|
مجزرة الجهوية بالمغرب
أحمد عصيد
الحوار المتمدن-العدد: 3322 - 2011 / 3 / 31 - 17:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هل تقوم السلطة بتدبير ملف الجهوية الموسعة بعقلية التمركز المفرط التي قامت عليها الدولة الوطنية المغربية منذ نصف قرن ؟ وهل يمكن التخطيط لجهوية حقيقية في إطار ثوابت المركزية وحدودها وخطوطها الحمراء وهواجسها الأمنية ؟ هذه هي الأسئلة التي تخامر ذهن الإنسان وهو يستمع إلى أعضاء لجنة الجهوية الموسعة في ندوة صحفية صباح يوم الإثنين الماضي، فجوابا على سؤال طرحه أحد الصحفيين عن الأسباب التي جعلت اللجنة تقصي المعايير الثقافية والتاريخية في التقطيع المعتمد، والذي كان من نتائجه تقطيع أوصال الجهات وخلطها بشكل غريب، أجاب أحد الأعضاء بأنّ سبب اعتماد التقطيع الذي يقفز على المعايير المذكورة هو الحفاظ على "وحدة البلاد"، ومعلوم أنّ كلّ أشكال التهميش التي طالت الأمازيغية ورموزها الثقافية وأعلامها والتي مورست على الجهات وثقافاتها، والتي نتج عنها اغتيال شخصية هذه الجهات وعبقريتها لصالح مركز تائه بين الشرق العربي وفرنسا اليعقوبية، هو هذا الهاجس الأمني المتضخم الذي يعتبر الجهات التاريخية المنسجمة مصدر خطر، وهذا يدلّ دلالة قاطعة على أنّ المعايير التنموية التي تسمح بنجاح الجهوية لم تكن ذات أولوية بالنسبة لهؤلاء الأعضاء. ويعكس هذا المشكل أزمة خانقة في النظام السياسي المغربي تتمثل في عجزه عن التفكير في القضايا الجديدة للوطن خارج بديهيات الفكر القديم، فتشكيل لجنة مكوّنة من أشخاص تربّوا في كنف المركزية ورضعوا من لبانها على مدى عقود، وتكليفهم بالتخطيط للجهوية الموسعة والمتقدمة، هو دليل على عدم إيمان السلطة بشعاراتها التي ترفعها، لأن تحقيق هذه الشعارات على أرض الواقع يحتاج إلى أطر جديدة ذات عقلية منفتحة على نماذج الدول الديمقراطية المتعدّدة في العالم عوض التقوقع في النموذج الفرنسي، وإلى تجديد في الفكر السياسي والإستراتيجي عميق وفعال، وهذا ما لم يتمّ للأسف، فكما يريد النظام إصلاحا في إطار الإستمرارية، يريد أيضا جهوية موسعة في إطار المركزية، وهو تناقض مقلق يكشف عن وصول النظام إلى الباب المسدود، وعلامة ذلك العجز شبه التام عن إبداع الحلول الناجعة أمام متغيرات كبرى وحاسمة. إن تخفيض عدد الجهات من 16 إلى 12 هو ضرب من العبث الذي لا طائل من ورائه، فالجهات الحقيقة في المغرب، والتي يمكن داخلها إنجاح مشاريع التنمية بشكل أفضل وأكثر مردودية هي أقل من ذلك، كما أنّ إغفال العامل التاريخي ـ الثقافي الذي يضمن الإنسجام المطلوب لرفع الإنتاجية، يعني عدم توفر المسؤولين على أية رؤية واضحة، ما عدا الرؤية التي تعتبر السكان قنبلة موقوتة، و ترى أن الحكمة السياسية تقتضي تشتيتهم والحيلولة دون حدوث وعي جمعي وانسجام واندماج في المحيط المحلي، وهي للأسف شروط نجاح الجهوية في البلدان المتقدمة. في الخريطة الجديدة التي يقترحها السيد عزيمان تمّ تقطيع أوصال الريف و سوس والمغرب الأوسط بشكل يدلّ على أننا لم نبرح مكاننا