|
تحرر الإعلام الوطني من قبضة النخب.
حميد طولست
الحوار المتمدن-العدد: 3323 - 2011 / 4 / 1 - 16:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم يبق إنسان مغربي إلا وأبدى زهوه وفرحه نحو ما بدأ يظهر على وسائل الإعلام الوطنية، من بوادر احترم قوانين الإعلام، وإرهاصات مبادئ الفرجة التلفزيونية المهنية، اللتان هما إكسير كل منتوج إعلامي ملتصق بمشاغل المواطنين مرتبط بهمومهم متشابك باحتياجاتهم التنموية مجيب على تساؤلاتهم اللحظية والأزلية، والذي عايننا قبل أيام مظهراً متميزا منها في حلقة من )مباشرة معكم( التي كانت بحق قفزة نوعية وانطلاقة جديدة للتلفزيون العمومي، في نزع جلده المخزن القديم، ونبذ ما عودنا عليه من لغة الخشب والببغاوية والغوغائية والفوضى في خطابه وتوجهه الرسمي التلفزيوني، حيث تبني اليوم الجرأة الخارقة في اتنقاء الضيوف المميزين الذين كانت إطلالتهم من التلفزيون أمرا نادرا، وربما مستحيلا، والذين لم يكتفي الإعلامي جامع كلحسن في تنشيط حلقته الناجحة بكل المقاييس، بالخروج -في مهمة صعبة- عن الدور التقليدي الذي كان يقصر تنشيطه على طريقته التقليدية التي كان يحصرها في توزيع الكلمة بين الضيوف فقط، ليتعداها إلى تأطير النقاش، وإحراج الضيوف بالكثير من الأسئلة المستفزة التي تمنح للنقاش متعة، وتعطي للفرجة حرارة ولذة، وللسجال الحر نفس قوي، بما يفسح للتعبير عن الآراء والمبادئ والأفكار المتصادمة والمتعارضة المجال الرحب والحرية الجميلة، التي لم يكن لها مثيل من قبل، حيث أصبح المشاركون والمشاهدون يحسون بأن البرامج سيدة نفسها، بلا توجيهات أو تحديد سقوف للنقاش، ما يجعل مثل الأستاذ إدريس اليازمي رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان والذي لم يمض على تعيينه من طرف صاحب الجلالة في منصبه الجديد إلا أسبوعا واحدا، ومصطفى المانوزي، رئيس المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف، وعبد الحميد أمين، نائب رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، يشاركون في الناقش بلغة مثيرة وغير مألوفة في برنامج مباشر و"بوليميكي" بامتياز، وينخرطو في السجال بحماسة إلى درجة لم يتوانى معها عبد الحميد أمين في التطرق إلى صلاحيات الملك و تقاليد تقبيل يده. وليست القناة الثانية وحدها التي خرجت عما ألفناه من الإعلام الوطني الرسمي، بل كان السبق في هذه التجربة للقناة المغربية الأولى التي حاولت اجتراح التحرر من جمود الإعلام المخدوم، من خلال الحلقة الثانية من (قضايا وحوار) التي أشرف عليها وقدمها الصحفي عبد الرحمان العدوي ليلة الثلاثاء 15 مارس 2011، والتي خصصت لتدارس الخطاب الملكي لـ9 مارس، وشارك فيها كل من حكيمة الحيطي عن حزب "الحركة الشعبية"، وعبد العالي مستور عن "منتدى المواطنة"، ومحمد حنين ومحمد العمراني بوخبزة بصفتهما أستاذين جامعيين، وعبد الوهاب البقالي ككاتب وطني "لحركة الشبيبة الديمقراطية التقدمية"، وغزلان بن عمر ممثلة ل"حركة 20 فبراير"، التي كانت نجمة اللقاء بلا منازع، والتي خيبت ظن مخططي البرنامج ومقدمه، حينما لم تسقط في فخ محاولة إلتوائهم على أفكارها وما جاءت من أجله إلى التلفزة، حيث أنها أربكت الإعلامي المخضرم عبد الرحمان العدوي عندما لم يفلح في توجيهها نحو نقاش محدد سقفه نوعا ما، وثنيها عن تشبثها بمناقشة الخطاب الملكي، والتعليق على مواطن القوة ومواطن الضعف فيه، وما هو إيجابي فيه وما لم يستجب لمطالبهم كشباب. ورغم علو صوت منشط البرنامج، ومحاولاته المتكررة اليائسة والمستفزة لتوقيفها ومقاطعتها، كانت غزلان بن عمر تتحدث بكامل الثقة عن أسلوب المراجعة المقترحة للدستور وما فيه من تكريس للتعيين عوض التأسيس الذي يستمد شرعيته من سيادة