|
حول طبيعة الثورات الراهنة في العالم العربي وحدودها
عواد احمد صالح
الحوار المتمدن-العدد: 3321 - 2011 / 3 / 30 - 17:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ان الثورات الراهنة في العالم العربي والتي بدأت بالثورة في تونس واعقبتها الثورة في مصر ثم الاحتجاجات والتظاهرات في اليمن والعراق والبحرين وليبيا والتي لم تنتهي حتى اليوم تطرح تساؤلات مهمة حول طبيعة وافق هذه الثورات من الناحيتين السياسية والاجتماعية وماهي النتائج التي تمخضت او سوف تتمخض عنها . في واقع الامر ان كل ثورة من هذه الثورات ذات طبيعة مختلفة عن الاخرى وذلك حسب طبيعة النظام السياسي والضروف الاجتماعية للبلد المعني الا ان ثمة قاسم مشترك يجمع بينها هو النزوع نحو الحرية وتحقيق مطالب اجتماعية ملحة تفرضها الازمات الاجتماعية الخانقة وانعكاس أزمة النظام الرأسمالي العالمي في عصر العولمة والقطب الواحد على البلدان العربية .. حدود التغيير وطبيعة المرحلة التاريخية ان مجرد التغيير السياسي ليس غاية بذاته بل ما ينبغي ادراكه تماما هو الى ماذا سيؤدي هذا التغيير وبمصلحة اي طبقة اجتماعية سيصب في نهاية المطاف وما هي النتائج المحلية والعالمية المترتبة عليه . ان المرحلة التاريخية الراهنة من حيث الاتجاه والوعي العام في دول المحيط الرأسمالي والدول العربية تحديدا حيث يوجد مركز الثروة النفطية في العالم هي مرحلة تتسم بهجوم الامبريالية على جميع الدول والشعوب التي حققت الاستقلال الوطني وتخلصت من الهيمنة الاستعمارية السابقة تحت اطار ما يسمى مشروع الديمقراطية او ما سمي قبل عدة سنوات ((مشروع الشرق الاوسط الكبير )) ان هذه المشاريع بمجملها تهدف الى اخضاع الشعوب واعادة وضعها تحت الهيمنة الامبريالية المباشرة وغير المباشر وتفتيت وحدها تحت اطار الدفاع عن الخصوصيات الدينية والمذهبية والعرقية وحتى الخصوصيات المحلية الضيقة المناطقية والعشائرية .و توحي جميع اجهزة الاعلام والفضائيات المأجورة التي تعمل في سياق خدمة المشروع الامبريالي على ان الهدف من التغيير هو نشر الحرية والديمقراطية والتخلص من الديكتاتورية ... وان ((الثورة الديمقراطية )) هي ما ينبغي تحقيقه في هذه الدول وقد بدأت العملية بالبروفة التونسية ولم تنتهي حتى اليوم وسنبين هنا زيف التعاطي الامبريالي الغربي وازدواجيته وبرغماتيته مع احتجاجات الجماهير والذي يمكن تلخيصه بعبارة بسيطة (انا اسكت عمن يخدم مصالحي ويخضع لي واصرخ ضد من لا يخضع ولا يخدم مصالحي ) الموقف الغربي الامبريالي الاستعماري مبني فقط وفقط على ما يخدم مصالح تلك الدول وهو في جميع الاحوال ليس موقفا انسانيا وحضاريا ولا يمكن ان يكون كذلك فهم لا يريدون الحرية والخير والرفاه للجماهير العربية المحتجة ضد الانظمة الفاسدة والديكتاتورية ابدا . لقد رأينا وجربنا التغيير الذي حصل في تونس ومصر وتعلمنا منه الكثير ، تمكنت الطبقة السائدة البرجوازية في كلا البلدين من البقاء والاستمرار اي بعد طرد الرموز الفاسدة والمكروهة جماهيريا واجراء "تحسينات " على النظام السياسي وتقديم بعض المكاسب الاجتماعية اي باختصار شديد تحول كلا النظامين في مصر وتونس او هما في طور التحول من نظام الديكتاتورية البونابرتية البرجوازية الى نظام ((الديمقراطية