رغم كل التطورات التي عرفها المغرب، فالأمازيغية التي يبشرنا خطاب السلطة بأنها ستحظى باعتراف دستوري ما زالت من الطابوهات بالنسبة لأطر المخزن، وما زالت عامل تهديد للإنسجام العام، مع العلم أن الشعور بالإنتماء في المغرب له مستويات لا يمكن إنكارها، فلا أحد ينكر بأن الإنتماء إلى الجهة له دوره الكبير في التنمية وإنجاح مختلف المشاريع، وإلا فكيف نفسر مساهمة أفراد يعيشون في الدار البيضاء والرباط ـ وبشكل فعال أثار اهتمام المختصين في شؤون التنمية ـ في تحويل مناطق سوس إلى أوراش كبرى عبر جمعيات التنمية المحلية التي أقاموها على أساس روابط ثقافتهم وقيمهم الأصيلة القائمة على مبدأ تيويزي أو ثاويزا (التويزة)، وعلى شعورهم بالإنتماء إلى مناطقهم التي ظلوا على ارتباط بها وثيق. إذا كان هذا شأن المواطنين الذين هم على مسافة كبيرة من جهتهم، فكيف لو تمت إقامة جهوية حقيقية على أساس احترام الجهات التاريخية مع مراعاة مبدإ التضامن الجهوي للحفاظ على توازنات اقتصادية أو طبيعية ؟ إنّ اعتبار العامل التاريخي والثقافي لا يؤدّي كما تعتقد ذهنية "الجاكوبينيزم" إلى تهديد الوحدة الوطنية، ولا إلى خلق كيتوهات مغلقة، بل فقط إلى توفير الشروط الضرورية للتنمية، أما ما تمّ في التقطيع الحالي المقترح فهو مجرد عملية "إعادة انتشار المركزية" مع الكثير من الجلبة والضجيج غير المجدي، الذي تتمخض فيه جبال السلطة دائما عن فئران مضحكة. لقد سبق أن شككنا في نية السلطة في التطبيق الفعلي للجهوية بالنظر إلى بنية النسق السياسي المغربي وتقاليده غير الديمقراطية، كما شككنا في جدوى اللجان والمجالس التي يتم تعيين أعضائها وتوجيههم وتسييج حدود رؤيتهم بثوابت المخزن، وعلى الفاعلين السياسيين والمدنيين الديمقراطيين رفض هذا التقطيع المقترح، والضغط من أجل خريطة للجهوية الموسعة لا تحكمها هواجس وهلوسات لا تنموية، من أجل ترسيخ مفهوم جديد للوطنية المغربية قائم على الإقتناع بأن تقوية الوحدة لا يتمّ عبر التدابير القسرية، بل على أساس تدبير التنوع وإرسائه كقاعدة للتنمية الوطنية.
#أحمد_عصيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثوابت النظام وسقف المطالب الشعبية
-
ما تخشاه السلطات المغربية
-
موانع التغيير السبعة
-
إحراق النخب
-
الثورة وعودة الإيديولوجيات
-
-رعايا- المغرب بين البيعة والديمقراطية من أجل تعاقد سياسي جد
...
-
كيف تسرق الثورات؟
-
أصوات المغرب غير النافع
-
حتى لا يضيع الحلم التونسي الجميل: الحرية أولا !
-
الأمازيغ، القذافي وسيادة الدولة المغربية
-
التربية وثقافة الحوار
-
الأب نويل في بلاد المسلمين
-
دموع الوزراء
-
الإسلام القسري
-
الصحراء السلطة و المجتمع
-
صورة المغرب بين -الإجماع الوطني- و الموقف النقدي
-
عيد الأضحى والسلوك المدني
-
الهوية والتاريخ والسياسة، متابعات
-
إلى المدافعين عن العربية: هذه أخطاؤكم فتداركوها!
-
الفن و الدين بين الذات و المجتمع إلى الممثلة لطيفة أحرار
المزيد.....
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|