الشعب، وعن تمسك الشباب بالملكية البرلمانية، التي اعتبرتها تتوافق مع الخيار الديمقراطي ومت دونها إنما يبقى حلولا ترقيعية، مع سيادة الفساد السياسي والرشوة اللذان يقللان من قيمة أي إصلاح دستوري وكل إصلاح مع وجودهما يعد مجرد حبر على ورق، ونحن في 20 فبراير نسعى للحفاظ على المكتسبات التي جاء بها الخطاب الملكي، لذلك سنخرج في20 مارس، لاستنكار ما تعرضت له "حركتنا 20 فبراير" من عنف وتعتيم إعلامي الذي مارس تجاه شباب 20 فبراير نوعا من التظليل الخطير. وفي خضم البهجة التي اجتاحت كل الأوساط المغربية، والتي طار فيها كل غيور على إعلامنا الوطني العمومي، بهجة وفرحا بسبب هذا التحول النوعي الكبير الذي بدأت رائحته تشتم في قنوات التلفزة المغربية ولو باحتشام، حيث بدأت الجهود تبدل للتحرر من نفوذ الحكومة والنخب الثرية وسيطرة ذوي المال على الإعلام الوطني، بغية بناء المجتمع وصيانة كرامة الناس وأمنه وأمانه، وذلك بتداول بعض الحقائق العامة التي تكشف عن الفساد الذي ينهش في البنيات التحتية والفوقية لهذا المجتمع ، هذه الجهود رغم ضعفها، تبقى تحولا كبيرا ومكسبا حديثا وعظيما يجب تسجيله بحروف من ذهب. في هذا الإبان بالذات يفاجأ الرأي العام المغربي، بما يفسد على الناس بهجتهم، ويحرمهم التمتع بنشوة جملة الإصلاحات التي نادى بها الشباب وأرادها ملك البلاد، ويعكر زهو براعم 20 فبراير المتفتحة المتطلعة لحرية التغير الشامل، الذين ظن الشباب خطأً أن أحوال ما بعد 20 فبراير و 20 مارس لن تكون مثل ما قبلها، لكن الرياح تجري بما لا تشتهيه السفن، كما يقال. في غمرة ما كنا فيه من فرحة بالتغير الذي نأمل أن يكتسح كل المجالات، كشفت بعض المصادر أن تصريحا لغزلان بن عمر، إحدى أبرز منسقات حركة 20 فبراير بالدار البيضاء، قد تعرض لتزوير لتشويه كبير من خلال مونطاج أشرفت عليه سميرة سيطايل، مديرة قسم الأخبار بالقناة، بنفسها، والذي كان هدفه، حسب نفس المصادر: إخراج تصريحات شباب الحركة عن سياقها، ومحاولة اتهام جماعة العدل والإحسان بالركوب على مسيرة 20 مارس بالدار البيضاء". وقد صرحت غزلان: أدين بشدة التزوير الذي تعرض له تصريحي من خلال مونطاج القناة وأُعلم الجميع أن التصريح الأصلي مسجل وسيتم استعماله في إتخاد التدابير اللازمة مع الجهات المسؤولة في القناة"، كما قررت حركة 20 فبراير تنظيم مسيرة مخصصة للتنديد بما قامت به مديرة الأخبار بالقناة الثانية سميرة سيطايل، التي فبركت المسيرة الأخيرة على هواها، وعادت بالمغرب لأيام البصري، حين كان يتحكم في الداخلية والإعلام المخدوم، ويشرف على برامجه التي يضع لها كل الخطوط الملونة بألوان المنع القزحية الممكنة وغير الممكنة للتحكم في مساره وميكانزمات الربورتاجات، والتوجهات وكل الآراء والتعاليق، ما يميع مفعول التغيير وإبطال فعاليته وقتل روح التحدي والإبداع والعزة والكرامة في الأمة وتحويل المواطنين إلى خراف لا هم لهم سوى لقمة العيش اليومي وقوت أطفالهم العراة من كل شيء، والذي راهن عليه هذا النوع من الإعلام المتخلف طوال عقود من الزمن. حدث خطير جدا، أرهب الكثير من المواطنين وجعل القناة الثانية، حسب ما تناقلت وسائل الإعلام، تعيش غليانا كبيرا بعد عملية المونطاج الذي أنجزته قناة عين السبع عن مسيرة 20 مارس، بل لعله يعتبر أكثر خطرا على الوطن من إرهاب أو إرهابي، لأن الإرهابي يعلن عن نفسه بتفجيراته الحقيرة ويقتل بعض الناس، لكن الإرهاب الإعلامي يقتل بانتقاء. كلنا يعلم أن كل فعل إعلامي عمومي يجب أن يؤسس على عقلانية وتخليق هذا العمل الإعلامي التلفزيوني وانحيازه لصفوف الشعب لتوعيته وتنظيمه استعدادا للتغيير، وليس على تهويمات الايديولوجيا والأساطير. وعلى نخب الإعلام الوطني أن تختار بين هذا الانحياز