الليبرالية)) وسيكون هذا النظام في الشرق العربي مع تخلف القاعدة المادية والثقافية هذا الشرق الذي يختزن في اللاوعي الجمعي ثقافة الاكراة والاقصاء عبارة عن كاريكاتير للديمقراطية الغربية كما هو حاصل في العراق ولبنان ، ففي العراق توجد اكبر محاصصة طائفية في التاريخ واكبر حكومة من حيث الوزراء في العالم تحت يافطة الديمقراطية الامريكية والتبعية الامريكية . وستتمخض عن ذلك النظام دول ضعيفة تشوبها التناحرات والصراعات . ان الايديولوجيا البرجوازية الرأسمالية بهذا الكم الهائل من وسائل الاستلاب تمكنت من تقنين الوعي الجماهيري وبرمجته وفق مشيئتها وتوجهها وبواسطة (الفضائيات ، الانترنيت السلع الاستهلاكية ومختلف وسائل الاستلاب الأخرى واهمها المال) سفهت الاشتراكية استنادا الى التجربة السوفييتية وجعلت منها يطوبيا بعيدة المنال بل حلما تافها لمجموعة من الناس المثاليين والحالمين "والعاجزين "واهم شيء انها في الاوساط المثقفة والاكاديمية اشاعت فكرة موت الايديولوجيا وصورت الايديولوجيا على انها واحدة من وسائل تحجيم الوعي والثقافة وانها عبارة عن قيد وتحجر خصوصا فيما يتعلق بالماركسية واصبحت "الشيوعية " مودة عتيقة واثر من الاثار التاريخية الغابرة .كما اشاعت بين صفوف الجماهير العريضة وخصوصا الشباب فكرة استهجان السياسة والتسيس والتحزب وقد انصرف معظم الشباب عن الاسهام في النضال الثوري والحركة الاجتماعية وذلك انهم يرون بملأ اعينهم هذا الكم الهائل من الاحزاب الفاسدة والعاجزة سواء من اصحاب اليسار او من اصحاب اليمين .لذلك كانت الحركات الاجتماعية والثورات الراهنة التي يشارك فيها الشباب بنسبة كبيرة تجري خارج الاحزاب التقليدية وبالضد منها في احيان كثيرة كما حصل في تونس ومصر فقد سبقت مطالب الجماهير المنتفضة وغير المتحزبة في مصر مثلا برامج اكثر الحركات رديكالية وتجاوزتها ... تلك الحركات لم تجرؤ في في يوم من الايام على المطالبة مثلا باسقاط النظام او انها كانت تعتبر مثل هذا الشعار ضرب من الخيال . بناء على هذا التصور وارجو ان اكون مخطئا ليست الاشتركية هدفا مباشرا للنضال الجماهيري والاجتماعي اليوم في الثورات العربية الحالية مطروحا على جدول اعمال التاريخ . ان قوى اليسارالثوري والشيوعية العمالية ومختلف التيارات الماركسية الثورية الاخرى في المنطقة العربية تحاول اعادة الاعتبار للاشتراكية واعادة ادخالها الى الوعي السياسي الجماهيري اليوم بصفتها الحل الوحيد والمخرج الممكن من الازمات الاجتماعية والانظمة الفاسدة والرد الوحيد والممكن على تعفن النظام الرأسمالي الذي يصدر ازماته الخانقة عن طريق الحروب والهيمنة والاخضاع الى جميع شعوب الارض . وقد اثبتت التجارب القريبة للثورات في العالم العربي ان التغيير الذي حصل في تونس ومصر والذي سيحصل في بلدان عربية اخرى قريبا هو تغيير شكلي الى ابعد الحدود ، الجناح القومي البونابرتي الفاسد من البرجوازية الحاكمة والعاجزعن تطوير وسائل الانتاج وتحسين حياة الملايين من الناس يسقط بفعل ثورة الجماهير ويستلم السلطة الجناح الليبرالي من البرجوازية المدعوم امريكيا وغربيا لا شك انه ستحصل بعض المكاسب الاجتماعية والسياسية مثل زيادة الاجور وتثبيت العمال المؤقتين واشاعة الحريات مثل حرية الرأي والفكر والصحافة وتكوين الاحزاب ...