رعد الحافظ
الحوار المتمدن-العدد: 3321 - 2011 / 3 / 30 - 21:32
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
{ الآن لديّ حياة سعيدة أحبّ أن أعيشها , أنا أحبّ د. إيكمان لأنّهُ أظهر لنا محبّة وحنان الوالدين , كما لم يفعل أحداً من قبل } .
تلك كلمات طفل أفريقي كيني إسمهُ (( عبدي )) عمره اليوم 19 عام .
******
سأروي لكم بإختصار شديد ماسمعتهُ بالأمس في المحاضرة الشهرية التي نصغي إليها لتطوير مهاراتنا في التعامل مع الناس الكبار والوحيدين والمرضى الذين نزورهم في عملنا الإجتماعي .
كارل آكسل إيكمان / CARL-AXEL EKMAN , شخصية معروفة في مدينتنا , حاز على لقب سفير المدينة في العام المنصرم 2010
هو طبيب جرّاح , وكذلك طبيب النادي الرياضي في المدينة .
تقاعد في سنّ ال ( 65 ) , قبل 22 سنة , يعني عمره اليوم 87 عام , بالكاد يستطيع المشي والكلام البطيء بصوت معتدل .
شكلهُ , طويل مهيب رشيق , لم ينحني ظهرهُ إلاّ قليلاً , مبتسم مع الجميع , يكاد حنانهِ يملأ الجو دفئاً ومحبّة حين يحكي لنا عن تجاربهِ الإنسانية .
عندما تقاعدَ , رحلَ هو وزوجتهِ / طبيبة الأسنان (مونيكا ) , الى أفريقيا , كينيا بالذات ,
ربّما كانت زيارتهم الأولى لها لغرض السياحة ومشاهدة المحميات الطبيعية التي تصل مساحة إحداها في جنوب غرب البلاد
الى حجم مقاطعة ( سكونة ) في السويد حسب وصفهِ ( كما فهمتُ ) .
{ شاهدتُ عالماً , لم أكن أتخيّل وجودهِ } , يقول / د. إيكمان
هل يتحدث عن المحميّات والحيوانات في الطبيعة ؟ أم عن معاناة البشر هناك ؟ لم أكن متيقن في البداية .
خلال كلامهِ يعرض لنا بعض الصور من هناك , إبتدأها بخارطة كينيا ثم المحميات , ثم إنتقل الى صور الناس وبيوتهم وبؤسهم وخبال الجوع والعدم .
ثمّ عرضَ صوره هو وزوجتهِ مونيكا مع الناس , في تفاصيل كثيرة .
الصورة التي توقّف عندها طويلاً هي مستشفى مدينة / غاريسا البائسة
هل تصدقون وجود مستشفى بلا ماء ؟ سألنا / د. إيكمان وأضاف :
أنّ النهر يبعد عنها حوالي كيلومتر واحد , والعاملين ( طبيب وبضعة ممرضات ) يجلبون يومياً معهم مايستطيعون حمله من ماء .
ثم يعرض لنا صور فتيات بعمر الورد سيُقتادون الى الختان أو (Könsstympade) أو تشوية الأعضاء الجنسية حسب المصطلح السويدي .
كل طفلة تمسك بها أربع نساء يجلسنّ على أطرافها ويضعون أيديهم على جسدها الغضّ ليمنعوها من الحراك , فالعملية تتم بلا بنج ولا هم يحزنون .
الآلات التي تتّم بها العملية عبارة عن شفرة حلاقة وسكين حادة مستقيمة وسكين معقوفة غريبة وكلّها بلا تعقيم طبعاً .
والمشكلة الآنيّة , ليس في تشويه الأعضاء التناسلية لأؤلئك الأطفال , بل بما يحدث بعدها من إلتهابات وجروح وقروح , بحيث وددتُ أن ينتهي من هذا الجزء , فكنتُ أحيدُ بوجهي عن تلك الصور البشعة , فإذا بتأوهات وآهات الحاضرين ودموع بعضهم تزيد في حيرتي ... أين أنظر ؟
******
آسف لهذا الجزء المؤلم في المحاضرة
بعد بضعة صور عرضها عن النشاطات التي تنامت في المدينة خلال وجوده هناك , توقف عند صورة شجرة كبيرة وقال :
ستسألون ما سرّ هذهِ الشجرة , لماذا تعرضها علينا ؟
لقد دفنتُ زوجتي مونيكا تحتها , ويقوم الناس بزيارتها والترحم عليها هناك !
تحدث بعدها عن أعداد المتعلمين حالياً مقارنةً قبل عقدين من الزمان عندما وصل ولم يكن سوى بضعة بشر يعرفون ماهي المدرسة .
اليوم , إحدى الفتيات , التي درّسها وعلمها هو شخصياً أكملت الطب وأصبحت عضو في البرلمان عن مدينتها ... تخيلوا ؟
السويديون عاطفيون جداً , ومثل هذا الخبر يجعلهم يصفقون طويلاً و يبكون في نفس الوقت .. لا أعرف كيف ؟
لقد شيّد / د. إيكمان وزوجته هناك مستشفى بمتناول جميع المحتاجين , وأنشأ قربها مآوى أيتام فيه المئات
( صورة أحدهم إلتقطوه من المزبلة مع حبلهِ السرّي , لم يمت بعد ) .
