيع أن يقرر ، ومن هنا لم يدرك المفكر العربي عمق الحدث ) كي يقطع مع الحاضر على كافة الصعد ، السياسية ، الأجتماعية ، المعرفية ، الفكرية ، وكأن المسألة أنتقلت من مرحلة التراكم الجيولوجي ( التعويض الأجتماعي ، السياسي ، الإقتصادي ) إلى مرحلة التعويض الجيولوجي ( أريد ذاتي حية ، أريد كليب حياً ) ، ومن هنا تحديداً ، هو يرفض مفهوم الإصلاحات ، وينادي بإزاحة رأس السلطة ، ونظام السلطة ، وإنشاء دستور جديد ، لإن كل المعطيات الأخرى ( الديمقراطية ، حقوق الأنسان ، الحريات العامة ، العيش بكرامة .. ألخ ) ستحقق بعد أن تتحقق الأمور الثلاثة السابقة . فإعادة الحياة إلى المستقبل ( والذات المستلبة ) لامحيص من إيقاف الحاضر أولاُ . المسألة الثانية ، إن اللاشعور العربي العام ( اللاشعور النفسي الفرويدي ، اللاشعورالمعرفي – جان بياجه ، اللاشعور العام اليونغي ) قد تهدمت وأنهشمت مرتكزاته ، وولج ، هو ، في مرحلة الموت السريري ، ليبلغ نقطة اللارجوع ، نقطة التي عندها لم يعد له أي تأثير على النظام العام ولا على تحديد مقومات العقل ، المنطق ، ولا على أبعاد تحديد الهوية ، لذلك فإن التمرد لم يخضع للمقايسة ، ولا لمفهوم الشرط ، ولالمحتوى الركن ، ولا للأساليب السياسية المعهودة ، ومن هنا بالذات كان التمرد ضد ( المعارضة ) مثلما هو ضد ( النظام القائم ) ، ضد السياسة ، ضد الفكر ، ضد السوسيولوجيا ، ضد التاريخ ، ضد الكل لولادة الكل ، لولادة لاشعور جديد ، ( قد يستغرق لأكتماله عدة قرون ) ، وليس أدل على ذلك من ، أولاُ ، إن هذه الثورات بدأ بها أناس ( فتيان ) لا لون سياسي لهم ولا إتجاه معرفي مسبق ، هم فتية يصرخون من الأعماق ، يصرخون وكفى ، يصرخون صرخة من اللاشعور ضد اللاشعور ، ثانياُ ، إن ( النظام ، والأجهزة الأمنية ، والشرطة ) يعترفون بضرورة ( الإصلاحات ) حتى لو كان ذلك نفاقاُ ودجلاُ ، والآن لو بقي القذافي ، وصالح ، ورجع مبارك و بن علي إلى دست الحكم ، فإنهم سيكونون ( أشباه ثوار) . المسألة الثالثة ، إن الغرب الرأسمالي لايستطيع ، ولم يستطع إلا أن يتعامل مع الأحداث وفقاً لمعادلات مغايرة ، لإن الواقع جديد ، ولبروز عنصر جديد ، عنصر يغاير القديم ، عنصر لم يكتمل بعد ، لكنه قادم بكل ثقة ، بكل موضوعية ، وبصورة بنيوية ، عنصر صادر الحاضر لمصلحة المستقبل .... [email protected]
#هيبت_بافي_حلبجة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رؤية معرفية في واقع لامعرفي ( سياسة الطفل )
-
برهان غليون والخطاب المتهافت
-
الكورد والعرب وجدلية الزمن ( مفهوم الثورة )
-
لعبة الأمم الجديدة ( صناعة أيران )
-
الشيخ سعد الحريري ما بين العملية السياسية والدهنية الديمقراط
...
-
الدالة الفارغة ما بين هوبز وأفلاطون ( الحلقة الثانية )
-
الدالة الفارغة ما بين هوبز وأفلاطون ( الحلقة الأولى )
-
الدكرى الثامنة لإنطلاقة الحوار المتمدن
-
البيئي والجسمي مابين الفلسفة والعلم
-
المعارضة السورية مابين الإشتقاق والبنيوية
-
فلسفة ديكارت ... مابين السقوط والتساقط
-
فلسفة كانط ... ما بين السقوط والتساقط
-
فلسفة هيجل ... ما بين التهافت والنقض
-
الفكر ما بين الإشكاليات والتصور الغائب ( رؤية جديدة في تصور
...
-
الشرق الأوسط ....ما بين مخلبين الفارسي والرأسمالي
-
نقض نظرية الأخلاق لدى سقراط
-
مابعد غزة .... ما بين الوهم والتوهم
-
الرد على الدكتورة واثبة داود السعدي
-
الرد على الدكتور طارق علي الصالح
-
شيء من العقل .... شيء من النعال
المزيد.....
-
ترامب يوجه هجوما لاذعا للزميل جيم أكوستا والأخير يرد
-
تحرك ضد جنرال أمريكي منتقد لترامب.. إليكم ما أمر به وزير الد
...
-
بوتين: سيادة أوكرانيا تقترب من الصفر ولولا دعم الغرب لها لان
...
-
أين وصلت التحقيقات بعد عام من مقتل الطفلة هند رجب؟
-
الهند.. مصرع 15 شخصا على الأقل نتيجة التدافع في أكبر مهرجان
...
-
تحطم مقاتلة -إف-35- أمريكية في ألاسكا ونجاة طيارها (فيديو)
-
الاستيقاظ المتكرر أثناء الحلم قد يكون علامة مبكرة لمرض خطير
...
-
عشرات القتلى والجرحى في تدافع خلال مهرجان ديني شمال الهند
-
فيديو محمد بن سلمان يعزي أبناء الأمير محمد بن فهد يثير تفاعل
...
-
-عندما يريد شيئًا.. فإنه يحدث-.. تحليل خطة ترامب في غزة وخيا
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|