الخ.وغير ذلك وهي مكاسب مؤقتة.. لكن في واقع الامر لن يحصل اي تحول طبقي اجتماعي حقيقي لصالح الطبقة العاملة والكادحين والمحرومين والفئات المهمشة تلك الطبقات والشرائح التي تساهم وتشارك وتقود عملية التغيير . وعلى الرغم من ان الاشتراكية ليست هدفا مباشرا للنضال الجماهيري في الاحتجاجات والثورات الحالية بسبب سيادة الاوهام الكثيرة عن ((الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان)) التي تعممها الايدولوجيا البرجوازية الان في عصر العولمة والهجوم الامبريالي الا انها تظل الجواب الوحيد الممكن والشافي على المشاكل والازمات الاجتماعية والسياسية التي تعانيها المجتمعات العربية اليوم وغدا. الطابع الاجتماعي للثورات الراهنة ودور اليسار فيها ان الحركات الاحتجاجية والتظاهرات القائمة اليوم والتي قامت في مصر وتونس واليمن والبحرين والمغرب والعراق هي حركات اجتماعية حقيقية ناجمة عن التمايز الطبقي الحاد والفقر والبطالة والديكتاتورية وما يرافقها من استعباد وامتهان كرامة الانسان وحقوقه .وان النظام العربي والطبفات الحاكمة العربية بعد اكثر من نصف قرن من ثورات التحرر الوطني وفي ظل الازمة العالمية للرأسمالية وصلت الى طريق مسدود انها لم تعد قادرة على تحقيق اي مكاسب على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي بل هي شيئا فشيئا عمقت الفوارق الطبقية بين اغلبية ساحقة من المجتمع العمال والكادحين وشرائح من البرجوازية الصغيرة وصادرت حقوق الشباب والنساء لصالح حفنة من الراسماليين الطفيليين المرتبطين بالراسمالية العالمية والذين يتمتعون بكل شيء المال والجاه والسلطة والرفاه على حساب الاغلبية المفقرة والمهمشة . لذلك فان الاحتجاجات والانتفاضات والثورات اليوم ذات طابع اجتماعي وجماهيري لانها تمثل مصالح الأغلبية من المجتمع الطامحة نحو الحرية والمساواة والرفاه الاجتماعي .لقد لعبت قوى اليسار في الاحتجاجات رغم امكانياتها المحدودة وكونها احزابا صغيرة دورا مؤثرا فهي اعطت لهذه الثورات والاحتجاجات في مصر وتونس والعراق خصوصا شعاراتها وبرامجها التقدمية وقد اعترفت قناة بي بي سي البريطانية بان تظاهرات واحتجاجات العراق يقودها اليسار ويسار الوسط وهي تتسم بطابع طبقي واضح اي ان الاغلبية الساحقة من المجتمع العمال والكادحين والشباب والنساء وجميع الفئات المهمشة انتفضوا ضد فساد الطبقات الحاكمة وسرقتها للمال العام ذلك الفساد المستشري في مفاصل الدولة التي راحت تصادر لقمة العيش وتنفذ اجندة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وتخضع لمصالح الكارتلات والاحتكارات الامبريالية الكبيرة . ان احزاب اليسار الموجودة في عموم المنطقة العربية احزاب صغيرة وضعيفة ومعظمها ليس لديه برنامج ثوري للوصول السلطة أي برنامج تغييراشتراكي جذري وقد تعرضت لسنوات طويلة من قمع الانظمة الديكتاتورية وفي الغالب كثير منها محبط سياسيا بسبب اتكاءه على ارث التجربة"الاشتراكية "المجهضة في الاتحاد السوفييتي السابق .هذا اضافة الى انتهازية وبيروقراطية قادة النقابات والحركة العمالية ولهذا فان تاثيرها في الحركات الاجتماعية مهما كان حجمه سيظل محدودا . هذا من جهة ومن جهة اخرى فان دور الامبريالية في توجيه مسار هذه الثورات وتفريغها من محتواها الاجتماعي والطبقي يبقى هو العامل المؤثر بالدرجة الاولى بسبب هيمنة الامبريالية عالميا وقوتها العسكرية الاقتصادية والاعلامية .