والأهم أنشأ , مدرسة يدرس فيها اليوم 1200 طالب وفيها 20 معلمة تخرجوا من نفس المدرسة ,وعدد من المباني الجماعية لفاقدي المأوى وغير ذلك .
كان جواب إيكمان وزوجتهِ , لمن يسألهم من الخريجين كيف نوفي لكم بعض أفضالكم علينا ؟ يجيبوهم ... علمّوا الآخرين قدر ماتستطيعون !
****
ملاحظات من المحاضرة وبعدها
* أرانا صورة مسجد المدينة ( الفخم ) الذي أنشأته لهم دولة مسلمة .
أنا قلتُ في نفسي هذه أكيد .. السعودية الوهابية , فهي لاتجيد سوى ذلك وتسأئلتُ كم كان سيكلفهم مدّ خط للمياه بطول 1 كم , الى المستشفى ؟
* بعد إنتهاء المحاضرة / وفي وقت الأسئلة العامة
سأل صديقي الإيراني , المُحاضر / قال له : شكراً لكل أعمالك هناك لكن ألا تعتقد أنّك بدأتَ متأخراً ؟ فربّما لو بدأت قبل عشر سنين كنتَ أنقذت المزيد ؟
أردتُ أن اسحبه وإسكته لفجاجتهِ , لكن د. إيكمان جاوب بمنتهى المحبّة
فقال : دائماً توجد داخلنا قوى وقدرة لإنقاذ الضعفاء والبائسين , لانعرفها إلاّ عند التماس بالأمر وإختبار ذواتنا , وأضاف أنا آسف لكل ضحية لم أستطع إنقاذها .
* عندما شاهدتُ صورة ( الوليد مع حبلهِ السرّي ) , تذكرتُ الآية
{ مَنْ أحيّا نفساً فكأنّما أحيّا الناس جميعاً } لكن هل يُفعّل المشايخ تلك الآية ؟
* قامت زوجتهِ بدراسة جميع ( القرآن ) تفصيلياً لتعثر على آية الإكراه على الختان فلم تجدها ,
فقام هو ( أيكمان) بالتحدّث طويلاً مع إمام المسجد , وهل يوجد إجبار على الختان في الإسلام ؟
وأجابه الإمام : لا , لايوجد ذلك !
ولا أدري لماذا لايساهم مشايخنا يوماً في رحلات فردية أوجماعيّة الى أفريقيا ( كينيا والصومال مثلاً ) لشرح تلك المعضلة بدل ماهم قاعدين ؟
* إحدى السيدات سألته / لماذا لايستخدمون ( الكوندوم ) ؟ أعتقد, قصدت تحديد أعداد الولادات الكبيرة ؟
وفهمتُ من جوابهِ / إمتناع الناس دينياً وحتى كاثوليكياً وماشابه .
* سيدة سألته / هل كنتَ تحصل على معونات مالية حكومية ؟ أجابها / مطلقاً .. لم أحصل ولم أحاول حتى .
* بعض الصور التي عرضها في البداية فيها تفاصيل الاعمال اليومية التي تقوم بها النساء .. إبتداءً بجلب الماء والطعام الى البيت
( إشلون بيت ؟ ) الى العناية بالأطفال والمنزل وكل شيء , ولم يفهم جميع الحاضرين ماهو عمل الرجال هناك ؟
* صورة مضحكة بالفعل , لغرفة طبيب الأسنان , فكل شيء على الأرض والكرسي يعود لما قبل 30 عام وحتى المصباح الكبير له لايعمل .
* تقارير الأمم المتحدة تتحدث عن 130 مليون إمرأة تعرضّت للختان أو تشويه الأعضاء الجنسية ,
وفيما يخص مدينة غاريسا 98 % من الفتيات مازالوا يتعرضون لها , رغم منعها دولياً .
* بعد المحاضرة , ذهبتُ لمصافحتهِ والتحدّث إليه وسؤالهِ عن إمكانية إلتقاط صورة معهُ , فرحبّ طبعاً وأخبرته أنّي سأكتب عنهُ وعن زوجتهِ وأبعث له بترجمة المقال , فشكرني مقدماً
ولكم جميعاً أعترف , انّ هذا الرجل يكاد يكون هو الأهم إنسانياً الذي قابلتهُ في حياتي وجهاً لوجه .
كتبتُ سابقاً عن الشعب السويدي وإنسانيتهِ التي تفوق الوصف .
لكن الأمر مع د. إيكمان , يقرب من الخيال كثيراً
لاأستطيع تقنياً وضع صور أمس , لكن سأضع رابط عام لترون صورتهِ إن أحببتم .
http://www.aftonbladet.se/svenskahjaltar2009/article3884943.ab
إنّهُ مثال مُلهم لمن يُريد أن يعيش حياة فعّالة نافعة , في مكان تتقلص فيه إمكانيات الحياة الى مادون الحدّ الأدنى .
إنّه صاحب مشروع غاريسا / د. كارل آكسل إيكمان , الذي يؤمن
بأنّ كل شخص يستطيع أن يُساهم في تحسين حال هذا العالم , وكرّر دعوتنا الى ذلك .
يقول الفيلسوف الإيرلندي / إدموند بيرك
{ كلّ ما يحتاجهُ الشرّ لينتصر , هو أن يقف الأخيار على الحياد لايفعلون شيئاً } !
تحياتي لكم
رعد الحافظ
30 مارس 2011
#رعد_الحافظ (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