أو الرقص مع السلطة بعيدا عن الجماهير التي تعيش في حالة هلامية تؤدي إلي اللافعل أو إلي الفعل المتهور، لأن الإعلام الوطني الحقيقي هو الذي يرى في نفسه أنه أكبر من كل السلط، وأنه متحرر من نفوذ الوزير والنائب والسياسي، وليس معنى ذلك تكبرا أو خيلاء أو طغيانا، بل للحافظ على إستقلاليته التي بها وحدها يظهر وطنيته ويخدم مواطنيه ويكون في مستوى تلطعات الشعب الذي يبدو اليوم أنه أصبح يعرف جيداً ما له وما عليه ووعى بأن إرادته أقوى من أن تسلب، وأن صراخه غدا مسموعاً بعد أن خلق لنفسه هدفا جليلا يسعى لتحقيقه حتى لو ألزمه ذلك التضحية من اجله بالغالي والنفيس، ضدا على الحملات الظالمة والحجارة السامة التي توجه دائما لأحرار الإعلام الوطني وطاقاته الواعدة. وهذه فرصة الإعلام الرسمي التي لن تكرر، والوقت المناسب للتعامل بمهنية مشروعة، بدل فتح الجبهات الثانوية على حساب قضايا الوطن الأساسية، فأخلاق الفرسان لا تنزلق لمستنقع المهاترات الثانوية وتترك قضايا وهموم أوطان بكاملها، وصدق قول الله العظيم (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) و(ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين). ملاحظة: عرف مبنى الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة ومقر القناة الثانية، يومي الاثنين والثلاثاء 28 و 29 مارس حركة احتجاجية عقدت إثرهما لجنة التنسيق النقابي للنقابات الأكثر تمثيلية بالقطاع السمعي البصري العمومي جلستين تفاوضيتين مع فيصل العرايشي، رئيس القطب العمومي، الجاري بمكتب الرئيس بالرباط على أرضية "وثيقة مطالب الإصلاح"، وحسب بعض المصادر التي شاركت في الحوار مع العرايشي فإن أهم مطالب النقابات الأكثر تمثيلية بالقطاع السمعي البصري العمومي هي "إقالة سميرة سيطايل مديرة الأخبار بالقناة الثانية، وإقالة محمد عياد المدير العام للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة. حميد طولست [email protected]
#حميد_طولست (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التحريف والمداهنة
-
المراة العربية والثورة.
-
الكذب السياسي.
-
شباب التحرير.
-
وافق مجلس جالسه...كما وافق شن طبقه
-
شباب الفيسبوك، الحزب المرعب
-
الثورات لا تموت ولا ينساها التاريخ .
-
الفكاهة والثورة.
-
الثورة والإعلام الشعبي البديل
-
فوبيا السفر
-
هتيريا الرجولة
-
سوف كا، ربي يتماغ.
-
بلاد الدل تنهجر.
-
جوع كلبك يتبعك
-
ثقافة التقليد.
-
على هامش تطبيق مدونة السير.
-
غربة درب
-
عابد الجابري واستفزاز الصغيرات.
-
عشق حي قديم.
-
وإذا بوعزبزي يوما أراد الحياة...
المزيد.....
-
-لماذا لا تقوم بعملك يا سيناتور؟-.. حشد أمريكي غاضب بعد ترحي
...
-
مسؤولون لـCNN: خفض عدد القوات الأمريكية في سوريا إلى النصف خ
...
-
موسكو: كييف تستخدم التعبئة لصالحها
-
الذكرى الـ 80 لبدء معركة برلين
-
الإمارات: القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع لا تمث
...
-
وزير الداخلية التركي يكشف عدد السوريين الذي عادوا إلى بلادهم
...
-
-بوليتيكو-: تسريح موظفين في وزارة الدفاع الأمريكية بسبب إدار
...
-
وزير خارجية مصر: جهودنا لم تتوقف لإنهاء الحرب -الظالمة- على
...
-
قازان.. طائرة Tu-144 السوفيتية الشهيرة تتحول إلى متحف
-
نجيب بوكيلة لن يستطيع -تهريب- من تم ترحيله خطاً للولايات الم
...
المزيد.....
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
-
كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟
/ محمد علي مقلد
-
أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية
/ محمد علي مقلد
-
النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان
/ زياد الزبيدي
المزيد.....
|