ان الولايات المتحدة تلعب اليوم دور الشرطي العالمي والوصي على جميع الشعوب وهي تستخدم مجلس الامن وما يسمى ((الشرعية الدولية )) لتنفيذ اجندتها الخاصة ومصالحها ومخططاتها المستقبلية . وبواسطة الماكنة الاعلامية الهائلة والتي تشارك فيها وسائل اعلام عربية متعددة تستطيع الولايات المتحدة ركوب اي موجة ثورية جماهيرية وتوجيه مساراتها وممارسة الوصاية على قياداتها وفق ماتريد الامبريالية كما انها قادرة على تشويه صورة اي نظام طبقا لما تريد ومن ثم ايقاع العقاب به عن طريق استخدام ما يسمى قرارات الشرعية الدولية مع وجود ذلك الكم الهائل من الساسة المنبطحين امام السياسة الامريكية . الامبريالية وازدواجية المعايير لا تتعامل الامبريالية الامريكية ودول الغرب بمقاييس متشابهة مع دول العالم وفي المنطقة العربية خصوصا وبعد الثورات والحركات الاحتجاجية القائمة الان يتضح ذلك بصورة جلية جدا .ففي الوقت الذي اعتبرت الولايات المتحدة نظام القذافي نظام دموي وارتكب المجاز بحق شعبه سواء كان ذلك صحيحا او انه ناتج عن التهويل الاعلامي المبرمج وفرضت علية الحظر الجوي وسارعت بتوجيه ضربات عسكرية معروفة نتائجها سلفا ستؤدي للاضرار بالشعب الليبي اولا قبل ان تضر النظام الحاكم واظهر قادة الغرب ساركوزي واوباما وهيلاري كلنتون حرصهم الزائف على حياة المدنيين الى حد التباكي والجنون فان هؤلاء المسعورين لا يرون سوى جانب واحد من المسالة . لقد سبق لهم ان تغافلوا عن جرائم اسرائيل وابادتها الجماعية في حرب تموز على لبنان وصمتوا صمت القبور عن قصف غزة المتواصل وقتل المدنيين الفلسطينيين الذين يطالبون بحقوق مشروعة يقرها المجتمع الدولي برمته ان الولايات المتحدة هي التي استعملت الفيتو ضد قرار مجلس الامن الذي يدين الاستيطان الاسرائيلي في القدس وهي تساهم بشكل فاعل في تعطيل جميع القرارات الدولية التي تدين ممارسات الدولة الفاشية الإسرائيلية وتعطل بشكل مقصود مشروع قيام الدولة الفلسطينية المستقلة . ولم تكن خرافة حقوق الانسان وسلامة المدنيين مائلة في اذهان قادة الولايات المتحدة التي احتلت العراق عام 2003 وتسببت في قتل مليون انسان كما انها اليوم ومع بقية القادة الغربيين المريضة لم تحرك ساكنا اثناء تظاهرة 25 شباط في العراق التي قتل فيها اكثر من ثلاثين متظاهر ومارست الحكومة الصنيعة ابشع الاساليب الفاشية ضدهم الى حد رشهم بالماء المغلي ولم تنبس الولايات المتحدة التي يحتل جيشها العراق كلمة واحد باستنكار او استهجان ما فعلته الحكومة العراقية لانها نتاج لبرنامجهم ومخططهم الاستعماري وهي تمثل تجربتهم البائسة .. وما قتل من متظاهرين في اليمن او البحرين وما حصل من انتهاكات بشعة ضد حقوق الانسان فهو لا يعنيهم بشي لان لديهم اتفاقات واجندة خاصة مع هذه الدول فالبحرين اكبر قاعدة للاسطول الامريكي في الخليج لذلك مادمت الانتفاضات الجماهيرية في هذا البلد او ذاك لا تتوافق مع مخططات ما يسمى ((مشروع الشرق الكبير والمغرب العربي )) فان الامبرياليين من كل شاكلة وطراز لن يقفوا الى جانبها ولن يسارعوا الى نصرتها . لقد قدمت الولايات المتحدة الضوء الاخضر لقوات درع الجزيرة لدخول البحرين وقمع الانتفاضة الجماهيرية .ولم تعلق على المجزرة التي ارتكبها النظام في اليمن بقتلة 50 متظاهرا اعزلا في ساحة التغيير في صنعاء. ان الولايات المتحدة تتعامل مع بعض الانظمة العربية التي تسميها (المتشددة ) بطريقة معادية واستفزازية بينما تتعامل مع الاخرى التابعة لها والمتوافقة مع مصالحها بطريقة مرنة وتسميها الانظمة (المعتدلة ) وهنا لابد للجماهير العربية المنتفضة ضد الانظمة الفاسدة والديكتاتورية ان تعي ما تخطط له الامبريالية وان تكون انتفاضاتها وثوراتها ضد الامبريالية ومخططاتها بالدرجة الاولى وضد الوصاية الامبريالية التي تهدف دائما الى فرض نظام سياسي تهيمن عليه وتسلب قراره السياسي لكي ينفذ مصالحها وسياساتها . بما يؤدي الى ايجاد انظمة جديدة ديمقراطية علمانية واجتماعية قوية ومستقلة تحترم الحريات وحقوق الانسان وتكون في خدمة مصالح الطبقات الكادحة والفقيرة والمهمشة وبما يؤدي الى تحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية . المجتمعات العربية وكاريكاتير الديمقراطية الغربية ان الهدف الاول والمعلن من الثورات والاحتجاجات التي يقودها الشباب اليوم هو اقامة ((انظمة ديمقراطية)) في البلدان العربية قائمة على سيادة القانون وحكم المؤسسات والتداول السلمي للسلطة ولكن ثمة سؤال مهم يطرح نفسه هل التركيبة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في معطم الدول العربية مهيأة لاقامة نظام او انظمة ديمقراطية نموذجية على الطريقة الغربية ؟؟ والجواب هو ان تلك التركيبة الاجتماعية –كما سبق ان بينت ذلك في مقالات سابقة- وفي ظل الهيمنة الامبريالية والتقسيمات والخصوصيات المحلية الدينية والطائفية والعرقية وفي البلدان المتعددة الاعراق والطوائف مثل العراق ولبنان ومصر وسوريا والبحرين واليمن والسعودية ..الخ غير مهيأة وبشكل كاف ولان المجتمعات العربية شبه الاقطاعية العشائرية القبلية الطائفية الدينية مازالت في اغلبها تعيش على ارث الماضي وتسود فيها ثقافة الاستبداد والاقصاء والتهميش والطائفية . لقد اثبتت تجربة ما يسمى العملية السياسية في العراق وبعد دورتين انتخابيتين ان الطبقات السائدة التي تمثل غالبا طوائف معينة وقومية معينة تحاول الانفراد بالحكم باي وسيلة ممكنة وتهميش الاخرين وما يسمى التداول السلمي للسلطة لم يكن الا اكذوبة رخيصة فبعد الانتخابات الاخيرة في العراق التي جرت في اذار 2010 اصر كل من المالكي والطالباني على البقاء في منصبيهما رغم فوز القائمة العراقية بزعامة اياد علاوي باغلبية بسيطة وقد تحقق لهما ذلك عن طريق المساومات والمحصصات الطائفية والقومية والالاعيب السياسية . ان الديمقراطية الليبرالية تحتاج الى قاعدة مادية برجوازية تحتاج الى مجتمع وصل الى مرحلة الحداثة الى ثقافة المواطنة والانسانية واحترام الرأي الاخر الى مجتمعات تجاوزت ارث الماضي والتقسيمات الاجتماعية والهويات الفرعية القائمة على انتماء الفرد لجماعة معينة اومذهب اوعرق اوديانة معينة .بينما نحن نعيش عصر العولمة المتمثلة بالهجوم الامبريالي الغربي على المكاسب التي حققتها الشعوب في مرحلة التحرر الوطني والنهوض القومي ،عصر انبعاث الهويات الفرعية والتقسيمات الطائقية والدينية والعرقية عصر الخصوصيات المغرقة في المحلية بدفع وايحاء من الامبريالية عصر الحروب الرجعية الشرسة حروب تفتيت الشعوب والدول وتجزئتها واعادة تقسيم مناطق النفوذ . اننا نشهد اليوم اعادة سيناريو حقبة البلقنة في الوطن العربي . تخبط الشباب العربي : ازمة الهوية واللاتسييس نحن مع الثورات والانتفاضات والاحتجاجات التي يقودها الشباب العربي باغلبية واضحة ومعة جميع الشرائح والطبقات الاجتماعية الكادحة والمهمشة ولكن لابد ان تكون هذه الثورات واعية تهدف الى تغيير الواقع الاقتصادي والاجتماعي جذريا واعادة بناء المجتمعات والدول وفق منظور وقيم الحداثة والحرية وهوية المواطنة وان تحقق الرفاه وتكون ذات توجه ايديولوجي واضح ضد الهيمنة الامبريالية ضد الرأسمالية والصهيونية ضد الاضعاف والتفتيت والتشرذم ضد اعادة مجتمعاتنا الى القرون الوسطى وادخالها في اتون الفوضى الشاملة والصراعات الجانبية وتعطيل التطور والتحديث نموذج الدولة المطلوب هو دولة وطنية وعلمانية قوية قائمة على الحرية بكل ابعادها واحترام حقوق الانسان وليس على اساس كاركاتير الديمقراطية الغربية القائم على المحاصصات الطائقية والقومية والمناطقية كما في العراق ولبنان . ان الشباب العربي الثائر والمحتج اليوم يتخبط .... فهو يعيش ازمة هوية سياسية بعد ان انحسار موجة ((الايديولوجيا القومية التقدمية)) التي رافقت وانبثقت عن مرحلة التحرر الوطني والاستقلال القومي من الاستعمار القديم اعتبارا من من منتصف القرن العشرين الى يومنا هذا بسبب فساد الانظمة التي رفعت رايتها ووصولها الى طريق مسدود اقتصاديا وسياسيا...اضافة الى ضعف وتشرذم الهوية اليسارية الثورية لاسباب ذكرت في هذا المقال . ان التطورالتاريخي ليس عملية ميكانيكية وجبرية اقتصادية كما اثبتت ذلك مراحل تطور وتحول الرأسمالية من حالة الى حالة نحن اليوم في عصر الهجوم الامبريالي الكولونيالي الجديد تحت اطار مشروع (الديمقراطية والحرية ) التي تعني في جانبها الاساسي فتح الحدود لرساميل واستثمارات الدول الامبريالية .. واعادة تقسيم مناطق النفوذ بين الدول الاستعمارية القديمة التي تتبادل الادوار اليوم وتقسم مناطق النفوذ جغرافيا بشكل جديد ففرنسا التي لم تشارك في حرب الخليج وحرب افغانستان خرجت خالية الوفاض وتضررت مصالحها الاقتصادية والسياسية في الشرق الاوسط واسيا ومن هنا نفهم لماذا يسارع ساركوزي لضرب ليبيا ومحاولة تقويض النظام فيها اكثر من الاخرين ويتفاخر بان طائراته اول من وجه الضربات العسكرية أليس ذلك لكي يضمن له موطيء قدم في بترول ليبيا وثرواتها وكونها ارض بكر صالحة للاستثمارات الراسمالية وهل ثمة سبب اخر؟؟؟ لماذا لا يهتز جبين ساركوزي الدمية على مئات المدنيين الذين يقتلون يوميا في افغانستان والعراق وفلسطين بفعل الحروب الامبريالية وما تمخض عنها من ويلات وجرائم ؟؟؟ ولقد كان اول من احتج على اندفاع ساركوزي المحموم نحو ليبيا السيد برلسكوني رئيس الوزراء الايطالي المشهور بالفضائح الجنسية متذرعا ان ليبيا منطقة نفوذ لايطاليا ،واليوم لم يعد قادة الغرب يخفون حياءهم بالحديث عن مناطق النفوذ الجديدة في العالم العربي وغيرة وبشكل صريح وواضح . ان الشباب العربي الثوري بحاجة ماسة اليوم لفهم ما يجري حولهم من احداث والى معرفة حجم المؤامرات والخطط التي ترسمها الدول الامبريالية لاقتسام مناطق النفوذ والتفتيت والهيمنة الجديدة على مقدرات الشعوب وسلب ارادتها الحرة .وتأسيس هوية تحررية وتقدمية ويسارية ووطنية جديدة واضحة المعالم والاهداف ...تصل بعملية التحول والتغيير الجارية الى الهدف المنشود . ان التغيير السياسي كما اشرنا ليس غاية في ذاته المهم هو معرفة نتائج هذا التغيير هل هي في خدمة الجماهير الغفيرة الكادحة والمهمشة ؟؟ هل ستتحقق الحرية الحقيقية وهي التخلص من الاستعباد الرأسمالي والفوارق الطبقية وتوزيع الثروة بشكل عادل على الجميع هل سيحقق التغيير بناء دولة علمانية قائمة على هوية المواطنة دولة قوية تستطيع مواجهة الهجوم الامبريالي ؟؟ ومقاومة نفوذ الامبريالية الاقتصادي والسياسي ؟؟ ان النتائج تشير اليوم عكس ذلك مع الاسف وكل من يعتقد ان الدول الغربية الذين اسماهمهم احد الكتاب العرب (كلاب الحرية ) يريدون تحقيق الديمقراطية والحرية والرفاه لشعوبنا فهو على وهم كبير... انهم يتدخلون اليوم في كل صغيرة وكبيرة تجري في المنطقة العربية ويمارسون دور الوصاية على الشعوب ويريدون توجية حركات التغيير وفق الوجهة التي يريدون . والهدف واضح جدا هو اعادة النفوذ الاستعماري والهيمنة وتقسيم مناطق النفوذ من جديد واستعباد الشعوب واذلالها وسلب ارادتها الحرة ... لقد افتتحت الحرب الامبريالية الامريكية على العراق عام 2003حقبة الهيمنة والاستعمار الجديد ودشنت الثورة التونسية حقبة الثورات العربية الجديدة ولن تكون هذه الثورات جديرة بهذه التسمية مالم تقلب الواقع الاقتصادي الاجتماعي الرأسمالي الديكتاتوري المتخلف مالم تنفض عن الشعوب قيود الاستغلال الرأسمالي والهيمنة الاستعمارية الجديدة وان تفتتح عصرا جديدا من الثورات الاشتراكية الظافرة وان تكون عاملا حاسما في قلب وتحطيم النظام الراسمالي البالي على المستوى العالمي واقامة صرح نظام اشتركي اكثر عدلا وانسانية وحرية والا لن تكون ثورات حقيقية ابدا بل مجرد مراحل جديدة لانظمة استغلال جديدة . عواد احمد 30/3/2011
#عواد_احمد_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من اجل نجاح الثورة في تونس الى النهاية ...ما العمل ؟؟؟
-
لا لم يتغير لون السيناريو ولكن هل ينبغي البقاء مكتوفي الأيدي
...
-
وجهة نظر حول انتخابات مجالس المحافظات
-
أوباما ومنطق التغيير على الطريقة الأمريكية
-
الإسلام السياسي يحاول تحسين صورته
-
بأي معنى يمكن الحديث عن تصحيح المسار في الحزب الشيوعي العراق
...
-
العولمة ونتائجها وأفق الماركسية واليسار ودور الطبقة العاملة
-
الماركسية بعد 125 سنة على رحيل ماركس
-
موضوعات حول المسألة القومية في عصر العولمة
-
احتدام الخلافات بين اطراف الحكومة الحالية يعكس الازمة العميق
...
-
قضية المرأة ومحنة التغيير
-
سيطرة حماس على غزة : نتائج ودلالات
-
محاولة لترميم الوهن
-
في الذكرى الرابعة للحرب واحتلال العراق -محاولة لتحليل الحرب
...
-
ماهي دلالات قمة الرياض
-
التعايش في مجتمعات الاختلاف ليس ممكنا فقط بل ضروريا
-
حتمية فشل استراتيجية بوش الجديدة في العراق
-
إشكالية ثقافة التمدن والاختلاف الفكري والسياسي في المجتمعات
...
-
هواجس تحت حظر التجوال
-
بلاغة الاسم
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|